بالارقام : “السلام” مع اسرائيل بين وهم القوة وقوة الوهم

وليد عبد الحي

غلب على أدبيات “السلام ” العربية مع اسرائيل وعودا بتطور سياسي واجتماعي واقتصادي ووقف لشلال الدم، ووَعَدَ الرئيس المصري أنور السادات المصريين حرفيا بانه سيجعل من مصر ” النرويج” بعد السلام( راجع مقالات الأخوين أمين في جريدة أخبار اليوم المصرية عام 1979) ، وصفق العالم والعرب للنزعة المسيحية بإدارة الخد الأيمن والأيسر لمن يصفعك، وراجت ثقافة الحوار بين الاديان ونظريات التسامح وكلنا أولاد ابراهيم وسال اللعاب بأن العرب سينتقلون نقلة كبرى.
فماذا كانت فضائل السلام الموعود: لنتحاور بالارقام:
منذ توقيع اول اتفاقية مع اسرائيل عام 1979 وطبقا لتقارير (سأشير لبعضها فقط نظرا لضيق المقام) من الأمم المتحدة ودراسات مراكز أبحاث أوروبية وأمريكية وآسيوية واسرائيلية وعربية أو تصريحات لمسئولين عرب وبعض الاطروحات الجامعية يتبين ان الوضع العربي منذ 1979 هو على النحو التالي:( تم أخذ معدل البيانات بين الارقام المتوفرة عن كل جانب وقد تراوح الفارق بين البيانات بين 10-15 % ).

أولا : الضحايا البشرية في الحروب الأهلية وغير الاهلية بعد السلام مع اسرائيل :
وقد شملت هذه الحروب الجزائر والعراق(الحرب مع ايران و مع امريكا ومع داعش ) والحرب اليمنية لتوحيد اليمن وانفصال الجنوب السوداني ثم موجة الربيع العربي والمواجهات مع اسرائيل بخاصة في غزة وانتفاضات الضفة الغربية الأولى والثانية و في لبنان …الخ):
أ- القتلى = ثلاثة ملايين و400 الف
ب- المعوقون: 4 ملايين و 700 الف
ج- الايتام والأرامل: 6 ملايين يتيم وأرملة
د- عدد الحروب الخارجية والداخلية وأعمال العنف الكبرى= 36 حربا كبرى
ثانيا: الأوضاع الاقتصادية:
أ‌- خسائر الحروب اقتصادية- ما بين 870 مليار الى تريليون(الف مليار دولار)
ب‌- معدلات النمو الاقتصادي: وهذه تاثرت بمجموعة من النتائج مثل: مقتل او هروب الكفاءات، خراب المرافق التحتية او المصانع، تزايد نفقات التجارة الخارجية بسبب الظروف الامنية،وانهيار الروابط التجارية التي كانت قائمة( بلغ معدل تراجع التجارة العربية بين 2013 و 2017 بحوالي 15.9% بينما في العالم تراجعت التجارة بمعدل 3.3% كما تراجعت معدلات التجارة العربية البينية خلال نفس الفترة بمعدل 5.9 طبقا للتقرير الاقتصادي العربي) ) ، ثم أثار عدم الاستقرار السياسي على الاستثمار(المنطقة العربية هي أقل الأقاليم العالمية جذبا للاستثمار) ومستويات الفقر والبطالة وارتفاع النفقات الدفاعية والتذبذب في اسعار البترول بسبب عدم الاستقرار(كأحد المؤثرات على اسعار الطاقة) الى جانب تراجع معدلات الدخل من قطاع السياحة. وتشير بعض الدراسات المتخصصة مثل دراسة ((Collier ان المعدل الطبيعي لتراجع معدلات النمو في الحروب هو حوالي 2% ، بينما معدل التراجع في المنطقة العربية بلغ مثلا في سوريا 10%((Ianchovichina and Ivanic وفي اليمن 38%(Economic Intelligence Unit) وفي المرحلة الاولى من الحرب في ليبيا 14 %(World Bank) وفي العراق تراوحت بين 3% و 9% ((Ianchovichina and Ivanic، وعند أخذ معدلات النمو بشكل عام في العالم العربي فهي في حالة تراجع في اتجاهها العام يصل الى حوالي 8%
ت‌- رغم السلام مع اسرائيل سجلت المنطقة العربية أعلى ارتفاع في النفقات الدفاعية قياسا لبقية أقاليم العالم، فمعدل الانفاق الدفاعي في العالم هو 2.6% بينما وصل في العالم العربي الى 3.7 يرتفع في بعض الدول العربية الى حوالي 10% و 8%.(SIPRI).
ث‌- معدلات الدين العربي ومعدلات العجز في الموازنة ، ارتفع مجموع الدين العربي لكل الدول العربية خلال سنوات الربيع العربي بنسبة 205% (مائتان وخمس) الى جانب تزايد العجز في الموازنات العامة العربية حوالي 151 مليار دولار بعد فائض حوالي 114 مليار دولار في نفس الفترة التي ارتفعت فيها الديون.
ج‌- معدل الدخل الفردي: تشير دراسة (Stewart et al) ان مقارنة معدل تراجع الدخل الفردي في الدول ” الهشة”( fragile countries) غير العربية مع الدول العربية المصنفة بأنها هشة يتبين ان معدل التراجع في معدل دخل الفرد العربي أكثر من معدل التراجع العالمي بحوالي 2%، ويرتبط ذلك بتراجع اجمالي الناتج العربي بحوالي نصف تريليون خلال السنوات الاربع الماضية.
ح‌- الفساد : من بين الدول العشر الاعلى فسادا هناك 6 دول عربية
خ‌- التأثير الاقتصادي على الدول العربية المجاورة للدول العربية الهشة( لبنان، الاردن، المغرب، حصار قطر) من خلال موجات الهجرة الى هذه الدول( حوالي 20 مليون بين نازح داخلي او مهاجر للدول المجاورة او الخارج Devarajan and Mottaghi) ) والتأثير على مرافقها ومعدلات نموها،وقد اثر ذلك على العقارات و السلع و الاجور مما فتح المجال لزيادة التضخم والديون التي ارتفعت في الدول العربية غير النفطية خلال الفترة من 2008 الى 2017 بحوالي 11.7% وهي بالمناسبة أيضا الأعلى عالميا(World Bank).
ثالثا: النتائج السياسية:
كان الدافع الرئيسي هو اقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 بما فيها القدس، لكن الامر يشير الى أن عدد المستوطنين اليهود في اراضي هذه الدولة “المأمولة” أكبر من عدد سكان اسرائيل عام 1948، وتم ضم القدس والجولان واعلان عن النية لضم غور الاردن والبحر الميت ، ولا يعيش الفلسطينيون إلا على 14% من مساحة الضفة الغربية ، ولم يعد أي من اللاجئين وتم انشاء سلطة لم تبلغ نسبة الشفافية فيها في معظم السنوات أكثر من 30%، وتم تدمير منظمة التحرير الفلسطينية وانقسام عميق بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
رابعا: القواعد العسكرية الاجنبية :
هناك حوالي 35 قاعدة عسكرية( مختلفة من حيث النوع والوظيفة والحجم) في الدول العربية أغلبها جاء في فترة ما بعد السلام.
خامسا: انتشار التنظيمات المسلحة من كل الاتجاهات :
وتقدر بعض الدراسات (Dominic Dudley) ان عدد التنظيمات المسلحة والخارجية عن سيادة أغلب دول المنطقة العربية هو 173 منظمة بعضها يمتد ويتعاون مع تنظيمات المنطقة العربية وبعضها يساند التنظيمات المسلحة العربية والإسلامية ، وهو ما جعل المنطقة العربية هي صاحبة أعلى معدل بين كل اقاليم العالم في عدد الهجمات على الاهداف المدنية من قبل هذه التنظيمات.
سادسا: اتساع التشققات الناتجة عن الثقافات الفرعية، فبعد انفصال جنوب السودان يشير موقع تيد جار(Minorities at Risk) ان المنطقة العربية عرفت خلال الفترة من 1980- الى 2017 تململ سلمي او عنيف لحوالي 118 منظمة أنشاتها 22 اقلية إثنية في 16 دولة عربية منذ 1980-2004، ثم تصاعدت بعد ذلك حتى بلغت 283 مجموعة (عرب واكراد وامازيغ وسنة وشيعة وارمن ودروز وشركس وكاثوليك وأرثذوكس وسودان وبيضان وخوارج ومالكية وعلوي …الخ).
سابعا: انهيار كل المنظمات الاقليمية الفرعية، فقد تمزق مجلس التعاون الخليجي ، ويعيش اتحاد المغرب العربي شللا تاما وانهيار بعض دوله تماما،ناهيك عن تراجع دور الجامعة العربية لحساب تزايد دور الاتحاد الافريقي في الشأن العربي وتنامي الصراع مع اغلب دول الجوار( تركيا وايران ومالي والنيجر واثيوبيا…).

قطعا لا أقول ان العالم العربي قبل السلام كان يعيش في خير وازدهار ، لكني أقول أن العالم العربي كان يعيش في فترة ما قبل “السلام” في وهم القوة بينما نحن الآن نعيش في زمن ” قوة الوهم”… ربما .

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button