الهجمات على السفارة الامريكية في العراق الدوافع والمآلات

اعداد الباحث :  محمد شعبان عبدالعزيز  – متخصص في العلاقات الدوليه

  • المركز الديمقراطي العربي

تعرضت السفارة الامريكية في العراق اكثر من مرة الى هجمات تفجيرية على مدار السنوات القليلة الماضية وتزايدت الضربات التي تعرضت لها المصالح الامريكية في العراق وهو ما ادى بشكل او بآخر الى تخفيض اعداد القوات الأمريكية الموجودة بالعراق نتيجة للضغوط السياسية والعسكرية المتكررة إلا ان تلك المعطيات قد تعرضت لنقطة تحول كبيرة من خلال إشارة الولايات المتحدة الأمريكية بإغلاق سفارتها في العراق بعد الهجمات المتكررة في محيط السفارة وفي المنطقة الخضراء التي تقع فيها السفارة الامريكية في العراق وهو الامر الذي يزيد من التساؤل حول امكانية الخارجية الامريكية من تصعيد الموقف واغلاق السفارة الامريكية في العراق؟

-دوافع الخارجية الامريكية بإغلاق السفارة الامريكية في بغداد:

ثمة دوافع علنية واخرى خفية لتهديد الخارجية الامريكية بتهديد السفارة وفيما يخص الدوافع العلنية ترتبط بتزايد وتيرة الهجمات التي تتعرض لها السفارة الامريكية في بغداد ومحيطها تلك الهجمات المدعومة من مليشيات عسكرية عراقية تدين بالولاء لإيران حيث قامت تلك المليشيات بعمل العديد من الهجمات العسكرية ضد منشآت ومصالح امريكية كما استهدفت تلك المليشيات مقار لقوات التحالف الامريكي ضد (داعش) كما لا تقتصر هجمات تلك المليشيات على السفارة الامريكية والمصالح الامريكية وانما امتدت لتطال مجموعة من البعثات العربية والاوروبية ومنشآت ومكاتب برنامج الأغذية العالمي التابع لمنظمة الأمم المتجدة وبعض الشركات النفطية المتوزعة في مناطق متعددة من العراق.

وقد بلغ عدد الهجمات المسلحة من قبل المليشيات المسلحة بصواريخ كاتيوشا والطائرات المسيرة بدون طيار خلال الربع الاول من العام 2020 بإتجاه المنشآت والاهداف الامريكية والاجنبية والاممية بواقع (11) هجوما ، واستمرت وتيرة الهجمات في الربع الثاني من العام 2020 الى نحو (19) هجوم مسلح استمرت وتيرت الهجمات في المسلح ضد المنشآت الامريكية والاجنبية في التزايد في الربع الثالث من العام 2020الى نحو 27 هجوما.

كما تنامت الهجمات المسلحة بالعبوات الناسفة على القوافل والشاحنات الامريكية والاجنبية من 24 هجوم في الربع الاول من العام الحالي الى 27 هجوم في الربع الثاني من العام الحالي .

وفيما يخص الدوافع الخفية لقيام الخارجية الامريكية بالتهديد فأهم تلك الدوافع خشية الإدارة الامريكية بقيادة ترامب من تكرار سيناريو احداث السفارة الامريكية في بنغازي في العام 2012، وازمة الرهائن الامريكيين في السفارة الامريكية في إيران في اعقاب الثورة الايرانية حيث كانت ازمة الرهائن الامريكية في طهران من اسباب فشل كارتر في تولي ولاية امريكية ثانية، وخاصة وان تكرار هجمات قوية ضد السفارة الامريكية في ايران يضيف الى المرشح الديمقراطي جو بايدن في تولي الرئاسة الامريكية وفشل ترامب في الفوز بولاية ثانية على امل عودة العمل بالاتفاق الايراني وياجاد حل للعقوبات المتزايدة على ايران والتي افقدتها 150 مليار دولار وفقا لتصريحات الرئيس الايراني روحاني، وخاصة وان ايران لا تستطيع توجيه ضربة عسكرية مباشرة وصريحة للولايات المتحدة الامريكية .

أهم الجهود العراقية لاحتواء الازمة:

قام رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بزيارة الولايات المتحدة الامريكية في اغسطس 2020 في اطار الحوار الاستراتيجي بين الحكومة الامريكية والعراقية بشأن الهجمات المتكررة على السفارة والمنشآت الامريكية في العراق ذلك الحوار الذي بدأ في مايو من العام 2020 تلك الزيارة التي وصفت من مسؤليين البلدين انها ذات طابع ايجابي وتهدف الى إرساء السلام وتقليل عدد الهجمات المسلحة على المنشآت الامريكية .

ولكن الواقع العملي لا يعكس ذلك حيث زادت وتيرة الهجمات المسلحة بالعبوات الناسفة على المصالح الامريكية وابرزهم استهداف مقر السفارة الامريكية في بغداد وبعثات دبلوماسية اخرى حليفة للولايات المتحدة حيث تم استهداف سيارات بريطانية ذات صفة دبلوماسية بعبوة ناسفة في 15 سبتمبر 2020.

وعلى الرغم من الجهود المستمرة لرئيس الوزراء العراقي من اجل التصدي للمليشات المسلحة إلا ان تلك الهجمات مستمرة وآخذة في التزايد حجيث شهد شهر سبتمبر 2020 عشرات الهجمات تجاه سيارات وارتال عسكرية امريكية.

وتزعم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مبادرة مدعومة من رئيس الوزارء الكاظمي من اجل  تشكيل لجنة خاصة للتحقيق في الهجمات المتكررة تجاه السفارة الامريكية في بغداد وهو ما رفضته بعض القيادات التي تتزعم المليشيات المخربة وابرزها عصائب أهل الحق في بيان لعصائب اهل الحق في بيان لزعيمها قيس الخزعلي حيث قال: لا يوجد في العراق موضوع اسمه استهداف الهيئات الدبلوماسية والثقافية، إنما الموجود هو استهداف سفارة الولايات المتحدة الامريكية لانها سفارة تابعة لدولة تحتل العراق،

وصرح اكرم الكعبي قائد ميلشيات النجباء مازالنا ننتظر المواقف الرسمية من القوى الرسمية من القوى جميعا بخصوص الثكنة العسكرية المنتهكة للسيادة العراقية، والتي وضعتها امريكا وسط بغداد بإسم السفارة التي تقوم بالفساد والعبث في مصالح العراق. .(فارسي، اكتوبر:2020).

أهم اجراءات الحكومة العراقية:

قامت الحكومة العراقية بقيادة الكاظمي عدة اجراءات قرارات من اجل تقليل معدل نشاط المليشيات والفصائل المسلحة في العراق إلا ان تلك الاجراءات لم تنجح في تحقيق الهدف المنشود منها حيث فشلت الحكومة في الاستيلاء على الاسلحة غير الشرعية التي تقوم بالهجوم على المنشآت الامريكية واهمها السفارة.

وعليه قامت وزارة الخارجية الامريكية متمثلة في وزير خارجيتها مايك بومبيو رسالة شديدة اللهجة للحكومة العراقية من اجل زيادة الضغوط على القيادة العراقية واحراجها من اجل اتخاذ اجراءات اكثر قوة لمواجهة الميلشيات التي تقوم بتنفيذ هجمات مسلحة ضد السفارة الامريكية وهدد بإن استمرار تلك الهجمات المسلحة سوف يكون له عواقب سياسية

وعليه قامت الحكومة العراقية بإجراءات اضافية من اجل احتواء الأزمة وأهمها:

-اعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في 25 سبتمبر من العام 2020 القيام بإغلاق مكاتب تتبع الحشد الشعبي وبعض الفصائل العراقية المتشددة في مطار بغداد الدولي بالاضافة الى اغلاق مكاتب تابعة لجهاز الأمن الوطني وهيئة النزاهة والمساءلة وإقالة بعض الاعضاء الفاعلين والقيادات في 26 سبتمبر 2020 كمال تم عمل بعض التغييرات ومنها تعيين وزير الدفاع السابق خالد العبيدي وكيلا لشؤون العمليات في جهاز المخابرات الوطني، كما تم إقالة رئيس هيئة الحشد الشعبي من منصبة كمستشار للأمن القومي وتعيين وزير الداخلية السابق قاسم الاعرجي بدلا منه.

كما قام وزير الخارجية العراقية فؤاد حسين في 26 سبتمبر الى إيران وهدفت الزيارة الى اقناع ايران من أجل ممارسة ضغوط على المليشيات ووضع حد لتلك الهجمات .

واعلن المتحدث بإسم الخارجية العراقية أحمد الصحاف في 28 سبتمبر انه افصح للرئيس الايراني عن الرؤية الجديدة لتعامل الحكومة العراقية مع المليشيات .

-عمل بيان مشترك في 27 سبتمبر بالتنسيق بين الرئيس برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى كاظمى ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي حيث تم التأكيد على جهود الحكومة في حصر السلاح بيد الدولة وتقليل استهداف البعثات الدبلوماسية، والتمسك بقرارات الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الامريكية. (عبدالمنعم، سبتمبر،2020).

النتائج المترتبة على فوز بايدن بإنتخابات الرئاسة الامريكية :

مثل فوز بايدن برائاسة الولايات المتحدة الامريكية  نقطة تحول كبير وهو امر لم يكن متوقع من قبل الجمهوريين وعلى رأسهم ترامب ، إلا ان ترامب قام بمجموعة من الاجراءات واهمها تخفيض عدد القوات الامريكية في العراق وافغانستان بحيث يتم تخفيض الجنود الامريكيين في العراق من 3000 جندي إلى 2500 جندي وهو ما يمثل تراجع لما اعلنه ترامب من الانسحاب الكامل للجنود الامريكيين من العراق بحلول مطلع العام 2021.

بعد هذا الإعلان، أكد مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض روبرت أوبراين أن ترامب يأمل في عودة جميع القوات الأمريكية من أفغانستان والعراق بحلول مايو/ أيار.

وقال أوبراين “بحلول شهر مايو يأمل الرئيس ترامب في أن يكونوا جميعا قد عادوا إلى منازلهم بأمان”.

لكن زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ، والذي ينتمي إلى الحزب الجمهوري، حذر من إقدام الولايات المتحدة على القيام بأي تغييرات سريعة في السياسة الدفاعية أو الخارجية، بما يشمل سياستها تجاه العراق وأفغانستان.

واعتبر ماكونيل أنه “من المهم جدا هنا خلال الشهرين القادمين عدم القيام بأي تغييرات كبيرة فيما يتعلق بالدفاع أو بالسياسة”. وأضاف أن “الخفض الكبير في عدد القوات الأمريكية في أفغانستان أو العراق سيكون خطأ”.(فرانس،2020).

ومن هنا يمكن القول ان عملية سحب القوات الامريكية في العراق تمت بشكل جزئي ووضعت الإدارة الامريكية القادمة بقيادة بايدن في تحدي امني وسياسي في ظل تعقد الاوضاع الميدانية في العراق وهو ما يبرز نقطة في غاية الاهمية تتعلق بمقدرة الولايات المتحدة الامريكية على حماية سفارتها ورعايها في العراق .

-الآثار المحتملة على العراق حال إغلاق السفارة

بالرغم من ان الضغط على الحكومة العراقية يؤدي الى الكثير من الفوائد والآثار الايجابية والتي تؤدي الى مزيد من الاجراءات الرامية الى تقليل الهجمات المسلحة على المصالح الامريكية وابرزها السفارة الامريكية في بغداد ومن المتوقع ان تحدث عدد من النتائج والسيناريوهات على النحو التالي:

-الاقتتال الداخلي:

يمكن ان يؤدي زيادة التهديد بإغلاق السفارة او اغلاقها بالفعل الى زيادة حدة الصراعات الداخلية في العراق بين الجهات والميليشيات الممولة من ايران وتلك المعارضة لإيران وهو ما يمكن ان يزيد الاحتقان الامني بالتزامن مع زيادة حالة الغضب الشعب العراقي نتيجة سوء الاحوال الاقتصادية والمعيشية وهو ما ادى الى خروج مظاهرات في اكتوبر 2019 كل تلك العوامل لا يمكن تناولها بمعزل عن التهديدات الامنية على السفارة الامريكية.

-احتمال وقوع حرب امريكية ايرانية على الاراضي العراقية

في حال استمرار التهديدات الامنية على السفارة الامريكية يمكن ان يؤدي ذلك الى مزيد من التصعيد وهو ما يمكن ان يؤدي الى حرب امريكية ايرانية على الاراضي العراقية بين الميليشيات المدعومة من ايران وبين قوات المليشيات الموالية للحكومة العراقية وللولايات المتحدة الامريكية .

-فرض عقوبات اقتصادية على العراق وعزلها دوليا

في حال اغلاق السفارة الامريكية في العراق لن تتوقف العمليات الدبلوماسية والعسكرية الامريكية في العراق بل وانه من المتوقع في هذه الحالة ان يتم اتخاذ اجراءات عقابية من الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها وما يؤكد تلك الفرضية تصريح رئيس الوزراء العراقي في 29 سبتمبر 2020 حيث تحدث عن ان الهجمات المستمرة على البعثات الاجنبية دعت المؤسسات والهيئات الاجنبية الى التفكير بإغلاق سفارتها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الامريكية.

وبناء على ما سبق فإنه حال اغلاق تلك الهيئات الاجنبية بقيادة الولايات المتحدة الامنريكية وحلفائها فإن احتمالية فرض عقوبات دولية على العراق يصبح امرا واردا .(بلال، اكتوبر:2020).

الخاتمة:

من خلال ما سبق يمكن القول ان تكرار الهجمات الإرهابية المسلحة على السفارة الامريكية في العراق ادى الى تحرك الجهود الدبوماسية من اجل التفاوض في وقت ، ومن اجل الضغط والتهديد من وقت آخر ونتيجة للوتيرة المتسارعة لتلك الهجمات مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الامريكية اعلن وزير الخارجية الامريكية عن ان استمرار الوضع الامني المتردي في السفارة الامريكية ومحيطها في المنطقة الخضراء في بغداد يعني اغلاق السفارة الامريكية في العراق وهو الار الذي سوف يؤدي الى العديد من الآثار والنتائج السلبية على الصعيد الداخلي والخارجي.

ان من يقوم بالهجمات على السفارة الامريكية في العراق مليشيات اغلبها يتم دعمهم من ايران اي ان استهداف السفارة الامريكية يدور بالاساس حول خلافات ايرانية امريكية كان ابرزها فشل الاتفاق النووي الايراني وهي احد الادوات التي تضغط بها ايران على الولايات المتحدة بشكل غير مباشر بجانب مقتل سليماني احد اهم القيادات السياسية والعسكرية الايرانية على يد القوات الامريكية، تكرار استهداف السفارة الامريكية في بغدادر يمس صميم سيادة الولايات المتحدة وقدرة خارجيتها وقيادتها على حماية المصالح الامريكية في العراق بالرغم من الجهود الحكومية التي قامت بها حكومة الكاظمي من اجل تقليل الهجمات الحاصلة على السفارة الامريكية في بغداد.

وعليه يمكن القول ان التفاوض الامريكي اتسم بالنجاح من الناحية النظرية من خلال المفاوضات مع حكومة الكاظمي وبعدها التهديد بشكل مباشر وتصعيد ذلك التهديد إلى حد إغلاق السفارة ولكن المعطيات الواقعية لا تجري وفقا لرغبة الولايات المتحدة الامريكية او لحكومة الكاظمي، قد يرجع ذلك الى مجموعة من الاسباب اهمها حالة الاستقطاب العالي من قبل الكثير من القوى العسكرية من جانب ايران، وتردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية زاد من حالة الانفلات الامني بالتزايد مع خروج الكثير من العراقيين الى الشوارع من اجل تغيير الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كما ان الوعي الجمعي عند الكثير من العراقيين يرتبط بمشاعر العداء تجاه الولايات المتحدة الامريكية التي قامت بغزو العراق في العام 2003 وهو ما يضع الإدارة الأمريكية المقبلة أمام تحدي واضح في المستقبل القريب.

المراجع:

1-زيان فارسي، التهديد الامريكي بإغلاق السفارة الامريكية في العراق الدوافع والتداعيات، المعهد الدولي للدراسات الايرانية، اكتوبر، 2020 منشور على الرابط التالي:

2-محمد عبدالمنعم، تصاعد التوتر في العراق، دراسة منشورة على الموقع الرسمي للمرصد المصري، سبتمبر ،2020 على الرابط التالي:

https://marsad.ecsstudies.com/41181/

3-وهاب بلال وآخرون، مخاطر اغلاق السفارة الامريكية في العراق، دراسة منشورة على معهد واشنطن للدراسات، اكتوبر، 2020 منشور على الرابط التالي:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/confusing-tactics-in-baghdad-the-perils-of-shuttering-the-u.s.-embassy

4-ترامب وتخفيض القوات الامريكية في العراق وافغانستان، وكالة الاخبار الفرنسية (France 24) منشور في 17 نوفمبر 2020 على الرابط التالي:

https://www.france24.com/ar/%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7/20201117

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button