دراسات شرق أوسطيةنظرية العلاقات الدولية

تاريخ وتطور العلاقات الأمريكية الإسرائيلية

اعداد مستشار سياسي /  حسين خلف موسى

يمكن تقسيم تاريخ العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية خلال المرحلة السابقة إلى أربع فترات رئيسية:

1ـ الفترة الأولى، 1948 ـ 1973:

خلال المرحلة الأولى من هذه الفترة أتسم تطور العلاقات الإستراتيجية بين الطرفين ببطء مع إعلان قيام دولة إسرائيل واعتراف الولايات المتحدة بها، ثم أزمة السويس 1956، والتي أسفرت عن إدخال إسرائيل في الرؤية الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، من منطلق أن إسرائيل المعتدلة ليست عبئاً، ثم كشفت السنوات التالية للأزمة وحتى حرب 1967 عن تواتر التعاون الإستراتيجي بين البلدين وصولاً للمرحلة الثانية 1967 ـ 1973، والتي تميزت بصعود سريع في موقع إسرائيل لعدة اعتبارات أهمها إخفاق النظم المعادية للولايات المتحدة داخل المنطقة، وإخفاق هيبة ودور الإتحاد السوفييتي في المنطقة، لا سيما وأن التصور الأمريكي لإسرائيل يراها قادرة على ضرب الطرف العربي الموالي للسوفييت، بحيث يدرك العرب في النهاية عبث الحل العسكري، ويقبلون بالحل الدبلوماسي. ويلاحظ أن السياسة الأمريكية الفعلية قبل 1970 وحتى 1973، تجاه إسرائيل لم تختلف كثيراً حيث اتسمت في الحالتين بروح الجرأة في الهدف والمحافظة في الوسائل إلا أنها خاطرت بمصالحها مضطرة قبل عام 1970، ثم مختارة بعد هذا التاريخ ومراهنة على إسرائيل وحدها حيث “عقد إتفاق عام 1971 لتزويد إسرائيل بالأسلحة بعيدة المدى لأول مرة وأصرت على أن شحنات السلاح الأمريكي لإسرائيل لن تتسم بالطابع الظرفي كما ارتفع حجم الإعتمادات العسكرية المخصصة لإسرائيل من 30 مليون دولار إلى 545 مليون دولار”، وعلى هذا كان من الطبيعي أن تمثل حرب 1973، هزة حقيقية للمذهب الإستراتيجي وللسياسة الأمريكية في المنطقة.

فترة إسترداد  الدور الإستراتيجي لإسرائيل بعد حرب 73 التي أمتدت حتى عام  81:

        منذ إندلاع حرب 1973 والنتائج العسكرية التي أسفرت عنها إلى غداة توقيع معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية عام 1979، أنتقل وضع إسرائيل في السياسة الأمريكية من حد أقصى غير معقول إلى حد أدنى غير متوقع، ليعود الصعود تدريجياً دون أن يصل في نهاية الحقبة لمستواه الأصلي حيث أسفرت هذه الحرب عن زعزعة مكانة إسرائيل الإستراتيجية خلال الفترة 1973 ـ 1976. وأظهرت تبعيتها لأمريكا وهو ما هز أسس الإستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة والقائمة على الحيلولة دون نشوب حرب عربية ـ إسرائيلية كبرى واستقطاب الشرق الأوسط بين القوى العظمى. أو الربط بين النزاع في المنطقة والنفط أكدت الحرب أن مستقبل الدولة الإسرائيلية المستند لقوة السلاح ينذر بالتشاؤم وعبرت سياسة كيسنجر الخطوة ـ خطوة عن هذا التصور الجديد لأوضاع المنطقة.

3ـ التحالف الإستراتيجي 1981 ـ 1992:

           تمثل هذه الفترة إحدى أهم مراحل تطور العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية والأكثر تعقيداً حيث لم تسر على خط واحد، ففي المرحلة الأولى منها 1981 ـ 1988 والتي استمرت فترة رئاسة ريغن شهدت العلاقات عودة لمذهب الرصيد الاستراتيجي كما عبرت عنه”مذكرة التعاون لسنة 1981 والذي تعزز على مدار السنوات التالية 1983 ـ 1989 ورغم ما تخللها من خلافات والتباس وسوء فهم فقد استمر التأكيد على اعتبار إسرائيل رصيداً استراتيجياً ويساعد على ذلك التطورات الإقليمية والدولية وعلى رأسها انهيار حكم الشاه في إيران وفشل سياسة الانفراج والغزو السوفيتي لأفغانستان وضغوط اللوبي وجماعات المصالح، وتمزق الصف العربي، حيث تضافرت هذه العوامل لتحول دون إحداث أزمة في العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية نتيجة غزو الأخيرة لبنان 1982، وإنما جرى التأكيد على التعاون الإستراتيجي وفي إطار ذلك صدر القرار التوجيهي 111 وتطورت صيغ التعاون 1983 ـ 1989 في إطار ما وصف بالحرب الباردة التالية والتقارب السوري ـ السوفييتي”

         ورغم تغير السياق العام للعلاقات في ظل إدارة بوش 1988 ـ 1992 بانتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي وانفجار حرب الخليج الثانية وانطلاق المفاوضات العربية ـ الإسرائيلية فإن ذلك لم يؤثر في مجمل الصيغة العامة للعلاقات على الرغم أنه قد بات واضحاً أن إسرائيل تشكل عبئاً على المصالح الأمريكية، وأنها على عكس ما يشاع عنها كعامل ضبط لصراعات المنطقة وصمام أمان لمواجهة خطر الأصولية الإسلامية.

4 ـ مرحلة تطابق المصالح 1990 ـ 2001:

               وهي المرحلة التي ابتدأت بوصول مرشح الديمقراطية بيل كلينتون للبيت الأبيض، واستمراره فيها، لفترتين متتالين وتمثل هذه الفترة القمة في مستوى العلاقات بين الطرفين، حيث شهدت الفترة الأولى عودة للصيغة الثانية المعبرة عن عمق التعاون الاستراتيجي الذي أخذ مناحٍ كثيرة من تطوير للأسلحة إلى مساهمة في مشاريع غزو الفضاء، لكن بالتوازي مع إحياء الصيغة هذه التي ارتقت بالعلاقات الإستراتيجية بين الطرفين إلى مستويات غير مسبوقة، فقد ظهر مبدأ توزيع الأعباء في إدارة الأزمات إثر انتهاء الحرب الباردة، فالولايات المتحدة الأمريكية ووفقاً لهذا المبدأ لم تعد مستعدة لتحمل لوحدها أعباء وتكاليف إدارة الأزمات، وإن الشكل الذي تراه لذلك هو توزيع هذه الأعباء على ائتلاف أو تجمع من أطراف لها مصلحة في إدارة أزمة ما، وذلك لأسباب نتجت عن نهاية عصر الحرب الباردة والصراع الدولي، ومنها أيضاً إحجام الرأي العام عن تحمل مثل هذه الأعباء وضغوطه من أجل توجيه ما ينفق في الخارج على برامج في داخل بلاده، وكذلك الانقسام الذي بدأ يظهر داخل النخبة المؤثرة على القرار السياسي بالنسبة لموقفها من السياسة الخارجية وأعبائها.

           وضمن هذا التوجه تلازمت مع عملية السلام التي انطلقت في مدريد عام 1991 فكرة البديل الاقتصادي، وهو ما يعني تحول العرب في ظل علاقات السلام إلى بديل عن الولايات المتحدة في دعم الكيان الاقتصادي لإسرائيل وصاحبت هذه الفكرة بدايات التحول الداخلي ضد المساعدات الخارجية كمبدأ عام يسري على جميع الدول المتلقية لها بما فيها إسرائيل والتفكير في الخفض التدريجي لهذه المساعدات إلى أن تتوقف في النهاية، فكانت التحركات للمشروع الشرق أوسطي والذي أفرز صيغة مؤتمر سنوي تحت إسم مؤتمر التعاون الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي هدف إلى تأهيل إسرائيل للدخول كشريك اقتصادي مع دول المنطقة، وهذه المرحلة شهدت فتح الحدود والمكاتب التجارية مع العديد من دول المنطقة، لتعويض إسرائيل عن المساعدات الأمريكية الكبيرة وخلق البديل الاقتصادي لها في النهاية.

          وهو ما يفسر المدى الذي وصلت إليه إدارة كلينتون في تبني مواقف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وتحويلها لمبادرات سياسية ضاغطة على الطرف الفلسطيني والعربي لإنهاء الصراع في المنطقة تثبيتاً لتلك الإستراتيجية. والآن بعد تولي إدارة جمهورية جديدة بقيادة بوش الابن، هناك عودة ما لصيغة التحالف الاستراتيجي على نمط تلك الصيغ التي نشأت إبان الحرب الباردة، وعلى اعتبار أن إسرائيل تشكل رصيداً استراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وأنها تمثل مصلحة قومية لا بالمعنى الاستراتيجي فحسب، وإنما باعتبارها رصيداً أخلاقياً ومعنوياً أيضاً. وإذا ما كان من المبكر منذ الآن تحديد ملامح شاملة للحقبة الجديدة في العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، فإن بعض المؤشرات التي أشير إليها علاوة على ما تعكسه ممارسة الإدارة الجديدة من انحياز مطلق، فقدت حتى الحيادية الشكلية التي حرصت عليها الإدارات السابقة.

      بعد استعراض الجوانب التي تقوم عليها العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، من الضروري بمكان إجراء محاولة لتوضيح جملة العوامل التي تسهم في الإجابة على السؤال المركزي التالي، لماذا يبدو أن علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة تتجاوز الحواجز السياسية والأيديولوجية ولا تتبعها؟

التفسير الأداتي الذرائعي، وهو ما يتفق مع الأسس الفكرية لمذهب الرصيد الاستراتيجي ويستخدم مفهوماً كالإمبريالية أو عقلانية صاحب القرار، لتفسير تميز العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، وهنا يمكن تسجيل بعض التحفظات على هذه المفاهيم، فالنسبة لمفهوم الإمبريالية، يلاحظ أنه مفهوم متعدد الأبعاد، وقد يتناقض مع الأبعاد الموضوعية التي ساهمت في نشأة فكرة إقامة وطن قومي لليهود، وتفاقم مسألة اليهود في أوروبا الشرقية، مع نمو الشعور القومي بين الأوروبيين.

أما التفسير بعقلانية صانع القرار، فهو منظور ضيق يتجاهل حدود عقلانية الفاعل وذاتيته، وبواعثه وصعوبة المواءمة بين الأهداف المنشودة والنتائج المتحققة. إلا أن هذا التفسير يعتمد على استخدام الولايات المتحدة لإسرائيل في دعم مصالح الأولى وهو على هذا لا يفسر لماذا تدعم أمريكا إسرائيل حتى في الحالات التي تمثل فيها إسرائيل عبئاً على مصالح أمريكا وعلى هذا لا يعد التفسير الأداتي الذرائعي أو الصريح صحيحاً.

     أما التفسير الأداتي النفعي، وهو تفسير صحيح في مجمله إلا أنه غير كاف وهو يفسر السياسة الأمريكية بالنظر إلى نتائجها وآثارها، إلا أنه لا يقدم أسبابها، فهو يفسر الدعم الأمريكي والعلاقات الخاصة بالاستناد إلى نتيجة السلوك الأمريكي غير المنظور إجمالاً في هذا الدعم ولكنه لا يقدم الأسباب والدوافع التي توجه أمريكا لدعم إسرائيل.

التفسير بالدينامية الداخلية، ويستند هذا التفسير للنفوذ الخاص الذي يتمتع به اللوبي الموالي لإسرائيل داخل أمريكا والذي يمتلك قدرة خاصة على التأثير من خلال اتصاله برجال الإدارة والشيوخ والنواب وامتلاكه لقاعدة معلوماتية وإمكانيات التأثير على الحملات الانتخابية من خلال تمويلها.

             كذلك يمتلك اللوبي مقدرة خاصة على تنظيم وتوجيه أصوات اليهود خلال الانتخابات حيث يتميز اليهود الأمريكيون بأنهم مسيسون جداً فأكثر من 90% منهم يشاركون في الانتخابات في حين لا يتجاوز تعدادهم 3% من مجموع السكان وفي ذات الوقت فإن أكثر من نصف الشعب الأمريكي لا يهتمون بالمشاركة في العملية الانتخابية. وهو ما يعظم الأهمية النسبية للجماعات اليهودية والتي تتركز بدورها في مدن ذات ثقل انتخابي هام مثل كاليفورنيا ونيويورك وبنسلفانيا. ويستند اللوبي في قيامه بدوره لعدة عوامل أهمها مكانة دولة إسرائيل ودور القوة العظمى التي تقوم بها أمريكا اليوم والمرجعية الأيديولوجية ـ الثقافية الأمريكية والتي تنعكس في علاقة المجتمع الأمريكي بالجالية اليهودية القائمة على الإدماج والتبني والعلاقة الخاصة بالدولة الإسرائيلية.

    إلا أنه من الملاحظ أن أعداد اليهود تتناقص بإطراد نتيجة تدني معدلات الولادة والزيجات المختلطة. والانصهار في المجتمع الأمريكي حيث يتجه اليهود للهجرة من الولايات المهمة سياسياً إلى ولايات ذات كثافة يهودية منخفضة، إضافة لاحتمال تبعثر أصوات اليهود بين الانحياز التاريخي للحزب الديمقراطي والمصالح اليهودية المادية مع الحزب الجمهوري. كما يلاحظ أن نشأة الصهيونية وإقامة إسرائيل كدولة يعتبر مؤشراً للرفض اليهودي الأوروبي للاندماج في أوروبا، وهو ما يشير لوجود عوامل أيديولوجية وثقافية غير مواتية، إلا أنها عوامل كامنة في الغالب أو مرتبطة بثقافات مهمشة في بعض الأوقات كالسود الأمريكيين والملونين، أو العرب الأمريكيين.

 إن تفسير طابع التميز ينعكس على مستويين:

1ـ مستوى دوام العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية الخاصة.

2ـ هامش المناورة الذي يملكه الجانب الإسرائيلي والعربي.

          إن استمرار هذا الدعم مرتبط بالتوافق بين البعد الأيديولوجي ـ الثقافي والمصلحي ـ النفطي، وبالتالي فإن احتمالات التغير التي تطرح هنا مرتبطة بظهور مصلحة عظمى ويقينية تدفع إلى التغيير في الجانب الثقافي للنخب المسيطرة، أو احتمال تراجع موقع أمريكا كقوة عظمى أو إحداث ثورة في الاتجاهات والقيم السائدة، وهي أمور بعيدة الوقوع في المدى المنظور. ويملك الإسرائيليون وفقاً لهذا التقرير هامش مناورة واسعاً نتيجة العلاقة الخاصة مع أمريكا إلا أن ثمن ذلك هو التبعية وإخفاق قدرة إسرائيل على الانخراط في الوسط الشرق أوسطي، وعلى هذا فإن تحقيق سلام عربي ـ إسرائيلي شامل يعني وضعاً مستقراً وإضعاف تبعية إسرائيل لأمريكا على المدى الطويل بحيث تتطور العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية تدريجياً لكي تقترب من صيغة العلاقات العادية.  

         أما عن هامش المناورة العربية فيلاحظ أن العرب لا يملكون التأثير في وضع أمريكا كقوة عظمى، ولن ينجحوا في تحقيق التماشي مع الثقافة الأمريكية، وإن حاولوا كما لا يملك العرب التأثير في هامش المرجعية الأيديولوجية ـ الثقافية بإبراز أوجه الخلاف وعدم التزام إسرائيل بذات القيم بل إن ما حدث من تعاطف أمريكي خلال الانتفاضة الكبرى في الثمانينات، وإلى حد ما مع الانتفاضة الحالية كان مرجعه الممارسات القمعية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تتناقض مع ما هو عالمي في القيم الأمريكية. وعلى مستوى دوام العلاقات والمرجعية النفعية، فإن هناك إمكانية للتأثير والتداخل، وهو ما حدث فعلاً هذا العام في الانتخابات الرئاسية حيث برزت الجاليات العربية والمسلمة كقوة ملموسة تؤخذ في الحسبان في الجولات القادمة. إلا أن هذا لن يؤدي في المدى المنظور لوضع الطابع المتميز للعلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية موضع تساؤل وإنما زيادة أو نقصان تكلفة أو هامش المناورة المتروك لإسرائيل فالطابع الخاص للعلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية يعمل الآن على ضبط النزاع العربي ـ الإسرائيلي أكثر مما يسهم في تسويته لمصلحة كافة أطرافه.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى