دراسات سياسية

كتاب وامرأة – وليد عبد الحي

وليد عبد الحي

قدمت الكاتبة السعودية الدكتورة دلال بنت مخلد الحربي كتابا حديثا بعنوان صورة المرأة في رحلات الغربيين الى وسط الجزيرة العربية منذ مطلع القرن التاسع عشر الى منتصف القرن العشرين، والكتاب صادر عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الاسلامية في الرياض عام 2020.

تجمع هذه الدراسة بين علم الاجتماع الثقافي( مكانة المرأة في المجتمع النجدي) والتاريخ( علاقات الجزيرة العربية مع العثمانيين ومصر في فترة محمد علي) وأدب الرحلات( ما كتبه الغربيون عن المرأة في الجزيرة العربية) وتحليل الصور الذهنية التي تختزنها المجتمعات عن بعضها البعض. فالدراسة لها موضوع محدد هو” مكانة المرأة في الجزيرة العربية كما رسمها الرحالة الغربيون خلال فترة قرابة قرن من الزمن”، لكن الملفت للنظر ان هؤلاء الرحالة الغربيين ليسوا متخصصين جميعا في الدراسات الثقافية، فبعضهم سياسيون(سادلير) وبعضهم جيولوجيون( داوتي) ..الخ، وفي تقديري ان الصورة التي يرسمها هؤلاء للمرأة في الجزيرة العربية (البدوية والحضرية) لا تضيف للقارئ العربي اية معلومات ذات قيمة ،ولكنها تكشف صورة المجتمع العربي بشكل عام والمرأة بشكل خاص في مرآة الغربي. وقد اثارت الكاتبة بين الحين والآخر قضية مدى “موضوعية” هؤلاء الرحالة في نقل صورة المرأة العربية وتفاعلاتها مع مجتمعها الصغير(الزوج والاسرة) والمجتمع الكبير( المجتمع النجدي) وتفاعلها مع الغريب(بخاصة النصراني)، وبدت الكاتبة متقبلة احيانا لما يروي هؤلاء الرحالة، واحيانا متشككة في بعض الروايات واحيانا تصف بعضها بالخيالية، لكنها في أحيان اخرى كانت تميل لاعتبار بعض الصور التي ينقلها هؤلاء هي من قبيل ” العداء للاسلام” او الجهل بفهم العلاقات الاجتماعية في المجتمع النجدي(كما كان واضحا في موضوع تعدد الزوجات او سلوكيات بعض النساء مع الغرباء). ويكشف الكتاب من خلال القصص بعض مظاهر حياة الامراء والملوك السعوديين بخاصة في قضية تعدد الزوجات او نمط الحياة التي يعشنها زوجاتهم في القصور، كما تغطي قصص الرحالة ملابسات عمليات الغزو وانعكاسها على المرأة. وفي الأجزاء الاولى من الدراسة تعريف بمنطقة نجد وموقعها وبنيتها السكانية، مع التركيز على صفة الجفاف وقسوة الطبيعة، واستغرق هذا الجزء 37 صفحة من الدراسة . وتربط الدراسة من خلال مرويات الرحالة بين وضع المرأة والتعاليم الوهابية .

وقد استندت الدراسة لما رواه 28 رحالة( بعضهم برفقة زوجته)، لكن بعض ما ورد يثير الاستغراب في سلوك هؤلاء الرحالة ذاتهم، فمثلا تنقل الكاتبة عن تشارلز داوتي( صفحة 123) ان النساء البدويات كانت ترفض كشف وجهها، ويروي وقائع عن نساء حضرن لعلاج ” عيونهن”، بل ان احد اصدقاء داوتي حضر عنده لعلاج عين زوجته، ولكني بحثت في عدد من الدراسات عن السيرة الذاتية لداوتي فلم اجد اية اشارة الى تخصصه لا في الطب بشكل عام ولا في طب العيون بشكل خاص، بل هو شاعر وكاتب وتخصصه الاكاديمي هو علم الجيولوجيا الذي درسه في جامعة كامبريدج، فلماذا يذهب له الناس لعلاج عيونهم؟ وهنا استحضر ما كتبته المؤلفة في مقدمتها عن “تنكر بعض الرحالة في شخصية رجل دين او كاتب او طبيب ليتمكن من الوصول للمعلومات، أي كأن داوتي تخفى في شخصية طبيب ليلتقي بالنساء.

من جانب آخر، لم أجد مبررا لما ذكرته الكاتبة (صفحة 72-الفقرة الاخيرة) عندما تجنبت ذكر ما كتبه الرحالة عن سلوكيات بعض النساء بحجة ان وجهة نظر هؤلاء ” سلبية من الاسلام عامة ومجتمع الجزيرة خاصة”، وهو ما يعني انتقائية تقوم على نظرة لا تفرق بين ” لا حياء في العلم” وبين ” الاستثارة المفتعلة”، ووصفت ما ذكره الرحالة( دون ان نعرف ما هو وما قيمته لفهم وضع المرأة) بأنها ” نصوص تمس الاخلاق وتقدم صورة غير واقعية عن جوهر المجتمع النجدي”.

توزعت الدراسة على 4 فصول ومقدمة وخاتمة، بلغ متنها 180 صفحة،وتغطي ما دوَّنه الرحالة الغربيون منذ نهاية القرن18 بدءا من جون لويس مبعوث حكومة الهند البريطانية لوسط الجزيرة العربية حول مكانة المرأة وحياتها في هذه المنطقة ،وتحدد في مقدمة الدراسة دوافع الرحلات من سياسية او دينية او استكشافية وحب المغامرة ، وأوضحت الكاتبة ان دورها هو ترجمة نصوص غربية مختلفة دون تعليق منها الا في اضيق الحدود. وفي الفصل الاول “نجد والرحالون” تشير الى ان “نجد” هي آخر منطقة في الجزيرة اكتشفها الغربيون عام 1765، وتعرض تحالف محمد بن سعود ومحمد عبد الوهاب مع نشوء الدولة، و محاولات نابليون التواصل مع الدولة الناشئة، وكان الفرنسي لويس كورانسيه اول من كتب عن السعودية والوهابية، اما الرحالة البولندي جفوسكي فقدم وصفا جغرافيا وسكانيا للمنطقة خلال ثلاثين يوما استغرقتها رحلته، ثم تلاه فرانسو جومار ، لتتوالى الرحلات من قبل عدد كبير من الرحالة قامت الكاتبة بادراج اسمائهم في جدول ، وتشير الكاتبة الى وجود اخطاء في الوصف الذي قدمه الرحالة بسبب ” حذر النجديين” في تقديم المعلومات للاجانب،مما دفع بعض الرحالة للتنكر بشخصية رجل دين او طبيب او تاجر ثم تناقش روايات متضاربة حول موقف النجديين من المسيحية او “النصارى”. وتنتقل الدراسة الى ما نقله الرحالة عن الوضع السياسي والاجتماعي في نجد (الصراع مع محمد علي والعثمانيين والصراع مع آل رشيد. في الفصل الثاني تشرح “الاوضاع العامة للمرأة” من خلال ما نقله الرحالة القادمون من خلفية حضارية مغايرة ، ويتجلى ابرز توصيفات لوضع المرأة في بعدين رئيسيين : اعمالها وحياتها (سكنها وعلاقتها بزوجها(وتشير الى ان المرأة النجدية لا تودع زوجها في السفر)، اخلاقياتها ووسائل الترفيه وعادة التلصص على الرجال الى جانب بعض جوانب حياة نساء الفئة الحاكمة ، ثم تشير لبعض تناقضات روايات الرحالة في بعض الجوانب، ثم تنتقل لدور المرأة في الحروب، و تشير للتشابه والتباين بين المرأة الحضرية والبدوية،فالثانية اكثر شقاء بسبب التنقل المستمر، ،اما اعمالها فتشمل نصب بيوت الشعر،الرعي،غزل العباءات وبيوت الشعر،ممارسة البيع احيانا، نقل الماء(الرَّواية) ثم اطعام المواشي، كما تشير لادوار متنفذة لبعضهن ، اما دورها الحربي في الغزو او للسيطرة على مراعي او آبار، فكان في التموين وعلاج الجرحى وقد تضطر لحمل السلاح ، وتشير لدور ” العطافة والحدائية ” التي يحرسها فرسان القبيلة ومهمتها حث المحاربين ” مع الاشارة الى ان البدوي يحرص على عدم التعرض للنساء، وعند عرض بعض الوقائع من قبل الرحالة لحالات غزو وما جرى فيها نجد الكاتبة تؤكد بعضها وتتشكك في البعض الآخر وتصف البعض منها “بالخيالية”. في الفصل الثالث تركز الباحثة على تجميع ما رواه الرحالة عن العادات والتقاليد،مثل 1-الزواج(وتبرز مسالة اولوية ابنة العم بدافع النقاء العرقي وبقاء قيمة المهر بين افراد الاقارب،وتشير الى حالات ” التحجير” أي منع الفتاة من الزواج من شخص غير ابن العم، ويصف الرحالة المهر وتحديده بأنه اقرب الى الصفقة التجارية.ثم تتوالى عروض احوال المرأة (اعادة المهر احيانا، التثبت من عذرية الفتاة ،وعروض الزواج للمرأة بطريقة مهينة ،وعرض الصور الذهنية لكل من البدوي والحضري تجاه بعضهم البعض والتي يغلب عليها التعالي من كل منهما تجاه الآخر.) 2- تعدد الزوجات، ويتم ابراز الفارق في الموقف من الزوجة بين البدوي(يراها زوجة ورفيقة) والحضري (يراها متعة) لذلك هناك تعدد لدى الحضر اكثر من البداوة، مع ان البعض يفسر التعدد تفسيرا اقتصاديا(القدرة المالية على التعدد)، ثم تبدي الكاتبة تحفظا على فهم الرحالة للتعدد وخلطهم بين الزوجات والسراري، كما تروي قصصا عن حالات تستحق التأمل مثل زواج الملك عبد العزير من حصة السديري وطلاقه لها ثم زواجها من اخيه الذي طلقها بدوره ليعود الملك عبد العزيز لزواجها ثانية، او قصص عن انتقال الزوجة من المهزوم في الحرب الى المنتصر، ثم المظهر العام للمرأة والذي يتوخى “الحشمة” في اغلب قسماته، ويقدم هذا الجزء وصفا لغطاء الوجه( الحضر يستخدمونه اكثر من البدو) ،والملابس ثمينة لكنها تفتقد الذوق، ووصف ملابس وحلة نساء الفئة الحاكمة من ذهب ولؤلؤ وفيروز ، ويصل الى حد تقديم وصف تنمية شعر النساء بواسطة “بول الإبل”، ويتركز الفصل الرابع في عرض صور فوتوغرافية من الرحالة عن الحياة في نجد وشرحها، وتطالب في خاتمة الدراسة بنشر التاريخ المحلي للمقارنة مع اقوال الرحالة.

لما كانت الكاتبة قد نبهت في مقدمة كتابها أنها لن تتدخل في نقد نصوص مادتها المترجمة الا عند الضرورة(البند 2 صفحة )  وانها “أعادت الترجمة” لنصوص الرحالة(البند 1 صفحة ) فاننا امام دراسة يغلب عليها الترجمة اكثر من غلبة القراءة النقدية والتحليل الاجتماعي الثقافي او حتى الانثروبولوجي. واعتقد ان تحديد مهمة الكاتبة بالشكل الوارد في صفحة 8 يجعل مادة الكتاب متسقة بقدر كبير مع عنوان الكتاب وهو”صورة المرأة في رحلات الغربيين الى وسط الجزيرة العربية”، فهي ناقلة ومترجمة أكثر منها ناقدة ومحللة.

وقد نجحت الكاتبة في ايصال تفاصيل صورة المرأة النجدية التي رسمها الرحالة الغربيون من خلال تقسيم منهجي واضح: بدأت بعرض البيئة الطبيعية وحددت السمة الأكثر وضوحا ( الجفاف والقسوة) ثم انتقلت لاوضاع المرأة العامة( السكن، مكانتها في الاسرة، علاقتها مع الرجل القريب او الغريب،المقارنة بين المرأة العادية والمرأة المنتمية للفئة الحاكمة،وسائل الترفيه، ممارسة العبادات بخاصة الصلاة..الخ، ثم اعمالها ودورها في الحرب، ثم طقوس الزواج والطلاق وتعدد الزوجات..الخ.) ثم دعمت ما نقلته كتابة بوسائل الايضاح المتاحة حينها(للرحالة الغربيين) من صور توضح قدر الامكان بعض ما ورد في صفحات الدراسة.

لكني كما اشرت سابقا، ارى ان القيمة المعرفية للقارئ العربي محدودة للغاية نظرا لانه يعرف ما ورد في الدراسة ، كما انها اقل قيمة معرفية للمتخصص ، لكنها قد تنبه القارئ العربي الى نقطة محددة وهي ” ما الذي يلفت انتباه الغربي في حياتنا العامة؟ ولماذا ركز على كذا او تجاهل كذا؟ وما مدى موضوعيته؟.

اما تقسيم الدراسة كما اشرت ، فارى انه تقسيم تقليدي يمكن لاي طالب ان يضعه في بحوثه الاولية.

أما تدخلات الكاتبة –وهي كما وعدت في المقدمة قليلة- فقد شعرت احيانا بأنها ” نزقة” وفيها نوع من الاتهام للرحالة دون التعامل مع الامر بموضوعية اكبر، ومثال ذلك ما اشارت له عن تجاوزها لما ورد من نصوص حول السلوك الجنسي لبعض النساء النجديات كما اورده الرحالة الغربيون(وهي تشير الى ما ورد في كتابات دواتي وسادلير وغيرهم)، وتبرر تجاوزها بان ” الفسوق شان انساني تعيشه المجتمعات كافة في كل العصور”، ولكن لو عادت الكاتبة الى ادبيات الموضوع العلمية لوجدت ان السلوك الجنسي له صلة وثيقة بثقافة المجتمع وفهم منظومته القيمية، وبالتالي فانها لم تتعامل مع الموضوع من زاوية لا حياء في العلم، ويمكن العودة للمرجع التالي لتاكيد الفكرة:

Peter Aggleton and Richard Guy Parker-Culture, Society and Sexuality .Psychology Press.1999

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى