تحليل السياسة الخارجيةدراسات مغاربيةرسائل وأطروحات في العلاقات الدولية

تأثـير التحولات الدولية لفترة ما بعد الحرب الباردة على السياسات الخارجية للدول المغاربية: دراسة للنموذج الليبي

يتعلق موضوع الدراسة أساسا بدراسة أهم التحولات و التغيرات التي شهدتها السياسات الخارجية للدول المغاربية في فترة ما بعد الحرب الباردة، هذه الفترة التي أطلقت عليها العديد من التسميات مثل نهاية التاريخ، العصر الأمريكي، عهد الأحادية القطبية…كمحاولات لوصف ما تتميز به هذه الفترة الجديدة، خصوصا في ظل السيطرة الأمريكية على مختلف الميادين الاقتصادية، السياسية، و العسكرية. كما أن التحولات التي شهدها النظام الدولي بعد الحرب الباردة من حيث بنيته الهيكلية (بروز الأحادية القطبية،ظهور دول جديدة على المسرح الدولي في القارة الأوربية،تأكيد انقسام العالم إلى دول الشمال ودول الجنوب)من جهة، وطبيعة التفاعلات الدولية من جهة ثانية(و التي تمثلت في بُروز قضايا جديدة على مستوى النظام الدولي، انهيار الإيديولوجيات وبروز التمايزات القائمة على المنشأ والانتماء والثقافة،..). كان لكل هذه التحولات تأثير بالغ الأهمية على تحديد توجهات السياسات الخارجية لدول المنطقة المغاربية في هذه الفترة. و ضمن بيئتها الداخلية استقبلت الدول المغاربية مطلع التسعينات باتخاذها للعديد من التغييرات على مستوى نظمها السياسية و ذلك بدخولها مراحل التحول الديمقراطي، حيث دشنتها بجملة من التعديلات الدستورية (فقد شهد المغرب مراجعتين دستوريتين خلال التسعينات سنتي 1992 و سنة 1996، بالنسبة للجزائر جانب انطلق مشروع الإصلاح السياسي بالاستفتاء على دستور1989، و التعديل الدستوري لسنة 1996. أما بالنسبة لتونس فقد حدث التغيير السياسي في تونس في 07 نوفمبر1987، باستحواذ الرئيس “زين العابدين بن علي” على السلطة و الذي أعقب بتعديل الدستور سنة 1988 كما تم إقرار القانون الدستوري سنة 1998 كما شهدت تونس آخر مراجعة دستورية سنة 2002)، وفتح المجال أمام التعددية السياسية و خصوصا الحزبية منها الأمر الذي انعكس على طبيعة العمليات السياسية و الانتخابية المختلفة (سواءا كانت تشريعية أو تنفيذية) و من ثم طبيعة القوى السياسية الفاعلة على مستوى نظمها السياسية. كل هذه الجهود و ان بدت كبيرة للوهلة الأولى إلا أنها- و لأسباب مختلفة- لم تمكن دول المنطقة من التمكن من عملية الترسيخ الديمقراطي.

أما اقتصاديا و اجتماعيا ، فقد عانت دول المغرب العربي في مطلع التسعينات من المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية من مديونية كبيرة أثقلت اقتصادياتها و أضعفتها و زادتها فقرا، حالات التضخم، ارتفاع مستويات البطالة… و أمام قلة الإمكانيات زيادة حاجتها للواردات نتيجة لارتفاع الطلب الناجم عن النمو السكاني المتسارع، وجدت الدول المغاربية نفسها أمام حتمية اللجوء للأطراف الخارجية و المؤسسات الدولية بالتحديد من اجل إعانتها على إعادة إحياء اقتصادها. لكن و بتضافر الجهود و سعي دول المنطقة لرفع مستوى الأداء الاقتصادي فقد تمكنت هذه الدول من الخروج من مرحلة الأزمة الخانقة إلى التحسن نوعا ما مع مطلع القرن الواحد و العشرين. كل هذه التحديات الداخلية، تزامنت دوليا و اشتداد ما يسمى بالتنافس الأمريكي-الأوربي على المنطقة من خلال طرح العديد من المبادرات لتفعيل العلاقات التبادلية مع كلا الطرفين الأمريكي و الأوربي على الخصوص. هذا الأخير- الاتحاد الأوربي- الذي حاول توطيد علاقاته مع الدول المغاربية كطرف من الدول المتوسطية في إطار”الشراكة الاورومتوسطية”، و التي طرحت فعليا خلال ندوة برشلونة في 27و28 نوفمبر 1995 من خلال إنشاء مجموعة اقتصادية تضم 27 دولة من الاتحاد الأوروبي و12 دولة متوسطية من ضمنها الدول المغاربية باستثناء ليبيا بسبب الحصار الدولي المفروض عليها هدفها “إقامة فضاء مشترك للسلم والاستقرار تطوير المبادلات الثقافية والإنسانية بين الشعوب “في هذه المنطقة الجغرافية من المتوسط و ذلك من خلال التركيز على ثلاثة محاور أساسية(الشراكة السياسية والأمنية،الشراكة في المجالات الاجتماعية،الثقافية والإنسانية،الشراكة الاقتصادية والمالية).

كما تم طرح مشاريع تطويرية على غرار الاتحاد من اجل المتوسط و سياسة الجوار الأوربية. و من الناحية النظرية للموضوع فان دراسة و تحليل السياسة الخارجية للدول من منظور العوامل المؤثرة فيها، يتطلب تفكيك عملية السياسة الخارجية إلى مجموعة من المتغيرات منها المتعلق بالبيئة الداخلية ( عوامل اقتصادية، جغرافية ،نفسية، مؤسساتية …)، و أخرى تتعلق بالبيئة الدولية المحيطة بالدولة محل الدراسة سواء ما تعلق منها بالنظام الدولي من حيث الوحدات أو من حيث طبيعة التفاعلات القائمة بينها.و مما لا شك فيه ان التغير في طبيعة النظام الدولي من نظام ثنائي القطبية إلى نظام أحادي القطب، يفرض حتما على الدول الصغيرة ضرورة التغيير و التكيف مع مقتضيات الحقبة الدولية الجديدة و التي تشهد سيطرة دولة واحدة على العالم اقتصاديا و سياسيا و خصوصا عسكريا. هذه الظروف تحد حتما من حرية المناورة التي كانت متاحة لمثل هذه الدول-دول صغيرة- في ظل نظام ثنائي القطبية، الأمر الذي يزيد من أهمية و درجة تأثير المتغير الدولي على السياسة الخارجية. و في إطار إسقاط النظري علي الحالة المدروسة و الاستفادة من الخلفية النظرية للموضوع، وجدنا أن الدول المغاربية قد اتجهت إلى الاستفادة من الفرص التي فرضتها المتطلبات الدولية الجديدة من نحو الفضاءات الجديدة وذلك ببناء علاقات اقتصادية وسياسية وعقد اتفاقيات أمنية.

و في مقابل هذا التوجه نحو هذه الفضاءات كانت محاولات الدول المغاربية متواضعة نحو توطيد وتطوير العلاقات البينية على خلفية تجميد آليات عمل الاتحاد المغاربي منذ سنة 1994. و بالتركيز على الحالة الليبية وجدنا من خلال المقارنة بين تطور السياسة الخارجية الليبية في فترة الثنائية القطبية و فترة الأحادية، أن التحديات التي فرضتها البيئة الدولية في فترة ما بعد الحرب الباردة خصوصا فيما يتعلق بالملفات الأمنية المطروحة دوليا كملف محاربة الإرهاب و نزع أسلحة الدمار الشامل…الأمر الذي فرض تحديات كبيرة على النظام السياسي الليبي بضرورة التحول و الإصلاح . حيث أن العلاقات المتوترة التي شابت العلاقات الليبية بالدول الغربية على اثر قضية لوكربي على الخصوص و التي أثبتت أن الهاجس الأمني كان مسيطراً على تفاعلات ليبيا الخارجية بصفة عامة، والأمن المقصود هنا هو أمن النظام السياسي كما يراه صناع القرار في ليبيا. كما عملت ليبيا على المستوى العربي الأفريقي إلى إقامة فضاء عربي أفريقي كمحاولة للعب دور إقليمي في المنطقة من خلال استثمار النفط كآلية في تنفيذ توجهاتها التي تعتبر المشاريع في إفريقيا أهم صورها.

تحميل الرسالة

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى