بعد مرور سبع سنوات، ما تبقى من الربيع العربي؟

مع مرور سبع سنوات على ما يعرف بالربيع العربي، أسئلةٌ عدة تُطرح في الشارع العربي. ماذا بعد؟ وماذا تغير؟ ماذا طرأ على المشهد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي؟ وأين يقف المواطن العربي من كلّ التغيرات التي حصلت؟ هل فقد الأمل وسط كل تلك الازمات؟ إن “ثمة مؤشرات مقلقة تنبئ بأن المنطقة العربية، وبعد مرور سبع سنوات على اندلاع ما يعرف بالربيع العربي، لم يتجاوز نقطة الخطر، إن لم يكن دخل بالفعل في شروط سياسية واقتصادية ممهدة لفعل شعبي عارم”، أن هذا الفعل المنتظر “ربما يكون أكثر حدة من الانتفاضة الشعبية التي عاشها العالم العربي منذ سنة 2010.

و هذا مايجعلنا التمييز في البلدان العربية بين وضعيتين: وضع الفوضى العرمة وانتشار العنف الذي غرقت فيه ليبيا واليمن وسوريا ثم وضع العودة إلى الوراء كما في حالة مصر. ويعود وضع الفوضى في الحقيقة إلى ضعف الدولة التي انبنت على قوة الحاكم لا على قوة المؤسسات كما في ليبيا وفي سوريا أو على توازن هش مع التشكيلات الاجتماعية التقليدية كما حال اليمن. في المقابل تمكنت المؤسسة العسكرية في مصر الي حد ضئيل من تفادي انتشار العنف عبر مؤسسة عسكرية اقتصاديا عن الدولة بحكم أهمية مواردها المالية من التصنيع أو من المساعدات الأمريكية. و لكن تبقي المشاكل الاقتصادية تنخر الجسد العربي أن هذا المطلب الاقتصادي وغيره من المطالب لم يتحقق بعد مرور نحو سبع سنوات. فهل نحن على أبواب ربيع الرغيف العربي؟ ومن حهة اخرى فقد ظاغ المشهد اليومي المؤلم بان صدّقت الشعوب العربية أن الربيع سيحمل بشائر الحرية والديمقراطية وسيحسّن حياة الفقراء والمظلومين. دخلت دول عديدة على الخط، تضاربت مصالح إقليمية ودولية، استُلّت خناجر تصفية الحسابات والحقد والإرهاب غرق الوطن العربي في الاقتتال والفتن والدمار، أين بدأ الربيع العربي وكيف انتهى؟ من ربح ومن خسر؟.

فقدعرّش الإرهاب والتكفير على حفاف الطرقات والأزقة والغرف السوداء والقلوب السوداء، قُتِلَت كلّ السنونوات وسالت دماء كثيرة ووصلت الخسائِر البشرية إلى ملايين القتلى والمُشرّدين والجرحى بينما فاقت الخسائِر الماديّة . أين بد الربيع وكيف انتهى؟ من ربِحَ ومن خسر؟ ماذا عن الأنظمة التي صمدت؟ هلّ فعلاً حمت شعوبها وخياراتها؟ هلّ انتصر فعلاً خيار المُقاومة والعروبة أم أننا جميعاً خسِرنا ليربح الآخرون؟ ما حلّ بنا باسم “الربيع العربي هلّ كان ربيعاً فعلياً أم كان خريفاً دموياً في ثوب الربيع؟.

فقد اصدر المنتدى الاستراتيجي العربي تقريرا (جويلية 2017) بالأرقام لتكلفة «الربيع العربي» خلال السنوات الخمس الماضية

– الدمار كامل للبنية التحتية لأربع دول عربية هي ليبيا واليمن والعراق وسوريا.

– 14 مليون لاجئ.

– 8 ملايين نازح.

– 1.4 مليون قتيل وجريح .

– 30 مليون عاطل عن العمل.

– 900 مليار دولار بنية تحتية مدمرة.

– 640 مليار دولار الخسائر السنوية فى الناتج المحلى العربى.

– 300 مليار دولار انفقت لإجهاض الثورات وعكس تأثيرها.

– 50 مليار دولار تكلفة اللاجئين سنويا.

ـ تريليون و200 مليار دولار كلفة الفساد فى المنطقة العربية.

ـ 57 مليون عربى لا يعرفون القراءة والكتابة.

ـ 14.5 مليون طفل لم يلتحقوا بالمدرسة هذا العام.

ـ 70 مليون عربى يعيشون تحت خط الفقر المدقع.

ـ 60 ٪ زيادة فى معدلات الفقر آخر عامين.

ـ خمس دول عربية فى قائمة الدول الأكثر فسادًا فى العالم.

ـ 90 ٪ من لاجئي العالم عرب.

– 80 ٪ من وفيات الحروب عالميًا عرب!

وخلال سبع سنوات تعددت التفسيرات عما إذا كانت الثورة ناجحة أم فاشلة، والواقع أن الوقت مبكر جدا لتقييم أى حدث، وهناك تحولات بانت نتائجها بعد عشرات السنوات والعقود، فالثورة الروسية بعد 70 عاما انتهت إلى مسارات أخرى، ولا توجد ثورة ناجحة وأخرى فاشلة لكن توجد تراكمات وتغيرات وتقدم وتراجع، وما كان سائدا فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، يختلف عما هو مطروح فى التسعينيات وما بعد بزوغ الألفية.

والواقع أن علماء المستقبليات توقعوا هذا كله قبل عقود، ومن أبرز من حاولوا ذلك كان المفكر الأمريكى ألفين توفلر، الذى انشغل مبكرا بمحاولة فهم تحولات العالم، منذ منتصف القرن العشرين وزحفها ببطء، ثم انفجارات التكنولوجيا التى أصابت بصدمتها العالم الذى بدا مستقرا.

فى كتابه «صدمة المستقبل» عام 1970، كان توفلر يشير إلى أن التغيرات التكنولوجية والاتصالاتية والتليفزيون تنقل البشر إلى مرحلة ثورية بمثابة صدمة كبرى، تفقد البشر توازنهم، وبعد عشر سنوات كان حديث «الموجة الثالثة»، حيث تشكل التكنولوجيا الموجة الأكثر زلزلة، بعد موجة الزراعة الأولى والثورة الصناعية الموجة الثانية، ثم تأتى الموجة الثالثة لتمثل قفزة تتجاوز تأثيراتها بمراحل الثورة الصناعى، يحل الاقتصاد الرمزى محل المداخن وتبزغ مصادر جديدة لتوليد الثروة لتغير من تركيبة السلطة بشكل جذرى بمكوناتها الأساسية القوة المباشرة أو فوهة البندقية، والثروة، والمعرفة ممثلة فى الإعلام ورجال الدين والمثقفين والاتصالات، والتى تهز السلطة المستقرة على مدى عقود، عندما أصدر توفلر كتابه عام 1990، كان الاتحاد السوفيتى فى سبيله للخروج من الحرب الباردة واليابان والصين تصعد كمنافس قوى لأمريكا.

ولا يمكن تجاهل تأثير ثورة الاتصالات والتقنية على شكل السلطة فى العالم، لكنها كانت بمثابة بركان، تراكمت قواه لتنفجر بسرعة، كانت موجات الربيع العربى إحدى نتائج هذا التحول، وما تزال تواصل تفاعلاتها، ويفضل النظر إليها ضمن خرائط أوسع، والنظر إلى مصر وسط ما يجرى فى تونس وليبيا وسوريا واليمن والعراق، وما يجرى فى دول الخليج وتحولات عصر النفط، وحتى الاتحاد الأوروبى الذى بدا قدريا، أصابته التحولات وتخرج منه بريطانيا، وتتصاعد تيارات تطالب بالانفصال فى ألمانيا وفرنسا، ومن كانوا يرون أمريكا نهاية التاريخ، يعترفون بأنها تواجه منافسة أوسع.

يقول تشى جيفارا، أشهر ثائر فى تاريخ أمريكا اللاتينية، إن «الثورة يصنعها الشرفاء ويقودها الشجعان ثم يسرقها الجبناء»، لذلك فإذا سلمنا جدلًا أن كل عوامل الثورة كانت متوافرة فى بلدان الربيع العربى منذ سنوات طويلة، إلا أن شيئا لم يحدث لأسباب كثيرة أولها الخوف، وآخرها عدم ظهور من يحرك الجماهير، وهذه الأسباب معروفة بالتأكيد لخبراء السياسة والأمن والمخابرات، ولذلك كان لا بد من تمهيد الأجواء لانطلاق هذه الثورات، وتحديد الكوادر «المارقة» التى ستعمل على التسخين والتمويل، وكانت مهمة تكفلت بها أجهزة مخابرات دول كبرى، وقد رأينا الاستقبال الحافل لهؤلاء «المارقين» من وزيرة الخارجية الأمريكية والمرشحة الرئاسية السابقة هيلارى كلينتون كان الهدف أيضا تقسيم العالم العربى مرة أخرى بعد 90سنة من اتفاقية سايكس بيكو، وقد نشرت خرائط لمشروع تقسيم منطقة الشرق الأوسط.

ان جريمة سايكس بيكو التى قسمت الكعكة العربية بين بريطانيا وفرنسا، فقد وقعت هذه الجريمة مباشرة عقب ما سمى الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين بن على، والتى قاتل فيها بإخلاص هو ورجاله الأشداء فى كل مكان من أجل طرد الاحتلال العثمانى من بلاد العرب، ثم اكتشف الثوار أنهم عملوا كخدام للأطماع الاستعمارية البريطانية الفرنسية.

قد يكون هناك ملايين المخلصين الذين خرجوا إلى الشوارع والميادين أيام الربيع المزعوم، لكن كثيرين منهم أدركوا أن براءتهم وطهارتهم جعلتهم لا يرون أو يدركون الشياطين المختفية فى الكواليس، والتى كانت تدبر وتخطط وتمول، لذلك سقط أكثر من مليون قتيل أو شهيد وشرد أكثر من تسعة ملايين سورى، وما زالت ليبيا غارقة فى الفوضى، وما زالت سوريا تواجه مؤامرة تقاسم النفوذ بين موسكو وواشنطن وأنقرة بعد أن تراجع مخطط التقسيم.

سبع سنوات عجاف بعد الربيع المزعوم، أو ربيع امريكا الذى لم نحصد فيه وردة واحدة، بل حصدنا الشوك والشوك فقط، ولا يزال بعض الغافلين يقولون «الثورة مستمرة».

الدكتور حكيم غريب

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button