دراسات جيوسياسيةدراسات شرق أوسطية

تحالف البحر الأحمر: احتواء التهديدات في نظام إقليمي مضطرب

أعلنت المملكة العربية السعودية إقامة تحالف مع ست دول عربية متاخمة للبحر الأحمر وخليج عدن، وهي مصر وجيبوتي والصومال والسودان واليمن والأردن. وعلى الرغم من أن الاجتماع الأول في الرياض لم يصل إلى اتفاق نهائي، فإنه سيتم عقد اجتماع لاحق في القاهرة لإجراء محادثات فنية لبحث خطط قيام هذا التحالف (1) .
وليس من الواضح بعد طبيعة التحالف الجديد، وهل سيكون تجمعاً سياسياً أم تحالفاً عسكرياً؟ فقد أشار وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى أنه قد يتضمن درجة من التعاون الأمني، نظراً لأن الهدف الرئيسي للتحالف هو “تحقيق الاستقرار في المنطقة”، والحد من التأثير السلبي للقوى الخارجية (2) . ونظرت بعض التحليلات إلى التحالف باعتباره موجهاً بصورة أساسية لتحجيم النفوذ والتأثير الإيراني والتركي على أمن البحر الأحمر (3). وفي هذا الإطار، تهدف هذه المقالة إلى تحليل التحالف الجديد، ومحاولة شرح هدفه الرئيسي وانعكاساته الإقليمية.
العلاقة مع الأطر الأمنية القائمة:
يبدو أن “تحالف البحر الأحمر” ــ إن جاز التعبير ــ يهدف إلى إيجاد منصة دائمة للتشاور بين الدول الأعضاء من أجل إيجاد فهم مشترك للتحديات الأمنية التي تزعزع استقرار البحر الأحمر، وقد يهدف كذلك إلى محاولة علاج الخلافات والتوترات المحدودة، التي قد تنشأ في العلاقات بين الدول المشاطئة للبحر الأحمر.
ولم يوضح الجبير ما إذا كان تحالف البحر الأحمر تقتصر وظيفته على كونه تجمعاً سياسياً أم لا، أم أنه قد يسعى في مرحلة لاحقة إلى تعزيز التعاون العسكري والأمني بين الدول الأعضاء. ومع ذلك، فإن هذا التحالف يمكن أن يعتمد على التحالفات العسكرية القائمة في المنطقة، خاصة التحالف العربي في اليمن، الذي يدعم الحكومة اليمنية الشرعية في حربها ضد الحوثيين منذ عام 2015.
ونظراً لأن هناك مفاوضات جارية لحل الأزمة اليمنية سلمياً في السويد بدءاً من أوائل ديسمبر 2018، فإنه يمكن تطوير التحالف العربي في اليمن، وتوسيع عضويته، بحيث يركز على دعم الاستقرار في البحر الأحمر، ومواجهة التهديدات الأمنية النابعة من السلوك الإيراني ومساعيها لتهديد أمن المضايق البحرية، خاصة إذا أُخذ في الاعتبار أن مصر والسودان والمملكة العربية السعودية والأردن واليمن هي أعضاء في كل من تحالف البحر الأحمر والتحالف العربي في اليمن.
وعلاوة على ذلك، فقد شهد نوفمبر 2018 تدريبات عسكرية مشتركة بين بعض الدول العربية، حيث شاركت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والأردن والبحرين والكويت في تدريبات مشتركة في مصر في أول تدريب من نوعه. ونظر المحللون، آنذاك، إلى هذه الجهود على أنها ترسي أسس إقامة تحالف عسكري إقليمي لمواجهة إيران (4). ومن ثم يمكن النظر إلى إعلان تحالف البحر الأحمر في الشهر التالي مباشرة على أنه يعكس استمرار الجهود الرامية إلى تعزيز التعاون السياسي الأمني بين دول الخليج العربية ودول البحر الأحمر.
وعلى الجانب الآخر، فإنه ليس من الواضح ما هي العلاقة بين تحالف البحر الأحمر و”التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط”، والمعروف باسم “الناتو العربي”، والذي اقترحته الإدارة الأمريكية كمظلة أمنية لمواجهة التهديدات الإيرانية. فقد كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدفع باتجاه تأسيس مثل هذا التحالف العسكري الذي يشمل جميع دول الخليج العربية الست، بالإضافة إلى الولايات المتحدة ومصر والأردن.
ومن الواضح أن التصور الأمريكي لإقامة حلف عسكري يواجه العديد من التحديات، نظراً لاستمرار الأزمة القطرية، فضلاً عن تباين مدركات التهديدات بين الدول المقترحة لعضوية التحالف الجديد، حيث إن قطر وعمان لا يعتبران إيران مصدر تهديد، وذلك بخلاف الأعضاء الآخرين المقترح انضمامهم للتحالف. وفي حالة فشل الناتو العربي، فإن تحالف البحر الأحمر قد يمثل ــ في حال تطويره ــ  المظلة الأمنية الرئيسية لمواجهة النفوذ الإيراني في البحر الأحمر وخليج عدن.
ثلاثة تحالفات إقليمية:
لا يمكن فهم تحالف البحر الأحمر إلا من منظور التنافس الإقليمي القائم حالياً في الشرق الأوسط. فقد كان الصراع بين التحالفات الإقليمية من السمات الأساسية للنظام الإقليمي العربي منذ نشأته في عام 1945. فخلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، شهد الشرق الأوسط صراعاً بين معسكرين: الملكيات المحافظة بقيادة المملكة العربية السعودية، والجمهوريات الاشتراكية بقيادة مصر(5). ومع اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، نشأ اصطفاف إقليمي جديد، حيث دعمت غالبية الدول العربية العراق في حربه ضد إيران (1980 – 1988)، في حين كانت سوريا الدولة الوحيدة التي ساندت إيران. ومع حرب 2006، بين حزب الله وإسرائيل، نشأ اصطفاف جديد في الشرق الأوسط بين محور الاعتدال العربي، خاصة مصر والسعودية والأردن، ومحور المقاومة بقيادة إيران وسوريا، بالإضافة إلى حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية (6) . 
ومثّل “الربيع العربي” الذي عصف بالاستقرار في عدد من الدول العربية في عام 2011 مرحلة أخرى من التحالفات في الشرق الأوسط، والتي تميزت بتصاعد أدوار القوى الإقليمية غير العربية، لاسيما إيران وتركيا، في محاولتها استغلال الفوضى التي شهدتها عدة دول عربية لتعزيز نفوذها في بلاد الصراعات العربية، من خلال التورط في دعم قوى سياسية موالية لها في الوصول للسلطة، بهدف استقطاب دولها إلى التحالفات القائمة. وقد نتج عن هذه الجهود، والمحاولات الرامية إلى مواجهتها تبلور ثلاثة تحالفات رئيسية في الشرق الأوسط، وهي على النحو التالي:
1- التحالف الإيراني: حاولت إيران تعزيز نفوذها الإقليمي في سوريا واليمن والعراق في أعقاب الربيع العربي من خلال مساعدة النظام السوري في مواجهة المعارضة المسلحة (7) ، بالإضافة إلى دعم الحكومة العراقية في حربها ضد “داعش”. 
وبالإضافة إلى ذلك، دعمت طهران عدداً من الفواعل المسلحة من دون الدول، خاصة حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن. وتباهت إيران بنفوذها الإقليمي، عندما صرح علي رضا زاكاني، عضو البرلمان الإيراني المقرب من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، في سبتمبر 2014 بأن “ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة للثورة الإيرانية الإسلامية”، مشيراً إلى أن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التي في طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية (8)، وذلك غداة سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء. 
وواصلت إيران دعمها للحوثيين في اليمن من خلال تهريب الأسلحة لهم عبر مراكب صغيرة تعبر الساحل الصومالي إلى الساحل اليمني الخاضع لسيطرة الحوثيين منذ عام 2015، وحتى الآن.
2- التحالف القطري – التركي: يتسم هذا التحالف بطبيعة إيديولوجية، حيث دعم كل من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا وقطر تيار الإخوان المسلمين في جميع دول المنطقة في أعقاب الربيع العربي في عام 2011. (9)

ووضح ذلك بصورة أساسية في البلدان التي تعاني الصراعات، مثل ليبيا وسوريا. كما أن كل من أنقرة والدوحة اشتركتا في تبني مواقف عدائية تجاه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والذي ساند التظاهرات الشعبية، التي أطاحت بحكم الإخوان المسلمين في مصر عام 2013.

وفي أعقاب الأزمة القطرية في عام 2017، حاولت تركيا ــ من دون جدوى ــ التوسط بين الدوحة والرياض. وفي أعقاب فشل جهود الوساطة، بدأت أنقرة في اتباع سياسات أكثر عدوانية تجاه المملكة العربية السعودية، وصلت إلى التلويح بمطالبة الأمم المتحدة بالتحقيق في مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي (10) ، بل ومحاولة استغلال مقتله في التأثير سلباً على العلاقات الأمريكية – السعودية (11). وأثارت المحاولات التركية في أواخر عام 2017 وبداية 2018 لتأسيس موطئ قدم لها في جزيرة سواكن السودانية إلى ارتياب مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من الخطوة التركية وأبعادها، وفقاً لبعض المحللين (12). 
3- التحالف الرباعي: يشير هذا التحالف إلى الدول العربية الأربع السعودية والإمارات والبحرين ومصر التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، بسبب دعمها عدداً من التنظيمات الإرهابية، واعتماد سياسة خارجية تدخلية مثلت تهديداً للأمن القومي للدول الأربع. وتتبنى هذه الدول سياسة خارجية متقاربة، خاصة فيما يتعلق بالتوجس من تيار الإخوان المسلمين. وبالإضافة إلى ذلك، فهي قوى تسعى للحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة، عبر استعادة الاستقرار الإقليمي في دول الأزمات، فضلاً عن تقليص النفوذين الإيراني والتركي في المنطقة. وفي هذا السياق، يمكن اعتبار “تحالف البحر الأحمر” من الأدوات التي يمكن أن توظفها الرياض والقاهرة في مواجهة النفوذ الإيراني والتركي في الإقليم.
مواجهة التهديدات الإرهابية:
يمكن توظيف تحالف البحر الأحمر كأداة رئيسية لمواجهة الإرهاب في القرن الأفريقي، ويتمتع البحر الأحمر بأهمية جغرافية استراتيجية، سواء بالنسبة للدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر، أو للقوى الدولية، حيث يعبر بالبحر الأحمر ما يقدر بنحو 3.2 مليون برميل نفط يومياً باتجاه أوروبا والولايات المتحدة وآسيا. وحاولت حركة الحوثيين المتمردة والمتحالفة مع إيران تهديد الأمن البحري بالقرب من مضيق باب المندب من خلال مهاجمة السفن التجارية وناقلات النفط والسفن الحربية أثناء مرورها بالقرب من السواحل اليمنية، وذلك أثناء الحرب الدائرة في اليمن (13).
وتستخدم إيران الحوثيين كورقة لتهديد الملاحة في مضيق باب المندب في حال نشبت أي أزمة بينها وبين القوى الدولية. وقد أكد ذلك ما نشرته وكالة الأنباء الإيرانية (فارس) في 6 أغسطس 2018 من تصريحات للجنرال ناصر شعباني، الذي يتولى منصباً بارزاً في الحرس الثوري الإيراني، والذي أكد قيام طهران بإصدار أوامر للحوثيين لمهاجمة حاملتي نفط سعوديتين، وأنها نفذت تلك الأوامر(14). 
وعلى الرغم من تعديل مضمون الخبر أكثر من مرة لحذف تورط إيران في توجيه الحوثيين، فإن تزامن هذا الهجوم مع تصريحات اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، والذي قال فيه إن البحر الأحمر لم يعد آمناً بالنسبة للسفن الأمريكية، يكشف بجلاء تورط إيران في هذا الهجوم (15).
وبالإضافة إلى ذلك، فقد تورطت إيران في رعاية حركة الشباب الإرهابية في الصومال، والمتحالفة مع تنظيم القاعدة، وفقاً لتقرير صادرة عن الأمم المتحدة (16). ومن المعروف أن حركة الشباب ترتبط تنظيمياً مع “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” في اليمن، وقام كلا التنظيمين بالتخطيط لعمليات إرهابية مشتركة خارج الصومال (17).
وفي الختام، يمكن القول إن التحالف الجديد سوف يسعى لتعزيز التعاون السياسي بين الدول الأعضاء في مواجهة التحديات الأمنية التي تشهدها منطقة البحر الأحمر، وقد يمهد في مرحلة تالية إلى تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين الدول المؤسسة، لكي تتمكن من مواجهة التنظيمات الإرهابية في منطقة القرن الأفريقي والحد من النفوذ الإيراني على مضيق باب المندب ومحاولة استبيان أبعاد الدور التركي الجديد في هذه المنطقة.
المراجع: 
1- Saudi Arabia Announces New Political Bloc for Red Sea, Gulf of Aden States, Asharq Al-Awsat, December 12, 2018, accessible at: https://bit.ly/2QZu8ho 
2- Ibid.
3- Stephen Kalin, Saudi Arabia seeks new political bloc in strategic Red Sea region, Reuters, December 12, 2018, accessible at: https://reut.rs/2PD18Yp 
4- UAE and Saudi join major Arab military drills in Egypt, The National, November 4, 2018, accessible at: https://bit.ly/2Qk0pMS
5- Nabeel A. Khoury, The Arab Cold War revisited: The regional impact of the Arab Uprising, Middle East Policy, Vol. XX, no. 2, summer 2013, p. 73.  
 6- Erik Mohns and André Bank, Syrian Revolt Fallout: End of the Resistance Axis?, Middle East Policy Council, accessible at: https://goo.gl/mSJckZ
7- Edward Wastnidge, Iran and Syria: An Enduring Axis, Middle East Policy, Vol. XXIV, No. 2, Summer 2017, p. 148.
8- Saudi Arabia and the Yemen conflict, April 2017, accessible at: https://goo.gl/Sv4y3M
9- Curtis R. Ryan, Regime security and shifting alliances in the Middle East, Project on Middle East political science, accessible at: https://bit.ly/2Pmi05Q
10- Turkey says in talks with U.N. about Khashoggi investigation, Reuters, December 11, 2018, accessible at: https://reut.rs/2zZaw3A
11- Parikshit Khatana, Khashoggi Affair: An Opportunity at Erdogan’s Door?, International Policy Digest, November 30, 2018, accessible at: https://bit.ly/2BoBxNF
12- Theodore Karasik and Giorgio Cafiero, Turkey’s move into the Red Sea unsettles Egypt, Middle East Institute, January 17, 2018, accessible at: https://bit.ly/2rM6p6t
 13- Rania El Gamal, Saudi Arabia halts oil exports in Red Sea lane after Houthi attacks, Reuters, July 25, 2018, accessible at: https://reut.rs/2SNkoUN
14- Statements by Top IRGC Official Gen. Sha’bani Published By Fars News Agency: ‘We Told The Yemenis To Attack The Two Saudi Tankers, And They Attacked’, Memri, Special Dispatch No.7612, August 7, 2018, accessible at: https://bit.ly/2Mdxg7V
15- Panic in Iran over Attack on Two Saudi Oil Carriers, Asharq Al-Awsat, August 8, 2018, accessible at: https://bit.ly/2MFc4Us
16- Michelle Nichols, Iran is new illicit transit point for Somali charcoal, Reuters, October 9, 2018, accessible at: https://reut.rs/2yqTklR
17- Maseh Zarif, Terror Partnership: AQAP and Shabaab, Critical Threats, July 02, 2011, accessible at: https://bit.ly/2zTSJL1

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى