تعنت الموقف الأثيوبي بين السياسة والتاريخ : هل الموقف الأثيوبي تجاه سد النهضة مرجعه سياسي أم تاريخي؟

بقلم  : محسن الكومي – المركز الديمقراطي العربي

ملخص:

لم يكن التاريخ يوما للتندر ورواية القصص بلا طائل أو درس مستفاد ، بل يعد التاريخ من أهم مصادر التعلم والتي تعطي دروسا بالغة في كيفية العمل واتخاذ القرارات في الأوقات المختلفة ، وإن المتطلع إلى معرفة البدائل وطرق الإختيار في قضية ما  ،يجب عليه أن يضع التاريخ نصب عينيه عله يجد فيه ما قد يساعده على اتخاذ القرار وإعادة تقييم الأشخاص والاتجاهات والمواقف .ووفقا لما بينه أحد المفكرين والساسة المصريين في مقابلة مع قناة الجزيرة إذا يقول : ” إن الشعب المصري لا يدري ولا يعرف ما هو السر وراء التعنت الأثيوبي إن موقف أثيوبيا غير مبرر وما زال المصريون لا يعرفون له سبب (مباشر، تداعيات سد النهضة ، 2021). ولعل البحث الذي بين أيدينا سيوضح إن الموقف الأثيوبي والذي لا يخفى على الكافة من حيث التعنت والمراوغة واستمرارهم في التعامل البغيض في قضية سد النهضة ، وجدولة أعماله وفق ما خطط منفذوه الداخليون أو معاونوهم الخارجيون ،ليؤكد على أن مسار الأحداث الحالية وتعامل الأثيوبيين مع مشكلة السد إنما له علاقة بتاريخ مضى وأن المراقب  للموقف الأثيوبي حاليا  يوقن بأن خطواتهم لابد وقد مرت على عتبات التاريخ الماضي في بلادهم وعلاقتهم بالعرب والمسلمين ،وربما قد حرك مواقفهم التاريخ ذاته ، لينهجوا نهجا شيطانيا معاديا  للكافة ،كما نهجه أسلافهم من ملوك وحكام حبشيين أختاروا طمس الحقيقة وتغيير الواقع ، ليظهر لنا التاريخ مدى الحقد الدفين والغل المتوارث، ولعل في البحث الذي بين يدي القاريء ما قد ينبيء عن هذا ويبرهن صحته .

مقدمة :

لا تزال حروب المياه والتحكم في منابعها وكيفية تصريفها ، طريقة للغلبة بين الشعوب فما كان يحدث قديما قبل الميلاد من حروب حول تحقيق الاستقرار المائي  للقبائل ، ما زال يحدث الأن وفق مستحدثات العصر . ومن المشهود الفترة الحالية ما تقوم به أثيوبيا من مراوغات عديدة وتعنت واضح  وما لبثت تلك  المراوغات أن تتحول إلى صد علني ، ولربما وجدث أثيوبيا في هذ السد فرصة لممارسة الضغوط على دولتي المصب ،ومع اقتراب أول يوم للملء الثاني لسد النهضة حسبما حدده الجدول الزمني لملء السد ،يجد المراجع للموقف الأثيوبي أنه أكتسى قوة غير متوقعة وخاصة بعد أن أعلن  الموقفي المصري والسوداني ومدى اعتراضهم على الأسلوب المتبع مظهرين قلقهم وتخوفاتهم في محاولات بائسة لإعادة هذا الجانح “أثيوبيا” إلى رشده ، والذي حار المحللون في صلابة موقفه ودعائمه ، ولربما في هذه السطور نقف على الإجابة الحقيقية  للسؤال الهام  ما هي عوامل ومقومات قوة الموقف الأثيوبي ؟ وهل الموقع الجغرافي والذي مكن الأخير من امتلاكها لزمام المياه يجعلهم يقفوا هذا الموقف المتعنت ،وهل هناك جذور تاريخية تعود إليه صلابة الموقف وقوته وهل يلحظ الدور الأسرائيلي وقد تداخلت مطامعهم مع الرغبة الأثيوبية الظاهرة والمعلنة في التطوير لمواردها ؛ ولما نقول الظاهرة والمعلنة ؟

إن الأسانيد التاريخية تشير  نحو المواقف الأثيوبية السابقة والتي تشي بحقد متنامي في الداخل  الأثيوبي وخاصة أن أثيوبيا بدأت في عملية تجييش شعبي في حشد متوالي  ويمكن القول بأن أثيوبيا قد وجدت ضالتها في سد النهضة لتقوم بالانتقام التاريخي من مصر والسودان  والمسلمين عموما في حين أن اتخاذ مصر والسودان لأسلوب المناشدة للجانب الأثيوبي لدفع الأخيرة على العودة إلى التفاوض بجدية وأن تبدي حسن النية الحقيقية لم يفي بالغرض المطللوب ،بل شككت أثيوبيا بمطالب مصر والسودان في الاحتكام لمجلس الأمن معللين ذلك بأن مجلس الأمن يخص قضايا السلم والحرب لا قضايا التنمية ،فكيف له أن يتدخل في القضية ، لكن ما زالت المطالب موصولة بين دولتي المصب  من أجل التوصل لاتفاق شامل وعادل وملزم قانوناً حول ملء وتشغيل سد النهضة.  ولكن السؤال هل ما دار في الماضي قد تستدعيه أثيوبيا في صراعها على مياه النيل مع دولتي المصب ؟

إشكالية البحث في الإجابة على الأسئلة الأتية :

تتركز إشكالية البحث من خلال عرضه الوصول إلى إجابات حول السؤالين الآتيين:

  • من أين تستمد أثيوبيا موقفها الحالي ؟
  • هل ما تفعله أثيوبيا اليوم له جذور تاريخية ؟

فروض البحث :

يناقش البحث فرضا واحدا ساعيا في عرضه للإجابة عن مشكلته الرئيسة وهي :

  • التعنت الأثيوبي ليس مراوغة سياسية بل هي الفرص التي حانت للأثيوبيين  ليعاودوا السيطرة والانتقام تلبية لمطامع قديمة لها جذورها التاريخية  .

أهداف البحث:

يسعى البحث إلى عدة أهداف منها:

  • بيان المصادر الأصيلة لقوة الموقف الأثيوبي
  • مراجعة وكشف المحاولات والتهديدات الأثيوبية القديمة ومحاولات النيل من العرب والمسلمين قديما  .

منهج البحث :

يسير البحث وفق منهج التاريخ  حيث يعرض وقائع التاريخ التي تعبر عن صدق الفرضية من خلال الوصف للحالة وعلى أثرها التحليل للموقف وااستنباط نتيجة المواقف للبرهنة على صدق الفرضية

خطة البحث : تتشكل خطة البحث في مبحثين

  • المبحث الأول : دعائم الموقف الأثيوبي
  • المبحث الثاني  :  متى فاءت الحبشة  لرشدها ؟

المبحث الأول :

دعائم الموقف الأثيوبي :

شكلت عدة عوامل مختلفة قوة الموقف الأثيوبي منها ما هو حديث وفق مجريات الأحداث في دولتي المصب ، ومنها ما هو راجع إلى قوى خارجية ، ومنها ما هو راجع إلى جذور تاريخية  تشي بحقد دفين على الجانب الأثيوبي والذي يدفع دوما إلى تزكيته وإنماءه في الداخل لدى عموم الشعب الأثيوبي ، ويعتبر العامل الأخير هو العامل الأساسي والتي تعتمد عليه أثيوبيا الأن بعد فراغها من عملية التصميم وبدء الملء الفعلي ، وتحييد الأتحاد الأفريقي تجاه القضية ، وهذا كان واضحا فيما تناقله الداخل الأثويبي للعلن في إظهار الشعب الإثيوبي لدعمه وتضامنه الكاملين خلال مراحل البناء المختلفة ، ومثل شعار “صوتنا لسدنا” (rt, 2020) والذي احتشد حوله الآلاف بساحات وشوارع أديس أبابا لإظهار الدعم لبناء السد والذي ذكرت عنه وكالة الأنباء الأثيوبيه أن الشعب قد ساهم بما مجموعه أكثر من 13.6 مليار “بر” أي ما يوازي 3,1 دولار وهذه المساهمة شكلت جانبا من قوة الموقف الأثيوبي أم الجانب الأقوى في الحشد والتعبئة الشعبية خلف السد فتمثلت في تنمية الجانب التاريخي لدى الأثيوبيين .

لم تكن التعبئة الشعبية تجاه فكرة السد إلا نتائج تاريخ قديم قد بدأ المؤرخون الأثيوبيون  في إخفاء معالم كثيرة منه بغية التأثير الشعبي ،فقرروا إنكار وإخفاء  ما لا يعجبهم اشتهاره ، من مواقف وشخصيات مؤثرة في التاريخ الأثيبوبي ،فعلى سبيل المثال نجد حقبة ما بين القرن السابع إلى الثالث عشر فقد تم تخطيها من جانب مؤرخي أثيوبيا المتحاملين درجة أن أسماها البعض ” العصور المظلمة” .لم يكن الانكار والتشوية سبيلهم بل كان التحريف والتزييف للتاريخ منهجا متكملا ومثال ذلك ما قام به أحدهم ” مؤرخ أثيوبي كان مع الملك  عمداصيون في حروبه  ضد المسلمين فقد وضع  كتابا أسماه ” الانتصارات الباهرة لعهد الملك عمدا صهيون ملك أثيوبيا” (البوراني) وقد سطر معارك هذا الملك ضد المسلمين والذي قتلهم وأحرق مساجدهم .

التاريخ الأبيض للحبشة :

لم تكن الحبشة حدثا عابرا في تاريخ البشرية أو بلدا ناشئة بفعل تقسيمات الاستعمار أو المطامع الغربية في بلاد العرب وافريقيا ، لا بل إن تاريخها يقارب تاريخ الحضارة المصرية فهو أول تاريخ بعد الحضارة المصرية القديمة ولذا فهو أقدم من اليونان وغيرهم وهذا ما تحدث عنه الشيخ احمد الحنفي الأزهري في كتابه حيث قال : “وبلادهم من أقدم بلدان العالم بعد البلاد المصرية ولها بمصر أهمية أوجبتها لها علاقات الجوار وامتياز البلدين بوجود يتعدى عهد قديم الزمان ويسبق ما على لنا من اليونان والرومان وغيرها من الأمم الخالية والشعوب البالية ”  (الحنفي) هذا هو تاريخ الحبشة وعودا إلى ما هو أسبق من سد النهضة وقضيته ؛ فإن اليد الناصعة البيضاء للحبشة بدأت منذ التوجه النبوي الشريف في الحفاظ على لبنة هذا الدين ؛ حيث الحبشة أول قطر في العالم يستقبل أول بعثة مسلمة والذي احتمى بها ، وظل فعل النجاشي ورغبته في احتضان المستضعفين من المسلمين عندما قصدوه مهاجربن إلى الحبشة أثر توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لهم ظلت هذه النصرة مثالا يحتذى به في حالات النصرة المختلفة ؛ ، وعلى الجانب الآخر كانت ردة فعل المسلمين تقديرا  لفعل النجاشي في المناصرة  ردا جميلا بدءاً من النبي صلى الله عليه وسلم إذا يقول في حديثه الوارد بسنن أبي داوود والنسائي <<دَعُوا الحبَشَةَ ما دَعُوكمْ، واتْرُكُوا التُّرْكَ ما تَركُوكُم>>  (٣٣٨٤) وقال حديث  حسن ؛  ولذا ذهب الامام مالك بعدم جاز ابتداء الحبشة بالقتال كل هذا تقديرا لموقف نصرة النجاشي للوفد المسلم الأول في تاريخ الاسلام ، ولقد حسن النبي فعلهم وذكرهم في حديثه الصحيح عن مناقبهم وعلى راسهم بلال بن رباح  ففي الحديث عن أنس بن مالك << أنا سابقُ العربِ، وصُهَيْبٌ سابقُ الرُّومِ، وسَلْمانُ سابقُ الفُرْسِ، وبلالٌ سابقُ الحَبَشِ >> السيوطي (ت ٩١١)، الجامع الصغير ٢٦٨وقال حديث صحيح ، ومن فضائل النجاشي أيضا أنه دعا  قومه للإسلام وأسلم ولده والذي خرج معه خمسة وستون مسلما جديدا من الحبشة لكنهم غرقوا جميعا شهداء بسفينتهم وهم في طريقهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، وعندما عاد جعفر إلى المدينة كان معه سبعين رجلا من الأحباش المسلمين  .

جذور التعنت الأثيوبي  :

حتى لا يقال أن قصص التاريخ لا يمكن أن تكون حكما في قضايا سياسية مصيرية حالية كسد النهضة ، لكن ربما يدلل التاريخ وينبيء عن ما لم تكشفه النويا ،خاصة أن الموقف المصري والسوداني للأن يتحدث عن حسن النوايا وأنهم كانوا يختبرون حسن النوايا لدى الجانب الأثيوبي عندما وقعوا جميعا على إعلان المباديء لذا كان من الضروري لنا أن نعاود صفحات التاريخ ،فلربما وجدنا في التاريخ ما يثبت حسن النوايا أو ينفيها .

حركت المحاولات النجاشية الراقية في استضافة الوفد المسلم الأول  مشاعر رجال الكنسية داخليا تجاه الإسلام ، فلقد ذكر ابن اسحاق في سيرة بن هشام أن القساوسة والرهبان عارضوا النجاشي ووقفوا ضده حيث تمردت عليه ثلة من الناس فقالوا :”إنك فارقت ديننا وزعمت أن عيسى عبد فخرجوا عليه ” ،هذا الموقف صار مسارا لتجييش الأجيال المتعاقبة تجاه المسلمين حيث ما زال القساوسة يذكرون أهليهم الحبشيين بالاستعمار الإسلامي وأن فعل النجاشي قد أصابهم بالضيق والضجر ، حتى أنهم أنكروا اسلام الرجل أصلا ، وهذا أصبح واضحا في عدم رغبة الأثيوبيين في قبول كلمة “حبشة” الأسم صاحب الجذور العربية لأنهم يرون أنفسهم من سلالة سليمان الحكيم وأنهم شعب الله المختار ولذا فهم يريدوا قطع كل ما له صلة بالعرب لأن ذلك في تصورهم السخيف والقاتم يذكرهم بالعبودية والرق ،حتى قالوا :أن العرب أطلقوا لفظة حبشة من قبيل الازدراء والاستخفاف بنا، وأما لفظة أثيوبيا فقد أطلقت على هذه البلاد في عام 1941 بعد أن نالت حريتها من الاستعمار الإيطالي فأول مرسوم ملكي لهيل سلاسي كان هو :الأسم الرسمي للدولة “أثيوبيا” والذي يرجع في معناه إلى لفظة إغريقية ومعناه الوجه المحروق (ويكبيديا) تلك الرقعة الجغرافية والتي فقدت ساحليتها حين انفصلت ارتيريا عنها  .

إن مملكة أكسوم القديمة بالحبشة والتي كانت مهابة ولها وقع شديد في نفوس حكام الممالك الأخرى ، درجة أنها وصلت في غاراتها على القبائل إلى جنوب الجزيرة العربية ثم لما دخلت في النصرانية ازداد الطمع أكثر في نفوس الحبشيين النصارى ومع هذا التحول المتعصب بدأت تظهر علامات الاضطهاد داخل وخارج الحبشة ولم يكن المشهد السياسي مقتصرا على أكسوم وحدها ، بل كانت تنافسها داخل الحبشة مجموعة من الوثنيين واليهود جمعوا بعضهم ليكونوا منافسين لمملكة أكسوم ولذا لم يكن دخول الإسلام إلى الحبشة بهذه السهولة وهذا ما تؤكده المصادر كما في كتاب “انتشار الاسلام في الحبشة آثاره وأبعاده” لـ محمد بن حامي البورني (البوراني)  (ص493- 2015)  . إن ممكلة أكسوم القديمة ظلت تسيطر على اليمن طيلة سبعين سنة إلى أن خارت قوتها وتزعزع سلطانها .

مواقف سوداء.

في ظل هذا التاريخ الناصع واليد البيضاء لأول بلد بالعالم يتشرف باستقبال أول وفد رسمي يحمل نور الاسلام وما تبع تلك الاستضافة  من حراك إيماني بدأ بإسلام النجاشي ذاته وأسرته كما تقدم ، ولكن تبدلت المواقف وبدأت تغيرات تجاه الإسلام وفتوحاته العظيمة شمالا وجنوبا شرقا وغربا ، رغم تراجع مملكة الحبشة وانزواءها على نفسها بعد ضعف ممالكها، وتركها للبلاد المسيطرة عليها من قبل ومن ذلك مملكة “زاغوي الأغوية ” والتي لم تستطع مجابهة قوة المسلمين ولكنهم اتجهوا إلى الداخل فكان التنكيل والمضايقة للمسلمين ومنها :

  • مضايقة المسلمين من أهل مدينة “لاليبلا” والبالغ عددهم عشرين ألف مسلم واضطروا للجلاء واحتل النصارى ديارهم وعرف المكان “بشيمشي”  والذي بني عليه المطار الحالي حيث كان مقرا لعشرين ألف مسلم من أهل تلك المدينة .
  • اعتراف الملك يجباصيون للسلطان الناصر بن قالوون بما فعله أبوه وجده من تنكيل بالمسلمين ، كان أعترافا صريحا حينما أرسل له كتابه يطلب منه أن يرسل “مطرانا” من الكنيسة المصرية يقوم بالعبادة في الكنيسة الحبشية وأنهم آسفون تماما عما سلف من آباءهم وأجدادهم تجاه المسلمين (البوراني)
  • اتخذ الملك سيف أرعد تدابير صارمة تجاه المسلمين وقام بإعدام كل من أبى أن يدخل في النصرانية وخلفه على نفس المنوال ولداه “نوايا ثم داوود” في سلاسل حربية على المسلمين ، درجة أن أول ما قويت شوكة بلادهم وتدربوا على آلالات الحربية الجديدة فهداهم تفكيرهم المعوج إلى الإغارة على المسلمين بالداخل الحبشي
  • أرسل “زار يعقوب” ملك الحبشة إلى السلطان “الظاهر جقمق” (المعرفة، 2008)في مصر رسالة قوية باللغة العربية فيها من اللطف جانبا بما تحمله من تعظيم للسلطان وهدايا عديدة ،ومن قساوة القلب وغل الصدور جوانب كثيرة  حتى ذكر فيها”  أنكم أيها السلطان وما تبعكم من مسلمي مصر  تعاملون النصارى لديكم بغلظة ولا تسمحوا لهم بالعبادة وتمارسون إذلالهم حتى قل عددهم وهدمت كنائسهم في حين أننا في بلادنا قد ورثنا عن آباءنا الملوك أن  نكرم المسلمين ونرفع من مساجدهم حتى أصبحوا كثرة تفوق أعدادنا نحن في بعض الأماكن عكس ما تفعلونه بمصر فاعلموا ما يجب عليكم فعله ولا يوجد عذر بعدها تبدونه ” كان هذا الخطاب فيه من الكذب والتلفيق وانكار الحقائق ما يؤكد على تعنتهم وكذبهم الدائم بل مخالفة الحقائق وتبديل المواقف ، وعلى أثر ذلك أرسل السلطان رسالة قوية زادت من ضيق ملك الحبشة فقام بمحاربة المسلمين في الداخل الحبشي وقتل قائد مملكة الملسمين بالحبشة  “شهاب الدين ” وعرضت جثته على وفد السلطان الظاهر ممن دفع السلطان إلى أن يرسل لبطريق الكنيسة في مصر معنفا له مما فعله ملك الحبشة بالملسلمين مقارنة منه لما يقدمه من دعم وتقدير للنصاري والكنيسة بمصر ، دفع البطريق أن يرسل رسالة مع رسول من المسلمين  إلى ملك الحبشة يناشده بحسن معاملة المسلمين إلا أن الملك حبس هذا الرسول اربع سنوات ولم يرسله إلى مصر إلا بعدها .
  • الرحالة المشهور ” فاسكوا دي جاما ” 1499 (العقيقي، 1963) والذي يرجع إليه اكتشاف رأس الرجاء الصالح ما هو إلا مستعمر برتغالي أرسل لنشر المذهب الكاثوليكي بالحبشة وقد أوفده ملك البرتغال إلى الحبشة للتقارب بينهما والاتفاق على قتال المسلمين، حيث الهدف المشترك ،والدوافع الدينية القديمة .
  • في عام 1515 أرسل ملك البرتغال إلى ملك الحبشة مبعوثا يطالبه بالتحالف على اعتباره أنه ملك نصراني في المقام الأول وأن الهدف للجميع واحد وهو محاربة المسلمين وفي عام 1520 بدأت علاقات التقارب بين البرتغال والكنيسة الحبشية  زاد ذلك من التحالف بين ملك الحبشة والبرتغال ضد المسلمين
  • 1522 بعث ملك الحبشة “داوود” رسالة طويلة إلى ملك البرتغال يثني عليه وعلى حروبه الشديدة ضد المسلمين في البحر الأحمر في مدن “عدن وجدة وزيلع والمحيط الهندي” وطلب منه المدد بالحرفيين والبناءين المهرة لتشييد الكنائس .
  • 1522 يرسل الرسالة الثانية والتي بعثها ملك الحبشة أيضا إلى ملك البرتغال معزيا إياه في وفاة والده ويطلب منه التوجه إلى بيت المقدس “أورشليم” كما كانوا يطلقون عليها سابقا ، حتى يخلص البرتغاليون القدس من أيدي الكفرة ” قاصدا المسلمين “
  • 1540 الملكة ” هيلانة” بعد استقرارها في الحكم خلفا لزوجها في مملكة ” أمحرا” تلك المملكة التي ناصبت المسلمين العداء سنين طويلة لتأتي هذه أرسلت رسالة إلى ملك البرتغال بأن الدعم غير كافي لبلادها وأنها تطلب علاقات أوثق فعرضت تزويج البرتغاليين من الحبشيات والعكس، وبالتالي تضمن  تقوىة الدولة وتشتد ضد المسلمين وممالكهم ، إلا أن استجابة البرتغاليين لهذ المطلب كان ضعيفا جدا لتحاشي البرتغاليين هذا الأمر إلا القليل منهم ، وهذا ما سطره الكاتب الأسباني  “مارمال كاربخال” في كتابه ” أفريقيا” على عكس المسلمين لما وطئت أقدامهم الحبشة تزوجوا منهم وزوجوهم .

المبحث الثاني  :

متى فاءت الحبشة  لرشدها ؟

إن حركة ملوك الحبشة المتعددة تجاه المسلمين لم تتغير سياستها وإنما كانت متحولة حسبما الواقع والمفروض على الأرض

  • بعد سلسلة من التنكيل والاضطهاد ومحاولة الإيقاع بالمسلمين فرادى أو جيوشا والتي استمرت حوالي أربعة قرون لم يجد الحبشيون بدا من مصالحة المسلمين ومعاودة الدفة إلى وضعها الطبيعي كان ذلك نتيجة الصراع الدائم بين الكاثوليك والأرثوذكس مما ضعفت على أثره البرتغال بمساعيها المسمومة مع ملوك الحبشة لتتفوق دفة المسلمين ، مما دفع ملوك الحبشة إلى العودة مرة أخرى للمسلمين في عام 1648 بل منع مرور أي برتغالي قسيسا كان أو رجلا عاديا من دخول الحبشة ، مما سهل للدعاة والتجار المسلمين أن يخالطوا الوثنيين ليجدوا من المسلمين دماثة وحسن الخلق والجوار فاعتنق الاسلام قبائل وثنية كثيرة ، حتى قال المؤرخ “مانويل دالميدا” الذي عاش في الحبشة في تلك الأثناء :إن عدد المسلمين بالحبشة أصبح الأن يفوق عدد النصارى ، ذلك أن الوثنيون وقتها كانوا نصف عدد سكان الحبشة كلها على اختلاف دياناتهم.
  • ولما استفاقت الكنيسة من صراعاتها المذهبية عام 1667 ،بدأت يستفيقوا على هول ما وصل إليه الإسلام في افريقيا وتحديدا الحبشة وحينها بدأ التنكيل مرة أخرى والتضييق على الكافة بما فيهم يهود الفلاشا ونال المسلمون قسطا كبيرا من هذا التضييق ، فعزلوا ببلاد مستقلة عن بقية الحبشة ،وحرموا من أراضيهم مما دفعهم للعمل بالتجارة فكان له أثر بالغ في الانتشار وتملك رأس المال ، بل وجد التجار المسلمون ضالتهم في التجارة حيث سعة الرزق وفرصة الاحتكاك الطبيعي بالحبشيين من كافة المذاهب الدينية لنشر دعوة الإسلام بينهم.
  • في عام 1878 قام الملك يوحنا الرابع (ديورانت، 1988) وغير من طبيعة الحال في الحبشة إذا وحد مذهب  الكنيسة ، لتكون “يعقوبية” أي “على مذهب الارثوذكس” ويجبر البقية من النصارى على الدخول فيها أو مغادرة البلاد خلال عامين ، أما المسلمون فحال التضييق معهم كان مختلفا إذ أجبروا على بناء الكنائس في ديارهم ، ومن كان منهم موظفا أو معينا يختار بين الطرد من العمل أو التعميد والدخول لمذهبهم ، درجة أن الغرب وعلى رأسهم بريطانيا أعجبوا بفعل هذ الملك المتعصب العنصري وقالوا عنه كلاما كثيرا ومما أشاد به الحاكم البريطاني في السودان إذ يقول لأخته: ” إن ملك الحبشة يوحنا يشبهني في تعصبي للدين وله رسالة مثلي سينجزها وهي تنصير المسلمين ” إلا أن الله تعالى لم يمهل هذ الحاكم الحبشي إذ أخذه على يد الدراويش السودانيين .
  • إن الغرب والكنيسة في أوروبا بالذات وجدت من الحبشة وملوكها فرصة للقضاء على المسلمين ومحاولة السيطرة على بلادهم وخاصة منطقة الحجاز، لما وجدوا في نفوس ملوك الحبشة من رغبة في هدم الكعبة ، فحاول الأوربيون إيجاد إبرهة جديد ، فحاولوا ووصولوا فعلا لقلب مركز الحكم بالحبشة من خلال ملوكهم الغلاظ وهذا ما سطره الكاتب الأسباني مارمول كاربخال في كتابه ” أفريقيا” إذ يثبت الرجل أثر ملوك أوروبا في صناعة القرار في الحبشة  .

حركة الإمام أحمد

تعتبر حركة غلإمام الحبشي  أحمد بن إبراهيم الغازي والذي ولد في عام 1507 م (البوراني) وينحدر أصله من أسرة عريقة فأبوه الملقب بالجراد إبراهيم وهو من السادة المجاهدين  فهو من أبناء السلاطين ، وأنه لم يكن أبنا لأحد النصارى كما يدعي عليه الحبشيون المناهضين للإسلام ، والذين قالوا أنه أصله نصراني وأن جيشه كان نصرانيا واسلم  ولكن في الحقيقة أنه كان مسلما خالصا هوو أبناء عمومته وأخواله الشرفاء ، ومما ساعده على الانتصارات والفتوحات في قلب الحبشة أنه أحاط نفسه بالعلماء والمحدثين والذين كان لهم أبلغ الأثر في الانتصار من خلال تعبئة الناس وحثهم على الجهاد ، لم ينس العلماء في ظل المعارك الطاحنة لجوار هذا الإمام العادل دورهم الآخر وهو الدعوة إلى الإسلام وتقديم نموذجا مبهرا لنصاعة وعدل الإسلام ، مما كان له خيرات كثيرة على الإسلام ذلك من خلال دخول الوثنيين للاسلام ، وسهل مهمة التدين لدى العامة وخاضوا مع الإمام معارك عديدة ، وكان من أشهرها معركة وصل عدد النصارى فيها إلى 260 الف مقاتل مقابل إثنا عشر ألف فقط من قوات الإمام،كان هذا ظاهر في تخوف بعض الجند ، فوقف فيهم الإمام أحمد قائلا:” نحن ما نقاتلهم بكثر ولا بقوة إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ” ففتح الله عليه وانتصر رغم بشاعة المعركة حيث استشهد فيها خمسة آلاف من المسلمين ، وقد ساعد الإمام أحمد في انتصاراته داخل الحبشة عودة أحد البطارقة للإسلام مرة أخرى وكان مسلما لكنه أرتد فدعاه الإمام أحمد إلى الاسلام مرة أخرى وكتب إليه فأسلم ، وأهدى للمسلمين أسرارا حربية من خلال ما يعرفه عن خبايا النصارى وجيوشهم في الحبشة وممالكها النصرانية حيث كان وسطهم ويعمل معهم. وظل الإمام  على هذا الحال في فتوحات عظيمة داخل الحبشة ولم يعد بحاجة إلى مساعدة عثمانية خارجية مطلقا ، إلى أن أطلق أحد قادة البرتغال عليه النار فجرح جرحا عميقا ودخل إلى الغابات بمفرده يقطر دما إلى أن مات وذلك في فبراير 1543 م .

نحن الأن :

بعد هذا العرض التاريخي السريع لمسار الحياة السياسية والتقلبات المختلفة لتاريخ الحبشة أو مجازا “أثيوبيا” فإن المتابع للموقف الراهن في موضوع سد النهضة يستطيع بكل سهولة أن يحدد كيف لأثيوبيا هذا الموقف ، وأن ما وصلت إليه من صيد ثمين  بما يسمى ” إعلان المباديء” والذي وقع في مارس 2015 بين مصر والسودان (السابع، 2015 ) وأثيوبيا يستطيع أن يعرف مدى تأثير هذا الإعلان على الموقف الأثيوبي والذي كان مستعدا أصلا من خلال الواقع التاريخي السابق على إيقاع الضرر بالمسلمين ودولتي المصب تلك التي تسبب له مأزقا نفسيا تاريخيا ، لا يستطيع أن ينساه بل بالعكس هو يجدده يوما بعد يوم في نفوس هذا الشعب والذي لم ننكر يوما يده الحانية على المسلمين لكن هناك أيادي كثيرة تعمل للتخريب والإيلام فمن خلق النجاشي وهداه  خلق إبرهة وأشقاه .

المراجع:

  1. rt. (4 8, 2020). “صوتنا لسدنا”.. حشد إثيوبي على مستوى عالمي. https://cutt.us/PkPjX

احمد الحنفي. (بلا تاريخ). الجواهر الحسان . تأليف الجواهر الحسان .

الألباني (ت ١٤٢٠)، صحيح الجامع ٣٣٨٤. (بلا تاريخ). الالباني . تأليف صحبح الجامع .

الجزيرة مباشر. (26 6, 2021 ). خيارات سد النهضة . (حسن نافعة، المحاور)

الجزيرة مباشر. (26 6, 2021). تداعيات سد النهضة . (حسن نافعة، المحاور)

المعرفة. (2008). الظاهر سيف الدين جقمق  https://cutt.us/LqGuQ

اليوم السابع. (23 3, 2015 ). النص الكامل لاتفاقية إعلان مبادئ وثيقة سد النهضة. https://cutt.us/k9beg-

محمد بن حامي البوراني. (بلا تاريخ). انتشار الاسلام في الحبشة . تأليف انتشار الاسلام في الحبشة .

نجيب العقيقي. (1963). المستشرقون. تأليف دار المعرفة.

ول ديورانت. (1988). قصة الحضارة . تأليف دار الجبل، قصة الحضارة.

ويكبيديا. (بلا تاريخ). أثيوبيا. 2021: https://cutt.us/0f1zi

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button