دراسات سياسية

 انتخابات الكويت.. أفق جديد أم عودة للتأزيم؟

د. محمود المنير

– مدير مركز أفق المستقبل للاستشارات -الكويت.

–  عميد كلية الاعلام – الجامعة الإسلامية – مينيسوتا – الولايات المتحدة الأمريكية.

د. محمود المنير

أيام قليلة تفصلنا عن الانتخابات البرلمانية الكويتية التي ستُعقد في 29 سبتمبر/أيلول الجاري2022، والتي من المحتمل أن تشهد وصول أعضاء جدد إلى قبة عبد الله السالم، وكذلك عودة رموز من المعارضة التي غابت عن المشهد السياسي الكويتي منذ مقاطعة انتخابات الصوت الواحد.

تصحيح المسار

بعد انسداد الأفق السياسي بين الحكومة والمعارضة الكويتية أعلن ولي العهد الشيخ “مشعل الأحمد الصباح”، الذي يتولى معظم صلاحيات أمير البلاد، في يونيو/حزيران2022، حل مجلس الأمة والدعوة لانتخابات عامة جديدة وفقا للدستور، وهي الخطوة التي لقيت ترحيبا واسعا من المعارضة باعتبارها انتصارا لمطالبها.

حمل خطاب ولي العهد في حينها مؤشرات على مرحلة جديدة بقوله: “أننا لن نتدخل في اختيارات الشعب لممثليه ولن نتدخل كذلك في اختيارات مجلس الأمة القادم في اختيار رئيسه أو لجانه المختلفة ليكون المجلس سيد قراراته”.

وقوله: إن “الكرة باتت في ملعب الشعب أكثر من أي وقت مضى لتصحيح المسار السياسي في الكويت”، معلقا آماله على الجيل الشاب بتصحيح المسار المعقد منذ سنوات طويلة.

وتحذيره للمعارضة بقوله: “إذا تصرفت المعارضة بذات سلوكها، فهي لا تملك الحصافة السياسية بسبب وجود توافق بين الشعب والسلطة التنفيذية”.

وفيما يبدو أن صانع القرار السياسي في الكويت يرغب من خلال إجراء الانتخابات ضخ دماء جديدة في المجلس، تحت شعار تصحيح المسار السياسي في البلاد الذي بات عنوانًا جديدًا للمرحلة يتناوله المحسوبون على الحكومة والمعارضون لها، بعدما عانت خلال السنوات القليلة الماضية من توتر العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ما أعاق خطوات مهمة للإصلاح الاقتصادي والمالي.

وفي يويو/تموز، تم تكليف الشيخ “أحمد النواف الصباح”، بتشكيل حكومة جديدة. ومنذ توليه يحرص النواف على إرساله رسائل تؤكد تصحيح المسار ومحاسبة الفساد والمتابعة الحثيثة للسلطة التنفيذية في أداء عملها وهو ما استبشر به الجميع على حد سواء.

ومن يتابع تفاصيل المشهد السياسي وتفاعلاته على مواقع التواصل الاجتماعي يلمس بوضوح التفاعل الكبير الذي أحدثه وسم رحيل الرئيسين (رئيس البرلمان ورئيس الحكومة السابق) مطلب شعبي تحقق”، حيث غرد النائب الكويتي السابق المعارض “بدر الداهوم”، وسط تفاؤل واسع، بالإقبال على تغيير حقيقي في الوضع الداخلي، بعد سنوات عايشت فيها البلاد أزمات سياسية واقتصادية متلاحقة.

ومن المتوقع أن تكون هذه الانتخابات مختلفة عن سابقاتها، بسبب الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لضمان نجاحها، واتجاهها في طريق الإصلاح السياسي وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة بناء على الكفاءة.

مخالب الإصلاح والتأزيم

لا شك أن البرلمان الكويتي بتجربته الديمقراطية العريقة في المنطقة يتمتع بمخالب الإصلاح والـتأزيم في نفس الوقت فهو يحظى بنفوذ أكبر مما يحظى به أي مجلس مماثل في دول الخليج العربية الأخرى، ومن خلال سلطة إقرار القوانين ومنع صدورها، واستجواب رئيس الحكومة والوزراء، والاقتراع على حجب الثقة عن كبار مسؤولي الحكومة.

ونتيجة للصدام وعدم التعاون بين السلطتين تعرض البرلمان الكويتي لقرار الحل عشر مرات على النحو التالي:

  •  عام 1976 في أعقاب استقالة الحكومة، بعد خلاف نشب بينها وبين المجلس، أعقبه حل آخر لنفس السبب عام 1986.
  • عام 2006 أصدر أمير البلاد الراحل “صباح الأحمد الجابر الصباح” مرسوماً أميرياً يقضي بحل البرلمان على خلفية الأزمة التي شهدتها الكويت بسبب سعي الأعضاء إلى تعديل “قانون الدوائر الانتخابية”.
  • عام 2008 وبعد الدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة انتهت بانتخاب مجلس تم حله أيضاً وذلك إثر خلاف نشب بين الحكومة والنواب انتهى باستقالة الأولى، تلاه بعام حل آخر لأسباب مشابهة في 2009.
  • –         عام 2011، كان المجلس قبل حله قد شهد أزمة لم تنته بعض فصولها بعد، حين اقتحم المجلس أعضاء واجهوا محاكمات وسجناً وحجباً عن الترشح حتى اليوم فيما يعرف إعلاميًا بـ”قضية اقتحام مجلس الأمة”.
  • في عامي 2012 – 2013 تم حل المجلس بعد نشوب خلافات مع الحكومة، وأصدر حينها الأمير الراحل مرسوما تضمن “الحل التاسع” في عمر البرلمان، نظراً لعدم دستورية مرسوم إنشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات”، حسب وصف المرسوم.
  • في عام 2016، و2022 تم حل البرلمان، جريًا على العادة بمرسوم أميري.

الانتخابات المرتقبة

ترشح للانتخابات 376 مرشحا (349 رجلًا و27 امرأة)، في ظل توقعات بمنافسة شرسة بين كافة المرشحين للفوز بمقاعد المجلس الـ 50.

ومن اللافت عودة المشاركة النسائية للمرأة في الترشح للانتخابات بعد غياب دام سنوات اقتصرت فيه المشاركة على النائب صفاء الهاشم، ومن الشخصيات البارزة التي تصدرت المشاركة النسائية الإعلامية فجر السعيد صاحبة قناة سكوب الشهيرة.

وشهدت الدائرة الأولى العدد الأقل في أعداد المرشحين، بتسجيل 53 مرشحاً بينهم 3 نساء، بينما حصدت الدائرة الخامسة على العدد الأعلى، بواقع تسجيل 101 مرشح بينهم 3 نساء، فيما بلغ عدد المرشحين في الدائرة الثانية 67 مرشحاً بينهم 7 نساء، وفي الدائرة الثالثة 56 مرشحاً بينهم 9 نساء، وسجّلت الدائرة الرابعة 99 مرشحاً بينهم 5 نساء.

عودة المعارضة

شهدت كشوف التسجيل للترشح في الانتخابات المرتقبة عودة أطياف متنوعة من كتل المعارضة القديمة والتقليدية مثل: “حركة العمل الشعبي” (حشد)، التي يتزعمها النائب السابق “مسلّم البراك”، الذي عاد من تركيا مع قرار العفو العام.

وقدمت “الحركة الدستورية الإسلامية” (حدس) خمسة مرشحين، وعدد من المقربين لها، بالإضافة إلى تقدم عدد من أعضاء المعارضة التقليدية في المجلس السابق.

كما عاد “المنبر الديمقراطي الكويتي”، الذي كان مقاطعًا لانتخابات الصوت الواحد وكذلك سجّلت في الانتخابات، “كتلة الـ 5” المعارضة في مجلس الأمة السابق.

هذا الزخم الذي تشارك به المعارضة يعيد إلى الأذهان ما جرى في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في ديسمبر/كانون الأول 2020، عندما عززت المعارضة الكويتية موقعها، بعد فوز 24 نائباً محسوباً عليها بمقاعد في مجلس الأمة.

غياب الغانم عن المشهد

وكان لافتا إعلان رئيس مجلس الأمة “مرزوق الغانم”، الذي تولى رئاسة البرلمانات المتعاقبة منذ 2013عن عدم ترشحه للانتخابات، بعد الوصول إلى مرحلة من الصدام المباشر والسجال الحاد مع نواب المعارضة داخل المجلس.

استقالة ورحيل الغانم كان مطلبًا أساسيًا للإصلاح في البلاد، لأن المعارضة كانت تتهمه بالانحياز الواضح للحكومة، محملين إياه مسؤولية الكثير من المشكلات التي عانت منها الكويت خلال السنوات الماضية.

عودة السعدون

حملت الترشيحات لهذه الانتخابات مفاجأة من العيار الثقيل تمثلت عودة رئيس مجلس الأمة السابق وعرّاب العمل البرلماني منذ سبعينيات القرن الماضي “أحمد السعدون”، بعد غياب دام 10 أعوام، بسبب مقاطعته الانتخابات وفق مرسوم “الصوت الواحد”، الذي أقره أمير الكويت الراحل الشيخ “صباح الأحمد الجابر الصباح”.

من المتوقع ألا يلقى “السعدون” (87 عاما) منافسة كبيرة على رئاسة مجلس الأمة، علما بأنه ترأس المجلس في أربع دورات سابقة (1985، 1992، 1996، 2012).

التوقعات المحتملة

بقراءة متأنية للمشهد وقياسًا على تاريخ أداء المعارضة في المجالس السابقة، وبعد جولات التأزيم والحال الذي وصلت له الكويت تحمل هذه الانتخابات عدة مسارات محتملة على النحو التالي:

  • من المتوقع أن تقدم المعارضة مبادرة للتعاون مع الحكومة الجديدة وأن تمارس الرقابة الدستورية بلا تعسف في الفصل التشريعي من المجلس القادم لاستكشاف نوايا الحكومة الجديدة.
  • تدرك المعارضة أن هذه الانتخابات فرصة لإصلاح أي خلل في السابق، وزمام المبادرة بيدها حتى لا تدخل مجددًا في متاهات تشغل المجلس عن دوره الحقيقي في الرقابة والتشريع.
  • من المرجح في حال عودة الأزمة السياسية للمربع الأول، أن تكون هناك إجراءات غير مسبوقة، قد تصل لتعليق الحياة البرلمانية لفترة طويلة. وفقا لخطاب ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد في مرسوم الدعوة للانتخابات.
  • إعادة تشكيل المجلس قد لا يغير المشهد السياسي السابق إن لم يكن هناك سياسات حكومية حازمة تدعمها وتدفعها قدما، وإن كان رحيل الرئيسين، يؤشر لمرحلة قادمة أقل صداما بين السلطتين.
  • فيما يبدو أن الحكومة الجديدة بدأت باتخاذ خطوات جدية لمحاربة الفساد وهذا بحد ذاته الذي حفز المعارضة على المشاركة في الانتخابات المزمعة إذ تمت إحالة عدد من المسؤولين إلى هيئة مكافحة الفساد والنيابة العامة، كما أنها تمت إعادة فتح قضية الصندوق الماليزي، وقضية غسيل أموال لم يتم سابقا إدانة المتورطين فيها.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى