دراسات اقتصادية

تباطؤ الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد الأردني

 إن الأحداث التي شهدتها المملكة الأردنية الهاشمية مؤخرا تعد تطورا خطيرا علي الوضعية الحالية الإجتماعية و الإقتصادية. كما أن سلسلة الإضرابات العامة التي إنطلقت منذ مطلع سنة 2018 و تواصلت لعدة شهور حتي بلغت ذروتها خلال شهر ماي  و التي أطاحة بحكومة هاني الملقي و تعيين حكومة جديدة يرأسها عمر الزاز تمثل الإنتقال النوعي إلي مرحلة جديدة تتطلب التغيير. إن هذا الإضراب الإجتماعي يمثل نذير سخط إجتماعي عن سياسة الحكومة السابقة خاصة من خلال الرفع في الأسعار و الزيادة في الضرائب. بالتالي تعتبر هذه السلسلة من الإضرابات التي شملت بالأساس قطاع التعليم نظرا لتدهور الأجور حيث يبلغ راتب الأستاذ الأول 500 دينار أردني و هو يعتبر راتب ضعيف جدا مقارنة مع المقدرة الشرائية و غلاء المعيشة. أيضا قطاع الصحة حيث يعاني هذا القطاع من نقص في الإمكانيات و التجهيزات و تردئ عام في المستشفيات خاصة منها العمومية و عدم تصفية أوضاع الأطباء الشبان المتعاقدين.

إن الأوضاع الإقتصادية الأردنية تعاني من خلل في المنظومة الإقتصادية نظرا لهشاشة  القطاع المالي و المصرفي. كما أن الإصلاحات الهيكلية لم تشمل جميع القطاعات حيث تم تهميش قطاع التعليم و الصحة و لم تطور الحكومة في أسلوب منظومتها الجبائية. إذ كانت الزيادة في الضرائب المفاجأة في مثابة صب الزيت علي النار فأنفجر الكبت الإجتماعي الجاثم في صدور جميع الطبقات الإجتماعية الأردنية. إذ لم تتجه الحكومة الأردنية نحو الإصلاح التدريجي و التجديد في نمط دعم القطاع الخاص و التركيز علي خصخصة القطاع المصرفي بالكامل و تقوية الأسواق المالية و دعم التجارة الخارجية و التنويع في المنتجات المحلية. كما كان التمسك بالمنظومة النقدية و المالية السابقة و ذلك بالتركيز علي زيادة الضرائب فقط دون تقوية البنية الأساسية للإقتصاد خاصة منها القطاع الخاص الذي يعتبر العمود الفقري للإقتصاديات الصاعدة ضعف حقيقي في التسيير الإداري بوزارة المالية و البنك المركزي الأردني. أيضا يمثل عامل تراكم العجز المالي للحكومة الأردنية و اللجوء لصندوق النقد الدولي للإقتراض دون تقديم مخطط إصلاح هيكلي و برنامج تطوير في مجال الإستثمار و التنمية و التحرر المالي الداخلي عامل سلبي نظرا للظروف الغير ملائمة لخلق بيئة تحفيزية للإقتصاد. بالتالي مثل عامل الزيادة في الضرائب مع تجميد الزيادة في الأجور و إنخفاض نسبة النمو الإقتصادي مع الزيادة في الأسعار التي زادت بالنتيجة في نسبة التضخم المالي كارثة إقتصادية و إجتماعية شكلت تلك الأزمة السياسية مؤخرا.

إن الرهان الذي تحمله حكومة عمر الرزاز يعتبر في غاية الأهمية خاصة علي الصعيد الإقليمي بعد الإجتماع الأردني-الخليجي قصد دعم الأردن ماديا للخروج من أزمتها السياسية و الإقتصادية التي أضرت بجميع القطاعات خلال الثلاثي الأول من سنة 2018. إذ تمثل الدعم المالي الخليجي ب 2.5 مليار دولار قصد تعزيز البنية التحتية التنموية و الإستثمارية للإقتصاد الأردني الذي هو في تباطؤ مستمر مع تحفيز القطاع الخاص حتي يواكب التطورات العالمية و الإستفادة من التكنولوجيات الحديثة و سد الفجوة الرقمية. إن السعودية و الإمارات العربية المتحدة و دولة الكويت لم تقدم هذا الدعم المالي للأردن من فراغ بل جاء لتكريس بسط النفوذ الإقليمي سياسيا و إقتصاديا و جلب الأردن للتحالف الخليجي – المصري من أجل أهداف إستراتيجية خاصة في ظل الصراع مع جبهة تحالف قطر و تركيا و إيران و روسيا. كما أنه في نفس الإطار قدمت دولة قطر للأردن إغراءات مالية بقيمة 500 مليون دولار مع تشغيل قرابة 10 آلاف من العاطلين الأردنيين بدولة قطر و هذا أيضا يعتبر تجاذب سياسي من بوابة إقتصادية قصد إلحاقها بالتحالف القطري-التركي. إلا أنه لم تتم هذه الصفقة حيث تم التوقيع مع وثيقة المساعدات الخليجية السعودية ضمن برنامج إصلاح هيكلي يشمل المنظومة الإدارية, السياسية و الإقتصادية.

إن إختيار إستراتيجية التحرر الإقتصادي الليبرالي الرأسمالي يتطلب مزيدا من الدعم للقطاع الخاص و تحرير الأسواق و الأسعار و الرفع من القدرة التنافسية و المبادلات التجارية مع جلب الإستثمارات الأجنبية المباشرة. بالتالي علي الإقتصاد الأردني أن ينوع من منتجاته الصناعية و الفلاحية و السياحية و كذلك يجب عليه وضع مخطط تنموي خماسي يشمل الأهداف التي يجب تحقيقها علي المدي القصير. أما هذا التباطؤ في الإصلاحات الهيكلية خاصة في برنامج التأهيل الشامل الخاص يتطلب تعزيز لفضاء المبادرة من أجل خلق مشاريع جديدة تعتمد بالأساس علي الإقتصاد الأخضر و الإقتصاد الرقمي الذي يعتبر البديل عن الإقتصاديات التقليدية. بالرغم من الإنجازات التي حققتها الأردن في الإندماج في العولمة المالية و الإقتصادية إلا أنها تبقي غير كافية نظرا لعدم تحريرها للقطاع المصرفي بالكامل و عدم البدء في تحرير قطاع التعليم و إعادة هيكلة المنظومة الجبائية. إن الأهداف المستقبلية التي تراهن عليها حكومة عمر الرزاز تتركز بالأساس علي الرفع من نسبة النمو الإقتصادي و بالتالي خلق مواطن شغل جديدة, تحرير التجارة و تقوية القطاع الخاص و جلب الإستثمارات المباشر و بالتالي الزيادة في الدخل القومي الخام و الدخل الفردي الخام, و الرفع في الضرائب من خلال قانون ينظم الضريبة علي أرباح الشركات الخاصة و علي دخل الأفراد. أما بخصوص الزيادة في الأسعار الغذائية فهي يجب أن تواكب في المقابل الزيادة في الأجور و التقليص من التضخم مع مراعاة المقدرة الشرائية لمختلف الطبقات الإجتماعية الأردنية.

بقلم فؤاد الصباغ – باحث اقتصادي دولي

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى