دراسات سياسيةدراسات مغاربية

انتخابات الرئاسيات تشعل الصراع ضد الاسلاميين في تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا..واقع ملتهب

في توقيت واحد تقريبا، بدأ قائد الانقلاب في موريتانيا “ولد عبد العزيز”، حملة ضد الاسلاميين هناك في اعقاب فوز حزب الإخوان “تواصل” بالمركز الثاني في الانتخابات التشريعية والبلدية، فأغلق مركز وجامعة، وتوعد بـ “إجراءات” ضد الاسلاميين.

وفي تونس، صعد الرئيس المحسوب علي الدولة العميقة السابقة “قايد السبسي” معركته مع حزب النهضة التونسي الاسلامي لرفض الاخير قانون علماني قدمه الرئيس لمساواة الرجال والنساء في الارث بما يخالف الشريعة الاسلامية، ودعم راشد الغنوشي لرئيس الوزراء العضو في حزب الرئيس “السبسي” ضد حزبه الذي فصله من منصبه، والصراع على المرشحين للرئاسة عام 2019.

وتحول الامر في الجزائر الي قلق من نفوذ الاسلاميين في انتخابات 2019 المقبلة على خلفية أزمة خلافة الرئيس الجزائري الحالي بوتفليقة، والصراع الذي عصف بأكثر من مسئول عسكري.

أما في المغرب فتصاعدت التوترات بين حزب العدالة والتنمية الاسلامي الذي يتولى امينه العام سعد الدين العثماني رئاسة الحكومة، وحزب الاحرار العلماني الذي يشاركه الحكم، على خلفية العديد من المواقف، ما دفع التيار العلماني للتصعيد ضد الاسلاميين وتصاعد تحريض دول خليجية أيضا ضدهم خشية انتقال عدوي فوز الاسلاميين في “مملكة” عربية لباقي الانظمة الملكية العربية.

قد يكون من أسباب هذا التصعيد والتسخين، الانتخابات الرئاسية التي ستجري في تونس وموريتانيا والجزائر العام المقبل 2019، والمخاوف من دور للإسلاميين فيها، أو تغيير الموازين القوي السياسية بما يسمح بقدر من الحركة والمناورة للإسلاميين بين القوي المتنافسة.

وقد يكون السبب الصراع التقليدي بين الاسلاميين والعلمانيين ومخاوف العلمانيين من عودة صعود نجم الاسلاميين مرة أخري كما هو الحال في المغرب التي يقود حكومتها عضو بارز في جماعة الاخوان المسلمين ضمن حزب “العدالة والتنمية”، وتونس.

وقد يكون السبب ايضا الصراع حول الرئاسة في ضوء انتهاء صلاحية الرئيس مثل بوتفليقه في الجزائر، ومخاوف الجنرالات والدولة العميقة من دور للأحزاب الاسلامية في تحديد مستقبل البلاد بالتحالف مع طرف دون أخر.

وترجع دراسة لمركز “مؤمنون بلا حدود للدراسات والابحاث” في المغرب العربي، عودة الاسلاميين الي الظهور بقوة في بلدان المغرب العربي عقب الثورات المضادة، ومن ثم سعي الانظمة الحالية للتصدي لهم إلى مسارعة الإسلاميين في دول المغرب العربي الثلاث (المغرب، الجزائر، تونس)، بعد انتكاسة الإخوان المسلمين في مصر عقب انقلاب 3 يوليه 2013، لـ “التمايز عمّا هو سائد في المشرق من صيغ الإسلام السياسي”.

ويقول معدو الدراسة المغاربية أن “النشطاء الإسلاميون، أظهروا تأثرا أوليا بالبيئة المحلية والقوى الشريكة في المجال الديني-السياسي، ومن ذلك النظر تدريجيا فيما غلب على هذا المنهج السابق من صرامة وشكلانية ونظر جزئي أحيانا، واقتنعوا بأن هذا التوجه لا يرقى إلى النظرة الشمولية، ولا يمكن أن يتفاعل مع بيئة مغاربية وريثة تقليد مالكي أشعري صوفي، فاقتصروا منه على الجوانب العقدية بما تتسم به من صفاء، بعيداً عن الجدل الكلامي”.

ولكن الدراسة توضح أنه “على مستوى الامتداد الشعبي وعلى غرار المسيرة الإخوانية، سيغزو الإسلاميون جميع الميادين، وسيحتلون ميادين عديدة بفضل جمعيات المجتمع المدني التابعة لهم مستفيدين من عجز الفقهاء التقليديين المرتبطين بالسلطة عن القيام بأي دور تنشيطي والمترددين في الزج بأنفسهم في المجال الاجتماعي والسياسي”.

ويرجع السبب في هذا إلى أن إسلاميي المغرب، بذلوا مجهودات كبيرة لإظهار ارتباطهم ببيئتهم المحلية والتفاعل القوي معها، والتصريح المتتالي بعدم التبعية للإخوان المسلمين.

كما “تخلصت أغلب الأقلام الإسلامية من الثنائية التقليدية: دار الإسلام ودار الحرب التقليدية، والتي كانت تدل في السابق عن عدم الجاهزية لقبول مواطنة الآخر البعيد؛ أي غير المشارك في الدين والثقافة الإسلامية”.

وبات هناك “تصوران للغرب لدى الإسلاميين؛ أحدهما ينم عن تبسيط مخل يقوم بتصوير الغرب على أنه يقوم بحملات عسكرية وإعلامية تبشيرية واستغلال اقتصادي، وآخر مزدوج يقوم على القول بضرورة استيعاب مكاسب الحضارة الغربية وخيراتها وفنونها العلمية وتقنياتها وآلياتها المتطورة من جهة، ورفض فسلفتها وآدابها من جهة أخرى، ويتناوب هذان البعدان في الظهور والمواراة في خطاب الإسلاميين”.

ماذا يحدث في موريتانيا؟

كانت انتخابات موريتانيا (التشريعية والجهوية والبلدية) الاخيرة، التي جرت بين 1 و15 سبتمبر الجاري 2018، وفاز فيها حزب الجنرال الرئيس الانقلابي محمد ولد عبد العزيز (حزب الاتحاد من أجل الجمهورية)، بأغلبية الاصوات بالتزوير، وجاءت جماعة الاخوان المسلمين عبر حزبها “تواصل” في المركز الثاني، هي نقطة التسخين بين الجنرال والاسلاميين.

فقد أغضب الجنرال فوز الاخوان (التجمع الوطني للإصلاح والتنمية) بـ 14 مقعدا برلمانيا من أصل 157 مقعدا للبرلمان، خاصة أن هذه الانتخابات هي الأخيرة قبل انتخابات 2019 الرئاسية، التي ليس من حق الجنرال محمد ولد عبد العزيز خوضها لانتهاء ولايته الثانية حيث سيكون من الناحية الدستورية خارج دائرة التنافس، ما لم يتم تغيير المادة المقيدة للولايات الرئاسية بفترتين فقط، وهو يخشى معارضة الاخوان في البرلمان لتعديل الدستور لبقائه في الحكم.

لهذا شن الانقلابي “ولد عبد العزيز” حملة اتهامات كلامية كبيرة ضد الاسلاميين، وبدأ يلعب على نفس وتر السيسي في اتهام الاسلاميين بأنهم وراء عدم الاستقرار واتهامهم بـ “التكفير” وتلقي أموال من الخارج، ثم بدأ في اتخاذ خطوات فعلية ضد مؤسسات اسلامية قوية تعتبر بمثابة مراكز فكرية للإسلاميين الموريتانيين.

حيث أغلق الجنرال الحاكم، “مركز تكوين العلماء”، الذي يقوم على تخريج العلماء، ويقوده الشيخ محمد الحسن ولد الددو، المقرب من الإخوان، بدعوي وجود “ملاحظات تتعلق بالتمويل والمناهج والارتباطات السياسية” وراء الإغلاق.

ولكن الشيخ “الددو” لخص مبررات التسخين ضد المركز وغلق السلطة له بقوله: «في هذه الفترة الرئيس الموريتاني يهدد الإسلاميين في أعقاب الانتخابات التي دارت في موريتانيا، ولذلك يحاول الرئيس أن يجعل من المركز مطية لسياساته، وكبش فداء لصراعه مع الإسلاميين داخل البلاد».

كما أغلق الجنرال ولد عبد العزيز “جامعة عبد الله بن ياسين” الخاصة، القريبة من الاخوان، وسحب تراخيصها، بعدما هدد أن بلاده “لن تسمح بتوظيف الدين واحتكاره”، ولم يستبعد الرئيس الموريتانى اتخاذ إجراءات ضد حزب “تواصل الإخوان” معبرا عن رفضه لاستمرار “السماح لمجموعة معينة باستغلال الدين لصالحها”، بحسب زعمه.

وجاء فوز حزب “تواصل” بـ 14 مقعدا في انتخابات سبتمبر 2018 بمثابة صدمة للسلطة بعدما حافظ الحزب على مقاعده تقريبا رغم التزوير الواسع، خاصة أنه رافقه السيطرة على إدارة 9 بلديات؛ وحصوله على 292 مقعد لمستشاري البلديات (وصل عددهم مع حلفائه من المعارضة الي 448)، كما فاز الحزب بـ 31 مستشارا في المجالس الجهوية؛ منفردا، و79 مستشارا مع حلفائه، وهو ما يعد مكسبا في ظل ارهاب السلطة العسكرية المسيطرة على مقاليد الحكم والتي تهدد حاليا الحزب بإجراءات لم تحددها.

وقد حذر “محمد محمود السيدي” رئيس حزب “تواصل” في مؤتمر صحفي بمقر الحزب عقب ظهور النتائج وتهديد جنرال الانقلاب لحزبه، من الدفع نحو توتير الوضع في موريتانيا، ومن استيراد المعارك الخارجية لأن ذلك «لا يخدم موريتانيا ويتحمل مسؤوليته ما يترتب عنه»، داعيا المعارضة للتعجيل بتقويم الوضع واتخاذ خطوات تمنع الحكم الاستثنائي، ومن أجل التناوب السلمي على السلطة في 2019.

وقد لخص حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية «تواصل» الإسلامي المعارض، سبب التصعيد الحكومي ضده مؤكدا “إن الهجوم المتكرر لرئيس الجمهورية على الحزب قبل الحملة وأثناءها وبعدها لا يعبّر إلا عن حالة القلق قبل الانتخابات وحالة الصدمة بعدها، كما أن استحقاق انتخابات 2019 الرئاسية يلقي بظلاله على مختلف تصرفات النظام وتصريحاته”.

بعبارة أخرى يخشى الجنرال ولد عبد العزيز من ابعاده عن السلطة العام المقبل مع انتهاء فترتي رئاسته وإجراء انتخابات رئاسية جديدة 2019، ويسعي لتعديل الدستور وتمديد فترة رئاسته مثل الانقلابي عبد الفتاح السيسي، ولأنه يدرك أن القوة الوحيدة القادرة على التصدي له وفضح مخططه هي الاخوان فقد لجأ للتصعيد ضدها.

صراع العلمانية في تونس

رغم تراجع الحركة الاسلامية في تونس، الممثلة في حزب “النهضة” القريب من فكر جماعة الاخوان المسلمين، في مواجهة موجة الثورات المضادة التي أعقبت الربيع العربي، وتناولها عن الحكم، والسعي للظهور بمظهر مختلف عن إخوان مصر، وتوقيعها اتفاقا للتوافق السياسي صمد 5 أعوام حتى الان، إلا أن الرئيس التونسي “قائد السبسي” القادم من حزب الرئيس السابق “بن علي” وأحد أبرز رموز الدولة العميقة، ظل يحاول إضعاف الحزب، واستفزاز اسلاميته.

وكانت أبرز مناطق الصراع بينهما هي قضية “الإرث” وتقديم حزب الرئيس السبسي مشروع قانون المساواة للبرلمان يسمح بتساوي أرث المرأة والرجل ويخالف قواعد الشريعة الاسلامية، حيث رفض حزب النهضة اقتراح رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي طرحه يوم 13 اغسطس 2018 بمناسبة عيد المرأة، وتضمن تغيير احكام الأحوال الشخصية خاصة مسالة الارث بما يخالف الشريعة الاسلامية.

وزاد الازمة سخونة أن تونس تستعد لانتخابات رئاسية جديدة، يقول “السبسي” أنه لن يرشح نفسه فيها، ولم تعلن النهضة عن مرشح خاص بها، والصراع بين الغنوشي والسبسي على بقاء رئيس الحكومة الحالي “يوسف الشاهد” في منصبه، وهو أحد المرشحين المحتملين في انتخابات الرئاسة.

ويري مراقبون أنه في ظل التناقضات الكبرى بين مختلف مكونات الحكومة والصراع المفتوح بين السبسي والشاهد، لن تكون مهمة السبسي والغنوشي سهلة في الوصول إلى موقف موحد بشأن مصير الحكومة الحالية رغم تقاطع المصالح بينهما، وأن “سياسة التوافق” لم تعد محددا رئيسيا في المعادلة السياسية بالبلاد، وأن هناك محددات أخرى أهمها النفوذ المتعاظم ليوسف الشاهد داخل حزب الرئيس (نداء تونس) وخارجه.

وقد ترفض حركة النهضة مساندة “الشاهد” في حال ضمن لها الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي مكاسب وزارية مهمة في الحكومة المقبلة، تماما كما مكنها سابقا الشاهد من حقائب وزارية ووظائف عليا بالحكومة الحالية.

وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، كانت السياسة التونسية في حالةٍ من شبه الفوضى المستمرة وعلى مشارف الدخول في أزمة. لكنَّ التحالف المضطرب بين الرئيس الباجي قائد السبسي، الذي ينتمي لحزب نداء تونس العلماني، وراشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة الإسلامي، هو ما ساعد الحكومة الراهنة على الاستمرار في عملها إلى الآن.

ولكن هذا التحالف انتهي في 24 سبتمبر 2018 حين أكد قائد السبسي أنَّ التحالف بينهما قد انتهى، بسبب دعم النهضة لرئيس الحكومة الذي أعلن حزبه (نداء تونس) فصله من الحزب.

ويقود عملية التصعيد والتسخين ضد الاسلاميين، الرئيس التونسي الحالي، خشية عودة نفوذهم القوي وسيطرتهم على الحكومة.

وأقلق “السبسي” انخفاض عدد أعضاء البرلمان، التابعين لحزبه الحاكم (حركة نداء تونس)، من 86 إلى 40 عضواً، ما أسهم في استعادة حزب حركة النهضة الإسلامي الأغلبية في البرلمان (68 عضواً).

كما أقلقه انتشار شائعات داخل حزب حركة نداء تونس، تفيد بأن رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد أبرم صفقة مع الإسلاميين، ووعدهم بتأسيس حزب جديد، سيمثّله في البرلمان الحالي نحو 55 نائباً على الأقل، وهو ما يسهم، بالطبع، في تغيير موازين القوى داخل البرلمان.

نتيجة لذلك، سيكون هناك أغلبية جديدة بمجلس نواب الشعب، تساوي ما لا يقل عن 109 نواب من مجموع 217، ما يدفع بـالحزب العلماني ممثل الدولة العميقة “نداء تونس” إلى أن يصبح حزباً معارضاً، بعدما كان حكما.

أزمة الخلافة في الجزائر

وبعد تعرض بوتفليقة لجلطة دماغية في عام 2013، حدّ الرئيس من ظهوره العلني، ما أثار تكهنات وسائل الإعلام المحلية حول قدرته على إتمام ولايته، ومع ذلك، فاجأ بوتفليقه المراقبين عندما ترشح وفاز بفترة رئاسة رابعة عام 2014، أدلى فها بصوته وهو على كرسي متحرك.

وفي ظل تنامى الشعور بالاستياء وعدم الرضا بين الشباب الجزائري، ومواجهة البلاد بشكل متزايد أوضاع تنذر بوقوع أزمة، مثل ضعف عوائد النفط ومطالب الشباب المتنامية، وانعدام الأمن في البلدان المجاورة مثل ليبيا، تتزايد التحديات التي تواجه الدولة، وتتطلب قيادة قوية، لا رئيس عاجز نسبيا عن التحكم في البلاد.

ومع اقتراب انتخابات عام 2019، والدعوة الي تفعيل المادة 88 من الدستور الجزائري التي تنص على أنه “إذا استحال على رئيس الجمهورية ممارسة واجباته بسبب مرض خطير ومزمن، فإن المجلس الدستوري يقترح بالإجماع أن يكشف البرلمان عن الأسباب المعوقة”.

وتنص هذه المادة أيضًا على أنه “يحق لرئيس الجمعية الوطنية تولي رئاسة الدولة القائمة بالتصرف لمدة أقصاها (45) يومًا”. ولكن، في حال “لا يزال الرئيس غير قادر على مواصلة مهامه بعد انقضاء مهلة الـ (45) يومًا، يعلن البرلمان عن شغور منصب رئاسة الجمهورية”.

لهذا تبدو انتخابات 2019 محورا لجدال كبير وترتيبات داخلية تحتاج إلى قدرة على إدارة هذه الأزمات بطريقة منضبطة، خاصة انتقال السلطة في حال مات الرئيس بوتفليقة أو ترك منصبه بشكل غير متوقع.

ويزيد ازمة انتخابات الرئاسة المقبلة عمقا اعتماد النظام السياسي الجزائري في شرعيته منذ الاستقلال على ديناميكيتين حاسمتين لموازنة القوة، (الأولي): أن الرئيس ظل يستمد الجزء الأكبر من مصداقيته من دوره في حرب الجزائر من أجل الاستقلال ومشاركته فيها.

(الثانية): تقاسم السلطة بين “جماعة تلمسان” في غرب الجزائر التي ينتمي لها الرئيس الحالي بوتفليقه، و”الجماعة الشرقية”، التي غالبا ما يمثلها جنرالات الجيش الكبار، وهما جماعتان تقسمان كافة شرائح الشعب الجزائري الرئيسية، ويجري تقسيم الحصص الحكومية والسلطة عليهما دائما.

ويري الباحث الجزائري “عبد الاله بن داودي” في دراسة نشرها معهد واشنطن سبتمبر 2018، أن هذه القواعد في تقسيم السلطة تمثل حاليا ازمة كبيرة، لأن معظم المحاربين القدامى الذين قاتلوا ضد الفرنسيين قد ماتوا، ما يعني أن الرئيس المقبل لن يكون من المشاركين في حرب التحرير، وأي رئيس من جيل ما بعد الاستقلال سيفتقر إلى الشرعية الموضوعية والمصداقية التي يملكها بوتفليقة حاليًا.

ومن ثم ستختلف الديناميكيات في تقاسم السلطة في فترة ما بعد ولاية بوتفليقة عما هي حاليا، فالتحالف بين الرئيس الحالي، الذي يمثل “جماعة تلمسان”، ورئيس أركان الجيش قايد صالح، الذي يتزعم “الجماعة الشرقية”، خلق قوة هرمية، تترابط فيها مصالح الجيش والرئاسة وأعضاء النخبة السياسية والاقتصادية.

وفي ظل هذه الظروف، يشكّل تعيين خليفة لبوتفليقة أمرًا في غاية الأهمية لضمان انتقال السلطة سلميًا وبسلاسة، أو أن تسعي الدائرة المقربة من الرئيس بوتفليقه لتمرير هذا الوضع الجديد، عبر تمهيد الطريق لولاية خامسة مستقرة له بهدف المحافظة على الوضع الراهن إلى أن يظهر مرشح توافقي.

ويفسر ذلك ما يسمي “الحرب الباردة على الخلافة”، أي الرئاسة والتي تصاعدت بعد انتخاب الرئيس مجددًا في عام 2014، وترتب عليها عزل العديد من القيادات العسكرية وإقصاء عددًا من المرشحين المحتملين للرئاسة مستقبلا.

من ذلك: تفكيك الوكالة الجزائرية الشهيرة “دائرة الاستعلام والأمن” التابعة للسلطة الجزائرية عن طريق إقالة زعيم الدائرة المخضرم محمد مدين في عام 2015، وتغيير تسمية الوكالة من “دائرة الاستعلام والأمن” إلى “دائرة المراقبة والأمن”، واستبدالها بجهاز استخبارات خاضع للسيطرة الرئاسية لتعزيز قبضته على السلطة.

وكذا اقصاء “عبد الغني هامل”، المدير العام للأمن القومي كمرشح محتمل لخلافة بوتفليقة، بعدما أعلن عن ضبط شحنة كوكايين قيل إنه متورط بها، ما أدى إلى انتهاء مسيرته السياسية.

وكذا إبعاد “عبد المجيد تبون”، رئيس الوزراء الأسبق، الذي تم إعفاؤه من منصبه كرئيس للوزراء بعد تعيينه بثلاثة أشهر فقط لأنه من أتباع “قايد صالح” ومرشح محتمل للرئاسة من الجماعة الشرقية، كما أضعف عزله موقف رئيس هيئة الأركان العسكرية في اختيار مرشح.

ونظرًا لهذه المكائد، فليس من المستغرب أن تستمر الجماعتان في تفضيل بوتفليقة، حتى لو كان مسنًا ومريضًا، على حسم المواجهة في مسألة الخلافة خلال الانتخابات المقبلة، خشية أيضا من سعي الاسلاميين للاستفادة من هذا الصراع الداخلي على النفوذ، ولعب دورا ما.

تهميش الاسلاميين في المغرب

وقبل الانتخابات البرلمانية الاخيرة 7 أكتوبر 2016 في المغرب، كانت أغلب التوقعات تشير لتأثر الحزب الاسلامي (العدالة والتنمية)، بالثورات المضادة التي عصفت بالقوى الإسلامية التي وصلت للحكم في مصر وليبيا، بينما أبقت على دورهم في تونس والمغرب.

ولكن جاء فوز إسلاميي المغرب بأغلبية المقاعد والاستمرار في الحكم، وكذا فوز إسلاميي الاردن بالمرتبة الأولي بين الاحزاب، ليشير لرياح ربيعية جديدة تشهدها المنطقة ربما تصعد بالربيع العربي للدور الثاني، بعدما هُزم في الدور الاول بالانقلابات والمؤامرات.

وجاء فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي بالمرتبة الأولى وحصوله على 125 مقعداً من أًصل 395، مكنته من البقاء على رأس الحكومة لولاية ثانية، لتؤكد أن المزاج الشعبي العربي لا يزال اسلامي، وأن المراهنة على اليسار افلست، حتى أن فيدرالية اليسار الديمقراطي التي تضم 3 أحزاب مغربية فازت بمقعدين فقط في انتخابات المغرب.

ولأن فوز الاسلاميين في “مملكة” عربية تتبع أسلوب الملكية الدستورية نسبيا، عكس مؤشرا ورسالة قوية لباقي الانظمة الملكية العربية بأن هذه وسيلة سلمية للتغيير بدون ثورات، فقد أقلق هذا دول خليجية ونتج عنه خلافات وسعي سعودي واماراتي للضغط على المغرب للتخلص من رئاسة الاسلاميين للحكومة.

ونتج عن هذا انقلاب جزئي في موقف الملك الذي عين في ابريل 2017، حكومة “تكنقراط” همشت الإسلاميين جزئيا.

وقد كتبت جريدة “لوموند” الفرنسية 5 أبريل 2017، تشرح كيف إن حكومة سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، انحنت للشروط التي فرضها عليها مقربون من القصر، وأن رئيس الوزراء الجديد (سعد الدين العثماني) الذي تم تعيينه يوم 17 مارس 2017 قبل بكل التنازلات الثقيلة لتشكيل حكومته، وتبنى موقفا توفيقيا لتشكيل أغلبية من 240 مقعدا برلمانيا يمثلون 6 أحزاب.

وقالت الجريدة إن حزب “التجمع الوطني للأحرار” العلماني، الذي يرأسه عزيز أخنوش، المقرب من الملك، حصل على حصة الأسد داخل الحكومة الجديدة.

وأضافت الجريدة أن هذا الحزب، رغم أنه لم يحصل سوى على 37 مقعدا في الانتخابات الأخيرة، إلا أنه هيمن على المناصب الاقتصادية داخل الحكومة الجديدة بوزراء تكنقراط، على رأسهم رئيسه الملياردير “اخنوخ” رجل الأعمال وصديق الملك، بينما تم تهميش وزراء حزب “العدالة والتنمية” رغم حصولهم على نحو عشر حقائب وزارية، ولكنها ضعيفة، من بينهما أربع كتابات للدولة، وهم من الذين لا يحضرون المجالس الوزارية التي يرأسها الملك.

ومنذ ذلك الحين وهناك توترات في البرلمان، بين أعضاء حزب العدالة والتنمية الإسلامي وحزب التجمع الوطني للأحرار العلماني، الذي يرأسه عزيز أخنوش، أخرها حملة لمقاطعة شركات أخنوش الوزير الأكثر نفوذاً في المغرب، واتهام حزبه الإسلاميين، بالوقوف خلف الحملة، ما يهدد التحالف الحالي بين الاسلاميين واليبراليين.

اسباب التسخين ضد الاسلاميين

ويبدو أن اهداف التسخين ضد الاسلاميين من قبل رموز الدولة العميقة في المغرب العربي، خاصة الجيش ورموز الاحزاب الحاكمة السابقة ترجع لأسباب داخلية وأخري خارجية على النحو التالي:

استشعار هذه الرموز العميقة، لعودة التأييد الشعبي للتيارات الاسلامية في بلادها بعدما تصورت أن الثورات المضادة والاعتقالات والقمع قضى تماما على ثورات الربيع العربي، ومن ثم خطر صعود هذه القوي الاسلامية للسلطة مرة أخري محاسبتها الانقلابيون وأعضاء الثورات المضادة على انقلابهم على ديمقراطية الربيع العربي.

وصول تقارير استخبارية أجنبية لدول المغرب العربي تحذر من صعود القوي الاسلامية وتأثيره على مصالح الغرب هناك المرتبطة بمصالح النخب الحاكمة الحالية، ورصدها مخاطر هذا الصعود الاسلامي مرة أخرى على مصالح هذه النخب الحاكمة العائدة من تيار الدولة العميقة.

تدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بشدة في كل دول المغرب العربي ومعاناة دولة من أزمات تلو الأخرى منذ الانقلابات المضادة، وإدراك رموز الدولة العميقة أن الاوضاع في طريقها للأسوأ ما سوف يصب في خانة معارضي هذه الانظمة، وهم الاسلاميون الذين يعتبرون التيار الأقوى في المعارضة في العالم العربي كله، بعدما اثبتت التيارات الأخرى فشلها انتخابيا وسياسيا.

لا یستبعد مراقبون أن یكون لتسارع وتیرة الخطاب والإجراءات الحادة من السلطة تجاه تیار الإخوان المسلمین في موريتانا علاقة بالعداء الخليجي الحالي تجاه جماعة الاخوان، في وقت تتحسن فیه بشكل كبیر علاقات موریتانیا مع السعودية والإمارات قائدتي الحرب على جماعة الإخوان المسلمین، وأن الامر يعني بدایة انخراط النظام بشكل عملي في الحرب الخليجية المفتوحة على تیار الإخوان وليس فقط الأجندات المحلیة والصراع السیاسي مع حزب “تواصل”.

المصدر: الشارع السياسي لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية 

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى