النظرية الإحتمالية في التسليح الروسي و انعكاساتها

اعداد : محمد ثابت حسنين – باحث في العلاقات الدولية – المركز الديمقراطي العربي

طالعنا في الأيام الماضية، من خلال الصحف الروسية والدولية الخبر المنقول عن وزارة الدفاع الروسية و وزارة الانتاج الحربي الروسية، والذي كشف النقاب عن قيام روسيا بإختبارات نظام الدفاع الجوي ” بروميثي إس 500 ” في سوريا. و وفقاً للخبراء العسكريون فإن الإختبار كانت نتائجه يكللها النجاح، وبالرغم من وجود مشكلات صاحبت عملية الإختبار؛ إلا أن الفريق المصاحب والقائم علي عملية الإختبار، استطاعوا حلها بشكل ميسر وسريع، وهو ما أدي إلي قيام الجنرال ” آيتش بزييف ” نائب القائد الأعلي للقوات الجوية الروسية الأسبق، بالتعليق قائلاً “سوريا هي المكان الأمثل لمثل هذه الإختبارات، لأن درجة الحرارة مرتفعة دائماً وهناك الكثير من الغبار”، ووفقاً للجنرال فإن ظروف التشغيل والظروف المناخية القاسية هذه تساعد علي إيجاد أوجه القصور، والتي أثناء التجربة كانت عامة ومستقرة وتم التعامل معها بشكل ناجح والتغلب عليها.

وفي سياق آخر، وأثناء البرنامج الحواري ” المساء مع فلاديمير سولوفيوف” في 11 أكتوبر، صرح زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي في روسيا، نائب ” دوما فلاديمير جيرينوفسكي” أن روسيا لديها أنظمة دفاع جوي ( إس 600 و إس 700 )، كما تحدث عن العواقب السياسية التي ستتأتي من جراء تزويد سوريا بأنظمة الصواريخ الروسية المضادة للطائرات، وبحسب حديث قائد الديمقراطيين الليبراليين الروس، فإن أنظمة الدفاع الروسية (إس 700 ) يمكنها ضرب أهداف في أي مكان في العالم. ونجد أن ” جيرينوفسكي ” اعترف بأن روسيا لا تمتلك فقط أنظمة الدفاع ( إس 300، إس 400، إس 500 ) بل تمتلك أيضاً أنظمة الدفاع ( إس 600، وإس 700 )، ناهيك عن التصريح بأن النظام الدفاعي الأخير يمكنه ضرب أي صاروخ علي الفور عقب إطلاقه.

ومن حيث المميزات التي تتوافر في منظومة “إس 500″؛ فهي تتميز بمجموعة من أفضل مميزات الأداء، فلقد تم إدماج جهاز قادر علي تشغيل صواريخ مضادة للصواريخ الباليستية عبر مسافة قدرها 600 كيلومتر، وبذلك تزيد عن منظومة “إس 400″ من حيث المدي بمقدار 200 كيلومتر، فضلاً الميزة التي أثارت إعجاب العديد، ألا وهي قدرتها علي تتبع واعتراض ما يصل ألي عشرة رؤوس حربية صاروخية تطير بسرعة تزيد عن 4 أميال في الثانية الواحدة، بالإضافة إلى تديل صواريخ ” إن بي أو ” المضادة للطائرات.

وفقاً لأدبيات العلوم السياسية، أرتبط ” آرون ” فى تصويره لفكرة جدلية الصراع فى المجال الدولى كمفهوم من مفاهيم العلاقات الدولية بتعريف ” كلاوز ويتز” للحرب . لقد عرف هذا الأخير – كلاوز ويتز – الحرب بأنها  ” عمل من أعمال العنف نستهدف به إكراه الخصم على تنفيذ إرادتنا “. ومن ثم فإن الإكراه المادى فى الحرب، هو الوسيلة وأن الغاية هى فرض الإرادة؛ غير أن الخصم ليس كتلة ميتة، و إنما الحرب إصطدام قوتين حيتين؛ إنى أسعى بالإكراه إلى فرض إراداتى على الخصم فى الوقت الذى يسعى فيه هو الآخر إلى فرض إرادته علي، ومن هنا فإنى لست سيد نفسى، ما دام أنه يملى علي إرادته كما أملى عليه إرادتى، وهذا مؤداه أنه يتعين علي أن أقدر دائماً قوة خصمي الهجومية و قوة إحتماله ( قوته الدفاعية ) حتى أسعى دائماً بقوتي إلى تجاوز قوتيه هاتين ، فذلك هو السبيل الأوحد إلى فرض إرادتى عليه فى النهاية ، غير أنه هو الآخر يسلك نفس المسلك نحوي، أنه التدبير المتبادل والحساب الدائم لقوى المتخاصمين، إنها جدلية الصراع فى المجال الدولى، عند ” ريموند آرون ” الفرنسي . وبالنظر لهذا المنهج، وبالقياس لما أعلنت عنه روسيا، نجد أن روسيا من خلال إمتلاكها لمنظومات إس 500، و إس 600، و إس 700، تسعي إلي تعزيز قوتها الإحتمالية؛ فضلاً عن السعي بذلك إلي التقليل من القوة الإحتمالية (الدفاعية) للولايات المتحدة الأمريكية، غريمها التقليدي في مجال التسلح، ولقد نجحت بالفعل في إمتلاك منظومة دفاعية تتساوي مع المنظومة الدفاعية للولايات المتحدة الأمريكية” ثاد “، التي صممت عام 1987، وتم تصنيعها بالفعل عام 2008، وتتكون من قاذف صاروخي متحرك وقذيفة اعتراضية، ومحطة رادار كشف وتتبع، فضلاً عن جهاز الاستشعار، أيضاً من مكوناتها بطارية من تسع عربات مجهزة بقاذفات تحمل من ستة إلي ثمانية صواريخ، وبذلك استطاعت الحصول علي القوة الإحتمالية، ولكن ماذا عن الشق الآخر لعملية الحرب؟ فالقوة لا تتحقق إلا من خلال الاستئثار بالقوتين معاً، القوة الدفاعية(الإحتمالية) من ناحية، والقوة الهجومية من ناحية أخري. إن إمتلاك روسيا لمنظومة دفاع متطورة يمكنها من الدفاع عن ذاتها، دون إلحاق أي ضرر في صفوفها، غير أن الحرب تحتاج إلي القوة الهجومية؛ فالقوة الهجومية لروسيا لم تحظي بتسليط الضوء عليها من جانب الروس مقارنة بالقوة الدفاعية، وهذا ما ينتج عنه الأتي: أن إمتلاكها لأنظمة هجومية غير متطورة، يقابله إمتلاك الولايات المتحدة لأنظمة دفاع يمكنها التصدي للهجوم الروسي، وبذلك تكون المحصلة النهائية للصدام صفرية.

بيد أن ما تم عرضه من خلال السطور السابقة، قد يؤدي إلي التوصل إلي نتائج هامة سوف تؤثر بشكل أو بآخر علي نظرية النسق الدولي من ناحية، بالإضافة إلي التأثير علي السياسات المستقبلية للأطراف المعنية من ناحية أخري؛ من حيث عودة سباق التسلح مرة أخري سواء بشكل كلي أو بشكل جزئي، من ناحية ثالثة فإن التأثير قد يقع علي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص؛ من حيث كونها مسرح العمليات العسكرية وحقل التجارب الخاص بالتسليح. إن سرعة تعاقب الأحداث التي تطرأ علي الساحة الدولية تعد إشكالية كبيرة عند التحليل ومحاولة التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور في المستقبل القريب، فربما أثناء كتابة تلك السطور يتم الإعلان عن حدث ما يتغير علي آثره نتائج التحليل السابق، والذي أنتهي إلي التسليم بفرضية معينة تحدث في الساحة الدولية، يمكن إعتبارها بمثابة المرحلة التحضيرية أو الفاصلة التي تسبق مولد نظام عالمي جديد؛ فما أشبه الليلة بالبارحة، فالأيام السابقة علي أحداث الحرب العالمية وأيضاً الفترة السابقة للحرب العالمية الثانية تشبه- إلي حد كبير- المرحلة التي نحياها، وإذا ما أخذنا في الأعتبار التصريح الذي أدلي به ” هنري كسينجر ” الدبلوماسي المحنك و وزير خارجية الولايات المتحدة في فترة من أهم فترات التاريخ المعاصر، ” إن من لا يسمع طبول الحرب العالمية الثالثة تدق في الشرق الأوسط فهو أصم ” ، مثل هذا التصريح يعزز من القدرة علي فهم الأحداث الجارية، وليس بالضرورة أن تؤدي تلك الأحداث إلي نشوب الحرب العالمية الثالثة بمفهومها الأشمل؛ فتلك الحالة من الصعب تحققها لما تمتلكه بعض الدول من أسلحة قادرة علي إنهاء الحياة علي كوكبنا، ولكن تنشب الحرب بمفهومها الجزئي؛ فهي حرب محدودة أو حرب تقليدية، فالحديث عن الحرب بمفهومها التقليدي من حيث استخدام الجيوش النظامية؛ بالإضافة إلي استخدام الأنواع الأخري من الحروب الحديثة مثل: الحرب الاقتصادية، والحرب الالكترونية، والحرب الإعلامية، وحروب الأجيال الحديثة بأنواعها المختلفة.

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button