دراسات سياسية

بحث حول ايديولوجية فانون وأثرها علي فكره السياسي

  • محمد عبد المجيد حسين , باحث في الشئون الافريقية والشرق الاوسط ورئيس قسم الدراسات الاقتصادية مجلة عيون الخليج , برنامج ماجستير سياسة واقتصاد , كلية الدراسات الافريقية العليا جامعة القاهرة.
  • حنان ابراهيم امام المراكبي , باحثة في الشئون الاقتصادية والعلوم الاجتماعية والانسانية .
  • المركز الديمقراطي العربي

قــــــــــائمة المــــــــحتويات:

الموضوع رقم الصفحة
المقدمة 3
المطلب الأول: العوامل المؤثرة في الفكر السياسي لفرانز فانون 5-8
أولاً : النشأة 5
ثانياً : التعليم 6
ثالثاً : خبرات ذاتية 7
رابعاً : أفكار شكلت شخصية فانون 8
المطلب الثاني: أبرز أفكار فرانز فانون 9-12
الاستعمار من وجهة نظر فانون 9
المطلب الثالث: تقييم فكر فرانز فانون 13-15
الخاتمة 16
قائمه المراجع 18

مقدمة:

يُمثّل الفكر السياسي أحد أبرز الاتجاهات العريقة التي تأخذ حيزاً من اهتمام وتفكير عدد لا محدود من المفكرين والخبراء حول العالم، حيث ينبثق هذا الفكر عن علم السياسة الذي يعتبر أحد العلوم والتوجهات الإنسانية التي تضم كافة الإجراءات والسُبل لاتخاذ القرارات المختلفة من أجل الحفاظ على استقرار وسلامة وأمان الجماعات البشرية .

ويعد فرانز فانون واحداً من أبرز المفكرين الذين دعموا حركات النضال المسلحة والشعبية من اجل انهاء الاستعمار في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، ولا تزال كتبه وأفكاره من بين الادبيات الأكثر قراءة علي مستوي العالم , والافكار الاكثر تأثيراً في أذهان الشعوب وبخاصة الافريقية منها , فلقد كانت حياته القصيرة مفعمة بالكفاح سواء بسبب مشاركته الصادقة في نضال الاستقلال الذي قام به الشعب الجزائري ضد فرنسا وكذا تحليلاته العميقة والمؤثرة لإثارة الدافع البشري نحو الحرية في السياق الاستعماري.

إن المتمعن في تطور كتاباته يجد فيها تفسيراً لكيف ولماذا أصبح فرانز فانون شخصية ملهمة في منظري الافكار الثورية و الأخلاقية لحياة الشعوب , ولهؤلاء المناضلين الذين يواصلون العمل من أجل العدالة الاجتماعية للمهمشين والمضطهدين علي مستوي العالم حتي يومنا هذا .

ولقد كانت اولي اعمال فانون ( بيو نوار _ ماسك بلاس , بشرة سوداء أقنعة بيضاء) , والتي تبرز أول جهوده في التعبير عن إنسانية راديكالية مناهضة للعنصرية ترغب في استيعاب البشر جميعاً , وتمنع الفلسفات الرجعية للتفوق الأسود أو العنصرية البيضاء .

إن مفهوم فانون الهائل للإنسانية ساهم في صياغة الأساس الأخلاقي لنظرية إنهاء الاستعمار , كالتزام بالكرامة الإنسانية الفردية والتي تخص حق كل فرد من البشر الذين يتم عزلهم أو استخدامهم في الاعمال الدنيئة كأدوات للاستعمار في أن يعيش بكامل حريته .

المطلب الاول : العوامل المؤثرة في الفكر السياسي لفرانز فانون

هناك العديد من العوامل التي أثرت علي فكر فانون بدأت باستقطابه الأفكار الماركسية والأفكار الوجودية التي من شأنها أن تنشيء الحركات الراديكالية الرافضة للانقسام والسيطرة من قبل فصيل علي الاخر (برجوازية وبروليتاريا) , والذي اورده في مقدمة كتابه “بشرة سوداء وأقنعة بيضاء” المناهض للعنصرية بشتي أشكالها .

أولاً : النشأة :

ولد فرانز فانون في مستعمرة مارتينيك الفرنسية في 20 يوليو 1925, وإحتلت عائلته وضعا اجتماعيا داخل المجتمع المارتينيكي يمكن أن يؤهلهم بشكل معقول أن يصبحوا كجزء من البرجوازية السوداء؛ فكان والد فرانتز كاسيمير فانون مفتشا جمركياً ، وكانت أمه إيلانور ميديليس تمتلك متجر لبيع الأجهزة في وسط مدينة فورت دو فرانس، عاصمة مارتينيك. [1]

كان فانون أصغر أربعة أبناء في عائلة مكونة من ثمانية أطفال ، توفي اثنان منهم في مرحلة الطفولة , وكانت عائلة فانون من الطبقة المتوسطة اجتماعياً ومادياً , فكان بإمكانهم تحمل رسوم مدرسة ليسيه شويلشر، وهي أرقى المدارس الثانوية في المارتينيك، حيث كان الكاتب أيميه سيزار أحد المؤثرين في فكر فانون من روادها , ثم غادر فانون جزر المارتينيك في عام 1943 عندما كان في الثامنة عشرة من العمر للانضمام إلى القوات الفرنسية الحرة .[2]

ويميل أعضاء هذه الطبقة الاجتماعية إلى السعي إلى الاستيعاب وتحديد الهوية مع الثقافة الفرنسية البيضاء , فقد نشأ فانون في هذه البيئة وتعلم تاريخ فرنسا كبلده حتى سنوات دراسته الثانوية عندما واجه لأول مرة فلسفة الزنوجة philosophy of negritude والتي تعلمها من قبل إيميه سيزار المارتينيك الناقد الشهير للاستعمار الأوروبي . [3]

وبعد الحرب، بقي في فرنسا لدراسة الطب النفسي والأدوية في جامعة ليون والتي كانت ممهدة لافكاره انذاك حيث درس الطب النفسي والفلسفة في وقت مبكر لعام 1950[4], واستثارته الافكار العنصرية ضد السود , والتي كانت منتشرة في بعض البلدان ذلك الوقت خاصة تلك التي في منطقة البحر الكاريبي – والتي من شأنها كانت مصدر إلهام لكتابة مقاله ” الانحراف عن السود ” ، والتي كانت ممهدة لأفكار اخري والتي بلورها فانون لكي تصبح في نهاية المطاف كتابه بيو نوار، ماسك بلانس1952 .[5]

ثانياً : التعليم :

كان للتعليم أثر كبير علي حياة فانون وأفكاره , فعندما عاش فانون في جزر المارتينيك التحق بمدرسة الليسيه وكانت مخصصة للسود أنذاك , وتتلمذ فيها على يد واحد من رواد حركة الزنوجة ألا وهو “إيمي سيزار” حيث يلاحظ مدى تأثير “سيزار” في كتابات فانون فكما كان “سيزار” شاعرا، نجد أيضا أن فانون قد استخدم الشعر في كتاباته وأشهرها كتابه “معذبوا الأرض” الذي وصف فيه حال الثائر في الجزائر ومعاناته .[6]

كذلك فلسفة الزنوجة ، التي علمه إياها إيمي سيزار ، الناقد الشهير في مارتينيك للاستعمار الأوروبي ، مما شكل أفكاره والتي كانت ممزقة في البداية بين كونه من ذوي الطبقة المتوسطة في مارتينيك الفرنسية وانشغاله مع الهوية العرقية التي روجها مفكري عصره . [7]

كذلك نجد أن دراسة فانون للطب النفسي والبشري في جامعة ليون كان لها بالغ الاثر في تشكيل أفكاره خاصة بعد تولي منصبه في مستشفي البليدة بالجزائر للأمراض العصبية , حيث تولي معالجة الجزائرين والمهاجرين الأفارقة , وهناك اصطدم بالواقع الاليم , فالمرضى الجزائريون كانوا يعاملون معاملة أشبه بالتعامل مع الحيوانات في مستشفى البليدة , وذكر أنهم كانوا مقيدين بالسلاسل ويعاملون بإعتبار أنهم مختلين عقلياً يشكلون خطراً على الناس , وحينها أدرك فانون أن المرضى في ظل نظام استعماري كولونيالي تعسفي كهذا لا يمكنهم أن يشفوا من مرضهم، على العكس فإنه يزداد تفاقماً , وبالتالي فلكي نداوي المرضى الجزائريين بشكل معقول ينبغي أولا أن نضع حداً للاستعمار الفرنسي .[8]

ولهذا السبب استقال الدكتور فرانز فانون عام 1956 من منصبه كطبيب في مستشفى البليدة وانضم إلى جبهة التحرير الوطني وحركة المقاومة للشعب الجزائري , وقد قال فانون مرة هذه العبارة التي تدل على حقيقة فكره : “عندما يدافع الإنسان عن كرامة الفكر، عندما يقول «لا» للاستعباد والاضطهاد فإني أشعر بالتعاطف معه، أشعر بأنه أخي وصديقي”.[9]

كما أشار فانون بعد ذلك في كتاباته عن خطورة المناهج الدراسية التي كان يدرسها الاستعمار , وهو انتشار الأيديولوجية التي تتسلل إلى كل جانب من جوانب الحياة ، في محاولة لمحو ثقافات الشعوب المحتلة ، من أجل الاستعاضة عن نظرتهم في الحياة وفهمهم للعالم بمنظورات مصبوبة ومنحوتة من قبل أولئك المستعمرين.[10]

ثالثاً : خبرات ذاتية :

تعرض “فانون” لعدة تجارب وخبرات كان من شأنها ثقل إمكانيات “فانون” الفكرية , فبدأ من احتلال الجمهورية الفرنسية على يد النازيين في عام 1940وانتهاءا بتجربة الداء التى تعرض لها وقد كانت الداعِي في موته في عام 1961، ففي الطليعة التحق فانون في سن السابعة عشر من عمره بجيش دولة فرنسا الحرة تحت قيادة الجنرال “شارل ديجول” لمجابهة الاحتلال الألماني النازي لفرنسا في غضون الحرب العالمية الثانية . [11]

وبصرف النظر عن انخراط “فانون” في الدفاع والمجابهة عن دولة فرنسا , ذكر فانون في أحد مقالاته كم كانت من المفارقات أنه أصيب بجروح بينما كان يعيد شحن قذيفة هاون أثناء الحرب حيث وصف فانون بشجاعته تحت خط النار[12] , سوى أنه واجه ظاهرة الاستعلاء العرقي التي مارسها الجنود البيض على الجنود السود المدافعين عن دولة فرنسا , حيث تم عزل الجنود السود عن القوات المسلحة الفرنسية , الأمر الذي دفعه للمناداة بتحرير الانسان الأسود من ذل العرقية البيضاء , ويرجح أن أوضاع المفاضلة العرقية التى واجهها فانون سواء كان في بلاده جزر المارتنيك أو حتى عندما انخرط في أوساط الصمود الفرنسية قد بلورت أفكار الزنوجة لديه , والتى عبر عنها في كتابه ” بشرة سمراء وأقنعة بيضاء”، أيضاً تلقي فانون تدريباته العسكرية في مدينة بجاية الجزائرية مما سمح له بالتعرف عن قرب عن أحوال الشعب الجزائري وملامسة مدي البغي والقهر الذي فرضه الإستعمار عليه . [13]

رابعاً : أفكار شكلت شخصية فانون :

تفاعل فانون كثيرا مع أفكار الزنوجة خاصة بال إيمي سيزار وتجلي هذا في كتابه ” بشرة سمراء وأقنعة بيضاء” الذي حاكي فيه فانون المؤثرات الإنسانية البالغة التعقيد للاستعمار والعنصرية على الدول الأفريقية , وبناء على فكرة الزنوجة اتجه فانون في فترة لاحقة إلى الإعتماد على أليات الزنوجة في البحث عن مرجع حضاري مناوئ ومنافس للحضارة الأوروبية لكي يعترف الاسود بذاته دون الحاجة إلي أن تفرض عليه ثقافة أخري برضخ لها.

وفي تلك الوجهة أولي فانون عناية واهتمام خاص بطبقة الفلاحين في دولة الجزائر ودورها المحوري في الثورة الجزائرية[14], حتي بلغ الامر أن اعتبرها الطبقة الثورية الوحيدة في الجزائر والقادرة علي تخليصه من الاستعمار الفرنسي ، فيري أن عفوية القرويين (الريفيين) تدفعهم في الغالب إلى التحرك دون تنظيم مسبق ودونما التحكم بهم من قبل قوي سياسية ما , فتقوم بإقتحام مراكز ومخافر الاحتلال وتقتلهم جميعا , الأمر الذي يؤدي إلي استنفار المستعمر وإرساله أرتال جيوشه إلى المناطقة الريفية بهدف وأد الثورة في مهدها , سوى أنه في الغالب يفشل في التخلص منها حيث تكون تحركات الريفيين متقدمة خطوة أو خطوتين على أقل تقدير عن خطوات النقابيين وأعضاء الحركات الثورية , فضلاً عن أنه يصعب التنبوء بها لأنها غير تابعة لنظام معين .[15]

المطلب الثاني : أبرز أفكار فرانز فانون

تبادر لدي اذهان فرانز فانون الطبيب النفسي الفرنسي العديد من الافكار خلال فترة حياته وبخاصة تلك الفترة التي كان يعمل فيها كمحلل نفسي لمرضي القمع خلال القرن العشرين , والتي تركزت في الغالب علي مرضي التعذيب والقهر في جزر الأنتيل السوداء وكذلك عرب الجزائر في ظل الاحتلال الفرنسي , والتي توصل منها أخيراً الي أن الآثار النفسية لمرضي الاستعمار الفرنسي لا تختلف عن الاثار النفسية لمرضي الاستعمار الامريكي بتاتاً ، واستطاع من خلال مقالاته ومؤلفاته عرض مسببات للأمراض العقلية العديدة الموجودة في الافرواميريكان والعرب الذين تم احتلالهم والافارقة المهمشين , والتي رجحها إلي كثرة القهر والتعذيب والهزيمة النفسية والجسدية التي تم التعرض لها [16].

الاستعمار من وجهة نظر فانون :

لقد كانت الاهتمامات الفكرية التي سادت في أفريقيا خلال فترة الستينيات , تصب في معظمها الي تصفية الاستعمار وتحقيق الاستقلال والتحرر , أي أن فانون عاش مرحلة مخاض ولادة الدولة الأفريقية بكل مراحلها بدءاً من محاربة الاستعمار ومحاولات المستعمر الالتفاف حول مطالبات التحرر من خلال مفردات الاستعمار الجديد عن طريق تجنيد طبقة جديدة من البرجوازية تخدم مصالح الدول الأوروبية المستعمرة , وقد كان لذلك كله بالغ الاثر في فكر فانون والذي سنتعرض لأهم ما توصل اليه فانون فيما بعد .

وبينما تناول العديد من المفكرين ظروف السود والقارة الأفريقية وظاهرة الاستعمار الا ان فانون تميز عنهم بأنه لا يمكن تصنيفه ضمن محيط فكري محدد فلا يمكن تصنيفه ضمن تيار الزنوجة الأفريقية فرغم أن بداياته الفكرية تتعلق بذلك التيار ، سوى أنه سرعان ما انقلب عليه , كما لا يمكن تصنيفه ضمن محيط تيار الجامعة الأفريقية , أو الإدراك الأسود حيث لم تكن كتابات وأطروحات فانون ترجح أي من الاتجاهين.

أولاً : فانون والاستعمار الجديد :

ففي كتابه معذبو الارض يرسم لنا فرانز فانون العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر، موضحاً سبٌل إشعال الثورات من الأسفل، والحفاظ على تلك الثورة من تلاعبات الاستعمار والنخب المحلية الخاضعة له , فقد كان يعلم فانون أن الاستعمار لا يٌستأصل بتلك السهولة , وأنه قائم علي شبكة واسعة من المتبوعية والمنتفعين من أبناء الوطن المحتل ذاته ، كما توصل فانون إلي حقيقة مفادها أن الاستعمار سينتهي شكلياً ولكنه لم ينتهي فعلياً , حيث تم استبدال الاحتلال المباشر ذو الكلفة المادية والبشرية العالية باستعمار آخر محلي أقل كلفة وخاضع تمامًا لقوى الاستعمار .[17]

كما حذر فانون الثوار والمناضلين ضد الاستعمار من تلك التي سماها بالبرجوازية الوطنية والتي لم تشارك في ثورة الشعب مشاركة صادقة ، والتي تتعاون مع المستعمر خفيةً للحصول علي بعض الامتيازات .[18]

ثانياً : كيفية الخروج من وطأة الاستعمار :

وقد كان الحل الوحيد للخروج من الاستعمار من وجهة نظر فانون والتي أوردها في كتابه “معذبو الأرض” هي العنف فهو يري أن العنف هو السبيل الأوحد للقضاء على الاستعمار.

فهو يري أن الجلوس على موائد التفاوض لن يكون إلا في صالح بروز استعمار جديد تمثله البرجوازية الوطنية والتي ستحكم بعد الاستعمار وتكون ذراعاً له , ومن خلفها جماهير ذليلة ضاعت هويتها في غمار الثقافة الاستعمارية التي فرضت نفسها . [19]

وقد ذكر فرانز فانون في هذا الشأن “إن محو الاستعمار وهو يستهدف تغيير نظام العالم إنما هو، كما ترون، برنامج لقلب النظم قلبًا مطلقًا. ولكنه لا يمكن أن يكون ثمرة عملية سحرية أو زلزالًا طبيعيًا أو تفاهمًا وديًا؛ أي إنه لا يمكن أن يعقل، ولا يمكن أن قوتين تستمد كل منهما صفتها الخاصة من ذلك التكوين الذي يفرزه الظرف الاستعماري ويغذيه، إن التجابه الأول الذي تم بين هاتين القوتين إنما تم تحت شعار العنف”.[20]

ثالثاً : معوقات النضال المسلح عند فانون :

لقد تحدث فانون عن العديد من النقاط التي تقف عقبة في طريق النضال المسلح , ولم يكن ذلك بغرض إحباط تلك الخطوة التي يراها فانون الطريق الاوحد للاستقلال , وإنما يري فانون أنه بالضرورة معرفة تلك العقبات لدي حركات التحرير لكي تتلاشاها ومن أبرزها :

  • صعوبة جاهزية طبقة اجتماعية تتولي زمام عملية النضال المسلح ضد المستعمر , حيث ارتباط تطلعات القلة بالاستعمار أو انشغالهم بصراعات أخرى غير تصفية الاستعمار , فمثلا الأحزاب السياسية البرجماتية تنصب أهدافها في الحفاظ على الوضع الحالي بهدف المساهمة في الانتخابات والحوز على نصيب من السلطة ، أما طبقة المثقفين فهي عنيفة ثورية في كتاباتها ولكنها إصلاحية في أعمالها وممارساتها، أما الطبقة البرجوازية فهي بالأساس مرتبطة بسلطة المستعمر من الاستحواذ على السلطة لتصبح خلفا له أو مثل عنه بعد الاستقلال مثل القائد الجابوني بعد الاستقلال الذي شدد على انتماء الجابون لفرنسا حتى بعد الإستقلال .
  • إذاً من يحمل راية النضال ضد المستعمر ؟! وللإجابة على ذلك السؤال اتجه فانون في مشاهدته إلى وجوب الاعتماد على أكثر الطبقات الإجتماعية التى تعرضت للعنف والاستغلال وهو ما يتمثل في طبقة الفلاحيين فالفلاح المنبوذ الجائع هو طول الوقت المستغل من قبل المستعمر ولن يجد ما يذرف الدمع عليه إن بدأ نضاله المسلح أي بمعني أن الفلاح بلغ إلى الحاة الصفرية.
  • سلوك طبقة المثقفين والطبقة البرجوازية المحلية والتى تسارع إلى ركوب الموجة الثورية وتنادي بمبادئ اللاعنف من أجل إيقاف السيل الثوري من أجل الحفاظ على مكاسبهم والحفاظ على الصلات القديمة مع المستعمر[21].
  • التحدي الاقتصادي للعنف الثوري لنجاح العنف الثوري يجب أن يقوم الثوار بانتاج الأسلحة الخاصة بهم أولا وانتاج تلك الأسلحة لا بد أن يقوم على القوة الاقتصادية للدولة والوسائل المادية التى تقع تحت تصرف الثوار.
  • قد يستغل الدين بصورة تثبيطة للثوار فكما تم التوضيح من قبل بأن الدين استخدم في المستعمرات من أجل تبرير حكم المستعمر وتهدئة الأمور في الدولة، كما لاتشهد أي حركة نضال أفريقي دور الدين في تعبئة الجماهير الغاضبة ضد المستعمر.
  • اتخذت الدولة الاستعمارية خطا معاديا للتحرر الوطني خشية سقوط الدول المستقلة الحديثة في الفكر الإشتراكي الشيوعي والترويج للخطابات المعادية للشيوعية بدعوى إذا استقلت المستعمرات فما تلبث أن تقع مرة أخرى تحت احتلال الشيوعية الدولية.[22]

رابعاً : موقف فانون من حركات التحرير :

أعلنت حالة الطوارئ القصوى ضد الثوريين بالجزائر في ابريل 1955م , ولم ينفك فانون عن دعمهم بشتي الطرق , فسرعان ما عقد اجتماعات في المستشفى الخاصة به مع أعضاء الحركة الثورية ، يشرح لهم طبيعة الاضطرابات التي يعاني منها العديد من أعضائها خلال هذا الوقت , واعتبر المستشفى ملاذا أمناً لهم ، كما يمكن للمقاتلين الثوريين الجرحى الانتقال إلى العيادة والخروج منها , وعلي الرغم من ان مشاركة فانون في جبهات التحرير أصبحت تدريجيا اقل في السرية ، الا انه حتى عام 1956 لم يكن فانون يتحدث علنا عن الحرب في الجزائر , وفي الوقت الذي تقدمت فيه الثورة الجزائرية وتحركت نحو مناطق المدينة الداخلية ، ورغم ازدياد الخطورة علي فانون إلا أنه لم يتوقف عن رؤية المرضي ، حيث زادت الحالات النفسية الناجمة عن تجارب العنف أو التعذيب , مع العنف المتزايد في مواجهة الجماعات المسلحة , وبعدما عرف عن فانون مساعدته لهم بدأت الحكومة الفرنسية تلقي تهديدات بالقتل من مصادر مجهولة لردع فانون , وبعد فتره وجيزة قدم فانون رسالة استقالته إلى المستشفى وطرد من الجزائر ، الامر الذي أدي به إلي إعلان المساندة العلنية مع جبهة التحرير الجزائرية [23].

المطلب الثالث : تقييم فكر فرانز فانون

لم يمنعه امتهانه للطب وحربه التي خاضها مع فرنسا ضد النازيين عن كونه مناضلا عرف بمناهضته للإمبريالية والاستعمار , فقد وقع فانون في صراع فكري وثقافي وإنساني مع كل ما من شأنه أن يعادي الحرية ويجرد الكرامة الإنسانية ، ويأطر قيم العدالة والمساواة , وفي سبيل ذلك فقد امتلك عددا من ادوات النضال ضد الاضطهاد والعنصرية انطلاقا من لون البشرة؛ مرورا بمعالجة الآثار النفسية للشعوب المستعمَرة، وإلى نقد النخب الحاكمة. انتهاءاً بانضمامه لجبهة التحرير الجزائرية المسلحة ، والتي عمل طبيبا وناطقا باسمها في العديد من المحافل الدولية .

مدي اتساق افكار فرانز فانون مع واقعه ومدي نفاذية أفكاره :

لقد كان فرانز فانون واقعياً , تعاصر أفكاره ما مر به طيلة فترات حياته فنجد أن معظم كتاباته كانت في سياق حركة التحرير الوطني ومواجهة الاستعمار , حيث شارك في النضال مع جبهة التحرير الوطني الجزائري وظل ممثلا لها في تونس , ورغم مزامنة فانون للتجربة الجزائرية في التحرر , إلا أن أفكاره عن مقاومة الاستعمار يصعب تعميمها على كافة الدول الأفريقية , حيث أن معظمها باستثناء الجزائر وأنجولا وموزمبيق نالت استقلالها عبر النضال السلمي وليس الكفاح المسلح .

ومن المفارقات أن الدول التى استقلت عن طريق النضال المسلح لم تستطع قطع صلاتها بالدول الأوروبية المستعمرة كحال العلاقة بين الجزائر وفرنسا , فلا يزال طغيان الثقافة الفرنسية على التعليم الجزائري والمثقفين الجزائريين أي أن الاستعمار الثقافي لايزال يشغل حيزه في الجزائر حتي يومنا هذا [24], في حين أنه بالرغم من الاحتلال الانجليزي لمصر لا تزال مصر محتفظة بهويتها وثقافتها رغم الاستقلال الشكلي لها عام 1922م , والذي تم دون نضال مسلح علي غرار الجزائر، إذاً نجد أن فكر الثورة العنيفة الذي تبناه فانون لم يكن ملائماً لكثير من الدول الأفريقية سواء في التخلص من الاستعمار القديم الي تم بالألة العسكرية في القرن التاسع عشر , أو الذي تشهده العديد من الدول الان في القرن العشرين والمتمثل في غزو الثقافات الغربية والتبعية الاقتصادية والسياسية .

تناقضات في شخصية فانون :

رغم معارضة فانون في كتاباته الاولي لكل ما تسيطر عليه الميكنة والعالم الابيض , نجد تغير في افكار فانون من خلال كتابه ” المعذبون في الارض” , فقد اتخذ الاتجاه اليساري كاطار أيديولوجي عام لتأطير فكره النضالي التحرري , حيث لم يؤمن فانون بالتغيير سوي من خلال العنف الثوري , للإطاحة بالطبقة الاستعمارية التي تفرض قوانينها وثقافتها علي المجتمعات الضعيفة , وفرض الوصاية عليها , ومصادرة حرياتها .

فيلاحظ تأثر فانون في كتاب معذبو الارض بالنزعة الماركسية , ويتضح هذا من محاولة تقسيم المجتمع في البلدان المحتلة إلى طبقتين , إحداهما طبقة البرجوازية الحاكمة والأخرى طبقة الفلاحين التى استخدمها استعاضةً عن الطبقة البوليتارية في الدول الأفريقية مشيرا الي ان العلاقة بينهم تصارعية .

كذلك أخطأ فانون في التعويل على طبقة الفلاحين في الحراك الثوري حيث ان الوعي السياسي لدي طبقة الفلاحين يكاد يكون معدوماً , وهو ما أقره في كتابه إلا أنه أصر على أن تقود تلك الطبقة شعار الثورية، كما أن تلك الطبقة تفقد عنصرا هاما ينبغي توافره في الطبقة الثائرة ألا وهو عنصر التنظيم .[25]

وقد واجهت افكار فانون بعض التناقضات حيث أقر بفشل تلك الطبقة في التأطير والتنظيم وتشكيل نقابة للفلاحين رغم ذلك رأي أنها الطبقة الانسب لكي تقود الحراك الثوري معللاً ذلك بأنها الطبقة الاكثر تعرضاً للظلم والعنف من قبل المستعمر والبرجوازية المساندة له .

ورغم أن الفكر الماركسي يري أن العمال هم الأجدر على قيادة الحراك الثوري في البلاد، إلا أن فانون ذكر أن تلك الطبقة منعزلة تماماً عن الفلاحين وأن مصالحها مرتبطة بالمستعمر وهذا غير دقيق بالمرة فمثلا في حالة النظام العنصري في جنوب أفريقيا كان يٌلجأ في بناء المصانع إلي تخومات القرى الريفية حيث وفرة العمالة اللازمة من القرى الزراعية .[26]

خاتمة:

رغم التناقضات التي شابت أفكار فرانز فانون , وعدم قابلية تطبيق أفكاره سواء علي مستوي الدول الافريقية فترة الاستعمار التقليدي , أو في سياق الاستعمار الحديث الذي يصعب استئصاله بالعنف , إلا أن فرانز فانون كانت لديه نظرة ثاقبة فيما يخص حال الشعوب ما بعد الاستقلال , فرغم وفاته قبل أن تنال الجزائر استقلالها إلا أنه تعرض في كتاباته بأن لديه ايماناً جازماً بأن الاستقلال لا يمثل سوي مرحلة واحدة في مسيرة التحرر من الاستعمار , مشيراً إلي أن التحدي الأكبر يكمن في كيفية الحفاظ علي هذا الاستقلال , وكيفية انتزاع الشكل الجديد من الاستعمار والمتمثل في التبعية الاقتصادية والسياسية والاستغلال الرأسمالي , وذلك لرسم وتكريس جغرافية الجوع عوضاً عن جغرافية الاستعمار التقليدي .

ويلاحظ مما سبق كيف تأثر فرانز فانون في كتاباته ببعض وجهات النظر والتي من ضمنها جون بول سارتر وايميه سيزار وميشيل ليريس , وقد حلل فرانز فانون ما يشار له باسم فوبيا الزنوجة وهي فوبيا يعاني منها البيض وتوجد في قلب عنصريته حيال السود وقد فسر فانون اسباب هذا الرهاب .

كما ناقش فرانز فانون كل ما يخص الاستعمار سواء في مرحلة ما قبل الاستعمار وما بعد الاستعمار , ورغم انتقاد فرانز فانون من قبل ارندت الذي وصفه بالمبالغات الخطابية وبتأثره بالتحليل الوجودي لسارتر , ولكن ما عبر به ايميه سيزار كان اقرب الي الحقيقة , حيث وصف فرانز فانون ” بأن عنفه بدون مفارقة هو عنف رجل غير عنيف , ويقصد بذلك أنه عنف العدالة وتطهير النفس “.[27]

ويري فرانز فانون عن تأثير الثورة في المجتمع بأن السيطرة الاستعمارية تفرض علي المستعمَر ان يقف موقف الرفض لكل ما يأتي به الاستعمار من ثقافات ومحاولة إثارة الشتات في الشعب الذي تم احتلاله , مما يزيد من تكريس حالة من التخلف المستمر طوال فترة الخضوع الاستعماري .

ومع وجود الثورة فإن هذه الحالة تتغير بتطور الكفاح المسلح , حيث يصبح المواطن منفتحاً للتجدد والتعامل مع الغير ومع ما يرفضه سابقاً والذي عليه أن يعترف به ويواجهه , ويعمل علي اتخاذ مواقف ايجابية بدلا من المواقف السلبية في الماضي , فالثورة التي يقوم بها الشعب من اجل الحصول علي استقلاله وحريته يمتد تأثيرها علي جميع فئاته بداية من الفرد الي الاسرة وانتهاءاً بالمجتمع ككل .

قـــــــــــــــــــائمة المراجع:

اولاً : مراجع باللغة العربية :

(أ) الكتب :

  1. دافيد كوت , عدنان كيالي(مترجم) ،” فرانز فانون” (بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1971) .
  2. فرانز فانون , سامي الدروبي _ جمال الاتاسي(مترجم) , “معذبوا الارض” (القاهرة, مدارات للأبحاث والنشر, الطبعة الثانية , 2015 ) .

(ب) الرسائل العلمية :

طه طنطاوي , “مقاومة الاستعمار في فكر فرانز فانون” , رسالة ماجستير (جامعة القاهرة : معهد البحوث والدراسات الافريقية ,2009) .

(د) مصادر الانترنت :

  1. المركز الديمقراطي العربي , ” فرانز فانون ومقاومة الاستعمار في أفريقيا : قراءة في جدلية العنف الثوري” , اخر دخول 23/2/2018 في 6:05ص , متاح علي : https://democraticac.de/?p=51063
  2. الوطن , “فرانز فانون , الرائي من بعيد.. قراءة في كتاب معذبو الأرض “, اخر دخول 3/3/2018 في 5:05 ص , متاح علي : http://www.wattan.tv/news/140277.html

ثانياً : مراجع باللغة الانجليزية :

A)Books :

  1. David Macey , Frantz Fanon (London : Verso , 2012).
  2. Fanon , Black Skin White Masks (London : Pluto Bress , 1952).
  3. Rita Abrahamsen , Frantz Fanon (1925–1961) (Canada : University Of Ottawa ,2011).

B)Articles :

  1. Alexander, Keith Bryant , “Black Skin/White Masks: The Per Formative Sustainability Of Whiteness (With Apologies To Frantz Fanon)” , Qualitative Inquiry (Illinois : University Of Illinois At Urbana , Vol10 , Issue5 ,2004)
  2. Blake T. Hilton ,” Frantz Fanon And Colonialism: A Psychology Of Oppression” , Journal Of Scientific Psychology (Oklahoma : University Of Central Oklahoma, Vol1 , 2011)
  3. Kiros, Teodros , A Companion To African Philosophy (New York : Blackwell Publishing ,Vol1 , 2007)

C)Working Papers :

  1. Lianne Mulder , Frantz Fanon, Internalized Oppression And The Decolonization Of Education (Philipsburg : University Of St. Martin , 2016).
  2. William Strickland , Frantz Fanon: His Life And Work ,( Massachusetts : University Of Massachusetts Amherst , 1979).

(D) Internet Resources :

Encyclopedia Of Philosophy , Frantz Fanon (1925—1961) , Last Accessed 23/2/2018 At 3:46am , Available At Http://Www.Iep.Utm.Edu/Fanon .

[1] Encyclopedia of Philosophy , Frantz Fanon (1925—1961) , last accessed 23/2/2018 at 3:46am , available at http://www.iep.utm.edu/fanon ./

[2] Idem .

[3] Idem .

[4] Rita Abrahamsen , Frantz Fanon (1925–1961) ,(canada : University of Ottawa ,2011) p.322.

[5] Encyclopedia of Philosophy , OPP.CIT , internet resources .

[6] فرانز فانون ، سامي الدروبي وجمال الأتاسي (مترجم)، معذبوا الأرض(بيروت: دار الطليعة، 1970) ص 54، ص 55.

[7] William Strickland , FRANTZ FANON: HIS LIFE AND WORK ,( Massachusetts : University of Massachusetts Amherst , 1979 ) p.69.

[8] David macey , frantz fanon (London : verso , 2012) p.30.

[9] Ibid , p31.

[10]Lianne Mulder , Frantz Fanon, Internalized Oppression and the Decolonization of Education (Philipsburg : University of St. Martin , 2016) p.2.

[11] طه طنطاوي، مقاومة الاستعمار في فكر فرانز فانون، رسالة ماجستير( جامعة القاهرة، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، قسم السياسة والاقتصاد،2009) ص7.

[12] Kiros, Teodros , A Companion to African Philosophy,(new york : Blackwell Publishing ,vol1 , 2007)p.5.

[13] المرجع السابق , ص8 .

[14] Fanon , black skin white masks (London : pluto bress , 1952) p.9.

[15] فرانز فانون، مرجع سبق ذكره، ص 65.

[16] Blake T. Hilton ,” Frantz Fanon and Colonialism: A Psychology of Oppression” , Journal of Scientific Psychology (Oklahoma : University of Central Oklahoma, VOL1 , 2011)P.45.

[17] الوطن , “فرانز فانون , الرائي من بعيد.. قراءة في كتاب معذبو الأرض “, اخر دخول 3/3/2018 في 5:5 ص , متاح علي : http://www.wattan.tv/news/140277.html .

[18] نفسه .

[19] نفسه .

[20] نفسه .

[21] المركز الديمقراطي العربي , فرانز فانون ومقاومة الإستعمار في أفريقيا : قراءة في جدلية العنف الثوري , اخر دخول 3/3/2018 في 5:44ص , متاح علي : https://democraticac.de/?p=51063 .

[22] نفسه .

[23] Blake T. Hilton , OPP.CIT , P.49.

[24] المركز الديمقراطي العربي , م . س . ذ , مصدر انترنت .

[25] نفسه .

[26] نفسه .

[27] – دافيد كوت , ترجمة عدنان كيالي ،” فرانز فانون” (بيروت :المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1971)ص 115.

 

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى