تحديات الأمن القومي السوداني بعد نهاية الحرب الباردة واستراتيجية مواجهتها

المؤلف: د.عادل حسن محمد أحمد

مقدمة:

بنهاية الحرب الباردة شهد السودان متغيرات في بيئته الاستراتيجية بمستوياتها المحلية والإقليمية والدولية، والتي ترافقتن مع مشكلات بنيوية تعرض لها السودان منذ استقلاله عام 1956م، هذه المتغيرات خلقت حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، وأثرت على مسار تنفيذ خطط التنمية الشاملة والمتوازنة، وعلى تعقيد الوضع الاجتماعي، لذلك أجريت هذه الدراسة للتعرف على أهم المتغيرات والعوامل المتحكمة التي أثرت على الأوضاع في السودان ونتجت عنها مشكلات وتحديات ومهددات داخلية وخارجية للأمن الوطني السوداني. كما حاولت الدراسة التعرف على الجوانب المفاهيمية والتطور الذي حدث لمفهوم الأمن القومي من مرحلة التركيز فقط على الأبعاد العسكرية والسياسية والدبلوماسية، إلى تضمينه أبعاداً جديدة أكثر شمولية تحاول استيعاب المستجدات التي طرأت على القضايا والمهددات التي مثلت تحديات جديدة للأمن القومي.

اتبعت الدراسة المنهج التاريخي الذي ساعد في رصد ووصف الوقائع والأحداث التي مر بها السودان بجانب اعتماد المنهج الوصفي التحليلي (تحليل المضمون)، لإعطاء تفسير المواقف الداخلية والخارجية التي واجهت السودان، وتحديد المتغيرات والعوامل المتحكمة والمؤثرة على الأمن القومي السوداني.

إن التحديات الخارجية وعلى رأسها الدور الأمريكي والدول الغربية المتحالفة، واسرائيل، والوضع الاقليمي، والحصار الاقتصادي، واستغلال مجلس الأمن الدولي، والمنظمات الحقوقية، والوجود الأجنبي بشقيه المدني والعسكري، والمحكمة الجنائية الدولية، والمنظمات التطوعية الأجنبية، والإعلام الدولي، لقد تفاعلت مع المهددات الداخلية وعلى قمتها قضية جنوب السودان، والوضع في دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، وضعف البناء الحزبي، والمشاكل الاقتصادية، وتردي الخدمات، والمشاكل المتصلة بأمن الحدود، والأمن البيئي والثقافي والصحي والاجتماعي، واللجوء والنزوح، والبطالة والفقر، والإعلام، والمياه، والمخدرات، والإرهاب، والتطور في أنماط الجريمة المحلية والعابرة والمنظمة والخطرة، كل ذلك مثل تحدياً حقيقياً للأمن القومي السوداني، ولمواهجته لا بد من اعتماد استراتيجية أمنية شاملة ومستدامة تجمع بين الأمن الوطني والأمن الانساني والأمن الجماعي.

مراجعة كتاب تحديات الامن القومي السوداني بعد الحرب الباردة

يقع هذا الكتاب في ثلاثمائة وأربع وأربعون صفحة نشر في العام 2013 ،فهو كتاب ذو فائدة علمية ،يعتبر إضافة حقيقية للمكتبة الوطنية السودانية ، وقد اخترت تلخيصه وعرضه لعدة اعتبارات : موضوع الكتاب ، وما اشتمل من عناصر حيوية ، إضافة إلي أنني لم أجد كتابا افرد لدراسة الأمن القومي السوداني بالرغم من أهمية الموضوع. مما يزيد الكتاب أهمية انه من تأليف احد الباحثين في الدراسات الإستراتيجية والأمنية وله تجربة عملية في هذا المجال ،وزميل أكاديمية الأمن العليا ،وحصل علي درجة الماجستير في العلوم الإستراتيجية والأمنية ،ودكتوراه في التخطيط الاستراتيجي القومي ،وقدم عددا من الدورات التدريبية في هذا المجال .
امتاز كتاب المؤلف د. عادل حسن محمد احمد بأسلوب أكاديمي رصين ،ومتسلسل في ا فكاره ،ومتنوع في الموضوعات المطروحة ،ويقدم ملاحظته بكل وضوح .الكتاب في مجموعه حسب رؤية الباحث انه جاء شاملا لموضوعه ، معالجا لقضايا مصيرية للدولة السودانية . اتبع فيه المؤلف أسلوب المزاوجة بين المنهج التاريخي ، والمنهج التحليلي الوصفي يري الباحث ضرورة إتباع مثل هذا المنهج العلمي لدراسة موضوع الكتاب .

تناول المؤلف في الفصل الأول مفهوم الأمن القومي واختار التعريف الآتي كمدخل لصلب الموضوع الأمن القومي هو (الإجراءات التأمينية التي تتخذ لحفظ أسرا ر الدولة وتامين إفرادها ومنشئاتها الحيوية ، والقيمة ومصالحها القومية من الأخطار والمهددات الداخلية والخارجية ) في رأي الباحث إن هذا التعريف يمثل الرؤية الشاملة في دراسة الأمن القومي ، بعد إن كان محصورا في إطار ضيق لايتعدي المفهوم العسكري للأمن . وهو يشتمل علي كافة القضايا المتعلقة بأمن الدولة بدءا بأمن الأفراد ،وحاجات الإنسان الملحة انتهاء بقضايا الدولة ألكبري داخليا وخارجيا . وركز المؤلف علي مفاهيم ونظريات الصراع ، تناول في السياق نظرية بن خلدون التي تلخص في أسباب الصراع بين أهل البادية وأهل الحضر ، ويربط دائما هذه المسألة بالصراع بين السلطة السياسية والسلطة العسكرية ، بينما تلخص كارل ماركس إن الصراع منحصر بين الطبقات ، ومكونات المجتمع ، أما لويس كوسر يري أسباب الصراع بين الجماعات الصغيرة .
يري الباحث ان كل نظرية من هذه النظريات تفسر جانبا من حقيقة الصراع في السياقات التاريخية التي مربها أصحابها .

المؤلف يري إن ظاهرة الأمن القومي يعود إلي بدايات الحياة الإنسانية ، وتطور بتطور المجتمعات ، ليشمل جميع مناحي الحياة ، واستخلص في نهاية المطاف إن مفهوم الأمن القومي ينقصه الاتفاق علي تحديد مساره ، ومعالمه وتتجاذبه جلية القومي والوطني ، إلا انه ذهب إلي استخدام مفهوم الأمن القومي مرادفا لمفهوم الأمن الوطني . يري الباحث أن المؤلف وفق كثيرا باختيار التعريف الأمن القومي لذلك كانت مادة الكتاب جامعا لجميع موضوعات الأمن القومي ، وقد وافقه الكتور ميلودعامرحاج في كتابه الأمن القومي العربي وتحدياته المستقبلية ، كان من الضروري ايراد بعض المفاهيم التي لها علاقة بالأمن القومي مثل الأمن الجماعي ،الذي ظهر كأداة لحفظ الأمن ، بعد الحرب العالمية الأولي عبر منظمة عصبة الأمم ، والأمن الإنساني ، ونزع السلاح ، كما أشار إلي البعد الاستراتيجي للأمن القومي السوداني وتحدياته الداخلية كمشكلة الأقليات ، والخارجية كالتدخلات العسكرية .

في الفصل الثاني اهتم المؤلف بدراسة تحديات الأمن القومي السوداني في سياقه المحلي والإقليمي والدولي أعقاب الحرب ا الباردة ، وشمل الفصل علي موضوعات حيوية في نظر الباحث لأنها تمثل العمود الفقري للدولة مثل الامتيازات الاقتصادية لدولة السودان ، وامتلاك الموارد والأراضي الخصبة ، والنفط فهذه الأدوات الاقتصادية تجعل من السودان دولة قوية من بين دول القارة ، والوضع السياسي كان الهم الأبرز من عدة أزمات تعاني منها السودان . يري المؤلف الوضع السياسي بالسودان اتسم بعدم الاستقرار ، والصراعات والازدواجية خاصة العروبة والافرقة . في تقديري هذا الوصف لازم السودان منذ فجر الاستلال وما زال مستمرا إلي هذه اللحظة ، وهذا الوضع يؤثر في الأمن القومي السوداني ويعتبر مهدد خطير ، كما يساهم قضايا الحدود ، واتساع رقعة السودان بإحداث شرخ خطير في الأمن القومي السوداني ويفرز قضايا اللاجئين والنزوح المستمر عبر دول الجوار وآثارها الاقتصادية والاجتماعية ، والتهريب سواء للبشر أو للبضائع ، إضافة إلي البيئة الإقليمية والنظام الدولي ، والإرهاب. لخص المؤلف هذا الفصل مهددات الأمن القومي السوداني في مشكلة الهوية ، التي صاحبت تشكيل الدولة السودانية الحديثة ، ومشكلتي دارفور وجنوب السودان ، والخصائص الجيوبلتكية للسودان وتحريك أطماع الدول ألكبري ، والنزاع علي الحدود الجغرافية .

في الفصل الأخير بين المؤلف إستراتيجية الأمن القومي السوداني ويري إنها تجمع بين القوة المطلقة ، وبين الأخذ بالأسباب في عالم المشاهدة ، فهنا يربط المؤلف بين إستراتيجية الأمن القومي السوداني بالأمن الجماعي ، والأمن الوطني ، والأمن الإنساني .
يري الباحث أن المؤلف قد أجاد في صياغة الفصل الأخير حيث بني علي ما سبق من تعريف للأمن القومي حيث عالج موضوع الدراسة بمفهوم شامل . لابد من الإشارة إلي اهتمام المؤلف بالقوة الإستراتيجية الشاملة للدولة سياسيا واقتصاديا، واجتماعيا وثقافيا مع اعتبار الفرص ونقاط القوة من جانب ، ومن جانب آخر تحديد نقاط الضعف والتهديدات علي المستوي الداخلي والخارجي.

النور موسي احمد الدراسات الإستراتيجية ( الأمن القومي)

 

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button