يعود أصل علم السياسة و هدفه إلى إيجاد الصيغة الأمثل في الحكم مما يُحقق الإستقرار السياسي والنمو الإقتصادي والتوازن الإجتماعي وبالتالي الإزدهار والرخاء للشعب. وبناءاً على ما ذكر ظَهر العديد من الفلاسفة الذين تَحدثوا عن أشكال أنظمة الحُكم السياسي وطَبيعتها ونِقاط ضَعفها وقُوتها. ومما لاشك فيه أن الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو -Montesquieu هو أحد أهم هذه الفلاسفة بتحدثه عن مفهوم فصل السُلطات المُستلهم من أفكار الفيلسوف الإنجليزي جون لوك – John Locke. إنتقد مونتسكيو بشدة تداخل السلطات و نادى بوضع فواصل بينها.
بناءاً على أفكار مونتسكيو ظَهر ثلاث أنظمة حكم سياسية رئيسية ألا وهي النظام الرئاسي والنظام البرلماني والنظام الشبه رئاسي. في النظام الرئاسي يُنتخب رئيس الجمهورية بالإقتراع المباشر ويكون الرئيس مسؤولاً عن تشكيل الحكومة والحكومة مسؤولة أمامه. في هذا النظام لا يكون الرئيس مسؤولاً أمام البرلمان والأخير لا يكون قادراً على حل الحكومة. أما النظام البرلماني فيتألف من رئيس جمهورية بصلاحيات رمزية بينما تكون السلطة مُركَّزة بيد رئيس الوزراء، في هذا النظام تكون الحكومة مسؤولة بشكل مباشر أمام البرلمان ويستطيع البرلمان حل الحكومة عبر سحب الثقة منها ويستطيع أيضاً إستجواب الحكومة أو رئيسها أو احد الوزراء في الوقت الذي يراه البرلمان مناسباً وبتحقق النسبة اللازمة من عدد النواب للقيام بهذا الإجراء. بينما النظام الشبه رئاسي يتكون من رئيس جمهورية مُنتخب بالإقتراع المباشر و رئيس وزراء مُنتخب من برلمان مُنتخب إذ يكون رئيس الوزراء مسؤولاً أمام البرلمان و أمام رئيس الجمهورية أيضاً. يختلف النظام الشبه رئاسي باختلاف دساتير الدول التي تعتمده ولكن في أغلب الدول ذي الأنظمة الشبه رئاسية يكون رئيس الجمهورية قادراً على حل الحكومة أو إقالة أحد وزرائها و يَتمتع البرلمان بنفس الصلاحية أيضاً عبر سحب الثقة منها مما يعني أن رئيس الحكومة يواجه ضغطاً برلمانياً ورئاسياً معاً، أي بعبارة أخرى يَقوم النظام النصف رئاسي على تشاركية السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء و يقوم على برلمان قوي ورئيس جمهورية يتمتع بالسلطة مما أعطى النظام المختلط اسمه. فالنظام الشبه رئاسي هو نظام يَخلط بين النظاميين الرئاسي و البرلماني.
لتبسيط الأمور و تسهيلها على القارئ يَعرض الجدول أدناه التفاعل القائم بين السلطتيين التشريعية و التنفيذية في الأنظمة الثلاثة على الشكل التالي:
رأس السلطة التشريعية | رأس السلطة التنفيذية | النظام |
البرلمان | رئيس الجمهورية | النظام الرئاسي |
البرلمان | رئيس الوزراء | النظام البرلماني |
البرلمان | رئيس الجمهورية + رئيس الوزراء | النظام الشبه رئاسي |
كما هو واضح في الجدول أعلاه يتميز النظام الشبه رئاسي عن نظيريه بأن السلطة التنفيذية يتشاركها رئسي الجمهورية ورئيس الوزراء معاً بآلية معينة يحددها الدستور والنظام الإنتخابي لكل من الدول التي تتبنى هذا النظام كنظام حكم سياسي.
نشأة النظام الشبه رئاسي:
بدأ إعتماد النظام الشبه رئاسي في بدايات القرن العشرين بدون الإشاره إليه باسم معين، إذ كانت الدول تسعى الى إصلاح الخلل الناتج عن تبني نظام رئاسي صرف أو نظام برلماني صرف. من الجدير بالذكر هنا أن بريطانيا أسَست نظاماً برلمانياً نموذجياً لها ترافق مع نظام إنتخابي ضَمِن لبريطانيا إستقراراً سياسياً. الولايات المتحدة الأميريكية تبنت نظاماً رئاسياً قائماً على مبدأ فصل السلطات ورقابة متبادلة بين السلطة التشريعية والتنفيذية أو ما يعرف بالانكلزية بمبدأ checks and balances و يقوم رئيس الولايات المتحدة الأميركية بتعيين أعضاء حكومته) أو كما تُسمى في أميركا بالإدارة Administration (و يكونوا مسؤوليين أمامه و ليس أمام الكونغرس الأميركي. حَقق النظام الرئاسي في الولايات المتحدة نجاحاً عبر ضمانه إستقراراً سياسياً لافتاً . إنطلاقاً من تجربة بريطانيا مع النظام البرلماني وتجربة الولايات المتحدة الأميركية مع النظام الرئاسي، بدأت الدول باعتماد الأنظمة الرئاسية والبرلمانية في بدايات القرن العشرين، لكن لم تكن تجارب الدول مع هذين النظامين ناجحة كما هو الحال في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية. النظام البرلماني في العديد من الدول الأوروبية لم يكن قادراً على تحقيق إستقرار سياسي نتيجة عدم قدرة أي حزب على تحقيق غالبية برلمانية تُخوله من تشكيل الحكومة مما أدى الى اللجوء إلى الإئتلافات. جدير بالذكر أن تشكيل ائتلاق يأخذ عادةً الكثير من الوقت للتشاور بين الأحزاب على صيغة الحكم والبيان الوزاري وتسمية رئيس الوزراء هذا وفي بعض الأحيان تكون الأحزاب غير قادرة على تشكيل إئتلاف حاكم مما يُدخل البلاد في مأزق وجمود سياسي. أما الدول الأخرى التي تبنت النظام الرئاسي في مطلع القرن العشرين في محاولة لإستنساخ التجربة الأميركية واجهت مشاكل من نوع أخر. كان النظام الرئاسي غير قادر على إخراج صيغة حكم مناسبة لهذه البلدان، فوجود رئيس قوي بصلاحيات واسعة أدى إلى تهميش البرلمانات في هذه الدول و تحولت الإنتخابات الرئاسية إلى إنتخابات على شخص الرئيس نفسه في ظل إنحسار تدريجي لدور البرلمان. تُنتقد الأنظمة الرئاسية بشكل أساسي على أنَّها أنظمة عرضة للإستغلال من قبل رؤوساء الجمهورية و يُمكن بسهوولة تحويلها الى نظام ديكتاتوري خصوصاً في ظل غياب مواد دستورية تَحد من الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية. كل هذه المشاكل التي واجهتها الدول في محاولتها تقليد النظام البرلماني البريطاني أو النظام الرئاسي الأميركي أدى بها إلى تبني تعديلات على الأنظمة الرئاسية و البرلمانية في مطلع القرت العشرين فكان ذلك تمهيداً لخلق ما سُمي لاحقاً بالنظام النصف الرئاسي أو النظام الشبه رئاسي أو النظام المختلط أو النظام البرلماني الرئاسي على إختلاف تسميته.
في عام 1919 كانت ألمانيا في عهد جمهورية فايمار Weimar Republic (الحكومة التي نشأت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى) هي ثاني دولة تتبنى النظام الشبه رئاسي بعد فنلندا التي تبنته في وقت أبكر من نفس السنة. بَدأت الدول الأوروبية بتبني النظام النصف رئاسي مع إدخال تعديلات دستورية تراعي خصوصية كل دولة من هذه الدول، فتبنته النمسا عام 1920 و أيرلندا عام 1937. من الجدير ذِكره أن مصطلح “النظام الشبه رئاسي” لم يُستخدم من قبل العلماء والباحثيين في علم السياسة إلا عام 1970 باستخدامه من قِبل السياسي الفرنسي و الباحث في علم الإجتماع موريس دوفورجيه Maurice Duverger الذي قام بتصنيفه كنظام حُكم سياسي مُستقل عن كلا النظاميين الرئاسي والبرلماني. تَجدر الإشارة الى أنَّه لايزال هناك خلاف قائم بين الباحثيين في علم السياسة حول ما اذا كان يوصف النظام الشبه رئاسي كنظام مستقل كما قام بتضنيفيه دوفورجيه أو أنَّه شكل من أشكال النظام الرئاسي والبرلماني كما قام بتصنيفيه باحثين أخريين. يُضاف إلى النقاط الإختلافية الآنف ذِكرها عدد الدول التى تَتبنى النظام الشبه رئاسي. في بعض الأحيان تميل الدول إلى إعتماد نظام شبه رئاسي مع مواد دستورية تُعطي البرلمان صلاحية أوسع من تلك الممنوحة للرئيس، فيصبح تصنيف النظام ما على أنَّه شبه رئاسي أو برلماني صعب كما هو الحال في بلغاريا، حيث يتمتع الرئيس بصلاحيات محدودة فهو ليس رئيساً رمزياً لكنه في نفس الوقت لا يَتمتع بصلاحيات واسعة بينما يتمتع البرلمان البلغاري بصلاحيات كبيرة. أما دول أخرى تقوم عبر مواد دستورية بإعطاء الرئيس صلاحيات أوسع من البرلمان فيصبح النظام أقرب إلى الرئاسي. في هذه الحالة يَختلط على المراقبيين تصنيف النظام على أنَّه رئاسي أو شبه رئاسي كما هو الحال في أوكرانيا التي منحت الرئيس صلاحيات واسعة فأصبح دور رئيس الوزراء الأوكراني مهمشاً إالى حدٍ ما. في فنلندا أعطى الدستور صلاحيات للرئيس و البرلمان بقدر متوازن فأصبح الرئيس يسهل عمل تشكيل حكومة في ظل فشل أحد الأحزاب بتحقيق غالبية في البرلمان إذ صار دور الرئيس الفنلدي هو إنقاذ البلاد من الجمود و المآزِق السياسية. اليوم و في أغلب كُلِيَّات العلوم السياسية و الكتب والمراجع، يُصنف النظام الشبه رئاسي على أنَّه نظام حكم سياسي مُستقل عن النظاميين البرلماني و الرئاسي. من الطبيعي جداً وجود إختلافات بين الدول التي تعتمد النظام الشبه رئاسي كنظام حكم سياسي، فهذا الإختلاف يَنبع من إختلاف دساتير الدول وأخذها بعين الإعتبار خصوصية كل دولة إذ أنَّ الإختلاف ليس حكراً فقط على الدول التي تَتبنى النظام الشبه رئاسي كنظام حكم سياسي، فالدول التي تعتمد النظام الرئاسي والبرلماني أيضاً تختلف فيما بينها وطبيعة الإختلاف ناتجة عن أخذ دستور كل دولة خصوصيتها وخصوصية حياتها السياسية وديناميكية اللعبة السياسية فيها بعين الإعتبار.
أشكال الحكومات التي يفرزها تبني نظام نصف رئاسي حسب جيانفرانكو باسكينو – Gianfranco Pasquino :
قامَ الباحث في العلوم السياسية جيانفرانكو باسكينوا – Gianfranco Pasquino بالتحدث عن أشكال الحكومات التي تفزها الإنتخابات في الدول التي تعتمد النظام النصف رئاسي كنظام حكم سياسي وهي كالتالي:
1- حكومة برئيس وزراء يتمتع بغالبية في البرلمان و ينتمي رئيس الجمهورية إلى نفس الغالبية البرلمانية التي ينتمي إليها رئيس الوزراء. يُعتبر هذا الشكل الناتج عن الإنتخابات في ظل النظام النصف رئاسي أقوى شكل يفزه هذا النظام إذ يتمتع باستقرار سياسي قوي جداً. رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في ظل هذا الشكل ينتمون إلى نفس الحزب السياسي ويعملون حَسب جدول أعمال موحد. هذا الشكل هو أفضل ما يمكن أن يُفزه النظام النصف رئاسي ويدل أيضا على تناسق أفكار الناخبين، فإنتخابهم لغالبية برلمانية من حزب معين ورئيس جمهورية ينتمي لنفس الحزب يدل على عي وتناسق أفكار الناخبين في إرادتهم للأشخاص الذين سيمثلونهم. وصفت الحالات التطبيقية لهذا الشكل من النظام النصف رئاسي بالإستقرار السياسي ووحدة جدول أعمال الحكومة وتناسق كبير بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والبرلمان.
2- الشكل الثاني الذي ممكن أن تفزه الإنتخابات في ظل النظام الشبه رئاسي هو رئيس وزراء يتمتع بغالبية برلمانية مع رئيس جمهورية لا ينتمي إلى هذه الغالبية. بعبارات أُخرى هذا الشكل يفرز رئيس جمهورية ينتمي لحزب معين مع رئيس وزراء ينتمي لحزب أخر. هذه الحالة هي من أشهر الحالات في النظام الشبه رئاسي وتسمى بالعربية بالتعايش و في الإنجليزية – Cohabitation أي أنَّ رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء يجبروا على التعايش مع بعضهم البعض وتنسيق أفكارهم بهدف تجنب الجمود السياسي بالإضافة لتوقف عمل الحكومة والسلطة التنفيذية ككل. يُوصف هذا الشكل الذي تفرزه الإنتخابات في ظل النظام النصف رئاسي بأنَّه شكل لا مُستقر سياسياً. نتيجة هذا الشكل يتخوف الباحثون في العلوم السياسية من أنَّه في حالة وجود أي فشل في عمل الحكومة سيقوم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بتقاذف وترامي التهم فيما بينهم إذ سيقوم رئيس الجمهورية المنتمي لحزب آخر لاينتمي إليه رئيس الوزراء بإتهام الأخير بالتقصير في العمل والعكس صحيح. يُذكر أنَّ فرنسا في ظل الجمهورية الخامسة شهدت الكثير من حالات حكومات التعايش. قامت الجمهورية الفرنسية عام 2002 بتعديلات دستورية تحد من حالات التعايش إذ كان الدستور قبل عام 2002 يُحدد مدة خدمة رئيس الجمهورية بسبع سنوات والبرلمان بخمس سنوات فكانت هذه المُدد تُسهل وصول برلمان معارض لرئيس الجمهورية فيصبح الرئيس مجبراً على التعايش مع رئيس وزراء لا ينتمي لحزبه في آخر سنتين من ولايته الرئاسية. عُرضت التعديلات الدستورية المُقتضية بتقليص الولاية الرئاسية عام 2002 للإستفتاء لتصبح خمس سنوات بدل من سبعة ووافق عليها الشعب الفرنسي. بمقتضى التعديلات الدستورية المُتبناة، قُلصت حالات حكومات التعايش الفرنسية بشكل كبير وأصبحت الإنتخابات تفرز رئيس جمهورية ورئيس وزراء ينتمون إالى غالبية برلمانية واحدة.
3- الشكل الثالث الذي تفرزه الإنتخابات في الدول التي تعتمد النظام الشبه رئاسي هو رئيس وزراء بحكومة أقلية أي أن رئيس الوزراء لا ينتمي إلى حزب حاصل على غالبية برلمانية مع رئيس جمهورية ينتمي إلى حزب آخر. هذا الشكل يؤدي إلى العديد من المشاكل فرئيس الجمهورية يتنمي إلى حزب ورئيس الوزراء ينتمي إلى حزب آخر والبرلمان في طبيعة الحال مقسم بين عدة أحزاب لا أحد منها يتمتع بالغالبية التي تكون عادةً النصف +1. يوسم هذا الشكل من النظام النصف رئاسي بأنَّه الأقل إستقراراً والأكثر عرضه للجمود السياسي وللإنقسامات. هنا يأتي دور المواد والتعديلات الدستورية في منع النظام الرئاسي عبر الإنتخابات من فرز حكومات بهذا الشكل.
إيجابيات و سلبيات النظام الشبه رئاسي:
يتعرض النظام النصف رئاسي للعديد من إنتقادات الباحثيين في علم السياسية و أهمها إنتقاد سيندي سكاتش – Cindy Skach التي قالت بأن النظام النصف رئاسي يُسهل لرئيس الجمهورية التلاعب سياسياً والتهرب من مسؤولياته إن أمكن وإن أراد ذلك. قامت سكاتش بإعطاء مثال على ذلك ففي حال مواجهة دولة ما، تعتمد نظاماً نضف رئاسياً لأزمة إقتصادية، سَيقوم رئيس الجمهورية بالطلب من رئيس الوزراء أن يقوم بما يجب لمواجهة هذه الأزمة التي يمر بها هذا البلد. إن نجح رئيس الوزراء بالقيام بما يجب و مواجهة و حل الأزمة الإقتصادية فسيظهر رئيس الجمهورية بمظهر المنتصر وستزداد شعبية رئيس الجمهورية لا شعبية رئيس الوزراء. بينما في حال فشل رئيس الوزراء في مواجهة الأزمة فسيقوم رئيس الجمهورية ببساطة شديدة بإلقاء اللوم على رئيس الوزراء و سيتهمه بالتقصير في أداء مهامه وسيصل الحد برئيس الجمهورية إن كان الدستور يسمح له بإقالة رئيس الوزراء، بإقالة الأخير والتضحية به للحفاظ على شعبيته والظهور بمظهر الشخض المسؤوول الذي يحاول حل الأزمة.
من خلال المثال المذكور في الفقرة السابقة، تقوم سكاتش بانتقاد النظام الشبه رئاسي بالقول أنَّه يحمي الرئيس في جميع الحالات ويُظهره بمظهر المُنتصر دائماً. لكن باحثيين آخريين في علم السياسة قاما بالرد على إنتقاد سكاتش من خلال دراسة تطبيقية وجدا من خلالها بأن الناخبيين في النظام النصف رئاسي كانوا قادريين على تحديد أين تقع وتكمن المسؤولية بشكل دقيق جداً، ومن خلال هذه الدقة كان الناخبيين قادرون بشكل جلي وواضح على محاسبة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بشكل دقيق ومنفصل كلاَ بحسب المسؤوليات الملقاة على عاتقه كل واحد منهم على حدة عبر إعادة الإنتخاب أو عدمه. ففي ظل حكومات المعايشة في فرنسا حاسب الناخبون رئيس الوزراء على السياسات الإقتصادية وليس رئيس الجمهورية لأنَّه و بحسب الدستور الفرنسي، يكون رئيس الوزراء مسؤول بشكل مباشر عن السياسات الداخلية والإقتصادية والإجراءات اليومية لسير الحكومة، بينما يختص رئيس الجمهورية بالسياسات الدفاعية والخارجية وتمثيل الدولة. فمن خلال ما ذُكر سابقاً يقوم شوغارت وصموئيل – shugart and samuel بالقول بأنَّ الناخب في النظام الشبه رئاسي قادر على مسائلة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء كل بحسب المسؤوليات الملقاة على عاتقه إذ لا يمكن لوم النظام النصف رئاسي على تلاعب رئيس الجمهورية سياسياً وفي حال قيام الأخير بذلك فسيتم محاسبته من قبل الناخبيين مباشرة في حال ترشحه لولاية ثانية. هنا يتدخل لينز – Juan José Linz مجادلاً بأنَّ رئيس الوزراء غير قادر على إتخاذ إجراءات إقتصادية بدون دعم رئيس الجمهورية لإجراءاته، مما يعني حسب لينز بأنَّ النظام الشبه رئاسي يأمن حماية لرئيس الجمهورسة من أي إنتقاد جاعلاً الإنتقادات جميعها مُوجهة إلى رئيس الوزراء. مما ذُكر سابقاً، يجب التشديد على دور و أهمية التعديلات الدستورية و الدستور بشكل عام في منع مثل هذه الحالات. فمنع حكومة تعايش هو الحل الأفضل إذ أنَّ إنتماء رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء إلى نفس الحزب، سيمنع الأول من إلقاء اللوم على الآخر فسمعة الحزب على المحك مما سيدفع الرئيس ورئيس الوزراء للتعاون وكسب ثقة الناخبيين للنهوض بحزبهم الواحد سوياً.
أحد النقاط الإيجابية التي تُحسب للنظام الرئاسي بأنَّه يسمح بتمثيل أكبر للناخبيين من خلال السماح بوصول أكثر من حزب واحد للسلطة عبر حكومة تعايش، إلا أنَّ هذه النقطة واجهت الكثير من الجدل من قبل الباحثيين والعلماء في علم السياسة.
يُنتقد النظام البرلماني من قبل علماء السياسة على أنَّه يؤدي إلى سيطرة الأحزاب على الحياة السياسسة والتلاعب بها مما يضر بالإستقرار السياسي للبلد كما هو الحال في إيطاليا إذ يعاني برلمانها من صعوبة شديدة جداً في تشكيل حكومة وفي بعض الأحيان يأخذ تشكيل حكومة إيطالية أشهر عديدة وسط جدل واسع وحاد بين الأحزاب الممثلة في البرلمان فيعاني البلد من جمود سياسي حاد. في حين يُنتقد النظام الرئاسي في بعض الأحيان بأنَّه يُشكل خوف على الديموقراطية وسط قلق من إمكانية إستبداد رئيس الجمهورية وتلاعبه في السياسية فتصبح ديمقراطية الحياة السياسية محط ترقب وتسائل دائميين. مما ذُكر آنفاً، يطرح النظام الشبه رئاسي نفسه كحل وسط بين النظاميين السابق ذِكرهم، فيكون النظام الشبه رئاسي قادراً على منع الأحزاب السياسية من الإنقسامات و التلاعبات بوجود رئيس قوي ذو صلاحيات وفي عين الوقت يمنع هذا النظام إلى حدٍ ما تسلط وإنفراد رئيس الجمهورية بالحياة السياسية. تُعتبر هذة النقطة أحد أهم إيجابيات النظام الشبه رئاسي ومكمن قُوته.
وفي النهاية يمكن القول أنَّ النظام الشبه رئاسي هو أحد أنظمة الحكم السياسي الثلاثة إذ يقوم على مشاركة السلطة التنفيذية بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية. يُواجه النظام الشبه رئاسي كما النظاميين الرئاسي والبرلماني العديد من الإنتقادات والدعم على حد سواء. ويبقى الدور الرئيسي كامن في قوة الدستور والتعديلات الدستورية والنظام الإنتخابي على فرز حكومة قوية يعمل خلالها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء معاً لتنفيذ السياسات. ويعود أيضا الدور للدستور لمنع رئيس الجمهورية من التلاعب السياسي والإستبداد السياسي والتملص من مسؤولياته. فلا يوجد نظام أفضل من الأخر فما يكون الأفضل للدولة س ليس بالضرورة أن يكون الأفضل للدولة ع.
المصادر والمراجع:
’أنظمة الحكم: النظام شبه الرئاسي نموذجاً‘ Democracy Reporting Organization (2012).
’النظام الرئاسي و شبه الرئاسي‘ موسوعة الجزيرة