تحليل السياسة الخارجيةدراسات شرق أوسطية

تأثير انتخاب جو بايدن على العلاقات التركية – الإسرائيلية

أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ورقة علمية تدرس تأثير انتخاب جو بايدن على العلاقات التركية – الإسرائيلية، وهي من إعداد الدكتور سعيد الحاج، المحلل السياسي المختص في الشأن التركي وقضايا المنطقة.
فبعد أن أدّى انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية إلى حراك واسع في منطقة الشرق الأوسط تحسباً للتغيرات المتوقعة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، بات من أهم الملفات التي تحتاج بحثاً عميقاً مع الإدارة الجديدة؛ هو تأثير انتخاب بايدن على منظومة حلفاء بلاده والعلاقات البينية بينهم، وخصوصاً العلاقات التركية – الإسرائيلية المتراجعة في السنوات القليلة الأخيرة، لا سيّما وأن الجانبين قد قدما بعض الإشارات على تقارب محتمل بينهما في المستقبل القريب.
وقد أشار الدكتور الحاج إلى دور الولايات المتحدة في معظم محطات التقدم والتراجع في العلاقات بين الجانبين، نظراً لما تمتلكه الولايات المتحدة الأمريكية من نفوذ ملحوظ على السياسة الخارجية التركية عموماً، وعلى علاقاتها بالكيان الصهيوني على وجه الخصوص، كقوة عالمية عظمى، ولثقلها في النظام الدولي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ولقيادتها حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تنتمي له تركيا، وللعلاقات الثنائية بينهما، وللقضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك، وكذلك للعلاقات الخاصة بين واشنطن وتل أبيب. لذلك يبدو أن طرح سؤال، أثر انتخاب بايدن على العلاقات التركية – الإسرائيلية منطقياً إلى حدٍّ كبير، خصوصاً وأنه أدى لبعض المتغيرات في تركيا داخلياً وخارجياً قرئت على أنها تفاعل مع المتغير المهم الجديد.
وعمل الباحث على استعراض تاريخ العلاقات التركية – الإسرائيلية منذ بدئها بين الجانبين سنة 1949، والتي لم تسرِ العلاقات في منحنى مستقر، وإنما تعرضت لحالات من المد والجزر، ووصولاً للقطيعة الديبلوماسية بينهما بعد الاعتداء على سفينة كسر الحصار عن غزة “مافي مرمرة”. وتوقيع الجانبين سنة 2016 اتفاقاً لتطبيع العلاقات الديبلوماسية بينهما، إلا أن العلاقات لم تعد لسابق عهدها، بل تعرضت سنة 2018 لأزمة جديدة سحبت تركيا على إثرها سفيرها من تل أبيب، وطلبت من سفير الاحتلال مغادرة أراضيها؛ إثر التعامل العنيف مع مسيرات العودة في غزة، وتزامنها مع نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
وباتت تل أبيب جزءاً رئيسياً من محور إقليمي معادٍ لتركيا في مجمل قضايا المنطقة، ولا سيّما فيما يتعلق بملف شرق المتوسط، وهو محور تقوده ظاهرياً اليونان؛ وتشترك فيه قبرص اليونانية، ودولة الاحتلال، ومصر، وبعض دول الخليج، وتدعمه فرنسا بشكل واضح. ومن مظاهر هذا المحور إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط الذي استثنى تركيا على الرغم من أنها تملك أطول ساحل على شرق المتوسط، ومناورات عسكرية جمعت خلال السنوات الماضية أطراف هذا المحور كإشارة على رسوخه وتعمّقه.
وتتبّع الباحث إشارات من الجانبين التركي والإسرائيلي خلال سنة 2020، دلَّ بعضُها على وجود نية لإعادة النظر في مستوى العلاقات واحتمال تحسّنها، خصوصاً وأن بعض التقارير الإعلامية تحدثت عن لقاءين جمعا رئيسيّ جهاز استخبارات الجانبين في برلين وواشنطن؛ للتباحث حول قضايا إقليمية وكذلك كيفية تحسين العلاقات بينهما. وقد أظهرت المؤشرات العامة أن تحسين العلاقات مع الكيان الصهيوني قد خرج بالنسبة لتركيا من إطار نقاش الفكرة بالمبدأ، إلى نقاش التفاصيل مثل التوقيت والأسلوب والمستوى. فقام الباحث برصد التطورات، والتوجهات، والأحداث التي تدعم التوجه نحو تحسين العلاقات وتطويرها قريباً، وبين تلك التي تدفع باتجاه التأجيل.
وقد خلص الدكتور سعيد الحاج إلى أن عدداً من المتغيرات في مقدمتها انتخاب بايدن رئيساً للولايات المتحدة، دفعت تركيا للسعي لتدوير زوايا الخلاف، وتخفيف حدة المواجهة مع عدد من الأطراف، من بينها الكيان الصهيوني، وإن كانت التطورات المتعلقة بالأخير عملياً أقل بكثير مما حصل مع جهات مثل مصر والاتحاد الأوروبي. لكن يمكن القول إن نظرة أنقرة للعلاقات مع تل أبيب تختلف عنها اليوم، عما كانت عليه في 2018، وبالتالي فالعلاقات بينهما مرشحة للتحسن مستقبلاً اعتماداً على عدد من المتغيرات. لكن يمكن القول إن أياً من الجانبين ليس متحمساً جداً لهذا الأمر، أو لأن يخطو الخطوة الأولى ويقدم تنازلاً أكبر.
بيد أن المتغيرات المؤثرة في هذا المسار، وأهمها ثلاثة، مفتوحة على عدة مآلات ولا يتحكم الجانبان تماماً بها. المتغير الأول؛ هو استراتيجية الولايات المتحدة للتعامل مع تركيا ومدى عمق الأزمة معها، وهو أمر بدت عليه بعض المؤشرات لكنه ليس مؤكداً ولا مستقراً، وقد تطرأ عليه تغييرات.
والمتغير الثاني؛ هو قرار مصر بخصوص التقارب مع تركيا وترسيم الحدود البحرية معها، بعد تكرار الأخيرة استعدادها لذلك على عدة مستويات. ذلك أن علاقة عكسية تجمع بين احتمالية تحسن علاقات أنقرة مع كل من القاهرة وتل أبيب.
والمتغير الثالث، تبعاً للسابق، هو مدى اعتبار غاز شرق المتوسط مصلحة مشتركة بين تركيا والكيان الصهيوني، إذ إن الملف تتداخل فيه عدة أطراف، وتتغير فيه بوصلة المصالح والتوافقات بشكل مستمر، حيث إن اتفاق أي طرفين يُعدّ خَصْماً من باقي الأطراف.
وعليه، يبدو من الصعب جداً توقع مآلات العلاقة بين الجانبين على وجه الدقة، لكن التقارب بينهما بات أرجح كثيراً من السنوات السابقة. فالأمر انتقل من سؤال الإمكانية والتسويغ إلى أسئلة التوقيت، والأسلوب، والمدى، وكيفية التخريج، والثمن، وهذا بحد ذاته تغير جوهري مهم بين الجانبين.

للاطلاع على الورقة كاملة على موقعنا أو بصيغة PDF:

 >> ورقة علمية: تأثير انتخاب جو بايدن على العلاقات التركية – الإسرائيلية … د. سعيد الحاج  

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى