دراسات اقتصادية

توقعات WEF: تقديرات كبار الاقتصاديين لمستقبل الاقتصاد العالمي

نشر موقع “المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF)” تقريراً بعنوان “توقعات كبار الاقتصاديين لمستقبل الاقتصاد العالمي”؛ وذلك في مايو 2022. ويأتي إصدار هذا التقرير في ظل حالة عدم اليقين حول التطورات الجيوسياسية المختلفة حول العالم، بما في ذلك تداعيات الأزمة الأوكرانية، علاوة على توقعات تراجع النمو العالمي، وتصاعد الحاجة إلى إدارة عالمية للأزمات. ويأتي على رأس توقعات كبار الاقتصاديين حدوث ارتفاع في معدل التضخم، وانخفاض الأجور الحقيقية حول العالم، بجانب تدهور الأمن الغذائي، لا سيما في الاقتصادات النامية. وتطرح تلك التحديات على قادة الدول وصانعي السياسات ضرورة تحقيق توازن من أجل تقليل أي تداعيات سلبية محتملة، سواء عبر الموازنات المعقدة في السياسات النقدية، أو تحديد الأولويات، لا سيما ما يتعلق بالأمن الغذائي وأمن الطاقة، والعمل على تحقيق توازن بين الأولويات الوطنية والأهداف العالمية.

سياقات مقلقة

يمكن تناول أبرز السياقات المرتبطة بإصدار التقرير وتركيزه على توقعات الاقتصاد العالمي؛ وذلك على النحو الآتي:

1– حالة عدم اليقين بشأن التطورات الجيوسياسية: جاء صدور هذا التقرير وسط حالة مرتفعة من عدم اليقين بشأن التطورات الجيوسياسية، ومسار الاقتصاد العالمي، والخطوات التالية للسياسة الاقتصادية؛ فبدلاً من الدخول في مرحلة التعافي إثر محاصرة تفشي جائحة “كوفيد– 19″، تُواجِه الاقتصادات العالمية صدمات إضافية، يأتي في مقدمتها الحرب في أوكرانيا وما يرتبط بها من تداعيات جيوسياسية، توازياً مع عمليات الإغلاق في المراكز الصناعية الرئيسية نتيجة ظهور حالات تفشٍّ جديدة لفيروس “كوفيد–19”.

2 – تراجع توقعات النمو في ظل التحديات العالمية: فضلاً عن الأثر الإنساني المباشر للنزاع والعواقب الصحية المستمرة للوباء، أدت هذه التطورات إلى إجراء مراجعات لتوقعات النمو، وسط تفاقم الضغوط التضخمية، واضطرابات سلاسل التوريد. وبعد أن كانت التوقعات تُجمع في بداية عام 2022 على عودة الاقتصادات الكبرى إلى مسارات نمو ما قبل “كوفيد” بحلول نهاية العام، وتوقُّع “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” نمواً عالمياً عند حدود 4.5% في عام 2022، و3.2% في عام 2023؛ تشير أحدث توقعات “صندوق النقد الدولي” اعتباراً من أبريل 2022 إلى انخفاض النمو العالمي إلى 3.6% في عام 2022 من 6.1% في عام 2021، و4.4% في يناير 2022.

3– تصاعد الحاجة المُلحَّة إلى إدارة عالمية للأزمات: في الوقت الذي يتوقع فيه أن تكون تأثيرات التطورات الجيوسياسية المختلفة على النشاط الاقتصادي الكلي أقل حدة من تلك التي حدثت عقب الإغلاق الأول بسبب تفشي جائحة “كورونا”؛ فإن التأثير المشترك لهذه الصدمات يزيد من حاجة العالم إلى إدارة هذه الأزمات بأسلوب جماعي، لا سيما أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية يهدد الأرواح ويؤثر على تكلفة المعيشة في جميع أنحاء العالم.

آفاق سلبية

وفي ظل السياقات السابقة، تتحدد التوقعات المستقبلية للاقتصاد العالمي في ستة اتجاهات، يمكن استعراضها على النحو الآتي:

1– ارتفاع معدل التضخم وانخفاض الأجور الحقيقية عالمياً: تعد توقعات التضخم هي الأعلى في الولايات المتحدة الأمريكية، تليها أوروبا وأمريكا اللاتينية؛ حيث توقع 96% و92% و86% من المستطلعين على التوالي، أن التضخم سيكون مرتفعاً أو مرتفعاً للغاية في تلك المناطق خلال الأشهر المتبقية من عام 2022، فيما يتوقع عدد أقل من المشاركين ضغوطاً عالية جداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا وشرق آسيا، بما في ذلك الصين.

ويتوقع صندوق النقد الدولي زيادة 1.8 نقطة مئوية للتضخم في الاقتصادات المتقدمة (إلى 5.7%)، وزيادة 2.8 نقطة مئوية في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية (إلى 8.7%). بالتوازي مع ذلك، يتوقع أكثر من ثلثي المشاركين في الاستطلاع أن ينخفض متوسط الأجور الحقيقية في الاقتصادات المتقدمة، في حين أن ثلثهم تقريباً غير متأكدين من ذلك. علاوة على ذلك، يتوقع 90% من المستطلعين أن ينخفض متوسط الأجور الحقيقية في الاقتصادات المنخفضة الدخل.

2– تدهور الأمن الغذائي لا سيما في الاقتصادات الناميةمن المتوقع أن تنعكس العواقب العالمية الوخيمة للحرب في أوكرانيا على ارتفاع أسعار المواد الغذائية، على نحو خاص، في جميع أنحاء العالم، لا سيما في الدول النامية، ليؤثر ذلك لاحقاً على مستويات الجوع وتكلفة المعيشة، وضعاً في الاعتبار أن 36 دولة استوردت في عام 2020 أكثر من 50% من قمحها من روسيا أو أوكرانيا. ونظراً إلى تطورات الحرب، قفز مؤشر أسعار الغذاء (FFPI) لـ”منظمة الأغذية والزراعة” (الفاو) في مارس 2022 إلى أعلى مستوى له منذ إنشائه في عام 1990.

3– تصاعد توطين وتنويع سلاسل التوريد العالميةأُعيد رسم سلاسل التوريد العالمية على نحو متزايد خلال الأعوام الماضية؛ لأحداث عدة ارتبطت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتأثير العالمي العميق لتفشي الوباء، وتداعيات الحرب الأوكرانية، وحالة عدم اليقين حولها. ووسط المخاوف من وقوع المزيد من الصدمات، تعيد كل من الحكومات والشركات التفكير في نهجها تجاه الانكشاف والاكتفاء الذاتي والأمن في علاقات التجارة والإنتاج.

وفي ظل هذه الخلفية، تمتلك الشركات المتعددة الجنسيات استراتيجيات متعددة تحت تصرفها لإعادة تشكيل هياكل الشركات الخاصة، وإعداد سلاسل التوريد الخاصة بها؛ لمواجهة التوقعات بمستقبل متقلب بدرجة متزايدة. وعلى هذا النحو، يتوقع كبار الاقتصاديين إعادة هيكلة كبيرة لسلاسل التوريد في السنوات الثلاث المقبلة، وأن تُنوِّع وتُوطِّن الشركات المتعددة الجنسيات سلاسل التوريد الخاصة بها.

4– تراجع عولمة السلع والعمالة والتكنولوجيا في العالم: أكد استطلاع كبار الاقتصاديين الصادر في نوفمبر الماضي، أن تراجع العولمة هو أهم انعكاس لتطورات الاقتصاد العالمي، لا سيما أن تجربة الوباء كان من نتيجتها تجزئة سلاسل القيمة، والعلاقات التجارية والروابط المالية. وتعمل تداعيات الأحداث الجيوسياسية خلال الأشهر الستة الأخيرة على ترسيخ هذه الاتجاهات، مع خلق خطوط صدع جديدة في التكامل الاقتصادي، توازياً مع تفاقم الانقسامات في الفضاء الافتراضي؛ حيث أصبحت مجالات النفوذ الأمريكي والصيني سمة من سمات النظام الحالي.

5– فاعلية العقوبات في إضعاف الاقتصاد الوطني الروسي: كان التأثير الفوري للعقوبات الغربية على روسيا هو انخفاض قيمة الروبل. وشهدت الأيام الأولى لنظام العقوبات انهياراً في قيمة الشركات الروسية المتداولة محلياً وخارجياً إلى حد استلزم إغلاق البورصة الروسية وإزالة أسهمها من المؤشرات الأجنبية، توازياً مع انهيار التصنيف الائتماني السيادي لروسيا. ومن هنا يرجح 87% من كبار الاقتصاديين تأثيراً قوياً أو قوياً للغاية للعقوبات في الأشهر المقبلة على خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا في عام 2022، ويتوقع 83% انخفاضاً في نمو اقتصاد روسيا على المدى الطويل.

6– استمرار هيمنة الدولار الأمريكي بوصفه عملة احتياطية عالميةأدت القيود التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على روسيا من خلال نظام العقوبات المالية الخاص بها، إلى دفع بعض المراقبين إلى القول بأن هذا “التسليح” للدولار قد يؤثر في استخدامه في المستقبل وفائدته بوصفه عملة احتياطية؛ حيث تمنع العقوبات الحالية البنك المركزي الروسي من الوصول إلى احتياطاتها بالدولار الأمريكي. ولكن مع ذلك، وعلى المدى القصير، يبدو أن الدولار الأمريكي يشهد توسعاً، مع تشديد السياسة النقدية الأمريكية وارتفاع أسعار الفائدة، فضلاً عن أن الاضطراب الاقتصادي الناجم عن الحرب في أوكرانيا أدى إلى تحول المستثمرين إلى الدولار الأمريكي باعتباره ملاذاً آمناً بدلاً من الابتعاد عنه.

خيارات صعبة

استعرض التقرير آراء خبراء الاقتصاد بشأن الخطوات التالية لإجراءات السياسة الكلية لكل من الاقتصادات المتقدمة والمنخفضة الدخل، فضلاً عن الموازنات المتعلقة بديناميات عدم المساواة وأمن الطاقة والأهداف الاقتصادية والمناخية العالمية. ويمكن توضيح ذلك عبر ما يأتي:

1– موازنة مخاطر التضخم والانكماش في بعض الدول: بحسب التقرير، يواجه صانعو السياسات موازنات مُعقَّدة في السياسة النقدية للسير على خط دقيق لكبح جماح التضخم دون دفع الاقتصادات إلى الركود؛ ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال؛ حيث يرتفع معدل التضخم، دخلت السياسة النقدية مرحلة التشديد التي من المتوقع – بحسب التقرير – أن تكون الآن أقوى بكثير مما كان متصوراً في بداية عام 2022. أما في الاتحاد الأوروبي، فمن المتوقع في الوقت الحالي أن يظل موقف السياسة النقدية أقل تقييداً.

2– معالجة مخاطر الغذاء والوقود وأزمة عدم المساواةيواجه صانعو السياسات تحديات لإعادة توازن الميزانيات عقب أزمة فيروس كورونا. وسيتعيَّن الاستفادة من الموارد المالية لدعم الأعداد الكبيرة من اللاجئين – لا سيما القادمين إلى أوروبا الشرقية وعلى الصعيد العالمي – وذلك لتخفيف ارتفاع الأسعار في الضروريات، مثل الوقود والكهرباء والغذاء للفئات السكانية الأكثر ضعفاً. وتختلف مساحة المناورة اختلافاً كبيراً عبر الاقتصادات الكبرى؛ ففي الولايات المتحدة، تعمل الضغوط التضخمية على تقييد الإجراءات المالية الإضافية. وفي الصين وأوروبا، هناك مجال أكبر للسياسة المالية.

وبالنسبة إلى الاقتصادات المتقدمة، يتوقع المزيد من المشاركين في الاستطلاع أن تكون هناك حاجة إلى دعم أسعار الطاقة، مقارنةً بدعم أسعار المواد الغذائية. أما بالنسبة إلى الاقتصادات المنخفضة الدخل، فتشعر الغالبية العظمى أن دعم أسعار المواد الغذائية سيكون ضرورياً. وهناك اتفاق على أن مخاطر التخلف عن سداد الديون قد زادت كثيراً في الاقتصادات المنخفضة الدخل منذ بداية الحرب في أوكرانيا.

3– مخاطر الوقود الأحفوري بمواجهة الطاقة الخضراءيتوقع البنك الدولي أن ترتفع أسعار الطاقة بأكثر من 50% في عام 2022 قبل أن تتراجع في عامي 2023 و2024. وعلى المدى القصير، تقتصر الحكومات على تخفيف صدمات الأسعار، وضمان أمن الطاقة، بناءً على أنظمة الطاقة الحالية واعتماد الإمدادات. وعلى المدى المتوسط، تجد البلدان نفسها في مواجهة التحدي المتمثل في الحفاظ على أمن الطاقة مع تحويل أنظمة الطاقة لديها لتلبية الأهداف المتعلقة بالمناخ.

4– التوازن بين الأولويات الوطنية والأهداف العالميةأكد التقرير أن هناك حاجة ماسَّة إلى تحقيق توازن بين الأولويات الوطنية والأهداف العالمية. وبحسب التقرير، فإن عدم اليقين والمخاطر والضغط في الاقتصاد العالمي مرتفع للغاية في الوقت الحاضر. ووفقاً لاستنتاجات مجموعة الاستجابة للأزمة العالمية بشأن الغذاء والطاقة والتمويل التابعة للأمين العام للأمم المتحدة، فإن الأزمة الثلاثية الأبعاد التي يواجهها العالم حالياً، يمكن أن ترقى إلى “عاصفة كاملة تهدد بتدمير اقتصادات البلدان النامية”.

وختاماً.. شدد التقرير على أن وابل الصدمات والاضطرابات، وما يترتب عليها من عبء زائد على قدرة صانعي السياسات والمؤسسات؛ يهدد بتحويل التركيز نحو القومية الاقتصادية المتزايدة؛ ما يتسبب في تراجع مدمر عن التكامل الاقتصادي، وابتعاد عن التقدم في أهداف البشرية الطويلة الأجل. وأشار التقرير إلى أنه في مواجهة الضغوط المحلية والقرارات الصعبة في ظروف غير مؤكدة، سيكون من الضروري لصانعي السياسات الحفاظ على نظرة ثاقبة نحو الأفق الزمني الأطول أجلاً، والفهم المستمر لإنسانيتنا المشتركة ومستقبلنا المشترك.

المصدر:

Chief Economists Outlook, The World Economic Forum, May 2022, Accessible at: https://www.weforum.org/reports/chief–economists–outlook–may–2022/

المصدر إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى