النظام المغربي بين عدوان 2021 ومأزق التطبيع

تعيش القضية الفلسطينية فترة حاسمة ومفصلية في تاريخها، بحيث وضعت الأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية والممارسات الإسرائيلية المتمثلة في العدوان على غزة وسياسة التهجير القسري التي تنهجها سلطات الاحتلال من تهديد الفلسطينيين وترويعهم وإجلائهم من منازلهم في أحياء القدس واقتحامها لحرم المسجد الأقصى، الأنظمة العربية ومن ضمنها النظام المغربي في مأزق كبير خصوصا مع نهاية العدوان الإسرائيلي على القطاع الذي راح ضحيته 243 شهيد من بينهم 66 طفل و39 سيدة و17 من الشيوخ، ورد المقاومة -الشعبية والمسلحة- التي ردعت على إثرها الآلة العسكرية الإسرائيلية عبر انتفاضة شعبية في القدس وفي جميع مدن الضفة، بالتزامن مع إطلاقها لوابل من الصواريخ من قطاع غزة لتصل إلى عمق تل أبيب كبدت على إثرها دولة الاحتلال خسائر كبيرة وغير مسبوقة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ومن كل ذلك يطرح العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والسياسة القمعية الاستيطانية التي يتعرض لها الفلسطينيين في الضفة الغربية، ومعارضة المغرب الشعبي التي تبلورت من خلال الاحتجاجات في الشارع والتنديد على منصات التواصل الاجتماعي بعد ستة أشهر من اتفاق التطبيع التي يراه المغاربة شرعنة للاحتلال وسياساته الإجرامية والقمعية تجاه الشعب الفلسطيني، إذ فضحت أحداث القدس والعدوان على غزة الرواية الرسمية التي برّرت هذا التطبيع بأنه خدمة للقضية الفلسطينية وحماية لحقوق الفلسطينيين ولمنع ضم باقي الأراضي لإسرائيل وهو ما أتى متناقضا مع التطورات الأخيرة على الأرض، والتي أدت إلى فضح النوايا الحقيقية للتطبيع.

وإزاء تصاعد الأحداث، خرجت المؤسسات الرسمية المغربية بالعديد من البيانات المندِّدة بالاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة والقدس، وذلك بعد فترة وجيزة من قيام نفس المؤسسات، أي الجهات الرسمية بالرباط برئاسة الملك محمد السادس ورئيس حكومته سعد الدين العثماني بتوقيع اتفاق تطبيع العلاقات مع تل أبيب في ظل ارتفاع الأصوات الشعبية المنددة بهذه الخطوة، وهذا ما يحمل دلالة على ازدواجية المعايير لدى الرباط في تعاملها مع ملف القضية الفلسطينية.

وبالتالي، فقد فتحت هذه التطورات تساؤلات عميقة على مآل تطبيع المغرب الرسمي مع كيان الاحتلال في ظل ارتفاع ضغط الشارع المغربي الذي رفع تحدي إسقاطه وذلك على إثر الظرفية الراهنة التي تعيشها القضية الفلسطينية.

المؤسسة الملكية بين ازدواجية الخطاب والواقع

ظهرت ازدواجية المواقف، انطلاقا من المؤسسة الملكية التي تشغل في نفس الوقت رئاسة لجنة القدس، فقد جاء موقفها تجاه الأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية في القدس والقطاع من خلال توجيه رئيس لجنة القدس الملك محمد السادس تعليماته بإرسال “مساعدات إنسانية طارئة إلى الشعب الفلسطيني بالضفة وقطاع غزة، والتي تتكون من 40 ألف طن من المواد الغدائية والأدوية للحالات الطارئة”[1]. هذا الأمر الذي استنكره العديد من مستخدمي شبكة التواصل الاجتماعي من المغاربة والعرب، بحيث أكدوا أن التضامن الحقيقي يأتي عبر مساندة فلسطين في نضالها ضد المحتل “الإسرائيلي” وتكون أولى بوادره عبر بوابة إسقاط التطبيع. بحيث اعتبر العديد من المتتبعين وعلى رأسهم المغاربة أن التطبيع كان بمثابة تأشير للكيان لارتكاب مزيد من الجرائم ضد الفلسطينيين ومحاولة تهجيرهم قسريا من أرضهم.

تعتبر المؤسسة الملكية هي المتحكمة بسلطة اتخاذ القرار فيما يخص السياسة الخارجية المغربية، بحيث لا يتم إشراك باقي السلطات سواء التنفيذية- الحكومة- أو التشريعية-البرلمان- في مناقشة مواضيعها، ولذلك جاء قرار تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” علنيا ورسميا بقرار فوقي أي مباشر من المؤسسة الملكية، وذلك في محاولة منها لتحقيق إنجاز دبلوماسي من خلال قبول العرض الذي قُدم لها من طرف إدارة دونالد ترامب والذي كان عبارة عن مقايضة بين الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء مقابل تطبيع النظام المغربي العلاقات مع تل أبيب.

تاريخيا، لا يخفى على أحد الارتباط الذي يجمع المؤسسة الملكية منذ عهد الحسن الثاني “بإسرائيل”، فقد ظلت قنوات الاتصال مفتوحة بين النظام الملكي والمسؤولين “الإسرائيليين”، بحيث كان يحظى الملك الحسن الثاني بمكانة مهمة لدى صناع القرار في إسرائيل، بحيث كان يعتبر عراب ما تسمى اتفاقيات السلام بين العرب و”إسرائيل”، إذ كان له دور كبير في لعب دور الوساطة بين مصر و”إسرائيل” تمهيدا لإبرام اتفاقية ” كامب ديفيد في العام 1979. كما كان له دور أيضا في الاتصالات السياسية بين المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين التي انتهت بتوقيع اتفاقات أوسلوا في عام 1993. ولمكانته الهامة لدى الإسرائيليين الذين يعتبرونه “قائدا للسلام” أصدرت “إسرائيل” إبان وفاته في يوليو 1999 طابعا بريديا يحمل صورته، بل الأبعد من ذلك، فقد أطلق في العام 2018 اسم الحسن الثاني على أحد الشوارع الرئيسية لبلدة قريات عكرون وسط “إسرائيل”-الأراضي الفلسطينية المحتلة- بالموازاة مع ذلك أقيم نصب تذكاري لتخليد ذكراه في مدينة بيتاج تيكفا، وذلك -بحسب الرواية الإسرائيلية- احتفاءً بفترة حكمه التي تميزت بالتسامح مع اليهود ومساهمته في لعب دور رئيسي في إبرام اتفاقيات السلام بدءً باتفاقية كامب ديفيد وصولا إلى اتفاقيات أوسلو.

فمسألة التطبيع لم تكن حدثا فجائيا، فعلاقات النظام المغربي مع “إسرائيل” امتدت لأزيد من ستة عقود عبر تعاون سري استخباراتي عسكري، وبقيت قنوات الاتصال السرية مفتوحة إلى أن انتقلت إلى العلن مع افتتاح مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط في العام 1993. لتدخل في عهد الملك محمد السادس مرحلة حاسمة عبر توسيع دائرة العلاقات مع “إسرائيل” عبر تطبيع كامل متكامل الأركان في 20 ديسمبر 2020.

رئاسة الحكومة واهتزازية المواقف والتصريحات

كان التخبط والاهتزاز السمة البارزة عند رئاسة الحكومة في مواقفها إزاء القضية الفلسطينية، فقد ندّد رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني منذ بداية الأحداث بالإجرام الإسرائيلي على القدس والمسجد الأقصى، والاعتداءات التي يتعرض له الفلسطينيون بالقدس، وخاصة في حي الشيخ جراح. وقد عبّر خلال جلسة مجلس النواب الخاصة بالمساءلة الشهرية لرئيس الحكومة عن[2]: “استنكاره الشديد لاعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلية على المصلين بالحرم المقدسي وانتهاك القدس الشريف، والأحياء المقدسية، مشددا على أنه لا يمكنه إلا رفض واستنكار والتنديد بتلك الانتهاكات والاعتداءات، وبكل التجاوزات التي تمس الطابع الإسلامي للمسجد الأقصى ولمدينة القدس”.

وإبان العدوان على غزة، صرح العثماني في لقاء له على قناة الجزيرة على أن ما يحصل في غزة هو[3]: “عدوان ممنهج وجرائم حرب ضد الإنسان الفلسطيني والجغرافيا الفلسطينية”، مؤكدا أن “المغرب يدين القصف الإسرائيلي لبيوت المدنيين وقتل أسر بأكملها في غزة”. وذلك فضلا عن الاتصال الهاتفي الذي جمعه برئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية[4]، الذي أكد من خلاله على “رفض المغرب القاطع لجميع إجراءات سلطة الاحتلال التي تمس بالوضع القانوني للمسجد الأقصى والقدس الشريف، أو تمس بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وتشير بيانات رئيس الحكومة المغربية إلى وجود تناقض وفجوة بين التصريحات والمواقف الرسمية، بحيث يعتبر المسؤول المغربي من أبرز الموقعين على اتفاق التطبيع، فعلى الرغم من أن سعد الدين العثماني لم تكن له سلطة اتخاذ القرار أو حتى الإدلاء برأيه في موضوع تطبيع العلاقات بل لم يكن على علم بما كان يدور في كواليس ما قبل خروج التطبيع إلى حيز الوجود، لكنه بدلا من الثبات حول تصريحاته السابقة والتي جزم فيها استحالة التطبيع مع “إسرائيل”، بالقول إن [5]“التطبيع مع الكيان الصهيوني هو دفع وتحفيز له كي يزيد في انتهاكاته لحقوق الشعب الفلسطيني والالتفاف عليها”، وذلك بالاستقالة من رئاسة الحكومة، اختار في النهاية الرضوخ  لسياسة الأرض الواقع وذلك في تناقض واضح مع المبادئ الذي ينادي لها الحزب الذي ينتمي إليه والذي يرفض التطبيع مع الكيان ويعتبر الأمر خيانة للمبادئ والقيم الأساسية للحزب. فنفس الرجل كان قد صرح في مقال نشر له في مجلة الفرقان قبل 25 عاما بأن ” التطبيع إبادة حضارية”

الموقف السلبي لرئيس الحكومة الذي يشغل في نفس الوقت منصب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية من تطبيع العلاقات مع” إسرائيل”، وصورته وهو يقف إلى جانب جاريد كوشنر ومائير بن شبات للتوقيع على وثيقة الاتفاق المشترك لاستئناف العلاقات، كان ذلك كله سببا في حدوث شرح وانقسام كبير داخل حزب العدالة والتنمية، بحيث لم تشفع له تصريحاته المتكررة التي أوضح فيها أن توقيعه على اتفاق استئناف العلاقات أملته عليه المسؤولية التي يشغلها بصفته رئيس الحكومة. مؤكدا أن هذه الخطوة لن تغير من موقف الحزب إزاء القضية الفلسطينية، وعدم القبول بمنطق المساومة سواء في قضيتي الصحراء وفلسطين، وأن الحزب غير مستعد للتفريط في أي منهما.

ولكن على الرغم من تبريرات العثماني المتكررة إلا أن ذلك لم يكن حصنا منيعا له من الانتقادات الذي تلقاها من قياديين وشخصيات بارزة في الحزب، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الخلافات الداخلية والوصول إلى حد مطالبته بالاستقالة من الحزب. خصوصا مع تزايد الاتهامات التي تلقاها الحزب من عموم المواطنين بانسلاخه عن مبادئه وأديباته التي ترفض التطبيع مع الاحتلال، في مقابل الدعم المطلق لقضية وحقوق الشعب الفلسطيني.

الخارجية المغربية والموقف الملغوم

أما الخارجية المغربية التي يعتبر وزيرها أحد الوجوه الأساسية -العراب المغربي- المساهمة في ملف التطبيع من خلال تتبع مسار المشاورات والترتيبات مع مسؤولي كيان الاحتلال، فهي الأخرى خرجت ببيان يكتنفه الغموض والإيهام أو بالأحرى بيان ملغوم بعدم تنديدها الواضح لممارسات الاحتلال والجرائم التي ارتكبتها ضد المدنيين، مكتفية بأنه[6]” ما شهدته باحات الأقصى من انتهاكات عمل مرفوض من شأنه أن يزيد من حدة التوتر والاحتقان”، داعية “إلى تغليب لغة الحوار واحترام الحقوق”، هذا التصريح الذي يحتمل العديد من التفسيرات منها أن المغرب الرسمي لا يريد التخلي على أحد الطرفين أو بالأحرى لا يريد أن يصطف بشكل واضح مع جهة دون الأخرى. فمن جهة يريد الحفاظ على مكانته في رئاسة لجنة القدس، ومن ناحية ثانية فهو يريد الحفاظ على تطبيعه باعتباره أحد الموقعين على اتفاقيات أبرهام التي يعتبرها استثمارا سياسيا واقتصاديا، وقد جاء هذا البيان بعد أيام من مشاركة وزير الخارجية ناصر بوريطة في فعالية مؤتمر “أيباك” وهي أقوى جماعات الضغط الإسرائيلية في الولايات المتحدة الأمريكية وأكبر داعمي سياسة ومخططات الاستيطان والمجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين، وقد أكد بوريطة خلال مقابلة له مع قناة”لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية أيباك”، على موقع يوتيوب، أن[7]: “جميع أدوات التعاون-التطبيع-مع تل أبيب متوفرة”، مردفا قوله بأن  “المغرب (الرسمي)، اتخذ القرار عن قناعة-التطبيع-، وأنه سيذهب إلى أقصى حد ممكن في تطوير التعاون الثنائي”، وذلك في إشارة واضحة إلى تطبيع النظام المغربي مع الاحتلال الإسرائيلي.

هذه الاستضافة التي أثارت موجة غضب عارمة في الشارع المغربي الذي اعتبرها إهانة لكل مكوناته، كما انتقدت من خلالها العديد من الأوساط المناهضة للتطبيع مع “إسرائيل” تصريحات وزير الخارجية، بحيث عبرت “مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين” عن إدانتها الشديدة لهذه الاستضافة وتصريحات بوريطة من خلالها، بحيث أكدت “بأن ربط القضية الوطنية الأولى بالصهاينة وبـ “أيباك” هي أكبر إساءة لها وترقى لمستوى الجريمة في حق الوطن. مضيفة أن ما أقدم عليه المسؤول المغربي لا يستقيم مع إرادة الشعب المغربي، ويتعارض مع ثوابته، ويعد مقامرة بالوطن. وهي خطوة تنتقل بالمغرب، في ظرف قياسي، إلى أدنى وأحط مراحل التطبيع”.

ومن ناحية أخرى، وفي خطوة لافتة، فقد أجبرت الأحداث المتلاحقة في كل من القدس وغزة بالتوازي مع تصاعد ضغط الرأي العام المغربي، القائم بالأعمال “الإسرائيلي” بالمغرب دافيد جوفرين إلى مغادرة المغرب[8]،  بالتزامن مع تزايد الدعوات لطرده من الرباط وقطع جميع العلاقات مع كيان الاحتلال على إثر عدوانه على الفلسطينيين.

وفي نفس السياق، فقد أرغمت ما شهدته الساحة الفلسطينية من تطورات، السلطات المغربية إلى تجميد وإيقاف مجموعة من الاجتماعات والزيارات واللقاءات التي كانت ستجمع مسؤولين مغاربة “بإسرائيليين” وذلك لتنزيل مضامين اتفاق التطبيع[9]، بحيث تم تأجيل اجتماع عن بعد كان من المفترض أن يجمع رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب مع اتحاد غرف التجارة “الإسرائيلية” وجمعية مصنعي “إسرائيل”، وذلك من أجل بحث فرص الأعمال والاستثمار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما أنه تم تأجيل زيارة وفد أمني وإداري “إسرائيلي” للمغرب من أجل ترتيب الإجراءات المتعلقة بالرحلات الجوية المباشرة بين البلدين.

الكتل الحزبية وازدواجية المعايير: بين التنديد بسياسة الاحتلال وتأييد خطوة التطبيع

أدان البرلمان المغربي خلال جلسة لمجلس النواب بشدة جرائم العدوان “الإسرائيلي” على الفلسطينيين، وقد جاء ذلك على لسان رئيس الجلسة سليمان العمراني[10]، “التي تم تخصيصها لاستحضار ما يجري في فلسطين وما يعيشه الشعب الفلسطيني من عدوان وغطرسة من طرف الاحتلال الصهيوني، من خلال استهدافه للمواطنين العزل والبنايات السكنية وهدمها فوق ساكنيها من بينهم فئة كبيرة من الأطفال والنساء والشيوخ”، بالإضافة “إلى استهداف فئة الصحفيين الذين ينقلون الأحداث من أرض الواقع واستهداف مقراتهم وذلك كاستهداف ممنهج لهم من أجل منعهم عن نقل جرائم العدوان الصهيوني”.  مشيرا إلى استنكار ما يقوم به الاحتلال هو “واجب يمليه التضامن الإسلامي والعربي والوطني والديني والأخلاقي تجاه القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني”.

أما موقف الأحزاب المغربية، فكانت أبرزها موقف الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية بالبرلمان التي طالبت بإغلاق مكتب الاتصال “الإسرائيلي” بالرباط، ردا على العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزة والقدس. والذهاب على نفس الخطوة والقرار التي تم اتخاذه عقب انتفاضة الأقصى في العام 2000 حين أغلقت السلطات المغربية مكتب الاتصال “الإسرائيلي” ردا على سياسة الاحتلال إبان الانتفاضة الفلسطينية. وقد ندد الفريق البرلماني للبجيدي بـ “الاعتداءات الإجرامية التي استهدفت المدنيين من ضمنهم فئة كبيرة الأطفال والنساء والشيوخ”. كما شددت الكتلة على أن “المغرب لا يمكن له أن يكون على نفس المسافة بين الطرفين، بل اختار الانحياز إلى الشعب الفلسطيني والتضامن معه بشتى الوسائل”، كما أكد “أن الكيان الصهيوني تم بناءه من طرف ميليشيات إرهابية ارتكبت العديد من المجازر والجرائم على مر التاريخ وكانت أرض فلسطين أكبر شاهد على ذلك”. كما أشار إلى أن لا مجال لإقامة علاقات مع هذا الكيان الذي له تاريخ حافل من السياسات الإجرامية”.

أما أكبر أحزاب المعارضة حزب الأصالة والمعاصرة، فقد عبرت كتلته النيابية عن إدانتها للقصف المتواصل على قطاع غزة ومحيطه، وأيضا إدانة استهداف آلة القتل “الإسرائيلية” لمقرات حكومية ومواقع للمقاومة وأحياء سكنية ومقرات صحفية وإعلامية أبرزها برج الجلاء الذي يضم العديد من مكاتب المؤسسات الإعلامية، وذلك بهدف طمس الوسائل التي تنقل الحقيقة”، كما اعتبر أن هذه الممارسات تشكل “جرائم متكاملة الأركان يستوجب معها التدخل الفوري لإيقافها”، مؤكدا أن الاعتداءات “الإسرائيلية” أبانت مرة أخرى على أن القضية الفلسطينية هي قضية مركزية ومحورية لدى الشعوب العربية والإسلامية”، داعيا في الأخير إلى “انعقاد لجنة القدس للخروج بمبادرة عربية قوية لتهدئة الأوضاع والحفاظ على المكانة الخاصة للقدس”.

ومن جانبه، أكد الفريق الاستقلالي أن ما يجري في الأراضي الفلسطينية من طرف سلطات الاحتلال هو “إرهاب دولة من أجل إبادة أصحاب الأرض ومحاولة تهجيرهم، مستغربا الصمت المريب للمجتمع الدولي وتستره على الأعمال العدوانية”. كما ثمنت هذه الكتلة النيابية مواقف الملك محمد السادس “رئيس لجنة القدس الثابتة من القضية الفلسطينية وحماية المقدسات في القدس الشريف والوقوف في وجه الاستفزازات التي تقوم بها سلطات الاحتلال والتي تهدف إلى تهويد المدينة المقدسة”.

وتظهر ازدواجية المواقف الحزبية فيما يخص القضية الفلسطينية، فبينما نددت جميع الأحزاب المغربية وعلى رأسها الأحزاب الكبرى بجرائم الاحتلال في غزة والضفة، فنفس تلك الأحزاب -باستثناء التيار الرافض للتطبيع في العدالة والتنمية، والحزب الاشتراكي الموحد الرافض للتطبيع-أيدت قرار التطبيع مع تل أبيب الذي اتخذته السلطات الرسمية، مبررة ذلك بأن هذه الخطوة لن تغير من موقف المغرب الثابت تجاه القضية الفلسطينية بل سيسعى المغرب عبرها لحماية حقوق الشعب الفلسطيني. ولكن الأحداث الأخيرة نسفت الرواية التبريرية لهذه الأحزاب بحيث أكد الواقع أن التطبيع ساهم في تعميق معاناة الشعب الفلسطيني في مقابل شرعنة جرائم الاحتلال عبر بوابة التطبيع.

المغرب الشعبي يريد إسقاط التطبيع

منذ بداية اعتداءات سلطات وجيش الاحتلال في القدس وبعض مدن الضفة، خرج آلاف المغاربة في مسيرات تضامنية مع الشعب الفلسطيني ونصرة للقضية الفلسطينية، منددين من خلالها بآلة الإجرام الصهيونية رافضين للتطبيع التي أقامته السلطات المغربية مع هذا الكيان. وقد شارك المغاربة في أكثر من 50 وقفة احتجاجية بجميع مدن المملكة، كان أكبرها المظاهرات التي شهدتها العاصمة الرباط وتحديدا أمام مقر البرلمان المغربي. كما خرجت مظاهرات مماثلة في العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء ومراكش وطنجة وفاس ومكناس وعشرات المدن المغربية الأخرى. وذلك تنديدا بالاعتداءات والانتهاكات “الإسرائيلية” بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى المبارك.

 وقد ندد المشاركين في هذه المسيرات، بما تقوم به سلطات الاحتلال من قصف للمدنيين في قطاع غزة وانتهاك لحرمة المسجد الأقصى والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، ومحاولة الاستيلاء على منازل الفلسطينيين في حي الشيخ جراح. مستنكرين التطبيع المغربي الرسمي مع الكيان، مطالبين في نفس الوقت النظام بضرورة وقف كل أشكال التواصل والتنسيق مع الكيان الصهيوني الذي ارتكبت ولا زال يرتكب المزيد من الجرائم ضد المدنيين العزل.

وقد كانت أبرز الهتافات التي رددها المشاركين في هذه المسيرات التضامنية هي: الشعب يريد إسقاط التطبيع، ولا لا ثم لا، للتطبيع والهرولة”، ” لا احتلال، لا تطبيع فلسطين ماشي (ليست) للبيع. قرار التطبيع الذي أصبح به النظام المغربي رابع الأنظمة العربية الملتحقة بقافلة التطبيع بعد الإمارات والبحرين والسودان.  وسط معارضة شعبية كبيرة لهذه الخطوة والتي تبلورت عبر وقفات احتجاجية منذ الإعلان عنها في 10 ديسمبر 2020 بحيث كانت بدايتها عبر شبكات التواصل الاجتماعي إلى أن خرجت إلى الميدان على ضوء السياسات “الإسرائيلية” الساعية إلى محو الهوية الفلسطينية عبر توسيع الاستيطان وتعريض سكان أحياء القدس للتهجير القسري، والاعتداءات “الإسرائيلية” وجرائم الحرب التي ارتكبت في غزة.  كما رحبت الجماهير المشاركة برد المقاومة الفلسطينية القوي على غطرسة الآلة العسكرية الإسرائيلية وإلحاقها خسائر فادحة بكيان الاحتلال.

وقد أكد العديد من المشاركين ومنهم شخصيات في منظمات المجتمع المدني أن هذه المسيرات جاءت لتندد بجرائم الاحتلال وحماية المغرب وعقول الأجيال من مخاطر التطبيع. ولتؤكد على أن الدفاع عن القضية الفلسطينية التي هي القضية المركزية للقضايا العربية هو واجب على الجميع من أجل الوقوف في وجه الإرهاب الصهيوني الذي يُرتكب ضد الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة واستهداف المدنيين من أبرزها فئة الأطفال. كما أكد المشاركين أن سلطات الاحتلال تمارس تطهيرا عرقيا وسياسة عنصرية بهدف القضاء على جميع فرص إقامة دولة فلسطينية.

وفي معرض ذلك، شددت “الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع”-هذه الأخيرة التي كان لها دور كبير في تنظيم تظاهرات موحدة في الزمان وفي جميع مدن المملكة- على ضرورة[11]:”وضع السلطات المغربية حد لاتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب”، مؤكدة في بيان لها، “أن القضية الفلسطينية لها مكانة ثابتة لدى الشعب المغربي، وأنه من الواجب تعزيز موازين القوى لصالح القضية الفلسطينية”.

أما “الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني”، فأكدت في بيان لها[12]: “أن العدوان الغاشم لقوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة وغزة هو محاولة لطمس وجود وهوية الشعب الفلسطيني المكافح منذ 1948″، كما أشارت “أن المقاومة الفلسطينية هي رد مشروع على العدوان، ودفاع عن النفس ضد الاحتلال، وما الانتفاضة الفلسطينية الحالية إلا تأكيد على رفض الهيمنة والسياسة الاستيطانية للمحتل وممارسة سياسة التهجير القسري للأسر الفلسطينية والاعتداء على حرمة المسجد الأقصى”. وفي هذا الإطار نددت المنظمة بـ “جرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الكيان الصهيوني، معلنة دعمها لصمود المقاومة الفلسطينية سياسيا وإعلاميا وتقديم الدعم الإنساني الطبي لفائدة الأسر المنكوبة، ودعوة جميع مكونات المجتمع المغربي للوقوف في صف واحد لإسقاط المؤامرات الرامية للقضاء على القضية الفلسطينية عبر بوابة صفقة القرن”، كما وجهت نداءها “للمحكمة الجنائية الدولية بضرورة اضطلاعها بمسؤوليتها في التحقيق في الجرائم الدولية التي ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني لضمان عدم الإفلات من العقاب تحقيقا للعدالة”.

ومن جهتها، وضعت “مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين” عريضة مفتوحة لجميع المغاربة[13]، للمطالبة بإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط وإلغاء اتفاق التطبيع التي أبرمته السلطات المغربية مع إسرائيل، هذا الأخير الذي اعتبرته مجموعة العمل بأنه نظام مجرم، ولا يمكن أن تكون علاقات مع كيان يسلب الحقوق ويعتدي على المدنيين العزل. لأن القضية الفلسطينية هي قضية مركزية لدى المغاربة.

ومن جهتهم نظم محامو المغرب وقفات احتجاجية في عدد من المدن المغربية ضد العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني والتضامن مع القضية الفلسطينية[14]، وذلك استجابة للدعوات التي وجهتها هيئات المحامين بالمغرب، وقد رفع المشاركون في الوقفات شعارات منددة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غرة والقدس الشريف ورفضا للتطبيع وأبرزها “فلسطين أمانة والتطبيع خيانة”. كما انتقدوا أيضا صمت المجتمع الدولي إزاء المجازر التي يرتكبها الاحتلال واستهدافه للمدنيين الأبرياء.. كما أكدت الهيئة أن التنسيق جاري مع عدد من الهيئات الدولية والفعاليات الحقوقية من أجل تقديم دعاوى قضائية ضد جرائم الاحتلال. ومن أبرزها جرائم الحرب التي لا تسقط بالتقادم.

ومن كل ذلك، فإن تصاعد الحراك الشعبي المناهض للتطبيع الذي ارتفع حدته مع تمادي كيان الاحتلال في اعتداءاته على الشعب الفلسطيني وضعت ملف التطبيع على المحك، إذ يعتبر الشارع المغربي إقامة أي علاقة أو تطبيع مع الكيان الصهيوني كيفما كان نوعها وشكلها هي مشاركة وتبرير لجرائمه ضد الفلسطينيين ولسياسته الاستيطانية التي يسعى من وراءها إلى محو الهوية الفلسطينية، وهذا الأمر لن يصب إلا في خانة دعم هذا الكيان وتشجيعه على التمادي في سياسته الاستعمارية العدوانية، والأحداث الأخيرة لدليل واضح على ما خلفته تداعيات سياسة التطبيع مع كيان الاحتلال.

وجاء هذا الحراك الشعبي ضد التطبيع ليؤكد أن مساندة الشعب الفلسطيني في سعيه لإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف هو واجب وطني، وأن المواطن المغربي يضع دائما القضية الفلسطينية في مرتبة موحدة مع قضية الصحراء المغربية. وذلك كترسيخ قطعي بأن القضية الفلسطينية وقضية الصحراء المغربية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون موضوع مساومة أو مقايضة. 

ومن كل ذلك، فقد وضعت الأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية من اعتداءات “إسرائيلية” على القدس والمقدسات ومحاولة تهجير سكان أحيائها، والعدوان على غزة الذي ارتكبت من خلاله الآلية العسكرية الإسرائيلية جرائم دولية-جريمة حرب، جريمة ضد الإنسانية، جريمة إبادة جماعية، جريمة عدوان-، لا حصر لها، المغرب الرسمي في مأزق أمام المغرب الشعبي، فبينما يعتبر الأول أن مسألة التطبيع لها ارتباطات استراتيجية لمصالح المغرب-النظام-، لارتباطه بقضية الصحراء المغربية، فالثاني الذي يمثله عامة الشعب ومناهضي التطبيع من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية وأيضا المهنية يعتبر التطبيع خيانة لا تقبل التبرير للمكانة المهمة التي تحتلها القضية الفلسطينية لدى المغاربة والتي توازي أهميتها قضية الوحدة الترابية، وبذلك فسياسة المقايضة بين قضية مركزية عربية وقضية مركزية وطنية، أمر مرفوض، لأن القضيتان لا يقبلان القسمة على إثنين-حسب مواقف الرأي العام المغربي-.

تعقيب ورأي:

من صفوة القول، وعلى ضوء ما سبق يمكن الخروج بالعديد من الاستنتاجات والتعقيبات حول موضوع تطبيع المغرب الرسمي مع تل أبيب، ومآل هذا التطبيع في ضوء المستجدات التي تعرفها الساحة الفلسطينية التي تأكد من خلالها بأن مبررات التطبيع لا تنسجم مع الواقع التي تعيشه القضية الفلسطينية، وقد جاءت كالتالي:

-المؤسسة الملكية: بيدها جميع سلطات اتخاذ القرارات السيادية، إذ هي التي تقرر مصير تسيير الشأن العام سواء الداخلي أو الخارجي، وملف تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” جاء بناء على قرار اتخذته المؤسسة الملكية من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، بالإضافة إلى تحقيق مصالح استراتيجية تقوي من مكانتها الإقليمية، لكن هذه المكاسب جاءت على حساب القضية الفلسطينية بحيث أن التطبيع مع كيان الاحتلال الذي أسسته مجموعة من الأنظمة العربية انطلاقا من الإمارات مرورا بالبحرين والسودان وصولا إلى المغرب، جاء ليعمق التحديات التي تعيشها القضية الفلسطينية ويساهم بشكل كبير في تقوية الميزان الاستراتيجي الإسرائيلي في المنطقة باعتبار أن أغلبية هذه الدول تريد من إسرائيل أن تكون اللاعب الإقليمي القوي بمنطقة الشرق الأوسط للحد من التمدد الإيراني التي تعتبره كل من الإمارات والبحرين والمغرب تهديدا لهم.

السياسة الملكية تجاه القضية الفلسطينية لا تتلاءم مع موقعها في رئاسة لجنة القدس والتي يترأسها المغرب منذ نشأتها في العام 1975 ولا تتوافق مع الأهداف التي تأسست من أجلها وهي التصدي للمحاولات الإسرائيلية الرامية إلى طمس حقوق الفلسطينيين وحماية القدس الشريف، ولذلك فخلق علاقات مع الكيان يعتبر نسفا لجميع المبادرات التي من شأنها مساندة الحق الفلسطيني.

وهذا ما أكده الدكتور محمد الشرقاوي، أستاذ تسوية النزاعات بجامعة جورج ميسون بواشنطن، بحيث قال:” قد تصبح تداعيات تهجير سكان حي الشيخ جراح والعدوان على غزة كناية عن ثلاث نكبات رمزية جديدة في تاريخ المغرب: نكبة تطبيع مسموم، ونكبة اعتراف مغشوش بالقول دون فعل، ومخاطرة بمصداقية رئاسة لجنة القدس وتمسك المغرب بأن يبقى منتصب القامة يمشي بعزة واحترام في زعامتها ورمزيتها في العالمين العربي والإسلامي، بانتظار أن ينتبه ذوو الألباب”.

إذن، فالأحداث التي شهدتها الساحة الفلسطينية في غزة والقدس، وضعت هذه المؤسسة في مأزق خصوصا مع تصاعد حجم الجرائم التي ارتكبها الاحتلال في غزة والتي راح ضحيتها 243 شهيد ولسياسة التهجير القسري والاعتداءات المتكررة على القدس وأحيائها وعلى حرمة المسجد الأقصى. وستجعلها في ظل هذه المستجدات اضطراريا إلى خفض مستويات التطبيع العلني نتيجة الانتقادات الواسعة التي تلقتها على ضوء ما حصل وذلك إلى حين هدوء موجة المطالبات الشعبية الداعية لإسقاط هذا التطبيع.

وقد اعتبر الدكتور محمد الشرقاوي، “الأحداث التي شهدتها الساحة الفلسطينية هي مؤشر ضمني على مجازفة إن لم تكن خسارة ثلاثية الأبعاد: تطبيع مارق، واعتراف عالق وتداعيات قلق على موقف المغرب -الرسمي-من القضية الفلسطينية”.

-رئاسة الحكومة: هي مجرد آلية لتنفيذ القرارات التي تتخذها المؤسسة الملكية، فليس لديها سلطة القرار أو مناقشة أو إبداء الرأي أو معارضة تنفيذ أي من القرارات السيادية، فرئيس الحكومة سعد الدين العثماني الذي ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، والذي يعتبر مسألة التطبيع مع إسرائيل منطقة محرمة وتتنافى مع مبادئ الحزب الذي لا طالما كان مناهضا للتطبيع في خطاباته.

فواقعة التطبيع، ستؤثر على مكانة حزب العدالة والتنمية داخل الجسم السياسي المغربي باعتباره أكبر الأحزاب المغربية التي كانت تتمتع بشعبية كبيرة، هذه الشعبية التي بدأت تتضاءل بفعل السياسات والتوجهات الجديدة لهذا الحزب التي انسلخ من خلالها عن هويته والشعارات التي كان ينادي إليها دائما، بحيث أصبح عبر بوابة رئاسة الحكومة أداة في يد السلطة الحاكمة لتنفيذ سياساتها وتوجهاتها.

فقد جاء حزب العدالة والتنمية بعد ثورات الربيع العربي في العام 2011، بحيث علق عليه المغاربة آمالا بأن يكون الاستثناء في التجارب الحكومية السابقة، بتحقيق تطلعاتهم من خلال تدبير حكوماتي قائم على العدالة والإنصاف، لكن تجربة العشر سنوات أكدت لا محالة أن هذا الحزب رضخ لسياسة الأمر الواقع، باعتباره جهاز تابع للمؤسسة الملكية. هذه الأخيرة التي فرض عليها الربيع العربي واحتجاجات 20 فبراير بأن تقبل بوصول تيار الإسلام السياسي لقيادة الحكومة على الرغم أن هذا الأمر كان مستحيل أن يحصل لولا موجات التغيير التي عرفتها المنطقة العربية.

لذلك، فقد أرادت المؤسسة الملكية عبر بوابة التطبيع أن تضرب عصفورين بحجر، الأول تحقيق مكاسب نوعية من علاقاتها مع تل أبيب، والثاني أن تقضي على آمال الحزب وتقطع الطريق عليه للفوز بالانتخابات البرلمانية المزمع تنظيمها في سبتمبر 2021، بحيث جاء التطبيع الرسمي في زمن العدالة والتنمية، ولذلك دلالة قوية على أن الحزب أصبح يشكل عبء على المؤسسة الملكية، فرأت في توقيت التطبيع فرصة مناسبة لإخراجه من المشهد السياسي المغربي لما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة.

-الخارجية المغربية: تعتبر الصندوق الأسود للتطبيع من الجهة المغربية (الجوكر المغربي)، بحيث يعتبر هذا الجهاز السيادي عبر وزيره ناصر بوريطة التكنوقراط المعين مباشرة من الملك، العراب المغربي لمسيرة التطبيع، بحيث اعترف بوريطة أنه كان على اتصال دائم مع مسؤولين إسرائيليين من أجل إعادة استئناف العلاقات الذي أكد أنها لم تنقطع بقوله: ” أنه لا يمكن الحديث عن تطبيع لأن العلاقات كانت أصلا طبيعية، بل هناك استئناف للعلاقات بين البلدين كما كانت في السابق- قبل تعليقها في العام 2000 عقب انتفاضة الأقصى وإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي عقبها- لأن العلاقة بحسبه قائمة دائما، لم تتوقف أبدا”.

الأحداث التي شهدتها القدس وغزة تفند مزاعم بوريطة الذي أكد في مناسبات عديدة أن “إقامة علاقات دبلوماسية سلمية وودية وكاملة من مصلحة المغرب وإسرائيل، ومن شأنها أن تخدم السلام في المنطقة”، هذه التصريحات التي لا تتناسب واقعيا مع الأحداث الجارية بحيث أن التطبيع يخدم جانب واحد وهو كيان الاحتلال، وأن صناعة السلام مع طرف يرتكب جرائم تصنف في خانة جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية ويغتصب حقوق أصحاب الأرض هو أمر مخالف لجميع المعايير التاريخية والقانونية والإنسانية والاعتبارات الواقعية.

-الأحزاب المغربية: تعتبر أكثر الهياكل اهتراءً في الجسم السياسي المغربي، ليس لها أي دور فاعل وفعّال أو مؤثر في الحقل السياسي، إذ أصبحت تشكل عبء يثقل كاهل المغاربة، بحيث يعتبرونها أحزابا بدون جدوى لأنها واقعيا لا تعبر عن إرادة المواطن بل تعبر عن إرادة مصالحها وحساباتها الضيقة، هذه الأحزاب التي لا تعرف إلا سياسة الطاعة والولاء للحاكم، بحيث أنها لا طالما دائما كانت داعمة للسياسات الفوقية لا تناقش ولا تعارض بل هي في مكانة التأييد الدائم، وهو ما تبلور عندما أيدت غالبيتها -بعض التيارات الحزبية ناهضت فكرة التطبيع وهناك من التزم الصمت حيال هذه الخطوة- اتفاق التطبيع وأكدت أن هذا القرار يخدم قضية الوحدة الترابية بالموازاة أن ذلك لن يكون على حساب القضية الفلسطينية، لتخرج نفس هذه الأحزاب على ضوء ما شهدته الأراضي الفلسطينية من اعتداءات “إسرائيلية” وحشية لتندد بجرائم الاحتلال وهو أمر متناقض مع تبريراتها التي أطلقتها إبان مراسيم التوقيع التي احتضنه القصر الملكي بالرباط. لكن الخفي من بيانات التنديد الحزبية أنها تأتي في وقت شديد الأهمية مع قرب الانتخابات البرلمانية، فقد أرادت هذه الأحزاب في ظل فقدان الثقة واتساع الفجوة بينها وبين المواطن المغربي أن تستغل هذه الأحداث لصالحها عبر كسب الرهان للرفع من أسهم شعبيتها واستغلال الارتباط القوي للمواطن المغربي بالقضية الفلسطينية لصالحها.

-الشعب المغربي: تحظى القضية الفلسطينية باهتمام كبير لدى المغاربة، إذ تعتبر محل إجماع لدى جميع مكونات الشعب المغربي باختلاف أطيافه وانتماءاته، وقد أظهر العدوان الأخير على غزة والقدس، مدى ارتباط المغاربة بفلسطين، هذا الارتباط الذي يضرب بجذوره عمق التاريخ فهناك مغاربة شاركوا في عملية التحرير والمقاومة، منذ المعارك التي قادها صلاح الدين الأيوبي ضد الصليبيين بحيث كان يعتمد في جيشه على نسبة مهمة من المغاربة. وعند تحرير القدس، أمر بإسكان المغاربة عبد الباب الغربي للمدينة وتمت تسمية هذا الحي بحارة المغاربة، وتحمل بوابتها اسم باب المغاربة، وهي إحدى أشهر بوابات القدس، وقد كان لصلاح الدين حكمة لاختبار هذا الموقع مسكنا للمغاربة بالقرب من المسجد الأقصى بقوله: “أسكنت هناك من يثبتون في البر، يبطشون في البحر، من استأمنهم على المسجد العظيم، وهذه المدينة”.


الهامش

[1]– مساعدة إنسانية عاجلة من المغرب إلى غزة والضفة، القدس العربي، بتاريخ 14 مايو 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[2]– المغرب…. العثماني يستنكر انتهاكات إسرائيل في القدس، الأناضول، بتاريخ 8 مايو 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[3] – سعد الدين العثماني للجزيرة: ما تقوم به إسرائيل بحق الفلسطينيين جرائم حرب والمغرب ينحاز لأصحاب الأرض، الجزيرة نت، بتاريخ 16 مايو 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[4] – العثماني يؤكد لهنية رفض المغرب لإجراءات الاحتلال في القدس، عربي 21، بتاريخ 12 مايو 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[5] – العثماني: المغرب يرفض التطبيع ويدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، TRT عربي، بتاريخ 24 أغسطس 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[6] – المغرب: انتهاكات إسرائيل في القدس مرفوضة، الأناضول، 09 مايو 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[7] – وزير مغربي يتحدث عن التطبيع ويشارك بفعالية لـ “أيباك”، عربي 21، بتاريخ 06 مايو 2021، متوفر عبر الموقع التالي: الرابط

[8] – هل غادر “السفير” الإسرائيلي المغرب دون رجعة؟.. الرباط ترفض “شروط” تل أبيب لإتمام اتفاق التطبيع، عربي بوست، بتاريخ 16 مايو 2021، متوفر عبر الرابط: الرابط

[9] – عبد الرحيم العسري: التصعيد ضد الشعب الفلسطيني يؤجل تنزيل الاتفاق بين الرباط وتل أبيب، جريدة هسبريس الإلكترونية، متوفر بتاريخ 17 مايو 2021، متوفر عبر: الرابط

[10] -نبيل بكاني: البرلمان يدين جرائم إسرائيل .. و “البيجيدي” يطالب بإغلاق “مكتب الاتصال”، جريدة هسبريس الإلكترونية، متوفر بتاريخ 17 مايو 2021، متوفر عبر الرابط: الرابط

[11] – الجبهة المغربية لدعم فلسطين تدعو إلى يوم تضامني ونقابة الصحافة تدين الاعتداءات الإسرائيلية، القدس العربي بتاريخ 14 مايو 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[12] – بيــــــان الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، المكتب التنفيذي، بتاريخ 19 مايو 2021، متوفر عبر صفحة الجمعية على الفيسبوك على الرابط التالي: الرابط

[13] – محمد الراجي: مجموعة العمل من أجل فلسطين ترفض قرار منع التجمهر في الرباط، جريدة هسبريس الإلكترونية، متوفر بتاريخ 20 مايو 2021، متوفر عبر الرابط: الرابط

[14] – “محامو المغرب” يتضامنون مع الفلسطينيين بوقفات في محاكم البلاد، الأناضول، بتاريخ 20 مايو 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button