تحويل التهم والإدارة القذرة للسياسة الإقليمية

عامر مصباح
جامعة الجزائر 3
عُرِف في تراث الفكر الاستراتيجي مصطلح “تحويل المسئولية Buck-Passing” والتي تعني الاستراتيجية المتبناة من قبل رئيس الوزراء البريطاني نفيل شامبرلاين في ثلاثينيات القرن العشرين، المتضمنة تحويل مسئولية احتواء التهديد الألماني إلى فرنسا وذلك من أجل تفادي الآثار الاستراتيجية وتكاليف المواجهة العسكرية المميتة مع هتلر، وقد ظهر ذلك بجلاء في مؤتمر ميونيخ عام 1938 عندما استجاب شامبرلاين لمطالب هتلر في ضم المقاطعات الناطقة بالألمانية في الدول المجاورة.
على العكس من ذلك، اشتهر في السياسة العربية (أو بالأحرى السياسة الخارجية لبعض الدول العربية) “تحويل التهم” الخاصة بأعمال قذرة نحو دول وجماعات أخرى مستضعفة من أجل تفادي تحمّل الأعباء والتكاليف المؤلمة المحتملة للأفعال المرتبكة والطرق القذرة في إدارة الملفات الأمنية في المنطقة. منذ أحداث الربيع العربي عام 2011 التي عشناها بالصورة والصوت والمشاعر والآلام، رأينا دولا موّلت وشجعت الجماعات المتطرفة بالمال والسلاح وجذبتها من كل أنحاء العالم من أجل الانخراط في الحرب في سوريا وليبيا واليمن. وهي نفس الدول التي قامت بتأجيج الصراع المذهبي وتمويل الجماعات لإذكاء الحرب الطائفية في العراق، وتمويل تنظيم داعش وعشرات الجماعات الجهادية في المنطقة. إلى درجة أنه عندما صدرت إشارات من إدارة أوباما عن التراجع عن الإطاحة بنظام الأسد عشية مؤتمر جنيف1، قال أحد وزراء خارجية هذه الدول أننا سنستمر في دعم الثورة السورية حتى ولو امتنعت الولايات المتحدة عن ذلك.
بعد أن حصدت الحرب الطائفية والحرب بين الجماعات المتشددة والحكومات مئات الالاف من الأرواح ودمرت المدن الكبرى والقرى في كل من سوريا والعراق (حلب، الرمادي، الموصل، حمص، تدمر…)، انتهت مدة صلاحية هاتين الأداتين في إدارة شؤون السياسة، لكن استمرت آثارها الأمنية وأعباؤها وتكاليفها القضائية والاجتماعية والسياسية؛ ولابد من تحويلها في شكل تهم إلى دول وجماعات أخرى. إذ جندت تلك الدول الآلة الإعلامية من أجل إقناع العالم ككل بأن جماعة الإخوان المسلمين وقطر وحتى تركيا بأنها دول تدعم الإرهاب والتطرف في المنطقة، الذي يضرب العواصم الغربية؛ وذلك من أجل غسل ذممها أمام الرأي العام الدولي من أي علاقة بالإرهاب؛ ومن أجل زيادة التأكيد على ذلك دعت بعض هذه الدول إلى إقامة نظام علماني، بمعنى تبني المقاربة المتطرفة من أجل التخلص من شبهة الارتباط بتلك الجماعات التي مولتها بالمال والسلاح ووفرت لها الملاذات الآمنة.
آخر صيحات تحويل التهم، رمي جماعة الإخوان المسلمين بالطائفية، والتطرف وتأجيج الصراع المذهبي، في حين أن الدعاة الأوائل في أوائل ثمانينات القرن العشرين للحوار السني الشيعي، والحوار القومي-الإسلامي كانوا من علماء الإخوان المسلمين مثل محمد الغزالي ويوسف القرضاوي وغيرهم كثير.
صحيح أن أحد أهداف التخلص من تهمة الطائفية والمذهبية وترحيلها إلى جماعات ودول أخرى، هو تمهيد الطريق للحوار مع إيران والجماعات الشيعية الأخرى بعد اليأس من ربح الحرب الأهلية في سورية والعراق واليمن؛ ولكن من الخطأ ممارسة السياسة على حساب تعميق الهشاشة المجتمعية داخل المجتمعات. إن ترحيل التهم من أجل تفادي الأعباء الأمنية والملاحقات القضائية سوف يزيد في تفتيت المنطقة وتعزيز النزعة الاستبدادية ويعمق التطرف كنسق مجتمعي.
للإشارة فقط، أن الملف القادم في الإدارة القذرة لشؤون السياسة الإقليمية هو إذكاء الصراع الاثني بين العرب والأكراد والأتراك في الشرق الأوسط، من أجل إضعاف كل من إيران وتركيا.

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button