دراسات اقتصادية

ثنائية السياسة والاقتصاد

تتشابه مقومات الاقتصاد القديمة بين جميع الدول كوجود مساحة من الأرض، وتوفر الأيدي العاملة، والمواد الخام، ولكن هذه المقومات لم تعد تحدد نجاح اقتصاد الدول؛ نظراً لتطوّر مظاهر الحياة، وظهور التكنولوجيا، وتغيُّر السياسة العالميّة للدول، إضافةً للتغيُّرات المناخيّة والبيئيّة التي أفرزت مقوّمات وعوامل جديدة تحدّد النجاح الاقتصاديّ الذي أخرج الكثير من الدول إلى منصّة التنافس العالميّ في مجالات مهمّة؛ كالصناعة، والسياحة، والتعليم،والصحة…

لكن المقاربة الاقتصادية القائمة على رصد المعطيات السيواقتصادية ؛ بشأن التطور والتخلف ونوعية المؤسسات ، وعبر تاريخها، والدور الذي لعبته، وما هي مقومات الانتقال من غياهب الفقر إلى آفاق الرخاء؟ وكيف يمكن نشر الرفاهية في المجتمع .

إشكالية مركزية تعتبر السبب وراء الفوارق بين الدول راجع إلى المؤسسات السياسية والاقتصادية التي يصممها الإنسان، ويطرح الإصلاح والتطوير المؤسساتي الشامل سبيلا إلى الازدهار والرقي المجتمعي.

لتقديم فهم أكبر لتطور وتخلف المجتمعات. علينا في الوقت ذاته، رصد ظاهرتي التقدم والتخلف من منطقة جغرافية الى اخرى ، ولا يعتبر الموقع الجغرافي والموارد الطبيعية كافية للحكم على التخلف أو التقدم في بلد ما، بل علينا استقصاء نوعية المؤسسات والنخب.

بغرض تفنيد جملة مـن المعتقدات والنظريـات التـي تربـط الفقـر بضعـف الثقافـة وإكراهـات الجغرافيـا ومحدوديـة الموارد .

ان السياسات الديمقراطية تؤدي إلى إيجاد مؤسسات اقتصادية ديمقراطية تضع الأساس لإيجاد الثروة والنمو الدائم. هذا المركب الثنائي من المؤسسات الديمقراطية السياسية والاقتصادية يضع الحوافز المطلوبة لتطور المجتمع. وإيجاد الحافز الضروري في الابتكار وإنجاز التقدم ، وعلى ضوء مفهوم مؤسسات تقوم على دينامية التغيير والتناوب وفتح الآفاق دون عراقيل .

كل المحاولات المرتبطة بمحاربـة الفقـر وبسـط الرفاهيـة والتنميـة في العـالم، يغيـب عنهـا دعـم الشرائح المجتمعية الضعيفـة بتوزيـع عـادل ومتـوازن للثروة، وبناء دولة المؤسسات القويـة التي تشرك المواطنين في اتخـاذ القـرار.

لا يمكن الحصول على اقتصاد ناجح ما لم تبن الخطوات الاقتصادية على قواعد سياسية صلبة ثابتة. هذه الأخيرة تتمثل في الديمقراطية التي تنشأ في داخل المجتمعات ،ولا تصدر أو تستورد.

تزداد الرهانات في العالم العربي. ليكون حاصل التغيير التنموي استيعاب ودمج كافة ألوان الطيف السياسي والمجتمعي والديني في العملية التنموية وداخل المؤسسات الشاملة للجميع ، وحسب الكفاءات والقدرات التي يجب العمل على بناءها أيضا لضرورة الاندماج المجتمعي الإيجابي المتمكن .

ان تأهيل الأيدي العاملة، ورفع الكفاءة في مجالات العمل، وذلك من خلال الدورات التدريبية المكثفة، وخلق نظام تظويري يتعلق بالمجالات الإنتاجية المُختلفة، و الاهتمام بجودة التعليم ضرورة … ، فاعتماد الأساليب القديمة في التعليم، يخلق أجيالاً محدودة القدرات والعطاء، وغير قادرة على مواكبة التطور، وبالتالي يُصبح الأفراد المُتعلمين عِبئاً على مجتمعاتهم، بدلاً من مشاركتهم في بناء الدولة، وصنع اقتصادها.

ان استثمار الثروات والمقدرات المحليّة واستغلال الثروات الطبيعية ، والموقع الجغرافيّ ، يتطلب إيجاد تكامل اقتصادي اجتماعي عادل ،فإنّ بعض الدول المتقدمة اعتمدت على المشروعات الصغيرة لا سيّما في المناطق الناىٌية، وبذلك شكّلت قفزة اقتصاديّة، وأصبحت نموذجاً يُحتذى به، وان توزيع الأنشطة الاقتصاديّة على مختلف المناطق، وعدم حَصرِها بالعاصمة أو المدن الكبيرة، من شانه إنعاش الحركة الاقتصاديّة في كلّ المناطق ، بالاضافة الى استقطاب رؤوس الأموال المُهاجرة؛ عبر التواصل مع رجال الأعمال المقيمين خارج بلدانهم، ودفعهم للمشاركة بتسريع عجلة الاقتصاد المحلي ، والعمل على ردم الهوّة بين القطاعين الخاصّ والحكوميّ عبر سلسلة من الإجراءات الهيكليّة التي تُحدَّد وفق ظروف الدولة، وخططها، وأهدافها التنمويّة، بالإضافة إلى ضرورة ترشيد إنفاق القطاع العام وإعادة هيكلته ( وأولية هذه الهيكلة تفرض نفسها على البنوك والمصارف العامة لإعادة دمجها وتحديد أدوارها وجدولة ديونها وطيها في حالات الظروف القاهرة والطارئة التي نتجت عن الدمار الكلي او الجزىي للمصانع والمنشات التي دمرتها الحرب على سورية ) ، ورفع دور القطاع الخاصّ في التنمية، ومنحه الحوافز من اجل المشاركة في العمل التطوعي ، بما يساهم في المشاركة الفعلية والجادة من الجميع في برنامج اعادة الاعمار .

هناك دول عديدة تأثرت بالتضخم رغم محاولات تخفيض دعم السلع والخدمات، فانه من الضروري أن يتم الحفاظ ودعم الطبقات المتوسطة بالتعليم والصحة والخدمات الأخرى وهذا يتطلب توفير تمويل لهذا الدعم.

ومن المهم أن تحدث زيادة حقيقية فى الدخل بصفة عامة، وألا تكون هذه الزيادة شكلية ولكن يجب أن يقابلها إنتاج وإنتاجية فعلية، وبما لايتجاوز الزيادة فى تكاليف المعيشة الناتجة عن بعض المتغيرات حتى لا يتفاقم التضخم والا تكون هذه الزيادة تحصيلا برفع قيمة الخدمات الحكومية ( الاتصالات ، الكهرباء ، النقل ، التعليم، الصحة ، الضرايب …) والأفضل أن يكون هناك مزيج من المرونة فى سوق العمل وأمنه وتأمينه، ولذلك يمثل العمل لدى القطاع الخاص معضلة لان ثقافة الناس تميل للعمل بالقطاع العام أو الحكومى.

من هنا تأتي أهمية تفعيل الأُطر التمويلية التى تقوم بالأساس على آليات تدبير الأموال من خلال طرق جديدة والتعاون مع القطاع الخاص، والاشارة تقتضي بتأسيس صناديق استثمارية حكومية لإدارة أصولها المالية وصناديق للإدخار والتمويل السيادى، حتى تتمكن من تحسين إدراة تلك الأصول ، والمُتضمنة ضرورة تعزيز الحوكمة الرشيدة والشفافية والمساءلة.

وفى سياق آخر، علينا الاشارة إلى أهمية العمل على تنفيذ ما يسمى بمحلية التنمية ( توسيع صلاحيات المحالس المحلية ) والتى من شأنها إحداث تنمية لمختلف المناطق، وفقًا لطبيعتها والموارد التى تمتلكها دون التركيز على المناطق الرئيسة بمفردها، وتحويلها لتكون نموذج لحوكمة الإدارة وتوفير الموارد المالية اللازمة لتنمية كل منطقة وفقًا لاحتياجاتها، أن ذلك النظام مُتبع فى عدد كبير من دول العالم، مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية.

ان ذلك النظام يسمح بإطلاق طاقات المجتمعات المحلية بشكل قوى من خلال تكنولوجيا المعلومات، لان المحليات هى الأقدر على تحديد قدرات الأفراد والتعرف على احتياجاتهم وطاقاتهم من خلال نظام إدارة البيانات، بما يتطلب مزيدًا من التواصل مع المواطنين والتعرف عن قرب بموارد كل منطقة وأولوياتها الاستثمارية، بما سيساهم فى حل العديد من مشكلات الطبقةالمتوسطة.

أن الاهتمام بالتعليم يُعد أحد الركائز الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة، احتياج سورية لعمل خطة واضحة لتطوير التعليم، خاصة وأن النظام الحالى المُتبع يُعد مكلفًا للموازنة العامة للدولة وللمواطنين دون أن يحقق الجدوى والأهداف المرجوة منه ، وبالتالي نحن في حاجة ماسّة للتغيير وحسن استغلال التكنولوجيا للارتقاء به، يتضمن نماذج مشتركة لتطوير التعليم بالمشاركة مع دول متقدمة على المستوى التعليمى مثل كوريا واليابان…

ان ترجمة هذه الاستراتيجية على ارض الواقع ونجاحها ، ليس بالأمر الصعب او المستحيل …

اذا تضافرت كافة الجهود من اجل ذلك ، علما ان تحقيقها يمكن ان يحدث النقلة النوعية لانطلاقة يصبو اليها كل سوري وسورية ، وذلك من خلال البرنامج النهضوي التنموي الذي عماده المواطنة وسيادة القانون والحد من الجهل والفقر .

سورية للجميع .. وفوق الجميع …

بقلم مهندس باسل كويفي 

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى