الدبلوماسية و المنظمات الدولية

جامعة الدول العربية ودورها في تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية

ملخص

تنبع أهمية موضوع  دور جامعة الدول العربية في تسوية نزاعات الحدود بين أعضائها من حقيقة مفادها أن تلك النزاعات الحدودية كانت ولا تزال بمثابة بركان ساكن ولكنه قد يرمي في أية لحظة بحممه ونيرانه لتحرق كل ما تجده أمامها، لذلك فقد ارتأيت أن أسبر غور هذه النزاعات باعتبارها واحداً من أكبر وأعتى التحديات التي تقف بوجه العمل العربي المشترك ومؤسسته الرئيسة جامعة الدول العربية، وتعكر صفو العلاقات العربية – العربية بين الفينةِ والأخرى، إلى الدرجة التي أصبحت معها هذه النزاعات الحدودية لا تهدد فقط السلم والأمن العربيين، بل قد يمتد أثرها لينال من السلم والأمن الدوليين أيضاً.

يهدف البحث دراسة ظاهرة الحدود بين أقطار الوطن العربي، والجذور التاريخية لنشأتها، والتشوهات التي أدت إلى نشوب النزاع حولها وبسببها، ومدى شرعيتها، وكذلك دراسة نشأة جامعة الدول العربية، والظروف الغامضة التي ساعدت على تلك النشأة، وأثرت في وضع الجامعة في هياكل صلبة وجامدة احتوتها ولم تحاول الخروج منها على مدى التسع والخمسين سنةً الماضية، ثم تحاول الرسالة تحليل ميثاق الجامعة العربية وهياكلها لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء قصور الجامعة في مجال تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية منذ نشأة الجامعة وحتى الآن، ومن ثم إيجاد سبيل للإصلاح في كلٍ من نصوص وهياكل الجامعة من خلال اقتراح الصيغ التي نراها أكثر صحة وملائمة وأقدر على تفعيل دور الجامعة العربية في مجال لتسوية النزاعات بشكل عام والحدودية منها بشكل خاص.

كما يحاول البحث الإجابة عن أسئلة كثيرة أُثيرت عند إعدادها منها، ما هي الظروف الدولية والإقليمية والعربية والقطرية التي أدت إلى نشوء جامعة الدول العربية؟، وهل نشأت جامعة الدول العربية بإرادة عربية بحتة أم بإرادةٍ أجنبية، أم كلتا الإرادتين مجتمعتين؟، ولماذا وضعت للجامعة العربية قوالب خشبية صلبة لم تتمكن من تجاوزها أو تغييرها حتى هذه اللحظة؟، هل الخلل في النصوص أم في التطبيق؟، ولماذا نشبت النزاعات الحدودية بين الدول هل هي نتيجة نمو ما بذره الاستعمار، أم أنها تعبير عن اعتزاز الدول العربية بمبدأ السيادة القطرية على حساب المصلحة القومية للأمة العربية؟، وهل أن الجامعة أسهمت في تقويض هذه النزاعات الحدودية، أم أن هذه النزاعات هي التي قوضت الجامعة العربية؟، كيف يمكن استقراء مستقبل الجامعة العربية من خلال دراسة وتحليل دورها في تسوية نزاعات الحدود بين أعضائها؟، وكيف نستطيع أن نقيّم دور الجامعة في تسوية مشكلات الحدود العربية؟، وما هي مقترحاتنا لإصلاحها؟.

لقد اعتمدت مناهج عدة في هذه الرسالة، وكان المنهج التاريخي الوصفي ومنهج التحليل النقدي هما المنهجان اللذان تركا بصماتهما على جميع فصول ومباحث الرسالة، إذ تم تحليل الدراسات السابقة في الموضوع والمعلومات الجديدة المتاحة بصدده، والإفادة منها بالشكل الذي يخدم موضوعة البحث، ثم استخدمنا تحليلاً قانونياً لفهم وإدراك الخطوط الخضراء والحمراء التي تبدأ منها وتنتهي عندها جهود الجامعة العربية في هذا المجال، من خلال تحليل ميثاق الجامعة ولاسيما المواد الخاصة  بتسوية النزاعات، كما استعين بمنهج التحليل البنيوي – الوظيفي، وهو منهج ينصب لدراسة وظيفة الجامعة العربية والعوامل المؤثرة في طرق تأديتها، وقد دار التحليل حول نقطتين رئيسيتين الأولى عالجت الصياغة القانونية للمادة الخامسة من ميثاق الجامعة العربية الخاصة بالتسوية السلمية للنزاعات بين الدول العربية الأعضاء، والمادة السادسة من الميثاق الخاصة برد العدوان، والمادة الثانية من معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي، أما النقطة الثانية، فقد تركزت فيها الدراسة على الدور العملي للجامعة العربية في تسوية النزاعات خارج حدود النصوص المكتوبة، واستخدم في هذا التحليل بعض مفاهيم وأدوات التحليل التنظيمي لاسيّما عند دراسة علاقة الجامعة العربية بأعضائها، وكذلك دراسة هيكلية الجامعة العربية، وكيف أثرت هذه الهياكل في تسوية النزاعات الحدودية، كما استخدم منهجاً مقارناً لتقييم كفاءة الجامعة العربية مقارنة بغيرها من المنظمات، وحاولنا تطبيق بعض المعادلات الرياضية في هذا التقييم على الرغم من صعوبة استخدام وسائل القياس في مثل هذه المواضيع، وقد حاولنا أن نضفي على كل الرسالة إطاراً تاريخيا سياسياً.

وقد قامت هذه الرسالة على فرضيتين أساسيتين، أولاهما إن النزاعات الحدودية بين الدول العربية هي حقيقةٍ راسخة، وهي أشد أنواع النزاعات حساسيةً، لأنها قد تهدد السلم والأمن العربيين، كما إنها قد تهدد وجود الجامعة العربية برمتها، لأن الدول العربية تنظر إليها على إنها أمر يمس السيادة والكرامة القطرية لكل دولة. وثانيهما إن جامعة الدول العربية هي الإطار المؤسسي الرئيس، وليس الوحيد، الذي يفترض أن يكون له دور فعّال في تسوية هذه النزاعات.

 لذلك فالجدلية في هذه الدراسة هي إن الدول الاستعمارية ساندت الجهود العربية لإيجاد الجامعة العربية وأرادت بذلك الحيلولة دون قيام الوحدة العربية، فيما تنظر أليها الدول العربية الأعضاء فيها على إنها مؤسسة وجدت من اجل تصفية الأجواء العربية وتسوية النزاعات بين أعضائها، وتفعيل العمل العربي المشترك، وفي ذات الوقت أوجد الاستعمار التشوهات في عملية تخطيط الحدود بين الدول العربية وشجع قيام النزاعات الحدودية بينها لبذر الفرقة والخلاف والتجزئة في الجسد العربي خدمةً لمصالحه، فكيف استطاعت جامعة الدول العربية أن تصمد أمام هذه التناقضات التي تكتنفها وتهدد وجودها؟ وكيف تعيش في وسط تنمو فيه بذور الصراعات والتناحرات  بين أعضائها؟

وقد قسمت هذه الرسالة إلى مقدمة وخمسة فصول بسبعة عشرة مبحثاً وخاتمة ثم حاولنا إيجاد مقترحاً لإصلاح نظام تسوية النزاعات الحدودية بين الدول العربية حتى يكتمل هذا الجهد المتواضع الذي يشخص الداء ويجد له في ذات الوقت دواءً.

تناول الفصل الأول جامعة الدول العربية فقد درس المبحث الأول نشوء الجامعة العربية  ثم تطرقت الرسالة إلى أهم الأهداف والمبادئ التي تضمنها ميثاق الجامعة، وكان لابد من تخصيص المبحث الثاني لمعرفة الهيكل التنظيمي وطريقة اتخاذ القرار في الجامعة وآلية تنفيذ تلك القرارات لفهم الطريقة التي تدير بها هذه المنظمة شؤونها وتعالج كل ما يعكر صفو العلاقات بين أعضائها وقد بيّنا مواطن الضعف والقوة في كل من طرق اتخاذ القرارات وتنفيذها. وكان المبحث الثالث قد خصص لتحليل تسوية النزاعات الحدودية العربية-العربية في إطار ميثاق جامعة الدول العربية فقد حددت المادتان الخامسة والسادسة تلك الآلية، فالأولى حددت الوسائل الوقائية فيما تطرقت الثانية إلى الوسائل العلاجية.

وتحدث الفصل الثاني، الذي جاء تحت عنوان النزاعات الحدودية وطرق تسويتها، في مبحثه الأول عن الحدود الدولية ومفهومها وتصنيفها وأسس ترسيمها ووظائفها، ثم نشأة الحدود العربية وخصائصها ودور الاستعمار الغربي في عملية تخطيطها، واستعرضنا الاتفاقيات والمعاهدات التي وضعت الأسس لتحديد الحدود وتخطيطها قبل ظهور الكيانات العربية كوحدات مستقلة، وتعرضنا إلى المخطط الاستعماري لتجزئة الوطن العربي والسيطرة عليه ونهب خيراته وزرع بذور الخلافات الحدودية بسبب الطريقة المشوهة التي أُنشأت فيها الحدود العربية خدمةً لمصالح وأهداف الدول المستعمرة في المنطقة العربية، وخُصِصَ مبحثاً ثانياً لدراسة النزاعات الحدودية الدولية بشكلٍ عام والعربية بشكل ٍ خاص فحدد معنى النزاعات الحدودية وأنواعها وأسبابها سواءً أكان النزاع على منطقة حدودية معينة أم كان على موقع الحد. وكان لابد لنا أن نعرف الطرق التي تتم بها تسوية النزاعات الحدودية لذلك خُصِصَ المبحث الثالث لدراسة هذه الطرق فقسمها إلى قسمين: الوسائل السياسية والدبلوماسية واشتملت على المفاوضات والمساعي الحميدة والوساطة والتحقيق والتوفيق ثم التسوية السياسية عن طريق المنظمات الدولية، أما القسم الثاني فقد تناول الوسائل القانونية والقضائية والتي تشمل التحكيم بشقيه الإجباري والاختياري وطرقه الثلاثة وهي التحكيم بواسطة رئيس دولة أو قاضي، أو عن طريق اللجان المختلطة، أو بواسطة محكمة، كما اشتملت الوسائل القانونية والقضائية على القضاء الدولي الذي يختلف عن التحكيم بأنه يعرض النزاع على هيأة دائمة لها وجود سابق على النزع بينما التحكيم يعرض على هيأة لها صفة مؤقتة تشكل بعد النزاع وتنتهي بنهايته. كما تطرقنا إلى الوسائل الاكراهية لتسوية النزاعات بين الدول والتي تسمى أيضاً الوسائل اللاودية مثل قطع العلاقات الدبلوماسية والمعاملة بالمثل والحصار السلمي والمقاطعة والاقتصادية وحجر السفن.وهناك وسائل قد تؤدي إلى استخدام القوة المسلحة منها الاحتلال المؤقت، وضرب المدن والموانئ بالأسلحة والقنابل. ويعتمد اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة في تسوية النزاعات الحدودية على ثلاث معطيات أولها الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية للمنطقة، وطبيعة العلاقة بين الدول المتنازعة وحجم القوات المسلحة وإمكانياتها الفنية.

وقد تناول الفصل الثالث  النزاعات الحدودية العربية – العربية في المشرق العربي، وتناول الفصل الرابع النزاعات الحدودية في المغرب العربي. بينما تناول الفصل الخامس دراسة تقييمية لدور وسلوك الجامعة العربية في تسوية النزاعات، مقارناً جامعة الدول العربية بمنظمات أخرى كمنظمة الدول الأمريكية ومنظمة الوحدة الأفريقية، وشارحاً اتجاهين مثلهما أنصار المنظمات الإقليمية وأنصار المنظمات الدولية ومحللاً المقومات الإقليمية والخصوصية التي تتمتع بها جامعة الدول العربية قياساً بالمنظمة الدولية-الأمم المتحدة- أو المنظمات الإقليمية الأخرى.

وكان لابد من معرفة موقف جامعة الدول العربية من جميع الوسائل السياسية والقانونية في تسوية النزاعات الحدودية لذلك خُصص مبحث لمعرفة هذه المواقف من خلال دراسة جانبين هما النصوص ومدى الصلاحيات التي تمنحها للجامعة في استخدام كل وسيلة على حدة، والاتجاه الثاني الاستخدام الفعلي لكل من وسائل التسوية. والنزاعات الحدودية التي تناوله البحث هي:

أزمة الضفة الغربية بين الأردن ومعظم أعضاء الجامعة (1950) إثرَ محاولة ضم الأردن للضفة الغربية لنهر الأردن بناءً على قرار صدر من البرلمان الأردني.

النزاع المصري السوداني (1958) الذي نشب بسبب تخطيط الحدود بين البلدين.

النزاع العراقي-الكويتي (1961). عندما طالب رئيس الوزراء العراقي الأسبق الزعيم الركن عبد الكريم قاسم بالكويت واعتبرها جزءاً تابعاً لمحافظة البصرة وأصدر بياناً بتعيين أمير الكويت قائم مقامٍ لها.

الحرب الجزائرية-المغربية (1963) والتي نشبت بسبب الحدود بينهما.

النزاع بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي (1972) .

النزاع حول الصحراء الغربية (1976) بين المغرب والجزائر وموريتانيا.

النزاع الحدودي المصري-الليبي (1977).

نستنتج من دراستنا لدور جامعة الدول العربية في تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية ما يأتي:-

فضلت الجامعة في كل النزاعات الحدودية التي عرضت عليها أو واجهتها أو عالجتها اللجوء إلى الأساليب السياسية والدبلوماسية. فلم تحاول أبداً الاعتماد على الطرق التحكيمية والقضائية. فمثلاً لجأت إلى إصدار قرار بتأليف لجنة وساطة في النزاع الحدودي بين الجزائر والمغرب عام (1963) وفي النزاع الحدودي بين دولتي اليمن، سعى المجلس في أيلول (1972) إلى تكوين لجنة من ممثلي بعض الدول العربية لتحقيق المصالحة بينهما، وعندما نشب النزاع بين الجزائر من جهة والمغرب وموريتانيا من جهة ثانية حول الصحراء الغربية قام الأمين العام للجامعة في شباط عام (1976) بمهمة الوساطة بين الأطراف المتنازعة.

اتسم عمل الجامعة في مجال حل النزاعات الحدودية أو تسويتها دوماً بالتلكؤ والتردد والتباطؤ فعلى سبيل لمثال، تلكؤ المجلس في النزاع الحدودي بين العراق والكويت عام (1961)، وكذلك في النزاع بين الجزائر والمغرب عام (1963) – وكما مرَّ ذكره-.

أستعصي على الجامعة العربية نزاعات حدودية كثيرة ولم تجد لها حلاً داخل الجامعة بل وجدت حلها خارج نطاق جامعة الدول العربية، كما في نزاع الحدود بين المغرب والجزائر حيث رفضت وساطة بعض الدول العربية (تونس والجمهورية العربية المتحدة) وقبلت وساطة جمهورية مالي غير العربية.

إن بعض النزاعات الحدودية العربية التي رفعت للجامعة كانت ترتدي طابعاً شخصياً بل كانت أحياناً مفتعلة أو مزاجية أو انعكاسا لخصومة شخصية بين القادة السياسيين، وكثيراً ما كان سوء التفاهم والتقدير أو الرغبة في الانتقام أو الحقد الدفين، عنصراً مهماً في اندلاع الخصومات بين الدول العربية. فبعض النزاعات الحدودية قام بتحريض خارجي أو لتحقيق أغراض سياسية، أو لإرضاء نزوة شخصية. فشخصية عبد الكريم قاسم مثلاً طبعت النزاع بين العراق والكويت عام (1961) بطابعها، كما إن خوف حكومة السودان من آثار الوحدة المصرية السورية هو الذي دفعها في شباط (1958) – الشهر الأول لإعلان الوحدة – إلى إثارة النزاع الحدودي مع مصر. فمعظم النزاعات الحدودية التي نشبت كانت نتيجة قرارات شخصية لا تمت إلى المؤسسات بصلة، فهي غالباً ما ترتبط بصانع القرار أكثر من ارتباطها بالظروف الموضوعية والسياسات المعتمدة.

اتخذت جامعة الدول العربية في بعض الأحيان موقف اللامبالاة إزاء بعض النزاعات الحدودية العربية – العربية، وكأن الأمر لا يعنيها ولا يسيء إلى هيبتها ومركزها. ففي النزاع الحدودي بين مصر والسودان عام (1958)، وعلى الرغم من المذكرة المقدمة من حكومة الخرطوم، لم تجد الأمانة العامة للجامعة من المناسب دعوة المجلس للانعقاد، والغريب أن الدول الأعضاء نفسها لم تتحرك لدعوة المجلس إلى الاجتماع والبحث عن التسوية.

إن موقف اللامبالاة هذا لدى الجامعة يقابله غالباً لدى الدول الأعضاء انعدام الثقة بالجامعة وبقدرتها على تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية، فعلى سبيل المثال عندما طلبت حكومة الخرطوم من الأمين العام للجامعة القيام بمهمة الوساطة في نزاعها مع مصر عام (1958)، عمدت في اليوم نفسه إلى رفع شكواها إلى مجلس الأمن الدولي، معلنة بذلك استخفافها بشأن الجامعة. كما رفض المغرب وساطة الجامعة في نزاعه مع الجزائر عام (1963)، وفضل الطرفان عرض مشكلتهما على مجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية.

بعض النزاعات الحدودية العربية – العربية نشأت قبل انضمام أحد الطرفين المتنازعين إلى الجامعة، أو نشأت بسبب رغبة أحد الأطراف في الانضمام إليها، كما في الأزمة بين العراق والكويت عام (1961).

بعض النزاعات العربية لم تكن في حقيقتها نزاعاً بين أطراف، وإنما كان موقفاً من بعض المشكلات والقضايا فالخلاف القائم بين المغرب والجزائر حول الصحراء الغربية ما هو إلا موقفاً من مصير هذا الإقليم ومن مفهوم الاستفتاء الذي دعت إليه الأمم المتحدة، فموقف الجزائر مثلاً لم يكن ينطوي على أي مطلب إقليمي في المنطقة.

لم يكن للجامعة فضل في منع الأطرف المتنازعة من تحويل المناوشات أو التحرشات أو الهجمات على الحدود المشتركة إلى حروب شاملة، بل إن الفضل في ذلك يعود إلى عوامل وظروف ومبررات خارجية.

إن بعض النزاعات الحدودية التي اندلعت بصورة مفاجئة لا يمكن أن تفسر إلا برغبة بعض الأنظمة العربية في إثارة المشكلات والصعوبات في وجه أقطار عربية حديثة العهد بالاستقلال، أو إنها على وشك نيل استقلالها، بهدف احتوائها أو السيطرة عليها أو الحصول على شيء من ثرواتها أو الاستفادة من واقعها، مثال ذلك الأزمة بين العراق والكويت وأزمة الصحراء الغربية.

ظهور ظاهرة تجاوز الجامعة العربية إلى غيرها من المنظمات ولا سيما منظمة الأمم المتحدة ومثال ذلك معظم النزاعات في منطقة الخليج العربي.

إن السبب الظاهر أو المعلن لعدد كبير من النزاعات الحدودية العربية – العربية، كان تغطيةً للسبب الحقيقي أو الفعلي فبعضها كانت أسبابه الحقيقية أيدلوجية، ويلاحظ أن اهتمام الجامعة كان في معالجة الأسباب الظاهرة دون الاهتمام في الأسباب الحقيقية.

ارتبط ظهور بعض النزاعات الحدودية العربية – العربية بموقف الدولتين العظمتين في النظام الدولي، فعندما حدث تقارب مثلاً بين اليمن الجنوبي والكتلة الاشتراكية، اندلعت الخصومات والمعارك بين دولتي اليمن وبين اليمن الجنوبي وبعض الدول العربية الجارة.

تأثر دور الجامعة العربية في تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية إلى حد كبير بسياسة المحاور في الوطن العربي، فقد ظهرت عدة محاور داخل الجامعة العربية كمجلس التعاون لدول الخليج العربي والاتحاد المغربي، وغيرها.

لم تكن جامعة الدول العربية سوى مرآة عاكسة للأوضاع والعلاقات العربية – العربية، فنلاحظ أن دورها يصاب بالشلل عندما تتأزم العلاقة بين أثنين فقط من أعضائها الفاعلين فيها، فما بالك إذا ساءت العلاقات بين عدد كبير من أعضائها.

افتقار الجامعة إلى محكمة عدل عربية حتى هذه اللحظة قوض من دور الجامعة في تسوية النزاعات الحدودية ذات السمة القانونية.

إن أزمة العمل ضمن إطار الجامعة العربية ليست أزمة نصوص فحسب وإنما هي أزمة ممارسة وسلوك.

إن طبيعة نزاعات الحدود بين الدول العربية يصعب تمييزها، فقد تأخذ طابعاً قانونياً مرة وسياسياً مرةً أخرى. لذا فإن الوسائل السياسية قليلة الجدوى معها.

إهمال ميثاق الجامعة لمفاهيم الأمن القومي العربي، فهو لم ينص على إنشاء مؤسسة تتولى مسؤولية ضمان الأمن القومي العربي، ولم يشر حتى إلى مصطلح الأمن القومي العربي.

ضعف العلاقة بين الأمين العام وقادة الأقطار العربية، وبقاء بعض الأمناء العامون لمدة طويلة في مناصبهم مما يجعلهم يقعون تحت نفوذ دولة المقر، والتي هي أساساً لها دور كبير على كل الجامعة العربية من حيث تكوينها ومن حيث نشاطها أيضاً.

إن مجلس الجامعة ليست الهيئة الوحيدة التي كان لها دور عملي في تسوية نزاعات الحدود العربية بل إن هناك جهات أخرى لم ينص عليها الميثاق كالأمين العام ومؤتمرات القمة العربية.

تبدو إنجازات الجامعة كبيرة جداً إذا ما أخذنا بنصوص الميثاق معياراً لتقييمها، كما تبدو هذه الإنجازات هزيلة ومحدودة جداً إذا ما كانت الآمال المعقودة على الجامعة من قبل الشعب في كل الدول العربية معياراً لتقييمها.

اتضح من استخدام المقاييس الرياضية إن نسبة إنجاز الجامعة في مجال تسوية النزاعات الحدودية لا تتجاوز (30%) فقط، ورغم ضآلة هذه النسبة إلا إنها يمكن إن ترتقي لترضي طموحات الدول العربية وشعوبها، فيما لو قاموا بإصلاح مؤسستهم الرئيسة، أو تقديم تنازلات من سيادتهم القطرية لصالح السيادة القومية والمصلحة العربية، وإلا فأن مستقبل الجامعة العربية سيؤول إلى ما آلت إليه عصبة الأمم، وإذا قامت على أنقاض العصبة منظمة قوية، فقد لا تقوم على أنقاض الجامعة سوى التناحرات والصراعات بين أعضائها.

وأخيراً فنحن لا نوصي بحل الجامعة العربية أو إلغائها بقدر ما نضم أصواتنا إلى دعاة الإصلاح وإعادة التأهيل، وننقد كل الداعين إلى تفكيكها وانفراط عقدها. فجامعة الدول العربية وإن لم تكن منظمة فاعلة في مواجهة الأحداث الدامية والأزمات التي عاناها العرب طوال أكثر من نصف قرن مضى، فأنها تظل المنظومة العربية الوحيدة التي تدل على أن هناك نظاماً عربياً في الحد الأدنى.

نشأة جامعة الدول العربية

نبذة تاريخية

انقسم الباحثون في تفسير أسباب نشوء جامعة الدول العربية إلى ثلاثة آراء:

الرأي الأول يرى أن فكرة الجامعة وتكوينها يعود إلى قوى أجنبية ذات نفوذ وسطوة في النظام الدولي العالمي الذي كان قائما آنذاك وبالتحديد بريطانيا، فيرى أنصار هذا الرأي إن التطورات التي وصل إليها النظام الدولي والتي انحدرت به إلى اشد حالات الفوضى واللانظام باندلاع الحرب العالمية الثانية دفعت بريطانيا إلى تغيير سياستها في المنطقة([1])، فبعد ان كانت تتبع سياسة فرق تسد أصبحت سياستها الجديدة اجمع واحكم.([2])

يذّكر أنصار هذا الرأي دائما بخطاب وزير الخارجية البريطاني انطوني آيدن الذي ألقاه في بلدية لندن في 29/مايس / 1941.([3]) إذ قال  “لقد خط العالم العربي خطوات واسعة في طريق الرقي وهو يطمح الآن إلى تحقيق نوع من الوحدة يجعل منه عالما متماسكا، ويرجو ان تساعده بريطانيا العظمى في بلوغ هذا الهدف، ويسرني ان أعلن باسم حكومة صاحبة الجلالة عن ترحيب بريطانيا بهذه الخطوة، وعن استعدادها لمساعدة القائمين بها”([4]).

وخطابه في مجلس العموم في 24 / فبراير / 1943 إذ قال “ان الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب لتقرير الوحدة الاقتصادية والثقافية والسياسية بينهم، ولكن من الجلي ان الخطوة الأولى لتحقيق أي مشروع يجب ان تأتى من جانب العرب أنفسهم” يعزو أنصار هذا الرأي ولادة الجامعة إلى إرادة أجنبية واستجابة تنظيمية لمصالح وسياسات بريطانيا على وجه التحديد،([5]) فقد سعت بريطانيا إلى احتواء التيار القومي العربي بما يحقق مصالحها في المنطقة العربية([6]) رغم أنها شجعت قيام نوعين من الاتحادات الشكلية في المشرق العربي وهما مشروعا (الهلال الخصيب) (سوريا الكبرى)([7]) وبسبب فشل هذين المشروعين فقد وجهت بريطانيا أنظارها إلى مصر لتحقيق أهدافها الاستعمارية في المنطقة العربية تحت ظل المشاريع الوحدوية الوهمية فاستطاعت عبر اتصالاتها مع الحكومة المصرية ان تفتح الطريق أمام قيام جامعة الدول العربية إذ اضطلعت الحكومة المصرية بالجمع بين الحكومات العربية المستقلة في تلك الفترة (العراق ، الأردن ، اليمن ، السعودية، سوريا ، لبنان) واجتذبت الرأي العام العربي نحوها من جهة، وإفشال مشروع (الهلال الخصيب الذي تبناه نوري السعيد من جهة أخري دعا مصطفى النحاس رئيس الحكومة المصرية رؤساء الحكومات العربية تباعاً، بدءاً بنوري السعيد لتبادل الرأي معهم بشأن تأسيس الجامعة اعتبارا من أواخر عام 1943 وبدايات عام 1944.([8])

أما الرأي الثاني فكان يرى أنها ثمرة من ثمار الاستجابة الحكومية لإرادة الأمة العربية وتوجهها نحو الوحدة.([9]) ويستند أنصار هذا الرأي إلى مجموعة من الأفكار أولها ان الدور البريطاني لم يكن دوراً منشئاً أو مبادراً، لأنه لا توجد دولة مهما كان نفوذها ومهما بلغت درجة هيمنتها السياسية قادرة على نفخ الروح في فكرة من العدم. أما الفكرة الثانية التي استند إليها أنصار هذا الرأي، هي ان السلوك السياسي البريطاني، وكما اتضح لاحقاً، كان سلوكا معاديا لتطوير الآصرة العربية وساعياً إلى منافستها بأواصر مصطنعة أهمها الأواصر الشرق أوسطية.([10]) كما ان الوعي السياسي العربي قد بلغ مرحلة مهمة وخطيرة من مراحل تطوره القومي([11])، ولم تكن حركة النضال من اجل الوحدة العربية بمعزل عن حركة النضال من اجل التحرر والاستقلال الوطني،([12]) وفي ضوء ذلك أنقسم قادة الرأي من السياسيين العرب – في الوقت الذي كان فيه طرفا النزاع العالمي: الحلفاء (بريطانيا ، فرنسا) والمحور (ألمانيا ، إيطاليا) يعلن كل منهما العطف على الأماني العربية – بين داعٍ للوقوف على الحياد ومنادٍ لمناصرة الحلفاء،([13]) وبسبب خشية الأغلبية من الخطر الذي تمثله أنظمة المحور الدكتاتورية على مستقبل البلاد العربية فقد نادوا بوجوب دعم الحلفاء والوقوف إلى جانب بريطانيا أملاً في ضمان معونتها بتحقيق أماني العرب القومية عند انتهاء الحرب.([14])

في ظل تلك الظروف كان قيام ثورة نيسان / مايس / 1941 في العراق بأبعادها القومية، وإعلانها حياد العراق في النزاع الدولي القائم يمثل إنذارا لبريطانيا لتغيير رؤيتها ومراجعة سياستها في المنطقة لاسيما وأنها لم تكن حدثا طارئ وإنما كانت تعبيرا دقيقا عن قوة الحركة العربية ومدى طموحها لتحقيق الأماني العربية في الاستقلال والوحدة([15]).

وكانت بريطانيا تخشى امتداد الثورة واندلاعها في مناطق اخرى مثل مصر([16])، وقد زاد الأمر تعقيداً ما كانت تواجهه بريطانيا نفسها من أعباء ثقيلة سياسية وعسكرية واقتصادية في ظل الحرب القائمة([17]).

ويرى أنصار هذا الرأي ان هذا الواقع العربي هو الذي اثر في السياسة البريطانية([18]) ومواقفها تجاه العرب فجعلها تساند توجهاتهم الوحدوية التي لم تعد قادرة على كبحها وتحجيمها.([19])

أما الرأي الثالث والذي يعتقد الباحث بأنه اقترب كثيرا من الحقيقة فقد كان أنصاره يدمجون بين متغيرات عدة، عربية وإقليمية ودولية كانت قد أثرت في ولادة جامعة الدول العربية،([20]) فعلى المستوى العربي يمكن القول ان الحقيقة العربية كانت هي حجر الأساس لهذا التطور التاريخي فمن ناحية كانت الحرب مناسبة لنمو الحركات الوطنية ونشاط المقاومة ضد الوجود الاستعماري الأمر الذي انعكس على استقلال عدد متزايد من الدول العربية وأنشأ الحاجة إلى إقامة نوع من التوازن بين القوى السياسية الذي أدى فيه العراق ومصر دوراً فاعلاً، ومن ناحية ثانية، فقد تعززت الحاجة إلى الوحدة مع الوعي بمخاطر الحركة الصهيونية وتقاطر الهجرة اليهودية إلى فلسطين بدور لا يغفل للدولة المنتدبة عليها (بريطانيا) تحقيقا لحلم (الدولة اليهودية) ومن ناحية ثالثة أدى الاحتكاك بالغرب نتيجة البعثات التعليمية إلى الانفتاح على بعض الأفكار والتيارات السياسية التي كانت تعتمل فيه، وفي مقدمتها الفكرة القومية، ومن ناحية رابعة بدت ان هناك درجة معقولة من التبادل التجاري وانتقال الأشخاص لاسيما بين الشرق العربي على نحو بدا وكأنه يعرض الأساس المادي للوحدة، إضافة إلى الأساسين الروحي والثقافي.

وعلى المستوى الإقليمي ساعدت التطورات التي كانت تجتازها دول الجوار الجغرافي لاسيما ( تركيا وإيران ) عن شغلها بنفسها وصرفها عن محاولة إجهاض مساعي العرب إلى الوحدة ([21]).

وعلى المستوى الدولي فقد تلت الحرب العالمية الثانية مرحلة انتقالية من مراحل تطور النظام الدولي صرفت انتباه الولايات المتحدة إلى المناطق المجاورة للاتحاد السوفييتي (السابق) وأوربا الشرقية والصين، فيما تركت المنطقة العربية مؤقتا ضمن اهتمامات بريطانيا و فرنسا بخبرتيهما الطويلة في الشؤون العربية([22]) . وفيما يخص بريطانيا تحديدا فمن المهم في تحليل موقفها من تأسيس الجامعة العربية توضيح حقيقتين بالغتي الأهمية:

الأولى أنها أدت بالفعل دورا مسانداً لتأسيس جامعة الدول العربية لأسباب مصلحيه، والحقيقة الثانية انه مع تظافر كل العوامل الأخرى فان الدور البريطاني لم يكن منشئاً أو مؤسساً بل كان مكملاً و مساعداً([23])، فقد بدأت المبادرة إلى إقامة الجامعة في ظل ظروف “توازن دولي دقيق .. وحاجة المعسكرين الدوليين المتحاربين إلى تأييد العرب أو تحييدهم في الأقل، وما خالطه من سباق سياسي ودعائي مارسه معسكرا الصراع، الحلفاء والمحور لاسترضاء الميول العربية كل وفق تصوراته ومصالحه”([24])، فقد وجدت بريطانيا ان وجود أحد الأشكال المؤسسية التي تنضم فيها الدول العربية المستقلة – في حينه – يخدم مصالحها من عدة وجوه:

أ. التعاطي مع أماني المنطقة تعاطياً جديدا تحسبا للمنافسات الدولية والفرنسية خصوصاً([25]).

 ب. التجاوب مع المد الاستقلالي والتحرري الذي بدا انه سيكون أحد معالم العلاقات الدولية بعد انتهاء الحرب.

ج. الاعتبار بالانتفاضات التي حصلت ضدها ومنها ثورة 1936 في فلسطين، وثورة العراق عام( 1941 ) -كما مر ذكره – وحركات التمرد ضدها في مصر.

د. حل قضية اليهود في فلسطين توهماً منها ان تأسيس (دولة يهودية) لا يمكن ان يتم إلا من خلال إطار عربي عام قادر على إعطاء التنازلات للصهاينة وموحد لكلمة العرب ومنسقها بهذا الشأن.

هـ. الاستفادة من خبرة الحرب العالمية الثانية 1939-1945 التي أكدت الطبيعة الواحدة اقتصاديا واستراتيجيا للمنطقة العربية كمنطقة تزخر باحتياط نفطي ضخم، وكمعبر لأحد أهم المجاري المائية الدولية (قناة السويس) وكحلقة وصل بين الشرق والغرب، وبالتالي الشعور بالحاجة للتعامل مع هذه الحقيقة بما يلائمها.

وفي ضوء هذا السياق جاء خطاب انطوني ايدن الذي أشرنا إليه سابقا([26])، إذ كان أول رد فعل حكومي رسمي على خطاب آيدن هو اقتراح نوري السعيد رئيس وزراء العراق، بعقد مؤتمر عربي يبحث الموضوع([27])، غير ان وزارة الخارجية البريطانية رفضت الاقتراح خشية منها ان يستغل من اجل الدعاية ضد الصهيونية وإثارة الجماهير العربية ضدها، وبناءً على ذلك لجأ نوري السعيد إلى المباحثات الثنائية وبعث برسالة إلى مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر آنذاك في 17/3/1943 يعرض عليه فكرة عقد المؤتمر، ثم بعث رسالة مماثلة إلى الملك عبد العزيز وأرسل وفدا رسميا عراقيا إلى كل من سوريا والأردن للتشاور مع قادة البلدين حول الخطوط العريضة للتعاون العربي المشترك وعقد مؤتمر عربي عام، وقد جاء رد  مصطفى النحاس متأخراً بخطاب ألقاه في مجلس الشيوخ المصري وزير العدل نيابة عنه في 30/3/1943.([28]) افترض مصطفى النحاس في هذا الخطاب قيادة مصر للحركة العربية ونصب نفسه داعية للوحدة العربية وبادر بتوجيه الدعوات إلى كل من رئيس الوزراء السوري جميل مردم ورئيس الكتلة الوطنية في لبنان الشيخ بشارة الخوري – الذي اصبح رئيسا للجمهورية فيما بعد – إلى زيارة مصر وتبادل وجهات النظر فيما يخص فكرة إنشاء الجامعة([29]).

وقد جاءت تصريحات الأمير عبد الله ملك الأردن آنذاك متوافقة مع ما دعا إليه النحاس. وفي سبتمبر / أيلول / 1943 بدأت المشاورات بين مصر وكل من الأردن والعراق وسوريا، وصدرت تصريحات ووجهات نظر كثيرة من المشاركين([30])، وعرفت هذه المرحلة بمشاورات الوحدة العربية([31])، نتج عنها بروز  ثلاثة اتجاهات رئيسية هي:([32])

أولا: وحدة سوريّة كبرى بزعامة الأمير عبد الله وبمساندة من نوري السعيد الذي كان يرى في هذا الأمر خطوة باتجاه (الهلال الخصيب).

ثانياً: قيام دولة موحدة تشكل أقطار الهلال الخصيب بزعامة العراق.

ثالثاً: قيام وحدة أو اتحاد اشمل واكبر يضم مصر وسوريا واليمن بالإضافة إلى أقطار الهلال الخصيب وقد انقسم أصحاب هذا الاتجاه إلى قسمين، قسم يدعو إلى اتحاد فدرالي أو كونفدرالي أو نوع من الاتحاد له سلطة عليا تفرض إرادتها على الدول الأعضاء، وقسم آخر يرى قيام اتحاد يعمل على التعاون والتنسيق بين الدول العربية مع احتفاظ كل دولة باستقلاليتها([33]).

وبعد تلك المشاورات وجه النحاس في 12 تموز 1944 الدعوة إلى الحكومات العربية التي شاركت في المشاورات التمهيدية لإرسال مندوبيها للاشتراك في اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام والتي ستتولى صياغة الاقتراحات المقدمة لتحقيق الوحدة العربية، واجتمعت تلك اللجنة بحضور مندوبين عن مصر وسوريا ولبنان والعراق وشرق الأردن والسعودية واليمن وعن عرب فلسطين، وبعد ثمان جلسات متوالية استبعد المجتمعون فكرة الحكومة المركزية ومشروعي سوريا الكبرى والهلال الخصيب، وانحصر النقاش في اقتراح رئيس الوفد العراقي نوري السعيد بتكوين مجلس اتحاد لا تنفذ قراراته إلا الدول التي توافق عليه، خوفا من التأثير على سيادة الدول الأعضاء، وتدخل النحاس فأكد ان فكرة اتحاد عربي له سلطة تنفيذية وقرارات ملزمة أمر يستبعده الجميع للأسباب نفسها التي أدت إلى استبعاد فكرة الحكومة المركزية، و يبقى بعد ذلك الرأي القائل بتكوين اتحاد لا تكون قراراته ملزمة إلا لمن يقبلها هو الرأي السائد والأكثر قبولاً([34]).

وبعد مناقشات طويلة وشاقة اتفق الأطراف على توقيع اتفاقاً بينهم

في 7 تشرين الأول 1944 عرف بـ ( بروتوكول الإسكندرية) وتضمن الخطوط الرئيسة لميثاق جامعة الدول العربية الحالي ([35])، والذي وقع في 22 آذار من عام (1945) وسط غمرة من الابتهاج والأمل([36]).

وهكذا ولدت جامعة الدول العربية([37]) “نتيجة تفاعل عقيدة النظام مع البيئة الدولية ومع هياكل النظام العربي، إذ كان التيار القومي متصاعدا ودافعا نحو قيام وحدة ترضي تطلعات أجيال متعاقبة في الوطن العربي، بينما كانت القوى الاستعمارية والأوربية تسعى بالاشتراك مع النظم العربية القائمة وقتئذ للتعجيل من إنشاء شكل من أشكال التنظيم الإقليمي يحتوي تطلعات هذا التيار دون ان يحققها، ولذلك برزت الجامعة العربية إلى الوجود وهي تحمل معها تناقضات ثلاث:- فكر قومي، وتدخل حاد من البيئة الدولية، ومنطق القطرية والسيادة الوطنية”([38]). ولا اعتقد ان ثمة غرابة في ان تحمل جامعة الدول العربية مثل هذه التناقضات لان ولادتها كان نتيجة حتمية للأوضاع التي آل إليها العالم بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص. وفي النهاية يمكن القول ان قيام الجامعة لم يكن بديلاً عن الوحدة أو الاتحاد بين العرب وإنما كان بديلا عن حالة الفوضى وعدم التنسيق القائمة بين الدول العربية قبل قيام الجامعة([39]). فمولد جامعة الدول العربية لم يزل الخلافات بين أعضائها بل أصبحت منبرا للتعبير عن مظالم العرب وخلافاتهم([40])، ومع هذا فان الجامعة كانت في نظر القوميين العرب وأنصار الوحدة العربية، نقطة بداية وخطوه أولى نحو تحقيق غاياتهم المنشودة، إضافةً إلى كونها تجمع إقليمي للأنظمة العربية ليقف أمام التجمعات الدولية المشابهة.

أهداف جامعة الدول العربية

أهم الأهداف التي نص عليها الميثاق هي:([41])

السعي إلى استتباب الأمن والسلام بين دول الجامعة وحل جميع النزاعات التي يمكن ان تنشأ بينها بالطرق السلمية ( المادة 5)

صيانة أمن واستقلال الدول العربية من أي اعتداء خارجي ( المادة 6).

توثيق التعاون بين أعضاء الجامعة العربية في جميع الميادين الصحية والاجتماعية والاقتصادية والمالية والمواصلات والثقافة وشؤون الجنسية والجوازات والتأشيرات وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين.

تنسيق الخطط السياسية ومساعدة الأقطار العربية التي مازالت خاضعة للاستعمار أو مرتبطة فيه حتى نيلها الاستقلال.

ونلاحظ مما سبق إن أول وأهم أهداف الجامعة العربية هو استتباب الأمن والسلم بين الدول العربية، ولن يكون ذلك إلا بتسوية النزاعات التي يمكن أن تنشأ بين أعضائها بالطرق السلمية، فإلى أي مدى تمكنت الجامعة العربية من تحقيق هذا الهدف؟.

مبادئ جامعة الدول العربية

يمكن تلخيص أهم المبادئ التي تضمنها ميثاق الجامعة  بالشكل الآتي :

المساواة التامة بين الأعضاء.

المحافظة على سيادة الدول الأعضاء وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

عدم اللجوء إلى القوة لحل المشاكل القائمة أو التي يمكن ان تنشأ بينها والدعوة إلى حلها بالوسائل السلمية من وساطة وتحكيم.([42]) ودخل الميثاق حيز التنفيذ في 11 مايو / تموز 1945([43]).

وإذا كان عدم اللجوء إلى القوة المسلحة لحل النزاعات التي تنشب بين أعضاء الجامعة العربية من أهم مبادئها، فلا بد من وقفة طويلة أمام نقطتين هامتين؛ الأولى، إلى أي مدى استطاعت الجامعة العربية تحقيق هذا المبدأ؟ والنقطة الثانية، ما هي وسائلها وأدواتها في تحقيقه؟.

لذا أصبح من الضروري دراسة هيكلية الجامعة العربية لمعرفة الأجهزة الرئيسة التي تقوم بتحقيق أهداف ومبادئ الجامعة العربية. وهذا ما سيخصص له المبحث القادم من الرسالة.

 هيكلية جامعة الدول العربية ونظام اتخاذ القرارات وتنفيذها

أولاً: هيكلية جامعة الدول العربية([44])

تتكون جامعة الدول العربية من ثلاثة أجهزة رئيسية أنشئت بمقتضى الميثاق، ويوجد بالإضافة إلى ذلك أجهزة أخرى أنشأتها معاهدة الدفاع العربي المشترك عام 1950، وأجهزة أخرى أنشئت بقرارات من مجلس الجامعة.

أولاً: مجلس الجامعة

يتألف هذا المجلس الذي يعد أعلى سلطة في الجامعة من ممثلي الدول الأعضاء، ولكل دولة صوت واحد مهما كان عدد ممثليها. وقد عُدّت مؤتمرات القمة للملوك والرؤساء العرب دورات لمجلس الجامعة ولم تعد تلك المؤتمرات جهازا من أجهزتها.

وعقدت الجامعة منذ نشأتها مؤتمرات قمة كثيرة كان أولها في أنشاص قرب القاهرة يومي 28 و29 مارس/ آذار 1946 تأييدا لموقف مصر أمام بريطانيا بعد إلغائهما معاهدة (1936)، ولاتخاذ قرار عربي موحد في قضية فلسطين.

وفي عام (1973) حسم النظام الداخلي لمجلس الجامعة قضية التمثيل فتقرر ان يعقد المجلس دوراته على مستوى وزراء الخارجية أو مستوى أعلى، ولهم ان ينيبوا عنهم مندوبين أو مفوضين وفقا للمادة الثانية من هذا النظام.([45])

اختصاصات المجلس

وفقا لميثاق الجامعة يختص المجلس بمراعاة تنفيذ الاتفاقات الموقعة بين الدول الأعضاء، ودعم التعاون بين الدول العربية والهيئات الدولية المعنية بحفظ السلم والأمن الدوليين واتخاذ التدابير اللازمة لدفع ما قد يقع على إحدى دول الجامعة من عدوان فعلي أو محتمل، وفض النزاعات التي تنشأ بين الدول العربية عن طريق الوساطة أو التحكيم، وتعيين الأمين العام للجامعة وتحديد أنصبة الدول الأعضاء في ميزانية الجامعة، وأخيرا وضع النظام الداخلي للمجلس واللجان الدائمة والأمانة العامة([46]).

أسلوب عمل المجلس

يعقد مجلس الجامعة طبقاً لنص الميثاق اجتماعين عاديين سنويا أحدهما في مارس/ آذار والآخر في سبتمبر/ أيلول. ويجوز للمجلس ان ينعقد في دورات غير عادية إذا دعت الحاجة إلى ذلك بناء على طلب دولتين أو أكثر من دول الجامعة أو بناء على طلب من إحدى الدول الأعضاء المعتدى عليها. ويتولى الأمين العام تحديد موعد الانعقاد على ان يكون مكانه في مقر الجامعة أو أي مكان آخر يعينه المجلس. وتكون اجتماعات المجلس صحيحة إذا حضرها أغلبية الأعضاء، وبالنسبة لرئاسة المجلس تكون بالتناوب الهجائي الألفبائي لأسماء الدول الأعضاء.

ويبدأ الاجتماع بالموافقة على جدول الأعمال، ثم توزع الموضوعات المدرجة فيه على اللجان الفرعية المؤقتة لدراسته، ثم تقدم تقاريرها متضمنة توصيات للمجلس بالقرارات المناسبة.

التصويت في مجلس الجامعة

نصت المادة السابعة من الميثاق على ان ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزما لجميع الدول المشتركة في الجامعة وما يقرره المجلس بالأكثرية يكون ملزما لمن يقبله.

غير ان الميثاق لا يشترط الإجماع في كل الحالات المعروضة لأن الإجماع غير مطلوب إلا عند اتخاذ التدابير اللازمة لدفع العدوان على إحدى دول الجامعة أو عند اتخاذ قرار حول فصل أحد الأعضاء.

وبالنسبة لتعيين الأمين العام وتعديل الميثاق يكتفى في التصويت بأغلبية ثلثي الأعضاء. وفي إقرار الميزانية وفض دورات الانعقاد وإقرار اللوائح الداخلية للمجلس واللجان وقرارات الوساطة والتحكيم والقرارات المتعلقة بشؤون الموظفين يكتفى بالأغلبية العادية (50%+1) من كل الدول الأعضاء في الجامعة وليس الحاضرين فقط.

اللجان الفرعية

تساعد مجلس الجامعة عدة لجان فنية دائمة مهمتها إعداد دراسات فنية متخصصة فيما يحال إليها من موضوعات، وأقرت المادة الرابعة من الميثاق ذلك حينما قررت تأليف لجان خاصة للشؤون المبينة في المادة الثانية وتمثل فيها الدول المشتركة في الجامعة. وتتولى هذه اللجان وضع قواعد التعاون ومداه وصياغتها في شكل مشروعات اتفاقيات تعرض على المجلس للنظر فيها تمهيدا لعرضها على الدول المذكورة. وهذه اللجان وفقا لنظام المجلس الداخلي هي:

-لجنة الشؤون السياسية.

 -لجنة الشؤون الاقتصادية.

 -لجنة الشؤون الاجتماعية والثقافية.

– لجنة الشؤون المالية والإدارية.

– لجنة الشؤون القانونية.

ثانياً: الأمانة العامة([47])

يوجد للجامعة العربية أمانة دائمة وظيفتها الأساسية تصريف الأمور الإدارية والمالية والسياسية للجامعة، وتعد الأمانة العامة بمثابة الجهاز الإداري وتضم:

الأمين العام

 وهو الموظف الأعلى في الأمانة العامة، وتكون له درجة أعلى من درجة الوزير وذلك لدعم نفوذه السياسي في المنظمة، هولا يمثل أي دولة ولا يتلقى تعليماته من أي دولة، ويتم تعيينه من خلال مجلس الجامعة الذي ينعقد على مستوى وزراء الخارجية ويشترط لتعيين الأمين العام ان يحظى بأغلبية ثلثي الأصوات، إلا أنه في التطبيق الفعلي لاختيار منصب الأمين العام يحدث تشاور بين الأعضاء، ويتم الاتفاق على مرشح واحد دون ان يعرض على التصويت. ولا يحدد الميثاق مدة معينة لولاية الأمين العام، ولكن استقر العرف على ان يكون التعيين لمدة خمس سنوات، قابلة للتجديد، وليس هناك حد لتجديد المدة.

وقد تولى أمانة المجلس حتى عام 1979ثلاثة أمناء هم([48]):

المدة         الدولة       الأمين العام              ت

1945-1952           مصر       عبد الرحمن عزام    1

1952-1972           مصر       عبد الخالق حسونة   2

1972-1979           مصر       محمود رياض          3

اختصاصات الأمين العام

لم يرد نص في الميثاق يحدد اختصاصات الأمين العام، ولكن باعتباره أعلى موظف بالجامعة والمسير لشؤونها يمكن رصد اختصاصات إدارية وسياسية له. ومن هذه الاختصاصات التحدث باسم الجامعة أمام الدول الأعضاء أو في المنظمات والمؤتمرات الدولية وأمام الدول الأجنبية، وحضور اجتماعات مجلس الجامعة والمشاركة في مناقشة الموضوعات المدرجة في جدول أعماله، وله حق توجيه نظر المجلس أو الدول الأعضاء إلى أي مسألة يرى أنها تسيء للعلاقات القائمة بين الدول الأعضاء، كما يقوم بجهود لتوطيد العلاقات العربية وفض النزاعات بالطرق السلمية.

الأمناء المساعدون:

 وهم بدرجة وزراء مفوضين ويساعدهم مجموعة من الموظفين والمستشارين وفقا لما جاء في المادة 12 من الميثاق. 

أجهزة الأمانة العامة([49])

تتكون الأمانة العامة للجامعة العربية من الأجهزة الآتية:

مكتب الأمين العام

مكتب الأمناء المساعدين

الإدارة العامة للشؤون السياسية

إدارة الشؤون الاقتصادية

إدارة الشؤون الاجتماعية والثقافية

الإدارة العامة لشؤون فلسطين

الإدارة العامة للإعلام

الإدارة العامة للمعاهدات والشؤون القانونية

الإدارة العامة للتنظيم والشؤون الإدارية والمالية

أمانة الشؤون العسكرية

المكتب الرئيسي لمقاطعة إسرائيل

وحدات إدارية تابعة للأمانة العامة([50]):

قسم العلوم والتكنولوجيا.

– معهد المخطوطات العربية.

– معهد الدراسات العربية العليا.

– الجهاز الإقليمي لمحو الأمية.

– المركز الإحصائي.

– مركز التنمية الصناعية للدول العربية.

ثالثاً: أجهزة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي

وافق مجلس الجامعة في جلسته المنعقدة يوم 13 أبريل/ نيسان 1950 على إبرام معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي لسد الثغرات التي ظهرت في الميثاق، ولاسيما في المجالين الدفاعي والاقتصادي.

فالميثاق نص في مادته السادسة على ان “من اختصاص مجلس الجامعة اتخاذ التدابير عند وقوع عدوان أو خشية وقوعه على إحدى الدول الأعضاء”، ولكن الميثاق لم يحدد نوع هذه التدابير وحجمها وكيفية تنفيذها مما جعل قمع العدوان يفتقد الآليات العملية لتنفيذه.

لذلك رأت الدول الأعضاء معالجة هذا القصور وإبرام معاهدة الدفاع المشترك وإنشاء هيئات جديدة تتولى تنفيذ ما جاء في المعاهدة، وتتضمن معاهدة الدفاع المشترك أحكاما تتعلق بفض النزاعات بين الأعضاء بالطرق السلمية كما تتضمن أحكاما أخرى تتعلق بمواجهة العدوان المسلح.

وعُدَّت المعاهدة أي اعتداء على دولة هو اعتداء على بقية الدول الأعضاء، وأقرت عملا بمبدأ الدفاع عن النفس اتخاذ جميع التدابير اللازمة بما فيها استخدام القوات المسلحة لرد الاعتداء وإعادة الأمن والسلم.

كما نصت المعاهدة على إنشاء قيادة عسكرية موحدة دائمة تتكون من ممثلي أركان الجيوش العربية، ولم تظهر هذه الهيأة إلا عام 1964.

الأجهزة المتعلقة بالأمن الجماعي العربي

وترتب على معاهدة الدفاع العربي المشترك إنشاء هيئات جديدة في نطاق الجامعة العربية، ولكنها لا تدخل ضمن فروعها الرئيسية.

مجلس الدفاع المشترك

الهيئة الاستشارية العسكرية

اللجنة العسكرية الدائمة

القيادة العربية الموحدة

الأجهزة المتعلقة بالتعاون الاقتصادي

المجلس الاقتصادي

ومهمته تسهيل عمليات التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء. وفي إطار هذا المجلس وقعت العديد من الاتفاقيات الخاصة بتجارة الترانزيت والوحدة الاقتصادية والسوق العربية المشتركة.

أجهزة أخرى

وأنشئت بموجب قرارات من مجلس الجامعة العربية:

1- هيأة استغلال مياه نهر الأردن وروافده.

2- مركز التنمية الصناعية للدول العربية.

3- معهد الغابات العربي.

4- المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية.

رابعاً: المجالس الوزارية المتخصصة

من الآليات التي اتخذتها جامعة الدول العربية لتحقيق أهدافها إنشاء المجالس الوزارية المتخصصة، مثل:

مجلس وزراء الصحة العرب.

مجلس وزراء الشباب والرياضة العرب.

مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية.

مجلس وزراء العدل العرب.

مجلس وزراء الداخلية العرب.

مجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب.

مجلس وزراء النقل العرب.

مجلس الوزراء المسؤولين عن البيئة العرب.

مجلس وزراء التعليم العالي العرب.

مجلس وزراء الزراعة العرب.

مجلس وزراء الإعلام العرب.

ويوجد بالجامعة العربية العديد من المنظمات المتخصصة التي أنشئت لحاجة بعض اللجان إلى تخصصات بعينها. ومن هذه المنظمات:

اتحاد البريد العربي.

الاتحاد العربي للمواصلات السلكية واللاسلكية.

اتحاد الإذاعات العربية.

المنظمة الدولية العربية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة.

المنظمة العربية للعلوم الإدارية.

المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة.

منظمة العمل العربية.

مجلس الطيران المدني للدول العربية.

المنظمة العربية للمواصفات والمقاييس.

المنظمة العربية للتنمية الزراعية.

المنظمة العربية للصحة.

سلطات الجامعة العربية

يحق لجامعة الدول العربية إبرام المعاهدات الدولية وتبادل التمثيل الدبلوماسي لدى الدول والمنظمات الدولية، وذلك لما تتمتع به الجامعة من شخصية قانونية دولية مستقلة ومنفصلة عن إرادة الدول الأعضاء، كما ان لمبانيها وموظفيها بالخارج الحق في التمتع بالحصانة الدبلوماسية طبقا للمادة 14 من الميثاق.

تسعى الجامعة إلى توثيق الصلات بين الدول العربية وصيانة استقلالها والمحافظة على أمن المنطقة العربية وسلامتها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والصحية.

ولتحقيق هذه الأهداف أنشئ العديد من المؤسسات وأبرمت عدة اتفاقات منها:

– اتفاقية تسهيل التبادل التجاري.

– التعريفة الجمركية الموحدة.

– إنشاء المؤسسة المالية العربية للإنماء الاقتصادي.

– اتفاقية الوحدة الاقتصادية.

ولتحقيق مبدأ الأمن والسلام العربي أوجبت المادتان الخامسة والسادسة على الدول الأعضاء عدم اللجوء إلى القوة لحل النزاعات الناشئة بينها، وأوجبتا اللجوء إلى مجلس الجامعة لعرض النزاع وفض الخلاف القائم بينها إما بالتحكيم أو بالوساطة. ومن واجبات مجلس الجامعة حال نشوء نزاع بين دولتين عربيتين ان يتدخل لفض النزاع، ولكن بضوابط معينة، منها لجوء الأطراف المتنازعة إلى الجامعة، وحتى في هذه الحالة فإن قرارات الجامعة أيضا لا تتصف بالإلزامية. وبعبارة أخرى إذا حدث خلاف بين دولتين عربيتين لا يحق للجامعة ان تتدخل لفضه إلا إذا طلب منها ذلك، كما ان قراراتها ليست ملزمة للأطراف المتنازعة.

وقد حدث تعديل لهذا النظام في اتفاقية الدفاع العربي المشترك عام 1950، والتي أقرت اتخاذ تدابير ووسائل –بما في ذلك القوة المسلحة– لرد أي اعتداء يقع على دولة من الدول الأعضاء، كما أخذ في تلك المعاهدة بقاعدة الأغلبية (أغلبية الثلثين) إلا أنها تركت الاختصاص النهائي في حفظ السلام لمجلس الأمن الدولي، كما نصت المادة الحادية عشرة منها.

العضوية في الجامعة

     نصت المادة الأولى من ميثاق الجامعة على أنه يحق لكل دولة عربية مستقلة الانضمام إلى جامعة الدول العربية بعد ان تقدم طلبا بذلك يودع لدى الأمانة العامة الدائمة ويعرض على المجلس في أول اجتماع يعقد بعد تقديم الطلب.

وتنقسم عضوية الجامعة العربية إلى عضوية أصلية وعضوية بالانضمام، والعضوية الأصلية هي المثبتة للدول العربية المستقلة السبع التي وقعت على الميثاق. والعضوية بالانضمام عن طريق تقديم طلب بذلك بعد توافر عدة شروط منها ان تكون الدولة عربية ومستقلة. وقد أثار انضمام الصومال وجيبوتي إلى الجامعة جدلا بين الدول العربية على اعتبار ان لغتهما الرسمية ليست العربية، ولكن مجلس الجامعة رأى ان أصل الشعبين عربي فقبل انضمامهما.

كما اعترضت العراق عام 1961 على طلب الكويت بالانضمام مبررة ذلك بأنها جزء من أراضيها وانسحب المندوب العراقي من المجلس احتجاجا على هذا الطلب، فما كان من المجلس إلا ان قبل عضويتها استنادا إلى المادة السابعة من الميثاق التي تقرر ان ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزما لمن يقبله.

وبالنسبة لفلسطين فقد أصدر مجلس الجامعة قراراً عام(1952) عدّ المندوب الفلسطيني مندوبا عن فلسطين وليس مندوبا عن عرب فلسطين كما كان الحال من قبل.

واستمر هذا الأمر حتى عام 1964 حينما اعترف مؤتمر القمة العربي الأول الذي عقد بالقاهرة بمنظمة التحرير الفلسطينية التي أنشئت عام 1963 ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني، وعدّ المجلس رئيس المنظمة ممثلا لفلسطين لدى الجامعة.

وفي مؤتمر الدار البيضاء الذي انعقد بعد حرب 1973 بين العرب وإسرائيل، اعترف الملوك والرؤساء العرب المجتمعون في المغرب بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني ليس فقط في الجامعة العربية وإنما في الأمم المتحدة وعلى الصعيد الدولي. وفي عام 1976 وبناء على اقتراح مصري أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية عضوا كامل العضوية ولها ممثل في مجلس الجامعة من حقه ان يصوت في كل القضايا التي يناقشها المجلس.

 فقد العضوية

لكل دولة عضو في جامعة الدول العربية الحق في الانسحاب من عضويتها بشرط إبلاغ مجلس الجامعة بذلك قبل سنة من تنفيذه، على ان تتحمل الدولة المنسحبة جميع الالتزامات المترتبة على الانسحاب، ولا يشترط المجلس عليها إيضاح أسباب الانسحاب، في حين اشترط فترة السنة لمحاولة معرفة هذه الأسباب ومحاولة إقناع الدولة المنسحبة بالعدول عن قرارها.

كما يجوز للدولة العضو الانسحاب إذا تغير الميثاق ولم توافق تلك الدولة على هذا التعديل، وأقر ميثاق الجامعة العربية كذلك جواز فصل أي عضو لم يقم بتنفيذ التزامات العضوية التي حددها الميثاق واشترط ذلك بإجماع أغلبية الأعضاء، لكنه لم يوصد الباب كلية أمام الدولة المفصولة فيحق لها التقدم مرة أخرى بطلب عضوية جديد.

وتفقد العضوية كذلك بزوال الشخصية القانونية الدولية لأي سبب مثل الاندماج في دولة أخرى، وقد حدث هذا أثناء الوحدة بين مصر وسوريا في فبراير/ شباط 1958 بعدما أصبحتا “الجمهورية العربية المتحدة”، كذلك بعد الاتحاد بين اليمن الشمالي والجنوبي عام 1990 وقيام الجمهورية العربية اليمنية المتحدة.

أما فقدان الدولة لسيادتها بالإكراه كما حدث بعد اجتياح العراق للكويت عام 1990 فإنه لم يؤثر على استمرار عضوية الكويت في الجامعة.

كثيرة هي المجالس واللجان والمنظمات التابعة لجامعة الدول العربية، والتي أنشئت بغرض تدعيم التعاون العربي وتوثيق عرى الأخوة بين دولها وشعوبها.. فهل نجحت كل تلك الهياكل في تحقيق الغرض من إنشائها أم أنها أضحت عبئا على كاهل الجامعة أصابها بالترهًل وأضعف فاعليتها في حل المشكلات والتعامل مع القضايا العربية؟!

الدول الأعضاء في الجامعة

بلغ عدد الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية (22) دولة وهي كما يأتي([51]):

تاريخ الانضمام       الدولة       ت

عضو مؤسس- 22/مارس/1945.          جمهورية العراق      1

عضو مؤسس- 22/مارس/1945.          جمهورية مصر العربية           2

عضو مؤسس- 22/مارس/1945.          المملكة العربية السعودية         3

عضو مؤسس- 22/مارس/1945.          الجمهورية السورية  4

عضو مؤسس- 22/مارس/1945.          جمهورية لبنان         5

عضو مؤسس- 22/مارس/1945.          المملكة الأردنية الهاشمية         6

عضو مؤسس- 22/مارس/1945.          جمهورية اليمن        7

28/مارس/1953.  الجماهيرية الليبية     8

19/يناير/1956.    جمهورية السودان    9

1/سبتمبر/1958.   الجمهورية التونسية  10

1/سبتمبر/1958.   المملكة المغربية       11

20/يوليو/1961.    دولة الكويت             12

16/أغسطس/1962.              الجمهورية الجزائرية               13

11/سبتمبر/1971. مملكة البحرين         14

11/سبتمبر/1971. دولة قطر 15

29/سبتمبر/1971. سلطنة عُمــان          16

6/ديسمبر/1971.  دولة الإمارات العربية المتحدة 17

26/تشرين الثاني/1973.       جمهورية موريتانيا  18

14/فبراير/1974.  جمهورية الصومال  19

9/سبتمبر/1976.   فلسطين    20

4/سبتمبر/ 1977.  جمهورية جيبوتي     21

20/سبتمبر/1993. جمهورية جزر القمر                22

نظام اتخاذ القرارات في الجامعة وتنفيذها

اهتم محررو ميثاق الجامعة العربية منذ نشوئها بمسألة أحكام العلاقات القانونية بين الدول الأعضاء خاصة بما يتعلق بنظام اتخاذ القرارات وتنفيذها داخل المنظمة، واستلهم الميثاق من خبرات المنظمات الإقليمية والدولية المعاصرة سبل إرساء الإرادة الجماعية مع الحرص على مراعاة خصوصيات العلاقات بين الدول العربية المنظمة للجامعة دون الإفراط في التفاؤل والاهتمام بالصيغة التجريبية للتنظيم الهيكلي للمنظمة، فجاء نظام اتخاذ القرارات في ميثاق الجامعة صورة لتلك الطموحات والتناقضات فهو تجسيد صريح للواقعية السياسية التي كانت سائدة عند إنشاء جامعة الدول العربية، فنظام القرارات كغيره من الجوانب التي تتعلق بهيكلية الجامعة وسير أجهزتها هو وليد ظروف معينة تاريخية وسياسية وقومية أثرت عليه بصفة مباشرة دون شك، وانطلاقاً من هذه المعطيات يمكن الجزم بان هذا النظام لا يمتاز فقط عن غيره من النظم التي تحكم المنظمات غير السياسية، بل انه يختلف أيضا عن كثير من النظم الجاري  العمل بها داخل المنظمات السياسية الإقليمية أو العالمية (رغم توفر بعض اوجه الشبه)، وسنحاول هنا تقييم نتائج هذا النظام وتحديد انعكاساته على حياة المنظمة ونوعية العلاقة بين دول الجامعة ونركز على تحليل أسباب محاولات التعديل والإصلاح وانعكاساتها على تطوير الجامعة وتدعيم العمل العربي المشترك.

النظام الحالي للجامعة:

جاء النظام الحالي مبنياً على طرفي نقيض : إفراط في تصلب نظام سن القرارات من جهة، وإفراط في مرونة تنفيذ القرارات من جهة اخرى.

ونتج عن ذلك شيئان لا مناص عنهما: تذبذب استقلالية سلطة المنظمة، والحد من أرادتها بالمقارنة مع أرادة الدول الأعضاء كلاً على حِده من ناحية، وضعف – ان لم يكن انعدام – سلطة جماعية فعالة من شأنها ان تمكن المنظمة من السهر على تنفيذ القرارات الصادرة عن مختلف أجهزتها وبالتالي افتقار الجامعة إلى وسائل قانونية مستحدثة لتمكينها من فرض احترام القرارات المعتمدة على غرار ما معمول به في بعض المنظمات الأخرى.     

لقد حدّ محررو الميثاق والنصوص المكملة له من سلطة الجامعة فيما يتعلق بنظام إصدار القرارات، فتضمنت المادة (7) في فقرتها الأولى على

“ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزماً لجميع الدول المشتركة في الجامعة”، ومبدأ الإجماع هذا لم يثر اعتماده أي نقاشٍ أو اعتراض خلال الأعمال التحضيرية للميثاق مما يدل على ان الأمر كان طبيعياً جداً، فقد كانت قاعدة الإجماع سائدة في مختلف المنظمات الدولية أو الإقليمية المتواجدة آنذاك على اختلاف أنواعها.

ويعود اللجوء إلى قاعدة الإجماع في حقيقته إلى الندوات الدولية فهذه الندوات المتكونة من ممثلين عن مختلف الحكومات تحرص اشد الحرص على قبول كل القرارات أياً كان مصدرها من كل الدول الممثلة دون استثناء.

وقد شملت قاعدة الإجماع في نطاق جامعة الدول العربية بالذات حالات عدة متفاوتة الأهمية، منها صد عدوان دولة على دولة اخرى عضو في الجامعة، والغريب ان قاعدة الإجماع لا تنسحب فقط على قرارات مجلس الجامعة لما تكتسبه هذه الهيأة وقراراتها من أهمية في حياة المنظمة، بل تتعدى ذلك لتشمل هياكل اخرى بما فيها الهياكل المستحدثة وبخاصة اللجنة السياسية التي أنشأت في (30/تشرين الثاني/1946)([52]).

فقد أدت هذه الهيئة دوراً مهماً ومهيمناً على الساحة العربية لاسيما فيما يتعلق بتنسيق المسائل ذات الصبغة السياسية سواءً بين الدول الأعضاء أو بين هذه الدول وغيرها، ويعد اللجوء إلى قاعدة الإجماع داخل المنظمة من ابرز محددات عوامل التضامن الموضوعية التي تجمع بين الدول العربية في عدة ميادين، ذلك انه بإمكان أية دولة متلكئة أو معارضة الانزواء تحت لواء الوطنية الضيقة والتستر بمبدأ السيادة لمعارضته المبادرات الجماعية والقومية.

ويلاحظ ان مقتضيات أحكام الفقرة الأولى من المادة (7) تبدو حادّة بعض الشيء. فجاءت أحكام الفقرة (2) لتحد من ذلك ظاهرياً. وقد نصت هذه الفقرة على ان “ما يقرره المجلس بالأكثرية يكون ملزماً لمن يقبله” مفرطة بذلك في احترام قدسية قاعدة الإجماع.

وقد ثارت هذه الفقرة نزاعاً بين فقهاء القانون الدولي رأى بعضهم أنها ذات جدوى من الناحية السياسية إذ أنها تمّكن من المحافظة على سيادة الدول الأعضاء ومراعاة حرية العمل التي قد تمّكن الدول المعارضة على قرار ما ان تنضم إلى الشمل الجماعي متى تبّين لها ان ذلك القرار لا يمس بمصالحها ويرفع من أهمية العمل العربي المشترك في ميدان ما :

بينما رأى آخرون ان هذه المادة تعبر عن حكمة بالغة إذ تمكن من احترام سيادة الدول دون ان يؤول ذلك إلى شل عمل المنظمة، إذ بإمكانها اتخاذ قرارات بالأغلبية كلما لم تتمكن من المحافظة على الإجماع.([53])

ويرى الباحث ان هذا الاختيار يفتقر إلى الصحة إذ انه يعني نفي وجود إرادة جماعية خاصة بالمنظمة تختلف عن مجموع ارادات الدول التي تتكون منها، وبناءً عليه فأن مجلس الجامعة في تصور محرري الميثاق مجرد هيأة تمثيلية للدول الأعضاء لا أكثر، ولا حول ولا قوة للمنظمة إلا بقدرة وإرادة أعضائها، ذلك ان ليس بهذا الهيكل من سلطة ألا تلك التي تريد ان تعطيه إياها الدول الأعضاء.

وإذا أردنا ان نعبر عن خلاصة قانونية صرفه نقول ان الجامعة العربية مجرد تجمع دول تحتفظ كل منها بإرادتها المستقلة التي تسعى إلى الحفاظ عليها اكثر من سعيها إلى تفعيل دور الجامعة وإعلاء أرادتها، والمعطيات الهيكلية أقوى دليل على ذلك.

وإذا ما قارنا ميثاق جامعة الدول العربية بميثاق منظمة الوحدة الأفريقية على سبيل المثال نلاحظ ان الفرق يبقى شاسعاً بينهما بهذا الخصوص فقد نصت المادة ( العاشرة) من ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية على اعتماد مبدأ الأغلبية في إصدار القرارات، إلا ان هذا المبدأ قد وقع ترشيده بضرورة توفر الأغلبية الموصوفة أو المعززة، فنص الميثاق على ان اجتماع مؤتمر رؤساء الدول والحكومات لا يمكن ان ينعقد دون توفر نصاب قانوني يتكون من ثلثي الدول الأعضاء، ولعل هذا ينطوي على حكمة وبعد نظر إذ سعى محررو ميثاق أديس أبابا إلى الحيلولة دون تمكين أقلية من الدول من استغلال مرونة النظام لغرض رؤيتها أو مصالحها أو حتى تقييمها لوضعيةٍ ما على بقية أعضاء المنظمة، ومن ناحية اخرى فان المادة (14) من هذا الميثاق تستوجب حصول الأغلبية المطلقة لأصوات الدول الأعضاء بالنسبة للقرارات الصادرة عن مجلس الوزراء ولا يفرق بين الدول الموافقة والدول المعارضة فيما يخص تنفيذها.([54])

نستنتج من مقارنة نظام اتخاذ القرارات في الجامعة العربية بغيره من النظم في منظمات اخرى ان الجامعة نشأت على فكرة إرادة الدول وكرست في ميثاقها مفهوماً يكاد يكون فردياً للإرادة القانونية، فدول الجامعة لا تعترف في هذا الإطار بقواعد إجبارية لها على حساب إرادتها. والغريب ان لا تجد وحدة الحضارة والتاريخ واللغة والمصير ما يعادلها على مستوى القواعد التي تحكم قانونياً العلاقات بين الدول فيما يسمى بالقانون الدولي العربي.

وعلى الرغم من مغادرة قاعدة إجماع الدول الأعضاء إلى قاعدة الأغلبية المعززة تارة والأغلبية المطلقة تارة اخرى فان الفلسفة العامة تبقى قائمة بل طاغية على هياكل الجامعة. وبالفعل فقد اعتمدت الأغلبية الموصوفة فيما يخص بعض القرارات السياسية (انتخاب الأمين العام، تعديل الميثاق، التزامات الدول  المالية إزاء المنظمة)، وكذلك بعض القرارات الأمنية والاقتصادية.([55]) كما وقع اعتماد الأغلبية المطلقة في حالات اخرى كالمسائل المتعلقة بشؤون الموظفين، والمصادقة على الميزانية والمصادقة على الترتيبات الداخلية الخاصة بالمجالس آو تعديلها وفك دور الاجتماعات وإدراج مسائل غير مدرجة في جدول الأعمال وغيرها.

وقد يبدو من التصنيف السالف الذكر انه ليس هناك نظاماً واحداً للقرارات داخل الجامعة بل عدة أنظمة أدرجت حسب نوعية القرارات وحسب أهميتها، ولا شك ان لهذا الحكم ما يبرره، ولكن المتأمل في أحكام الميثاق والنصوص المتممة له لا يلبث ان يستنتج ان اللجوء للأغلبية بكل مظاهرها ليس إلا ضرباً من ضروب الاستثناء بالنسبة لقاعدة أصلية، وبعبارة أدق فان الأغلبية لا تعتمد إلا فيما يخص المسائل المتعلقة بسير الأجهزة الداخلية للمنظمة. وقد تحاشى منظمو الميثاق والنصوص المكملة له اعتماد الأغلبية في إصدار القرارات التي تمس مباشرة بمصالح الدول الأعضاء ولم يكن ذلك وليد الصدفة بل كان بناءً على رغبات الدول الأعضاء أنفسهم.

وقد نتجت عن هذا الاختيارات عواقب وخيمة فبدا واضحاً ان قواعد اتخاذ القرارات التي اعتمدت في إطار الجامعة لا تفي بالحاجة لتحقيق الأهداف ودعم العمل العربي المشترك ورفع التحديات العديدة التي واجهتها منذ نشأتها، ومما لا شك فيه ان اللجوء إلى الإجماع كقاعدة عامة ساهم إلى حدٍ كبير في شل إرادة المنظمة وحال دون قيام الكثير من الأجهزة بوظائفها في العديد من المناسبات حتى ان البعض([56])، ذهب خطأً ([57]) ، إلى التشكيك في الشخصية القانونية للجامعة معتمداً على صعوبة حصر الصلاحيات الخاصة المسندة لأجهزة المنظمة، وأضاف آخرون ان الدول الأعضاء لم توافق على التنازل عن بعض صلاحياتها لصالح الأجهزة الجماعية للمنظمة.

لم يتعرض الميثاق للشخصية القانونية للجامعة بشكل صريح ولكن الأعمال التحضيرية للميثاق والعديد من الاتفاقات المبرمة بين الجامعة ودول أو منظمات دولية اخرى منذ نهاية الخمسينات تقوم شاهداً على تواجد هذه الشخصية وترفض بالتالي محاولات التشكيك الصادرة عن بعض الفقهاء الغربيين.

وفي الحقيقة ان قاعدة الإجماع نخرت عظام الجامعة فعجزت هذه الأخيرة عن تحقيق العديد من الأهداف التي نشأت من اجلها كفض الكثير من النزاعات وتدعيم أواصر التعاون بين الدول الأعضاء فباءت جل المحاولات الهادفة لفرض احترام عدم اللجوء إلى القوة بالفشل الذريع وقد ساعدت بعض أحكام الميثاق على هذا العجز، فنظر مجلس الجامعة في أي نزاع هو رهن موافقة جميع الأطراف فيه، وتبعاً لذلك فان معارضة أحد الأطراف تكفي لشل عمل المجلس، واستفحال الأزمة، وبالإضافة إلى كل ذلك فان الميثاق يستثني من تحكيم المجلس الخلافات التي تمس باستقلال الدول الأعضاء وسيادتها وسلامتها الترابية ولكن هذه الخلافات كثيراً ما حدثت في تاريخ الجامعة وما قضية لبنان سنة (1958) والنزاع الحدودي بين المغرب والجزائر حول منطقة تندوف سنة (1963) وحرب اليمن في الستينات من القرن الماضي إلا عينات من هذه الحالات.([58]) وفي حالات اخرى لم يتمكن مجلس الجامعة من اتخاذ مواقف واضحة من المسائل التي عرضت عليه بل حاول جاهداً تذكير الأطراف بجملة من المبادئ التي تحكم العلاقات بين دول الجامعة (سيادة الدول، عدم التدخل في شؤونها الداخلية، احترام سلامتها الترابية ونظام الحكم فيها)، والحقيقة ان هذه المبادئ عامة ومقبولة في التنظيم الدولي و ليست من خصوصيات العلاقات بين الدول العربية، ثم ان التوفيق بينها صعب بعض الشيء ومن شأنه ان يثير جدلاً عقيماً.

وهكذا يبدو ان الجامعة تهتم بالتوفيق بين المواقف وتتحاشى فض النزاعات أو لا تقدر على ذلك في معظم الحالات لا سيما في الحالات التي تكون النزاعات متعلقة بأسباب حدودية، ففي هذا النوع من النزاعات لا يمكن توافق أراء جميع الأطراف مما يؤدي إلى شل عمل المجلس واستفحال النزاع وهنا نلاحظ الخلل القاتل في طريقة اتخاذ القرار في إطار ميثاق الجامعة العربية من خلال انعكاس ذلك على القرارات التي تخص النزاعات الحدودية بين الدول العربية.

لذلك سعت الجامعة إلى تبجيل الدبلوماسية على حساب القانون لان اعتماد المسالك القانونية في الجامعة توصلها إلى نهايات مسدودة، وهذا ليس خطأ في حد ذاته ولكن اعتماده كمبدأ للعلاقات العربية من شأنه ان يضعف من قيمة الجامعة، ولئن توصلت الجامعة في مناسبات اخرى إلى تأدية دور مهم في فض بعض المشاكل فان عملها في المجال العسكري ولاسيّما تجاه قضية فلسطين باعتبارها قضية العرب الأولى يتسم بانعدامه على الرغم من كثرة الهياكل المستحدثة التي تعنى بما يسمى بالدفاع المشترك. كما طغى تسييس العلاقات العربية مدة طويلة على العمل المشترك في الميدان الاقتصادي فأصبحت هذه العلاقات الاقتصادية تتأثر كثيرا بالعلاقات السياسية ولم تتمكن المؤسسات المستحدثة من تحديد العمل الاقتصادي وتقريب السياسات الاقتصادية في نظرة تكاملية، وبقيت الهياكل الاقتصادية حتى هذه اللحظة دون المستوى المطلوب كما هو الحال مع الهياكل السياسية الكسيحة.([59])

وخلاصة القول ان هياكل الجامعة تفتقر لحد الآن إلى استقلال وظيفي بكل معنى الكلمة. ومقابل ذلك لجأ محررو الميثاق إلى تمرير نظام تنفيذ القرارات زيادة عن اللزوم فميزت المادة (7) الدول الأعضاء بين قبول القرارات بالإجماع والالتزام بها أو قبولها بالأغلبية، وعند ذلك لا تلزم القرارات الصادرة عن مجلس الجامعة إلا من صدرت لفائدتها، ثم ان معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي أردفت في المادة (6) الفقرة الثانية ان القرارات الصادرة بأغلبية الثلثين ملزمة لجميع الدول الأعضاء في المنظمة وجاءت المادتان (2) و (8) لتفرق بين تنفيذ القرارات ذات الصبغة العسكرية والقرارات ذات الصبغة الاقتصادية. فبالنسبة للأولى التزمت الدول الأعضاء بمساعدة الدولة أو الدول المعتدى عليها بصفة منفردة أو جماعية، وعهدت لمجلس الدفاع المشترك مهمة تطبيق البنود الخاصة بالدفاع المشترك.([60])

أما بالنسبة للثانية فقد أعطت المعاهدة المجلس الاقتصادي والاجتماعي صلاحيات لاقتراح ما يراه مناسباً لتحقيق أهداف المعاهدة.([61])

ونظراً لكل ما سبق ولإحكام اخرى من الميثاق يمكن القول ان نظام تنفيذ القرارات ليس موحداً بل هو مبوب إلى بابين على الأقل، أولهما قليل الأهمية وهو يخص حالات التنفيذ المباشر، وهذه الحالات محدودة حسب الميثاق والنظم الداخلية للمجالس، فالقرارات نافذة المفعول في مسائل ذات صبغة إدارية كشؤون الموظفين وإقرار الميزانية ووضع النظم الداخلية لمختلف الهياكل وفض دور الاجتماعات.([62]) ويكفي ان يخلو إصدار القرار في هذه المسائل من الشوائب القانونية لينسحب على جميع الدول الأعضاء بما في ذلك تلك التي عارضته وامتنعت عن التصويت له. إلا ان حالات التنفيذ المباشر تبقى في حقيقتها محدودة جداً بل وحتى استثنائية بالقياس إلى ما يحكم القرارات في ميادين اخرى.

أما الباب الثاني فيشمل تعميم حالات التنفيذ غير المباشر، فباستثناء الحالات  المشار إليها سلفاً، يبقى تنفيذ القرارات مرتبطاً بإرادة الدول الأعضاء. ولا شك ان الظروف التي نشأت فيها الجامعة والنظم التي كانت متداولة آنذاك في مختلف المنظمات المتواجدة في المجتمع الدولي قد ساهمت في تحديد هذا الاختيار. ونتج عن ذلك تقويض لإرادة هياكل المنظمة التي لا تتمتع بصلاحيات تذكر فيما يخص تنفيذ القرارات، لكنه ينبغي مع ذلك التمييز بين القرارات السياسية والاقتصادية من ناحية، والقرارات العسكرية من ناحية اخرى. فالقرارات السياسية والاقتصادية تقوم أساسا على إسناد مهمة التنفيذ للدول الأعضاء لان القرارات السياسية الصادرة عن مجلس الجامعة مشفوعة بقبولها من الدول الأعضاء قبل ان تقوم هذه الدول بتنفيذها وفقاً لأحكام دساتيرها.

وبالتأكيد ان هذا التنفيذ يقتضي توفر حسن نية الدولة المعنية، فالالتزامات الناتجة عن الموافقة على القرار تقتضي ان لا تتراجع الدولة عند التنفيذ، وتتنكر للاتفاق المبدئي الذي صادقت عليه، لكن الدولة التي عهد إليها بتنفيذ القرار تحتفظ بحق تقييم الطرق والوسائل التي يمكن توخيها للقيام بهذه المهمة على الوجه المناسب. واعتباراً لتباين النظم الدستورية فان كل دولة هي المسؤولة بالتالي عن اختيار السبل المؤدية إلى ذلك. ولا تختلف القرارات ذات الصبغة الاقتصادية عن هذا الاتجاه ولكنها اكثر مرونة، فالمجلس الاقتصادي والاجتماعي لا يتمتع بصلاحيات تذكر فيما يخص تنفيذ القرارات إذ انه لا يعدّ إلا هيكلاً يعنى بدراسة الوسائل المعروضة عليه وعرض النتائج على الدول الأعضاء في صيغة توصيات وهذه الدول هي التي تبتّ نهائياً في التوصيات فتنفذها أو لا، وبديهي ان الدولة التي تبنّت التوصية في المجلس يصعب عليها التنكر لها عند التنفيذ. ومهما يكن من أمر فان نظام تنفيذ القرارات الاقتصادية هزيل كذلك بل اكثر هزالة بالمقارنة مع نظام تنفيذ القرارات السياسية. ولا نبالغ إذا قلنا ان جانب التعاون الاقتصادي لا يجد في نظام القرارات الناتج عن الميثاق أو حتى معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي ما من شأنه ان يسانده أو يرفع من قيمته.

أما فيما يخص نظام تنفيذ القرارات العسكرية فهو على نقيض ذلك، فقد أعطت المادة (6) من معاهدة الدفاع المشترك صلاحيات وضع خطط المساعدة الفردية والجماعية، وكذلك توحيد الاستراتيجيات ومبادرات التعاون لتقوية الطاقات العسكرية للدول الأعضاء،([63]) وهو يهتم أيضا برسم خطط تنظيم الأمن الجماعي([64])، ويبدو من هذه الصلاحيات المقتبسة من معاهدة حلف الناتو ان المجلس يعد في آن واحد إطارا لاتخاذ القرارات ويداً فعالة تستعملها المنظمة لتنفيذ سياستها الدفاعية. وخلافاً لغيره من الهيئات فان مجلس الدفاع المشترك يصدر قراراته بأغلبية ثلثي الدول الأعضاء وينفذها في آن واحد. ولعل هذا ما برر التحفظات التي أظهرها بعض الأطراف عند نشأة المعاهدة إذ إرتأت أنها لا تلتزم بهذه القرارات إلا متى وافقت عليها عند إصدارها، اعتباراً لمقتضيات أوضاعها الجغرافية وإمكاناتها العامة. ولئن بقيت أحكام معاهدة الدفاع المشترك نافذة المفعول شكلاً فانه تم الاستغناء عنها في الواقع وعدّت سابقة لزمانها. فلم يُلجأ لهذه المعاهدة لا في العلاقات العربية ولا لمجابهة الأخطار التي واجهتها الدول العربية أو الجامعة من الخارج وذلك على الرغم من إنشاء القيادة العسكرية الموحدة سنة (1964) بعيّد انعقاد القمة الأولى لرؤساء الدول والحكومات العربية مما حدا بالمنظمة إلى حل هذه الهيأة. واستفحلت ظاهرة عدم تنفيذ القرارات داخل الجامعة سواءً لضعف هياكلها أو لمعارضة أو عدم اكتراث بعض الدول الأعضاء حتى دلت بعض الدراسات بان التنفيذ الفعلي لا يشمل إلا حوالي عُشر القرارات الصادرة عن اجهزة المنظمة.([65])

نستنتج من ذلك انه بالإضافة إلى الصعوبة البالغة في اتخاذ قرار بشأن نزاع حدودي بين الدول العربية فأن ثمة صعوبة اخرى تواجه هذا القرار هي مسألة تنفيذه، فالقرار و كما أسلفنا لا يلزم إلا من يقبله، فإذا رفض أحد أطراف النزاع الحدودي هذا القرار فانه في حل منه، وبالتالي فإن هذا القرار سيفقد أي قيمة له أو معنى وسوف لن يتعدى ان يكون حبراً على ورق.

وهذا الوضع المتردي يطرح بالتالي سؤالاً لا مناص منه هو، هل بإمكان الجامعة فرض احترام القرارات الصادرة عنها على الدول الأعضاء؟

ومقارنةً مع أحكام بعض المنظمات الدولية الأخرى غير العربية يتبين مدى ضعف أحكام هذا الميثاق والنصوص المكملة له في هذا المجال، فبعض المنظمات توكل هذه المهمة إلى هياكل سياسية أو إدارية، وتترك لها تقيم ما تراه لازماً من وسائل كي تحترم القرارات الصادرة عن المنظمة، والبعض الآخر قنن الإجراءات التأديبية والقسرية لوضع حد لخرق القرارات أو لعدم تنفيذها، وقد خطت منظمات اخرى خطوات كبيرة في هذا الاتجاه باللجوء إلى المحاكم الوطنية لفرض احترام قراراتها. أما جامعة الدول العربية فإنها تمتاز عن غيرها من المنظمات بعدة خاصيات، أهمها تكليف مجلس الجامعة والأمين العام بمراقبة تنفيذ القرارات وعدم وفرة الإجراءات التأديبية والقسرية لضمان التنفيذ والعزوف عن الرقابة القضائية في هذا الميدان.

ويذكر ان صلاحيات مجلس الجامعة والأمين العام تنحصر أساسا في جمع المعلومات بقصد عرضها على القمة، فأصبحت مهمتهم مقتصرة على أعلام هذا الهيكل بما يجدّ في ميدان تنفيذ القرارات دون ان تصحب ذلك إجراءات عملية تهدف إلى الحد من هذه الظاهرة أو إلى جزرها، كما ان ميثاق الجامعة لم يشر إلا إلى إجراء قسري واحد هو الفصل، وهذا من شأنه ان يحد من حرية تصرف مجلس الجامعة في حالات كثيراً ما يبدو اللجوء فيها إلى الفصل اجراءً غير واقعي، وقد أدركت بعض الدول هذه الثغرة في الميثاق فراحت ترمي عرض الحائط في الكثير من القرارات على اختلاف أنواعها، ونستنتج من ذلك انه في حالة أي نزاع حدودي فان أي طرف يستطيع ان لا يلتزم بأي قرار يصدر دون ان يترتب على ذلك اثر قانوني عليه. ان لهذه الاختيارات ما يبررها فقد بني عمل الجامعة أساسا على الحد والحذر من إسناد صلاحيات مهمة لهياكل المنظمة، ومن ناحية اخرى بني هذا العمل على الإقناع والابتعاد قدر الإمكان عن تقييده بإجراءات قسرية أو جبرية. ورأى محررو الميثاق خطأ ان مثل هذه الإجراءات من شأنها ان تزرع الفتنة وانشقاق الصفوف بين الدول الأعضاء. ونتج عن ذلك ان أصبحت الجامعة على غرار منظمات التعاون الدولي إطارا تطغى فيه اللياقة الدبلوماسية والاعتبارات الظرفية على غيرها من جوانب العمل مما جعل بعض الدول الأعضاء تستسيغ ما يصدر عن غيرها من تنكر للالتزامات، وقد آل ذلك إلى ترك الكثير من القرارات حبراً على ورق وبعد مرور اكثر من تسعة وخمسين عاماً على عمر الجامعة وفطن العرب إلى ما يحمله نظام اتخاذ القرارات الحالي من مساوئ وما نتج عنه من تخدير لمبادرات تطوير العمل العربي المشترك، فإن هذا الشأن يدعو إلى تدارك هذا الوضع قبل فوات الأوان.

طرق اتخاذ القرار في إطار الجامعة العربية ومشاريع التعديل

ان مشاريع تعديل ميثاق الجامعة العربية قائمة منذ نشأتها، وقد تعدلت هذه المشاريع دون ان يبرز أحدها إلى حيّز الوجود.([66]) بالرغم من إصرار الجامعة العربية على مراجعة تنظيم هياكلها والقواعد التي تحكم سير أجهزتها للاستجابة للطموحات ولمواجهة التحديات، فقد جاءت مشاريع التعديل مبكرة كما أسلفنا ومتعددة فكان بعضها شخصي والبعض الآخر جماعي، ولا مجال هنا لاستعراض كل هذه المشاريع وأسباب إخفاقها.([67]) واهم ما يمكن استنتاجه من كل مشاريع التعديل هذه أنها جميعاً شملت مسألة التعيينات التي تهم موظفي الجامعة بما في ذلك المشرفين على رقابة سير الهياكل وتصرفها، ولا شك ان هذه التعيينات تكتسب أهمية بالنسبة للدول الأعضاء لما يترتب عليه من انعكاسات على حياة المنظمة. إلا ان نظام التصويت في الجامعة العربية لم يحظ بهذه الأهمية، فسن اللجوء إلى أغلبية ثلثي الدول الأعضاء كان في غير محله – حسب رأينا – في بعض هذه المجالات، ولا يتناسب والعرف المعمول به داخل المنظمة بالنسبة لبعض الهياكل كالأمانة العامة مثلاً. وخلاصة القول ان اللجوء إلى أغلبية ثلثي الدول الأعضاء قد وقع حصرها في جانب واحد من جوانب حياة المنظمة، وقد كان من الأجدر ان يقع سن انسحاب هذه الأغلبية على مواضيع اخرى لا تقل أهمية عن هذه التعيينات. ومهما يكن من أمر فأن هناك حداً من الضمانات الممنوحة للدول التي قد تكون ضمن الأقلية عند اتخاذ قرار تعيين أحد هؤلاء الموظفين.

أما القرارات بأغلبية الدول الأعضاء فتنسحب على بعض المسائل مثل إقرار موازنة الجامعة، إقرار النظم الداخلية للمجالس ولجانها والأمانة العامة، فضلاّ عن إقرار النظم الإدارية والمالية للجامعة.([68]) وبالمقارنة مع الحالات السابقة يمكن ان نستنتج ان هذا النظام اكثر مرونة لكنه في الوقت ذاته اقل أهمية على ما يبدو. إلا ان هذه المرونة محدودة المفعول إذ أنها لا تشمل إلا جوانب معينة وعلى الرغم من ان هذه القرارات تعد نافذة وملزمة فان قواعد اتخاذها تحاكي نظام التوصيات الذي تعرضت إليه المادة (41) من مشروع الميثاق([69]).

وفيما عدا ذلك فان قاعدة الإجماع تبقى سارية المفعول فقد نصت المادة (38) من مشروع الميثاق على ان القرار الذي يتخذ بإجماع أراء الدول الأعضاء ملزم للجميع وان الإجماع يعدّ حاصلاً إذا لم تعترض أية دولة صراحة على القرار عند اتخاذه([70]). والقرار الذي يتخذ بما دون الإجماع غير ملزم للدولة المعترضة عليه صراحة، وهذه الأحكام تستدعي منا بعض التحليل، فالإجماع قد وقع إقراره في الصيغة الجديدة للمشروع لكن المفهوم الذي أعطي له يخالف المفهوم السائد له في ميثاق الإسكندرية. فالإجماع في مشروع الميثاق يحاكي فكرة التراضي المتداولة في عرف بعض المنظمات الدولية، في حين يعد الإجماع في الميثاق توافر إرادة كل الدول الأعضاء في الجامعة.

وتساند هذا الرأي الفقرة الثانية من المادة (38) التي تمّكن كل دولة من الاعتراض على حصوله وذلك بالخروج عنه([71])، والحقيقة ان الدولة المعنية تخرج في هذه الحالة عن التراضي. ومن ناحية اخرى فأن الإجماع يعد حاصلاً ما لم يثبت عكس ذلك، وهذا يعني ان هناك قرينة لتواجده وان هذه القرينة قابلة للمقارعة بحجة مخالفة. وإضافة إلى كل هذا يجب لفت النظر إلى ان مجرد الامتناع عن مساندة قرار ما لا ينتج عنه بالضرورة انعدام الإجماع، فلا يمكن مثلاً ان تمتنع دولة ما عن التصويت أو ان تحتفظ بصوتها لانعدام تواجد الإجماع بل يجب على الدولة التي ترغب في عدم حصوله ان تنص صراحة -وليس ضمناً-على معارضتها للقرار. وهذا يقتضي بالتالي توافر أمرين، أولهما ان يكون القرار محل المعارضة لا يتماشى والاتجاهات الدبلوماسية للدولة المعنية. والأمر الثاني ان يكون لهذه الدولة الجرأة والإرادة الضروريتين لمعارضة قراراً ما.

وهكذا يجبر مشروع الميثاق الدول الأعضاء على تحديد مواقفها بكل صراحة ووضوح حتى يضمن نجاح العمل العربي المشترك مع احترام إرادتها، ودون إجبارها على مجاراة الاتجاه العام عن غير قناعة، وهو يحملها كذلك مسؤولية الخروج عن الإجماع لاسيّما بالنسبة للقرارات المصيرية ويحملها مسؤولية عرقلة سير العمل العربي المشترك إذا كانت معارضتها مبنية على تعديلات اكثر منها عن أسباب موضوعية. وقد يحرج هذا الاختيار شيئاً ما الدول الأعضاء المتلكئة التي تضطر بهذه الصفة إلى التمعن والتروي قبل الإقبال إلى معارضة الإجماع في ميدان ما، فالاختيار الصادر عن محرري مشروع الميثاق سلاح ذو حدين يمّكن في ان واحد من المحافظة على إرادة الدولة المعترضة وعدم المساس بسيادتها، كما يمّكن عند الحاجة من الإفصاح عن مواقفها كلما كانت هذه المواقف مبنية على أسباب واهية.

وإضافة لهذا فان هذه الصيغة المستحدثة مهمة جداً فهي تمكن في كل الحالات من توضيح مواقف الدول وإزالة الملابسات التي قد تعتريها خاصة وان الكل يعلم ان الغموض كثيراً ما يعتري مواقف الدول والتي قليلاً ما تتراوح بين القبول والمعارضة الصريحة.

وإذا كان لهذه التوقعات ما يبررها كما ذكرنا سالفاً فإن ثمة ما يدعو إلى التنبيه إلى ما تحتويه في طياتها من سلبيات أيضا. وهنا تجدر الإشارة إلى ان هذا (الإجماع) وان تطور مفهومة عند  الخبراء الحكوميين ليس في الواقع إلا تقنيناً لعرف متداول في مجالس المنظمة، فالتجديد لا يمس الإجماع إلا شكلياً، ذلك ان سلطة استقلالية المنظمة في اتخاذ القرارات الملزمة تبقى عديمة الجدوى بصورة أو بأخرى. وبالمقارنة مع المشروع الذي أعده الخبراء الحقوقيون نرى ان الفرق شاسع بين تصوراتهم وتلك التي جاء بها مشروع الخبراء الحكوميين، فقد وقع التراجع مثلاً في الحل البديل الذي اقترحه الحقوقيون العرب والمتمثل في اعتماد قاعدة أغلبية ثلثي الدول الأعضاء بالنسبة للمسائل الجوهرية والتي توفق بين تفادي استبداد الأقلية وثقل قاعدة الإجماع.([72])

وفي رأينا ان المنظمة لم تخرج من تراجع الخبراء الحكوميين عن التصورات البديلة التي نتجت عن نقاشات مطوله بين الخبراء الحقوقيين الذين حرصوا على التوفيق بين ضرورة منح المنظمة سلطات اكثر لمساندة العمل العربي المشترك في شتى الميادين، والسعي نحو تفعيل قواعد التصويت مع الأخذ بنظر الاعتبار مختلف النزاعات الوطنية. فهل يعقل ان نستمر هكذا في محاباة هذه الدولة أو تلك في كل مناسبة وفي أي ميدان من ميادين العمل الجماعي؟ وهل تمّكن الصيغة المقترحة في المشروع من تجاوز نقاط الضعف العديدة والخطيرة التي تشلّ نظام اتخاذ القرارات في الجامعة؟ وكأن واضعي قاعدة الإجماع في صيغتها الجديدة لم يتعظوا عما أصابهم من خيبة أمل فيما يخص تطوير أشكال وطرق العمل المشترك في إطار منظمتهم. ولنا ان نتساءل حقاً، هل توفرت الإرادة السياسية على مستوى الحكومات للرفع من قيمة هذا العمل؟.

أما الأمر الثاني الذي يجب الأخذ به فيما يخص اتجاهات مشروع تعديل الميثاق هو ضعف نظام تنفيذ القرارات على اختلافها (توصيات، قرارات نافذة، قرارات ملزمة) وهنا لا بد من التعرض ولو باقتضاب إلى بعض جوانب ما جاء به المشروع من حلول.

ونلاحظ بادئ ذي بدء ان مؤتمر قمة المنظمة قد أعطى صلاحيات اتخاذ التدابير المناسبة ضد إخلال أي دولة عضو بأهداف الميثاق أو مبادئه أو أحكامه متى كان ذلك الإخلال مضراً بالمصلحة العربية العليا، فمجلس الملوك والرؤساء يتمتع بصلاحيات مهمة في هذا المجال إذ له وحدة حق تقيم الوضع. إلا ان الإخلال بمختلف هذه الجوانب أو بأحدها لا يكفي ولا يقود آلياً إلى اتخاذ إجراءات ضد الدولة التي قامت به. فمشروع الميثاق يقتضي إلى جانب ذلك ان يقرر مؤتمر القمة ان هذا العمل يضر بالمصلحة العربية العليا وعندئذ يمكن للمؤتمر اتخاذ ما يراه مناسباً من تدابير قد تكون قسرية أو زجرية بما في ذلك تجميد عضوية الدولة المعنية.

وهكذا يدرك أعضاء المنظمة الثغرات الموجودة في الأحكام المعمول بها حالياً في الميثاق والتي قادت إلى جدل قانوني حول إجراءات تعليق عضوية مصر عندما انتهجت هذه الأخيرة سياسة الاستسلام للكيان الصهيوني، إضافة إلى هذا تجدر الملاحظة إلى ان مجلس وزراء الخارجية قد عهد له في مشروع الخبراء الحكوميين بالنظر في النزاعات بين الدول الأعضاء واتخاذ القرارات والتوصيات والتدابير بشأنها، كما أعطت المادة (9)فقرة (4) من المشروع هذا المجلس حق اتخاذ التدابير المناسبة تجاه الدول المخالفة لقراراته الخاصة بتسوية النزاعات العربية بالطرق السلمية([73])، ولم يحصر المشروع هذه التدابير في قائمة معينة بل ترك للمجلس حق التصرف بما في ذلك إمكانية استنباط حلول وتدابير قد تبدو غير معهودة في التنظيم الدولي.

إلا ان هذه الأحكام لا تسهم في تنفيذ القرارات بصفة عامة ولا تنسحب إلا على حالات خاصة ومحدودة. أما بالنسبة لبقية القرارات سواء منها السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو الثقافية وغيرها فأن مشروع الميثاق لا يتعرض إلى الحالات التي يقع فيها التنكر للقرارات المتخذة وعدم تنفيذها. ففيما يخص تنفيذ الخطط القومية أعطى المشروع المنظمات والمجالس الوزارية القطاعية مهمة التنفيذ كل حسب اختصاصه. ويكتفي المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالتوجيه، وفيما عدا ذلك عهد بمتابعة التنفيذ القطاعي للخطة القومية للعمل الاقتصادي والاجتماعي العربي المشترك للمنظمات والمجالس الوزارية المتخصصة. أما المتابعة الشمولية فقد أسندت للأمانة العامة([74])،التي تهتم أيضا بمتابعة تنفيذ قرارات مجلس الجامعة.([75]) وكما يتبادر إلى الذهن فان الدور الرئيسي في تنفيذ هذه القرارات يبقى مستنداً إلى الدول الأعضاء التي لها القول الفصل في هذا المجال.

وهكذا يبدو ان واضعي هذا المشروع قد فضلوا ان يبقى الحال على ما هو عليه، فإذا ما استثنينا الصلاحيات التي أسندت للمنظمات المتخصصة وجب التسليم بان الدول تبقى المعنية أصلا بالتنفيذ وبان المجالس الوزارية لم يقع الاستغناء عنها في متابعة التنفيذ، ولا نرى في هذا ما يساعد على تفعيل دور الجامعة في هذا الباب. وإذا كتب لهذا المشروع النجاح فإننا نخشى إلاّ يسهم جدياً في تغيير جذري للأوضاع، هذا إذا ما اكتفينا بتقييم قانوني لجوانبه، أما إذا دخلنا في متاهات تقييم ما قد يطرأ على الساحة السياسية العربية من حوافز أو من عوائق قد تساعد على دفع العمل العربي المشترك أو قد تضعفه فذلك يفتح الباب لاحتمالات لا حصر لها.([76])

وهنا يمكن ان نثير سؤالاً مهماً هو، مادامت الأمور تعود في نهاية المطاف في أيدي الدول وليس المنظمة فكيف يمكن لها تنفيذ القرارات الخاصة بالنزاعات الحدودية فيما بينها بالرغم من الحساسية الشديدة التي تعتري مثل هذه المواضيع؟ فنحن لا نرى ان ثمة تقدم يمكن أن يلمس من مشروع التعديل هذا في مجال اتخاذ القرارات الخاصة بالنزاعات الحدودية ولا في تنفيذها.

آلية تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية في إطار ميثاق الجامعة([77])

لا بد من الانتقال من المناهج التاريخية والسياسية في الدراسة إلى التحليل القانوني لفهم ميكانيزمية عمل الجامعة العربية في مجال تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية([78]) فالحديث عن دور أية منظمة دولية أو إقليمية في معالجة النزاعات التي تقع بين أعضائها يستوجب البحث في العديد من القضايا والتساؤلات المرتبطة بذلك، كمسألة الوسائل المستخدمة في حل النزاعات ونجاعة هذه الوسائل أو الأدوات المنصوص عليها في المواثيق المحدثة لمثل هذه المنظمات، فضلاً عن الممارسات العملية في معالجة مثل هذه النزاعات التي تشكل عرفا إلى جانب النصوص المكتوبة. كما يجب أيضا فحص طبيعة هذه النزاعات، ( سياسية ، قانونية ، أيديولوجية … الخ) وإمكانية حلها بالطرق التقليدية المتعارف عليها أو احتياجها إلى وسائل وقدرات تنفيذية اكثر فاعلية قد تفتقد إليها بعض المنظمات سواء منها الإقليمية أو الدولية. كما ان المناخ الإقليمي أو الدولي له أثره البارز على فعالية ونجاعة هذه المنظمات في تسوية النزاعات بالطرق السلمية سواء كان هذا الأثر إيجابيا أو سلبيا.

والحديث عن جامعة الدول العربية ودورها في تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية ينطلق من التحديد العام الذي أشرنا إليه آنفا، بالإضافة إلى ان نشأة الجامعة كان لها انعكاس مهم على مجمل النصوص الواردة في ميثاقها ولا سيّما مسالة التسوية السلمية للنزاعات.([79])

فقد تأثر واضعو ميثاق جامعة الدول العربية بالاتجاهات الغربية السائدة في فترة ما بين الحربين والنظريات القانونية واتفاقية (بورتو) ومعاهدة (بريان كيلوج) ومقررات مؤتمر السلام الأول (1899) وتصريح لندن (1900) ومؤتمر السلام الثاني (1907)وتصريح لندن الثاني (1909) وميثاق عصبة الأمم واتفاقية (جنيف) لعام (1929) لمنع استخدام القوة في العلاقات الدولية، كما تأثروا أيضا بالأفكار والاقتراحات التي سادت مؤتمر الخبراء المنعقد في (دمبارتن اوكس) عام (1944) لوضع الأسس لمنظمة الأمم المتحدة.([80])

ويعدّ بروتوكول الإسكندرية أول وثيقة عربية تنص على تحريم استخدام القوة بين البلدان العربية والذي كان أساسا لميثاق جامعة الدول العربية.([81]) كما أوجب بروتوكول الإسكندرية على كل دولة عربية إلا تكون سياستها الخارجية متعارضة مع سياسة جامعة الدول العربية أو أية دولة عربية اخرى.([82])

ويلاحظ ان تحريم استخدام القوة وفقا لبرتوكول الإسكندرية كان تحريما مطلقاً، فلا يجوز استخدامها في أي حال حتى في حالة الدفاع الشرعي وذلك لسد أي ذريعة قد تستخدمها دولة عربية ضد اخرى حتى في حالة الادعاء بوقوع عدوان عليها من تلك الدولة وكونها في حالة الدفاع الشرعي.([83])

وقد جاء بعد ذلك ميثاق جامعة الدول العربية الذي أكد الاتجاه ذاته الذي تبناه بروتوكول الإسكندرية، فافرد مادتين هما الخامسة والسادسة لتسوية النزاعات بين الدول العربية وإقرار مبدأ تحريم استخدام القوة، وحددت هاتان المادتان الوسائل الوقائية لمنع استخدام القوة، والوسائل العلاجية في حالة وقوعها وكما يأتي:

أولاً : الوسائل الوقائية:

ويقصد بها النصوص التي تؤدي إلى منع استخدام القوة لفض النزاعات بين الدول العربية، وهذا ما عالجته المادة الخامسة في الميثاق، “لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض النزاعات بين دولتين أو اكثر من دول الجامعة، فإذا نشب بينهما خلاف لا يتعلق باستقلال الدولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها ولجأ المتنازعون إلى المجلس([84]) لفض هذا الخلاف، كان قراره عندئذ نافذا وملزما. وفي هذه الحالة لا يكون للدول التي وقع بينها الخلاف الاشتراك في مداولات المجلس وقراراته، ويتوسط المجلس في الخلاف الذي يخشى منه وقوع حرب بين دولة من دول الجامعة وبين أية دولة اخرى من دول الجامعة أو غيرها للتوفيق بينهما، وتصدر قرارات التحكيم والقرارات الخاصة بالتوسط بأغلبية الآراء”([85]).

ومن قراءة متأنية للنص السالف يمكن استشفاف بعض الهفوات القاتلة القابعة فيه، فالنص مثلا حرم استخدام القوة بين الدول العربية لتسوية النزاعات التي تنشب بينها، ولكنه لم ينص على المرحلة التالية لهذا التحريم وهو تسوية النزاع بالوسائل السلمية. وعمليا لا يمكن تطبيق مثل هذا التحريم لاستخدام القوة لعدم إلزام الدول بتسوية نزاعاتها بالوسائل السلمية ( السياسية أو القانونية) بحسب طبيعة النزاع القائم، لان تحريم استخدام القوة بين الدولتين المتنازعتين دون إيجاد تسوية للنزاع القائم بينهما سيؤدي إلى استمرار النزاع مع احتمال استخدام القوة متى ما اقتضت مصلحة إحدى الدول الأطراف في النزاع([86])، كما ان النص أجاز للدول المتنازعة اللجوء إلى المجلس لتسوية نزاعها قبل استخدام القوة بينها على ان لا يتعلق النزاع باستقلال الدولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها، وان تكون الإحالة باتفاق الأطراف المتنازعة التي لا يحق لها الاشتراك في مداولات المجلس وقراراته التي تصدر بالأغلبية، والتي تكون في توفر كل هذه الشروط نافذة وملزمة. ويظهر من ذلك ووفقا لنص الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة موضوع التحليل “تصدر قرارات التحكيم بأغلبية الآراء” ان مهمة المجلس في هذه الحالة هي مهمة تحكيم.([87]) وإذا ما علمنا ان هذا التحكم اختياري أي انه إذا رفضت إحدى الدول المتنازعة اللجوء إلى مجلس الجامعة وهو الجهاز المتخصص بتسوية النزاعات فلا يجوز التحكيم في مثل هذه الحالة. وكذلك فالميثاق يخرج من نطاق التحكيم النزاعات المتعلقة باستقلال الدولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها وهو ما يشمل معظم أشكال النزاعات المتصورة بين الدول، كما يترك الميثاق تحديد نطاق تلك النزاعات للسلطة التقديرية للدول الأعضاء.([88]) فالتحكيم مرهون بهذه الشروط والجامعة لا تستطيع ان تبت في أي نزاع يتعلق باستقلال الدول أو سيادتها أو سلامة أراضيها، وفي النزاعات التي لا تتصل بهذه الموضوعات فان الأمر يتطلب ان يلجأ إليها المتنازعون.([89]) ” ان التحكيم الذي تحدثت عنه المادة الخامسة من الميثاق هو نوع من التحكيم السياسي وليس تحكمياً بالمعنى القانوني الذي نعرف انه يمر بمراحل:

تحكيم الرئيس (الإمبراطور أو البابا) وتحكيم اللجان، ثم التحكيم في محكمة التحكيم الدولية الدائمة، فمحكمة العدل العربية التي المفروض أنها ستحل مشكلة تحكيم المجلس لها مهام واختصاصات اخرى”.([90])

أما فيما يخص الوساطة فقد نصت المادة الخامسة وكما أسلفنا على ان “يتوسط المجلس في الخلاف القائم الذي يخشى منه وقوع حرب بين دولة من دول الجامعة وبين أية دولة اخرى من دول الجامعة أو غيرها للتوفيق بينهما”. ومن هذا النص نلاحظ ان المجلس يتدخل بمبادرة منه وليس بناءً على طلب الدول المتنازعة، ذلك لان الميثاق أتاح للمجلس التدخل التلقائي في حالة النزاعات التي يخشى منها وقوع الحرب، وفي غير هذه الحالة فان المجلس لا يتدخل إلا بطلب أطراف النزاع.([91]) وان هذا التدخل يكون للتوسط في تسوية النزاع وقد ورد في النص عبارة “التوسط للتوفيق بينهما” ويصدر قرار التوسط بالأغلبية؛ وهذا النص يحمل بين طياته مجموعة تناقضات، فهو من جهة أجاز للمجلس ان يتوسط في النزاع، ومن جهة اخرى حدد مهمة المجلس بالتوفيق بين الدولتين المتنازعتين، ومن المعروف ان التوسط غير التوفيق. كما ان النص أجاز للمجلس ان يصدر قراراً بالتوسط، في حين ان مهمة التوسط هي تقريب وجهات النظر بين المتنازعين، كما ان قرار المجلس عند لجوء الدول إليه يعد نافذاً وملزماً، ولكنه لم يعد القرار الذي يصدره بالتوسط نافذاً وملزماً، وهذا أمر غير مبرر ولا يمكن تفسيره إلا بدعوة الأطراف المتنازعة إلى عدم الالتزام بالقرار الصادر وبالتوسط على الرغم من ان القرار الصادر بالتوسط يتضمن حالة اكثر خطورة من الحالة السابقة، وهي الحالة التي يخشى وقوع الحرب فيها.([92]) لذا فإن الميثاق قيّد سلطة مجلس الجامعة في الوساطة بتحديده في النزاعات التي يخشى منها وقوع حالة الحرب، وحكم عليه بالقصور في إطاره القانوني في مجال تسوية النزاعات بين أعضاء الجامعة.([93])

ثانياً : الوسائل العلاجية :

ويقصد بها الإجراءات التي تتخذها الجامعة لتسوية النزاعات بين أعضائها بعد فشل الوسائل الوقائية في حمل الأطراف المتنازعة على تسوية نزاعها بالوسائل السلمية، وقد عالجت المادة السادسة من الميثاق هذه الوسائل والإجراءات بنصها على :

“إذا وقع اعتداء من دولة على دولة من أعضاء الجامعة أو خشي وقوعه فللدولة المعتدى عليها أو المهددة بالاعتداء ان تطلب دعوة المجلس لانعقاده فوراً. ويقرر المجلس التدابير اللازمة لدفع الاعتداء، ويصدر القرار بالإجماع، فإذا كان الاعتداء من إحدى دول الجامعة لا يدخل في حساب الإجماع رأي الدولة المعتدية، وإذا وقع الاعتداء بحيث يجعل حكومة الدولة المعتدى عليها عاجزة عن الاتصال بالمجلس فلممثل تلك الدولة فيه ان يطلب انعقاده للغاية المبينة في الفقرة السابقة. وإذا تعذر على الممثل الاتصال بمجلس الجامعة فمن حق أية دولة من أعضائها ان تطلب انعقاده”([94]).

ان قراءة نص المادة السادسة ترشدنا إلى أحد أهم مكامن الضعف في ميثاق جامعة الدول العربية. فقد عالجت هذه المادة موضوع العدوان الذي تتعرض له دولة عربية من دولة عربية اخرى عضواً في الجامعة أو من دولة أجنبية، وحددت دور المجلس برد هذا العدوان، ولكنها أغفلت تعريف العدوان أو حتى التفريق بين العدوان الصادر من دولة عربية أو من دولة أجنبية([95]) ولم تنص على كيفية تحديد المعتدي أيضا، ولما كانت قرارات المجلس تتخذ بالإجماع فأي خلاف بين أعضائه حول قيام العدوان أو تحديد المعتدي، سوف يؤدي إلى شل كل نشاطه في هذا الشأن ([96]).

كما يلاحظ ان تدخل المجلس ينحصر في النزاعات العسكرية كما يتضح ذلك من استخدام عبارة (اعتداء) الواردة في نص المادة السادسة([97]). كما ان هذه المادة لم تحدد أيضا نوع التدابير وحجمها وكيفية تنفيذها، مما جعل قمع العدوان يفقد الآليات العملية لتنفيذه([98])، لأنها لم تحدد العقوبات التي توقع على المعتدي ولا المساعدات التي تقدم للدولة المعتدى عليها، ولم تنشأ الاداة القادرة على تنفيذ تدابير القمع لمنع استخدام القوة العسكرية بين الدول العربية المتنازعة([99]). ولعل اكثر ما يمكن ان يشل دور مجلس الجامعة في هذا الشأن هو ان المجلس يتخذ قراراته المتعلقة بقمع العدوان بالإجماع، ولا يحسب في الإجماع رأي الدولة المعتدية وهذا يعني ان لكل عضو في مجلس جامعة الدول العربية حق النقض (الفيتو)([100]). كما انه إذا ادعت كل دولة بان الدولة الأخرى هي المعتدية فمن الصعوبة تحديد الدولة التي لايحق لها التصويت لا سيّما وان المجلس لا يملك الضوابط المتعلقة بتحديد العدوان كما ذكرنا سلفاً([101]).

ومن هذا العرض يتضح ضعف نظام فض النزاعات بالطرق السلمية الذي أقامه الميثاق، واعتقد ان السبب الحقيقي الكامن وراء هذه الصياغات المغلوطة للنصوص هو محاباة واضعو الميثاق لمبدأ السيادة أو مبدأ القطرية الذي يبدو واضحا في معظم مواد الميثاق. فقد أعطى الميثاق لإرادة الدولة وسيادتها حظوة كبيرة على حساب الإرادة القومية مجتمعة، وآثر مصالح الدول العربية على مصلحة الأمة العربية. ولعل أوضح تجسيد في الميثاق لمبدأ السيادة وبالإضافة إلى ما جاء في المادتين الخامسة والسادسة من الميثاق ما جاء في المادة الثامنة عشرة والتي تعطي للدولة العضو الحق في الانسحاب الإرادي قبل تنفيذه بسنة([102])، ولم يشترط الميثاق ان يكون قرار الانسحاب مسبباً، كما ان تنفيذه معلقاً برأي مجلس الجامعة لذلك فان مفهوم سيادة الدولة يؤكده الميثاق بنصه على إعطاء الحق للأعضاء بالانسحاب من دون قيود([103]).

ومن خلال استقراء ميثاق جامعة الدول العربية سنجد ان الميثاق لا يرقى حتى لمستوى بروتوكول الإسكندرية، فعلى الرغم من ان ديباجة الميثاق جاءت مطابقة لديباجة البروتوكول التي أشارت إلى الرأي العربي و آماله إلا ان هناك ملاحظتان تستوقفان النظر، فالجملة الأولى في البروتوكول كانت تشير إلى “العلاقات الوثيقة والروابط العديدة التي تربط البلاد العربية جمعاء” أصبحت في الميثاق “العلاقات الوثيقة والروابط العديدة التي تربط بين الدول العربية” كما ان ديباجة الميثاق أوردت نصاً جديداً “وعلى أساس احترام استقلال تلك الدول وسيادتها”([104]).

أما في المادة الخامسة فتكرس مبدأ السيادة بشكل جلي، ففي النزاعات المهمة التي يخشى تطورها إلى حالة استخدام القوة المسلحة أجاز الميثاق تدخل مجلس الجامعة على شكل وساطة نتائجها ملزمة للاعضاء فلا يلزم ميثاق الجامعة أطراف النزاع بقبول الحلول التي تسفر عنها هذه الوساطة.

وفي حالة النزاعات الأقل أهمية فان الجامعة يمكن ان تتدخل من خلال التحكيم ولكن بشرط ان يكون بناءً على طلب الدول المتنازعة، وترك الميثاق للدول الأعضاء حق تقدير طبيعة النزاع الذي يمكن ان يؤدي إلى استخدام القوة المسلحة أو الذي يمس سيادة الدولة أو استقلالها أو سلامة أراضيها([105]).

ويمكن ان نجد أسباب هذا التناقض بين مبدأ سيادة الدولة ومبدأ سيادة الإمة أو (القطرية والقومية) ليس في الوثائق القانونية أو الأشكال المؤسسية القائمة فحسب بل نجده أيضاً في النظم السياسية العربية ذاتها. “ويبرز في هذا الصدد غياب الإرادة السياسية الفاعلة، وغياب الاختيار السياسي القومي بين النخب الحاكمة، وغياب الدولة النموذج أو الاقليم القاعدة، الذي يقدم القدوة ويطرح المثل ومن خلال ذلك يمارس القيادة العربية، فالزعامة العربية ليست أمراً يشترى بالمال أو ينتزع بالابتزاز السياسي ولكنها ممارسة عملية وفعل دؤوب للخروج بالنظام العربي من انتكاسته الراهنة”.([106]) وأنا اتفق جدا مع هذا الرأي القائل بان الخلل كامن في النظم السياسية العربية والتي تشترك بصفة واحدة وهي (الشخصانية)، فحتى الأنظمة التي تحمل الشعارات القومية فهي لا تبتغي من وراءها إلا حب الظهور والاستعراض الذي يمتزج بالمطامح الشخصية للوصول إلى نموذج قيادي مثالي للشارع العربي. ولكني لا أرى في المدى المنظور ولا حتى في المدى المحتمل ان يخلق مثل هذا النموذج القيادي. ولاسيّما بعد ان أمسكت الأصابع الأمريكية والحليفة لها بكل الخيوط التي تحرك الدمى الجالسة على كراسي الحكم في البلدان العربية ومن واقع تحليل ميثاق جامعة الدول العربية والمبادئ التي اشتمل عليها يمكن تسجيل الملاحظات الثلاث الآتية:

الاتجاهات القطرية في الميثاق انعكست على اعتبار الجامعة منظمة تقوم على التعاون الاختياري بين الدول الأعضاء فيها على أساس قاعدتي المساواة والاحترام المتبادل للاستقلال، مما انعكس على وضعها كمنظمة بين الحكومات وليست سلطة فوقية تعلوها.

ان الميثاق جسد حاله من التوافق السياسي والرضاء العام بمعنى ان الجامعة لم تنشأ من خلال قيام قوة إقليمية مسيطرة بفرض إرادتها على الآخرين بل جائت ثمرة لمجموعة من التوازنات بين الأطراف المعنية.

ان مبدأي السيادة والمساواة رتبا الأخذ بقاعدة الإجماع في التصويت واختيارية نظام الأمن المشترك وحل النزاعات بالطرق السلمية.

مثل هذا الرضاء العام كأساس لبناء المنظمة كانت له إيجابياته كما كانت له سلبياته، أما انه كان عاملاً إيجابياً فلأنهُ حافظ على تماسك النظام وضمن له مرونته وحال دون انفراد دولة واحدة أو عدد محدود من الدول بالسيطرة على الجامعة. وأما ان له سلبياته فلأن قاعدة الإجماع أدت أحيانا إلى قدر من الجمود والشكلية في الأداء بحيث تحركت الجامعة بفعالية حيثما توفر الإجماع لقراراتها والعكس صحيح([107]).وحتى في محاولات تعديل الميثاق([108])، نلاحظ ان الأنظمة السياسية العربية تأخذ دورا سلبيا في عرقلة مشاريع التعديل([109]).

إذاً لا بد للأنظمة العربية ان تعيد النظر في ذاتها وفي كينونتها وفي أيديولوجياتها وتوجهاتها القطرية قبل ان تعيد النظر في إعادة صياغة الأطر والنصوص القانونية والمؤسسية. وبعد ان تصبح الأنظمة العربية على مستوى أدنى من الشعور بالمسؤولية القومية ونكران الذات لصالح الإمة العربية، عندئذٍ يصار إلى إجراء تعديلات على النصوص والوثائق القانونية. ولا أريد من هذا الكلام الطعن في وجود الجامعة العربية ودورها في الحياة السياسية للعرب، ولكن عظم الهوة بين أهدافها وغاياتها المنشودة، وبين دورها ومنجزاتها المتواضعة، يندى له الجبين([110]).

وبالرغم من أنني أشك في ان يحدث مثل هذا التغيير الذاتي داخل الأنظمة السياسية العربية، ولكني سأستمر في البحث عن إطار نظري شكلي على الأقل يحتوي مسالة التسوية السلمية للنزاعات العربية ولا سيما النزاعات الحدودية العربية-العربية، باعتبارها الأخطر والأكثر بسبب الظروف التاريخية لنشأة الدول العربية وترسيم حدودها كما سنرى لاحقا، فلا بد ان يصار إلى إجراء تعديل في النصوص القانونية القائمة وفقا للتساؤلات التالية التي يمكن ان تثار بعد استقراء المادتين الخامسة والسادسة من الميثاق وهي :

لماذا لا ينص الميثاق على الزام الدول العربية المتنازعة بتسوية نزاعاتها بالطرق والوسائل السلمية ؟ ولماذا لا يعطي لمجلس الجامعة حق التدخل لفحص أي نزاع مهما كانت طبيعته ؟ ولماذا لا يراقب المجلس تنفيذ قراراته التي غالبا ما تبقى حبراً على ورق ؟ ولماذا لا يحدد المجلس الإجراءات التي تتبعها الدول المتنازعة لتسوية نزاعاتها كتكليف دولة عربية بالتوسط لتسوية النزاع – على سبيل المثال – أو إنشاء لجنة أو إحالة النزاع إلى التحكيم، أو أية وسيلة اخرى تتلاءم وطبيعة النزاع ؟ وما هو المبرر لاستثناء النزاعات التي تتعلق باستقلال الدولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها من ان ينظر فيها المجلس وهي أحوج ما تكون لتدخل المجلس لتسويتها لاسيما ان المجلس لا يتدخل بصورة تلقائية بل بناءً على موافقة الأطراف المتنازعة ؟ ثم لماذا لا تتوفر هذه التلقائية في تدخل المجلس ورهن تدخل المجلس بموافقة أطراف النزاع فإذا وجدت إحدى الدول ولأي سبب ان المجلس غير مؤهل أو افترضت تحيز المجلس لأحد الأطراف المتنازعة فإنها لا توافق على اللجوء إلى المجلس ؟ ولماذا لا يسمح للدولتين المتنازعتين بالاشتراك في مداولات المجلس وقراراته لا سيما ان تعادل أصواتهما لا يؤدي إلى أي تأثير في نتائج التصويت ؟.

وفي النهاية لماذا يحدد الميثاق توسط مجلس الجامعة في النزاعات التي يخشى منها وقوع حالة الحرب فقط؟ ولماذا لا يشمل أي نزاع يخشى منه وقوع صراع عسكري، لان حالة الحرب لا تعني جميع النزاعات العسكرية([111])؟ وبسبب هذه الثغرات التي لا يوجد لها سوى تبرير واحد وهو الحفاظ على مبدأ السيادة ومبدأ القطرية فان الكثير من الكتاب والباحثين أوجدوا الكثير من المقترحات لتعديل الميثاق([112]). واتفقت الآراء على إيجاد التعديلات الآتية الخاصة بتسوية النزاعات بين الدول العربية:

فيما يخص المبادئ العامة للجامعة فان مشروع التعديل ينص على “اللجوء إلى الجامعة العربية لحل منازعات الدول الأعضاء بالطرق السلمية قبل اللجوء إلى غيرها من المنظمات الدولية” بعد ان كان الميثاق ينص على منع اللجوء إلى القوة لفض النزاعات.([113])

فيما يخص المادة الخامسة من الميثاق والتي عالجت مسألة التسوية السلمية للنزاعات وكما أسلفنا فقد تضمن مشروع التعديل النقاط الآتية:

أ. أعطى المشروع للمجلس الأعلى للجامعة ومجلس الشؤون السياسية حق التصدي لأي نزاع يمس بالأمن والسلم في الوطن العربي.

ب. أعطى المشروع لمجلس الشؤون السياسية حق تحديد الطرق السلمية الملائمة لحل النزاع.

ج. إلزام  الدول بالتدابير المؤقتة التي يراها مجلس الشؤون السياسية، وآلا عدّت مخلة بالتزاماتها تجاه الجامعة، وبالتالي عرضه للتدابير القسرية التي قد تصل إلى حد وقف العضوية.

د. إنشاء لجنة التسوية السلمية، وهي لجنة دائمة لمساعدة مجلس الشؤون السياسية في الاضطلاع بمسؤولياته، وتشكل برئاسة الأمين العام وثلاثة أعضاء يعيّنهم المجلس لمدة سنتين.

هـ. لمجلس الشؤون السياسية والدفاع استخدام قوات الأمن العربية لوقف النزاع([114]).

انه لمن المؤكد ان مشروع تعديل الميثاق هذا سيعالج الكثير من جوانب القصور في الميثاق إلا انه لا يسمو إلى الدرجة التي توفر ميكانيزمية واضحة وعملية لتسوية النزاعات الحدودية بين الدول العربية، ففي الوقت الذي أشار فيه مشروع التعديل إلى إلزام الدول المتنازعة بالتدابير المؤقتة التي يراها مجلس الشؤون السياسية، فأنه لا ينص على إلزام الدول بالقرار النهائي الذي يصدر عن المجلس ولا الكيفية التي يصدر بها القرار. كما ان مشروع التعديل نص على إنشاء لجنة التسوية السلمية وحدد كيفية إنشائها، وتعيين أعضائها وحدد لها وظيفة واحدة هي مساعدة مجلس الشؤون السياسية للاضطلاع بمسؤولياته، ولكنه لم يُشر إلى الكيفية التي تقوم بها هذه اللجنة بواجباتها، ولم تحدد مهامها بوضوح، فهل هي لجنة تحقيق أم توفيق أم وساطة أم مساعي حميدة أم ان لها مهام اخرى؟ ثم ان التعديل لم يذكر طريقة التصويت على القرارات الصادرة، لذا فأنا أرى ان الطريقة الأجدى للعمل من اجل تسوية فعالة للنزاعات الحدودية العربية – العربية هي إقرار مشروع محكمة العدل العربية،([115]) وتوسيع صلاحياتها بحيث تتمتع بصفتين مهمتين هما : التحكيم الإجباري في جميع النزاعات مهما كانت طبيعتها القانونية والسياسية وبالتنسيق مع لجان متخصصة مساعدة. أما الصفة الثانية فهي إلزامية قراراتها لكل أطراف النزاع وفي جميع الحالات، على ان يضمن الميثاق المعدل أمرين هما : حيادية أعضاء المحكمة وعدالتهم، ومراقبة تنفيذ الأحكام الصادرة.([116]) وتجدر الإشارة إلى ان جميع هذه التعديلات مازالت مجرد فرضيات نظرية لم يقدر لها ان تقر حتى هذه اللحظة لذلك سنركز في دراستنا على الميثاق الحالي للجامعة العربية باعتباره الآلية المستخدمة في الجامعة العربية وهذا يتطلب أولا تحديد طبيعة هذه النزاعات الحدودية وفقاً للميثاق الذي صنف نوعين من النزاعات – النزاعات التي تؤدي إلى حالة الحرب، والنزاعات الأخرى الأقل أهمية- وهذا يقودنا إلى معرفة مدى صلاحيات الجامعة للنظر في هذا النوع من النزاعات وفقا لميثاقها النافذ، ومعرفة الطرق والوسائل التي حددها بها الميثاق، ثم يجب دراسة التجربة التاريخية والتطبيقات العملية التي اضطلعت بها الجامعة سواء في حدود ميثاقها أو خارج نطاق تلك الحدود – أي التي لم ينص عليها الميثاق – كدور الأمين العام ودور دبلوماسية القمة، على سبيل المثال.

النزاعات الحدودية وطرق تسويتها

دراسة عامة عن الحدود الدولية

 الحدود الدولية :

أن فكرة الحدود ارتبطت تاريخيا بفكرة الملكية، فالتجمعات الإنسانية البدائية كانت تشعر بان حقوقها وسلطانها له مجال ارضي يجب إلا تتعداه.

فالرعاة مثلا كانوا يدركون بصفة أكيدة الحدود المسموح لهم الرعي فيها والتي تخضع لسلطان قبيلتهم، فالقبائل المتجاورة كانت تعرف حدودا معلومة للمناطق الخاصة بكل منها والتي يجدون فيها حقا خالصا للرعي أو الصيد، وكان تعدي قبيلة على المنطقة الخاصة بأخرى يعد بمثابة خرق حدودي وتجاوز يستدعي الخلاف وقد يؤدي ألي نشوب القتال.[1]

وهناك من يرى أن فكرة الحدود ارتبطت ولفترة طويلة بفكرة العوائق الطبيعية التي كان يراها البشر حدودا لمجتمعاتهم سابقاً.[2]ولكن هذا لم يمنع ظهور الحدود التي أقامها البشر بأنفسهم مثل سور الصين العظيم وبعض الأسوار في أوربا، وبعد تطور الدول الحديثة في غرب أوربا إبان انهيار الإمبراطورية الجرمانية بدأت الحاجة تظهر لحدود اكثر دقة وتحديد.

وتعد معاهدة وستفاليا (1648) بمثابة البداية لنشأة نظام الدولة الحديثة حيث صار التحول من مفهوم الحدود في العصور الوسطى ألي العصور الحديثة مرتبطا اشد الارتباط بظهور دول القوميات. ولم تعد الحاجة موجودة لتلك التخوم المهجورة بل على العكس ظهرت الحاجة المتزايدة للأرض والموارد الجديدة، ومن ثم اختفت هذه المناطق الحدودية عن كل خارطة أوربا، ومن ثم غيرها من الدول، إلا من بقايا تاريخية قديمة مثل إمارات لكسمبورغ، وليخنشتاين.[3]

 مفهوم الحدود الدولية:

المعنى اللغوي لكلمة الحدود هو الحاجز بين شيئين، وحدَّ الشيء عن الشيء ميّزه، وحدّد الأرض أقام لها حدوداً، والمحدود هو المعين بحدوده،[4] وحد الشيء منتهاه، وقد (حدَّ) الدار من باب (ردَّ) وحدَّدها أيضاً تحديدا، وحد كل شيء نهايته[5]. وفي الأدب القانوني والجغرافي السياسي محاولات كثيرة لتحديده مفهوم الحدود ويمكن حصرها في اتجاهين بحسب المعيار الذي اعتمدته هما:

الاتجاه الأول : وهذا الاتجاه يرتكز ألي المعيار الديمغرافي، إذ يعتمد وجود السكان وتوفر الاحتياجات اللازمة لهم أساسا في تحديده للحدود. وخير من مثل هذا الاتجاه هو لايد Lyde)) فقد عرف الحدود على أنها أبعد حد للمنطقة التي يعيش فيها الناس والتي يمكنهم أن يحصلوا منها على احتياجاتهم الضرورية من الطعام.[6]

الاتجاه الثاني : الذي يتخذ من السيادة معيارا لتحديد مفهوم الحدود، ويذكر أن اغلب التعريفات الواردة في المصادر تأخذ بهذا المعيار لتحديد مفهوم الحدود الدولية. ومنها تعريف (بوجز Boggs) “حد الدولة هو الخط الذي يعين الإقليم الذي تمارس عليه الدولة حقوق السيادة”.[7] وعرفها كذلك (ادامي Adame) تعريفا مقاربا فقال: “أن حد الدولة هو الخط الذي يعين حدود المنطقة التي تستطيع الدولة أن تمارس سيادتها عليها”.[8] وهذا نفس ما ذهب إليه (برسكوت prescott) حيث عرف الحدود على أنها الخطوط التي تعين الإقليم الذي تشغله الدولة وتبسط عليه سلطانها بصفة قانونية.[9] وفي نفس الاتجاه عرفها (Bouchez) بأنها “الحدود للإقليم الذي تمارس عليه الدولة سيادتها المانعة”.[10]

ومن الباحثين العرب عرفها الدكتور عبد الرزاق عباس على أنها “عبارة عن خطوط تحدد مساحة الدولة ومجال سيادتها وسيطرتها”.[11] وعرفها الدكتور عبد المنعم عبد الوهاب بأنها “تلك الخطوط الوهمية التي تفصل بين مناطق سيادة دولة عن دولة أو دول اخرى تجاورها، أو هي النقاط التي تنتهي عندها سيادة وسيطرة وقوانين وسلطة دولة وتبدأ كذلك عندها سيادة وقوانين وسلطة دولة اخرى”.[12]

وقال الدكتور على صادق أبو هيف “أنها خطوط ترسم على الخرائط لتبين الأراضي التي تمارس فيها الدولة سيادتها والتي تخضع لسلطتها، والتي لها وحدها حق الانتفاع بها واستغلالها”.[13] وعرف الدكتور جابر الراوي الحد الدولي بأنه “الخط الذي يحدد فيه المدى الذي تستطيع الدولة ممارسة سيادتها فيه، ويفصل بين سيادة هذه الدولة والدولة أو الدول الأخرى”.[14]

ويلاحظ أن هناك تباينا في التعاريف بين الاتجاهين، فتعريف (لايد Lyde) مثلا عكس أفكار القرون القديمة والوسطى حيث لم تكن فكرة سيادة الدولة قد ظهرت بعد، وان العلاقات بين الدول كانت لا تزال في بدايتها والحدود كانت في تلك الفترة مناطق حدود (frontiers) وليست خطوط حدود (Boundaries) في حين أن تعاريف الاتجاه الثاني عبرت عن الحدود كخطوط وليس كمناطق حدودية (تخوم).

ويمكن ملاحظة وجود خلط بين تعبيري الحدود و التخوم وذلك بسبب حداثة ظهور الحدود السياسية وقلة وجود الخرائط الدقيقة، وبساطة أدوات وطرق المسوحات.[15] ولكن بعد التطورات الحديثة أصبحت التخوم لا تمثل مترادفا للحدود حيث أن التخوم هي ( مناطق أو مساحات غير مأهولة بالسكان تفصل ما بين المناطق المأهولة بها).[16]

ويلاحظ أن التخوم تتمتع بثبات اكبر من الحدود لان الأولى ظاهرة طبيعية، أما الثانية فهي اتفاقية كما أن التخوم تخضع لسلطان القانون الداخلي لأنها تقع ضمن إقليم الدولة، أما الحدود فهي تخضع للقانونين الداخلي والدولي.[17]

وفي العصر الحديث فقدت التخوم وظيفتها العازلة لان يد الحضارة أطالتها سواء كانت متمثلة بسلاسل جبلية أو بصحارى أو غير ذلك، وبالتالي ظهرت الحاجة الملحة لوجود الحدود الدولية.[18]فما كان يفصل بين المجتمعات سابقا وحتى نهاية العصور الوسطى وبداية العصر الحديث هي مجالات واسعة من الفواصل الطبيعية، والتي استفادت تلك المجتمعات من وعورتها وقسوة بيئتها في جعلها حدوداً تمنع أي اعتداء عليها. فكانت هذه المناطق تمثل مناطق انفصال وليس مناطق اتصال. وكان لهذه المناطق وظيفتين:[19]

أ. تحديد المجال الذي تحصل منه الجماعة على احتياجاتها من مؤونة.

ب. تقي الجماعة من أي اقتحام أو عدوان خارجي على ممتلكاتها.[20]

وللحدود معنى في لغة الجغرافية فهي طرف الإقليم السياسي للدولة و تساهم الحدود في خلق شخصيات جغرافية مختلفة حضاريا على جانبي الحدود.

أما المفهوم العسكري للحدود فهو (خط المواجهة التي ينبغي حمايتهُ أو هي النقطة التي تشكل بداية الانطلاق للهجوم).

والمفهوم التاريخي، يذهب ألي أنها انعكاس لتكامل الدولة وتوسعها أو تجزئتها، وهي تعبير عن فلفستها ودرجة قوة أو ضعف الدولة خلال مراحل زمنية متتابعة.[21]

تصنيف الحدود الدولية

الحدود بمعناها الواسع تشمل كل من الحدود البرية والحدود البحرية والحدود الجوية، فالحدود البرية هي التي تفصل بين أراضى الدولة و أراضى الدول الأخرى والمجاورة، والحدود البحرية هي التي تفصل بين البحر الإقليمي للدولة والبحر الإقليمي لدولة أو دول الجوار الأخرى، والحدود الجوية هي التي تفصل بين إقليم الدولة والأقاليم المتاخمة لدول الجوار. وعمل فقهاء القانون الدولي على دراسة الحدود البحرية ضمن قانون البحار والحدود الجوية ضمن قانون الفضاء أما الحدود البرية فضمن القانون الدولي العام.[22] ويمكن تصنيف الحدود على أساس طبيعتها ألي نوعين:[23]

أولاً. الحدود الطبيعية (Natural Boundaries)[24]

ويقصد بها (تلك الحدود الفاصلة بين الدول والتي تتماشى مع الظواهر الطبيعية لسطح الأرض. ومما لاشك فيه أن الحد السياسي يكتسب من الظواهر الطبيعية التي يستند إليها منهج وقدرة على أداء وظيفته)، مع ذلك يجب أن نضع في تقديرنا أمرين للتعرف على القيمة الفعلية لكل ظاهرة طبيعية في مساندة الحد السياسي.[25]

أ.  أن هذه الظواهر الطبيعية قد تضمنت ضمن خصائصها أسباب الضعف التي تعجز بها عن تأكيد الفصل بين الوحدات السياسية. وهذا معناه أن ما يكسب الحد منعة ويؤكد دوره في الفصل، يمكن أن يكون سبيلاً للترابط.

ب. التغيرات الحاصلة في المستويات الحضارية للمجتمعات الدولية وزيادة حجم العلاقات بين الوحدات السياسية، وتطور المواصلات والزيادة السكانية المستمرة في حجم السكان في العالم.[26]

ولا يشترط أن تمثل جميع العوائق الطبيعية على سطح الأرض حدودا بين الوحدات السياسية، بل أن اكثر هذه العوائق تقع ضمن إقليم دولة واحدة، فالأنهار في العراق مثلا بالرغم من كثرتها فان مسافة قصيرة من شط العرب فقط هي التي تمثل حدودا طبيعية مع إيران أما باقي الأنهار (دجلة والفرات وروافدها) فهي تقع ضمن إقليم العراق السياسي. وهذا الأمر ينطبق حتى على الجبال والصحارى، فلا يشترط أن تكون كل ظاهرة طبيعية حدا سياسيا. وتشمل الحدود الطبيعية:

الأنهار : وتعتبر من اقدم العوائق الطبيعية التي تفصل بين السكان الذين يسكنون بموازاتها، وكانت تمثل خطوط دفاعية ضد الغزوات أو الاعتداءات وخصوصا إذا كان النهر عميقا وعريضا. فالرومان مثلا اعتمدوا على نهري الراين والدانوب لحماية إمبراطوريتهم ضد الغزوات البربرية[27]

وفي الوقت الحاضر فقدت الأنهار بعضاً من أهميتها العسكرية، وقلت مميزاتها كعامل فصل بسبب تطور وسائل المواصلات وبناء الجسور حتى على اعرض واعمق الأنهار، واخذ ينظر إليها كعامل اتصال وتوحيد بين السكان الذين يعيشون على ضفافها وبين أحواضها.[28] ونذكر من الحدود النهرية شط العرب بين العراق وإيران، ونهر ريوجراندا بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك، وكذلك نهر الزمبيزي بين روديسيا وزامبيا، وجزء من نهر الريان بين فرنسا وألمانيا، وغيرها.[29]

الجبال : تمثل الجبال وسيلة لحماية الدولة من خطر الهجمات والغزوات وذلك لطبيعتها الوعرة والصعبة الاختراق، فقد كانت جبال إلالب مثلا تمثل حدودا منيعة للإمبراطورية الرومانية . ويلاحظ أيضاً أن تطور وسائل المواصلات وسلاح الجو افقد الجبال هذه الخاصية. ومن أمثلة الحدود الجبلية الحدود العراقية – الإيرانية وخصوصا في أجزاءها الشمالية، والحدود العراقية – التركية، وكذلك جبال البرانس بين أسبانيا وفرنسا وجبال الهمالايا بين الهند والصين.[30]وجبال الأنديز بين الأرجنتين وتشيلي.[31]

البحيرات والمستنقعات : تمتاز البحيرات والمستنقعات بثباتها لذلك يعتبرها البعض حدودا سياسية افضل من الأنهار التي غالبا ما تتغير مجاريها مما يسبب العديد من المشاكل. ومن أمثلة الحدود التي تمثلها البحيرات بحيرة (أيرى) و (اونتاريو) اللتان تفصلان بين الولايات المتحدة وكندا، وكذلك بحيرة (فكتوريا) بين كينيا وأوغندا.[32] وبحيرة (تشاد) التي تفصل بيت تشاد و نيجريا والكامرون والنيجر.[33] وأهم المستنقعات الحدودية مستنقع (بريبيت) بين روسيا القيصرية وبولندا و (ستيتنرهاف) بين بولندا وألمانيا.[34] ولا توجد في الحدود بين الدول العربية أمثلة للبحيرات والمستنقعات.

الغابات والصحارى: وكانت في الماضي تعتبر حدودا منيعة ولكن بعد أن وصلت لها يد العمران واخترقتها طرق المواصلات، قلت أهميتها العازلة. فقد اخترق الفرنسيون مثلا الصحراء الكبرى، ونظموا فيها خطوطا للنقل، أصبحت الدول تتنافس على هذه المناطق لأنها غنية بالمصادر الطبيعية المختلفة.[35] أما الغابات فقد كانت تمثل الحدود السياسية لجميع الأقطار الواقعة ضمن النطاق الاستوائي في القارة الأفريقية، ومنها جمهوريات الكونغو وغانا وغينيا.[36] ويلاحظ أن نظرة فاحصة تلقى على خريطة العالم تبين للباحث قلة الحدود الطبيعية، أو قلة عدد الدول المحاطة بحدود طبيعية لأن الحدود الطبيعية التي رسمت بناء على ظواهر الطبيعة قليلة قلة تصل إلى حد الندرة.[37]

ثانياً : الحدود الاصطناعية (Industrial Boundaries)

ونقصد بها ( الحدود التي لا تعتمد الظواهر الطبيعية أساسا للتقسيم، أما لعدم وجود ظواهر طبيعية متميزة تعين المكان الذي تنتهي عنده سيادة دولة ما وتبدأ سيادة دولة اخرى، أو لان المناطق المراد تقسيمها ذات قيمة استراتيجية أو اقتصادية تجعل الدول المتواجدة على جانبيها تتنافس من اجل الحصول عليها، مما يدعوا إلى النظر إليها بعين الاعتبار عند وضع الحدود).[38] وهذا النوع من الحدود لا يفصل في العادة بين شعوب مختلفة في حضارتها وتركيبها الأنثروبولوجي، وقد خطت بحسب ظروف خارجية لا علاقة لها بطبيعة الأحوال في المنطقة، لذلك فان الحدود الاصطناعية تثير العديد من المشاكل لعدم اتباع الواقع في تخطيطها، والحدود في الوطن العربي خير مثال على ذلك.[39] والحدود الاصطناعية[40] تكون بأحد شكلين:

الحدود الفلكية (Astronomical Boundaries)

  وهي عبارة عن (خطوط تتماشى مع خطوط الطول ودوائر العرض)، كالحدود بين مصر والسودان والتي تتماشى مع دائرة عرض (22) درجة دعا والحدود بين مصر وليبيا والتي تسير مع خط طول (25) درجة شرقاً.[41] وتعتبر أطول الحدود الفلكية في العالم هي التي تسير مع خط عرض (49) درجة دعا والتي تفصل بين كندا و الولايات المتحدة الأمريكية.[42]

الحدود الهندسية

وهي عبارة عن (خطوط مستقيمة بين نقطتين معلومتين أو أقواس مرسومة من مركز دائرة معروف، واستخدام هذه الخطوط المستقيمة يتناسب مع الفراغ الصحراوي الذي يكاد يخلو من أي شكل من أشكال الظواهر الحضارية التي تستلزم دقة التحديد). ومن أمثلة هذه الحدود، الحدود بين الجزائر وكل من موريتانيا وتونس، والحدود بين موريتانيا والصحراء الغربية وبين سوريا وكل من العراق والأردن وبين السعودية من ناحية ومعظم الأقطار المجاورة لها.[43]وتعد أيضاً من قبيل الحدود الهندسية مناطق الحياد بين الدول المتنازعة على ملكية الأرض وما فيها من موارد اقتصادية وكذلك المناطق الفاصلة أو العازلة.[44]

وبالرغم من سهولة وضع هذا النوع من الحدود على الخارطة إلا أن وضعها على الأرض يكون غير دقيق ويثير العديد من المشاكل، ولكن التطورات العلمية والتكنولوجية من الممكن أن تتغلب على هذه الصعوبة بعض الشيء.[45]

تمتاز كل من الحدود الفلكية والهندسية بعدم الاستقرار و الثبات لصعوبة تحديدها على ارض الواقع من جهة، ولأنها لا تراعي وجود القبائل الرعوية مثلا (كما في المنطقة الغربية من الوطن العربي) حيث أن القبائل الرعوية تمتاز بحركتها المستمرة وراء الماء والكلأ. خاصة وان النظام القبلي لا يعترف كثيرا بمبدأ السيادة الإقليمية للدول. لذلك كان تخطيط هذه الحدود على الأرض من أسوأ المظاهر، لأنها تقسم الشعب الواحد أو تقطع القبيلة الواحدة إلى شطرين، كما حدث في أفريقيا، وفي غرب الوطن العربي مما يثير النزاعات الحدودية بين البلدان.[46]

وهذا التصنيف هو ليس التصنيف الوحيد، فهناك تصنيفات كثيرة غيره، وبرأينا أن هذا التصنيف هو الوحيد الذي يشمل جميع أنواع الحدود لأنه يأخذ من شكل الحدود معيارا له. وباقي التصنيفات لا تأتى بجديد بل تأخذ جانبا واحدا فقط وتهمل باقي الجوانب. فمثلا هناك من يرى أن الحدود قد تكون حضارية، أو حدود مشتركة، والحدود الحضارية تأخذ بنظر الاعتبار الصفات الحضارية كالدين، اللغة، العنصر، أو الجنس أو غير ذلك. ويرى أصحاب هذا التصنيف أن كل التصنيفات الأخرى تتأثر بهذه الصفات الحضارية التي شاع الأخذ بها بعد مقررات مؤتمر فرساي للصلح 1919. ويرى أنصار هذا التصنيف أن هذا النوع من الحدود يمتاز بالاستقرار والثبات طالما أنها ستضمن جماعة بشرية تزود الدولة بتوازن حقيقي مبني على أساس تجانس الرعية، ومن الأمثلة على هذه الحدود تلك التي تفصل بين الهند وباكستان حيث أنها مقامة على أساس ديني.[47] ويرى الباحث أن الحضارة أو الدين أو اللغة أو الجنس يمكن أن تكون معيار لتخطيط الحدود وليس نوع من أنواع الحدود. كما انه لا يمكن بأي حال من الأحوال حصر جماعة بشرية معينة بحدود معينة دون ترك أقلية خارج تلك الحدود بسبب  طبيعة البشر التي تتجه نحو الانتشار والتفاعل فحتى في حالة الحدود الهندية الباكستانية نلاحظ أن الخلاف مازال قائما حول إقليم كشمير الذي يحتوي على أغلبية مسلمة وحكومة مع أقلية هندوسية، فليس بالضرورة أن تكون الحدود الحضارية اكثر استقرار وثبات.

وهناك أيضاً الحدود المشتركة التي ترتبط بأكثر من مظهر كأن يكون مثلا مرتبط بجانب طبيعي من ناحية وبجانب بشري من ناحية اخرى، كالحدود

العراقية – الكويتية، فمن الناحية التصنيفية تتداخل فيها الظواهر الطبيعية في وادي الباطن غرب الكويت، والحدود الهندسية التي رسمت في الاتفاقية إلانجلو – تركية عام (1913) شمال الكويت، حيث يلتقي الطرف الشمالي للباطن بخط عرض النقطة الواقعة جنوب صفوان، ثم هناك الحدود البحرية الموجودة بين الطرفين.[48]

وهناك تضيف آخر يأخذ بنظر الاعتبار مدى تزامن وضع الحدود مع وقت إقامة المعالم الحضارية في المنطقة وتطويرها وتصنف إلى ثلاثة أنواع:

الحدود السابقة : أي السابقة للتطور والأعمار كما في حدود كندا وإلا سكا المرسومة بموجب اتفاقية (1825) وكذلك الحدود بين أفريقيا وأمريكا اللاتينية.

الحدود اللاحقة: وتوضع بعد أعمار المنطقة وتطويرها وتتماشى مع هذا الأعمار، مثل الحدود بين السويد والنرويج ويلاحظ أن هذا النوع اكثر ثبات من سابقه.

الحدود المنطبقة : وهذه الحدود توضع هي الأخرى بعد الأعمار والتطور في المنطقة مع فارق أنها لا تتماشى مع المظاهر العمرانية بل هي تمر عبرها لأنها توضع على أساس عوامل بشرية خاصة تمتاز بها الأراضي الواقعة ضمن الحدود، مثل الحدود بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.[49]

التصنيفات الأخرى للحدود :

* الحدود الآمنة : وهي الحدود المقامة لأغراض دفاعية ستراتيجية، ولكن الغرض منها التوسع على حساب الدول المجاورة، مثل تحريك الاتحاد السوفيتي حدوده مع فنلندا من (17-90) ميل داخل فنلندا بحجة أبعاد الخطر عن موسكو عام 1940.[50] وتحت نفس الذريعة تجاوز الكيان الصهيوني في حزيران عام 1967 خطوط الهدنة واحتل أراضي عربية جديدة.[51]

* الحدود المعقدة : وهي التي تشمل اكثر من شكل أو نوع من الحدود.[52]

* الحدود العمودية : وهي تلك التي تستخدم لتنظيم الملاحة الجوية. وبيان أحقية الدول في فرض سيادتها على مجالها الجوي.[53]

ويبدو لي أن التصنيف الأول الذي قسم الحدود بين طبيعية وأخرى اصطناعية، هو تصنيف يشمل جميع أنواع الحدود وان باقي التصنيفات ما هي إلا مجرد اجتهادات يشوبها النقص والجزئية.

 أسس ترسيم الحدود السياسية الدولية

هناك أربعة معايير اتخذت أساساً لرسم وتخطيط الحدود الدولية هي:[54]

أ. الاعتبارات الاستراتيجية: التي كانت الأهم في تخطيط الحدود بين الدول في حقبة ما قبل الحرب العالمية الأولى، فقد كان الاعتقاد سائداً قبل الحرب العالمية الأولى هو أن افضل وضع للحد السياسي هو أن يكون إستراتيجيا، أي الحد الذي يساعد على صد هجوم الأعداء، ويُمّكن الدولة في الوقت نفسه من الدفاع عن نفسها. وظل هذا الحد هو المطلب لدى كل الدول، فألمانيا حرصت عند تحديد حدودها مع فرنسا عام (1871) في معاهدة فرانكفورت على امتلاكها قلاع (متز) والتحكم في طريق (الموزل) لأهميته العسكرية، ورغم تطور أسلحة القتال في مداها وسرعتها إلا أمثلة هذا الحد مازال يحتفظ بأهمية خاصة بالنسبة للدول التي لا تمتلك أسلحة حديثة.[55]

ب. الاعتبارات الحضارية والبشرية: التي أصبحت في فترة ما بين الحربين العالميتين المعيار الأساس لتحديد الحدود بين دول العالم[56]، ولاسيما بعد مؤتمر الصلح في فرساي عام (1919). ووفقا لهذا المعيار قد يتم فصل شعبين متجاورين مثل الحدود بين استونيا ولاتيفيا ولتوانيا فيما بين الحربين أهميتها أمثلة يتم التخطيط مسبقا لوصول العناصر البشرية على جانبي الحدود مثل الحدود بين الولايات المتحدة وكندا غربي هضبة البحيرات، أو قد يتم التخطيط للحدود أولا ثم تتحرك الشعوب الهمالايا جانبيها أي يحدث تهجير حتى تصبح الحدود حدودا انثر وجغرافية، مثل الحدود بين بولندا وتشكوسلوفاكيا عقب الحرب العالمية الثانية مما سأهم في حل مشكلة الأقليات.[57] وقد أقرت معاهدة باريس عام 1920 فكرة جعل الحدود متمشية مع الحدود البشرية لأنه تتفق مع حق تقرير المصير، وتهدف هذه الفكرة الهمالايا عدم الفصل بين الشعوب المتجانسة حضاريا وجنسيا، بينما فضل البعض اتخاذ اللغة معياراً لرسم الحدود بين الدول، ولكن لو طبق هذا على ارض الواقع فسينتهي الأمر إلى تفتيت الدول القائمة، وقد يستدعي الأمر حدوث تبادل للسكان كما حدث بين تركيا واليونان بعد الحرب العالمية الأولى. في حين فضل البعض الآخر اتخاذ الدين كمعيار لتعيين الحدود، وهذا يحمل بين طياته بعض السلبيات لأن المجموعات الجنسية واللغوية قد تعتنق ديناً واحداً، بينما نجد شعوبا تتكلم لغة واحدة تدين باديان مختلفة، ويمكن أمثلة يتخذ الدين كمعيار لرسم الحدود في الحالات التي يشتد فيها النزاع الديني الداخلي كما حدث في تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947 الهمالايا دولتين الهند وباكستان.[58]

ج. الاعتبارات الاقتصادية : التي أصبحت في الوقت الحاضر أهم المعايير في تحديد حدود الدول، وبرزت هذه الاعتبارات الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية كأساس لرسم الحدود السياسية، فقد أصر الحلفاء بعد انتصارهم في الحرب على إعطاء بولندا مخرجا لتجارتها وذلك باقتطاعها جزءا من ألمانيا مع ميناء (داتزج) على بحر البلطيق، وكذلك عدلت الحدود الفرنسية – الألمانية فأعطيت فرنسا فحم السار وحديد اللورين وبوتاس إلالزاس ومراعيها الغنية.[59]

د. معيار القوة والقهر والاعتبارات غير المتكافئة : قد تكون القوة هي المعيار في رسم الحدود، وكان للقوة أثرها في تحديد الحدود بين أبو ضبي والسعودية عام (1975)[60].

 وظائف الحدود الدولية

أمثلة خط الحدود ليس مجرد خط يرسم على الخريطة ليفصل بين دولتين متجاورتين أهميتها اكثر وإنما له أهمية كبيرة من النواحي السياسية والقانونية والاقتصادية للأطراف والحربية، وتزداد الأهمية كلما حضت الحدود بعناية وحماية اكثر من قبل الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية، وعقدت لغرض تثبيتها المعاهدات والاتفاقيات، وشرعت من اجلها القوانين الداخلية والدولية.[61]

فالحدود الدولية تؤدي وظائف معينة سواء على مستوى علاقة الدولة بشعبها، أو على مستوى علاقة الدولة مع الدول المجاورة، وأهم هذه الوظائف:

أ. الدفاع عن الدولة وتوفير الأمن للشعب: لعل اقدم الوظائف وأهمها التي تؤديها الحدود الدولية هو تامين الحماية من الاعتداءات الخارجية، لذا أقامت الدول عند حدودها الاستحكامات العسكرية خاصة في الجهات التي تتوقع اعتداءات منها، ومن أما ذلك تحصينات خط (ماجينو) على الحدود الشمالية الشرقية لفرنسا في مواجهة الألمان، وكان يقابلها على الجانب الأخر التحصينات الألمانية على خط (سيجفريد)[62].

ويرى هولدش (Holdich) “أمثلة السبب الأساسي في تحديد الحدود وتخطيطها هو إقامة خط دفاعي بين دولتين لمنع أي احتكاك أهميتها اتساع غير قانوني باتجاه الدول المتجاورة، حيث تقام الحدود لوضع حد للمناقشات أهميتها لمنع التعقيدات في المستقبل؛ ومن هنا نشأت الحدود الدفاعية ذات الحصون وإقامة خطوط مواصلات دفاعية”.[63] ولكن الأهمية العسكرية الدفاعية للحدود تقوضت بسبب التطورات الحديثة لوسائل الحرب والأسلحة العابرة للقارات، وفاعلية تدميرها وسرعتها وتخطيها للعقبات ، وباتت وظيفة الحدود الحفاظ على الأمن المدني بدلاً من الأمن الدفاعي.[64] وكذلك الأمن الثقافي، حيث أمثلة الحدود تقف بوجه الكتب والمجلات والمنشورات غير المرغوب فيها والتي لا تتفق مع الوضع السياسي والاجتماعي والعقائدي.[65]وان كانت هذه الوظيفة قد فقدت مضمونها بسبب تطور وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.

ب. حماية الإنتاج الاقتصادي الوطني والنظم الاقتصادية : تضع الدول قيوداً لدخول السلع والخدمات والاستثمارات الأجنبية، وذلك حمايةً لسلعها ومنتجاتها الوطنية، ولكي لا تتضارب مصالح الدول عند استغلال موارد الثروة التي توجد في مناطق الحدود، تعمد الدول الهمالايا تعيين حدودها بدقة حتى لا يصبح استثمار هذه الموارد سببا في قيام النزاعات بينها. ومن إلالب على ذلك اقتسام المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت، والسعودية والعراق.[66] كما تقام عند الحدود نقاط الجمارك والهدف منها حماية الإنتاج الوطني من خلال فرض الرسوم الجمركية على السلع الأجنبية المستوردة، وخصوصا تلك التي لها مثيل في الإنتاج الوطني.[67]

ج. تنظيم انتقال الأفراد : ويتم من خلال منع الأفراد غير المرغوب بهم من الدخول الهمالايا البلاد، أهميتها منع الأشخاص الذين بذمتهم حقوق والتزامات من المغادرة. وتزداد أهمية هذه الوظيفة للحدود السياسية إذا كانت ممتدة في مناطق آهلة بالسكان أهميتها في مناطق زراعية، حيث كثيرا ما يكون بين السكان على جانبي الحدود علاقات اقتصادية واجتماعية وحضارية وعرقية، وتكثر في هكذا أوساط مشاكل السكان والصدامات والتنازع فيما بينهم وكذلك في مجتمعات الرعي حيث تكثر تحركات الرعاة نحو الكلأ والماء، وبعض الدول تسمح بتحرك قبائل الرعي في مناطق قريبة عبر الحدود.[68] ويتم أو تنظيم الهجرة عن طريق الحدود بحسب قوانين كلا الدولتين المتجاورتين.[69]

د. تنظيم التبادل الدولي : ويتم من خلال عمليتي الوصل والفصل، فإذا كانت وظيفة الحدود في الماضي هي الفصل، فبسبب تطور وسائل المواصلات وارتباط مصالح الدول بعضها ببعض أصبحت وظيفة الحدود الوصل بين الدولة وخارجها وتنظيم عملية التبادل الدولي. وكلما كانت الدول المتجاورة متخلفة متنازعة كلما كانت الحدود عامل فصل بينهما والعكس صحيح أو.[70]

هـ. الوظيفة القانونية للحد : الحد السياسي هو الذي يحد القوانين التي يخضع لها كل الأفراد طالما أنهم يعيشون داخل هذه الحدود السياسية للدولة وان لم يكونوا من مواطنيها.[71] وهذا جزء من حق الدولة في فرض سيادتها على إقليمها.

نلاحظ مما تقدم أمثلة الحدود الطبيعية المنيعة قد فقدت خاصيتها في المنع بسبب تطور  وسائل النقل والمواصلات، كما أمثلة الحدود فقدت وظيفتها الأمنية بسبب تطور الأسلحة الحربية والطائرات والصواريخ العابرة للقارات. وبسبب الحاجة الهمالايا التفاعل الحضاري للشعوب والتبادل الدولي أصبحت الحدود تمثل عامل اتصال وليس عامل فصل كما كانت في الماضي، وفي الحقيقة أمثلة ثورة المعلومات التي لا تعرف حدودا تقيدها كان لها اثر كبير في تقويض وظائف الحدود العازلة. كما أمثلة موجة العولمة التي حولت الكرة الأرضية الهمالايا قرية صغيرة اخترقت كل أنها القيود الحدودية الطبيعية منها والاصطناعية فأخذت السلع والخدمات، وكذلك الأفكار والثقافات تصل الهمالايا كل سكان المعمورة بلا قيود ولا سيما تلك الدول المشتركة في مشاريع العولمة من خلال منظمة التجارة العالمية أهميتها صندوق النقد الدولي أهميتها من خلال الشركات العابرة للقارات. فالحدود اليوم هي غيرها الحدود في الماضي. ولكن بقيت الحدود وستبقى مهما تقدم الزمان وتوالت العصور هي رمز لسيادة الدولة وكيانها. وتضم بين جدرانها خصوصيات كثيرة لا يمكن أمثلة نجدها خارج تلك الحدود. وهذه السيادة وهذه الخصوصيات تبقى مصدر لنشوب النزاعات بين الدول. وهذا ما سيتضح اكثر بعد دراستنا للحدود العربية – العربية.

نشأة الحدود العربية

يمتد الوطن العربي على مساحة واسعة من قارتي آسيا وأفريقيا ومساحته حوالي (14) مليون كم مربع، ويبلغ عدد سكانه حوالي (257) مليون نسمة وتمتاز حدوده من الخارج بأنها حدود طبيعية، فتحيط به من الشرق الهضبة الإيرانية وجبال زاكروس والخليج العربي، ومن الشمال جبال طوروس والبحر المتوسط، ومن الغرب المحيط الأطلسي، إليها في الجنوب يحيط به المحيط الهندي وهضبة البحيرات، للإمبراطورية الغربية والوسطى والحبشة، لذلك فان اغلب حدوده التي تفصله مع الدول الأقطار والأجنبية هي حدود صعبة معقدة على العكس من حدوده الداخلية التي تفصل بين الدول العربية، كالسهول والوديان وبعض الصحارى مما يسهل من عملية النزاع عليها.

والمتتبع لنشأة الحدود في المنطقة العربية يلاحظ أنصار ظاهرة حديثة نسبيا فلقد كانت جميع الدول العربية تنضوي تحت راية الدولة الإسلامية ومؤسسها الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن بعده الخلفاء الراشدين ثم الأمويين والعباسيين، فلم يكن للولايات العربية آنذاك استقلالا سياسياً عن الخلافة الإسلامية، بل كان يعتبر الخليفة سلطة مركزية يتخذ عاصمة له في إحدى المدن العربية، ويعين ولاةً على بقية الأمصار أهميتها الولايات التابعة للدولة الإسلامية، لذلك لم تكن هناك حدود مستقلة بين دولة عربية واجتماعية، وبعد تعرض المنطقة العربية لمتغيرات سياسية وتاريخية كان لها أثرها في رسم وتعيين الحدود الفاصلة بين دولهم، ظهرت الكيانات السياسية القائمة حاليا.[72]ومنذ القرن السادس عشر تقريبا تولى الأتراك حكم الدولة العربية الإسلامية باستثناء بعض الأقاليم البعيدة كإقليم مراكش وموريتانيا وإرتريا والصومال والجنوب العربي حتى عّمان. ومنذ أواخر القرن الثامن عشر تقريبا أصبحت الدولة العثمانية تعاني من أمراض الشيخوخة، خاصة بعد ظهور قوى منافسة في المنطقة (بريطانيا وفرنسا)، وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى جرى تقسيم المنطقة العربية بين الدول المنتصرة والحليفة بعد أن تنازلت تركيا عنها بموجب معاهدة لوزان (1924).[73]

لا شك أمثلة الحكومتان البريطانية والفرنسية كانتا تدركان رغم اتفاقهما على تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية في المنطقة العربية بموجب معاهدة

(سايكس – بيكو) عام (1916م)، أمثلة شعوب المنطقة سوف لن تقبل بالاحتلال المباشر، كما أمثلة الروابط المشتركة بين شعوبها لا يمكن تمزيقها بمجرد تقسيمها الهمالايا دويلات، فلو كانت هذه الروابط قومية فقط لسهل الأمر عليها في ذلك، أقواس أمثلة رابطة الدين كانت اعظم رابطة بين شعوب هذه المنطقة، فرغم قيام بريطانيا بإيجاد نظام سعودي مختلف مدعوم بمؤسسة دينية وفرت لهذا النظام القاعدة الشرعية بالحكم لأحداث حالة تمزق في المنطقة أقواس أمثلة هذا النظام برغم الإنجازات التي حققها على طريق مصالح الغرب، لم يستطيع أمثلة ينجز أهداف بريطانيا الاستراتيجية  فيما يخص التهدم في بنية العلاقة بين شعوب المنطقة، وفي تحطيم الثوابت الأساسية للشعور الديني لدى هذه الشعوب، فقد تقوقع هذا النظام ومؤسسة على نفسه ولم يستطيع النفوذ في المناطق الآخذ خارج الجزيرة العربية، وكان محكوما عليه بالرفض حتى داخل شعب الجزيرة رغم الإمكانيات التي رصدت له.

 كما أمثلة الوعد الذي قطعته الحكومة البريطانية عام (1917) للحركة الصهيونية بقيام كيان صهيوني في فلسطين وتنفيذ هذا الوعد، جعل شعوب المنطقة تلتف حول هدف مركزي هو عدم التفريط بفلسطين، حتى أمثلة الحكومات التي ساهمت في قيام هذا الكيان كانت في الظاهر تبدي رفضها لهذا الكيان تحاشيا من غضب شعوبها.

هذه المعطيات[74] كانت تدرس في مراكز اتخاذ القرار العربي وخاصة بريطانيا، للخروج بنتيجة يمكن خلالها أحداث إجراء يدفع بالأمور الهمالايا الاستقرار على الحالة التي خلقتها بريطانيا وفرنسا في المنطقة وكانت فكرة الجامعة العربية هي خطر إجراء اتخذته الحكومة البريطانية.[75]

وارتبط وجود الحدود السياسية بين الدول العربية بظهور هذه الكيانات السياسية ذاتها وهذه الأخيرة ارتبط وجودها بأمرين هما:

القبيلة : إذ كانت المحور الذي قامت على أساسه الإدارة في هذه المنطقة أهميتها تلك وكانت الإمارة تتمتع بحكم ذاتي في بدايتها الأولى وان كانت تفتقد الهمالايا خصائص الدولة ثم تطورت الهمالايا كيان سياسي مستقل في فترة لاحقة.

الوجود الاستعماري: الذي لعب دورا كبيرا في التشكيل السياسي الحديث للدول العربية، بل وأسهم إسهاماً فعالا في تثبيت الوجود السياسي في هذه الدول. وبالرغم من التشابه الكبير في الوجود الاستعماري في مختلف أجزاء الوطن العربي.[76]أقواس انه كان لكل كيان سياسي عربي ميزات وسمات خاصة تختلف عن غيرها تتشابه في أقاليم معين كالخليج العربي مثلا أهميتها المغرب العربي وتختلف إذا ما نظر إلى بشكل منفصل وكما سنرى لاحقا.

وتجدر الإشارة أقواس أمثلة التطورات التاريخية أسفرت عن حصول بعض هذه الدول على استقلال منقوص كمصر والسودان ونجد والحجاز، ووضع البعض منها تحت الانتداب البريطاني كالعراق وفلسطين، والبعض الآخر تحت الانتداب الفرنسي كسوريا ولبنان، كما استمر البعض تحت الحماية الفرنسية كتونس ومراكش، وبعضها تحت الحماية البريطانية كجنوبي شبه الجزيرة العربية وعدن، وظلت الجزائر وموريتانيا والصومال الفرنسي (جيبوتي) خاضعة للاستعمار الفرنسي، وليبيا وإرتريا والصومال الجنوبي خاضعة للاستعمار الإيطالي، والصحراء (الأسبانية) وسبتة ومليلة خاضعة للاستعمار الأسباني، فضلا عن خضوع الصومال الشمالي للاستعمار البريطاني.[77]وقد قامت هذه الدول المنتدبة بتحويل الحدود الإدارية في المنطقة العربية الهمالايا حدود لها صفة سياسية تفصل بين مناطق الانتداب فقد انفردت سلطات الانتداب بتعين هذه الحدود بموجب معاهدات لتوزيع مناطق النفوذ كمعاهدة (سايكس – بيكو 1916) و(تصريح بل فور 1917) الخاص بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. ومنذ الأربعينات من القرن العشرين، بدأت موجة تحرر العالم العربي بحصول كل من لبنان (1941)، وسوريا (1943) على استقلالها، وتوالت بعد ذلك حركات الاستقلال والتي كان آخرها عام (1976)،[78]حين انسحبت إسبانيا من إقليم ما يعرف بالصحراء الأسبانية (الصحراء الغربية) ومازالت هناك أجزاء خارج نطاق السيادة العربية وهي فلسطين والجولان ونلاحظ مما تقدم أمثلة الحدود السياسية العربية – العربية حدود سابقة أي أمثلة نشأة هذه الحدود بمفهومها القانوني السياسي – سابقة على نشأة الدول العربية وظهورها بشكلها الحديث ولهذه الحقيقة بعض الأعراض الجانبية التي يمكن حصرها فيما يأتي:

أمثلة الحدود العربية حدود مفروض كأمر واقع على الدول العربية التي لم يكن لها يد في تعيينها وتخطيطها.

وحيث أنصار حدود مفروضة في ظل واقع جيوبولتيكي لم يعد له وجود فمن الطبيعي أمثلة لا تتفق طبيعة هذه الحدود بدرجة أهميتها بأخرى مع الوضع الجديد المترتب على ظهور الوحدات الأقطار العربية داخل هذه الحدود، والدليل على ذلك كثرة الخلافات العربية – العربية حول حدودها، حتى أمثلة من الصعوبة بمكان أمثلة نعين حدودا في المنطقة العربية لا تثير خلافا ظاهرا أهميتها خفيا فهناك قضية حدود بين المغرب والجزائر أوقعتهما في حرب خلال الستينات وبين المغرب وموريتانيا النزاع حول الصحراء الغربية كما أمثلة تونس والجزائر كان بينها نزاع حدودي أيضاً، وكما هو الحال بين مصر وليبيا، ومصر والسودان حول مثلث حلايب، ولم يخلو المشرق العربي أيضاً من قضايا الحدود فالسعودية مثلا كان لها نزاع مع كل الدول المجاورة لها تقريبا فقد كان لها خلافاً مع العراق والكويت واليمن وقطر وعُمان، كما نشب خلاف بين العراق والكويت، وبين سوريا ولبنان خلافات حدودية صغيرة وخلافات اكبر على السيادة، وبعد أمثلة أوشكت قضية العرب مع إسرائيل أمثلة تتحول من قضية وجود الهمالايا قضية حدود بات من المنتضر أمثلة تكون هناك قضايا حدودية بين إسرائيل من ناحية وكل من لبنان، وسوريا موريتانيا من ناحية اخرى.

بما أمثلة الحدود العربية قد نضمتها من جانب أصدرت لم يعد لها وجود على المسرح الحالي للحدود، فمن الطبيعي أمثلة لا تنال هذه الحدود في معظم إلا قدرا كافيا في القبول والاعتراف من جانب الأصل المعنية بها حالياً، وفي ظل الإحساس بعدم الشرعية تفقد الحدود قدسيتها ويصبح المساس بها أمراً وارداً لا يستوجب اللًوم والعقاب ومن هنا فان عدم استقرار الحدود العربية – العربية وكثرة الخلافات حولها يستلزم إعادة تنظيمها بين الأصل المعنية بها، وفق معايير تتوافق مع الواقع الجيوبولتيكي الحالي.

خصائص الحدود العربية

يتألف مسرح الحدود العربية من كتلة من اليابس تقدر مساحته بحوالي (14) مليون كيلو متر مربع وباستثناء البحر الأحمر الذي تقدر مساحته بحوالي (438) ألف كيلو متر مربع، لا تكاد توجد فواصل مائية متداخلة في اليابس، وعليه فان اليابس يشكل الصبغة الطاغية على مساحة الوطن العربي، وان الحدود البرية هي النوع السائد بين الحدود العربية – العربية التي تتميز بعدة خصائص جيوبولتيكية، لها علاقة بظاهرة الحدود العربية – العربية، ولعل أهمها ما يلي:

تغطي الهضاب المتوسطة الارتفاع معظم أرجاء مسرح الحدود، ونظراً لقدم هذه الهضاب، فقد تحولت الهمالايا ما يشبه السهول الحتاتية بفعل عوامل التعرية، وعليه فان المسرح الحدودي العربي يتألف بصورة عامة من سطح مستوٍ يتراوح ارتفاعه ما بين (400 – 600 ) متر باستثناء بعض الجبال العالية التي توجد على أصدرت مسرح الحدود وتمثل حدود خارجية، وتكاد لا توجد ظاهرات تضاريسية واضحة داخل هذا المسرح يمكن أمثلة تمثل معالم بارزة تتماشى معها الحدود. لذلك فان الحدود الفيزيوغرافية

(Physiographic Boundaries) التي تتماشى مع المعالم التضاريسية من الأنهار المحدود الانتشار في المنطقة العربية، ويتمثل هذا النوع بشكل خاص في الشرق العربي حيث تتوفر الانسحاب والهضاب كما هو الحال بالنسبة للحدود بين فلسطين وكل من سوريا والأردن وابنان من ناحية اخرى والحدود القائمة بين سوريا ولبنان.

أن المنطقة العربية تقع أو تكاد في نطاق الصحارى المدارية الذي يتميز بقلة الأمطار، وتشمل الصحراء الكبرى الأفريقي والصحراء العربية وامتدادها الشمالي في بادية الشام، حيث لا يزيد مجموع المطر السنوي لهذه الصحارى التي تشغل الجزء الأكبر من مساحة الوطن العربي على عشرة سنتمترات. ولقد كان لهذا الجفاف الأثر في ضعف قدرة الإنتاج للأرض وقلة عدد السكان وتشوه التوزيع السكاني، فيتركز السكان عادة مناطق محدودة قريبا من الانسحاب والواحات ومصادر المياه، لذلك مع اتساع رقعة المناطق الصحراوية عديمة القيمة وذات الطبيعة القاسية تصبح الحدود الهندسية والفلكية من اكثر أنواع الحدود ملائمة للمنطقة العربية، كما في حالة الحدود بين الجزائر وكل من موريتانيا وتونس، وبين موريتانيا والصحراء الغربية، وبين سوريا وكل من العراق والأردن، وبين السعودية ومعظم الدول المجاورة، لها حيث أن جميع هذه الحدود تعتبر حدودا هندسية أما الحدود بين مصر والسودان والتي تتماشى مع دائرة العرض (22) درجة شمالاً والحدود بين مصر وليبيا والتي تتماشى مع خط الطول (25) درجة شرقا فتمثل حدوداً فلكية. وذكرنا مسبقا أن الحدود الهندسية والفلكية من الأنهار يسهل تحديدها وتعينها على الخرائط ويصعب تخطيطها على الأرض وتمييزها بشواهد ملموسة، ومن الملاحظ أن عدم استقرار الحدود في المنطقة العربية يرجع ألي عدم مراعاة القبائل الرعوية الحدود الدولية في حركتها المستمرة وراء الماء والكلأ خاصة وان النظام القبلي لا يعترف كثيرا بمبدأ السيادة ألاقى للدول.

وتعتبر المياه في المنطقة العربية معيارا مهما في تحديد الحدود لذلك فهي يمكن أن تكون سببا في إثارة نزاعات الحدود، كالخلاف الحدودي الساكن بين مصر وليبيا حول واحة (جغبوب) وكذلك النزاع حول واحات (البريمي) الثمانية والذي حسم مؤخرا من خلال معاهدتي الحدود اللتان وقعتها السعودية مع كل من الإمارات العربية وسلطنة عمان، وكذلك الخلاف الحدودي بين السعودية واليمن حول إقليم عسير. والذي حسم بعد توقيع اتفاقية بين السعودية و اليمن عام (2001). كما أن المياه قد تكون عاملا حاسما في رسم حدود إسرائيل مع دول الجوار الجغرافي بما في ذلك الدولة الفلسطينية المقترح قيامها في الضفة والقطاع.

يشكل مسرح الحدود العربية – العربية إقليما متجانسا من حيث التكوين إلاثني (Ethnic Composition) وما يعرف أحيانا بالتكوين القومي.[79]، وقد انعكس هذا التجانس إلاثني أو القومي الواضح على الحدود العربية – العربية والتي تخلو من ما يعرف بالحدود إلاثنوجغرافية (Ethnographic Boundaries) التي تفصل بين الأمريكية أو القوميات المتمايزة.[80] وتعتبر الحدود العربية – الإسرائيلية نموذجا شاذا للحدود إلانثروجغرافية في المنطقة العربية وذلك أن التكوين العرقي لإسرائيل هو تكوين وافد من خارج البلدان العربية ويدين باليهودية . وهو كيان زرع في وسط الأمة العربية ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يذوب في كيانها لا في المستقبل القريب ولا البعيد، بسبب سياستها العنصرية.

ووجود هذا القدر من التجانس العرقي – الثقافي بين الدول العربية من شأنه أن يخلق نوع من التجانس في المفاهيم والتصورات والقيم والمبادئ العامة وإذا سلمنا بوجود هذا التجانس الأيديولوجي، تجانس أن تماثل بين النظم الاجتماعية والسياسية السائدة في المنطقة العربية، وإذا كان هذا الافتراض صحيحا، فان الحدود السياسية العربية لا تشكل حقيقة مادية راسخة، وأنها مجرد شكل من أشكال السيادة ألاقى خاصة في ظل التجانس الاقتصادي القائم على وحدة البيئة الجغرافية.[81] ولا يمكن أن يتماشى الباحث مع هذا الرأي لان الحدود العربية – العربية تشكل حقيقة مادية راسخة لا يمكن لها في المستقبل إلا أنها تترسخ اكثر فاكثر، بالرغم من كل عوامل الوحدة المشتركة.

الاستعمار و عملية تخطيط الحدود في الوطن العربي

تعتبر عملية تخطيط الحدود بين الدولة العثمانية وبريطانيا في 29/7/1913، أول عملية تخطيط للحدود في المشرق العربي، وتم بموجبها تحديد الأدلة والمناطق الواقعة تحت سيطرة ونفوذ الدولتين في منطقة الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية، وكانت هذه الاتفاقية أساسا لتخطيط الحدود في المنطقة فيما بعد، حيث اعتمدتها بريطانيا رغم رفض العرب لها لان واضعيها ليسو أصحاب الشأن الحقيقيين، بالإضافة إلى عدم مصداقيتها، وهذا ما أثار المشاكل والأزمات المتتالية حولها بسبب عدم ملاءمتها للواقع، مما دفع الدول العربية إلى عقد الاتفاقيات ومعاهدات الحدود فيما بينها وبإشراف استعماري.[82]فيما بعد اكتشاف النفط في المنطقة الذي اصبح عاملا قويا من عوامل التوتر و النزاع بتأثير شركات البترول الاستثمارية الغربية التي حصلت على امتيازات التنقيب في هذه المنطقة.[83]وأهم هذه الاتفاقيات التي عقدت في المنطقة هي:

معاهدة (العقير) بين عبد العزيز بن سعود سلطان نجد واحمد الجابر شيخ الكويت حول الحدود العراقية النجدية الكويتية وبإشراف السير (برسي كوكس).[84]

معاهدة (المحمرة) بين سلطان نجد والعراق بتاريخ 5 / أيار / 1922 ، برعاية بريطانيا أيضاً من اجل تحديد جنسية القبائل الحدودية بينهما.

مؤتمر (بحرى) بين العراق والسعودية والأردن، وبرعاية بريطانية بتاريخ الأول من كانون الثاني عام (1924).[85]

اتفاقية (الهدى) بين العراق والسعودية والأردن وقد نابت بريطانيا عن العراق والأردن، وعقدت في 1 – 2 / تشرين الثاني / 1925 ، حول تسوية الحدود بين الأصل المعنية وخاصة بين السعودية والأردن وخلافها حول وادي السرحان المتنازع عليه.[86]وعقدت بعد ذلك معاهدة حسن الجوار بين السعودية والعراق عام (1931)، ومعاهدة اخرى بين السعودية والأردن في عام (1932).[87]وقد اتفق بعد ذلك على إدارة المنطقة المحايدة بين العراق والسعودية في 29/أيار/1938.[88] وكان آخر اتفاق بين السعودية والأردن حول حدودها المشتركة عام (1964).[89]

اتفاقية السابع من تموز عام (1965) بين السعودية والكويت حول اقتسام المنطقة المحايدة.[90]

اتفاقية عام (1913) المعروفة باتفاقية (الخط الأزرق) الذي وضع كحد فاصل بين إمارات سواحل الخليج العربي وداخل الجزيرة العربية، وفيما يخص الحدود القطرية – السعودية، والقطرية – الإماراتية، والقطرية – البحرينية، فقد حددت حدود قطر مع السعودية عام (1934)،[91] بعد مطالبة السعودية بأجزاء من قطر فاعترضت بريطانيا مذكرة إياها باتفاقية الخط الأزرق ما أدى إلى نشوب أزمة بين السعودية وبريطانيا استمرت حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية،[92]حيث توقفت مع اندلاعها الأنشطة الأخذ ومنها تحديد وتخطيط المناطق الحدودية للمنطقة، وادعت السعودية “أما إمارات الساحل ليست دول بل مدن وقرى متفرقة فقط”،[93]واستمر هذا النزاع وتدخلت إمارات أبو ظبي كطرف ثالث فيه، حيث طالبت السعودية بمطالب جديدة اخرى مثل خور العديد الذي اعتبرته جزءً من أراضيها، واستمرت هذه النزاعات بلا نتيجة حتى عام (1952) حيث عقد لقاء بين شيخ أبو ظبي وشيخ قطر برعاية المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي (روبرت هاو) فأجل نقاش الحدود إلى منتصف شهر شباط من العام نفسه ولم يتوصل اللقاء إلى اتفاق حول الحدود.[94] واحتلت بريطانيا خلال تلك الفترة خور العديد لصالح إمارة أبو ظبي، حيث كانت تمثلها في كافة المستويات. وبعد مفاوضات بين قطر وأبو ظبي اتفق الطرفان بجعل خور العديد منتصف الحدود، وتصبح جزيرة (بندق) في المنطقة تابعة لإدارة أبو ظبي، وتكون ثرواتها النفطية مشتركة فيما بينها.

ألي حدود إمارة أبو ظبي مع السعودية فبعد نزاع طويل تم الاتفاق على أما تبدأ الحدود من قرية (سلوى) وحتى (سود انشيل) راسمة قوسا إلى الجنوب وتنتهي شرقا بخور العديد وهذه الحدود نفسها التي تقدمت بها قطر عام 1952. وهذه الحدود ذاتها كانت المطالبة بها بإيحاء من بريطانيا التي كانت سببا في المشاكل الحدودية بين الدول العربية، فقد تدخلت بريطانيا مثلا معترضة على الاتفاق السعودي القطري حول حدودها المشتركة في كانون الأول عام 1965 بحجة انه يؤثر على إمارة أبو ظبي وأدى اعترافها إلى إحباط هذا الاتفاق.[95]

وفيما يخص الحدود البحرينية القطرية فقد خططت حسب

اتفاق 6 / تشرين الثاني / 1946 بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بهدف اقتسام النفط في المنطقة الحدودية بين قطر والبحرين، حيث كانت الشركات النفطية الأمريكية تنافس الشركات البريطانية وكانت البحرين من ضمن الأدلة التابعة لشركة التنقيب الأمريكية، أما قطر فكانت ضمن الأدلة التابعة لشركات التنقيب البريطانية[96] وقد أثار هذا التخطيط نزاعا آخر بين الطرفين تركز حول منطقة (الزبارة)، وقد سويت هذه المشكلة بشكل مؤقت عام (1965).[97]ولم تستقر مشاكل الحدود في المنطقة إلى وقت متأخر حيث ظهر خلاف على جزيرة (حوار) القطرية عام (1982) بسبب تسمية بحرينية باسم هذه الجزيرة، وانتهى الخلاف بوساطة سعودية.[98]وكذلك مشكلة (البريمي) التي نشبت بين السعودية وعمان والإمارات، على الحدود السعودية – اليمنية فقد حددت وفقا للاتفاقية بين الدولة العثمانية وبريطانيا عام 1914، حيث كانت بريطانيا تسيطر على الجزء الجنوبي من اليمن وعدن وتسمى (المحميات الجنوبية).

 أما الدولة العثمانية فكان لها النفوذ في ولاية اليمن المتوكلية، وكان أمام اليمن قد رفض هذه الحدود التي خطت من قبل طرفين ليس لهما الحق في تخطيطها، وبعد انهيار الدولة العثمانية دارت مباحثات بين بريطانيا التي كانت تمثل اليمن والمملكة المتوكلية في شمال اليمن حول هذه الحدود، وقد أُجلت المباحثات تلبية لرغبة بريطانيا،[99] التي تهدف الأنواع استمرار النزاع وعدم الاستقرار في المنطقة، وفيما يخص الحدود بين اليمن والسعودية فقد طالب (الإمام يحيى) بالسيادة على (عسير ونجران) وأعلن الحرب على المملكة العربية السعودية عام (1933)، وكانت هذه الحرب بسبب إعلان السعودية بضم أراضى هذه المنطقة إليها، وفي هذا الوقت كان الإمام يحيى يناهض البريطانيين في المنطقة حماية لحدوده الجنوبية المحاذية لمحمية عدن والمحميات الأحوال، ونتيجة لإعلان الحرب على السعودية ردت السعودية بهجوم خاطف وسريع حيث تمكنت من الوصول الأنواع ميناء (الحديدة) الساحلي اليمني، مما اضطر الإمام يحيى على توقيع معاهدة صلح مع المملكة العربية السعودية بتاريخ 17/ شباط / 1934. والتي سميت بمعاهدة (أبهى) والتي تنازل فيها الإمام عن المناطق المتنازع عليها.[100] ولم تحل هذه المشكلة إلا في وقت متأخر بعد الاتفاق السعودي – اليمني عام (2000)، أما تخطيط الحدود بين بلدان المشرق العربي العراق وسوريا والأردن وفلسطين ولبنان والتي وضعت بينها الحدود على يد الاستعمار الغربي (بريطانيا وفرنسا) بموجب اتفاقية (سايكس – بيكو) السرية (1916).

وكان تخطيط هذه الحدود بصورة مبدئية أثناء الحرب العالمية الأولى، وبعد نهاية هذه الحرب وظهور النفط في المنطقة بغزارة وخاصة في منطقة الموصل مما حدي ببريطانيا وفرنسا تعديل حدود مناطق نفوذها، فعقدت اتفاقية جديدة أثناء انعقاد مؤتمر (سان ريمو) عام (1920) مستخدمين أسلوب التعويضات المتقابلة.[101].

أما حدود إمارة شرق الأردن مع سوريا فوضعت بعد اقتطاع إمارة شرق الأردن من سوريا.[102] ورغم ذلك فان هذه الحدود لم تستقر في المنطقة، والمقصود هنا الحدود السورية مع بلدان المنطقة المجاورة حتى عام (1940) وباتفاق استعماري أيضاً بين بريطانيا وفرنسا حيث نابت بريطانيا عن شرق الأردن بينما نابت فرنسا عن سوريا.[103]

أما الحدود اللبنانية السورية فقد وضعت من قبل فرنسا عام 1925 كونها الدولة الاستعمارية المسيطرة على هذه المنطقة، وكانت توسع الحدود باستمرار على حساب سوريا من جانب لبنان بحجة تبدل الأوضاع بالمنطقة.

والحدود العراقية – السورية، استقرت عام 1938 بعد توقيع معاهدة صداقة وحسن جوار بين البلدين. كما أن حدود إمارة شرق الأردن مع سوريا وضعت بعد اقتطاع إمارة شرق الأردن من سوريا.[104] وبشان الحدود السورية – الفلسطينية فقد توسعت فلسطين على حساب سوريا لصالح اليهود في الكيان الصهيوني فانتزعت بعض الأراضي السورية ومنها منطقة (الحمى) الشهيرة بالمياه المعدنية التي تستخدم للسياحة ومعالجة الأمراض الجلدية والتي ضمت إلى الكيان الصهيوني.[105] أما في الجزء الأفريقي من الوطن العربي فقد كان للاستعمار الغربي الدور نفسه في تخطيط الحدود، ولا سيما الاستعمار البريطاني الذي قام بتخطيط الحدود المصرية – السودانية حيث انسحبت مصر شمالا وجعلت حدودها الجنوبية في وادي (حلفا) وحدد خط عرض (22) درجة شمالا كحد فاصل بين البلدين.[106] وقد أثار هذا الوضع عدم رضا الطرفين مما ساعد على نشوب نزاع مستمر. أما الحدود المصرية – الليبية فهي أيضاً مثار نزاع وعدم استقرار غير ظاهر بشكل واضح، ويظهر على شكل صدامات بين حين وآخر، لأن تخطيط الحدود غير معروف المعالم وهو خط طولي متعرج وخاصة في الشمال حيث وضع بمحاذاة خط الطول (60) درجة شرقاً عبر الصحراء. وكذلك فان الحدود الليبية السودانية هي الأخرى غير مستقرة حيث كانت منطقة (سارا) الحدودية تابعة للسودان وأصبحت فيما بعد تابعة لليبيا.[107] وفي المغرب العربي خططت الحدود بصورة عامة بفعل استعماري حيث كان الاستعمار الفرنسي مسيطرة على معظم أجزاء هذه المنطقة، فعملية تحديد وتخطيط الحدود بين ليبيا وتونس والتي كانت محل خلاف قد تم تسويتها من قبل الدولة العثمانية وفرنسا عام (1906) واتفاقية عام (1910)، وقد خططت هذه الحدود بحسب مصالح الطرفين (فرنسا والدولة العثمانية) حيث كانت تونس واقعة تحت السيطرة الاستعمارية الفرنسية بينما كانت ليبيا تحت الاستعمار العثماني.[108] وفيما يخص الحدود الجزائرية – التونسية فوضعت من قبل فرنسا وحدها، وعالجتها بالشكل الذي تراه مناسبا لها وخاصة بعد القضاء على ثورة عبد القادر الجزائري.[109] أما بشان الحدود الجزائرية – المغربية فقد نوقش تخطيط هذه الحدود أثناء توقيع اتفاقية الصلح في (طنجة) بين المغرب ألاقى وفرنسا في 10/أيلول/1844 فحددت الأجزاء الصغيرة الواقعة بينهما.[110] ومن هنا بقي الخلاف على هذه الحدود فيما بعد،

وفي 18/آذار/ 1845 نوقشت  الحدود بين المغرب والجزائر وعقدت اتفاقية بين فرنسا – بالنيابة عن الجزائر – والمغرب ألاقى سميت معاهدة (لالامارينا)، ولم تحدد هذه المعاهدة الحدود بدقة وذلك لاستغلالها من قبل الاستعمار الفرنسي فيما بعد.[111] فكانت فرنسا توسع حدودها الجزائرية باسمرار على حساب أراضي المغرب ألاقى، فمنذ (آذار / 1935) حتى (1956) لم تكن هناك خطوط واضحة للحدود بين البلدين، وفي عام (1956) وضعت فرنسا خطا للحدود بين البلدين سمي بـ (خط تزنكة)،[112] الذي ادخل مناطق (كولمب ، بشأو ، تندوف) لصالح الجزائر، وبعد حصول هذه البلدان العربية على استقلالها ظهر خلاف مزمن ونزاع حاد حول إقليم الصحراء الغربية سببه عدم دقة ووضوح خطوط الحدود التي وضعتها فرنسا بنية استعمارية خبيثة[113]، أما بالنسبة للحدود الموريتانية – المغربية فقد رسمت من قبل فرنسا وأسبانيا في عام (1934)، بعد اقتطاع موريتانيا من المغرب ألاقى مما أورثتها العديد من النزاعات والمشاكل،[114]بسبب عدم وضع علامات لهذه الحدود وخاصة من جهة الصحراء الغربية المحتلة من قبل الاستعمار الأسباني.[115]

ومن خلال هذا العرض الموجز للطريقة المشوهة التي نشأت فيها الحدود بين بلدان الوطن العربي نستنتج أن الاستعمار الغربي عمل على وضع الحدود العربية هذا الإطار المشوه لزرع بذور الخلاف التي تنمو بين حين وآخر كلما وجدت ارض صالحة ومناخ مناسب لنموها، خدمة لمصالحه لتحقيق أهدافه في الاستمرار بالسيطرة على البلاد العربية ونهب خيراتها وثرواتها.

المبحث الثاني: النزاعات الحدودية

لا شك أن قضية النزاعات الحدودية، وان كانت ظاهرة قديمة في نشأتها إلا أن تداعياتها الحاضرة تجعل منها واحدة من أهم واخطر القضايا التي تلقي بظلالها على الأوضاع القائمة بين الدول الأعضاء في المجتمع الدولي، منذرة بين الفينة والأخرى بإشعال فتيل الحرب مع ما يتمخض عن ذلك من تداعيات لا احسب نتائجها تحتاج إلى كثير من بيان.[116]

والمقصود بالنزاعات الحدودية الدولية الخلاف الذي يثور بين دولتين أو اكثر أما بسبب الرغبة في التوسع أو بسب اكتشاف موارد اقتصادية جديدة في منطقة حدودية أو لأي سب آخر من الأسباب التي سنأتي على ذكرها لاحقاً؛[117] وبما أن الحدود السياسية هي تلك الخطوط الوهمية التي تفصل إقليم دولة عن دولة أخرى، وبالتالي تصبح مكان تماس لتقابل سيادة دولتين على كل منهما احترامها تفادياً لحدوث مواجهات قد يأخذ بعضها طابعاً عسكرياً، مع ما يتمخض عنه من نتائج على مستوى العلاقات بين دولتين متجاورتين.[118]والتاريخ الحديث يحفل بالعديد من الأمثلة على النزاعات الحدودية والتي منها ما أمكن حله عن طريق التسوية الودية ومنها ما أمكن حله عن طريق التسوية القضائية ومنها مازال قائماً.

أنواع النزاعات الحدودية

هناك محاولات عديدة لتقسيم النزاعات الحدودية من قبل المختصين ولكن يبدو أن تقسيم الأستاذ برسكوت (Prescott) كان قد حضي بدعم وتأييد أغلب المهتمين بالجغرافية السياسية[119]، فقد أعتمد الأستاذ (برسكوت) موضوع النزاع معياراً للفصل بين المشكلات الحدودية فقسمها إلى أربعة أنواع:[120]

أولا : النزاعات الإقليمية : وهي النزاعات التي تنجم عن ادعاء دولة ملكيتها لقطعة من الأرض تحت سيطرة أو سيادة دولة أخرى.

ثانياً : النزاعات الموقعية : وهي المشكلات التي، تتعلق بالموقع الحدودي وتفسيرات الأطراف المتنازعة حول تحديد الحدود في مرحلة (Delimitation) بهدف الوصول إلى المرحلة اللاحقة للترسيم أو وصفها على الورق (Demarcation) . فهذا الغموض قد يؤدي إلى نشوب النزاع بين الدول، وقد ينشب النزاع أيضاً بسبب عدم التطابق بين النصوص النظرية لمعاهدات الحدود مع الواقع.

ثالثاً : النزاعات الوظيفية : وهي التي تنشأ نتيجة إهمال أو تقصير في فرض الدولة للأنظمة والقوانين، أو طريقة استخدام الدولة لحدودها.

رابعاً : النزاعات حول مصادر التنمية : وهذه تتعلق باستغلال مصادر الطاقة والثروات والموارد الاقتصادية والطبيعية من نفط وغاز طبيعي ومعادن وانهار وآبار .. الخ، الواقعة في المناطق الحدودية.[121]

أسباب النزاعات الحدودية

تظهر نزاعات الحدود نتيجة لأسباب متعددة[122]، ومع تنوع هذه النزاعات تتنوع أسبابها، لذا لا بد من معرفة هذه الأسباب لأنها تساعدنا على معرفة حقيقة النزاع ودوافعه كما أنها تخدم المعنيين بحله.

وقد ذهب الباحثين إلى تحديد أهم أسباب قيام النزاعات الحدودية وهي كآلاتي:

خرق التزام تفرضه معاهدة دولية، أو القانون الدولي العرفي، أو انتهاك لحقوق يفرضها القانون الدولي، مثل انتهاك سيادة الدولة وغيرها.

عدم دقة عملية تحديد الحدود على الورق أو عدم تثبيتها، أو أن الفاصل الزمني بين تحديدها وترسيمها يكون كبيراً.

عدم وجود توازن بين القوى فيما بين الدول المتجاورة، أو المنافسة الدولية بين الدول.

الاستعمار ومطالبة الشعوب والدول بحدود عادلة ومنصفة لها.

الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها بعض الحدود.

مسودات المعاهدات الحدودية غير الدقيقة أو غير الواضحة[123].

عدم وضع تعليم واضح وكافٍ للحدود على الطبيعة.

وقد يكون للنزاعات الحدودية سبباُ واحداً أو قد يشترك اكثر من سبب لخلق النزاع الحدودي.[124] واغلب نزاعات الحدود تكون بين دولتين، ولكن قد ينشب نزاع حدودي بين اكثر من دولتين، حيث قد تلقي ثلاثة دول في منطقة حدودية واحدة وينشب بينها خلاف، وتكثر هذه الظاهرة في أمريكا الجنوبية وأفريقيا، مثل  النزاع بين البيرو و البرازيل وإلاكوادور في منطقة اتصال هذه الدول، وقد يكون النزاع رباعياً كما حصل في النزاع بين كل من أسبانيا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية قبل عام (1819) حول منطقة (أوريجون)[125].

وهناك من صنف أسباب النزاعات الحدودية إلى :

اولاً : أسباب النزاعات حول منطقة حدودية معينة:

الأسباب القانونية : وتتخذ الأسباب القانونية أشكالا عدة منها:

أ. عدم الاعتراف بشرعية المعاهدات المنظمة للحدود بين البلدين بحجة أن من عقد هذه المعاهدة أو الاتفاقية لم يكن له الحق في عقدها لأنه لم يكن مخولا من أحد.[126] ومثال ذلك عدم اعتراف العراق باتفاقية الحماية التي وقعها الشيخ مبارك مع الحكومة البريطانية عام (1899) بدعوى عدم أحقيته في ذلك لكونه تابعا للسلطة العثمانية.[127]

كما أن التفسير المختلف للمعاهدة الحدودية وما جاء فيها قد يكون سببا أيضاً في النزاعات الحدودية. فعلى سبيل المثال استمرت محاولات التفسير ومحاولات الإجابة عن الأسئلة الغامضة أو المشكوك بصحتها في الاتفاقات الحدودية بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا ( ما يقارب سبع عشرة اتفاقية ومعاهدة) منذ عام (1782 – 1925) وهذا ما عدا المحاولات الأخرى التي لم تنجح[128].

ب. قد يكون الخلاف حول الجانب الإلزامي في الوثائق الرسمية، إذ قد لا يرى أحد الأطراف انه ملزم بتنفيذ ما ورد في الاتفاقية أو المعاهدة أو المذكرة لكونها ليست ملزمة في حد ذاتها، كما حصل في النزاع القطري البحريني حول جزر (حوار) إذ أنكرت البحرين أن المذكرات والرسائل المتبادلة مع قطر عام (1988) و (1990) ملزمة لها.[129]

ج. قد تمنح دولة ثالثة أراضي دولة ما إلى أخرى دون موافقة الدولة صاحبة السيادة على هذه الأراضي، مما يؤدي إلى إثارة النزاع، كما هو الحال في منح بريطانيا البحرين جزر (حوار) عام (1939) ورفض قطر التصرف البريطاني بدعوى عدم أحقية بريطانيا في ذلك.[130]

د. مبدأ التوازن : قد يحصل النزاع الحدودي بسبب اندماج دولتين أو اكثر وظهور دولة جديدة ذات شخصية قانونية، أو استقلال جزء من دولة ما لتكوين دولة مستقلة، في مثل هذه الحالات جرى العرف الدولي[131] على عدم التزام الدولة الجديدة بالمعاهدات ذات الطابع الشخصي، أما المعاهدات الخاصة بالإقليم كمعاهدات الحدود مع الدول المجاورة فأنها تنتقل إلى الدولة الجديدة حسب المادة (62) من اتفاقية فيينا للمعاهدات عام (1969).[132]

وقد يحصل أن لا تعترف الدولة الجديدة بالمعاهدة القديمة بحجة أنها لم توقعها، ومن الأمثلة على ذلك رفض الحكومة البريطانية حجج العراق حول وراثة الدولة العثمانية في السيطرة على الكويت باعتبار الكويت قضاء تابع لولاية البصرة التي كانت تحت السيطرة العثمانية وان العراق هو الوريث الشرعي للدولة العثمانية، وهذا يعني ضم الكويت إليه.[133] ويذكر أن الحكومة البريطانية اعتبرت المملكة العربية السعودية وريثة الدولة العثمانية التي وقعت معها معاهدة (1913) وبذلك ألزمت المملكة العربية السعودية بما تعهدت به الدولة العثمانية في هذه المعاهدة.[134]

هـ. الاحتلال: قد ينشأ النزاع الحدودي عندما تحتل دولة منطقة تابعة لدولة أخرى لأي سبب كان (اقتصادي أو سياسي أو استراتيجي)، أو تسعى للوصول إلى ما تعتقده حداً طبيعياً لها فتعمد الدولة الأخرى إلى الاستفادة من مبادئ القانون الدولي القاضية بعدم جواز ضم أراضي الغير بالقوة.[135] ومثال ذلك احتلال المملكة العربية السعودية لموقع (الخفوس) القطري عام 1991 لأسباب استراتيجية لكونه المنفذ الوحيد لها على الخليج العربي من ناحية قطر.[136] وكذلك مطالبة عُمان بمنطقة رؤوس الجبال التي احتلتها راس الخيمة منذ عام (1951)، بسبب كونها تراها حداً طبيعياً لها.[137]

و. حق التقادم المكتسب : ويعني الاعتراف بسيادة الدولة على منطقة معينة نتيجة استمرار سيطرتها عليها لمدة طويلة جداً،[138] على أن لا تكون السيطرة مشوبة بالإكراه و لا تكون متقطعة وان تكون صريحة وعلنية وليست لحساب الغير.[139] ومثال ذلك مطالبة السعودية بواحة (البريمي) لأنها كانت تحت سيطرتها منذ عام (1995)[140].

ز. مبدأ استبقاء الوضع القائم Uti Posttests))

وهذا المبدأ يعني الإبقاء على الوضع الراهن والقبول بالواقع العملي كأسلوب لحل المشكلات الحدودية مع الجيران، ويحصل النزاع من هذا الجانب من خلال التفسير القانوني له، أحيان قد ترى إحدى الدول أن الوضع القائم يعني وقت الاستقلال بينما ترى الأخذ انه يعني وقت الاستعمار.[141] ومثال ذلك النزاع الموريتاني – السنغالي حول جزيرة (آندوندي خوري)، فقد عقدت اتفاقية حول استثمار نهر السنغال الذي تقع الجزيرة فيه، فأندلع النزاع بعد ذلك، أحيان حبذت السنغال ضرورة تطبيق مبدأ الإبقاء على الوضع الراهن، في حين وجدت موريتانيا أن الاتفاقية تعتبر خروجا على المبدأ وهي لاحقة عليه فيحجب اعتمادها.[142]

الأسباب التاريخية : يقصد بالأسباب التاريخية عائدية المنطقة المتنازع عليها تاريخيا إلى هذه الدولة واحتلالها من قبل دولة اخرى. ولا يعترف الأردن التاريخي بحق التقادم المكتسب مهما طال الزمن على اعتبار أن الاحتلال تم بالإكراه، ومثال ذلك مطالبة أبو ظبي بـ (خور العديد) على إرادتها أن هذه المنطقة أنشئت عام (1835) على يد رجال من قبيلة القبيسات وهم فرع منشق من قبيلة بني ياس الكبيرة التي يتبعها سكان أبو ظبي.[143]

الأسباب العرقية : يمكن حصر هذه الأسباب في محاولة الدولة لاستعادة أو ضم منطقة معينة إليها، لا لكونها تابعة لها جغرافيا وإنما لكون الشعب الساكن فيها يعود إليها عرقيا، وتكثر هذه الظاهرة في بلدان أفريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية. أحيان أن الكثير من حدودها لا تنسجم مع الخصائص العرقية أو القبلية فنجد أن الكثير من الأمريكية والقبائل موزعة بين كيانين سياسيين أو اكثر رغم امتلاكها لصفات عرقية مشتركة.[144] وحدثت هذه الظاهرة بسبب تسويات ما بعد الحرب إذ كثيرا ما يتم ترسيم الحدود ما بين الدول على أساس الغالب والمغلوب وسعي الدول المنتصرة إلى تحجيم دور الدول المغلوبة بتقسيمها أو اقتطاعها جزء من أراضيها وضمها إلى دول اخرى من باب التعويض عن خسائر الحرب. وقد يكون للقوى الاستعمارية دور عظيم في تخطيط الحدود حسبما يتناسب مع مصالحها استجابة لنظرتها الاستراتيجية المستقبلية. والأمثلة على مثل هذا النوع من النزاعات كثيرة وخصوصا في منطقة الخليج العربي، وغالبا ما تحل المشكلات الناجمة عن الأسباب العرقية باعتماد أسلوب الاستفتاء حيث يترك لسكان المنطقة تقرير مصيرهم.[145]

الأسباب الاقتصادية: تعتبر الأسباب الاقتصادية في العقود الأخيرة من أهم أسباب قيام النزاعات الحدودية بين الدول لان وجود الموارد داخل إقليم الدولة يعد من العوامل الأساسية لقوة الدولة، حيث أن الدولة ومن خلال تلك الموارد تستطيع أن تقوي مركزها السياسي ونفوذها في المحيط الإقليمي والدولي وتقلل من اعتمادها على الغير بحيث تقلل من أثر الضغوط السياسية للدول الأخرى عليها، فوجود هذه الموارد قرب مناطق الحدود يجعل إمكانية قيام النزاع بين الدول المتجاورة محتملة خاصة إذا افتقدت الدولة لمثل هذه الموارد.[146] وعادة ما يحصل النزاع الحدودي عند اكتشاف موارد اقتصادية جديدة كالنفط والمعادن ومن أمثلة هذا النوع من النزاعات، النزاع بين قطر وأبو ظبي على جزيرة (حالول) بعد اكتشاف النفط فيها.[147]

الأسباب الاستراتيجية : قد يكون العامل الأمني هو المؤثر الاستراتيجي الذي يؤدي إلى النزاع إذ ترى إحدى الدول أن المنطقة المتنازع عليها تمثل عاملاً أمنيا مضافاً إذا ما امتدت إليها سيادتها.[148] لذلك نرى أن بعض الدول تحاول ضم بعض المناطق الحدودية لأنها تكون اكثر استعدادا لصد هجمات أعدائها التي تكون اقل احتمالا[149]مما لو كانت هذه المناطق تحت سيطرة دولة اخرى، وبرز هذا السبب بشكل واضح أثناء النزاع القطري السعودي على موقع (الخفوس). حيث أن سيطرة السعودية عليه في (1991) جعلت جميع الطرق البرية لقطر محاطة بالأراضي السعودية، وبالتالي عليهم أن يمروا بنقاط المرور السعودية قبل الوصول إلى دولة الإمارات المتحدة.[150]

الأسباب السياسية : ويمكن تلخيص الأسباب السياسية للنزاعات الحدودية بما يلي:

أ. الاختلافات العقائدية بين الدول المتجاور: يؤدي هذا النوع من الاختلافات إلى قيام نزاعات بين الدولتين المتجاورتين هدفها إعاقة حركة الدولة الأخرى في البيئة الدولية والإقليمية، والخلاف السعودي – اليمني حول منطقة (عسير) في بداية التسعينات من القرن الماضي مثال واضح على ذلك.[151]

ب. التنافس الاستعماري: كان وراء الظاهرة الاستعمارية وسعي الدول الكبرى لمد نفوذها إلى المناطق النائية لأهمية هذه المناطق الاستراتيجية والاقتصادية، ظهور الكثير من المشكلات الحدودية في هذه المناطق، فكثيرا ما تلجأ الدول القوية إلى التوسع الإقليمي، كما فعلت ألمانيا النازية في عهد هتلر الذي كان يقول “حدود الدولة تقام من قبل البشر وتتغير من قبل البشر كذلك”. وهذه نفس أفكار موسوليني حين قال “أن نمو وتوسع الأمم هو مظهر أساسي للحيوية والقدرة والنشاط وبعكسه يدل على التدهور وضعف الأمة”،[152] والأمثلة واضحة وكثيرة على دور الاستعمار الغربي في إثارة مشكلات الحدود في أقطار آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. فمثلا نلاحظ انه يعد تنازل بريطانيا عن (خور العديد) وإعطاءه إلى أبو ظبي في محاولة منها لوقف التوسع العثماني في المنطقة، ومنع شيخ أبو ظبي من طلب الحماية العثمانية (بالرغم من أن بريطانيا عارضت في البداية فكرة ضم المنطقة إلى أبو ظبي ولكن توجه قطر إلى الدولة العثمانية ومساندة الأخيرة ممثلها في (إلاحساء) دفع بريطانيا للقيام بمثل هذا التصرف). مثالا واضحا للتنافس الاستعماري.[153]

ج. إثارة قضايا خارجية لصرف أنظار الشعب إليها: تلجأ أحيانا الدول وبسبب فشل سياستها في الداخل سواءً من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية بشكل يؤدي إلى نقمة الشعب، وفي محاولة منها لامتصاص هذه النقمة الجماهيرية إلى إثارة قضايا خارجية، وابسط هذه القضايا التي يمكن إثارتها هي مشكلة الحدود. أحيانا تصل إثارة مثل هذه المشاكل حد الحرب.[154]

د. محاولة التأثير على الدولة المجاورة لتغيير سياستها الاقتصادية : قد تلجأ بعض الدول لإثارة مشكلة حدودية مع جيرانها لغرض تعطيل مشروع اقتصادي معين وإيقاف تطورها وبناءها الاقتصادي الداخلي، لما يشكلانه من خطر كبير على مستقبلها، فإثارة مثل هذه المشاكل التي قد تؤدي إلى إشعال نار الحرب تجعل الدول الأخرى تخصص نسبة كبيرة من مواردها لبناء قوتها العسكرية مما يقلل فرص تقدمها اقتصاديا.[155]

الأسباب الجغرافية : إذا كانت المصالح العسكرية والسياسية والتجارية وغيرها من العوامل المؤثرة في تعيين خط الحدود، بالتأكيد أنها كلها تأتى في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد ملائمة الحدود للظروف الجغرافية للمنطقة.[156] ويعتبر موقع الدولة من أهم عوامل تحديد اتجاهات سياستها الخارجية، بل و تحديد أهدافها المستقبلية أحيانا، وتحديد طبيعة العلاقة مع الدول المجاورة لها أيضاً فالموقع القاري للدولة إذا كانت محصورة وليس لها منافذ على البحار والمحيطات إلا عن طريق دول اخرى يجعلها تسعى دوما للوصول إلى البحر (رغم أن الاتجاه الغالب في محاولات الدول للوصول إلى البحر هو عقد اتفاقيات خاصة مع الدول المجاورة)، ولكن في حالات معينة يحدث نزاع بين تلك الدول تطالب فيه الدولة الداخلية بأراضي تابعة لدولة اخرى من اجل الوصول إلى البحر وتكون المطالبة بإحدى الطريقين التاليين.

أ. المطالبة بأراضي تابعة لها ولكن خسرتها أثناء الحروب مع دولة مجاورة.

ب. المطالبة بان تتناسب حدودها مع الحدود الطبيعية، مع العلم أن هذه الدولة تعلم جيداً أنها لا تمتلك حقاً في هذه الأراضي، إلا محاولة للوصول إلى البحر أو تثبيت حدودها.[157] ومثال ذلك مطالبة السعودية بـ (خور العديد) للوصول إلى الخليج العربي شمال شرقي قطر.[158] وكذلك مطالبتها عام (1935) أن تتماشى حدودها مع جبل (نخش).[159]وهذا النوع من النزاعات الحدودية يصفه البعض بالنزاع الحدودي الإقليمي الذي ينشأ عن وجود بعض المزايا في المناطق الحدودية التي تسبب في جعلها محط أطماع الدولة المعتدية.[160]

هذه هي الأسباب التي يمكن أن ينشأ من جرائها نزاع حدودي على منطقة معينة.

ثانيا : أسباب النزاعات حول موقع الحد :

توجد أسباب أخرى للنزاعات الحدودية المتعلقة بموقع الحدود وخصوصا الخط الحدودي الذي جرى الاتفاق عليه إلا انه لم يحدد على الخرائط ولم يسجل في سجلات معينة.[161] وأهم هذه الأسباب:

الأسباب القانونية : وتأخذ هذه الأسباب أبعادا عديدة منها :

أ. الاختلاف على تفسير نصوص معاهدة : إذ قد تفسر إحدى الدول نصوص المعاهدة المنظمة للحد تفسيرا مخالفا لتفسير الدولة الأخرى الأمر الذي يوجد نزاعا حدوديا ذا صبغة قانونية، ومثال ذلك النزاع الحدودي بين العراق والكويت عام (1923) إذ تم اعتبار وادي الباطن حداَ بين البلدين، ولكن الجانبين اختلفا في تفسير هذا النص حول ماذا كان خط الحدود يسير إلى جانب الوادي الأيمن أو الأيسر أو في المنتصف، لاسيما إذا ما علمنا أن عرض الوادي يتراوح بين ميلين وثمانية أميال.[162]

ب. عدم التطابق بين الحدود على الخرائط والحدود على ارض الواقع، أن السبب في نزاعات الحدود الدولية يكمن في عملية وضع الحدود وقد يصاحب الغموض كافة مراحل وضع الحدود، بدأً من تحديدها على الخارطة حتى تخطيطها على ارض الواقع. حيث أن كل ما يجري في عملية التحديد وصف وثائقي لخط الحدود وكل ما تتضمنه هذه العملية هي تعريفات عديدة، ولكن التعريف المجرد للحدود في نصوص المعاهدة لا يعني أن النزاعات لن تنشأ عند تخطيطها على الطبيعة. ولعل النقص في المعلومات الجغرافية عن المناطق الحدودية أو عدم دقتها تعتبر من أهم الأسباب التي تؤدي إلى قيام النزاع الحدودي، حيث أن الأسس الجغرافية غير الدقيقة التي تقوم عليها المعاهدات الحدودية، أو عدم الدقة في تفسير المصطلحات الجغرافية الواردة في الوثائق التعريفية، تؤدي إلى تطبيقات خاطئة لعملية وضع الحدود.[163] كما أن اعتماد الخرائط غير الدقيقة في تحديد الحدود سيكون سببا في إثارة النزاعات الحدودية لا سيما أن الخرائط التي كانت تلحق بمعاهدات الحدود لم تكن لها قيمة كبيرة كدليل في النزاعات التي تحصل فيما بعد ، وذلك بسبب عدم دقة المعلومات التي تضمنتها تلك الخرائط[164]. وقد تحدد معاهدة حدوداً ما بطريقةٍ ما بين بلدين على الخارطة، ولكن لا يمكن تطبيقها على ارض الواقع بسبب طبيعة المنطقة أو غموض العلامات المحددة للخط الحدودي، ولعل الخلاف الحدودي بين العراق والكويت بعد حرب الخليج الثانية عام (1991) هو خلاف على طريقة ترسيم الحدود التي جرى الاتفاق عليها عام (1939) حيث كان المقرر أن تبدأ حدود الكويت من مسافة تبعد كيلو متر واحد عن آخر نخلة جنوب صفوان وحصل أن النخلة قطعت أو أزيلت لذلك ترك أمر مكان وجودها إلى علامات اخرى[165].

الأسباب الجغرافية : للأسباب الجغرافية اثر كبير في إثارة النزاعات الحدودية بين الدول، فالتغيرات التي قد تحدث للحدود والعلامات الحدودية بشكل خاص سواء عن طريق التدمير أو التخريب أو إزاحتها بفعل عوامل طبيعية قد تؤدي إلى إثارة النزاع. فعلى سبيل المثال الدول التي يكون حدها نهرا وتشترك فيه مع دولة اخرى كثيرا ما ينشب بينهما نزاع بسبب عوامل التعرية التي تؤدي إلى تغيير مجرى النهر، مما دفع البعض إلى وضع حد مسبق لهذه التغيرات، كما حدث في عملية تحديد الحدود لنهر (الشيلد) بين بلجيكا وهولندا حيث أُتفق على أن الحدود تستمر مع خط وادي النهر المذكور بجميع تنقلاته.[166] وقد تبرز مناطق رسوبية بفعل الترسب تؤدي إلى تغير مجرى النهر كما حدث في الخلاف الأمريكي – المكسيكي حول منطقة (الشاميزال) الذي نجم عن عوامل الترسب التي أفرزت منطقة رسوبية مما أثار نزاعا بينهما عام (1964).[167] وفي حالة خلو المعاهدات الحدودية في الإشارة إلى مثل هذه التغييرات فبالتأكيد ستؤدي إلى خلافات مستقبلية، فغموض عملية تحديد الحدود وعدم وضوح المعاهدات المعقودة بشأنها وإهمال تعليمها على الأرض بشكل نهائي وكامل يجعل الحدود غير مستقرة.

بالإضافة إلى هذه الأسباب هناك أسباب أخرى لنزاعات الحدود تتعلق بالموارد الاقتصادية وكيفية استغلالها فمبدأ سيادة الدولة يتضمن حق الدولة في استغلال مواردها الاقتصادية بالطريقة التي تراها ملائمة ولكن هذا الحق لا يتصف بالإطلاق إذ يُقيّد بحقوق ومصالح الدول الأخرى ذات العلاقة مما قد يثير خلافا بسبب احتكار الدولة لحق التصرف أو تصرفها بشكل يلحق الضرر بمصالح الدولة الأخرى، ومن ابرز الأمثلة على هذه الخلافات استغلال مياه الأنهار بين الدول المتجاورة واستخراج المعادن كالبترول والغاز الطبيعي من الجرف القاري، فقد تحدث النزاعات في حالة كون الأنهار حدودا فاصلة بين دولتين بسبب عدم اتفاق الدولتان فيما يخص مواضيع الملاحة وإقامة السدود ومحطات توليد الطاقة الكهربائية.[168] وقد يكون النزاع بسبب استغلال مياه النهر الذي يمر في أراضي دولة أو اكثر قبل أن يصبح حدوداً بين دولتين فهذا الاستغلال مقيد بعدم المساس بالأوضاع الطبيعية والجغرافية والتاريخية للنهر ومقيد أيضاً بعدم المساس بحقوق الدول الأخرى المنتفعة من النهر ذاته.[169]كما أن استغلال المعادن والبترول والغاز الطبيعي من الجرف القاري دفع الدول للتنافس عليها مما ولد نزاعات تخص حقوق الصيد والملاحة والتفتيش والاستخراج.[170] ومثال ذلك النزاع بين المملكة العربية السعودية والبحرين عن ما منح حاكم البحرين امتياز التنقيب عن البترول في

(أبو سعفة) عام (1941) إلى بريطانية، إلا أن السعودية عارضت هذا الاتفاق بشدة.[171]

وقد تحدث نزاعات حدودية لأسباب تتعلق بوظيفة الحد باعتباره آخر نقطة تمارس عليه الدولة سيادتها وتفرض نظامها وقوانينها وفقا لمبدأ السيادة، فقد تحدث أحيانا أن تتابع إحدى الدول رعاياها داخل أراضي الدولة الأخرى مما يشكل خرقا لسيادة تلك الدولة، أو قد تحدث خلافات جمركية بين البلدين، أو تسلل جماعات المهاجرين أو غيرها مما يوتر العلاقات بين الدولتين إلى حدٍ قد يصل إلى نقض المعاهدات السياسية الخاصة بالحدود أحيانا، وقد تخرق الحدود في أحيان اخرى برا وبحرا وجوا مما قد يجر الطرفين إلى نزاع مسلح، ومن أمثلة هذه الخلافات ، الخلاف الحدودي العراقي – السعودي في الثلاثينات من القرن الماضي نتيجة تسلل عشائر شمر العراقية إلى نجد وعشائر عنزة السعودية إلى العراق.[172]

يمكن أن نستنتج مما سبق أن الأسباب الكامنة وراء نزاعات الحدود ليست على درجة واحدة من الأهمية فإذا كانت بعض الأسباب تمثل الظاهر من المشكلة، كالأسباب التاريخية والقانونية والعرقية فان هناك أسبابا حيوية تكمن وراء بروز مثل هذه المشكلات وتأتى في مقدمتها الأسباب الاقتصادية والتنافس الدولي، فاغلب النزاعات الحدودية في العالم تعود لأسباب اقتصادية أما نتيجة اكتشاف ثروات جديدة في المنطقة أو لكونها تمثل طريقا استراتيجيا لبضائعها، حتى أن التنافس الدولي يخفي وراءه سعي الدول المتنافسة من اجل ضمان مصالحها الحيوية وخصوصا الاقتصادية منها.

ولقد اختلفت أدبيات علم السياسة حول أسس وطبيعة العلاقة السببية المباشرة أو غير المباشرة بين متغيرين الحدود السياسية والاستقرار الإقليمي ومدى تفاعلها على المستويين المحلي والإقليمي.

فهناك من يرى أن شكل الحدود الدولية هو المحدد لمعطيات الدولة الجغرافية، كالمنافذ البحرية والموارد الطبيعية، وان كانت واحدة من أسباب النمو الاقتصادي وتعزيز الشعور بالعمق الاستراتيجي للدولة، إلا أنها في الوقت ذاته قد تكون سببا مباشرا في مشكلات اقتصادية واستراتيجية مما يجعل بعض الدول تسعى إلى تصحيح هذا الوضع بمختلف الطرق ومنها خيار استخدام الوسائل العسكرية.[173]

أما وجهة النظر الأخرى والتي يتزعمها عالم الاجتماع الفرنسي جاك انسل (Jacques Ancel) فترى انه لا توجد في حقيقة الأمر مشكلات حدود دولية في العالم، بل مشكلات بين دول لأسباب مختلفة.[174] فمبعث الخلافات الحدودية – طبقا لوجهة النظر تلك – لا تأخذ بالضرورة الصفة المادية، بل قد يكون مبعثها في بعض الحالات خلافات تاريخية، أو تمايزات عرقية، وفي حالات اخرى دوافع وطنية هدفها الإبقاء على جزء من الإقليم، لا لشيء سوى انه جزء من التراب الوطني، وان كان الإقليم المتنازع عليه لا يحضا بموارد طبيعية ولا يتصف بمنفعة عسكرية.[175] مما يستتبعه بالضرورة استبعاد الخيار العسكري كوسيلة لحل أية نزاعات تتعلق بذلك الإقليم، وإذا ما خلصنا إلى نتيجة أن هناك خلافا نظريا حول دور الحدود السياسية في الاستقرار الإقليمي، فان السجل التاريخي للنزاعات الحدودية بين الوحدات السياسية المختلفة في العالم يعطينا إجابات غير منسقة بهذا الصد على الإطلاق، فمن المعروف أن السياق التاريخي لنشوء فكرة الحدود السياسية – كما سبق وان أشرنا – قد تزامن مع ظهور نظام الدولة الحديثة في منتصف القرن السابع عشر الميلادي و ما تبعها من ترسيخ لمبدأ السيادة الإقليمية القائل بحق الدولة في ممارسة أعمالها في إطار محدد دون تدخل أية دولة اخرى.[176] ومن هنا فلا غرو أن يشهد التاريخ الإنساني فترات متقطعة من الحرب المحدودة والسلم، وكذلك بعض الحروب الكبرى التي كان مبعثها الإخلال بهذا المبدأ، فلقد شهدت أوربا على مدى الخمسة قرون الماضية (119) حربا، منها تسعة حروب تعد حروبا كبيرة.[177] كان أتكثرها دمارا الحرب العالمية الأولى ثم الثانية التي يرجع أهم أسبابها الإخلال بمبدأ السيادة الإقليمية.[178] إلا أن الإخلال بالقاعدة القانونية لا يعني انتفائها، فبالرغم من وقوع هذه الحروب تزايدت عمليات التبادل التجاري وانتقال السلع وإلا فراد عبر الدول مما جعل من قضية تحديد الحدود الأقلمة لصيانة حقوق الدول والأفراد أمرا اكثر إلحاحا لذا فقد تطورت على أن هذه المستجدات الأعراف والقواعد القانونية المنظمة للحدود الإقليمية.

ومع تزايد المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية التي كان أبرزها تزايد الاعتماد المتبادل في العالم المعاصر أو تسارع قوى العولمة كان من الضروري العودة مجدا إلى محاولات لإعادة تعريف مفهوم السيادة من منظور انه لا يوجد بديل عملي لتنظيم العلاقات القانونية بين الدول وصيانة حقوق الأفراد إلا من خلال احترام السيادة الإقليمية للدولة الذي يشكل بدوره أساس للأمن والتعاون بين الدول.

والخلاصة أن المشكلات الناجمة عن النزاعات الحدودية قد تزايدت مع ترسيخ مفهوم السيادة الوطنية، ونمو تطلعات الدول إلى مجالات حيوية أو مع لإشباع حاجاتها، وهو ما ينطبق على النزاعات الحدودية العربية – العربية التي شكلت على الدوام أهم مصادر الصراعات السياسية بين الدول العربية وبالتالي ستظل كذلك ما لم يوضع حل جذري لها.

فلقد شهدت المنطقة العربية على مدى القرن المنصرم الكثير من النزاعات والصدامات العسكرية وكما سنرى في فصل لاحق.

طرق تسوية النزاعات الحدودية الدولية

تبرز لنا مشكلات الحدود السياسية الدولية مدى إلاطماع إلاقتصادية والسياسية والعسكرية وما ينجم عنها من نزاعات واثارة تعززها محاولات التبرير التي توظف لخدمة اهداف وتطلعات توسعية محلية واقليمية وعالمية في مناطق المشكلات الدولية حتى تصل إلى درجة القتال واشعال فتيل النزاع المسلح.

ويزداد إلامر سوءاً عندما تتفاقم الأمور بين الدول التي تفصل بينها حدود حضارية (Cultural Boundaries) وعلى سبيل المثال الحدود التي تفصل الصين والجمهوريات السوفيتية أو الحدود بين العراق وإيران حيث تفصل بين الحضارتين العربية والفارسية، والحدود بين الهند والباكستان وهي الحدود التي تفصل بين الحضارتين الإسلامية والهندوسية بكل عناصرهما، وإذا أضفنا لها المعتقدات السياسية والاقتصادية لبرز لنا مدى السهولة في واثارة حفيظة السكان في هذه الدول بين فينة وأخري تبعا لهذه الحدود الحضارية التي رسمتها الدول الاستعمارية من خلال الورقة والقلم والمسطرة عند رسم الخرائط السياسية بين الدول في الزمن الذي كان يحكم فيه المستعمر العالم.[179] هذه التشوهات في خرائط الحدود السياسية في العالم تؤدي في بعض الأحيان إلى تصادم مسلح بين قوات الدول المتحادة وبذلك تنشب الحروب بينها[180]. فحل المشاكل الحدودية يجب أن يأخذ بعين إلاعتبار الجانب التأريخي، من حيث ملكية الأرض، أي مَنْ يمتلك الأرض، تأريخياً ثم النظر إلى الجانب الجغرافي، لأن هذين الجانبين هما جناحي الحقيقة لكل المشاكل الحدودية بين الدول[181].

ومن ذلك كان لا بد للقانون أن يعالج الكيفية التي تتم فيها حل مثل هذه النزاعات بعد أن حرم استخدام القوة الذي كان سائدا في الوقت الذي كان القانون الدولي التقليدي هو النافذ فيه، وقد تم بيان تلك الوسائل بموجب اتفاقية لاهاي عام (1907) وميثاق لوكارنو عام (1925) وميثاق التحكيم عام (1928) وميثاق الأمم المتحدة عام (1945)[182]، فمشكلات الحدود الدولية تعد جزءاً من المشكلات الدولية بشكل عام، لذلك فان الطرق المستخدمة في تسويتها لا تختلف عن تلك المستخدمة في تسوية إلاشكال الأخرى للمنازعات الدولية -ما عدا بعض الخصوصيات التفصيلية- ويرشدنا التاريخ إلى استنتاج مفاده أن هناك ثلاثة وسائل لتسوية النزاعات الحدودية هي:

أولا : الوسائل السياسية والدبلوماسية :

هذه الوسائل لا تتم إلا بناءً على رضا واتفاق الأطراف المتنازعة التي ستقبل فيما بعد النتائج المترتبة عليها.[183] ويمكن تقسيم هذه الوسائل إلى قسمين أولهما الوسائل المباشرة بين طرفي النزاع، وهي المفاوضات المباشرة، وثانيهما يشتمل على الوسائل السياسية غير المباشرة وهي المساعي الحميدة والوساطة والتحقيق والتوفيق واللجوء إلى المنظمات الإقليمية والدولية، وقد أقرت المنظمات والمؤتمرات الدولية هذه الوسائل منذ مؤتمري لاهاي عامي (1899 و 1907) وأصبحت إحدى القواعد الأساسية في العلاقات الدولية، أقرت الأمم المتحدة في ميثاقها “وجوب حل النزاعات الدولية بادئ ذي بدء بطريق المفاوضات والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أوان يلجؤا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها”[184].

المفاوضات :

 يقصد بالمفاوضات الاتصال المباشر بين الدولتين أو الدول المتنازعة وتبادل الآراء من اجل تسوية النزاع القائم.[185]وذلك عن طريق الاتفاق المباشر.[186] ويقوم المبعوثون الدبلوماسيون للدول الأطراف في النزاع بأجراء المفاوضات، وفي بعض النزاعات سيلتزم مشاركة أشخاص فنيون إذا ما تعلق النزاع بأمور فنية دقيقة، مثل تعيين الحدود البرية أو البحرية، وتتبادل الآراء في المفاوضات بطريقة شفهية أو عن طريق المذكرات المكتوبة أو باستخدام الطريقتين معاً.[187] وقد تحدث المفاوضات من خلال مؤتمر دولي[188] يعقد لهذا الغرض، إذ كان الموضوع مهما أو له  تأثير على المجتمع الدولي.[189]وتعد المفاوضات افضل الطرائق لتسوية النزاعات وأكثرها شيوعا، وهو الطريق المألوف لعقد المعاهدات والاتفاقات الدولية كافة،وتتميز المفاوضات بما يأتي:[190]

أ. تتصف المفاوضات بالمرونة، لان الدول المتنازعة تتصل مباشرة فيما بينها ويطلع كل طرف على رأي الطرف الآخر وتجري مناقشة النزاع من قبليهما طبقا لمصالحهما.

ب. تتصف المفاوضات بالسرية، حيث ينبغي أن تتم المفاوضات بصورة سرية من اجل أبعاد التأثيرات الخارجية أو المصالح الدولية الأخرى من التأثير عليها.

ج. تتصف المفاوضات بالسرعة، لان طبيعة العلاقات الودية بين الطرفين تتطلب تسوية النزاع بالسرعة المطلوبة.

والدول عادة لا تلجأ إلى الوسائل السلمية الأخرى إلا بعد فشل المفاوضات.[191]

وذلك لسببين، الأول أن الدول المتنازعة غالبا ما تكون وحدها قادرة على فهم ظروف النزاع وملابساته، والثاني أن المفاوضات المباشرة لا تتطلب وجود طرف ثالث قد تكون له مصلحة معينة في تسوية النزاع بطريقة تتلاءم مع هذه المصلحة.[192] ويعتمد نجاح المفاوضات على أمرين أولهما رغبة الطرفين في الوصول إلى اتفاق والاستعداد لتقديم التنازلات وتقريب وجهات النظر حتى يتم الوصول إلى حل يرضي الطرفين، ومثال ذلك تنازل المملكة العربية السعودية عن واحات (البريمي) الست إلى أبو ظبي مقابل تنازل أبو ظبي عن (خور العديد) إلى السعودية وذلك في مفاوضات عام (1974).[193] والثاني تكافؤ قوة الأطراف المتنازعة ومركزها التفاوضي، فيعتمد نجاح المفاوضات على تساوي مراكز الأطراف المتنازعة من حيث القوة وفي حالة انعدام مثل هذا التكافؤ فان الدولة القوية سترغم الدولة الضعيفة بقبول حلولا لا ترغب بها، مما يؤدي إلى الأضرار بمصالح الدولة الضعيفة.[194] وهذا إلامر دفع بقطر إلى التوجه إلى المنظمات الدولية في نزاعها مع المملكة العربية السعودية حول موقع (الخفوس) عندما أدركت خطر عدم قدرتها على حل نزاعها بصورة مباشرة مع السعودية، فطلبت من الأمين العام للأمم المتحدة بطرس غالي بذل الجهود لإقناع السعودية بها.[195]

  1. المساعي الحميدة :

 يقصد بها “قيام دولة ثالثة أو منظمة دولية بعمل ودي من اجل إيجاد مجال للتفاهم بين الدولتين المتنازعتين، ويكون هذا العمل أما بمبادرة من الطرف الثالث أو بناء على طلب أحد طرفي النزاع أو كليهما”.[196] ومهمة الطرف الثالث لا تعدى تقريب وجهات النظر بين البلدين بشكل تلقائي بغية التخفيف من حدة النزاع وإيجاد جو ملائم للدخول في مفاوضات مباشرة لحل النزاع[197].

ومن أمثلة المساعي الحميدة ما قام به السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان في عام 1990 من مساعي حميدة لحل الخلاف الحدودي بين قطر والبحرين حول (جزر حوار)[198].

  1. الوساطة :

 وتعني الجهود التي تقوم بها دولة ثالثة محايدة، أو منظمة دولية أو إقليمية من اجل إيجاد تسوية للنزاع الحاصل بين دولتين أو اكثر، عن طريق الاشتراك في المفاوضات التي تتم بين الطرفين المتنازعين لتقريب وجهات النظر بينهما ووضع الاقتراحات للتوصل إلى حل مناسب للنزاع.[199] وتستطيع الدولة الوسيطة اقتراح شروطا للتسوية غير ملزمة للأطراف المتنازعة.[200] والفرق بين الوساطة والمساعي الحميدة هو أن الهدف من المساعي الحميدة تقريب وجهات نظرا الأطراف المتنازعة من اجل استئناف المفاوضات المباشرة دون أن تشترك في هذه المفاوضات أو في تسوية النزاع، أما الهدف من الوساطة هو التوصل إلى حل النزاع، وتشترك الجهة الوسيطة في المفاوضات المباشرة بين أطراف النزاع.[201] ويعتمد نجاح الوساطة على أمرين هما:

أ. ثقة الأطراف المتنازعة بالدور الذي يقوم به الوسيط وقوته ونفوذه السياسي، فكلما كانت الدولة تتمتع بنفوذ سياسي تستطيع أن تفرض حلولا أو مقترحات لتأخذ بها الأطراف المتنازعة لقدرتها على ممارسة الضغط والأغراءات على الأطراف المتنازعة.

ب. إلمام الوسيط بكل ملابسات النزاع وقدرته على التوفيق بين الآراء والمصالح المتضادة عن طريق التراضي اكثر من الاعتماد على مبادئ القانون. وتكون الوساطة أما فردية أو ثنائية أو جماعية.[202] ومثال الوساطة تلك التي قامت بها كل من مالي وأثيوبيا لتسوية النزاع الحدودي بين الجزائر والمغرب عام (1963 – 1964) بعد فشل جهود الجامعة العربية في تسوية النزاع، وكذلك وساطة الرئيس المصري حسني مبارك لحل نزاع بين قطر والمملكة العربية السعودية حول موقع (الخفوس) الذي أدت جهوده إلى التوقيع على اتفاقية المدينة عام (1992)[203].

  1. التحقيق :

 هو المهمة التي يعهد بها إلى لجنة تتكون من اكثر من شخص مهمتها تقصي الحقائق التي تتعلق بنزاع ينشب بين دولتين أو اكثر، ولا يكون ذلك مصاحبا لإبداء ملاحظات تؤثر في تحديد من تقع عليه مسؤولية قيام النزاع من الطرفين، ومهمة اللجنة تقتصر على جمع الحقائق ووضعها تحت تصرف الطرفين.[204] أي أن تقوم اللجنة بمهمة جمع وفحص وتحقيق الوقائع المتنازع عليها ووضعها في تقرير دون أن تتخذ قرارا بها، وتترك أمر الحكم عليها إلى الأطراف المتنازعة.[205] ويصار إلى التحقيق في حالة وجود نزاع حول وقائع معينة بحيث أن الفصل بين صحة هذه الوقائع وعدم صحتها سيساعد طرفي النزاع على تسوية موضوع النزاع ودياً.[206] ويتم اللجوء إلى التحقيق بشكل اختياري وليس إجباري، على أن تؤلف لجنة التحقيق بموجب اتفاقية خاصة بين الدولتين المتنازعتين، على أن يبين في الاتفاق الوقائع المطلوب التحقيق فيها، والسلطة المخولة للجنة، ومكان اجتماعها والإجراءات التي تتبعها، ويبين أيضاً كيفية تشكيل لجنة التحقيق.[207]وليس لتقرير اللجنة أية صفة إلزامية، وللطرفين المتنازعين الحرية الكاملة في الأخذ بما جاء فيه أو إهماله وتسوية الخلاف فيما بينها عن طريق المفاوضات المباشرة أو عن طريق محكمة العدل الدولية.[208] وبالرغم من أن الكتّاب في القانون الدولي يرون في التحقيق وسيلة سياسية لتسوية النزاعات الدولية، إلا أن بعضهم يرى انه ليس وسيلة سياسية كما انه ليس وسيلة قانونية بحتة، بل هو وسيلة مختلطة لان الإجراءات التي تقوم بها لجان التحقيق تشبه الإجراءات القضائية، ومن جهة اخرى فالدول لا تلتزم بالنتيجة التي توصلت إليها هذه اللجان.[209] والصواب برأيي خلاف ذلك حيث أن إجراءات لجان التحقيق إجراءات قانونية بحتة، إلا أن ما يميز التحقيق عن التحكيم هو أن الأول لا يفصل في النزاع وإنما يثبت الوقائع ويترك للدول المتنازعة حق اختيار طريقة تسوية النزاع، وهذا لا يغير كون التحقيق وسيلة قانونية حيث أن توصل التحقيق إلى الحقائق التامة يعني أن سبل تسوية النزاع قد توضحت أمام الدول المتنازعة والدول الأخرى، وان اختيار الدول المتنازعة تسوية مناسبة للنزاع يقوم على أساس ما توصلت إليه لجان التحقيق الدولية. وقد استخدم التحقيق لأول مرة في قضية الموصل في النزاع بين بريطانيا-الحكومة المنتدبة على العراق- وتركيا في (30/أيلول/1924) و (24/أيلول/1925) إذ عين مجلس العصبة لجنتي تحقيق من اجل جمع المعلومات عن عائدية مدينة الموصل، وانتهت الأدلة المقدمة من اللجنة بعائدية الموصل إلى دولة العراق، واقر مجلس العصبة قرار اللجنة في(16/كانون الأول/1925)[210].

  1. التوفيق :

 “يقصد بالتوفيق عرض موضوع النزاع على لجنة دولية أو فرد دولي لدراسة جميع اوجه النزاع واقتراح حل يعرض على طرفي النزاع، وتقوم لجنة التوفيق بالاتصال بطرفي النزاع أما بصورة منفردة أو مجتمعين وليس لتقرير اللجنة أية صفة إلزامية حيث يحق لكل طرف قبول توصيات اللجنة أو رفضها أو اقتراح إجراء تعديل عليها”[211].

وتشكل لجان التوفيق في الغالب من ثلاثة إلى خمسة أعضاء.[212] ويكون اثنان من كل طرف وخامس من دولة ثالثة (في حالة إذا ما كان عدد أعضاء اللجنة ثلاثة يكون واحد من كل طرف وثالث من جهة ثالثة).[213] تجري الإجراءات أمام لجنة التوفيق شفاهاً أو كتابةً، وتعتمد على الاتصال الشخصي بقدر كبير لغرض التسوية والتقريب بين وجهات النظر، وتفحص اللجنة الحجج والمستندات، وتناقش الأطراف المتنازعة، وتقترح طرقا أو وسائل اخرى لتسوية النزاع[214]. ثم تصدر  اللجنة تقريرها الذي يتضمن مقترحاتها لتسوية النزاع، والأسباب التي دعتها للأخذ بهذه المقترحات.[215] ويجوز للأطراف المتنازعة أو أحدها أن يرفض تقرير اللجنة، وفي هذه الحالة يعاد التقرير إلى الجنة خلال مدة زمنية معينة مع بيان أسباب رفض التقرير، وتحاول اللجنة في هذه الحالة دراسة الرفض لكي تصل إلى تسوية يرضى بها الطرفان، وإذا وافق الطرفان على التقرير فيجب إعلان تلك الموافقة والتزامهم به.[216] وبناءً على ذلك فان المقترحات التي تتوصل إليها لجنة التوفيق لا تشكل التزاما قانونيا على الأطراف المتنازعة بقبولها.[217]

والتوفيق اقرب إلى الوسائل القانونية منه إلى الوسائل السياسية. والفرق بينه وبين التحقيق يتمثل في أن لجان التوفيق تنحصر في التوفيق بين طرفي النزاع عن طريق وضع مقترحات لحل النزاع دون أن تكون لهذه المقترحات صفة إلزامية، في حين أن مهمة لجان التحقيق تتمثل في سرد الوقائع المطلوب التحقق منها.[218]

  1. التسوية السياسية عن طريق المنظمات الدولية :

أن جميع المنظمات الدولية لها اختصاص تسوية النزاعات الدولية التي قد تظهر بين أعضائها، وقد فرض ميثاق الأمم المتحدة في مادته الثالثة والثلاثين الفقرة الأولى على أطراف النزاع أن يلتمسوا حلة بالطرق السلمية. وأعطى الميثاق لكل من الجمعية العامة ومجلس الأمن سلطات واسعة في هذا الشأن، فللجمعية العامة الحق في مناقشة أي نزاع يعرض عليها وان تقدم التوصيات اللازمة لتسويته.[219] بينما أجاز الميثاق لمجلس الأمن التدخل في أي وضع قد يهدد السلم والأمن الدوليين بناءً على قرار يصدره المجلس من تلقاء نفسه[220]، أو بناءً على طلب يتقدم به أي عضو من أعضاء الأمم المتحدة أو أية دولة ليست عضواً في الأمم المتحدة إذا كانت طرفاً في نزاع بشرط أن تقبل مقدما التزامات الحل السلمي المنصوص عليها في الميثاق[221]، أو بناءً على طلب الأمين العام[222]. والواقع أن محاولات الأمم المتحدة لحل مشكلات الحدود بين أعضائها يمكن تقسيمها إلى:[223]

أ. المحاولات التي شملت التدابير الداعية إلى التسوية بصورة مباشرة عن طريق المفاوضات من اجل التوصل إلى التسوية أو تنفيذها. فقد تقوم إلام المتحدة بإرسال بعثة من اجل تقتصي الحقائق التي تمهد السبيل لوضع أساس الاتفاق أو قد يبذل الوسيط جهودا مباشرة للوصول إلى مثل هذا الاتفاق. وفي أحيان اخرى تقوم الأمم المتحدة بإدارة المنطقة المتنازع عليها لمدة قصيرة أو طويلة، وهذه يمكن أن تكون خطوط مساعدة نحو التسوية، ومن وظائف الأمم المتحدة أيضاً مراقبة انسحاب القوات الأجنبية إلى ما وراء الحدود كما حدث في النزاع حول كشمير بين الهند وباكستان.

ب. المحاولات التي تتعلق بتضييق نطاق العنف عن طريق الدعوة إلى ضبط النفس قبل اندلاع المعارك أو المطالبة بوقف إطلاق النار، إذ اصدر مجلس الأمن عدة قرارات بشأن النزاع الهندي الباكستاني تطالب بوقف إطلاق النار.

أن دور الأمم المتحدة في تسوية الخلافات الحدودية قبل تسعينات القرن الماضي كان لا يتعدى القيام بالتهدئة أو الأشراف على الانسحاب المتبادل للدول المتحاربة إلى ما وراء خط الحدود وفي أحيان اخرى تتم المفاوضات بإشراف الأمم المتحدة.[224] وبعد حرب الخليج الثانية (1991) اختلف حوارها إذ شكلت بموجب القرار (687) لجنة من اجل ترسيم الحدود بين العراق والكويت. ومن دون طلب من الأطراف المتنازعة.[225] وهذا يتعارض مع قواعد القانون الدولي فيما يخص تسوية النزاعات الحدودية التي تتطلب أن تكون التسوية بطلب من الدول المعنية.[226] ويعود السبب في محدودية دور الأمم المتحدة في تسوية النزاعات الحدودية بين الدول إلى أمرين هما[227]:

أ. أن مشكلة الحدود من حيث الأصل تعد منازعات قانونية، وهذا النوع من النزاعات لا تجدي معها الوسائل السياسية لتسوية النزاعات، ومن الأفضل تسويتها عن طريق الأجهزة القضائية والقانونية.

ب. أن القاعدة في تدخل المنظمات الدولية كطرف ثالث في تسوية النزاع هي قبول الأطراف المتنازعة لمبدأ التدخل، وهذا يشكل نوع من القيود القانونية والإجرائية والتي تحد من قدرة المنظمة الدولية على تسوية النزاع بمبادرة منها.

7.تسوية النزاعات الحدودية عن طريق المنظمات الإقليمية:

تنشأ المنظمات الإقليمية عادة بهدف التعاون والمساعدة على تعزيز العمل المشترك بين الدول الأعضاء في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية أيضاً، ولكن نلاحظ أن تسوية النزاعات بين أعضائها اصبح من مهامها الرئيسية لما تشكله هذه النزاعات من عوائق أمام تحقيق التعاون بين الدول الأعضاء، وحدد ميثاق الأمم المتحدة العلاقة التي تحكم المنظمات الإقليمية بالمنظمة الدولية خاصة في مجال تسوية مشكلات الحدود، إذ دعا الدول الأعضاء إلى بذل الجهود لحل نزاعاتهم بالطرق السلمية، عن طريق المنظمات الإقليمية وذلك قبل عرض النزاع على مجلس الأمن.[228]

كما نصت اغلب المنظمات الإقليمية في مواثيقها على تسوية النزاعات التي تنشأ بين أعضائها بالطرق السلمية وذهبت في هذا الاتجاه كل من جامعة الدول العربية.[229] ومنظمة الوحدة الأفريقية.[230]  ومجلس التعاون لدول الخليج العربي.[231]

ثانيا : الوسائل القانونية والقضائية :

لقد اثبت التعامل الدولي أن بعض الدول لا تطمئن للوسائل السياسية لتسوية النزاعات الدولية، بسبب عدم التكافؤ بين أطراف النزاع، فالدول القوية تستطيع فرض إرادتها على الدول الضعيفة، لذلك فان المجتمع الدولي اتجه منذ القدم إلى البحث عن وسائل يستطيع بموجبها أن يسوي الاختلافات بين أعضائه بأسلوب يضمن فيه تحقيق أحكام القانون، غير أن تمسك الدول بمبدأ السيادة كان حائلا دون إنشاء سلطة قانونية عليا تستطيع أن تفرض قراراتها  على أطراف النزاع، فضلا عن عدم ثقة الأطراف المتنازعة بأحكام الأطراف المتنازعة بأحكام القانون بسبب عدم معرفتها أحكامه بصورة واضحة، ولان القانون أيضاً كان في بداية نشوئه تعبير عن إرادة الإمبراطوريات المستبدة والمهيمنة التي كانت مسيطرة على العالم، وبتطور المجتمع الدولي ووضوح أحكام القانون الدولي اتجهت الدول لتسوية منازعاتها إلى طرف ثالث وفقا لأحكام الاتفاق المعقود بين طرفي النزاع يُدعى (المحكم)، وهكذا بدء العمل بالتحكيم واستمر حتى إنشاء محكمة العدل الدولية الدائمة عام (1920) باعتبارها المحاولة الأولى في إنشاء المحاكم الدولية، واستمرت المحكمة بالعمل حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، وبعد نهاية الحرب وقيام الأمم المتحدة صدر النظام الأساس للمحكمة ملحقاً بميثاق الأمم المتحدة وعد أعضاء الأمم المتحدة بحكم عضويتهم فيها أطرافا في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.[232]

وبعد تطور العلاقات الدولية واتساع المجتمع الدولي ظهرت إلى الوجود محاكم إقليمية لتسوية النزاعات الإقليمية وأجاز ميثاق الأمم المتحدة للجوء إلى محاكم اخرى غير محكمة العدل الدولية لتسوية النزاعات.[233] والوسائل القضائية في تسوية النزاعات الدولية هي التحكيم الدولي، والمحاكم الدولية، والمحاكم الإقليمية، والمحاكم الخاصة.[234]

أ- التحكيم :

 هو تفويض يصدر من دولتين متنازعتين إلى قضاة مختارين للفصل في نزاعهما طبقا لأحكام القانون بقرار ملزم للطرفين بعد فشل المفاوضات السياسية في حل النزاع القائم بينهما.[235] وعرفت المادة (37) من اتفاقية لاهاي لسنة (1907) التحكيم بأنه “… تسوية النزاعات بين الدول بواسطة قضاة من اختيارهم وعلى أرادتها احترام القانون”[236]، ويتضح من هذا التعريف أن التحكيم وسيلة قضائية لتسوية النزاعات الدولية، وهي وسيلة تتم على أرادتها احترام القانون الدولي بناءً على إرادة الدول المتنازعة.[237]

ويعرض على التحكيم أي نزاع يقوم بين الدول سواءاً كان ذو صفة قانونية كالخلاف على تفسير معاهدة أو على تطبيق قاعدة دولية، أو كان مادياً بحتاً كالنزاعات الخاصة بتعيين الحدود[238]. ويلاحظ أن اغلب النزاعات الحدودية التي عرضت على التحكيم هي تلك التي تنشب بسبب عدم الدقة في صياغة المعاهدات المنظمة لها، وغالبا ما يختص التحكيم بتفسير هذه المعاهدات.[239] ويتميز التحكيم الدولي بما يأتي :

يتميز التحكيم بأنه اكثر فاعلية من الوسائل الأخرى لتسوية النزاعات بين الدول ويلجأ إليه في الغالب عندما تفشل الوسائل السياسية والدبلوماسية.[240] والتحكيم صالح لتسوية النزاعات الدولية سواء كانت سياسية أم قانونية.[241]

يجوز أن يشمل التحكيم النزاعات القائمة والنزاعات المحتمل قيامها في المستقبل أو أي نوع من أنواع النزاعات الأخرى[242].

يميز الكتاب بين نوعين من أنواع التحكيم هما: التحكيم القضائي، ويقصد به التحكيم في المسائل القانونية والثاني التحكيم السياسي حيث يقوم الحكم بوظيفة تشريعية، ويسمى أيضاً التحكيم التوفيقي (Conciliatory – Arbitration)[243].

   ويرى الباحث أن هذا الرأي غير صائب لأن التحكيم تحدده القواعد الخاصة به ولا يحدده الموضوع المتنازع عليه، فالتحكيم واحد سواء كان النزاع قانونياً أم سياسياً وإجراءاته واحدة في كل أنواع النزاعات، ويطلق على الجهة التي تتولى التحكيم هيئة التحكيم أو محكمة التحكيم[244].ويكون اللجوء إلى التحكيم بإحدى الحالتين التاليتين:

التحكيم الإجباري: وهو التحكيم الذي تنص عليه المعاهدات المنظمة للحدود ويكون سابقا لنشوب النزاع، كالاتفاقية الألمانية – البولونية عام (1922) حول إقليم(سيليزيا)، والمعاهدة الفرنسية – الألمانية عام (1956) حول إقليم(السار)

التحكيم الاختياري : وهذا النوع من التحكيم يكون نسبة لاتفاق لاحق على نشوب النزاع ويكون بكامل حرية الأطراف المتنازعة[245].وتوجد ثلاث طرق للتحكم :

التحكم بواسطة رئيس دولة أو قاضي : وقد سويت الكثير من المشكلات الحدودية بهذا الطريق فمثلا قامت الملكة اليزابيث، ملكـة بريطانيا فـي عـام(1966) بتسوية نزاع الحدود الذي استمر سنوات طويلة في منطقة الأنديز بين الأرجنتين وشيلي.[246]

التحكيم عن طريق اللجان المختلطة : ويعني اللجوء إلى محكمين يتم اختيارهم من أساس النزاع، بحيث تضم لجنة التحكيم إطلاق من أساس النزاع على أن يكون رئيسهم من دولة اخرى ليست طرفا في النزاع، وتكون له كلمة الفصل في حالة الخلاف بين الأعضاء.[247] وقد تتألف لجنة التحكيم من ثلاثة إطلاق، عضو من كل طرف مع رئيس من دولة ثالثة. كما هو الحال في لجنة التحكيم بين بريطانيا والسعودية في نزاعها حول البريمي.[248]

التحكيم بواسطة محكمة : والتحكيم بهذه الطريقة نوع من أنواع التحكيم القضائي وتالف محكمة التحكيم من قضاة مستقلين يصدرون قراراتهم دون التقيد بمبادئ الدولي إلا إذا طلب منهم أساس النزاع ذلك.[249]وقد تم تشكيل محكمة التحكيم الدائمة بعد مؤتمر لاهاي المنعقد عام 1899، وهذه المحكمة لا تشبه المحاكم العادية لأنها لا تتكون من قضاة متواجدين باستمرار في مقرها وإنما ينتخب أعضاء من قائمة موجودة لدى المحكمة كلما دعت الظروف إلى تكوينها ويختار القضاة باتفاق الطرفين والاجتماعية لم يتم التوصل إلى هذا الاتفاق تكون المحكمة وفقا لنظام خاص منصوص عليه في الاتفاقية.[250]

ب- القضاء الدولي :

وهو وسيلة اخرى لحل النزاعات الدولية بطريقة سلمية وتعني حسم النزاع القائم بين أشخاص القانون الدولي عن طريق حكم قانوني صادر عن هيئة دائمة تضم قضاة مستقلين جرى اختيارهم مسبقاً.[251] ويكون قرار المحكمة ملزما للأخذ المتنازعة، وقد تم حسم الكثير من المشاكل بهذه الطريقة مثل، النزاع الحدودي بين كمبوديا وتايلاند حول معبد (بريه مينهار).[252] فالقضاء الدولي إذا ومن خلال هذا التعريف يعتبر من الوسائل القانونية الملزمة لحل النزاعات بين أشخاص القانون الدولي بطريقة سلمية[253].

 ولقد كان لجهود عصبة الأمم دور كبير في إنشاء أول محكمة دولية عام (1921) سميت بمحكمة العدل الدولية الدائمة وبعد تأسيس منظمة الأمم المتحدة شكلت محكمة العدل الدولية التي أصبحت بموجب المادة (92) من ميثاق الأمم المتحدة الأداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة.[254] وتحال النزاعات لهذه المحكمة باتفاق الأطراف المتنازعة، ومثال ذلك الاتفاق بين الحكومة الليبية وحكومة التشاد في 31/تشرين الأول/ 1989.[255]

ويختلف القضاء الدولي من التحكيم بان القضاء الدولي يعرض النزاع على هيئة دائمة لها وجود سابق على النزاع، بينما التحكيم يعرض على هيئة لها صفة مؤقتة، وتشكل بعد النزاع، وقضاة القضاء الدولي مستقلين عن رغبة الأطراف المتنازعة، بينما في التحكيم تختار الأطراف المتنازعة المحكمين في دعاواها[256]. ويستند القضاء في إصدار الحكم على مبادئ القانون الدولي ولا يشترط التحكيم ذلك[257]، ويكون للمحكمة اختصاصي قضائي واستشاري.

1-الاختصاص القضائي:   بالنسبة للاختصاص القضائي، لا يحق لغير الدول أن ترفع خلافاتها أمام المحكمة، وعلى الأطراف في النزاع أن يقبلوا قضائها، ويلتزم الأطراف بقرار المحكمة إذا كانت هناك معاهدة بينهما تنص على ذلك أو إصدار الأطراف تصريحا يلتزمان فيه بما يسمى بـ (الشرط الاختياري). ويقتصر الاختصاص الإلزامي على النزاعات القانونية فحسب، أي النزاعات المتعلقة بتفسير المعاهدات أو أمرين مسائل من مسائل القانون الدولي، أو تقرير واقعة في حالة إثبات وجودها تعد انتهاكا لالتزام دولي، ونوع التعويض المترتب على خرق التزام دولي.[258] ومثال على النزاعات التي نظرت فيها محكمة العدل الدولية، النزاع بين تونس وليبيا حول تحديد الجرف القاري، حيث أصدرت قرارها في الموضوع في كانون الثاني 1985.[259]

الاختصاص الاستشاري : أي الفتاوى التي تصدرها محكمة العدل الدولية عندما تطلب منها الجمعية العامة أو مجلس الأمن أو الدول أو أمرين جهة اخرى تأذن لها الجمعية العامة بذلك. وليس لهذه الفتاوى أمرين صفة إعلان. بل لها صفة استشارية.[260] ومثال ذلك إبداء محكمة العدل الدولية رأيها في مشكلات الحدود بين موريتانيا والمغرب حول الصحراء الغربية عام 1975 بناءً على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة.[261]

وهناك وسائل اخرى لتسوية النزاعات بين الدول وهي الوسائل الإكرامية وهذه الوسائل تعمل عندما تعجز الدولة عن الحصول على مطالبها بالطرق السلمية وتسمى أيضاً الوسائل اللاودّية وقد تؤدي أحيانا إلى الحرب أو إلى التسوية في أحيان اخرى، وتنقسم هذه الوسائل الاكراهية إلى قسمين:

أولا : الوسائل التي لا تؤدي إلى استخدام القوة المسلحة فيها : وتشمل:

أ. قطع العلاقات الدبلوماسية : وتعني سحب الممثلين الدبلوماسيين لإجبار الدولة الأخرى على الإذعان إلى مطالب الدولة الخصم. كما حدث في عام 1958 عندما قطعت المملكة العربية السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع بريطانيا بسبب نزاعها حول البريمي.[262]

ب. المعاملة بالمثل : أي الأعمال القسرية التي تنفذها دولة ضد اخرى ردا على أعمال مشابهة قامت بها تلك الدولة.

ج. الحصار السلمي : أي محاصرة البلاد ومنعها من الاتصال بالبلدان الأجنبية.

د. المقاطعة الاقتصادية : أي قطع التعامل بكل أنواع النشاط الاقتصادي مع الدول الأخرى.

هـ. حجر السفن : أي حجر السفن العائدة للدولة المعادية عند رسوّها في مياه الدولة المعتدى عليها.

ثانيا : الوسائل التي تؤدي إلى استخدام القوة المسلحة.[263] وتشمل:

الاحتلال المؤقت : أي احتلال جزء من إقليم الدولة الأخرى، كما احتلت السعودية موقع الخفوس القطري عام (1992) من اجل الضغط لرسم حدودها مع قطر.[264]

ب. ضرب المدن والموانئ بالأسلحة والقنابل. مع أن ميثاق الأمم المتحدة منع التهديد باستخدام القوة أو استخدامها.[265]

ويعتمد اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة في تسوية النزاعات الحدودية على :

الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية للمنطقة المتنازع عليها.[266]

طبيعة العلاقة بين الدول المتنازعة.[267]

حجم القوات المسلحة وإمكانياتها الفنية ونسبة تكافؤهما في القوة.[268]

وخلاصة القول أن الطرق السلمية في تسوية النزاعات الحدودية بين الدول أجدى نفعاً من غيرها ولا سيما إذا كانت مبنية على قناعة متبادلة بين الطرفين المتنازعين حقنا لدماء الأبرياء، ولان احتمالات الخسارة من جراء استخدام القوة المسلحة قد تكون باهضة بحيث لا تتناسب مع المكاسب التي يحصل عليها بالقوة.

النزاعات الحدودية العربية – العربية في المشرق العربي

النزاع الحدودي حول الضفة الغربية بين الأردن ومعظم أعضاء جامعة الدول العربية (1950)

كان موقف الأردن من المسالة الفلسطينية وكما تشير الأدبيات السياسية الأردنية الرسمية موقفاً قومياً، على أساس أن النظام الأردني هو وريث الثورة العربية الكبرى، وعليه فأن مسألة وحدة فلسطين وشرق الأردن هي مسالة قومية من جهة، ومن جهةٍ ثانية كانت الأردن ترى ضرورة الحفاظ على فلسطين أو ما تبقى منها بأيدي أمينة. وكذلك العمل على وضع حد للأطماع الصهيونية التوسعية كي لا تصل إلى الأردن نفسه، انطلاقاً من ذلك لم يخف الملك عبد الله في تصريحاته وأحاديثه في مجالسه الرسمية والشخصية أمانيه في قيادة دولة عربية قومية قوية تهيء له إمكانية استعادة عرش سوريا، الذي كان شقيقه الأمير فيصل، قد أعلن عن قيامه في 5/ كانون الاول 1918 بأسم الدولة العربية السورية (سوريا ،لبنان، فلسطين والأردن) ،إذ كانت الحكومة الفرنسية قد أنهت هذه الدولة في 27/تموز/1920 وطلبت من الأمير فيصل مغادرة دمشق([1]).

إلا أن القيادة الهاشمية التي كانت تأمل بذلك، والتي قادت الثورة العربية الكبرى وقاتلت في الحرب العالمية الأولى إلى جانب الحلفاء، فقدت سوريا بعد إن كانت فقدت الحجاز وقد كان لزاماً عليها العمل من أجل إعادة بناء تلك الدولة الوحدوية التي تضم فلسطين كجزءً منها، كما أن الملك عبد الله لم يخفْ تخوفه من امتداد التوسعات الصهيونية إلى  الأردن، لذلك رفض قيام دولة فلسطين حسب قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 174 في 1948، لكي لا يؤثر على الأردن كدولة وعلى استقرارها، وظهر ذلك بوضوح في رسالته إلى محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء المصري آنذاك والتي جاء فيها: ” إن دولتكم على علم من إن دول الجامعة العربية تدخلت لإنقاذ فلسطين منكرةً التقسيم والتجزئة، وعاملةً على حفظ شرف العرب والإسلام التاريخي. وتعلمون إننا نخشى على سلامة بلادنا ومركزنا من أيةِ دولة ضعيفة قد تتكون في فلسطين تنتسب للعرب، ويستحوذ عليها اليهود وتعترف بها منظمة الأمم المتحدة التي اعترفت باليهود، فيكون التقسيم أمراً واقعاً، الأمر الذي حاربناه ووقفنا ضده، وفي وقوع هذا أيضاً قطع الطريق على أهل فلسطين في  أن يختاروا لأنفسهم ما يريدون بعد انتهاء المعضلة “، ويضيف أيضاً: ” إننا من أن يسبب هؤلاء بحركاتهم-وأعني بهم أمين الحسيني ومن معه- سيجر إلى ما فيه الاختلال لعصمة الجامعة العربية واتحادها، أقول إنني سأحارب هؤلاء حيثما كانوا كما أحارب اليهود أنفسهم “([2]).

وقد طلبت الحكومة الأردنية من الجامعة العربية سحب اعترافها بحكومة عموم فلسطين برئاسة أحمد حلمي باشا المدعومة من قبل الحاج أمين الحسيني. إلا إن الجامعة العربية لم توافق على الطلب الأردني، ولكنها في نفس الوقت لم توجه الدعوة لحكومة عموم فلسطين في دورة الجامعة في خريف 1949 بناءاً على الرغبة الأردنية. ومن ذلك الوقت بداء الأردن يتحدث بالنيابة عن الشعب الفلسطيني واستمر ذلك حتى قيام منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964. وفي تلك الفترة الزمنية ألغي الكيان الفلسطيني وضعفت الهوية الفلسطينية، ولم يكن من قبيل الصدفة أنه في نفس اليوم الذي عقد فيه المجلس الوطني الفلسطيني بزعامة الحاج أمين الحسيني في مدينة غزة هذا المجلس الذي انبثقت حكومة عموم فلسطين عنه، كان ينعقد في المقابل مؤتمراً موازياً في مدينة أريحا من وجهاء بعض العائلات الفلسطينية من أجل التمهيد لخلق وحدة بين الأردن وما تبقى من فلسطين والمناداة بالملك عبد الله ملكاً على الدول الجديدة الموحدة. وعقد مؤتمر ثانياً في عمان في 1/ تشرين الأول/ 1949 أعلن فيه رسمياً عن مبايعة الملك عبد الله ملكاً على فلسطين وعلى وحدة الضفتين، هذه الوحدة التي استكملت إجرائتها الدستورية فيما بعد رغم ردود الفعل المتباينة والمختلف عليها فلسطينياً وعربياً([3]).

ومن ذلك الوقت أصبح الأردن الممثل الشرعي لفلسطين في مختلف الأوساط العربية والمحافل الدولية، على أساس أن جزءاً كبيراً من فلسطين (الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية) أصبحت جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، وبذلك تبدأ مشاكل الحدود العربية بأزمة الضفة الغربية عام (1950) والتي نشبت بين الأردن ومعظم اعضاء جامعة الدول العربية أثر ضم الأردن للضفة الغربية من نهر الأردن وذلك بناءً على قرار صدر من البرلمان الأردني بضم الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية هذا وقد عرض النزاع على مجلس الجامعة ولاسيّما اللجنة السياسية للجامعة ووصل إلى درجة اتخاذ قرار من المجلس بمعارضة قرار الأردن، وقد أصر الأردن على موقفه حتى وصل الأمر إلى رغبة بعض الدول العربية في طرد الأردن من الجامعة، وعلى أثر ذلك تقرر تأجيل مجلس الجامعة لحين التوصل إلى حل توفيقي يرضي جميع الأطراف المعنية. وكانت الوساطة من جانب العراق ولبنان، بين الأردن من جانب، والدول التي طالبت بطرد الأردن من عضوية الجامعة من جانب آخر، قد نجحت بالفعل بين الجانبين في التوصل إلى مسودة قرار تتعهد بمقتضاه الأردن بأن ضم الضفة الغربية هي مسالة إجرائية بحتة تقتضيها اعتبارات عملية، وبأن الضم مؤقت لحين التوصل إلى تسوية نهائية للقضية الفلسطينية. وتلك الوساطة قد سهلت تحويل مهمة اللجنة السياسية من فرض العقوبات على الأردن، إلى مهمة المصالحة بين الأطراف المعنية([4]). وقد شهدت العلاقات الأردنية – الفلسطينية طيلة سنوات لخمسينات تحسناً ظاهراً بسبب اندفاع الشارع الفلسطيني والأردني باتجاه المد القومي العربي الموحد، الذي ساد في تلك الفترة، وعلى الرغم من ملاحظات البعض على وحدة الضفتين، إلا أنها بقيت تشكل مفهوماً متقدماً في النظرة الوحدوية للتيار القومي العربي، ولكن ذلك لم يستر طويلاً، فمع نهاية الخمسينات وبداية الستينات بدأت تحدث تطورات في القضية الفلسطينية أدت إلى ظهور بعض التنظيمات الفلسطينية، وإن كانت متواضعة في حجمها وإمكانياتها، لكنها شكلت النواة الأولى لإعادة ولادة الكيان الفلسطيني فيما بعد (ظهور بعض فصائل المقاومة، ظهور الاتحاد العام لطلبة فلسطين).

وقد رافق ذلك تحرك عربي منفرد كالتحرك المصري والعراقي والسوري، أو تحرك عربي جماعي متمثل بمجلس جامعة الدول العربية، ساهم في ولادة كيان فلسطيني تت مظلة عربية وهي منظمة التحرير الفلسطينية ولم يكن ثمة حماس أردني لقيتم هذه المنظمة، وبدأت تثار تساؤلات من تجديد بعد قيامها، من قبل بعض الشخصيات الفلسطينية داخل منظمة التحرير أو خارجها، حول مدى شرعية التمثيل الأردني للشعب الفلسطيني، الأمر الذي أدركته القيادة الأردنية مبكراً، ووقفت موفقاً واضحاً ورافضاً لكل هذه التطلعات باعتبارها تدخلاً في الشؤون الداخلية للدولة الأردنية ([5]).

ونظراً للتفسيرات المتباينة ونظرات الريبة والشك التي رافقت إقامة الكيان الفلسطيني الجديد المتمثل بمنظمة التحرير الفلسطينية، فقد حرص رئيس المنظمة في ذلك الوقت، أحمد الشقيري، على التأكيد في خطابه الذي ألقاه في افتتاح الدورة الأولى للمجلس الوطني الفلسطيني في القدس، وبحضور الملك حسين ملك الأردن، على أن الكيان الفلسطيني ” لا يهدف إلى سلخ الضفة الغربية عن المملكة الأردنية الهاشمية، ولكننا نهدف إلى تحرير وطننا المغتصب غربي القدس “([6]).

ولقد قطعت تصريحات أحمد الشقيري المختلفة بهذا الصدد اللغط الكثير الذي رافق عملية إقامة الكيان الفلسطيني، وأرست شعوراً من الطمأنينة لدى الحكومة الأردنية، الأمر الذي سمح بموافقة الأردن بعقد هذا المجلس في مدينة القدس، ووافق الأردن كذلك على أن يكون المقر الرئيسي للمنظمة في المدينة المقدسة’ وأن يحصل أعضاء قيادة المنظمة على جوازات سفر أردنية خاصة. حدد الأردن نظرته للكان الفلسطيني على لسان العاهل الأردني، حينا قال ” إن المفهوم الحقيقي لأسلوب تنظيم الشعب الفلسطيني هو أن هذا الكيان يعتبر رصيداً للشعب الفلسطيني وحشداً لقواتهن وهو سلاح تمتلكه الدول العربية… وتفتح به السبل إلى الأهل.. ولن يمس الكيان في لحظة من اللحظات وحدة أسرتنا الأردنية الواحدة بسوء، وإنما هو على العكس من ذلك سيقوي تلك الوحدة ويعمقها ويضاعف قدرتها على النمو والانطلاق… فالأردن بضفتيه هو قاعدة الانطلاق لتحرير الوطن المغتصب “([7]).

وهنا لابد من الإشارة إلى أن الميثاق القومي الفلسطيني الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني الأول عام 1964، قد أشار إلى ذل صراحة في مادته الـ 24 حيث جاء فيها: ” لا تمارس هذه المنظمة أية سيادة إقليمية على الضفة الغربية في المملكة الأردنية الهاشمية ولا قطاع غزة ولا منطقة الحمة، وسيكون نشاطها على المستوى القومي الشعبي في الميادين التحريرية والتنظيمية والسياسية والمالية ” ([8]).

ولكن هذه التطمينات من كلا الطرفين لم تمنع من قيام تناقضات وتنافرات في المواقف فيما بعد، لأن ازدواجية تمثيل الشعب الفلسطيني جعلت العلاقات الأردنية الفلسطينية عرضة لتصاعد الخلافات بينهما، وأخذت تبرز إلى السطح، كلما اختلف الطرفان في فهم وتحديد نوعية العلاقات فيما بينهما. وقد تفجر الوضع بعد حرب حزيران 1967، وبرزت فصائل المقاومة الفلسطينية وهيمنت على منظمة التحرير الفلسطينية، وألغت المادة 24 من الميثاق القومي الفلسطيني التي كانت تنص على عدم رغبة منظمة التحرير الفلسطينية في ممارسة سيادتها على الضفة الغربية، وتغير أسم الميثاق من الميثاق القومي الفلسطيني إلى الميثاق الوطني الفلسطيني، وذلك في الدورة لرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني التي انعقدت في القاهرة عام 1968.

وكانت الخلافات بين الطرفين قد ازدادت بعد معركة الكرامة في 21 آذار 1968، عندما قامت القوات الإسرائيلية بمهاجمة منطقة الكرامة في غور الأردن لملاحقة الفدائيين الفلسطينيين، وأصر الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية على أن كلاً منهما لوحدهُ تقريباً الذي حارب وصمد أمام القوات الإسرائيلية، مع التقليل أو حتى إنكار مشاركة الطرف الآخر، وتصاعدت حدة الخلافات فيما بعد لتصل حد الاقتتال العسكري وخروج منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها من الأردن عام 1970.

وعلى الرغم من أن الاقتتال الأردني – الفلسطيني كان قتالاً عسكرياً إلا أن جزءاً منه كان الواقع قتالاً على أحقية تمثيل الفلسطينيين، فقد لاحظ الأردن تعاظم الموقف الشعبي والغربي والدولي الداعم لمنظمة التحرير الفلسطينية، مما أثر عل التمثيل التاريخي الأردني للفلسطينيين والقضية الفلسطينية، وكذلك بالنسبة لمنظمة التحرير التي كانت قد بدأت تتدخل في تمثيل الأردن للفلسطينيين وتريد أن تقوم هي وليس الأردن بهذه المهمة.

ولم يكن خروج منظمة التحرير الفلسطينية من الأراضي الأردنية ليضعف تمثيلها للفلسطينيين، بل على العكس، فقد وافق مؤتمر القمة العربي الذي عقد في الرباط في تشرين الأول 1974، على وحدانية وشرعية تمثيل منتظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني والمسؤولة عن صياغة مستقبله([9])، مما دفع الأردن وعلى مضض إلى الموافقة على هذا القرار، ويكون الأردن بذلك قد حسم موقفه لأول مرة من المنظمة، باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وهو ما كان الأردن يرفضه باستمرار منذ قيام المنظمة في عام 1964 ([10]).

وفي الحقيقة إن السلطة الفلسطينية لم تطالب بالضفة الغربية باعتبارها جزء من الأراضي الفلسطينية ولم تكن مشكلتها مع الأردن مشكلة حدود بل كانت مشكلة وجود وتمثيل وشرعية، لذلك فالمشكلة نشبت بين الأردن ومعظم أعضاء الجامعة العربية بسبب الحدود، وسويت عن طريق الجامعة العربية، وهي من المشكلات القليلة التي كان لجامعة الدول العربية دور متميز في تسويتها بشكل نهائي.

النزاع العراقي – الكويتي عام (1961)

احتل موضوع الحدود العراقية الكويتية أهمية خاصة منذ عصر الحكم العثماني، فقد جرت بين الدولتين بريطانيا والدولة العثمانية في الفترة ما بين 1911 حتى 1913 مفاوضات أثمرت عن توقيع اتفاقية بالأحرف الأولى عام 1913، ولكنها لم توضع موضع التنفيذ بسبب قيام الحرب العالمية الأولى، وقد وقعها كل من إبراهيم حقي باشا وزير الخارجية عن الدولة العثمانية والسير أدور جراي وزير الخارجية البريطاني في 29/كانون الأول/ 1913 في لندن تناولت الاتفاقية خمسة أقسام كان الأول منها مخصصاً للكويت وقد تنازلت بريطانيا عن بعض المناطق الكويتية مقابل الحصول على امتيازات في الأقسام الأخرى من الاتفاقية حيث أخرجت هذه الاتفاقية أم قصر وصفوان من حدود الكويت في حين اعترفت بحق الكويت في جزيرتي وربة وبوبيان([11]). وقد اعترض الشيخ مبارك الصباح على هذه الاتفاقية وابلغ اعتراضه للمعتمد السياسي الثاني البريطاني في الكويت الكونيل شكسبير كما أبلغه إلى السير بيرسي كوكس المندوب البريطاني في العراق ومن الملاحظ إن هناك وجود تحديد دولي للحدود الكويتية – العراقية اعترفت به بريطانيا والدولة ا لعثمانية كما اعترف به حاكم الكويت نفسه. وبعد أن تبدل الحكم في العراق إلى الحكم الملكي وتنصيب فيصل ملكاً على عرش العراق في آب 1921 أصبحت الكويت تحت السيطرة البريطانية ولم تحدث خلال هذه الفترة أي أحداث مهمة سوى معاهدة العقير (1921) التي اعتبرها حكام الكويت مجحفة بحقهم وكانت هذه المعاهدة تخص الحدود الكويتية السعودية أكثر مما تخص الحدود الكويتية العراقية بعد أكثر من عشر سنوات وبالتحديد في عام 1932 أعلنت بريطانيا أن العراق استوفى شروط الاستقلال واكتملت لديه مقومات الأمم الشعوب المتحضرة خاصةً بعد توقيعه معاهدة صداقة مع سلطة الأنتداب البريطانية تضمنت استقلاله ودخوله عصبة الأمم مع الحفاظ على بعض المصالح البريطانية الحيوية([12])وأصبحت العراق أول دولة منتدبة تنال استقلالها وتتخلص من الانتداب البريطاني، وسرعان ما طالب نوري السعيد من الحكومة البريطانية بعض الأراضي في الكويت، ولكن كان رد المندوب السامي البريطاني مطابقاً لرؤية الشيخ أحمد الجابر عام 1932، واعترض نوري السعيد على بعض المواقع مثل موقع (الهليبة أو الحليبة) وأشار إلى أنه موقع عراقي وأن فيه أبار مياه عراقية، وقد طمأنه المندوب السامي البريطاني بأن تبادل الرسائل ليس إلا تأكيد للحالة القائمة وليس هناك نية لتعديل الحدود، فتم إبلاغ الشيخ أحمد الجابر بواسطة المقيم السياسي بالكويت في نفس العام بموافقة الحكومة البريطانية على الحدود كما هي أي كما جاء في اتفاقية 1913 الأنكليزية العثمانية ومراسلات 1923 ([13]). وبعد تتويج الملك غازي نجل فيصل الأول ملكاً على العراق عام 1933 دعى إلى ضم الكويت إلى العراق واستمرت هذه الدعوات وواكبتها دعاية بواسطة الإذاعة العراقية التي كانت تبث من قصر الزهور وتوجه انتقادات حادة لشيخ الكويت مع حمله صحفية تزامنت مع أحداث عام 1938 في الكويت حيث حل فيه شيخ الكويت المجلس النيابي بعد ستة شهور من تأسيسه واكتشاف حق بترول عام 1938 في الكويت ومع وفاة الملك غازي في حادثٍ غامض تأجلت المطالب العراقية لضم الكويت بشكلٍ موقت ([14])، وبعد وفاة الملك غازي في حادث غامض عام 1939 تأجلت المطالبة العراقية بالكويت بعض الوقت، وكانت هناك محادثات بين العراق وبريطانيا بخصوص إقامة ميناء عراقي عام 1940، واقترحت بريطانيا أن يكون الميناء في أم قصر ووافق العراق على هذا المقترح([15]).

وفي عام 1955 وبعد أن توالت المطالبة العراقية بضم الكويت نصحت بريطانيا بغداد بإقامة لجنة مشتركة لدراسة الحدود وترسيمها ودمج المقترح الخاص بمد مياه شط العرب عبر البصرة إلى كويت مع المقترح الحدودي، وهذا ما رفضته الكويت، حيث رفض الشيخ عبد الله السالم هذا المشروع لوجود معارضة شعبية داخل الكويت وظهور تقنية تصفية المياه من الملوحة اعتقاداً منه بأن كلفتها الاقتصادية أقل من كلفة جلب المياه من شط العرب. ويبدو إن الشيخ عبد الله السالم لم يكن يريد أن يرتبط الكويت بالعراق بأي مشروع ويريد له الاستقلالية في إدارة شؤونه.

وبعد إعلان الاتحاد الهاشمي بين العراق والمملكة الأردنية الهاشمية ارتفعت دعوات نوري السعيد بضم الكويت إلى حلف بغداد فطالب بريطانيا باستقلال الكويت لضمها لهذا الحلف([16]). وبعد ثورة تموز 1958 أصبحت الكويت في مواجهة مرحلة جديدة هي مرحلة عبد الكريم قاسم ومطالبته التاريخية بضم الكويت واعتبارها جزءاً من العراق. فبعد أيام من قيام ثورة 14 تموز 1958 التي أنهت الحكم الملكي في العراق واستبدلته بالنظام الجمهوري ونصب الزعيم الركن عبد الكريم قاسم حاكماً على العراق بادر الشيخ عبد الله السالم الصباح بزيارة العراق في 25/ تموز فاستقبله عبد الكريم قاسم ولم يصدر بيان مشترك عن تلك الزيارة([17]). وفي 29/ تشرين الأول/1960 بعث الشيخ عبد الله السالم الصباح برسالة إلى عبد الكريم قاسم دعاه فيها إلى مناقشة موضوع الحدود وتشكيل لجنة مشتركة لترسيم الحدود طبقاً لمراسلات 1932 ([18]). ولم يرد الجانب العراقي على تلك الرسالة، فأرسل الأمير عبد الله السالم في 3/كانون الأول/ 1961 رسالة تذكيرية أخرى مجدداً دعوته لترسيم الحدود البرية والبحرية مع العراق لاسيما وأن الكويت بدأت ترسيم حدودها مع إيران. وبعد استقلال الكويت في 19/ كانون الأول/ 1961 اتفق مع بريطانيا على إلغاء اتفاقية 1899 لأنها تتنافى مع استقلال الكويت وسيادته، وأن تستمر العلاقة بين البلدين بروح الصداقة الوثيقة. أثر هذه المعاهدة الخاصة باستقلال الكويت بعث عبد الكريم قاسم برقية تهنئة إلى أمير الكويت ضمنها سروره البالغ بإلغاء اتفاقية 1899 مع بريطانيا واصفاً إياها بالتزوير وعدم الشرعية([19]). وبعد ستة أيام أي في 25/كانون الثاني عقد عبد الكريم قاسم مؤتمراً صحفياً أشار فيه إلى الحقوق التاريخية للعراق في الكويت. كما أعلن ضم الكويت ولم يحدد إجراءات الضم، وبدأت حملة دعائية واسعة ومذكرات سلمة إلى بلدان العالم وأرفقت المذكرات بقرائن مادية تعود إلى زمن العثمانيين تؤكد عراقية الكويت، وتصاعد الموقف بشكل مثير من خلال البيانات والموسيقى العسكرية والأناشيد الحماسية([20]). أما في الكويت فقد دعا الشيخ عبد الله السالم المجلس الكويتي للتشاور في الخطوات اللاحقة بعد تهديد العراق، وتوالت برقيات من مصر بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر والسعودية بقيادة الملك سعود بن عبد العزيز لتأييد موقف الكويت وأصدرت الكويت من جانبها بياناً مفصلاً عن هذه الأزمة وتقدمت بطلب إلى الحكومة البريطانية بمساعدتها بناءاً على المذكرات المتبادلة في 19/كانون الأول/1961 ([21])، وطلبت الكويت رسمياً من الدول العربية الاعتراف بها وإرسال قوة من الجامعة العربية لتثبيت الاستقلال وفي 30/حزيران/1961 وصلت القوات البريطانية إلى الحدود الكويتية ولم تتحرك القوات العراقية لمواجهتها. وقد نجحت جامعة الدول العربية ممثلة في مجلس الجامعة، وبناءً على توصية اللجنة السياسية للجامعة بإيجاد تسوية مؤقتة للنزاع([22]). فقد كلف مجلس الجامعة([23])، الأمين العام الأسبق عبد الخالق حسونة بالقيام بالوساطة بين البلدين وقد قام حسونة بدور ملحوظ في تلك الأزمة، وبصفة خاصة فيما كان يتصل بإنشاء وإرسال قوات حفظ السلام العربية التي صدر بشأنها قرار من مجلس الجامعة.([24]) إذ تشكلت قوة طوارئ في بعض الدول العربية ودخلت الكويت للحيلولة دون احتمال محاولة العراق ضم الكويت([25])، وتمكنت الجامعة من التوصل إلى قرار في20/تموز/1961 يتضمن الأبعاد المنظورة للتسوية     وهي:([26])

سحب القوات البريطانية من الكويت.

التزام العراق بعدم اللجوء إلى استخدام القوة ضد الكويت.

التزام الدول العربية بتقديم المساعدة الفعّالة لصيانة استقلال الكويت.

الترحيب بدولة الكويت عضوا في جامعة الدول العربية ومساعدتها على الانضمام إلى عضوية الامم المتحدة.

وقد أنيطت مهمة الأشراف على تنفيذ بنود التسوية إلى قوة الطوارئ العربية المتكونة من قوات سعودية ومصرية وسودانية وأردنية، التي أرسلت إلى الكويت بعد اتفاق بين الأمين العام والحكومة الكويتية([27]). وفي 10/أيلول/1961 استدلت القوات البريطانية بقوات الطوارئ العربية وبقيت هذه القوات حتى كانون الثاني 1963 عندما سحبت المملكة العربية السعودية قوتهما من الحدود ([28])، بعد ذلك سقط نظام عبد الكريم قاسم وبادر نظام الحكم الجديد بقيادة عبد السلام عارف بيانات مطمئنة لمستقبل العلاقات العراقية الكويتية ولم تمضي سوى أسابيع قليلة حتى جددت الكويت طلباً بالانضمام إلى الأمم المتحدة وقبل طلبها في 7/ آذار/ 1963 لتصبح الدولة رقم 111 في الأمم المتحدة واعترفت الحكومة العراقية ضمناً بالكويت كونها عضواً في الأمم المتحدة وفي جامعة الدول العربية([29]).

النزاع بين دولتي اليمن (1972)

كان من المتوقع قيام صدام مسلح بين شطري اليمن، فلم يتفاجأ الكثير من المتتبعين لتطورات الوضع في هذه المنطقة بصفة خاصة، والشرق الأوسط بصفة عامة.

وقد يثير هذا الصدام الكثير من التساؤلات حول دوافعه الحقيقية، والأبعاد الممكن أن إليها، ومدى إمكانية نجاح الجامعة العربية في احتوائه.

لذلك فسيتم تناول نقطتين أساسيتين هما: العوامل التي أدت إلى تفجير الوضع بين شطري اليمن في هذا الوقت بالذات، ودور الجامعة العربية وإمكانيات نجاحه في حل المشكلة.

عوامل وأسباب الصراع:-

لا بد أن ترتكز العوامل الدولية التي تلعب دوراً في تغجير الصراعات الإقليمية وخاصة بين دولتين تجمعهما الكثير من الروابط كشطري اليمن، على معطيات وأسباب محلية وإقليمية تتيح له إمكانيات التأثير وتأجيج الصدام والصراع، ولعل أهم العوامل التي أدت إلى هذا النزاع هي([30]):-

أسباب المحلية ترجع إلى الظروف البيئية لشطري اليمن، تميزت الساحة اليمنية، في الشمال والجنوب في تلك المرحلة، بملامح من شأنها أن تدفع في اتجاه النزاع المسلح بين شمال اليمن وجنوبه، وأبرز هذه الملامح ما يأتي:

افتقار الأوضاع في شطري اليمن إلى الاستقرار الداخلي. ففي أقل ن عام واحد أحدث اغتيال لثلاثة من رؤساء اليمن وهم: المقدم الحمدي والمقدم الغشمي في الشمال وسالم ربيع في الجنوب فضلاً عن زيادة تأثير العوامل القبلية وانعكاساتها على الأوضاع في شمال اليمن وتقابل ذلك محاولات نظام الحكم ي جنوب اليمن وتقوية سيطرته ودعمها على أسس ماركسية، والقضاء على المعارضين له، بالإضافة إلى الخلافات السياسية بين شطري اليمن في ضوء تلك التطورات.

ويرتبط بالعنصر السابق، قيام حكومة في كل من شطري اليمن باحتضان القوى المناوئة لنظام الحكم في الشطر الآخر، فتتعاون حكومة صنعاء مع الجبهة الوطنية اليمنية الجنوبية بقيادة عبد القوي مكاوي الذي يناهض حكومة عدن أو تتعاون حكومة عدن مع الجبهة الوطنية الديمقراطية بقيادة سلطان أحمد عبد المناوئ لحكومة صنعاء. وقد شهدت مناطق الحدود بين البلدين العديد من عمليات التسلل والتخريب في كلا البلدين، وصلب إلى قمتها في عام 1972، ثم تجددت مرة أخرى على نطاق واسع بعد اغتيال المقدم الغشمي في 1978، وزيادة ضغط النظام في جنوب اليمن على حكومة صنعاء.

التخلف الاقتصادي والمشكلات الكبيرة التي تواجه كلا البلدين في مجال التنمية الاقتصادية، واعتمادها إلى حد كبير على القروض والمساعدات الخارجية، مما قد يجعل من تفجير الوضع على الحدود وسيلة للحصول على المساعدات والمعونات الخارجية، ولاسيما من السعودية بالنسبة لليمن الشمالي، ومحولة من اليمن الجنوبي لفك الحصار، وفرض التراجع عن قرار مجلس الجامعة العربية الذي صدر في يوليو 1978 بمقاطعتها اقتصادياً وسياسياً، بسبب دورها في اغتيال المقدم الغشمي في 24/6/1978 ([31]).

أسباب إقليمية تتعلق بالمناخ الذي ساد منطقة الشرق الأوسط آنذاك:-

أكدت تصريحات المسؤولين في شمال اليمن، الأهمية القصوى لبلادهم ي الدفاع عن آبار البترول في شبه الجزيرة العربية، وإن اليمن الشمالي يمثل آخر المواقع التي تفصل بين النفوذ السوفياتي والقوى الموالية له، وبين الثروة البترولية الهائلة. ويرتبط ذلك بالتطلع إلى الحصول على دعم ومساعدات السعودية ودول الخليج العربي لتدعيم قيام اليمن بهذا لدور، يؤكد ذلك اجتماع على أعلى مستوى لدول الخليج العربي لمناقشة الوضع على حدود اليمن.

ومن جهة أخرى يرغب اليمن الجنوبي في إثبات قدرته وقوته على لعب دوراً مؤثراً في جنوب البحر الأحمر، بالرغم من قرار الجامعة العربية بمقاطعته، وفي ظل تزايد النفوذ السعودي في المنطقة بصفة عامة، خاصة بعد تقلص الدول الإيراني فيها.

أسباب دولية تعود إلى الصراع الدولي في منطقة البحر الأحمر:

لم تكن أهمية منطقة شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي بالنسبة للقوتين الأعظم، في حاجة إلى إيضاح ، فهذه المنطقة لا تمتلك فقط أضخم احتياطي بترولي في العالم فحسب بل إنها أيضاً تتحكم في طرق المواصلات الرئيسة لنقل البترول إلى الغرب، مما يعد مألة تتصل بأمن الولايات المتحدة اتصالاً وثيقاً، وفي نفس الوقت الذي تمثل فيه المنطقة أهمية استراتيجية قصوى في ضوء الصراع بين القوتين الأعظم في المحيط الهندي وأفريقيا والشرق الأوسط، فأن المنطقة كانت تمثل أهمية مستقبلية كبيرة الاتحاد السوفياتي السابق في مجال الطاقة، ومن هذا يمكن أن نشير إلى النقاط الآتية([32]):-

وترتبط تلك الأسباب بالتطورات التي تشهدها المنطقة إبان تلك الفترة، ففي الوقت الذي آدت فيه أحداث إيران إلأى تخليها عن أهم أدوارها في الاستراتيجية الأمريكية، وهو دور الشرطي في منطقة الخليج، وقيتم بعض العراقيل أمام جهود السلام في الشرق الأوسط، وتزايد النفوذ السوفياتي في القرن في القرن الأفريقي، وإزاء الأهمية الحيوية التي يمثلها باب المندب، سواء كممر لنقل البترول إلى غرب أوربا وأمريكا، أ كممر تجاري وحربي يربط بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، فإن كلاً من شطري اليمن يحاول أن يثبت قدرته وأهميته، في أن يلعب دوراً معيناً يتمثل فيما يلي:-

كان الاتحاد السوفيتي يحرص على تدعيم نفوذه ووجوده في أثيوبيا واليمن الجنوبية الجزء من استراتيجيته في المحيط الهندي وأفريقيا، وتعويضها ما فقده في مصر بصرة ما، وقد أبرز حرصه على الحفاظ على لبحر الأحمر مفتوحاً للملاحة الدولية، وأعرب عن معارضته لتحويله لبحيرة عربية، وذلك في ظل الاتجاه المعادي له في معظم الدول العربية المطلة عليه، ويرتبط ذلك بالتأكيد بكون البحر الأحمر أقصر الطرق أمام الاتحاد السوفيتي للوصول إلى المحيط الهندي، عبر الممرات التركية وقناة السويس وباب المندب. كما أن هناك عام لمضاف إلى ذلك وهو سعيه لتدعيم نفوذه ووجوده على مشارف أكبر مصدر للطاقة في العالم، فأنه يحاول في الفترة الأخيرة منازلة السعودية أو على الأقل عدم الدخول معها في خلافات كبيرة، أملاً في تطوير العلاقات معها على نحو أفضل.

أما بالنسبة للولايات المتحدة فإن الأمر يعد أكثر خطورة، خاصة بعد التغيرات الحاصلة في إيران وخوفها من امتداد تأثيرها على بعض دول المنطقة، بما يؤثر على المصالح الأمريكية أيضاً ، على استمرار البحر الأحمر ومفتوحاً للملاحة الدولية، وعلى تأمين طرق نقل البترول إلى الغرب، بالإضافة إلى تدعيم نفوذها ووجودها في المنطقة ومقاومة النفوذ السوفيتي. وبعد الإطاحة بعرض الشاه في إيران بدأ الحديث في الأوساط الأمريكية يدور حول الغرف في المنطقة وضرورة أن تملأ قوة أخرى، وقد دارت جهود هارلود براون وزير الدفاع الأمريكي، في أثناء زيارته للمنطقة في شباط 1979 في هذا الاتجاه، وكان م الضروري إبعاد الحاجة المتزايدة لدول المنطقة إلى المعونة والمساعدة الأمريكية لتأمين أمنها([33]).

وعلى الرغم من تداخل العوامل المحلية والإقليمية والدولية والسلف ذكرها، وتفاعلها معاً بشكل أدى إلى معارك مؤسفة بين شطري اليمن واستمرار ذلك عدة أيام، فأنه يمكن القول، بأن النزاع بين الطرفين كان يمكن تطويقه بسهوله، ولم يكن أمامه على الأقل قرصة كبيرة للتفاقم وذلك لأن المناخ العام الذي كان سائداً في المنطقة العربية والرغبة العربية في ضرورة تدعيم التضامن العربي وتطويق الخلافات العربية أتاح فرصة لموجهة المشكلات الأكثر أهمية بالنسبة لمستقبل المنطقة. وكان المشجعة في هذا المجال قبول شطري اليمن وساطة الجامعة العربية، وموافقتها على وقف إطلاق النار بينهما، بالإضافة إلى أن اليمن الشمالي ليس من مصلحته توسيع نطاع النزاع، لاسيما في ظل ضعفه العسكري وإن كان النزاع مناسبة للحصول على التعهدات العلنية من حكومة عدن من عدم التدخل في شؤونها الداخلية، ولاسيما مساعدة عدن للجبهة الوطنية الديمقراطية المناوئة للحكم في صنعاء.

كما إن اليمن الجنوبية وعلى الرغم من تفوقه العسكري ليس من مصلحته أيضاً تطور النزاع وتوسعه لاسيما في ظل عدم القبول العربي العام لاتجاهاته السياسية. غير إن النزاع يمثل مناسبة للتخلص من آثار قرار الجامعة العربية بمقاطعتها، وإجبار اليمن الشمالي على وقف تعاونه مع لجبهة الوطنية اليمنية الجنوبية، وإذا الكان النزاع بين شطري اليمن قد أظهر الحاجة إلى المساعدات المعونات الأمريكية بالنسبة لدول شبه الجزيرة العربية، مما قد يدفع في اتجاه الاستجابة بشكلٍ ما للمشروعات الأمريكية القامة بالنسبة للمنطقة بشك لٍ عام، فإن النزاع من جهة أخرى ومخاطر توسعة على حساب كل من المصالح الأمريكية والسوفيتية على حدٍ سواء يدفع باتجاه الاتفاق بين القوتين الأعظم ضماناً لاستقرار الأوضاع في الجزيرة العربية وتأمين جنوب البحر الأحمر نبياً عن مخاطر الصراع في المحيط الهندي([34]).

يعدّ النزاع الحدودي بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي عام (1972) من النزاعات التي حققت الجامعة العربية نجاحاً ملحوظاً في تسويتها، إذ حدث تصادم عسكري مسلح بين الدولتين على الحدود في سبتمبر (1972)، وقد أجتمع مجلس الجامعة في الشهر نفسه ، وأصدر توصية بان يقوم الأمين العام بالصلح بين البلدين، وان تتولى (لجنة مصالحة) مؤلفة من وزراء خارجية الجزائر وسوريا والكويت وليبيا ومصر، برئاسة الأمين العام، تسوية الخلاف، وقد أسفرت جهود اللجنة عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وانسحاب القوات المتحاربة من منطقة الحدود([35])، ووقف الحملات الإعلامية المضادة وفي /تشرين الأول من العام نفسه، وتحت أشراف الجامعة العربية، وقعت الدولتان اتفاقا للسلام واتفاقية اتحادية مما اسهم في تسوية النزاع.([36]) ويمكن القول أن بعض عوامل النجاح كانت قد توفرت للجامعة العربية لتناولها موضوع النزاع بين شطر اليمن ومنها قبول طرفي النزاع لوساطتها، والإجماع العربي على ضرورة تطويق الأزمة وحلها، وقد جاءت موافقة شطري اليمن على وساطة الجامعة العربية انطلاقاً من رغبة اليمن الشمالي في إيجاد تعبئة عربية من خلال الجامعة ضد اليمن الجنوبية، واتخاذ قرارات تضمنها الدول العربية، أما اليمن الجنوبي فقد رغب باستعادة مكانته بين دول الجامعة العربية وإنهاء تأثير قرار مقاطعته واثبات حسن نيته للدول العربية الأخرى ([37]).

وقد عكس النشاط الطارئ الذي سبق عقد الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية الذي عقد على مستوى الوزراء الخارجية العرب في الكويت في الفترة من 4-6/آذار/1979، عكس رغبة عربية عامة في ضرورة التغلب على الأزمة، برغم التوتر الذي صاحب استدعاء القوات السعودية المشتركة في قوات الردع في لبنان وإعلان حالة الطوارئ في القوات السعودية، كما عكس رغبة مكل من شطري اليمن في إيضاح موقفه ووجهة نظره في الصدام لباقي الدول العربية، وقد تمثل ذلك في الزيارات التي قام بها مسئولو الدولتين لباقي الدول العربية، وكذلك زيارة الوزير الخارجية السعودي لكل من العراق وسوريا والأردن وأسفرت تلك الجهود عن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار اعتباراً من الساعة الثامنة من صباح يوم 3/3/1979 وتقديم مقترحات عدة لحل الخلافات بين الدولتين من جانب السعودية والعراق وسوريا والأردن والجزائر وبعد مناقشات مطولة تضمنت القرار الذي اتخذه مجلس الجامعة في نهاية دورته أسلوباً مناسباً لحل الخلاف بين البلدين، ووافقت الدول العربية بالإجماع جاء فيه:-

تقوية وقف إطلاق النار بين شطري اليمن، وتحديد مدة عشرة أيام لاتمام انسحاب قوات كل من البلدين إلى داخل حدودها.

الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية من قبل أي من أطراف النزاع للآخر، أو من قبل أي طرف ثالث، وذلك إشارة واضحة للجماعات المنشقة في كلا البلدين والتي تعاونها حكومة الدولة الأخرى.

وقف الحملات الإعلامية بين البلدين وفتح وإعادة الصلات الطبيعية بينهما بما في ذلك العلاقات التجارية وانتقال الأفراد مما يعتبر تراجعاً عن قرار مجلس الجامعة في حزيران 1978 في مقاطعة اليمن الجنوبي لدوره في اغتيال الغشمي.

وإزاء افتقار الجامعة العربية لأداة تضمن تنفيذ قرارتها فقد قرر المجلس تشكيل لجنة متابعة من وزراء خارجية كل من الأردن ودولة الأمارات العربية والجزائر وسوريا والعراق والكويت ومنظمة التحرير الفلسطينية، بالإضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية، لإشراف على تنفيذ هذا القرار والدعوة لإقامة حوار بين الحكومتين الشقيقتين على مستوى القمة لإعادة الأوضاع الطبيعية بينهما ومما يحقق أهدافهما المشتركة.

تشكيل لجنة إشراف عسكرية تضم بالإضافة إلى شطري اليمن الدول الأعضاء في لجنة المتابعة وتكون تحت إشراف جامعة الدول العربية على أن تتحمل أعضاء الجامعة النفقات التي تتطلبها هذه المهمة حسب كل منها في ميزانية الجامعة.

يكون للجنة المتابعة الحق في دعوة مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية، لعرض أي تطور يتعارض مع هذا القرار من أجل تحديد المسؤولية، كما تقدم لجنة المتابعة والأمين العام للجامعة تقريراً في أول اجتماع لمجلس الجامعة يتضمن لمراحل تنفيذها القرار([38]). وإذا كانت لجنة الإشراف العسكرية قد بدأت أعمالها فوراً وكان من المنتظر تشكيل قوة مراقبة عربية على الحدود بين شطري اليمن فقد كانت هناك جهوداً لعقد مؤتمر قمة بين رئيس الدولتين للعمل على تسوية النزاع بين بلديهما، ونستطيع أن نقول إن القرار الذي اتخذته الجامعة العربية قد تجاوب مع رغبات كل الأطراف، وكفل وسيلة مناسبة لتنفيذه ومتابعته، ولتسوية النزاع بين البلدين وبالتالي فقد كانت له فرصة كبيرة للنجاح ولاسيما في ظل تجاوب شطري اليمن والسعودية ورضائهم عن هذا القرار، وإذا كان موقف جامعة الدول العربية يدل على قدرة الأمة العربية على تجاوز خلافاتها واحتواء مواطن الضعف فيها بسرعة، فإن هدوء الأوضاع بين شطري اليمن وتسوية نزاعهما والتهيؤ لاستئناف مسيرة الوحدة بينهما، كان في حاجة إلى كثير من الجهود من جانب كلا الطرفين بما يحتاجه من إخلاص ووفاء للمصلحة العربية العليا، وللمستقبل العربي بعيداً عن الأحلاف والتكتلات والمحاور.

ويؤخذ على تسوية جامعة الدول العربية لهذا النزاع بأنها وقتية وليست نهائية، فهي لم تنه النزاع بل بقى ساكناً حتى اندلع من جديد عام (1982) وتدخلت الجامعة لوقف القتال، وتدخلت الكويت للوساطة بين الدولتين وعقد اجتماع في الكويت لتسوية النزاع وتم وقف إطلاق النار بينهما.([39])

وقد قامت منازعات حدودية عديدة بين الدول العربية في عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ولاسيّما في منطقة الخليج العربي-  وسوف لن أتوسع بها إلا  فيما يخدم الدراسة لأنها خارج الفترة الزمنية التي تغطيها هذه الدراسة – وأهم هذه النزاعات:

النزاع بين قطر والبحرين والذي أثير عام (1986) إذ أخفقت الجامعة في تسوية النزاع وتطلب الأمر إثارة الموضوع على المستوى الدولي بطلب التحكيم الدولي([40]).

 إن الدور الذي قام به مجلس الجامعة العربية في تسوية النزاعات الحدودية بين دول الخليج العربي([41])، يعد دوراً محدوداً على الرغم مما أبداه المجلس من موقف تجاه تلك الدول منذ مؤتمر القمة الأول عام (1964)([42]).  وقد يعزى ذلك إلى تزمت تلك الدول في مواقفها وما تبديه من اعتزاز تام بالسيادة وحسابات الربح والخسارة، ولا سيما بسبب وجود البترول في الأراضي المتنازع عليها، ولذلك تتعامل بحذر مع أية وساطـة([43])، ممـا يحول دون حل تلك الأزمات ([44]). ويجعل تدخل المجلس فيها هامشياً وغير مرضٍ ولهذا – على سبيل المثال – لم يتدخل مجلس الجامعة العربية في النزاع القطري- البحريني حتى عام (1986) بعد أن دخل النزاع مرحلة الصدام المسلح، وعلى الرغم من خطورة الموقف آنذاك والحاجة الماسة لتدخل الجامعة([45])، إلا  إن هذا التدخل جاء عبر وساطة محدودة لا تتلاءم مع دور المجلس باعتباره صاحب الاختصاص العام في اتخاذ القرارات والتوصيات بغية تحقيق أهداف الجامعة العربية([46]). ولم يتدخل الأمين العام للجامعة في النزاع القطري – البحريني، على الرغم من المدة الطويلة التي مرت على هذه المشكلة إلا  عام (1997) إذ أعلن عن استعداده للقيام بالوساطة بين الطرفين، بغية تسوية النزاع، وهذه الدعوة على الرغم من تأخرها فإنها تثير الشكوك حول هذا التأخير، وهي دعوة ضعيفة جاءت مشروطة بموافقة الطرفين بالتدخل وإجراء الوساطة([47]). وبالطبع فشلت هذه المحاولة للحساسية الشديدة التي تعاملت بها الدولتان ( قطر، البحرين)([48]).  وكذلك بالنسبة للنزاع بين العراق والكويت عام (1990) ومن مراجعة الوثائق التي قدمت من كلا البلدين إلى الجامعة العربية نلاحظ ان دور الجامعة لم يكن فعالا تجاه الأزمة بسبب التصاعد السريع لتلك الأزمة، ولاسيّما بعد فشل الجهود العربية من جانب بعض الدول العربية لاحتوائها ولاسيّما من جانب مصر. وبعد دخول القوات العراقية إلى الكويت تغير موقف الجامعة العربية فكانت دعوة مصر لمؤتمر القاهرة في 10 / أغسطس / 1990، وجاءت قرارات القمـة بأغلبية (12) من (20) حضروا القمة وجاءت مواقف الدول الثمان متباينة، إذ رفض كل من العراق وفلسطين وليبيا القرارات، وتحفّظ السودان والأردن وموريتانيا عليها، في حين امتنع الجزائر واليمن عن التصويت ولم تحضر تونس المؤتمر، وجاءت قرارات القمة رافضة للغزو العراقي ومطالبة بعودة الشرعية إلى أصحابها، إلا ان إنشاءها أبرز خطوة جديدة تمثلت في الموافقة على إرسال قوات مسلحة عربية إلى السعودية ودول الخليج لمساندتها والدفاع عنها وبالفعل ساهمت تلك القوات إلى جانب قوات حلف شمال الأطلسي تحت مظلة قرارات صادرة عن مجلس الأمن في العمليات العسكرية ضد العـراق عـام (1991).([49]) وقد أثيرت في هذه الفترة مجموعة من النزاعات على الحدود بين الدول العربية ولاسيّما في العقد الأخير من القرن العشرين([50])، منها مشكلة الحدود بين اليمن الموحد والسعودية([51])، والنزاع الحدودي بين مصر والسودان حول حلايب، والنزاع بين قطر والسعودية وكثير من النزاعات في منطقة الخليج العربي والتي تم احتوائها خارج نطاق جامعة الدول العربية، أو على المستوى الثنائي أو بواسطة الهيئات الدولية.([52])

وفي الواقع ان بعض نزاعات الحدود العربية – العربية قابلة للتفجير في أي وقت وذلك نظراً لعدم وجود تسوية شاملة لكل جوانب هذه النزاعات ولعدم وجود آلية عربية ملزمة لتسوية النزاعات الحدودية بين الأعضاء.([53])

النزاعات الحدودية العربية – العربية في المغرب العربي

النزاع المصري- السوداني عام (1958) ([1])

ضم محمد علي باشا عام 1821 السودان إلى مصر بعد أن قضى على آخر مملكة سودانية (مملكة الفونج في سنار) ليصبح السودان من دولة محمد علي وخلفائه من الخديويين([2]). ولن تنتهي السيطرة إلا عام 1898 بعد صراع عنيف مع جماعة المهدي([3])، وكان الخديوي يعتمد على قوة البريطانيين، وقد حدثت معركة في 21/أيلول/ 1898 بين المصريين ضد جماعة المهدي عرفة بمعركة (كرري) أسفرت عن خضوع السودان لاحتلال الجيش البريطاني – المصري وإقامة نظام حكم ثنائي استمر حتى عام 1924 بعد انسحاب القوات المصرية من السودان([4]). وقد وقعت في عام 1898 اتفاقية بين بريطانيا والسلطة الخديوية عرفت باتفاقية الحكم الثنائي، وقعها عن الجانب البريطاني اللورد كرومر في حين وقعها عن الجانب المصري وزير الخارجية بطرس غالي. وقد جاء في مقدمتها إثنتي عشرة مادة حددت الأولى حدود السودان في الأراضي الواقعة جنوب خط 22 من خطوط العرض ويعني ذلك أن حلايب خارج الحدود لأنها تقع شمال خط 22([5]).

واستمر السودان تحت الحكم الثنائي البريطاني – المصري حتى تشرين الثاني 1924 عندما حكمت بريطانيا قبضتها على مصر وأرغمت على الانسحاب من السودان بعد مقتل السير (لي ستاك)([6]).

 وفي نهاية عام 1956 حصل السودان على استلاله واعترفت به بريطانيا ومصر، وقد حرصت مصر على أن تتضمن وثيقة اعترافها باستقلال السودان ما يشير إلى استمرار حكومة السودان في راعية الاتفاقيات والمعدات التي عقدت أثناء فترة الحكم الثنائي([7]).

وهذا ما جعل الحكومة السودانية تفسر هذه الوثيقة بمثابة اعتراف مصري صريح بعملية ترسيم الحدود المصرية – السودانية بما فيها منطقة حلايب، حيث أن الدستور السوداني الذي صدر عام 1956 نص على إن الأراضي السودانية تشمل جميع الأقاليم التي كان يشملها السودان الانكليزي المصري قبل العمل بهذا الدستور لاسيما تأكيد السيادة على مثلث حلايب([8])، ولم تعترض مصر على هذا النص ولكن صمتها لم يدم طويلاً بل سرعان ما تفجرت أزمة العلاقات بين الدولتين عام 1958 عرفت بأزمة الحدود المصرية- السودانية حول مثلث حلايب الذي يقع جنوب شرقي مصر قرب البحر الأحمر والذي يعرف أيضاً بمنطقة (علبة)([9])، وتشغل منطقة حلايب رقعة جغرافية واسعة تشكل مايشبه ا لمثلث المتساوي الساقين تمتد قاعدته التي طولها (300 )كم مع خط عرض (22) شمالاً وطول كل من ضلعيه الشرقي البحري والغربي الصحراوي نحو (200) كم وتصل مساحتها إلى (18000) كم مربع([10]).

 عاصرت هذه الأزمة (أزمة حلايب) الرئيسين المصري جمال عبد الناصر والسوداني عبد الله خليل (رئيس الوزراء وسكرتير عام حزب الأمة الذي كان يقود أئتلاف الحكم في السودان في ظل الدستور الموقت عام 1956)([11])، وقد كان من أسباب هذه الأزمة الانتخابات البرلمانية في السودان في شباط 1958 والتي تزامنت مع الإعداد للاستفتاء في مصر وسوريا لاختيار رئيس للجمهورية العربية المتحدة بعد قيام الوحدة بين البلدين 1958، فقد أصدرت السودان قانون للانتخاب وقررت إدخال مثلث حلايب ضمن الدوائر الانتخابية ضمن مديرية البحر الأحمر، مما دفع الحكومة المصرية إلى التعجيل بتقديم مذكرة إلى حكومة السودان ترفض فيها إدخال أي مناطق شمال خط العرض (22) وتقصد بها حلايب ووادي حلفاف ضمن المناطق الانتخابية السودانية ([12]). إذ رأت الحكومة المصرية إن هذا التقسيم السوداني يناقض اتفاقية عام 1899 وطالبت بحقها في استعادة مثلث حلايب ضمن مذكرة رسمية ولكن السودان تجاهلت هذه المذكرة([13]). وهذا ما دفع مصر لإرسال قوات عسكرية إلى مثلث حلايب واحتلته ومنعت السودان من القيام بالانتخابات، وكان رد فعل السودان أن عرضت القضية على مجلس الأمن رغبةً منها بتدويلها، وعلماً منها أن مصر لا تحض بقوة تصويتية داخل المجلس بسبب مواقف جمال عبد الناصر اتجاه الدول الكبرى الفاعلة في مجلس الأمن. لذلك آثر جمال عبد الناصر التوقف عن مجابهة السودان في هذه القضية التي خضعت للمؤثرات الدولية التي لا يمكن أن تنفع فيها إلا الوثائق الرسمية التي تثبت الحقوق التاريخية([14]). مما جمد النزاع الحدودي بين الدولتين حول مثلث حلايب ولم يتحرك إلا في بداية التسعينات من القرن الماضي([15]).

أظهرت جامعة الدول العربية قدراً من اللاكفاءة في النزاع المصري- السوداني الذي نشب بسبب تخطيط الحدود بين البلدين في فبراير عام (1958)، فكان إخفاقها جلي الوضوح على المستويين الثنائي – في شكل المفاوضات بين البلدين – والجماعي- في تسوية النزاع، فعندما قدم مندوب السودان مذكرته إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، لم يحاول الأمين العام ان يطلب عقد اجتماع لمجلس الجامعة في دورة غير عادية، كما لم تبادر أية دولة عربية بطلب عقد مجلس الجامعة ولا لمجرد التدخل لتسوية النزاع.([16]) وقد عملت السودان على نقل المسألة في الوقت نفسه إلى الأمم المتحدة وأنتقل بذلك النزاع المصري- السوداني إلى مجلس الأمن واستمر النزاع قائما إلى ان تمت تصفيته عندما أبرمت اتفاقية توزيع المياه عام (1958).([17])

الحرب الجزائرية – المغربية عام (1963)

إن كلاً من الجزائر والمغرب دولتان عربيتان تقعان في الجزء الشمالي لقارة أفريقيا، ويرتبطان بتاريخ طويل مشترك في كفاحهما ضد الاستعمار لفرنسي. فضلاً عن ذلك فقد ارتبطت كلتا الدولتين بعد استقلالها بمجموعة من المعاهدان فقد ارتبطت كلتا الدولتين بعد استقلالها بمجموعة من المعاهدات الدولية([18]). وتعهدت بموجب هذه الاتفاقيات والمعاهدات كل منهما بعدم استخدام القوة في فض ما قد يقع بينهما من منازعات أو خلافا. ومع كل هذا فقد وقع بين الدولتين في الثامن من تشرين الأول 1963 اشتباكاً خطيراً مسلحاً بادرت على أثره كل من جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية إلى محاولة تسوية النزاع، وكانت هناك شبه منافسة بين هاتين المنظمتين الدوليتين([19]). وتغلبت في هذه المنافسة منظمة الوحدة الأفريقية إذ تمكنت من إنشاء لجنة رباعية من رؤساء كل من الجزائر والمغرب ومالي وأثيوبيا واجتمعت تلك اللجنة في مدينة باماكو عاصمة مالي فيما بين 29 و30 تشرين الأول، وتوصلت إلى إصدار قرار بإيقاف إطلاق ا لنار بتاريخ 31/ تشرين الأول/1963، وتشكيل لجنة رباعية عسكرية يناط بها تعيين منطقة تكون منزوعة السلاح تقع بين الدولتين المتنازعتين ([20]).

كانت المغرب ترى أن حقها التاريخي في الأراضي المتنازع عليها في الجزائر يشمل تلك الأراضي الصحراوية التي ضمها الاستعمار الفرنسي إلى الجزائر، وهي نشوات وكفاريا وتشار وتندوف والت كان المغرب يأمل باسترجاعها دبلوماسياً فضلاً عن المطالبة المغربية بإقليم موريتانيا([21]).

ونرى أن تطبيق مبدأ الحق التاريخي للمملكة المغربية يحمل بين طياته سيطرة مغربية على مناطق شاسعة في شمال أفريقيا ومنها الأراضي الجزائرية، وتعتمد المغرب ففي حججها على الاتفاقية التي وقعها السلطان المغربي مولاي عبد الرحيم (1822-1859) وهي معاهدة (لا لا مغنيية) في 18/آذار/1854 والتي تضمنت تحديد الحدود بين الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية الشرفية ولقد اشتملت تلك الاتفاقية على تعيين تفصيلي لحدود الإقليمية السياسية بين الجزائر والمغرب ابتداءً من سواحل البحر الأبيض المتوسط حتى المنطقة المسماة (ثنية الساسي) واعتبرت قرية (ابشي) و (فيجيح) تابعة للمغرب وما عداها تابعة للأقلبيم الجزائري. أما المناطق الصحراوية جنوب بلك المناطق فلقد أعلنت المعاهدة بحكم واقع خلو الاقليم الصحراوي من السكان. لذلك فأن أية محاولة لوضع الحدود ستكون عديمة الجدوى([22]).

لذلك فالمنطقة الغير محددة أصبحت بؤرة نزاع لعدم تحديدها وصعوبة ذلك في الصحراء، مما مهد للسلطات الفرنسية توسيع رقعة الحدود المسيطر عليها من الجزائر، فضمت واحات (توات) و (تندوف). وفي عام 1912 لجأت السلطات الفرنسية إلى تعيين جديد للحدود المسمى بخط (فارنييه) بين (ثنية الساسي) و (كولمب بشار) واعترف السلطان المغربي عام 1928 بذلك الخط. وأصبح وادي دراع هو الحدود الواقعة بين البلدين وما زال كذلك، والجدير بالذكر أن المغرب لم تعترف بعد الاستقلال بخط فارنييه لكونه فرض بالقوة حسب ادعائها([23]).

وفي أثناء الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي ضغطت الحكومة المغربية على الحكومة الجزائرية المؤقتة عندما لاح لها إمكانية تحقيق النصر القريب (فعقد في 6/تموز/1961اتفاق سري بشأن قضية الحدود لم تنشره الرباط إلا ف 2/ أيلول/ 1963)([24])، حينها اشتد النزاع على الحدود بين الدولتين وكان هذا الاتفاق ينص على إن الاتفاقيات والتسويات التي سوف تسفر عنها المفاوضات الفرنسية – الجزائرية لن تتطرق إلى ما يتعلق بتحسين الحدود بين المغرب والجزائر([25]).

وبعد استقلال الجزائر أصرت المغرب على تعيين جديد للحدود قابلته الجزائر ببرود مما أسفر عن اندلاع حرب الحدود بين الطرفين من أيلول حتى تشرين أول عام 1963. ويمكن أن يعزى السبب الجوهري لذلك النزاع هو اكتشاف الحديد بكميات ضخمة عام 1952 من مناطق تمتد مساحتها لمسافة 800 كم شمال غربي بشار إلى 150 كم جنوب تندوف([26]).

وهذه المناطق تحتوي على كميات كبيرة من الحديد بنسبة تبلغ 50%  في التربة ([27]). وقد انعكست آثار تلك الحرب المحدودة على مسألة الصحراء الغربية ولدت شعوراً خفياً بالعداء بين النظامين ومحاولة كلا الدولتين الاستعداد لدحض مخططات التوسع أو الكسب السياسي إذ أن المغرب تعمل على أن تكسب حياد الجزائر إزاء قضية الصحراء كحد أدنى لمطاليبها، ولكن تأثير الجزائر أجبر المغرب على أن تتراجع عن موقفها إزاء موريتانيا. وحاولت استقطابها للوقوف أمام الموقف الجزائري الداعي لإقامة دولة صحراوية. وهذا يعني فيما يعنيه عدم تمكن المغرب من تحقيق (وحدتها الترابية) كما ترى تحت شعار حق تقرير المصير([28]).

حققت الجامعة العربية نجاحا محدودا في التعامل مع الحرب الجزائرية – المغربية التي نشبت في شهر أكتوبر عام (1963) على الحدود بين البلدين([29])، فقد عقد مجلس الجامعة اجتماعا غير عادي بناءً على دعوة الأمين العام عبد الخالق حسونة في 19 أكتوبر/1963، واصدر قرارين يدعوان الدولتين إلى سحب قواتهما المسلحة إلى مراكزها السابقة لبدء الاشتباك المسلح مع تكوين لجنة وساطة عربية لاتخاذ الإجراءات التي يقتضيها حسم النزاع بالطرق السلمية.([30]) وقد رفضت المغرب قرارات الجامعة بهذا الخصوص لأنها تدعي ان الأراضي التي احتلتها تعود إليها.([31])وتوسطت عدة دول عربية لمنع استخدام القوة إلا  أنها لم تنجح، وفشلت بذلك المبادرة العربية وانتقلت ساحة النزاع إلى منظمة الوحدة الأفريقية.([32]) وكان الاتصال المباشر الذي تم بين رئيسي الدولتين المتنازعتين أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربي الأول في كانون الأول (1964) قد أدى إلى إبرام اتفاق بين الدولتين بشان تدابير إنهاء القتال غير ان هذه التسوية لم تكن بسبب مبادرة جديدة من جامعة الدول العربية ولكن بسبب التقاء الرئيسين في ساحة الجامعة.([33]) وبذلك يمكن ان نقول ان الاتصال المباشر بين رؤساء الدول العربية في إطار الجامعة العربية قد يكون من العوامل الفعالة في تسوية النزاعات العربية.([34])

النزاع حول الصحراء الغربية (المغربي -الجزائري – الموريتاني ) (1976)([35])

كان لمشكلة الصحراء الغربية أهمية كبيرة من الناحتين الاقتصادية والسياسية، فبسبب مواردها الطبيعية الضخمة من الفوسفات واليورانيوم الحديد والنفط بالإضافة إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي قرب أحد أهم الممرات المائية في العالم (مضيق جبل طارق) فقد نالت الصحراء الغربية اهتمام ثلاثة دول عربية (المغرب والجزائر وموريتانيا) بالإضافة إلى الاهتمام التاريخي للمستعمر الأسباني الذي سيطر على أقليم الصحراء لفترة طويلة من الزمن إذ كانت الصحراء الغربية تمثل البوابة الموصلة إلى المستعمرات الأوربية في القارة الأفريقية، ومما زاد من تلك الأهمية التنافس الاستعماري بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربا الغربية بسبب المواد الأولية وأسواق تصريف الإنتاج الرأسمالي بالإضافة إلى أهمية موقع الصحراء الغربية بالنسبة للولايات المتحدة في مواجهة الساحل الشرقي للأمريكيتين، وإن عملية إفلات الصحراء الغربية من النفوذ الغربي سيسهل انسياب الوجود السوفياتي إلى المحيط الأطلسي الذي تعتبره أمريكيا بحيرة أمريكية وأي خطر فيه يهدد أمنها بشكل مباشر(([36])).

ومنذ أن نالَ المغرب استقلاله في ظل الدستور الملكي في 2/ آذار/ 1956 حتى بدأت المملكة المغربية بالمطالبة بمجموعة من الأقاليم المنسلخة عنها، فأثارت مسألة الصحراء الغربية بوصفها تمثل جزءاً من الكيان الموريتاني، وهي (موريتانيا) جزءٌ لا يتجزأ من المغرب العربي إذ إنها الإقليم الجنوبي فعندما قاد حزب الاستقلال دفة الانتفاضة الشعبية في المغرب العربي بهدف تحريره من السيطرة الاستعمارية الفرنسية الأسبانية، كانت أيديولوجية الحزب تؤكد الهدف السياسي الممثل بفكرة المغرب الكبير، إذ نشر (علال الفاسي) زعيم حزب الاستقلال، عام 1955 (وكان في ذلك الوقت منفياً في القاهرة) خريطة لما سماه بالمغرب الكبير التي جعلها أساساً لأهداف حزبه(([37])). وقد خاض جيش التحرير المغربي عمليات واسعة ضد الوجود الأسباني والفرنسي، وبسبب تدهور الأوضاع الداخلية الفرنسية من الناحيتين السياسية الاقتصادية فضلت فرنسا تحديد مواقع قتلها في المغرب العربي والتفرغ لقتال الثورة الجزائرية فبدأت مفاوضاتها مع المغرب نتج عنها استقلال المغرب العربي مع بقاء نفوذ فرنسي فيه وبذلك ألغيت معاهدة الحماية الفرنسية التي عقدت مع السلطان المغربي في 2/آذار/1952، وبذلك أصبح مركز أسبانيا لا يستند إلى أي أساس قانوني لأن المعاهدة المبرمة في 27/ تشرين الثاني/ 1912 بين فرنسا وأسبانيا بشأن الحماية في شمال مراكش ومناطق نفوذها في الصحراء الغربية أصبحت بحكم الملغاة([38]). لذا سارعت أسبانيا إلى دعوت السلطان المغربي إلى مدريد لإبرام اتفاقية ثنائية عرفت باتفاقية مدريد 7/نيسان/1956 لتنظيم مناطق النفوذ الأسبانية وهي تكاد تكون صورة لاتفاقية 2/آذار/1952 المعقودة بين المغرب وفرنسا([39]). وبذلك بدأ عصر جديد في تاريخ الصحراء الغربية هو عصر مناهضة الاستعمار الأسباني فكانت هناك ثورة في منطقة (آيفني وايت عمران) عام 1957 استعمل فيها الأسبان الطائرات لقصف المساكن واستطاع في النهاية جيش التحرير المغربي أن يطرد الأسبان من معظم الصحراء الغربية ويستولي على أهم مناطقها باستثناء المناطق الساحلية، إلا إن أسبانيا تمكنت وبمساعدة فرنسية من استرجاع معظم الأراضي المحررة، ودعت المغرب لمفاوضات أسفرت عن اتفاقية تنازلت أسبانيا عن منطقة (طرقاية) والمنطقة المحيطة بـ(سيدي أفندي)([40])، وكان حل جيش التحرير المغربي مقابل التوقيع على معاهدة (سنترا) في 8/آذار/ 1958 ثمناً لذلك، في حين تمسك الفرنسيون بموريتانيا([41]).وقد قام حزب الاستقلال المغربي بحملة كبيرة لاسترداد موريتانيا، وقد أعلن في جريدة العلم الناطقة بلسانه في تموز 1957 الحجج التي يستند إليها في مطالبة المغرب بموريتانيا ضد الإجراءات الفرنسية التي هددت بإنشاء جمهورية صحراوية باقتطاع الجزء الجنوبي من الجزائر والمغرب وموريتانيا، مؤكداً بذلك إقامة المغرب الكبير([42]).

وبعد أن قبلت موريتانيا كعضوٍ في الأمم المتحدة في 27/تشرين الأول/1961 ورداً على الحجج المغربية بأن موريتانيا جزءاً من اقليم المغرب الجنوبي، أصدرت موريتانيا الكتاب الأخضر الذي شرحت فيه الوثائق والمعاهدات التي أوضحت أن سلاطين المغرب لا يمتد نفوذهم أكثر من وادي (درعة)([43]). وبقيام موريتانيا كدولة مستقلة واعتراف المجتمع الدولي بها دخلت كعنصر جديد في النزاع حول الصحراء الغربية واعتبرتها الجزء المسلوب من الوطن الأم، وإذا كانت المملكة المغربية قد استمرت بالمطالبة بجميع أجزاء الصحراء الغربية من خلال المطالبة لكل موريتانيا باعتبارها تشكل الأمتداد الجغرافي لها فضلاً عن الأسس التاريخية والقانونية المتوفرة لدى المغرب، فإن موريتانيا بعد الاستقلال استعانت ببراعة بتلك الحجج التي قدمتها المغرب لمصلحتها فعمدت موريتانيا إلى رفع المطالبة بالصحراء الغربية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15/تشرين الأول/ 1964 إذ قدم المندوب الموريتاني في الأمم المتحدة مذكرة إلى لجنة تصفية الاستعمار مطالباً بالصحراء الغربية، وأبدا رغبة حكومته في الدخول في مفاوضات مع أسبانيا حولها([44]).

وقد كانت الجزائر تعلن في كل المناسبات إنها غير معنية بحركة البوليساريو وإنها تقوم بتقديم الدعم لها باعتبارها منظمة ترنو إلى الاستقلال وتحقيق مبدأ حق تقرير المصير وهو موقف مبدأي للجزائر وإن ليس لديها أطماع في تراب الصحراء الغربية، وقد نتج عن ذلك تأييد جزائري لمؤتمر القمة العربي السابق المنعقد في الرباط والذي نتج عنه اتفاق مغربي – موريتاني حول الصحراء الغربية، وكانت الجزائر تؤيد المؤتمر دون إعلان لمطاليبها(([45])). وفي الحقيقة إن هناك دوافع اقتصادية وسياسة غير معلنة لموقف الجزائر هذا، فلم تكن العلاقات بين المغرب والجزائر بمستوى جيد، فالمطالبة المغربية بإقليم (تندوف والملوية) التي تشكل الجناح الشرقي للمغرب العربي الكبير والضغوط التي مارستها المغرب قبل الاستقلال على الحركة الوطنية الجزائرية المتمثلة بجبهة التحرير الوطني الجزائري واختلاف النظم السياسية بينهما، أوجدت رصيداً من عدم توفر حسن النية من كلا الجانبين، وكانت المشكلات المعلنة وغير المعلنة سمةً للعلاقات الثنائية في تلك الفترة(([46])). وهذا الوضع أدى إلى نوع من الحذر الشديد من تحركات كل طرف إزاء الآخر وكان وراء موقف الجزائر من إقليم الصحراء هذا أسباب عدة أهمها تخوف الحكومة الجزائرية من إثارة المغرب لمشكلة الأقاليم الخاضعة للسيادة الجزائرية ولاسيما إن موضوع المطالبة بها مازال قائماً داخل المملكة المغربية سواء على صعيد الحكومة أو المعارضة. بالإضافة إلى حاجة الجزائر لممر عبر الصحراء الغربية إلى المحيط الأطلسي لتسويق حديد تندوف، إذ إن المسافة بين جنوب الجزائر والمحيط الأطلسي عبر الصحراء لا تزيد على (400كم)، في حين إن المسافة التي كان يصدر منها الحديد عن طريق ميناء وهران تقدر بـ(1600كم)، لذلك فقد كانت اقتصادية للجزائر لتسويق موادها الخام عبر الصحراء إلى المحيط الأطلسي، إن هذه الأهداف غير المعلنة بالإضافة إلى عوامل داخلية تمثلت بالمعارضة ونشاطها ومطالبها فضلاً عن المشكلات الاقتصادية، وعوامل خارجية تمثلت ببعض التأييد الدولي لموضوع حق تقرير المصير لشعب الصحراء، كل هذه العوامل والأسباب دفعت الجزائر إلى تأييد قيام الجمهورية العربية الصحراوية والاعتراف بها في اليوم الأول لإعلانها([47]).

وبعد أن دخلت الجزائر كطرف معني في مسألة الصحراء الغربية ووصلت إلى حالة بيان حرب مع المغرب بسببها في تشرين الأول 1963- كما أسلفنا- ساءت العلاقات الثنائية بين الجزائر والمغرب واستمرت الحالة هكذا حتى بداية السبعينات إذ شهدت تحركاً دبلوماسياً من لدن الدول الثلاث المغرب والجزائر وموريتانيا فكانت هناك اجتماعات بينهما نتجت عن تشكيل لجنة تنسيق ثلاثية تتكون من وزراء الخارجية، وعقدت أول اجتماع لها في 4/كانون الثاني/1972 في الجزائر، وأكدت قراراتها على تعزيز تماشياً مع التوجيهات التي حددها رؤساء دولهم في كل من (إيفران وتلمسان والدار البيضاء ونواذبيو)([48])، وتم الاتفاق على برنامج عمل لعرضه على رؤساء الدول الثلاث خلال اجتماعهم القادم في منتصف آذار 1972.

وعقد اجتماع ثاني للجنة أعلاه في 9/أيار/ 1972، وقد تم دراسة مستوى الإنجاز لما تم الاتفاق عليه سلفاً، بالإضافة إلى دراسة تحركات أسبانيا لخلق كيان سياسي مما يثير حفيظة جميع الأطراف ذلك أنها تمثل مظهر لتشبث أسبانيا بالصحراء الغربية، ولم تتوصل اللجنة إلى اتفاق على أسلوب لمواجهة هذه الحالات لذلك أحيل الأمر إلى اجتماع رؤساء دولهم في ضوء المستجدات([49]).  وفي مؤتمر قمة أغادير الذي أنعقد في 23/تموز/1973 فقد اتضحت فيها  مسألة الطريقة التي سيتم بها تقسيم الصحراء أو إبقائها ككيان مستقل، وقد اختلفوا على تحديد هذا التقسيم، وشجع هذا الاختلاف أسبانيا في استمرار بقائها ومناورتها في الصحراء الغربية فأرسلت حكومة أسبانيا رسالة للأمين العام لأمم المتحدة تضمنت قرارها بتطبيق حق تقرير المصير وعزمها على إجراء استفتاء خلال النصف الثاني من العام 1975([50]). واستطاعت بهذه المناورة أسبانيا أن تعزز الخلافات بين الدول العربية الثلاث فبدأت حملة من الاتصالات السرية أو العلنية، واستطاعت من ناحية أخرى أن تستدرج موريتانيا لإيجاد حل ثنائي فأيدت موريتانيا المغرب بطلبها المقدم إلى الجمعية العامة لأمم المتحدة بإحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية، وحاولت الجزائر بالمقابل نقل القضية إلى بساط البحث جماهيرياً في محاولة للتأثير على صيغة الاتفاق المغربي الموريتاني، إلا أنها لم تنجح في ذلك([51]).

حاولت محكمة العدل الدولية التحقق من أمرين أولهما هل كانت الصحراء وقت استعمار أسبانيا لها أرضاً بلا صاحب؟، وإذا لم تكن كذلك فما هي الروابط بين المغرب وموريتانيا؟، وقد أوفدت بعثة لتقصي الحقائق مكونة من إيران وساحل العاج وكوبا وباشرت أعمالها في 22/ نيسان /1975([52]). وبعد الإطلاع على الحقائق المتاحة لهذه اللجنة أصدرت المحكمة رأيها بأن الصحراء الغربية لم تكن إقليما تابعاً لأحد عند استعماره من أسبانيا وقد كانت هناك روابط قانونية بين الإقليم والمملكة المغربية، كما توجد روابط قانونية بين الإقليم وموريتانيا([53]). وبذلك أصبح المناخ السياسي لكل من المغرب وموريتانيا لإرضاء جميع الأطراف واستبعاد الجزائر فعقدت اتفاقية مدريد مع إمكان التوصل إلى حل سياسي مع الجزائر أو تحجيم قوة البوليساريو على المدى البعيد([54]). وقد تركزت المفاوضات في مدريد بين أحمد حمد الوزير المغربي الأول، وحمدي مكناس وزير الخارجية الموريتانية، وكارلوس نافارو رئيس الحكومة الأسبانية وانتهت بالتصديق على معاهدة مدريد في 14/تشرين الثاني/1975، وقد وضع في هذه المعاهدة أداة مؤقتة في الإقليم بمشاركة المغرب وموريتانيا وبالتعاون مع الجماعة الصحراوية وأنهي بذلك الوجود الأسباني بشكل نهائي في 28/شباط/1976([55]). وقد وقفت الجزائر موقف العداء لهذا الاتفاق وحملت اسبانيا المسؤولية لتجاهلها حقوق الشعب الصحراوي الثابتة وتشجيعها حالة عدم الاستقرار مما سيكون له عواقب وخيمة تهدد السلام والأمن في المنطقة([56]). وهذا ما دفع الجزائر إلى تنظيم جبهة البوليساريو ودعمها مادياً ومعنوياً للوقوف بوجه المخطط المغربي لإقامة (المغرب الكبير) على حساب جيرانه، واستطاعت البوليساريو بسبب هذا الدعم الجزائري تصعيد العمل العسكري واحتلال واجهة مدينة (لي جور) بعد انسحاب القوات الأسبانية منها بعد مواجهة أشبه بحرب العصابات ضد كل من المغرب وموريتانيا([57]). وتمكنت بعد ذلك البوليساريو من إعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في 27/شباط/1976، معلنةً بذلك رفضها الشديد لكل مشاريع التقسيم([58]). واندفعت بعدها البوليساريو نحو الصحراء في مواجهة الجيش المغربي والموريتاني، وكان أعنف هجوم قامت به هو هجومها على العاصمة نواكشوط في 8/حزيران/1976 مما دفع حكومة موريتانيا إلى اتهام الجزائر فقد أكد المندوب الموريتاني إن الجزائر قاموا بتمويل وتنظيم هؤلاء المتمردون بل وأمدوهم بالسلاح ودربوهم لمثل هذا العدوان([59]). وانقطعت بعد ذلك العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وكل من المغرب وموريتانيا، وحدثت بعد ذلك عمليات حربية داخل الأراضي الجزائرية فقامت في المغرب بالهجوم على واحة (أمغالا) باعتبارها مركزاً لتجمع قوات الصحراويين، وانسحبت في اليوم الثالث لبدأ الهجوم بعد مآسي كبيرة استخدمت فيها أسلحة متطورة وسقط ضحايا كثيرين([60]). واستمرت البوليساريو تعمل تحت المظلة الجزائرية وتحت شعار تحرير التراب الوطني الصحراوي وترفض أن تكون حكومة في المنفى لأن الجبهة لن تغادر الصحراء أبداً([61]). فكان هناك تياران متناحران في الصحراء الغربية الأول مثله المغرب وموريتانيا في محاولة للحفاظ على الوضع الراهن بشتى الطرق، والثاني مثله الجزائر وجبهة البوليساريو بهدف إفشال اتفاقية مدريد الثلاثية، وقد وجهت الجزائر كل جهودها العسكرية والدبلوماسية ضد موريتانيا باعتبارها الطرف الأضعف في التحالف، وفعلاً تمكنت من إحداث أزمة ومن ثم انقلاب عسكري في 12/ تموز/1978 وإسقاط حكم الرئيس الموريتاني المختار بن داداه، وسلمت الحكومة العسكرية الجديدة في موريتانيا إقليم الصحراء إلى جبهة البوليساريو في 5/آب/1979([62]). وأعلنت المغرب بعد مواجهات دامية أسر (100) جندي جزائري واستغلت المغرب هذا الموقف دبلوماسياً فكسبت الموقف العربي وتوسطت مصر لإطلاق سراح الأسرى الجزائريين([63]). وبدأت بعد رحيل الرئيس الجزائري هواري بو مدين في نهاية عام 1979 تلوح في الأفق بوادر ترميم العلاقات المغربية الجزائرية فقد كانت هناك اتجاهات جديدة في الجزائر ترى ضرورة إنهاء الخلاف المغربي الجزائري لتكاليفه الباهظة ولعد كفاية الوسائل الدبلوماسية وفشل الحلول العسكرية، وفي جانب آخر كان هناك اتجاه لدعم واستمرار سياسة بو مدين لتقرير مصير الصحراء الغربية ومساعدة البوليساريو في الاستيلاء على منطقة (وادي الذهب) الذي كان مجالاً لهجمات الجبهة التي تطورت قوتها إلى درجة لا يستهان بها وأخذت تشن هجمات على القوات المغربية مما دفع المغرب إلى إعلانه استعداده لمطاردة تلك القوات داخل الأراضي الجزائرية والموريتانية. واستمرت حتى عام 1981 إذ طلب ا لمغرب من منظمة الوحدة الأفريقية التدخل لتنظيم استفتاء لتقرير مصير سكان الصحراء الغربية([64]).

كان موقف الجامعة من النزاع حول الصحراء الغربية قد اختلف في درجته في مرحلتين، الأولى عندما كانت القضية تمثل قضية استقلال للمنطقة عن الاستعمار الأسباني، إذ كان موقف الجامعة إيجابيا في القضية، وكانت الجامعة وراء ضرورة تصفية الاستعمار فيها، وذلك على مستوياتها كافة، بما فيها مؤتمرات القمة العربية. واستمرت تلك المرحلة حتى عام (1976) عندما أنسحب الأسبان من الصحراء الغربية. تحول بعد ذلك النزاع من نزاع عربي – غربي (إسباني)، إلى نزاع عربي – عربي بين المغرب وموريتانيا من ناحية([65])، وبين الجزائر والبوليساريو من ناحية أخرى، وانتقلت ساحة النزاع إلى منظمة الوحدة الأفريقية والأمم المتحدة واقتصر دور الجامعة في هذه المرحلة من النزاع على وساطة الأمين العام محمود رياض ومساعيه الحميدة لتقريب وجهات نظر  الأطراف المتنازعة، كما قدم تقريراً إلى مجلس الجامعة عن تصوره لتسوية النزاع.([66]) ويمكن القول ان الجامعة العربية أخفقت في تسوية هذا النزاع الدائم والمتجدد.([67]) وفيما يلي سرد تاريخي لدور الجامعة  في هذا النزاع، ففي اجتماع مجلس الجامعة في شتورا بلبنان عام (1960) ساندت الجامعة المغرب بدعواه في ضم موريتانيا التي اعتبرها جزءاً من التراب المغربي. ولم تتمكن موريتانيا من الانضمام إلى الجامعة إلا  عام (1973) بعد ان اتفقت مع المغرب على إجراءات محددة لتقسيم الصحراء بينهما تمخضت عنها اتفاقية مدريد الثلاثية عـام (1975)([68]).

وبالرغم من اهتمام الجامعة العربية بقضية الصحراء الغربية منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، إلا  إنها نظرت إليها من خلال إطارها العام كقضية مطالبة عربية لإنهاء الاستعمار الأسباني ولم تتعمق في حلها بحكم ما أوجده الميثاق من قيود على صلاحيتها. إلا  أنها اتخذت بعض القرارات التي صدرت من مجلس الجامعة العربية والمؤتمرات العربية الأخرى وأهمها:

قرار مجلس الجامعة (3016) بتاريخ 7 / نيسان / 1973 بشأن العلاقات العربية الأسبانية.([69])

تضمن تقرير الأمين العام في الدورة الستين لمجلس الجامعة في أيلول (1973) عرض هذا الموضوع على مجلس الجامعة مع المذكرة التي أعدتها الأمانة العامة عن العلاقات العربية- الأسبانية.

تلقت الأمانة العامة بتاريخ 23/آذار/ 1975 مذكرة من الحكومة المغربية تطلب فيها طرح موضوع (سبته ومليله والجزر الجعفرية) على مجلس الجامعة في دورته الأخرى وقد تم عرض الموضوع على مجلس الجامعة الذي اتخذ التوصيات التالية:

أ.  التأييد المطلق للمملكة المغربية في مطالبتها باسترجاع (سبته ومليله والجزر الجعفرية وصخرة الحسمية وفاليس).

ب.  دعم الطلب الذي تقدمت به المملكة المغربية إلى لجنة تسوية الاستعمار لتطبيق المبدأ المعمول به من اجل التعجيل بتحرير المدنيين المغربيين.

ج.  بذل المساعي لدى الحكومة الأسبانية للدخول في مفاوضات مباشرة لإنهاء الاحتلال لهذه الأراضي المغربية إكمالاً لوحدة المغرب الترابية.

د.  ان يتابع الأمين العام الموضوع ويقدم تقريراً عنه في الدورة القادمة للمجلس.([70])

ولم تذهب الجامعة العربية ابعد من طرح مسألة الصحراء الغربية على أنها مسالة استعمارية ولم تتصدّ للتصدع الذي حدث بين المغرب وموريتانيا والجزائر جراء نزاعهما على الصحراء الغربية، ولكن قرار القمة العربية السابعة قد وضع الحد الفاصل لرأي الجامعة العربية على أعلى مستوى للحكام العرب بشان القضية الصحراوية الذي أيد فيه ضمناً اتفاق المغرب وموريتانيا ولم يتطرق القرار إلى الموقف الجزائري، ولم يعدّ الجزائر ضمنياً معنية بالأمر، فأقر تقسيم الصحراء بالحل الذي ارتأته الدولتين المغرب موريتانيا بل حثّ أسبانيا على الإسراع بحل المشكلة فأقرّ التوصية التالية: “نظر مؤتمر القمة العربي السابع قضية الصحراء الغربية وإذ يبدي المؤتمر ارتياحه الكامل لما توصلت إليه الدولتان الشقيقتان جمهورية موريتانيا الإسلامية والمملكة المغربية، من اتفاق بينهما باعتبارهما الطرفين المعنيين بمستقبل الصحراء، يعلن مساندته التامّة وتأييده الكامل لموقف هاتين الدولتين المعلن عنه مؤخرا بالجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية. وتعدّ الدول العربية قضية الصحراء الغربية وتصفية الاستعمار منها قضية جوهرية تهم جميع الدول العربية وتطالب أسبانيا باعتبارها صديقة العرب التقليدية ان تسرع بقبولها لمطالب المغرب وموريتانيا”([71]).

ولذلك لم تجد توصيات الجامعة العربية وعرض المسألة من خلال زاوية تصفية الاستعمار رغم أهميتها صدى لها عند الأطرافالمعنية، وأكد هذا الموقف قصور الجامعة العربية عن ان تكون أداة فعّالة لجمع شمل العرب وحل مشاكلهم ونزاعاتهم المترسخة.

وقد عاد الوضع للتأزّم بعد توقيع الاتفاقية الثلاثية في مدريد مما حدا بالأمين العام للجامعة محمود رياض للقيام بمساعيه الحميدة لتقريب وجهات النظر. فقد قام الأمين العام في شباط وآذار عام (1976) بجولة واسعة في عواصم النزاع، الرباط، الجزائر ونواكشوط وحاول التمهيد لأجراء مفاوضات مباشرة بينهم لتسوية النزاع، لا سيما بعد انسحاب الاستعمار الأسباني. وبعد ان عاد الأمين العام إلى مقره في القاهرة قدم تقريره إلى مجلس الجامعة في 15/آذار/1976 أشار فيه بوضوح إلى إن مشكلة الصحراء مشكلة معقدة، وان إيجاد مخرج سياسي للاتفاق بين أطرافها يفتقر إلى مزيد من المساعي الدبلوماسية المكثفة على الصعيد الثنائي والجامعة، من اجل تسوية النزاع تسوية سلمية ونهائية.([72]) هذا وقد بُذلت إضافة إلى ذلك مساع حميدة لدول عربية أخرى لها علاقة جيدة مع الطرفين، إلا  إنها لم تثمر عن شئ.([73])

النزاع الحدودي المصري – الليبي (1977)

تعرضت العلاقات الليبية – المصرية منذ قيام ثورة الفاتح من أيلول 1969 إلى سلسلة من المنحدرات الشديدة، خصوصاً خلال حكمي الرئيسين المصريين أنور السادات وحسني مبارك، أخرهما أزمة التأشيرات الحالية التي نشبت في أعقاب التحولات الليبية نحو نزع أسلحة الدمار الشامل وهجوم الأعلام المصري على ليبيا وتبرير الرئيس مبارك لما فعله الرئيس الليبي بأنه ” واحد عايز يشعر أنه مهم جداً في المنطقة “.

ويمكن القول إن علاقات البلدين مرت بثلاث مراحل مختلفة ارتبطت بحكم الرؤساء المصريين الثلاثة (جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك)، وارتبطت بتغيرات على الساحة الليبية مواكبة لحكم كل من الرؤساء الثلاثة، وفي كل مرحلة بدا أن هناك طرفاً يحتاج إلى الطرف الآخر بشكل أكبر أو كلاهما يحتاج الآخر، ورغم إن الفترة التي عاصرت فيها الثورة الليبية، الثورة المصرية لم تتعدى عاماً واحداً، حيث توفي الرئيس عبد الناصر عام 1970، فقد تأثرت الثورة الليبية في بدايتها عام 1969 بدرجة كبيرة بثورة 23 يوليو 1952 وسياسات عبد الناصر لاسيما أن القذافي كان معجباً بتجربة الثورة المصرية على الملكية وبالرئيس عبد الناصر وبالتجربة الاشتراكية عموماً، ولذلك سعى في السنوات الثماني الأولى من حكمه لتطبيق نفس التجربة السياسية المصرية في الحكم عبر (الاتحاد الاشتراكي) كحزب واحد يضم كافة القوى السياسية، كما سعى للوحدة مع الدولة المصرية.

ويمكن القول أن هذه المرحلة شهدت انجذابا ليبياً نحو مصر بشكل أكبر، حيث كانت هناك حاجة للأستقواء بالموقف الثوري المصري، ورغبة في الوحدة مع مصر، وترحيب مصري باعتبار أن مصر ملهم للثورات، ومن هنا جاءت أولى المحاولات الليبية الوحدوية مع مصر الناصرية إبان حكم الرئيس الأسبق عبد الناصر، وهي المحاولة التي تمخض عنها توقيع ميثاق طرابلس في كانون الأول 1969، وتضمن الميثاق المذكور ما سميَّ بالجبهة القومية العربية، وفي مرحلة لاحقة انضمت سوريا إلى الميثاق، ونظراً لظروف السودان الخاصة انتهى الأمر بإعلان اتحاد الجمهوريات العربية بين كل من مصر وليبيا وسوريا في 17/نيسان/1971.

وبعد رحيل عبد الناصر تغيرت الأوضاع كثيراً بين مصر وليبيا، وعلى الرغم من الاتجاه نحو قيام وحدة البلدين، فإن هناك تبايناً كبيراً في الرؤى في كل من البلدين، حيث رأت مصر إن الوحدة لا بد أن تتم على مراحل يسبقها تعميق التعاون الثنائي وتوسيع مجالاته، أما ليبيا فكانت تريد وحدة اندماجية فورية، وكان هذا الخلاف أحد بوادر الفتور في العلاقات بين البلدين في عهد الرئيس السادات([74]).

ورغم إن تلك الخلافات لم توتر العلاقات بين الدولتين فإنه عقب حرب رمضان عام 1973 ازدادت خلافات الدولتين، حيث بدا أن الرئيس المصري أنور السادات صوب الغرب، بينما اتجهت ليبيا صوب الاتحاد السوفيتي، وترتب على هذا اختلاف الارتباطات المصلحية لكل طرف مع العالم الخارجي نتيجة لحالة التوتر والاستقطاب في مرحلة الحرب الباردة حيث ارتبط السادات بالغرب والقذافي بالمعسكر الاشتراكي.

وإزاء سلوك السادات وتحالفه مع الغرب رأت ليبيا إن دولة الوحدة غير ممكنة مع مصر، وبدأت طرابلس حينها حملة تتهم فيها مصر آنذاك بالعمالة للغرب، وازدادت العلاقات سوءاً في عامي 1975، 1976، حيث اتهمت القاهرة طرابلس بأنها وراء انفجارات حثت بالقاهرة.

وقد تطورت الخلافات إلى حرب حدودية عام 1979 تلقت ليبيا على أثرها ضربة محدودة من القوات المسلحة المصرية  التي كان بإمكانها التوغل آلاف الكيلو مترات داخل ليبيا ولكنها اكتفت باحتلال منطقة حدودية صغيرة في فترة زمنية قصيرة ثم انسحبت منها وقال الرئيس السادات وقتها ” إن العملية بمثابة درس للقذافي “. وبعد ذلك بدأت ليبيا دوراً في ” جبهة الصمود التحدي ” ضد مصر والتي انتهت بطرد مصر من جامعة الدول العربية بعد رحلة السادات للقدس، وزاد الشقاق بين الطرفين حيث بدا أن أياً من الدولتين ليس بحاجة للأخرى لتحول اهتمام كل منهما لقوى دولية أخرى تساند مصلحهما. وفي عام 1979 تم قطع العلاقات بين مصر وليبيا وأصبح السفر لمصر محظوراً بحكم القانون الليبي([75]).

لم تكن المناوشات المسلحة التي شهدتها الحدود المصرية-الليبية في تموز عام (1977) نزاعا حدوديا بالمعنى الدقيق، فقد كانت تمثل حربا سياسية سببها الاختلاف الشديد بين نظامي الحكم في البلدين في ذلك الوقت([76]). وقد شاركت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في الجهود التي بذلتها بعض القيادات العربية للتوصل إلى وقف إطلاق النار، وقد تم التوصل بفضل الأمانة العامة للجامعة العربية إلى إنهاء القتال وتبادل الأسرى وترتيب لقاء مصري – ليبي لبحث خطوات التسوية بين البلدين.([77]) وبذلك تمكنت الجامعة العربية من تسوية هذا النزاع بشكل نهائي.

ومن تجارب الجامعة العربية في مجال تسوية النزاعات الحدودية بين أعضائها، نلاحظ إن النزاعات العربية لم تكن نادرة كما توقع مؤسسوها، ولم يكن منع استخدام القوة عاملاً محدداً لتجنب نشوء النزاعات، مما حدا بالدول العربية لمحاولة سد هذه الثغرة، عن طريق عقدها معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي التي أقرها مجلس الجامعة عام (1950)([78]). ولكنها لم توضع موضع التنفيذ كما أُريّدَ لها لحد الآن، وكذلك فإن هذه المعاهدة وميثاق الجامعة لم يكونا بالمستوى المطلوب قياساً بالنزاعات التي نشبت بين الدول العربية، ولم يوفقا في فرض التسوية السلمية على أطراف النزاع، ولم يحفظا السلم والأمن الدوليين في هذه المنطقة من العالم([79]).

 إن دور الجامعة قد اتسم بعدم الفاعليّة وذلك بسبب القصور في الإطار القانوني لتسوية النزاعات العربية عامة والحدودية بشكل خاص، أو بسبب الحساسية الشديدة التي تظهر عند معالجة نزاع حدودي معين بين الدول العربية بأيّ من وسائل التسوية وذلك ابتداءً من الوساطة أو المساعي الحميدة للامين العام أو لمجلس الجامعة، باعتباره السلطة المختصة في تسوية النزاعات أو حتى مؤتمرات القمة العربية ونلاحظ انه حتى في النزاعات التي حسمت عن طريق الجامعة العربية، توجد ظاهرة عدم الحسم النهائي واحتمالية انفجارها وتصاعدها إلى الدرجة التي تهدد بنشوب حروب بين الدول العربية تبقى قائمة في أي لحظة، ولا يمكن اعتماد الوسائل السياسية لتسوية مثل هذه النزاعات ويجب اللجوء إلى الوسائل القانونية وذلك بعد أنشاء جهاز قانوني يتمثل بمحكمة العدل العربية تقوم بوضع تسوية نهائية لتلك النزاعات. ويلاحظ أيضاً ان تدخل الجامعة في تسوية النزاعات الحدودية بين الدول العربية كان يأتي عادةً بعد حدوث الاشتباكات العسكرية.([80]) وكان ينبغي ان يكون تحرك الجامعة بصورة جدية قبل تفاقم النزاع الحدودي ووصوله إلى صراع مسلح وتصادم عسكري بين الدول المتنازعة وذلك للمخاطر التي تنم عنها تلك الصدامات والتي تعمق جذور النزاع الأساسي الذي أدّى إلى تلك الصدامات المسلحة. كما يلاحظ ان تدخل الجامعة كان لفض النزاع المسلح أي للحد من استخدام القوة العسكرية بين الأصول المتنازعة، بينما كان الأحرى بها ان تتدخل لفض النزاع الأساسي الذي أدّى إلى حصول النزاع المسلح وهذا يعني ان أساس النزاع يبقى قائماً بدون تسوية، وان تهدئة الأجواء العسكرية الوقتية مع استمرار وجود النزاع يؤدي إلى احتمال اندلاع النزاع مجددا في أي وقت، لاسيّما وان هناك جهات دولية تربطها بالمنطقة العربية مصالح كثيرة تدفع من خلالها العرب إلى التصادم فيما بينهم حفاظاً على مصالحها.

جامعة الدول العربية وطرق تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية: دراسة في تقييم الدور والوسائل

دور الجامعة العربية كمنظمة إقليمية في تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية

على الرغم من تزايد عدد المنظمات الإقليمية.([1]) فانه لا يكاد يوجد اتفاق في أدب العلاقات الدولية على دور كل المنظمات في إدارة الصراعات التي تنشأ بين أعضائها، فأنصار المنظمة الإقليمية يرون أن تلك المنظمات تُجزّيء الصراعات، بمعنى أنها تحتفظ للصراعات الإقليمية بطابعها الإقليمي وتقلل من احتمال تدخل القوى الدولية في تلك الصراعات.([2]) كما أن أعضاء المنظمة الإقليمية عادة يكونون اقدر من غيرهم على فهم حقائق النزاع، كونهم يشتركون في مجموعة من القيم والقوى السياسية التي تمكنهم من تسوية نزاعاتهم بكفاءة تفوق كفاءة المنظمة العالمية. بالإضافة إلي سبب آخر مهم يحفز أعضاء المنظمة الإقليمية على تسوية منازعاتهم، وهو الاعتماد الاقتصادي المتبادل فيما بينهم.([3]) لهذه الأسباب يرى أنصار المنظمات الإقليمية أنها أقدر على تسوية نزاعات الحدود فيما بين الأعضاء من غيرها. لان الهدف الاساسي من قيام المنظمات الإقليمية هو توطيد العلاقات الدولية بين الدول التي تربطها روابط خاصة مشتركة([4]). وقد أخذ واضعو ميثاق الأمم المتحدة بهذه الأفكار، واعتبروا إن المنظمات الأقليمية يمكن أن تقوم بدور فعال ومتميز في خدمة السلام وتحقيق الرفاهية والرخاء في العالم، بالإضافة إلى دور كبير في حل النزاعات الإقليمية سلمياً، ومساعدة الأمم المتحدة في كثير من مهامها. لذلك خصص ميثاق الأمم المتحدة الفصل الثامن للحديث عن الاتفاقات والمنظمات الإقليمية. ويمكننا تلخيص ما أورده بهذا الخصوص بما يأتي:-

ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام اتفاقات أو منظمات إقليمية يمكن أن تعقد لتسوية المشكلات الأقليمية المتعلقة بحفظ السلام والأمن الدوليين([5])، ما دامت هذه الاتفاقات والمنظمات ونشاطها يتلاءم ومقاصد الأمم المتحدة ومبادئها.

تبذل الدول المشاركة في هذه الاتفاقات أو المنظمات كل جهودها لتسوية النزاعات الإقليمية سلمياً بواسطة هذه الاتفاقات أو المنظمات، وذلك قبل عرضها على مجلس الأمن([6]).

يشجع مجلس الأمن الإكثار من الحل السلمي للنزاعات المحلية بهذه الطريقة، وذلك أما بطلب من الدول التي يعنيها الأمر، وأما بالإحالة إليها من مجلس الأمن([7]).

يستخدم مجلس الأمن، إذا اقتضى الأمر، تلك الاتفاقات والمنظمات لتطبيق أعمال القمع التي يتخذها، ويكون ذلك تحت إشرافه. ولا يجوز لهذه المنظمات أن تقوم بأي عمل من أعمال القمع بغير إذن المجلس([8]).

يجب أن يكون مجلس الأمن في كل وقت على علم تام بما يزمع اتخاذه من أعمال لحفظ السلم والأمن الدوليين بمقتضى تلك الاتفاقات أو المنظمات([9]).

ويرى أنصار المنظمة العالمية أن كل النزاعات، حتى الإقليمية منها، لها انعكاسات عالمية بالنسبة للدول الواقعة خارج نطاق الإقليم على وجه الخصوص والتي تعدّ المنظمة العالمية هي الأداة الأمثل لتسويتها. وبالإضافة إلى ذلك وبحكم أن اختصاص المنظمة العالمية يشمل العالم بأكمله فإنها تصبح مرة أخرى الإدارة الأنسب لتسوية النزاعات التي تحصل نتيجة تداخل الاختصاصات الإقليمية للمنظمات الإقليمية. كما هو الحال بالنسبة لجامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية.([10]) ويرى منتقدو المنظمات الإقليمية، إن محدودية عضوية تلك المنظمات واختصاصاتها ومواردها تجعلها أداة غير فعالة لتسوية النزاعات، وبالذات الحروب الأهلية في أي من الدول الأعضاء.([11])

وعلى الصعيد العملي كانت الجامعة العربية من المنظمات الإقليمية التي خولت سلطة محدودة لتطبيق مبدأ التسوية السلمية، فقد أخذت بهذه المهمة التي اشتمل عليها ميثاقها في المادة الخامسة منه- كما مر ذكره- الذي خول مجلس الجامعة للنظر في النزاع القائم بين أعضاء الجامعة، واتخاذ قرار نافذ وملزم وذلك بعد موافقة أطراف النزاع في اللجوء إليه وقبولهم الصريح لتدخل المجلس([12]). ويتضح من هذا التخويل الطابع التقليدي الذي يحكم تسوية النزاعات بين الدول العربية بالطرق السلمية، فلم يشتمل ميثاق الجامعة على نصوص مفصلة تعالج طرق حل النزاعات بين الدول الأعضاء سلمياً سواءً في المادة الخامسة منه والتي رأينا في فصل سابق عند تحليلها، كيف إنها جاءت مقتضبة جداً ومرتبكة الصياغة.أو في المادة السادسة، أو في نص معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي.

إن عدم امتلاك الجامعة العربية لسلطة مركزية ذات صلاحية لإصدار قرارات ملزمة للدول الأعضاء أدى إلى الاستنتاج بأن الجامعة ليست أكثر من منظمة واهنة البنيان، غير قادرة على التصدي للخلافات التي تحصل بين أعضائها، وهذا واضح من الأحكام المتعلقة بدرجة التزام الأعضاء بقرارات الجامعة، كما ورد في المادة السابعة من ميثاق الجامعة([13]).

وقد حاول بعض المفكرين إيجاد مقارنات في كفاءة الأداء لكل من المنظمات الإقليمية والدولية في تسوية النزاعات ففي دراسة قام بها الأستاذ جوزيف ناي حول دور منظمة الدول الأمريكية، ومنظمة الوحدة الأفريقية، وجامعة الدول العربية في إدارة وتسوية (19) نزاعاً إقليمياً. وجد انه في ثلث الصراعات المبحوثة تمكنت المنظمات الإقليمية من توفير تسوية دائمة للنزاع، وفي نصف تلك النزاعات ساعدت المنظمات الإقليمية على تهدئة النزاع. ويرى ناي أن كفاءة المنظمات الإقليمية في تسوية النزاعات الإقليمية تضارع كفاءة الأمم المتحدة أن لم تتفوق عليها في بعض الحالات، وان التحفظ الوحيد على تلك المقولة هو أن النزاعات التي تعرض على الأمم المتحدة هي في العادة تكون النزاعات الأكثر حدّه([14]). كما توصل ناي في دراسته إلى أن كفاءة جامعة الدول العربية في تسوية النزاعات التي عرضت عليها اقل بكثير من منظمة الدول الأمريكية ومنظمة الوحدة الأفريقية، فقد وجد أن متوسط النجاح المرجح لمنظمة الدول الأمريكية (858) درجة، ولمنظمة الوحدة الأفريقية (418) درجة ولجامعة الدول العربية (263) درجة.([15]) والحقيقة أن ناي لم يكن منصفا في دراسته فقد اختار (11) حالة عرضت على منظمة الدول الأمريكية و (5) حالات عرضت على منظمة الوحدة الأفريقية، و (3) حالات عرضت على جامعة الدول العربية لذلك فان هذا التحليل لدور جامعة الدول العربية في تسوية النزاعات بين أعضائها هو تحليل ناقص وغير دقيق، لا سيما وان العينات التي اختارها ناي كانت صعبة نسبياً، كالحرب الأهلية في اليمن مثلاً (1963 – 1970)، وتجاهل العديد من النزاعات العربية الأخرى التي أدت فيها الجامعة دوراً أساسيا، لذلك بعد أن تجاوز الأستاذ بتريث أخطاء ناي في اختيار العينات وجد إن كفاءة الجامعة العربية من الناحية التنظيمية في التعامل مع النزاعات العربية تصل إلى اكثر من كفاءة منظمة الوحدة الأفريقية (16% مقابل 10%) لكنها تقل عن كفاءة منظمة الدول الأميركية 38%([16]).

وفي حقيقة الأمر لا توجد منظمة إقليمية تمثل شعباً واحداً ممتداً على مساحة جغرافيّة متصلة ومكوناً من نسيج اجتماعي واحد تجمعه صفات مشتركة، مثل اللغة والتاريخ والثقافة والتطلعات والمصير المشترك، مثلما تجسده جامعة الدول العربية بسمتها القومية النادرة التي لا تتسم بها أية منظمة إقليمية أخرى، تجمع تحت خيمتها وحدات سياسية تحتل مساحة واسعة من المحيط الأطلسي حتى الخليج العربي، هذا بالإضافة إلى الشعور الوجداني المتجسد في وحدة الطموح السياسي القومي، بالإضافة إلى عامل يأتي في مقدمة ذلك كله وهو الدين المشترك([17]).

ولكن إذا اشتملت جامعة الدول العربية على كل مستلزمات النجاح هذه فلماذا توطدت وتعززت وتوحدت التنظيمات الإقليمية الأخرى اللاحقة على إنشاء جامعة الدول العربية وتطورت مسيرتها.. في الوقت الذي تراجعت فيه الجامعة كثيراً إلى الخلف؟. وإن هذا الشعب الواحد بلغته وعنصره بدلاً من أن يحقق طموحه بعدما يقارب ستة عقود سادها التمزق والتشرذم والضعف، والنظم العربية  المكونة دولاً أعضاءً في الجامعة أزداد تباعدها ومزقتها الصراعات والحروب والخلافات الحدودية، وأضحت خلافاً لصيرورة التاريخ أمةً مقسمة ومجزأة تتناحرها وتشد أطرافها تغيّرات إقليمية ودولية، مما زاد من تباعدها وتشتتها إلى الدرجة التي حولتها إلى عالم من التناقضات والصراعات والاضطرابات، وكأن الذي يعيش على هذه الأرض ليس شعباً واحداً بلغته ودينه وعرقه، وإنما أقواماً وشعوباً ديدنها الحروب والخلافات والاتكاء على الأجنبي في تبعيةٍ سياسية واقتصادية مرسخة ومتأصلة.

يعتقد الباحث إن جواباً شافياً عن مثل هذا السؤال يكمن في نقاط عدةٍ، أولها وأهمها، الضعف في صياغة نصوص ميثاق الجامعة العربية، الذي لم يأخذ بالاعتبار واقع التحولات المستقبلية التي سيشهدها الواقع السياسي العربي الذي تجسد في بروز ظاهرة السياسات العربية المتناقضة والمتصارعة لصالح القوى الأجنبية التي تحكمت بهذا الواقع، ووظفت كل إمكانيتها وأدواتها للحفاظ على الواقع السياسي العربي في وضعٍ تضمن فيه مصالحها الحيوية وديمومتها.

ويمكن القول أن نجاح المنظمات الإقليمية في هذا المجال يعتمد على التزامها بمبدأ تحريم استخدام القوة بين الدول الأعضاء. وبالرغم من أن الدول العربية ارتبطت بالكثير من المواثيق الدولية والهيئات العالمية، (منظمة الأمم المتحدة، حركة عدم الانحياز، منظمة المؤتمر الإسلامي)، وكذلك المنظمات الإقليمية (جامعة الدول العربية، منظمة الوحدة الأفريقية، مجلس التعاون لدول الخليج العربي، الاتحاد المغربي([18]) )، وكذلك الاتفاقات والمعاهدات الثنائية فيما بينها، والتي حرمت جميعها استخدام القوة بين أعضائها إلا  أنها لم تمتنع عن استخدام القوة العسكرية فيما بينها، ويعود عدم التزام الدول العربية بهذا الكم الكبير من المواثيق إلى عامل أساسي وهو خلو تلك المواثيق من الإجراءات الرادعة التي تلزم الدول العربية بعدم استخدام القوة فيما بينها.([19]) فالجامعة العربية منظمة تقوم على أساس التعاون الاختياري بين الدول الأعضاء. فلا تعدّ سلطة عليا فوق سلطة هذه الدول. والفلسفة التي تقوم عليها الجامعة مؤداها الاعتراف بوجود دول عربية ذات سيادة، لذلك فلا يمكن للجامعة تحقيق أهدافها بنجاح إلا  إذا كانت هذه الدول صادقة النية في التعاون فيما بينها.([20]) فإذا أريد لميثاق جامعة الدول العربية أن يكون فعالا ورادعا للدول العربية فيجب تضمينه نصوصا تقضي بإلزام الدول الأعضاء باحترام مبدأ تحريم استخدام القوة فيما بينها من خلال إلزام الدول العربية تنفيذ هذا المبدأ في الواقع التطبيقي وسنتناول لاحقا الواقع العملي لدور جامعة الدول العربية في تسوية النزاعات الحدودية بين أعضائها.

وقد أدرك واضعو ميثاق الجامعة أن التحديات التي كانت تجابه الأمن القومي العربي لم تكن كلها خارجية من صنع القوى الكبرى الباحثة عن موطيء قدم في الأرض العربية، كما إنها لم تكن محصورة في الحركة الصيونية الرامية إلى احتلال فلسطين، وإنما كان هناك عاملاً أخر يشكل تحدياً كامناً للأمن القومي العربي ممثلاً في الصراعات العربية – العربية نفسها، فكان هناك وعياً مبكراً لدى الجامعة العربية لخطورة تلك الصراعات، لذلك تم الاتفاق على تدخل أجهزة الجامعة لفضها إذا نشبت بين دولتين عربيتين أو أكثر. ولكن التطبيق العملي لتلك المبادئ كان يعاني من قصور شديد فضلاً عن إن النزاعات العربية – العربية كانت نادراً ما تطفو على سطح الأحداث بشكل سافر أو عميق التأثير وذلك على الرغم من تجذرها في تربة العلاقات العربية – العربية منذ أن بدأ عصر التحرر من الدولة العثمانية على أثر مؤتمر لوزان عام (1919)([21])، أو منذ بدأ عصر التحرر من الاستعمار الأوربي في أعقاب الحرب العالمية الثانية عام (1945)، لذلك جاءت محكمة العدل العربية المرتقبة بمثابة الأمل الذي تتطلع إليه الأمة العربية، لاسيّما وإن معاهدة الدفاع المشترك أضحت وكأنها بلا فاعلية بسبب تأصل الخلافات بين البلدان العربية([22]).

ويبدو أن العوامل الانفصالية التي منعت الجامعة العربية من أن تكون لها القدرة على دمج الدول المنضمة إليها انطلقت من دستورها الذي حرص على التعاون مع الدول العربية على أساس تغليب مبدأ السيادة القطرية – كما ذكرنا –ولم تستطع الجامعة على مدى تاريخها أن تتجاوز هذا الوضع الذي برره الميثاق بالنص على استثناء القضايا التي تتعلق بسيادة الدول الأعضاء واستقلالها وسلامة أراضيها من أن تنظر فيها الجامعة([23]). في حين أن كل المنظمات الإقليمية والدولية تقوم على النظر في المشاكل التي تعرض الأمن والسلم بين الدول للخطر، لذلك أصبحت الدول العربية في داخل الجامعة تسير على عرف غير معلن هو أن الاتفاق على مشكلة معينة أمر صعب المنال. لذلك نجد أن معظم النزاعات الإقليمية العربية تعرض على الأمم المتحدة مباشرة، أو على منظمة الوحدة الأفريقية – إذا كانت في نطاق الشمال الأفريقي – فقد أثبتت الأخيرة فعاليتها في الحرب المحدودة عام (1963) بين المغرب والجزائر في الوقت الذي عجزت فيه الجامعة العربية من التوصل إلى أي حل.([24])

وبالرغم من إن ميثاق الجامعة العربية قد نص على قواعد وأساليب فض النزاعات العربية – العربية، كما إن الأمانة العامة للجامعة العربية قدمت مشروعاً بإنشاء محكمة العدل العربية، إلا  إنه على مدى السنوات التسع والخمسين الماضية لم تتبلور آلية عربية فعالة لفض النزاعات العربية، ومن ثم بقيت موضوعات النزاعات على مدى هذه الفترة على حالها دون إزالة أسباب اشتعالها، كما إن هذا الغياب لم يتح الفرصة لوضع تقاليد وأعراف لفض هذه النزاعات، الأمر الذي يوفر إطاراً يمكن الاستناد إليه والاستفادة منه عند نشوئها، وقد حلت محل هذه الآلية، آلية عربية خاصة وهي ما يطلق عليه بـ” دبلوماسية تقبيل اللحى ” إذ يكفي في شأن أي نزاع عربي أن يلتقي زعيما الدولتين ويتعانقا ليهدأ النزاع، ولكن دون إزالة أسبابه الكامنة الأمر الذي يتيح الفرصة لتجدد النزاع من جديد، وفي بعض الحالات يكون اللجوء إلى المؤسسات الدولية لفض هذه النزاعات مثل محكمة العدل الدولية، والخطورة في وضعٍ كهذا تتمثل في ان تدخل أطراف إقليمية وأجنبية في بعض هذه النزاعات، أو استخدامها كأداة من أدوات الضغط على الدول العربية عندما تحين الفرصة([25]).

وخلاصة القول إن جامعة الدول العربية منظمة تمتلك جميع المقومات المادية والمعنوية التي وفرها لها واقعها الإقليمي لتكون فاعلة وتؤدي أدوارها بشكل تام. لاسيما ان الأمم المتحدة فوضتها ضمن ما فوضت به الاتفاقات والمنظمات الإقليمية الأخرى النظر في النزاعات بين أعضائها.ولكن سوء صياغة الميثاق من ناحية واعتزاز الدول العربية بسيادتها القطرية التي لا يفوقها أي اعتبار آخر، وإيثار هذه السيادة القطرية على حساب السيادة القومية العربية وبالتالي على حساب سيادة الجامعة العربية قوض من دور هذه المنظمة في تسوية النزاعات  بين أعضائها ولاسيما الحدودية منها.

موقف جامعة الدول العربية من الوسائل السياسية والقانونية في تسوية النزاعات الحدودية بين الدول الأعضاء

أولا : موقف جامعة الدول العربية من المفاوضات

للمفاوضات أهمية بالغة في تسوية النزاعات الحدودية، واغلب المنظمات الدولية والإقليمية نصت مواثيقها على وجوب اللجوء لها في تسوية النزاعات بين أعضائها، فقد نصت مثلا المادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة على وجوب لجوء الأطراف المتنازعة للمفاوضات في تسوية النزاعات الناشئة بينها([26]). وعلى الرغم من هذه الأهمية فلم يتطرق ميثاق جامعة الدول العربية لموضوع المفاوضات كأداة لتسوية النزاعات بين الدول العربية، وقد اقترح بعض كتّاب القانون الدولي إقامة نظام إلزامي لحل النزاعات بالطرق السلمية في ميثاق جامعة الدول العربية يحتوي على مجموعتين من الوسائل الإلزامية هما([27])

الوسائل السياسية وقد حددوها بالتحقيق والتوفيق والوساطة، والغاية منها تسوية النزاعات السياسية بين الأعضاء.

الوسائل القضائية وهي التحكيم والعرض على محكمة عربية، والغاية منها تسوية النزاعات القانونية بين الأعضاء. وحتى هذه المقترحات لم تتطرق إلى المفاوضات كوسيلة إلزامية لتسوية النزاعات العربية، كما أن الكثير من الاتفاقيات المعقودة في نطاق جامعة الدول العربية لم تنص على أية إشارة لتسوية النزاعات الناشئة عند تطبيقها لا عن طريق المفاوضات، ولا عن أي طريق آخر، ومن هذه المعاهدات المعاهدة الثقافية (1945).([28]) واتفاقية الإعلانات والإنابة القضائية (1952)([29]) واتفاقية تسليم المجرمين (1952).([30])، وغيرها.([31])

وحتى أن معاهدة الدفاع العربي المشترك (1951) لم تنص على كيفية تسوية النزاعات الناشئة عن تطبيقها، وهذا سبباً اساسياً في دفع الدول الأعضاء إلى تفسير نصوص المعاهدة بالاتجاه الذي يحمي مصالحها ويعبّر عن رأيها.

وبالرغم من أن المفاوضات – برأينا الخاص – لا تصلح لتفسير نصوص ميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك، بسبب الطبيعة المعقدة للأنظمة العربية وتمسكها اللامحدود بالسيادة الوطنية، إلا  أن الجامعة قد اعتمدت أسلوب المفاوضات في تسوية النزاعات الناشئة عن تطبيق بعض الاتفاقيات منها اتفاقية مزايا وحصانات الجامعة العربية (1953).واتفاقية المقر بين الجامعة العربية والدولة التي تتعامل معها، إذ اعتمد أنموذج الاتفاق المفاوضات أساساً لتسوية النزاع وفي حالة فشلها يلجأ إلى الوسائل الأخرى.([32]) كما أخذت اتفاقية مجلس الطيران العربي للدول العربية (1965) بالمفاوضات كأداة لتسوية النزاعات الناشئة عن تطبيقها.([33]) وذهبت إلى ذلك أيضا اتفاقية اتحاد إذاعات الدول العربية (1955)([34])، واتفاقية اتخاذ جدول للتعريفة الجمركية.([35]) واتفاقية الوحدة الاقتصادية بين دول الجامعة العربية 1957.([36]) واتفاقية الوحدة الثقافية 1964.([37])

وبما أن المفاوضات وسيلة فعالة لتسوية النزاعات بشكل عام والنزاعات الحدودية بشكل خاص فقد واجهت الجامعة العربية مشكلة التمثيل الدبلوماسي بين الدول إذ انه لم يكن كاملاً، فعملت على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين الدول العربية إلى مستوى سفارة.([38]) لتسهيل عملية إجراء المفاوضات لذلك حاولت الجامعة الإشارة إلى تسوية النزاعات العربية لمجابهة الأخطار المحيطة بها.([39]) كما اقر مجلس الجامعة اللجوء إلى المفاوضات لتسوية منازعاتها لمجابهة شركات البترول.([40]) وكذلك ذهب مؤتمر القمة العربي الثالث المنعقد في الدار البيضاء في 17/9/1965 إلى إنتهاج النقاش الموضوعي والنقد البناء في تسوية النزاعات العربية.([41]) وعلى الصعيد العملي طلبت الجامعة تسوية النزاع بأجراء المفاوضات في النزاع بين اليمن وعدن عام (1949) فقد ادعت اليمن بان السلطات العدنية أنشأت مركز الجمارك ضمن أراضيها خلافاً للمعاهدة اليمنية الإنكليزية المعقودة عام (1934) وقد قامت قوة يمنية بضرب المركز واستمر إطلاق النار لمدة خمسة عشر يوماً([42]).

ثانيا : موقف جامعة الدول العربية من المساعي الحميدة

لم يرد في ميثاق جامعة الدول العربية نصا يدعو لاتخاذ المساعي الحميدة أداة لتسوية النزاعات الناشئة بين أعضائها ولم تنص الاتفاقيات المعقودة في نطاق الميثاق كذلك على المساعي الحميدة كأداة لتسوية النزاعات الناشئة عن تطبيقها، وحتى النظام الداخلي للأمانة العامة للجامعة العربية لم ينص على صلاحية الأمين العام ببذل مساعيه لتسوية النزاعات بين الأعضاء.([43]) وكان المفروض ان ينص الميثاق على دور اكبر للامين العام في موضوع المساعي الحميدة أسوة بالصلاحيات الممنوحة للامين العام للأمم المتحدة بموجب ميثاق الأمم المتحدة.([44]) وعلى الرغم من ذلك اقترح الأمين العام إنشاء لجنة للمساعي الحميدة تختص بتسوية النزاعات الناشئة بين الدول العربية تتمتع بسرعة التصرف غير ان هذه اللجنة لم تر النور على الرغم من أهميتها في تسوية النزاعات العربية.([45])

ومن الناحية العملية بذلت جامعة الدول العربية مساعيها الحميدة لتسوية العديد من النزاعات العربية ومنها مسالة تحرير الأمير عبد الكريم الخطابي الزعيم المغربي عام 1946.([46]) والنزاع العراقي المصري.([47])

أما بالنسبة للنزاعات الحدودية العربية فقد كان لجامعة الدول العربية دور في استخدام المساعي الحميدة في اكثر من نزاع، فقد بذل الأمين العام للجامعة العربية عبد الخالق حسونة مساعيه الحميدة لتسوية النزاع الحدودي العراقي الكويتي، إذ قام بالسفر إلى كل من العراق والكويت والسعودية لتسوية النزاع.([48])

ويؤشر أيضا بذل الأمين العام جهودا في عدد من النزاعات العربية([49])، فقد طلبت السودان مثلا من جامعة الدول العربية (1958) ان تبذل مساعيها الحميدة في نزاعها الحدودي مع مصر، وقد قام الأمين العام بالاتصال بمصر التي وافقت على المساعي الحميدة، إلا  ان السودان لم تنتظر نتيجة مساعي الجامعة العربية فقدمت شكوى إلى مجلس الأمن.([50])

ويمكن القول ان ما قدمته جامعة الدول العربية من مساع حميدة قليل جداً إلى الدرجة التي لا تتناسب مع طبيعة النزاعات العربية، وكان الأجدى بالجامعة ان تضطلع بدور اكبر في مجال المساعي الحميدة بين أعضائها، لا سيما إن الدول العربية تربطها أواصر كبيرة ومتينة يمكن معها التوصل إلى حلول سلمية بواسطة هذه المساعي الحميدة، وكان المفروض ان ينص ميثاق الجامعة على تخويل الأمين العام صلاحية بذل المساعي الحميدة عند فشل  المفاوضات بين دولتين عربيتين، وعندما تفشل هذه المساعي يحال الأمر إلى مجلس الجامعة والذي يستطيع بدوره ان يحدد لجنة مساع حميدة تكون ملزمة للطرفين وان يحدد الميثاق مهمتها، وصلاحيتها ويحدد لها سقف زمني ، وان ينص الميثاق على انه في حالة فشل المساعي الحميدة يلجأ المتنازعون إلى وسيلة أخرى لتسوية النزاع.

ثالثا : موقف جامعة الدول العربية من الوساطة

أناط بروتوكول الإسكندرية بمجلس الجامعة مهمة الوساطة غير انه أعطى لهذه المهمة صلاحية التوفيق في تسوية النزاعات بين الدول العربية، في حين ان من المفروض ان تحدد مهمة الوسيط في تهيأة جو مناسب بين الدول المتنازعة لتسوية نزاعها بنفسها دون ان يتدخل الوسيط في طرح المشاريع الملزمة لأجراء التسوية لان ذلك يخرج من مهمة الوساطة ويدخل في اختصاص لجان التوفيق. ويبدو ان الظروف السياسية السائدة آنذاك فرضت علىبروتوكول الإسكندرية هذا الإرباك من اجل وضع العقبات القانونية أمام مجلس الجامعة في تسوية النزاعات العربية – العربية .([51])

وقد وردت الوساطة وكما سبق ذكره في المادة الخامسة الفقرة الثانية من ميثاق الجامعة العربية، ومنطوق هذه المادة يوصي بأن الوساطة هي أحد واجبات مجلس الجامعة، وعليه القيام بها تلقائياً، سوءاً طلب منه طرفا النزاع ذلك أم لا([52]). ويلاحظ ان أحكام الوساطة في ميثاق الجامعة العربية يختلف عن أحكامها في القانون الدولي، لان الوساطة في مفهومها القانوني تعني النشاط الذي يبذله طرف ثالث بغية حل نزاع قائم بين دولتين ويكون للدول المتنازعة الخيار في قبول هذه الوساطة أو رفضها وللوسيط ان يقدم اقتراحاته التي ليست لها صفة الإلزام. فالتوسط عمل ودّي مصدره الرغبة في التوفيق بين المتنازعين . في حين ان الوساطة طبقا لميثاق الجامعة العربية لا تتوقف على قبول الأطراف المتنازعة بها أو رفضها ولا تتضمن تقديم مقدمات لهما بغية إيجاد حل للنزاع حسب رغبة أطرافه، بل تفرض على أطراف النزاع التسوية بناءً على قرار يصدر من مجلس الجامعة، وقد لا يرضي هذا القرار أحد طرفي النزاع أو كلاهما، لذا فلا تنطبق  أحكام الوساطة الواردة في القانون الدولي على تلك التي أوردها ميثاق جامعة الدول العربية([53]).

وقد قامت جامعة الدول العربية بالتوسط في منازعات عديدة منها الحرب الأهلية في اليمن عام (1948) وقد فشلت تلك الوساطة([54])، والنزاع السوري اللبناني (1949) إذ قام جنود سوريون بدخول الأراضي اللبنانية للقبض على فلسطيني وقد توسطت مصر والسعودية بناءً على اختيار الجامعة وقد فشلت هذه الوساطة أيضا([55]). وكذلك توسطت الجامعة في نزاع حدودي نتج عن محاولة الأردن ضم الضفة الغربية لنهر الأردن عام (1950) فقررت الجامعة اختيار العراق ولبنان للتوسط بين الأردن والدول التي طالبت بطرد الأردن من الجامعة، وقد نجحت هذه الوساطة في حل النزاع، فأعلنت الأردن بان الضم مسالة وقتية إلى ان يتم التوصل إلى تسوية القضية الفلسطينية.([56]) وفي عام (1951) توسط الأمين العام بين سوريا والأردن في نزاعهما حول امتناع سوريا أجراء تبادل التمثيل الدبلوماسي بينها وقد نجحت هذه الوساطة([57]). وفي (1958) رفضت لبنان وساطة لجنة شكلها مجلس الجامعة للتوسط في نزاعها مع مصر إذ اتهمتها بالتدخل في شؤونها الداخلية.([58])

وفي عام (1963) شكل مجلس الجامعة لجنة وساطة من رؤساء وفود لبنان وليبيا وتونس ومصر والأمين العام للجامعة للتوسط في النزاع المغربي – الجزائري حول حدودهما الدولية، واستطاعت هذه الوساطة ان تخلق جواً من التفاهم بين البلدين.([59]) وتوسطت كذلك لجنة وساطة شكلت بناءً على قرار مجلس الجامعة عام (1963) متكونة من لبنان وليبيا وتونس والأمين العام للجامعة في النزاع المغربي- الجزائري نفسه، غير ان المغرب رفضت هذه الوساطة.([60]) وفي عام (1972) قرر مجلس الجامعة تشكيل لجنة من وزراء خارجية سوريا ومصر والكويت والجزائر للتوسط في النزاع الحدودي بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، وتم التوصل إلى تسوية النزاع.([61])

ومن مراجعة هذه الوساطة نلاحظ ان نجاحها يعتمد على حدة النزاع وطبيعة العلاقة بين الأطراف المتنازعة فيما بينها وعلاقة تلك الأطرافبالوسيط سواء كان دولة أو الأمين العام للجامعة وان رفض أحد أطراف النزاع أو كلاهما لهذه الوساطات هو أمر سهل ولا يترتب أي اثر قانوني على الطرف الرافض للوساطة لذا لا نرى ان الوساطة التي تضطلع بها جامعة الدول العربية أداة مجدية في تسوية النزاعات العربية – العربية لا سيما الحدودية منها بالرغم من نجاحها في بعض الحالات البسيطة غير المعقدة.

رابعاً: موقف جامعة الدول العربية من التحقيق

لم ينص ميثاق الجامعة العربية ولا المعاهدات المعقودة في نطاقه على التحقيق كوسيلة لتسوية النزاعات بين الأعضاء. ولم تأخذ الجامعة من الناحية العملية بالتحقيق كوسيلة في تسوية النزاعات بين الدول العربية إلا  في نطاق محدود وفي نزاعات معينة، منها النزاع بين سلطنة عمان واليمن عام (1974)، إذ شكل مجلس الجامعة لجنة من مصر والجزائر وسوريا وتونس وليبيا والكويت والأمين العام، للتوصل إلى حقائق حول النزاع المذكور.([62]) وكذلك قام مجلس الجامعة بتشكيل لجان لمعرفة المشاكل التي تعاني منها الدول العربية في جنوب الجزيرة العربية لتسوية النزاعات الناشئة في تلك المنطقة.([63]) وكانت الجامعة ترى ان التحقيق في النزاعات العربية يجب ان يخضع لاختصاصها وليس لاختصاص جهة أخرى أجنبية.([64]) وقد فشلت لجنة تحقيق الجامعة العربية التي شكلتها عام (1948) بناءً على طلب الدول العربية في الحرب الأهلية في اليمن بسبب تغير الظروف في اليمن لصالح سيف الإسلام احمد عندما دخل صنعاء وأعلن نفسه إماما عليها فلم يصبح للجنة أية فائدة.([65])

ونرى ان التحقيق يعد من انجح الوسائل لتسوية النزاعات الحدودية بين الدول العربية، وكان من الضروري ان يتضمن ميثاق جامعة الدول العربية نصاً يوجب على أعضائها اللجوء إليه لتسوية نزاعاتهم وتقديم كل المعلومات للمساعدة في إجراءات التحقيق والالتزام بالنتائج التي يتوصل إليها.

خامساً: موقف الجامعة العربية من التوفيق

لم ينص ميثاق الجامعة العربية على التوفيق كأداة في تسوية النزاعات الناشئة بين الأعضاء، ولم تأخذ الاتفاقات المعقودة طبقا للميثاق به أيضا على الرغم من أهمية التوفيق من الناحية القانونية. وان نص المادة الخامسة من ميثاق الجامعة العربية على عبارة (للتوفيق بينهما) لا يعني التوفيق بالمعنى القانوني ولكن تعني (الإصلاح بينهما).

وعملياً لم تأخذ الجامعة العربية بالتوفيق في أي نزاع حدودي، وأخذت به في حالات نادرة جداً.([66])

ونرى أن قصور المعرفة القانونية بآليات تسوية النزاعات العربية بالنسبة لواضعي الميثاق هو السبب الحقيقي لإغفال ميثاق الجامعة العربية هذا النوع من الأدوات العملية في تسوية النزاعات، لا سيما الحدودية منها.

سادساً: موقف الجامعة العربية من التحكيم

ذكرنا أن ميثاق جامعة الدول العربية قد حدد الوساطة والتحكيم الاختياري كأداتين رئيسيتين لتسوية النزاعات العربية – العربية، بيد أن الجامعة لجأت دائما إلى الوساطة ولم يحدث أن قبلت دولتان عربيتان عرض نزاعهما على تحكيم مجلس الجامعة العربية.([67]) ويؤخذ على ميثاق الجامعة العربية انه لم يفرض  التحكيم الإلزامي، وإنما تكلم فقط عن التحكيم الاختياري([68]). كما أن التحكيم غير الإلزامي هذا لا يكون إلا  في النزاعات قليلة الأهمية والخطورة، أما النزاعات الخطيرة فان الجامعة تتدخل كوسيط لا اكثر، وبما أن النزاعات الحدودية بين الدول العربية تعدّ من اكثر النزاعات خطورة تصل أحيانا إلى حد الصراع المسلح فنستنتج أن التحكيم في ميثاق الجامعة العربية لا يمكن استخدامه في تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية لاسيّما وان تدخل الجامعة مرهون بطلب الدول المتنازعة.([69]) كما أن الدول العربية وحدها هي التي تقدر خطورة النزاعات وأهميتها وليس الجامعة.([70])

كما أن الميثاق لم يفرض على المجلس الالتزام بقاعدة الإجماع السائدة في الحالات المختلفة التي يتخذ فيها القرار في نطاق الجامعة، إذ يتخذ المجلس قراراته الخاصة بالتحكيم بالأغلبية وتستبعد الدول المتنازعة عن الاشتراك في التصويت ولها الحق في عرض وجهة نظرها بشأن النزاع فقط.([71]) ومن متابعة تاريخ نشاط الجامعة في مجال تسوية النزاعات الحدودية، نلاحظ أن مجلس الجامعة ليس الأداة الصالحة للتحكيم في النزاعات الحدودية، وان الاحتكام إليه لا يتم إلا  بموافقة جميع أطراف النزاع، وان تراكم العمل أمامه وطريقة تشكيله لا يجعلان منه هيأة مناسبة لتسوية النزاعات بالوسائل الأخرى، ولهذا نستطيع الحكم عليه بالفشل في تسوية النزاعات التي عرضت عليه، كما أننا نلاحظ انه في جميع النزاعات الحدودية التي عرضت على الجامعة فإنها فضلت اللجوء إلى الأساليب السياسية والدبلوماسية، ولم تحاول تسويتها عن طريق التحكيم.([72]) فلم يجرؤ مجلس الجامعة على إصدار قرار تحكيم واحد، ويلاحظ أيضاً أن الجامعة اتخذت موقف اللامبالاة إزاء بعض النزاعات الحدودية العربية – العربية([73]). ولا سيما في منطقة الخليج العربي إذ أنها منطقة مشحونة بنزاعات الحدود والتي تجاهلت دول المنطقة عرضها على الجامعة العربية، أما لعدم ثقتها بقدرة الجامعة العربية أو لشدة ثقتها بمجلس التعاون لدول الخليج العربي الذي كان له دور اكبر في تنقية أجواء الصراعات التي تنشأ بين أعضاء المجلس أو لإحالة الصراعات إلى التحكيم الدولي خارج نطاق الجامعة العربية. ولهذه الأسباب نلاحظ ظهور التكتلات والانقسامات التي تجسدت أخيرا بسياسات المحاور داخل الجامعة. فلم تعد جامعة الدول العربية، تعاني من معضلة تكييف العلاقة بين السيادة القطرية وحتميات الأداء ذو الأبعاد القومية فحسب، بل إن العمل في ظلها بات من مطلع عقد التسعينات من القرن العشرين، يميل لصالح السيادة القطرية تارةً، أو لصالح مرجعية الإقليمية الجديدة – بوصفها بعداً اقتصادياً وليس قيمياً- تارةً أخرى، إذ احتضنت الأمانة العامة للجامعة العربية في 8/4/1997 اجتماعا تنسيقياً لخبراء الدول العربية المتوسطية لمؤتمر مالطا الذي عقد في 5-6/4/1997 الخاص بالشراكة الأوربية المتوسطية.

وبذلك منحت جامعة الدول العربية للتوجهات الإقليمية التي تتعارض مع المشروع الحضاري العربي نوعاً من الشرعية، حين أحجمت عن التقييم المبدئي لهذه التوجهات التي تفتت وحدة الصف العربي على المستوى السياسي الاستراتيجي([74]).

كما ويلاحظ ان ميثاق الجامعة العربية يتمّيز بضعف التنظيم القانوني وعدم أخذه بالقواعد القانونية الدولية الواضحة في التحكيم فلم تحدد المادة الخامسة التي ورد فيها التحكيم مهمته وإجراءاته وطرق تنفيذه للقرارات الصادرة بموجبه “مما يترتب عليه ضياع النزاع بطول المناقشات والانقسامات في الآراء نتيجة للغموض الوارد في نص المادة الخامسة والتفسيرات التي تخدم وجهات نظر الدول المتنازعة”.([75])

وقد وضعت اللجنة الفرعية السياسية المكلفة بإعداد مشروع ميثاق الجامعة العربية الملحق عدد (1) الخاص بالأصول الخاصة بالتحكيم لدى مجلس الجامعة.([76]) واهم هذه الأصول الخاصة للتحكيم:

ان الدول المتنازعة تضع الإجراءات الخاصة بالتحكيم طبقاً لاتفاقيات تعقد بينها، على أن تخضع للإجراءات العامة للتحكيم.([77])

ترفع الدول المتنازعة اتفاق التحكيم إلى مجلس الجامعة، وتتفق ضمن هذا الاتفاق على الصلاحيات الممنوحة لهيأة التحكيم.([78])

إذا لم تتوصل الأطراف المتنازعة إلى اتفاق التحكيم، يتولى مجلس الجامعة عملية التحكيم إذا طلبت منه الأطراف المتنازعة ذلك.([79])

تختار الدول المتنازعة جميع اعضاء مجلس الجامعة أو عضو أو اكثر أو أحد الشخصيات الدولية كهيأة تحكيميّة.([80])

يتولى ممثلو الدول في المجلس، الدفاع عن حقوق دولهم ومصالحها أثناء نظر مجلس الجامعة في النزاع، ويجوز ان تعهد الدول بهذه المهمة إلى شخص أو اكثر من رجال القانون.([81])

لا يجوز الدفاع عن الدول شفاهاً، بل يجب إتباع اللوائح المكتوبة التي يجب ان تقدم في الوقت المحدد لها طبقا لاتفاق التحكيم أو بواسطة أمانة السر العامة.([82])

يجوز للهيأة التحكيمية استخدام التحقيق كوسيلة لتسوية النزاع عندما تجد ضرورة لذلك بواسطة لجنة خبراء.([83])

لا يجوز تقديم أدلة ثبوتية جديدة بعد انتهاء المدة المحددة لتبادل الأوراق، وعند انتهاء التحقيق. إلا باتفاق أطراف النزاع أو بقرار للهيأة التحكيمية.([84])

يجوز للهيأة التحكيمية ان تطلب الوثائق والإيضاحات التي تحتاجها، وفي حالة رفض الأطراف تأخذ الهيأة علما بذلك.([85])

يخضع تفسير اتفاق التحكيم لهيأة التحكيم.([86])

تتولى هيأة التحكيم في حالة إذا تطّلب التحكيم أجراء تحقيقات أو تبليغات في أراضى دولة أخرى ليست طرفا في الدعوى، الاتصال بحكومة تلك الدولة.([87])

بعد ان تتم جميع الأمور المبينة آنفا تعلن الهيأة التحكيمية اختتام المحاكمة([88])، وتجري المذاكرة في جلسة سرية ويتخذ القرار بالأكثرية.([89]) ويكون القرار معللاً ويبلغ للدول طالبة التحكيم.([90]) ويكون القرار قطعي “و لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة”.([91])

تنظر الهيأة التحكيمية في النزاعات الناجمة عن تفسير القرار، وهي الوحيدة التي يحق لها تفسير القرار.([92])، ولا يمكن إعادة المحاكمة إلا إذا كان هناك سبباً خطيراً من شأنه ان يؤثر في القرار ولم يكن معروفا من قبل وغير ناجم عن إهمال أو خطأ من الدولة.([93])

قرار التحكيم لا يلزم إلا الأطراف المتنازعة. وإذا رفض أحد أطراف النزاع الالتزام بالقرار للهيأة ان تعلن إخلال تلك الدولة بالتزام مفروض عليها بموجب الميثاق([94])

تتحمل الدول طالبة التحكيم تكاليف التحكيم مناصفة.([95])

ونستطيع القول ان هذه الأصول الخاصة بالتحكيم لدى مجلس الجامعة العربية هي ليست خاصة بها، بل منقولة من النظام الأساس لمحكمة العدل الدولية واتفاقية لاهاي للتسوية السلمية عام (1907)، وهي قواعد عامة وثابتة في الاتفاقيات الخاصة بالتحكيم.([96])

ويؤشر عليها إنها بقيتضمن محاضر جلسات الجامعة العربية ولم تقنن بشكل اتفاقية دولية ملزمة، أو ترفق بميثاق الجامعة، إلا  انه يجوز الرجوع إليها، وهذا الرجوع غير ملزم لان المحاضر لا تشكل وثيقة دولية ملزمة. وكذلك فان الاتفاقيات المعقودة في نطاق جامعة الدول العربية اتخذت مواقف متباينة من مسالة التحكيم فبعضها أناط التحكيم بالمنازعات التي تنشأ عن تفسير أو تطبيق الاتفاقية الخاصة بالمنظمة بمجلس الجامعة.([97]) ومنها ما نص على التحكيم خارج نطاق الجامعة العربية.([98]) وبعض تلك المنظمات منحت الأمين العام لجامعة الدول العربية صلاحية تعيين الحكم عند الخلاف على اختياره.([99]) ولم تأخذ بعض المنظمات والاتفاقيات المعقودة في نطاق جامعة الدول العربية بالتحكيم لا في إطار مجلس الجامعة ولا  خارجه.([100])

والخلاصة ان الاتفاقيات المعقودة في نطاق الجامعة العربية لم تجعل من مجلس الجامعة مرجعاً لتسوية منازعاتها بطريقة التحكيم، مما يدل على عدم اهتمام الدول العربية وعدم ثقتها بمجلس الجامعة كأداة لتسوية النزاعات.

وعملياً حاولت الجامعة تطبيق التحكيم في النزاعات التالية :

الحرب الأهلية في اليمن عام (1948) إذ اقترحت الجامعة اللجوء إلى التحكيم.([101])

النزاع السوري اللبناني عام (1949) اثر احتجاج سوريا على المعاهدة اللبنانية الفرنسية عام (1948) إذ رأت سوريا أنها تتعارض مع أهداف العمل والتعاون العربي ووجهت مذكرة إلى الدول العربية تطالب فيها عدم عقد أي اتفاق مع دولة أجنبية دون اخذ رأي مجلس الجامعة، بينما قدمت لبنان مذكرة لدى مجلس الجامعة تطلب فيها التحكيم في الموضوع غير ان الموضوع لم يناقش في مجلس الجامعة([102])

النزاع السوري-اللبناني عام (1949) اثر دخول الجنود السوريين للأراضي اللبنانية إذ ألقت القوات اللبنانية القبض عليهم تمهيداً لمحاكمتهم أمام المحاكم اللبنانية وطلبت سوريا إطلاق سراحهم، ورفضت لبنان واتفقاعلى أجراء التحكيم بموجب (مشارطة التحكيم) في 28/أيار/1949، واسند التحكيم إلى مصر والسعودية وعقدت هيأة التحكيم في مقر المفوضية المصرية في بيروت، وقررت إطلاق سراح الجنود السوريون ودعت الطرفين إلى تبادل الاعتذار، والدعوة إلى عقد اتفاقية ثنائية تنظم مثل هذه الأمور مستقبلاً.([103])

النزاع بين السعودية وبريطانيا حول الحدود بين السعودية وأبو ظبي على واحة البريمي إذ اتفق الطرفان على التحكيم([104])،وقد فشلت محاولة الجامعة في التحكيم([105]).

ومن ذلك نستنتج ان نص المادة الخامسة من ميثاق الجامعة لم يكن موفقا في صياغته القانونية لأنه فشل في إقناع الدول العربية باللجوء إلى تحكيم مجلس الجامعة بإعتباره يمثل الدول الأعضاء، وهذا التمثيل يعد تمثيلاً سياسياً لا تتوفر فيه المعرفة القانونية لغالبية أعضائه.([106]) وان الانقسامات والمحاور تتجسد في هذا المجلس مما أفقدته ضمانات الحياد في إصدار قراراته وزادته من عدم ثقة الأعضاء بقدراته، ونلاحظ فشل جامعة الدول العربية في التحكيم في النزاعات الحدودية بالرغم من أمكانية تسوية تلك النزاعات بواسطة التحكيم بل انه افضل الوسائل في تسويتها ولكن فشل الجامعة يعود إلى سببين رئيسين هما:

عدم كفاية النصوص القانونية في الميثاق.

عدم ثقة الأطراف المتنازعة بقدرات مجلس الجامعة في تسوية النزاع.

وقد تتجاوز الجامعة العربية السبب الأول (عدم كفاية النصوص القانونية) إذا ما تم إنشاء محكمة العدل العربية المرتقبة والتي نص عليها الميثاق في مادته (19) “يجوز وبموافقة ثلثي دول الجامعة تعديل هذا الميثاق وعلى الخصوص لجعل الروابط بينها امتن وأوثق ولإنشاء محكمة عدل ولتنظيم صلات الجامعة بالهيئات الدولية التي قد تنشأ في المستقبل لكفالة الأمن والسلام”.

إذ اكتفى الميثاق بالنص عليها وترك أمر إنشائها للأجيال المقبلة. وقد شعرت الدول العربية بضرورة وجود هذه المحكمة مع مطلع الخمسينات من القرن الماضي ومنذ ذلك الوقت قدم اكثر من مشروعللنظام الأساس للمحكمة أولها عام (1951)([107]) ثم في عام (1964) ثم مشروع (1973)، وفي عام (1976) قرر مجلس الجامعة تطوير أساليب العمل في الجامعة وتعديل ميثاقها والنظم الداخلية ودعا الأمين العام لجنة من الخبراء، وعقدوا اجتماعات ابتداءً من 12/11/1979ونوقشت مسألة إنشاء محكمة عدل عربية بنظام أساسي يعد جزءاً لا يتجزأ من الميثاق.([108]) وفي عام (1982) أنهت اللجنة المكلفة بوضع مشروع النظام الأساس لمحكمة العدل العربية مشروعاً جديداً على أساس انه نظام ملحق بالميثاق وله قيمة قانونية ويتألف المشروع من أربعة فصول بـ (38) مادة([109]) ولا مجال هنا لدراسة هذا المشروع لأنه خارج الفترة الزمنية التي يغطيها هذا البحث.

سلوك جامعة الدول العربية في تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية

درسنا فيما سبق إن المادة الخامسة من ميثاق جامعة الدول العربية حددت صلاحيات مجلس الجامعة لتسوية النزاعات الحدودية بين أعضائها ومن المعلوم ان مجلس الجامعة هو ليس الهيأة الوحيدة التي كان لها دور عملي في تسوية نزاعات الحدود العربية بل ان هناك جهات أخرى وان لم ينص عليها الميثاق قد تكون ذات فعالية تضاهي فعالية مجلس الجامعة في هذا المجال وأولها الأمين العام ومن ثم مؤتمرات القمة .

1-تطور وظيفة مجلس الجامعة في تسوية النزاعات الحدودية.

لقد تطور مجلس الجامعة العربية تطوراً كبيراً في هذا المجال وقد برز هذا التطور على مستويين: الأول هو مستوى التمثيل في المجلس، إذ إن مستوى التمثيل مؤشر يعكس مدى رؤية الأقطار العربية – في إطار الجامعة – لخطورة النزاع أو الخلاف محل الاهتمام. والمستوى الثاني هو الذي يعكس توسع المجلس في استخدام أساليب جديدة في تسوية النزاعات بخلاف تلك التي وردت في الميثاق.

فبالنسبة للتطور على المستوى الأول، يلاحظ أنه أصبح بإمكان المجلس أن يجتمع على مستويات مختلفة، فيجتمع حيناً على مستوى المندوبين الدائمين،  وعلى مستوى وزراء الخارجية حيناً، وعلى مستوى القمة العربية حيناً آخر. ويلاحظ إن المرونة التي صيغ بها موضوع تمثيل الأقطار لدى مجلس الجامعة هي التي مكنته من أن يجتمع على أي مستوى من المستويات المشار إليها. فالمادة الثالثة في الميثاق اكتفت بالنص على أن يكون للجامعة مجلس يتألف من ممثليّ الدول المشتركة في الجامعة، ويكون لكل منهم صوت واحد مهما كان عدد ممثليها. وقد جرى العمل العربي على إن النزاعات العربية المهمة سواءً لخطورتها أو لارتباطها بالمصالح العربية القومية أصبحت تعالج من خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب أو من خلال اجتماعات القمة للملوك والرؤساء – وكما سنرى لاحقاً.

إما بالنسبة لتطوير واستحداث أساليب جديدة لحل النزاعات، فقد تجاوز المجلس الإطار الضيق الذي حدده به الميثاق، الذي اقتصر على الوساطة والتحكيم الاختياري، فقد استعان المجلس بالعديد من الوسائل والتكتيكات فلجأ في كثير من النزاعات إلى المساعي الحميدة والمصالحة والتحقيق وبعثات تقصي الحقائق وذلك منذ البدايات المبكرة للعمل العربي المشترك في إطار الجامعة[110]. ولم يعتمد المجلس على وسيلة معينة لحالة نزاع معين ففي كثير من الأحيان كان يعتمد على أكثر من وسيلة واحدة. وهذا يتماشى مع حقيقة إن التصنيف بالنسبة لوسائل تسوية النزاعات لا يعنى إن كل وسيلة فيها منفصلة تمام الانفصال عن الأخريات، وإن كل واحدة منها تصلح لفئة معينة من النزاعات دون غيرها[111]. ومما لاشك فيه إن أبرز تطور استحدثه المجلس في النزاعات الحدودية هو أسلوب العزل بين الأطراف المتنازعة من خلال إرسال قوات عربية مشتركة، وحدث ذلك مرتين في تأريخ الجامعة، مرة في نزاع حدودي أثناء أزمة الكويت عام (1961)، والثانية في نزاع غير حدودي أثناء أزمة الحرب الأهلية في لبنان، إذ عُرِفَتْ القوات التي أُرسلت باسم قوات أمن الجامعة العربية، أو القوات العربية الرمزية، وتغيرت بعد أن تم تعزيزها، إلى قوات الردع العربية[112].

  1. دور الأمين العام للجامعة في تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية

لاحظنا في فصلٍ سابق كيف إن وظيفة الأمين العام للجامعة العربية محدودة في ضوء النصوص الواردة في الميثاق، وفي اللوائح الداخلية لكل من مجلس الجامعة وأمانتها العامة[113]. ولكن في ضوء ما جرى العمل به فعلاً يمكن الاستنتاج بأن وظيفة الأمين العام شهدت تطوراً كبيراً وبصفة خاصة دورها السياسي بالنسبة لكافة القضايا العربية، لاسيما تحت ضغط الظروف التي أحاطت بالجامعة والمشاكل التي تعرضت لها. وقد تزايد اهتمام مجلس الجامعة بمنصب الأمين العام، باعتباره أحد العوامل الفاعلة في إدارة مختلف النزاعات العربية المحلية بشكل إيجابي، وهذا ما شجع الأمين العام على القيام بدور سياسي رئيس في مجال تسوية النزاعات بين الدول العربية، والوساطة بين الأطراف المتنازعة. قد تزايد هذا الدور بدرجة ملحوظة أدت إلى اعتماد المجلس عليه في القيام بمهام الوساطة والتوفيق وبذل المساعي الحميدة، وقد بلغ اعتماد مجلس الجامعة على أمينها العام حداً كبيراً، إذ كان يُعهد إليه كلياً بالقيام بدور الوسيط في الكثير من الحالات، كما إن الأمين العام كثيراً ما يقوم بجهوده التوفيقية بين أطراف النزاع حتى قبل تكليف المجلس له بذلك، وقيام الأمين بذلك يمثل ضرورة تقتضيها مقتضيات وظيفته، فلكي يستطيع مثلاً توجيه نظر المجلس أو الدول الأعضاء إلى أية مسألة قد تسيء إلى العلاقات القائمة بين أعضاء الجامعة، يتعين عليه – بادئ ذي بدء – أن يلم بالقدر الكافي بحقائق الموقف موضوع النزاع. وكثيراً ما كان مجلس الجامعة يرحب – في دوراته العادية – بالجهود التي يبذلها الأمين العام للوساطة بين أطراف نزاع عربي معين بل كان في أحيان أخرى يطلب منه الاستمرار في بذل تلك الجهود. فقد أصدر المجلس مثلاً إبان النزاع الحدودي بين دولتي اليمن عام (1972) قراراً بأن يستمر الأمين العام في مجهوداته من أجل تحقيق مصالحة الدولتين، وبمساعدة لجنة خاصة مكونة من ممثلي بعض الدول الأعضاء[114].

وعلى الرغم من كل القيود القانونية التي تفرضها المادة الخامسة من ميثاق الجامعة العربية في مجال تسوية النزاعات إلا  ان دور الأمين العام للجامعة كان دائماً دوراً أساسيا في التغلب على تلك القيود وفي تطوير الكفاءة التنظيمية أو السلوكية للجامعة فلم تشكل تلك القيود القانونية قيداً حقيقياً على قدرة الجامعة على تسوية النزاعات العربية في مواجهة ديناميكية دور الأمين العام للجامعة، فقد أدّت شخصية الأمين العام دورا أساسيا في تطوير كفاءة الجامعة في التعامل مع النزاعات الحدودية العربية – العربية.

ففي كثير من الحالات قام الأمين العالم بدور الوساطة، والتحقيق والاتصال بأطراف النزاع[115]، فقد أدّى الأمين العام دوراً بارزا في الحرب بين دولتي اليمن (1972) بسبب النزاع الحدودي بين الدولتين، وفي الأزمة العراقية الكويتية(1961)أيضاً، وكذلك كان للامين العام دور محدود جدا يكاد لا يذكر في النزاع المصري- السوداني(1958) بخصوص حلايب.[116] فعلى الرغم من محدودية الدور الممنوح للامين العام في ميثاق الجامعة، كون هذا الأخير ركز على الجانب التنظيمي والإداري للامين العام.[117] إلا  ان النظام الداخلي لمجلس الجامعة-كما مر ذكره- قد خول الأمين العام بعض الصلاحيات السياسية من بينها القيام بدور الوساطة بهدف التوفيق بين الأطرافالمتنازعة وذلك بتكليف من مجلس الجامعة عملاً بالمادة (12) أو بمبادرة منه كونه ممثلا دبلوماسيا للجامعة العربية ولأعضائها.[118] ففي النزاع العراقي الكويتي عام(1961) قام الأمين العام بدور الوساطة بناءً على تكليف من مجلس الجامعة ونجح السيد عبد الخالق حسونه أمين عام الجامعة في تنفيذ القرار 1777/35 في 20/7/1961 إذ لأول مرة في تاريخ الجامعة اشرف الأمين العام على إنشاء قوة طوارئ عربية بهدف السهر على تنفيذ بنود التسوية التي توصل إليها القرار، وأدّى الدور نفسه عام (1973) عندما نشب النزاع مجددا بين العراق والكويت فأسفرت جهوده عن تشكيل لجنة مختلطة مهمتها تحديد الحدود بين الطرفين المتنازعين.[119]

وفي النزاع بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي عام (1972) قام الأمين العام عبد الخالق حسونة بالمساعي الحميدة بين الدولتين واستمر هذا الدور بمساعدة لجنة خاصة لحين المصالحة بين طرفي النزاع آنذاك وقد توّجت هذه الجهود باتفاق بين البلدين لحل هذا الخلاف وتشجيعها على الاتحاد خلال مباحثاتها الثنائية وقد توّج كل ذلك بتوقيع اتفاقية سلام بين الدولتين إضافةً إلى توقيع اتفاقية اتحاد بينهما في إكتوبر (1972).[120]

كما كان للامين العام دور في النزاع الحدودي المغربي الجزائري اثر تدهور الوضع بين الدولتين عام (1963) بالرغم من إخفاق دور الجامعة ككل في تسوية النزاع. يمكن القول إن تعاظم دور الأمين العام في مجال تسوية النزاعات الحدودية العربية، قد برز بوضوح شديد في النزاع الجزائري – المغربي عام (1963). فبعدما تدهور الموقف بين  البلدين، بادر الأمين العام بدعوة مجلس الجامعة للانعقاد في دورة غير عادية لبحث هذا النزاع. ولا شك أنه إذا كانت مبادرة الأمين العام بدعوة مجلس الجامعة للانعقاد في دورة استثنائية لبحث النزاع الجزائري – المغربي، قد جاءت بالأساس انطلاقا مما تقرره المادة (20) من النظام الداخلي للمجلس، وكانت هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها الأمين العام لاستخدام حقه بمقتضى هذه المادة، إلا  إن ما يميّز مبادرة الأمين العام هذه هو استحداث أسلوب التدخل على النحو الذي تم به وإن لم يحقق النجاح المرجو. وكانت هذه سابقة تبنتها الأمانة العامة لنفسها توسيعاً لإمكاناتها في دعوة مجلس الجامعة للانعقاد[121].

ولم يكن الأمين العام لجامعة الدول العربية ولا للجامعة نفسها إلاّ دوراً ضئيلاً في النزاع المصري السوداني حول حلايب، بالرغم من ان المندوب السوداني لدى الجامعة العربية قد تقدم بمذكرة للامين العام باسم حكومته يطلب فيها منه بذل المساعي الحميدة في هذا النزاع بين الدولتين.[122]

ان نجاح الأمين العام للجامعة العربية في تسوية النزاعات الحدودية وتفعيل دوره في هذا المجال يظل مرهونا بالعديد من الأمور سواءً منها ما يتعلق بشخصية الأمين العام أو بطبيعة النزاع ودرجة خطورته وارتباطه بدولة المقر.”ان دور الأمين العام مرتبط بشخصه وشخصيته أو خبرته السياسية، وكذلك بارتباطه بدولة المقر التي يظل دائما يحمل الأمين العام جنسيتها وهذه الروابط يمكن ان تؤدي دورا مثبطا أو منشطا لمجال التسوية السلمية وذلك يتوقف على الظروف السائدة في دولة المقر وتوصياتها وعلاقتها بالدول الأعضاء الأخرى”.[123]ولعل مما يؤسف له إنه على الرغم من الظروف الموضوعية التي كانت وراء تعاظم الدور السياسي للأمين العام على صعيد تسوية النزاعات الحدودية العربية، فإن هذا الدور كثيراً ما يتعرض للنقد من جانب بعض الدول الأعضاء، وهي ظاهرة تعود في الواقع إلى السنوات الأولى لقيام الجامعة، كما إنها ليست بقاصرة على أمين عام الجامعة العربية، بل نكاد نجدها في أغلب المنظمات الدولية[124].

والخلاصة ان الجامعة العربية توسعت في استخدام الوسائل المختلفة في فض النزاعات ولم تقف عند حدود وسيلتي الوساطة والتحكيم اللتين نص عليهما الميثاق وانما عمدت إلى المساعي الحميدة وتقصي الحقائق وإرسال لجان التحقيق وسواها مقتفية بذلك اثر الأمم المتحدة وكان من بين تلك الوسائل هو دور الأمين العام للجامعة فقد أدّى الأمناء العامون أدوارا مهمة في التوسط بين إطراف النزاع على الرغم من ان الميثاق لا يتيح لامين عام الجامعة فرض المبادرة فإن عددا من الأمناء العامين (وعلى وجه الخصوص عبد الرحمن عزام ومحمود رياض) لم يرتضوا أن يكونوا مجرد موظفين إداريين وانما عملوا على أن يكون لهم أدوار سياسية فاعلة معتمدين على مهاراتهم الفردية وخبرتهم وتاريخهم السياسي وعلاقتهم بدولة المقر.[125]

3- دور مؤتمرات القمة العربية في تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية.

استحدثت جامعة الدول العربية دبلوماسية القمة العربية كإحدى أدوات تعرية النزاعات العربية معبرة بذلك عن قدرة الجامعة العربية على التأقلم مع الظروف الجديدة.[126] فمؤسسة مؤتمرات القمة العربية بغض النظر عن وضعها القانوني والتفسيرات المختلفة التي أعطيت لنص المادة الثالثة من ميثاق الجامعة الخاص بتأليف مجلس الجامعة الذي لم يحدد درجة التمثيل الدبلوماسي أدّت دوراً مهما في مجال الإسهام في تهدئة النزاعات بين الدول العربية بشكل عام والنزاعات الحدودية بشكل خاص، والمساهمة الفعالة في حل بعضها انطلاقا من كون القمة تضم صانعي القرار في الوطن العربي ولقاء من هذا النوع على أعلى مستوى في القيادات العربية يمّكن هؤلاء القادة العرب من مناقشة معظم القضايا والخلافات العربية – العربية ومعرفة مواقف الأطراف المعنية وتصوراتهم عن نزاعاتها وبالتالي توفر القمة العربية جوا يساعد على تقريب وجهات النظر بين الأعضاء المتنازعين ومع ذلك نستطيع ان نقول ان القضايا الحساسة والمعقدة تبقى بعيدة عن الانغماس والتدخل فيها خوفا من انعكاس ذلك على الجامعة كمؤسسة وعلى العلاقات العربية – العربية[127]، كموضوع الخلاف الجزائري- المغربي حول قضية الصحراء مثلا.[128]

فقد أدّت اجتماعات ملوك ورؤساء الدول العربية في إطار القمة دوراً في تسوية النزاعات بين الدول العربية من خلال صورتين.[129] الأول ان تخلق لقاءات القادة العرب مناخاً مناسباً للتفاهم بين رؤساء الدول الأطراف في النزاع حتى وان لم يكن الهدف من الاجتماع هو تسوية النزاع فقد مهد اجتماع القمة العربية الإولى عام (1964) – على سبيل المثال- لقاء مصري- سعودي لتسوية الأزمة اليمنية، ولقاء مغربي- جزائري لتسوية النزاع الحدودي بينهما فالجامعة هنا تقوم بوظيفة إتصاليّه بين القادة العرب تمهد بالتالي لتسوية النزاعات بين الدول العربية، أما الصورة الثانية فهي اجتماع ملوك ورؤساء الدول العربية في إطار الجامعة من اجل تسوية نزاع عربي، ومن أمثلة ذلك اجتماع القمة العربي في تشرين الاول (1976) لنظر في الحرب الأهلية في لبنان وهو الاجتماع الذي أسفر عن وضع التشكيل النهائي لقوات الردع العربية في لبنان.[130] وقد أظهرت التجربة في عمل الجامعة العربية إن اجتماع القادة العرب أكثر نجاعة لتسوية بعض الخلافات أو لاتخاذ قرارات مهمة. إذ إن إجراءات التفويض مهما كانت فإنها لا ترقى إلى حد تمكين ممثل الدولة من التفاوض وإلزام دولته بالحد الأدنى من الحرية والمبادرة التي تتطلبها مثل هذه الأعمال[131].

ظاهرة تجاوز الجامعة العربية واللجوء إلى غيرها من المنظمات الدولية

 لوحظ في العقد الخامس من القرن العشرين ان بعض أعضاء جامعة الدول العربية فضّل تخطي الجامعة وتجاوزها كأداة لتسوية منازعاتها مع غيرها من الدول العربية واللجوء إلى الأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات، ولعل السبب الحقيقي في تلك الظاهرة نابع من تخوف الدولة الطرف في النزاع من ان تؤثر الدولة القائد في الجامعة أو دولة المقر في عملية تسوية النزاع، لاسيّما إذا كانت تلك الدولة ذات علاقات وطيدة بالطرف الآخر للنزاع، أو إذا كانت هي نفسها طرفا مباشرا فيه.[132] وهذا ما دفع السودان مثلا إلى عرض نزاعه مع مصر 1958 حول إقليم حلايب على الأمم المتحدة ولجوء لبنان والأردن إلى الأمم المتحدة لبـحث نزاعهما مع الـجمهورية العربيـة المتـحدة (1958)، ولجوء المغرب إلى منظمة الوحدة الأفريقية لبحث نزاعه مع الجزائر عام (1963)، وفي جميع الحالات الثلاث كانت مصر أما طرفاً في النزاع وأما منحازة لأحد أطرافه.

إن قصور ميثاق الجامعة العربية في مجال التسوية السلمية وعدم تضمينه لتفصيلات ملزمة لأحكام مبدأ التسوية السلمية، كان سبباً مهماً لقصور دور الجامعة العربية في مجال التسوية وعجز مجلسها عن أداء مهامه، وهذا ما دعا بعض الدول العربية أن تبحث عن حل لنزاعاتها من خلال المنظمات الدولية الأخرى[133].

بالأضافة إلى ذلك يمكن ان يُعزى لجوء بعض الدول العربية إلى غير الجامعة العربية لتسوية نزاعها إلى تخوفها من تأثير الجامعة على التوازنات السياسية في مجتمعهم، مثال ذلك الحالة في لبنان إذ برزت السياسة اللبنانية إزاء الجامعة منذ المراحل الأولى لإنشائها، إذ ان لبنان كان وراء الكثير من النصوص التي قيدت اختصاص الجامعة في مجال تسوية النزاعات، ومن ذلك رفض لبنان مبدأ (التحكيم الإجباري) في إثارة مناقشة مشروع الميثاق[134]. وكذلك رفضت الحكومة اللبنانية الإشارة إلى ميثاق الجامعة في حيثيّات الحكم الصادر عن (مشارطة التحكيم) مع روسيا عام (1949)، وأيضا ترددها كثيرا في بداية الحرب الأهلية عام(1975) في الموافقة على تدخل جامعة الدول العربية.[135] ويمكن ان نضع سبباً آخر لعزوف الدول العربية عن اللجوء إلى جامعة الدول العربية وتخطيها إلى منظمة الأمم المتحدة هو تباطؤ تحرك الجامعة في عدد من النزاعات المهمة مقارنة بمنظمة الأمم المتحدة ففي عام (1958) إزاء النزاع بين الجمهورية العربية المتحدة ولبنان احتاج مجلس الجامعة عشرة أيام حتى أمكنه الاجتماع، في حين ان مجلس الأمن اجتمع بعد اقل من 24 ساعة من إبلاغه، وفي الأزمة الكويتية – العراقية عام (1961) لم يجتمع مجلس الجامعة إلا  بعد مرور ثلاثة أيام أما مجلس الأمن فقد اجتمع بعد إبلاغه بـ (24) ساعة فقط، وفي حالة الحرب الأهلية اللبنانية عام(1975 – 1976) لم يجتمع مجلس الجامعة إلا  بعد مضي ستة شهور تقريبا من بداية الأحداث.[136]

إلا  ان ظاهرة عزوف الدول العربية من اللجوء إلى الجامعة العربية بدأت في التضاؤل في العقدين السابع والثامن من القرن العشرين بسبب ازدياد ثقة دول الجامعة في حيادها وقدراتها التنظيمية وكذلك تضاؤل الدور القيادي المصري في الجامعة وظهور مراكز قيادية جديدة منافسة كالسعودية والكويت.[137] ويمكن إضافة سبب آخر هو ان الدول العربية أدركت وخلافا لمقولات أنصار المنظمة العالمية ان مقارنة سجل الجامعة العربية في تسوية النزاعات العربية يوضح إنشائها كانت – على وجه الأجمال – اكثر كفاءة من الأمم المتحدة في التعامل مع تلك النزاعات، فلا يوجد مثال واحد لنزاع عربي تم تسويته تماماً في إطار الأمم المتحدة بينما لدينا العديد من الأمثلة التي تم حلها بشكل نهائي في إطارجامعة الدول العربية ودون تدخل من الأمم المتحدة والواقع ان هذا النمط يعكس قدرة الجامعة على توفير نوع من الاتفاق العام بين الدول الأعضاء حول القضايا السياسية وحساسيتها إزاء التدخل الأجنبي في قضاياها.[138]

تقييم كفاءة جامعة الدول العربية في تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية

يتضح لنا من خلال دراسة نظام الجامعة العربية الخاص بتسوية النزاعات،سواءً الذي يحدده الإطار القانوني أو الذي نستشفه من خلال التطبيق والممارسة اللذان نتج عنهما خبرة تاريخية للمنظمة في هذا المجال، إن هناك أمران هامان:

الأمر الأول، إن دبلوماسية الجامعة في تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية تتسم بمجموعة من الخصائص العامة هي:

يلاحظ أن دور الجامعة يختلف من حيث الفعالية والأداء باختلاف الظروف والأطوار التي تمر بها العلاقات العربية – العربية، فتتحسن تارةً عندما يسود الهدوء والوفاق بين الأقطار العربية، وتسوء تارةً أخرى عندما تسوء تلك العلاقات، وأكبر دليل على هذا القول ما آل إليه وضع الجامعة على أثر التدهور الذي حدث بين مصر وأقطار الوطن العربي بعد توقيع اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية (كامب ديفيد)، فقد أدى ذلك إلى انعكاسات خطيرة على الجامعة ليس فقط في أدائها الوظيفي، وإنما في هيكليتها أيضاً، وهو أمر لم يحدث منذ قيام الجامعة.

عزوف الجامعة العربية عن القيام بدور الحكم أو القاضي بين الأطراف المتنازعة، واللجوء إلى الوساطة بشكل دائم كأداة لتسوية النزاعات العربية – العربية. أي إن الجامعة لم تحاول إدانة أي طرف من أطراف النزاع المعروض عليها، بقدر ما حاولت تسوية هذا النزاع سلمياً[139].

تتميز دبلوماسية القمة في الجامعة العربية في تسوية النزاعات الحدودية بين أعضائها، بقدرتها على تحقيق درجة أكبر من النجاح في التصدي لكثير من الأزمات والخلافات العربية، وإذا كانت تلك الدبلوماسية قد فشلت في أحيان كثيرة في إيجاد التسوية المباشرة لبعض النزاعات العربية، إلا أن دورها يضل في مقدمة العوامل التي تهيئ المناخ أللازم للوصول للتسوية.

عزوف الجامعة عن اللجوء إلى التدابير أو الإجراءات العسكرية، كإجراء ضروري من إجراءات تسوية النزاعات، فلم تلجاء الجامعة إلى ذلك إلا في أزمة الكويت في عام (1961)، ولم يكن الهدف من قوات الردع العربية التي أُرسلت إلى الكويت إلا المحافظة على السلام والأمن، والعزل بين الأطراف المتنازعة.

والأمر الثاني، إن هناك ظروف موضوعية عديدة تؤثر سلباً وإيجاباً على وظيفة الجامعة وطبيعة أدائها تجاه تلك النزاعات الحدودية[140]. فالنسبة للظروف الموضوعية الإيجابية أو المساعدة، يعدّ الإجماع والوفاق العربيان في مقدمة العوامل المساعدة لقيام الجامعة بدور نشط وإيجابي في تسوية النزاعات الحدودية، فالإجماع العربي هو أحد الشروط الأساسية لتسوية أية أزمة عربية[141]. إلا  أن مما يقلل من قيمة الإجماع العربي إنه يأتي – في العادة – متأخراً، أي بعد نشوب المشكلة بوقتٍ طويل، ومن ناحية أخرى نلاحظ أن التدخل الخارجي الأجنبي يأتي في صورة العمل والتحرك المباشرين، فهو برغم مخاطره يعدّ من أهم العوامل التي تحفز الجامعة العربية على اتخاذ مواقف تجاه الأزمات، فقد كان استدعاء القوات البريطانية من جانب الحكومة الكويتية لمواجهة مزاعم القيادة العراقية عام (1961)، وراء مضاعفة ا لجهود العربية في إطار الجامعة من أجل معالجة هذه الأزمة عربياً، وبما يكفل انسحاب القوات الأجنبية من الكويت[142]. ويتصل بعامل التدخل الخارجي، موقف الدول الكبرى ولاسيّما الدولتين العظيمتين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي – السابق – من النزاع الذي تنظره الجامعة. فقدرة الجامعة – مثل أية منظمة دولية أو إقليمية أخرى – تتوقف في جانب كبير منها على طبيعة اتجاهات السياسة الخارجية للدولتين العظيمتين تجاه النزاع موضوع الاهتمام، فكلما كانت مواقف الدولتين إيجابية بالنسبة لنزاع معين، كلما قُدِّرَ للجامعة أو المنظمة أن تقوم بدور كبير – نسبياً – في معالجته، والعكس صحيح أيضاً. والنزاع الحدودي بين الجزائر والمغرب عام (1963) خير مثال على ذلك، وقد كانت الظروف الدولية تشكل عاملاً مساعداً لتحرك الجامعة وعدم تدويل النزاع بعرضه على الأمم المتحدة، على الرغم من مطالبة المغرب الشديدة بنقل النزاع إلى الأمم المتحدة، ورفضها عرضه على أي من المنظمتين الإقليميتين المعنيتين (جامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الأفريقية)، وسبب رفض أن ينظر النزاع في الأمم المتحدة يعود إلى إن الدولتين العظيمتين كانتا حريصتين وبدافع من مصالحهما الخاصة على أن يضل النزاع محلياً وإقليمياً وأن لا يتحول إلى خلاف من خلافات الحرب الباردة[143]. وهناك عوامل وظروف موضوعية تحد من قدرة الجامعة على تناول النزاعات الحدودية العربية – العربية بشكل إيجابي، فالبطؤ في التحرك الدبلوماسي من جانب الجامعة لمواجهة النزاع يؤثر سلباً على أدائها في تسويته، فقد ذكرنا في موقع سابق كيف أن مجلس الجامعة احتاج إلى ثلاثة أيام ليعقد في أزمة الكويت عام (1961) في حين أنعقد مجلس الأمن الدولي خلال (24) ساعة. وتؤثر طبيعة هذه النزاعات الحدودية على نوعية أداء الجامعة في مواجهتها، فالمتتبع لحركة الصراع في الوطن العربي منذ نشؤ الجامعة وحتى الآن يستطيع أن يستنتج حقيقة مهمة هي أن النزاعات الحدودية قلما تتحول إلى مجابهات عسكرية صريحة. كالمواجهات بين الجزائر والمغرب عام (1963) والمواجهة بين مصر وليبيا عام (1977)، وهذه تعدّ حالات شاذة من بين العديد من النزاعات الحدودية العربية – العربية، بل وحتى إن هذه المواجهات العسكرية لم تتحول إلى حروب نظامية مكثّفة[144]. ومما يعيق دور الجامعة في تسوية النزاعات الحدودية بين أعضائها، إنها – النزاعات الحدودية – كثيراً ما تتخذ طابعاً شخصياً محضاً، كسوء تفاهم بين زعيمين، أو انعدام الثقة بينهما، وبطبيعة الحال فإن نزاع من هذا النوع يصعب تقويمه أو تحليله، وبالتالي يصعب معالجته إيجابياً.

إذا كانت هذه هي أهم الخصائص التي تميز الدبلوماسية العربية في تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية، وهذه هي أهم الظروف الموضوعية التي تؤثر بدرجة ملحوظة سلباً أو إيجاباً على أداء الجامعة في هذا المجال، فلا نبالغ في استنتاجنا بأن دور الجامعة في هذا الشأن سيظل محدوداً وهامشياً على العموم، ويبقى دون مستوى تطلعات العرب إلى منظمة قادرة على تسوية النزاعات التي تنشب بينهم، ولعل محدودية وهامشية هذا الدور يعود في جانب منه إلى بعض مظاهر القصور في الميثاق، ويعود في المقام الأول إلى إن طبيعة علاقات القوى في الوطن العربي هي التي تشّل كثيراً من حركة الجامعة وقدرتها في هذا المجال، ولا شك إن حالة الجامعة العربية في الوقت الراهن تعيد إلى أذاهننا تجربة عصبة الأمم التي عصفت بها الحرب العالمية الثانية بعد نحو ربع قرن من قيامها، وتمخضت بالتالي عن ميلاد منظمة جديدة هي الأمم المتحدة. ونحن لا نطالب بنسف جامعة الدول العربية وإقامة منظمة أخرى على أنقاضها، بقدر مطالبتنا بإصلاح هذا الهيكل الذي اكتسب على مدى أكثر من ثمانية وخمسين عاماً مضت، خبرةٌ لا تقل عن خبرة الأمم المتحدة.

وفي حديثنا عن تقييم كفاءة أداء الجامعة العربية في مجال تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية، فلا ضير أن نستعين ببعض المحاولات السابقة، فقد حاول الباحث محمد السيد سليم إيجاد مقياس الكفاءة غير المرجحة لجامعة الدول العربية في مجال تسوية النزاعات العربية بشكل عام.[145] ويتضمن هذا المقياس ثلاثة مؤشرات هي : دور الجامعة في إنهاء القتال، دور الجامعة في تهدئة النزاع، ودور الجامعة في تسوية النزاع، على أن يتم تجميع قيم الأجوبة على المؤشرات الثلاثة بالنسبة لكل نزاع نظرته الجامعة في مقياس واحد يتراوح ما بين (صفر) (فشل كامل في ضبط النزاع) و (6) (نجاح كامل في ضبط النزاع وهذا ما يمثله العمود الرابع في الجدول:

أما المقياس الثاني فهو مقياس نشاط الجامعة والذي يحدد حجم النشاط اللفظي والسلوكي الذي قامت به الجامعة لتسوية النزاع، ويقصد بها طبيعة ونتيجة المناقشات السياسية التي أجرتها الجامعة حول النزاع ونوعية العمليات الميدانية التي قامت بها الجامعة لتسوية النزاع. ويتراوح هذا المقياس ما بين (صفر) (لم تناقش الجامعة النزاع ولم تقم بأي عمليات ميدانية) و (عشر درجات) (أي ناقشت الجامعة النزاع واتخذت قرارات، كما أنها قامت بعمليات ميدانية وفرضت عقوبات على بعض الأطراف المتنازعة وهذا ما مثله العمود رقم (7) من الجدول[146].

وهناك أيضا مقياس أهمية النزاع، والهدف منه ترجيح درجة كفاءة ونشاط الجامعة العربية في تسوية النزاعات العربية، والعامل المرجح هنا هو أهمية النزاع، فكفاءة الجامعة العربية تزداد بإزدياد أهمية النزاع، وذلك بافتراض ثبات درجة التدخل، فتدخل الجامعة بالدرجة نفسها في نزاعين أحدهما أساسي ويؤدي إلى انفجار الموقف والثاني غير ذي أهمية ولم يكن ليؤثر في مسار العلاقات العربية، يعني أن كفاءتها في التعامل  مع النزاع الأول اكثر من كفاءتها في التعامل مع النزاع الثاني ووضع المقياس خمسة مقاييس فرعية، هي : عدد القتلى المدنيين والعسكريين في النزاع، احتمال تهدئة النزاع دون تدخل الجامعة، احتمال حل النزاع دون تدخل الجامعة، احتمال تصاعد النزاع إذا لم تتدخل الجامعة، وأخيرا احتمال أن يؤدي النزاع إلى حرب عالمية ما لم تتدخل الجامعة، ويتراوح المقياس ما بين واحد صحيح (لا توجد أهمية تذكر للنزاع) إلى (1600) درجة (صراع على درجة عالية من الخطورة) وهذا يمثله العمود رقم 8 من الجدول[147]

أما المقياس التركيبي المرجح النهائي فانه ببساطة حاصل ضرب المقاييس الثلاثة المذكورة ( عمود 4 × عمود 7 × عمود 8 ) وهو العمود رقم (9) من الجدول وكلما زادت قيمة المقياس، زادت الكفاءة المرجحة لجامعة الدول العربية في تسوية النزاعات العربية وبالعكس.

سنحاول الإفادة من هذا المقياس بتخصيصه لقياس كفاءة الجامعة في تسوية النزاعات الحدودية التي عرضت على جامعة الدول العربية للفترة من 1945 – 1979 وهي ذاتها التي سبق وان أشرنا إليها فيما سبق لذلك سنرسم الجدول مستبعدين النزاعات غير الحدودية فيه أي ستبقى في الجدول سبعة نزاعات حدودية من مجموع ثلاثة عشر نزاعا عرضت على الجامعة العربية .

يتضح من تطبيق المقياس على النزاعات الحدودية العربية  – العربية ما يأتي:

أن الجامعة تدخلت في جميع النزاعات بنسب مختلفة فحتى النزاع المصري السوداني عام (1958) كان تدخل الجامعة فيه محدودا.

هناك نزاعات تدخلت الجامعة – دون نجاح – في عملية تسويتها مثل النزاع المصري – السوداني (1958) والنزاع المغربي – الجزائري – الموريتاني عام(1979).

هناك نزاعات تدخلت الجامعة بنجاح محدود في تسويتها مثل أزمة الضفة الغربية (1950) وكذلك الحرب المغربية – الجزائرية (1963).

هناك نزاعات أسهمت الجامعة بفعالية في تسويتها أو في تهدئة حدتها على الأقل كالنزاع العراقي الكويتي (1961)، والحرب بين اليمن الشمالي واليمن الديمقراطية 1972، والحرب المصرية الليبية عام (1977)، وفي هذه الحالات الثلاث نجحت الجامعة في شكل ملموس في الحد من تصعيد النزاع أو التوصل إلى تسوية نهائية له.

ويلاحظ أن كفاءة جامعة الدول العربية تطورت في سبعينيات القرن الماضي بالقياس إلى عقدي الستينات والخمسينات.[149] ويرى بعض الباحثين عكس ما توصل إليه السيد سليم إذ يرون أن كفاءة الجامعة في الخمسينات كانت تفوق كفاءتها في الستينات، ويعلل هذا الفريق رأيه بأن توازن القوى العربي في الخمسينات (المحور المصري – السعودي في مواجهة المحور الهاشمي) وانتماء الدول العربية جميعها إلى المعسكر الغربي، كان من العوامل التي ساعدت الجامعة على تسوية النزاعات، بيد أن الدبلوماسية الثورية المصرية ابتداءً من عام (1957) أضعفت قدرة الجامعة في هذا المجال، وبعد عام 1970 عادت هذه القدرة إلى الزيادة مع تحول الدبلوماسية المصرية نحو الاعتدال.[150]

ولكن من دراسة وتحليل أنماط تطور كفاءة الجامعة نجد أن هذا الرأي لا يتماشى مع الصواب، فليس هناك نزاع واحد منذ تأسيس الجامعة (1945) وحتى نهاية الخمسينات استطاعت الجامعة أن تتعامل معه بكفاءة بالمقارنة بالكفاءة النسبية الملحوظة في التعامل مع النزاعات العربية في الستينات. فلم تكن الدبلوماسية المصرية حائلًا دون نجاح الجامعة في تسوية النزاعات الناشئة عن انتهاء الوحدة المصرية السورية، أو نجاحها في تسوية النزاع الحدودي العراقي الكويتي وغيره.[151] وهناك من يقول أن قدرة الجامعة في تسوية النزاعات تأثرت بالحرب الباردة فحين كان الوطن العربي بعيداً عن الحرب الباردة ولم يكن له انتماء شرقي أو غربي كانت الجامعة قادرة على تسوية النزاعات العربية بيد أن دخول العملاقين  – وبالذات الاتحاد السوفيتي السابق – إلى المنطقة ابتداءً من السنة 1965 اثر سلبا على قدرة الجامعة في هذا المجال.[152] وتجاهل أنصار هذا الرأي نزاعات عديدة نجحت الجامعة في التعامل معها حتى في زمن الحرب الباردة.

والواقع أن الجامعة العربية قد اكتسبت وعلى مدى العقود الثلاثة محل البحث خبرة تراكمية ومهارات جديدة جعلتها قادرة على تخطي القيود القانونية التي فرضها عليها ميثاقها. ويخلص محمد السيد سليم إلى أن الجامعة اكثر كفاءة في تسوية النزاعات الحدودية العربية الأكثر حدة ويضرب مثلا النزاع بين دولتي اليمن عام(1972) والحرب المصرية الليبية عام(1977) وكما مبين في الجدول. ويذكر أن الجامعة نجحت في تسوية نزاعا حدوديا واحداً فقط لم يكن يمثل خطورة كبيرة وهو أزمة الضفة الغربية عام (1950). ويذكر أيضا السيد سليم انه “يبدوا أن هناك حدا حرجا معينا من التهديد الأمني الإقليمي العربي، يدفع بالجامعة وبالدول العربية المعنية إلى تعبئة وشحذ قواها من اجل تسوية نزاع يهدد الأمن القومي. أما إذا لم يصل النزاع إلى هذا الحد الحرج فان الجامعة قد لا تهتم كثيرا بالتعامل معه. والمثال الواضح على ذلك النزاع الحدودي المصري السوداني عام(1958)”.[153]

وتوصل محمد السيد سليم من الجدول السالف الذكر (قبل اختصاره على النزاعات الحدودية فقط) أن كفاءة الجامعة في تسوية النزاعات المتعلقة بالإقليم والحدود اقل منها في تسوية النزاعات الأخرى. ويضرب مثلا لذلك أزمة الضفة الغربية والحرب المغربية – الجزائرية، إذ لم يكن للجامعة دور أساسي في تسويتها، ولم تنجح الجامعة العربية إلا  في تسوية نزاع واحد وهو النزاع بين دولتي اليمن وتهدئة نزاع آخر وهو النزاع العراقي- الكويتي عـام (1961). وقد قارن هذا النتائج بنتائج التسوية في النزاعات الأخرى لاسيما التي تتعلق بقضايا مذهبية أو بشكل النظام السياسي في الدولة مثلاً، ويضرب مثال على هذه النزاعات التي نجحت الجامعة في تسويتها النزاع المصري – السوري (1961)، والحرب الأهلية في اليمن (1963)، والحرب الأهلية اللبنانية عام(1975).

وكذلك لاحظ السيد سليم أن كفاءة جامعة الدول العربية في تسوية النزاعات التي تتعادل فيها قوة المتنازعين تكون اكثر من غيرها. ويضرب مثلا الحرب بين دولتي اليمن والحرب المصرية – الليبية، ويقول أن نزاع واحد فقط غير متكافئ الأطراف تمكنت الجامعة من تسويته وهو النزاع العراقي – الكويتي والحقيقة أن الجامعة العربية لم تتمكن من تسوية هذا النزاع بل تمكنت من تهدئة فقط، لأنه عاد للانفجار في عام (1990). ويعزي السيد سليم نجاح الجامعة في النزاعات متكافئة الأطراف إلى أن هذا التكافؤ من شأنه  أن يزيد من حدة النزاع وخطورته مما يدفع بالمنظمة الدولية والأعضاء إلى تعبئة الجهود لمحاولة تهدئته، فضلا عن استعداد الأطراف المتنازعة لقبول التسوية بحكم أن أيا منهم لا يتوقع هزيمة الطرف الآخر.

على الرغم من أن المنهج الذي جاء به السيد سليم لاقى العديد من الانتقادات منها أن الدراسات السياسية لا يمكن أن ينطبق عليها المنطق الرياضي إذ لا يمكن فرض التحديد والجمود الرياضي عليها إذ تتسم الدراسات السياسية بتداخل العناصر المرنة والمتحركة بشكل مستمر مما يتنافر مع جمود الأرقام وثباتها كما أن الدرجات التي أعطاها الباحث لعناصر الجدول هي درجات لا تستند إلى أساس واضح وثابت فمرة يكون الحد الأقصى للدرجة سنة، ومرة أخرى يكون عشرة. فلماذا لا يكون العكس مثلاً؟ ولماذا لا يتساوى في كلا الحالتين؟ ولم يكن الباحث دقيقا في تحديد أهمية النزاع فقد أعطى لأزمة الضفة الغربية مثلا ست درجات أعطى للنزاع المغربي- الجزائري- الموريتاني حول الصحراء الغربية (36) درجة في حين انه أعطى للنزاع المصري- الليبي عام 1977 (72) درجة. بالرغم من أن هذا النزاع لم يستغرق اكثر من ساعات أو على أقصى الفروض بضعة أيام، في حين أن النزاع المغربي الجزائري الموريتاني حول الصحراء الغربية مازال مستمرا حتى هذه اللحظة برغم بعض التسويات الجزئية، لذلك نستطيع أن نقول أن هذا المعيار يفتقر إلى الدقة في تحديده أهمية النزاع.[154] وكذلك فان الدراسة احترزت من تقديم أي اقتراح بشان تطوير آلية التسوية القائمة مكتفية بالتأكيد على دور دبلوماسية القمة أو الوساطة لملاءمتها للنزاعات العربية.[155]

فعلى الرغم من كل هذه الانتقادات التي تقدمت فإننا يمكن أن نستفيد من العمود رقم (7) في الجدول والذي يتضمن نشاط الجامعة في تسوية النزاعات إذ أن السيد سليم قاس هذا النشاط بشكل شبه دقيق وكما مر توضيحه. إذ حاول هذا العمود رقم (7) تحديد حجم النشاط اللفظي والسلوكي الذي قامت به الجامعة لتسوية النزاعات ويمكن ملاحظة أن المقياس المذكور قد أشر حالتين فقد تجاوزت النسبة النصف أي ( 5 من 10) وهما الحرب اليمنية الجنوبية – الشمالية عام(1972) إذ أعطى له خمس درجات، والـنزاع العراقي- الكويتي (1961) إذ أعطى له ست درجات، فيما حصلت أزمة الضفة الغربية على أربع درجات، ولم تحصل باقي النزاعات إلا  على درجات ضئيلة تتراوح بين (صفر) – كما في النزاع المصري – السوداني 1958 – و (3) – كما في الحرب المغربية-الجزائرية 1963.[156]  فإذا احتسبنا مجموع هذه الدرجات نجد إنها تساوي (21) من مجموع (70) أي بنسبة (30%) فقط نستشف مدى هشاشة الآلية التي اعتمدتها الجامعة في تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية.[157] ونحن نرى أن هذه النسبة رغم ضآلتها إلا  انه يمكن أن ترتقي لتصبح متوازية مع تطلعات العرب إذا قاموا أولا بإصلاح أنفسهم وكسروا ذلك القالب الخشبي الجامد الذي وضعوا فيه منظمتهم وقيدوها بإطار قانوني ضيق جعلت فيه السيادة ليس للجامعة بل للأعضاء منفردين فالمنظمة العربية هي ليست سلطة فوق سلطة الدول العربية، بل هي عبارة عن جهاز معطل يعمل فقط في حالة إجماع الأصوات العربية، ولو نظرنا إلى حال الأمة العربية ومواقفها الهزيلة الذي تعيشه في هذه المرحلة الحرجة التي تتصادم فيها الحضارات والثقافات وترتفع فيها أصوات المصالح الخاصة فوق أصوات المصالح القومية، التي لم يأن  أوانها بعد وتنمو فيه بذور الظاهرة الاستعمارية من جديد هذه الظاهرة التي تزاوج بين نمطي الاستعمار القديم والحديث والذي يحتاج من الشعوب النامية عموما والعرب خصوصا بلورة موقفهم ضد هذه التحديات.

إن نظرة تقيميه لدور الجامعة العربية في تسوية النزاعات الحدودية بين الأقطار العربية تكون وفق معيارين، يتمثل المعيار الأول بالأهداف والوسائل التي وضعها ميثاق الجامعة العربية، وهي محدودة، فتبدو إنجازات الجامعة معها كبيرة جداً، في حين يتعلق المعيار الثاني بالآمال المعقودة على الجامعة من قبل الشعب في كل الدول العربية، وهنا تصبح إنجازات الجامعة محدودة[158].ولعل ذلك يرجع إلى عدة أسباب منها:-

إن نزاعات الحدود هي نزاعات قانونية تتضمن العديد من المسائل الإجرائية والقانونية مما يجعل الوسائل السياسية قليلة الجدوى معها أو يُحد من قدرتها[159].

قصور ميثاق الجامعة العربي في مجال التسوية السلمية وخلوه من مواد ملزمة لأحكام مبدأ التسوية السلمية، فلم يكن حضر استخدام القوة عاملاً حاسماً في منع نشوب النزاعات[160].

إهمال الميثاق للتعاون الأمني العربي، فهو لم ينص على إنشاء مؤسسة تتولى مسؤولية ضمان الأمن العربي، كما إن الميثاق لم ينص على عبارة الأمن القومي العربي[161].

تأخر إنشاء محكمة العدل العربية حتى الآن، على الرغم من الإشارة إليها في المادة (19) من ميثاق الجامعة.

اقتصر ميثاق الجامعة على فرض التزام سلبي على الدول الأعضاء بعدم اللجوء إلى القوة، في حين ترك لهذه الدول اتخاذ التدابير التي تراها ملائمة[162].

ضعف العلاقة الشخصية بين الأمين العام وقادة الأقطار العربية، وبقاء بعض الأمناء العامون، لمدة طويلة في مناصبهم مما يجعلهم يقعون تحت نفوذ دولة المقر[163].

إن صورة التدخل اللاحق وتدخل الوقائي الذي يتخذها مجلس الجامعة إزاء النزاعات العربية – العربية هي “صورة غامضة”[164].

أعطت لنا كل هذه النقاط السابقة مؤشراً على ضعف الجامعة العربية في موضوع التدخل لفض النزاعات الحدودية بين الأقطار العربية ولا سيما أقطار دول الخليج العربي.  وبما أن جامعة الدول العربية هي التطبيق العملي للموقف العربي الموحد فيجب أن يلتفت العرب إليها التفاته سريعة وجدية لإصلاح الهفوات التي تكتنفها، وكسر القيود القانونية والتي وضعها فيها الميثاق وتقديم تنازلات للإرادة والمصلحة العامة على حساب السيادة القطرية والمصالح الخاصة، وإلا فمن المتوقع إذا لم تتفادى الجامعة هذه الثغرات وتتجاوزها فسيكون مستقبلها كمستقبل عصبة الأمم من قبل، أي ستئول إلى التفكك ومن يدري فإذا قامت على أنقاض العصبة منظمة قوية هي منظمة الأمم المتحدة قد لا تقوم على أنقاض الجامعة سوى تناحرات وصراعات وحروب وانقسامات في المجتمع العربي، والشيء الوحيد الذي نعول عليه في إنقاذ الواقع العربي هو ليس الحكومات العربية، بل الشعب العربي، فبالرغم من كل تحديات العولمة الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية فان هناك دائماّ ما يحرك الدم العربي الذي يتفجر دائماً لتغيير واقعه ولكن بعد سبات يدوم ردحاً من الزمن.

الخاتمــــة

جامعة الدول العربية وبالرغم من كل مكامن النقص والضعف في نظامها القانوني، أو في هيكليتها أو في طبيعة العلاقة بين أعضائها، فإنها ما زالت الصرح الوحيد الذي يجمع تحت خيمته جميع الأنظمة العربية على اختلاف توجهاتها وأفكارها وأيديولوجياتها، لذلك فلا يجوز بتاباً أن ترتفع الدعوات لإلغائها أو استبدالها، بل إن العلاج الأنجع في إعادة تأهيلها وإصلاحها لتصبح قادرة لتصبح قادرة على تحقيق الغايات والآمال التي أنشأت من أجلها.

وإذا كانت النزاعات الحدودية بين الدول العربية حقيقة راسخة تإن منها العلاقات العربية-العربية فأنها تمثل تحدياً كبيراً أمام جامعة الدول العربية ، لأن التعامل مع هذه النزاعات يتسم بحساسية مفرطة لأنها تتعلق بالكرامة والسيادة القطرية للدول العربية، فقد نشأت جامعة الدول العربية بفعل متغيرات عدة، عربية وإقليمية ودولية، فقد تفاعل الوعي القومي العربي مع ظروف المجتمع الدولي إبان الحرب العالمية الثانية، وتغير سياسة المستعمرين خصوصاً بريطانيا التي لعبت دوراً داعماً لتأسيس الجامعة لأسباب مصلحيه، ولكن هذا الدور لم يكن دوراً منشأ لفكرة من العدم بل كان مكملاً و مساعداً. وكان من أهم أهداف الجامعة السعي إلى استتباب الأمن والسلام بين الدول العربية، وحل جميع النزاعات التي يمكن أن تنشب بينها بالطرق السلمية، وتوثيق صلات التعاون في جميع الميادين. كما كرس الميثاق مبدئي المساواة التامة والمحافظة على سيادة الدول الأعضاء، وعدم التدخل في شؤونها، بالإضافة إلى عدم اللجوء إلى القوة لحل النزاعات. وتتكون الجامعة من ثلاثة أجهزة رئيسية هي، مجلس الجامعة والأمانة العامة والمجالس المتخصصة.

إن الظروف الدولية التي رافقت نشوء جامعة الدول العربية جعلت ميثاقها يمتاز بقصور النصوص العملية لمنع استخدام القوة بين الدول العربية في حالة قيام النزاعات ولاسيما الحدودية منها، التي تعتبر من أخطر أنواع النزاعات العربية.

فجاءت نصوص الميثاق في هذا المجال مرتبكة وغير متناسقة وخلطت بين المفاهيم القانونية، وجاءت خالية من التدابير والإجراءات التي تتخذ لمنع استخدام القوة بين الدول العربية، فلم يعطِ ميثاق الجامعة للجامعة المكانة الصحيحة التي كان يجب أن تأخذها في هذا المجال.

ولهذا السبب لابد من إيجاد تعديلات على ميثاق الجامعة العربية بحيث يتلافى الهفوات التي حددت من فعاليته. ويجب استحداث أجهزة جديدة يكون لها مركزية أكبر في علمية صنع القرار وتنفيذه، مثل مجلس أمن قومي عربي وقوة طوارئ عربية مسلحة.

وتعتبر الوسائل السلمية لحل النزاعات خير وسيلة لتسوية النزاعات بين الدول العربية و تجنيب الدول العربية العديد من المشاكل والمداخلات الأجنبية وتوفير الظمانة الأكيدة لها في إيجاد حل عادل يرضي الأطراف المتنازعة.

لذلك كان ينبغي على الميثاق إجبار الدول العربية على استخدام هذه الوسائل السلمية لتسوية منازعاتها السياسية والقانونية باستخدام المفاوضات باعتبارها وسيلة مرنة وسريعة ومباشرة وفعالة، وكذلك يجب إبداء المساعي الحميدة والوساطة أهمية أكبر والاعتماد عليهما في تسوية النزاعات الحدودية، والنص على ذلك الميثاق بحيث يعطي الأمين العام صلاحية أوسع في هذين المجالين. وفي حالة فشله يتولى مجلس الجامعة تشكيل لجان مساعٍ حميدة ووساطة تتولى تسوية مثل هذه النزاعات وأن تلتزم الدول المتنازعة بالتعاون مع هذه اللجان.

إن الوساطة التي جاء بها ميثاق جامعة الدول العربية لا تنطبق في حقيقتها مع مفهوم الوساطة في القانون الدولي. ولا بد من تعديل الميثاق والنص على تولي الأمين العام ومجلس الجامعة صلاحية التحرك السريع لإيجاد تسوية مناسبة بين الطرفين المتنازعين بطريق الاتصال بهما.

أما التحقيق فيجب أن تُشكل لجان دائمة له، وإعداد قائمة بالمحققين معتمدة من الدول الأعضاء تشكل منها لجان التحقيق عند نشوء نزاع معين، أو أن يتولى الأمين العام الأشراف الإداري المالي وأن تقوم هذه اللجان بأعمالها باستقلالية وحيادية تامتين، وتقدم تقاريرها متضمنة نتائج التحقيقات وتوصياتها إلى مجلس الجامعة.

والتوفيق هو الآخر ينتابه القصور طبقاً لميثاق الجامعة العربية، فيجب أن يعدل الميثاق بحيث يورد نص لتسوية النزاعات العربية بواسطة التوفيق، وأن تعد قائمة بالأشخاص الذين تعتمدهم الدول ليكونوا أعضاء في لجان التوفيق، وأن تضمن حرية عمل واستقلال وحيادية هذه اللجان بموجب الميثاق أيضاً وتلزم الأطراف بالتعاون معها.

أما التحكيم فهو الآخر لم يكن موفقاً في النص عليه بموجب ميثاق الجامعة العربية كأداة لتسوية النزاعات بين الأعضاء. حيث جاء مفهوم التحكيم طبقاً لميثاق الجامعة متناقضاً مع مفهوم التحكيم في القانون الدولي. لذلك يجب أن يعدل الميثاق بحيث يتضمن إعطاء التحكيم أهمية خاصة في تسوية النزاعات بين الدول العربية، وذلك بأن يدعو مجلس الجامعة الأطراف المتنازعة إلى تسوية منازعاتها بالتحكيم أو اللجوء إلى المجلس للتحكيم بينها في تسوية النزاع. وأن يكون قرار المجلس الذي يصدر بالأغلبية ملزماً. وينبغي أن يلحق في ميثاق الجامعة بروتوكول يحدد إجراءات التحكيم.

كما يجب العمل بجدية لإنشاء محكمة العدل العربية التي طال عليها الزمان وهي مازالت مجرد مشاريع لم تر النور حتى هذه الساعة. لأن الجهود المبذولة لإنشاء المحكمة لم تفلح في التوصل إلى نتائج ترضي جميع الدول العربية، وأن المشروعات التي قدمت في هذا الشأن لم تأخذ بنظر الاعتبار خصوصية النزاعات العربية، كما إنها جاءت متناقضة مع المفاهيم المعمول بها في المحاكم الدولية.

نستنتج من دراستنا لدور جامعة الدول العربية في تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية ما يأتي:-

فضلت الجامعة في كل النزاعات الحدودية التي عرضت عليها أو واجهتها أو عالجتها اللجوء إلى الأساليب السياسية والدبلوماسية. فلم تحاول أبداً الاعتماد على الطرق التحكيمية والقضائية. فمثلاً لجأت إلى إصدار قرار بتأليف لجنة وساطة في النزاع الحدودي بين الجزائر والمغرب عام (1963) وفي النزاع الحدودي بين دولتي اليمن، سعى المجلس في أيلول (1972) إلى تكوين لجنة من ممثلي بعض الدول العربية لتحقيق المصالحة بينهما، وعندما نشب النزاع بين الجزائر من جهة والمغرب وموريتانيا من جهة ثانية حول الصحراء الغربية قام الأمين العام للجامعة في شباط عام (1976) بمهمة الوساطة بين الأطراف المتنازعة.

اتسم عمل الجامعة في مجال حل النزاعات الحدودية أو تسويتها دوماً بالتلكؤ والتردد والتباطؤ فعلى سبيل لمثال، تلكؤ المجلس في النزاع الحدودي بين العراق والكويت عام (1961)، وكذلك في النزاع بين الجزائر والمغرب عام (1963) – وكما مرَّ ذكره-.

أستعصي على الجامعة العربية نزاعات حدودية كثيرة ولم تجد لها حلاً داخل الجامعة بل وجدت حلها خارج نطاق جامعة الدول العربية، كما في نزاع الحدود بين المغرب والجزائر حيث رفضت وساطة بعض الدول العربية (تونس والجمهورية العربية المتحدة) وقبلت وساطة جمهورية مالي غير العربية.

إن بعض النزاعات الحدودية العربية التي رفعت للجامعة كانت ترتدي طابعاً شخصياً بل كانت أحياناً مفتعلة أو مزاجية أو انعكاسا لخصومة شخصية بين القادة السياسيين، وكثيراً ما كان سوء التفاهم والتقدير أو الرغبة في الانتقام أو الحقد الدفين، عنصراً مهماً في اندلاع الخصومات بين الدول العربية. فبعض النزاعات الحدودية قام بتحريض خارجي أو لتحقيق أغراض سياسية، أو لإرضاء نزوة شخصية. فشخصية عبد الكريم قاسم مثلاً طبعت النزاع بين العراق والكويت عام (1961) بطابعها، كما إن خوف حكومة السودان من آثار الوحدة المصرية السورية هو الذي دفعها في شباط (1958) – الشهر الأول لإعلان الوحدة – إلى إثارة النزاع الحدودي مع مصر. فمعظم النزاعات الحدودية التي نشبت كانت نتيجة قرارات شخصية لا تمت إلى المؤسسات بصلة، فهي غالباً ما ترتبط بصانع القرار أكثر من ارتباطها بالظروف الموضوعية والسياسات المعتمدة.

اتخذت جامعة الدول العربية في بعض الأحيان موقف اللامبالاة إزاء بعض النزاعات الحدودية العربية – العربية، وكأن الأمر لا يعنيها ولا يسيء إلى هيبتها ومركزها. ففي النزاع الحدودي بين مصر والسودان عام (1958)، وعلى الرغم من المذكرة المقدمة من حكومة الخرطوم، لم تجد الأمانة العامة للجامعة من المناسب دعوة المجلس للانعقاد، والغريب أن الدول الأعضاء نفسها لم تتحرك لدعوة المجلس إلى الاجتماع والبحث عن التسوية.

إن موقف اللامبالاة هذا لدى الجامعة يقابله غالباً لدى الدول الأعضاء انعدام الثقة بالجامعة وبقدرتها على تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية، فعلى سبيل المثال عندما طلبت حكومة الخرطوم من الأمين العام للجامعة القيام بمهمة الوساطة في نزاعها مع مصر عام (1958)، عمدت في اليوم نفسه إلى رفع شكواها إلى مجلس الأمن الدولي، معلنة بذلك استخفافها بشأن الجامعة. كما رفض المغرب وساطة الجامعة في نزاعه مع الجزائر عام (1963)، وفضل الطرفان عرض مشكلتهما على مجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية.

بعض النزاعات الحدودية العربية – العربية نشأت قبل انضمام أحد الطرفين المتنازعين إلى الجامعة، أو نشأت بسبب رغبة أحد الأطراف في الانضمام إليها، كما في الأزمة بين العراق والكويت عام (1961).

بعض النزاعات العربية لم تكن في حقيقتها نزاعاً بين أطراف، وإنما كان موقفاً من بعض المشكلات والقضايا فالخلاف القائم بين المغرب والجزائر حول الصحراء الغربية ما هو إلا موقفاً من مصير هذا الإقليم ومن مفهوم الاستفتاء الذي دعت إليه الأمم المتحدة، فموقف الجزائر مثلاً لم يكن ينطوي على أي مطلب إقليمي في المنطقة.

لم يكن للجامعة فضل في منع الأطرف المتنازعة من تحويل المناوشات أو التحرشات أو الهجمات على الحدود المشتركة إلى حروب شاملة، بل إن الفضل في ذلك يعود إلى عوامل وظروف ومبررات خارجية.

إن بعض النزاعات الحدودية التي اندلعت بصورة مفاجئة لا يمكن أن تفسر إلا برغبة بعض الأنظمة العربية في إثارة المشكلات والصعوبات في وجه أقطار عربية حديثة العهد بالاستقلال، أو إنها على وشك نيل استقلالها، بهدف احتوائها أو السيطرة عليها أو الحصول على شيء من ثرواتها أو الاستفادة من واقعها، مثال ذلك الأزمة بين العراق والكويت وأزمة الصحراء الغربية.

ظهور ظاهرة تجاوز الجامعة العربية إلى غيرها من المنظمات ولا سيما منظمة الأمم المتحدة ومثال ذلك معظم النزاعات في منطقة الخليج العربي.

إن السبب الظاهر أو المعلن لعدد كبير من النزاعات الحدودية العربية – العربية، كان تغطيةً للسبب الحقيقي أو الفعلي فبعضها كانت أسبابه الحقيقية أيدلوجية، ويلاحظ أن اهتمام الجامعة كان في معالجة الأسباب الظاهرة دون الاهتمام في الأسباب الحقيقية.

ارتبط ظهور بعض النزاعات الحدودية العربية – العربية بموقف الدولتين العظمتين في النظام الدولي، فعندما حدث تقارب مثلاً بين اليمن الجنوبي والكتلة الاشتراكية، اندلعت الخصومات والمعارك بين دولتي اليمن وبين اليمن الجنوبي وبعض الدول العربية الجارة.

تأثر دور الجامعة العربية في تسوية النزاعات الحدودية العربية – العربية إلى حد كبير بسياسة المحاور في الوطن العربي، فقد ظهرت عدة محاور داخل الجامعة العربية كمجلس التعاون لدول الخليج العربي والاتحاد المغربي[1]، وغيرها.

لم تكن جامعة الدول العربية سوى مرآة عاكسة للأوضاع والعلاقات العربية – العربية، فنلاحظ أن دورها يصاب بالشلل عندما تتأزم العلاقة بين أثنين فقط من أعضائها الفاعلين فيها، فما بالك إذا ساءت العلاقات بين عدد كبير من أعضائها.

افتقار الجامعة إلى محكمة عدل عربية حتى هذه اللحظة قوض من دور الجامعة في تسوية النزاعات الحدودية ذات السمة القانونية.

إن أزمة العمل ضمن إطار الجامعة العربية ليست أزمة نصوص فحسب وإنما هي أزمة ممارسة وسلوك.

إن طبيعة نزاعات الحدود بين الدول العربية يصعب تمييزها، فقد تأخذ طابعاً قانونياً مرة وسياسياً مرةً أخرى. لذا فإن الوسائل السياسية قليلة الجدوى معها.

إهمال ميثاق الجامعة لمفاهيم الأمن القومي العربي، فهو لم ينص على إنشاء مؤسسة تتولى مسؤولية ضمان الأمن القومي العربي، ولم يشر حتى إلى مصطلح الأمن القومي العربي.

ضعف العلاقة بين الأمين العام وقادة الأقطار العربية، وبقاء بعض الأمناء العامون لمدة طويلة في مناصبهم مما يجعلهم يقعون تحت نفوذ دولة المقر، والتي هي أساساً لها دور كبير على كل الجامعة العربية من حيث تكوينها ومن حيث نشاطها أيضاً.

إن مجلس الجامعة ليست الهيئة الوحيدة التي كان لها دور عملي في تسوية نزاعات الحدود العربية بل إن هناك جهات أخرى لم ينص عليها الميثاق كالأمين العام ومؤتمرات القمة العربية.

تبدو إنجازات الجامعة كبيرة جداً إذا ما أخذنا بنصوص الميثاق معياراً لتقييمها، كما تبدو هذه الإنجازات هزيلة ومحدودة جداً إذا ما كانت الآمال المعقودة على الجامعة من قبل الشعب في كل الدول العربية معياراً لتقييمها.

اتضح من استخدام المقاييس الرياضية إن نسبة إنجاز الجامعة في مجال تسوية النزاعات الحدودية لا تتجاوز (30%) فقط، ورغم ضآلة هذه النسبة إلا إنها يمكن إن ترتقي لترضي طموحات الدول العربية وشعوبها، فيما لو قاموا بإصلاح مؤسستهم الرئيسة، أو تقديم تنازلات من سيادتهم القطرية لصالح السيادة القومية والمصلحة العربية، وإلا فأن مستقبل الجامعة العربية سيؤول إلى ما آلت إليه عصبة الأمم، وإذا قامت على أنقاض العصبة منظمة قوية، فقد لا تقوم على أنقاض الجامعة سوى التناحرات والصراعات بين أعضائها.

وأخيراً فنحن لا نوصي بحل الجامعة العربية أو إلغائها بقدر ما نضم أصواتنا إلى دعاة الإصلاح وإعادة التأهيل، وننقد كل الداعين إلى تفكيكها وانفراط عقدها[2]. فجامعة الدول العربية وإن لم تكن منظمة فاعلة في مواجهة الأحداث الدامية والأزمات التي عاناها العرب طوال أكثر من نصف قرن مضى، فأنها تظل المنظومة العربية الوحيدة التي تدل على أن هناك نظاماً عربياً في الحد الأدنى.

مقترحات لتفعيل دور جامعة الدول العربية في تسوية النزاعات الحدودية

أوجد الباحثون في دور الجامعة العربية في تسوية النزاعات العربية-العربية، الكثير من المقترحات لتفعيل دور الجامعة فيه ، فقد ذهب بعضهم إلى إيجاد جهاز جديد في الجامعة ذي طبيعة عسكرية بحتة بعيدة عن الخلافات السياسية التي تكتنف مجلس الجامعة، يطلق على هذا الجهاز (قوات الطوارئ العربية) (أو قوات السلام) أو أي اسم آخر، تشترك فيها جميع الدول العربية، وتكون بإمرة الأمين العام للجامعة لضمان سرعة تحركها، وان يعطى الحق لكل دولة عربية طلب هذه القوات ودخولها في أراضيها عند تخوفها من احتمال وقوع عدوان عليها من دولة عربية اخرى.

ومهمة هذه القوات فقط هي أن تكون حاجزا بين الدول المتنازعة، وليس لها أن تحدد الجهة المعتدية أو أن تتخذ موقفا عسكريا ضد دولة معينة، وتنحصر مهمتها بإيقاف الصدام المسلح، ويعقب هذا الأجراء مباشرةً قيام مجلس الجامعة بتهيئة الوسائل السلمية لتسوية النزاع الاساسي الذي أدى إلى استخدام القوة العسكرية بين الدول العربية، وان تحدد الوسيلة طبقا لطبيعة النزاع.

وأول تطبيق لهذا المقترح كان عام (1961)، عندما تشكلت قوة طوارئ في بعض الدول العربية ودخلت الكويت للحيلولة دون احتمال محاولة العراق ضمها إليه، ولكن الفرق بين تلك القوات والقوة التي نقترحها الآن هي أن تلك القوات لا تشمل جميع الدول العربية، وهي ليست قوة دائمة، الوجود بل أن مهمتها محدودة وتتفرق بعد إكمالها، وحتى إذا كانت هذه القوة دائمة الوجود، فإنها قد تنجح في عدم اندلاع النزاعات المسلحة، ولكنها لن تنجح في تسوية سياسية عامة وشاملة لكل النزاعات بين الدول العربية ولا سيما الحدودية منها، بسبب الحالة التأزمية التي قد تصل إليها هذه النزاعات، ثم أن وضع هذه القوات الافتراضية تحت إشراف الأمين العام قد يثير امتعاض بعض الدول العربية، لان الأمين العام لا يمثل الجامعة فهي ممثلة بأعضائها، وليس له أي صفة أو صلاحيات إلا الصلاحيات الإدارية فقط. لذا فأننا نقترح أن يستحدث إلى جانب هذه القوات (مجلس أمن قومي عربي) يتم تشكيله من تسعة دول من أعضاء الجامعة، على غرار مجلس الأمن الدولي الذي يتكون من خمسة عشر عضواً، تكون العضوية فيه دورية بحسب التوزيع الجغرافي للأقطار العربية وكما يأتي:

ثلاثة أعضاء من منطقة الخليج العربي (الكويت ، السعودية ، قطر، البحرين ، الإمارات ، عمان ، ومعها اليمن).

عضوان اثنان من المشرق العربي ( العراق ، سوريا ، الأردن ، لبنان ، وفلسطين)

دولتان من وسط الوطن العربي ( مصر ، السودان ، الصومال ، وجزر القمر ، وجيبوتي)

دولتان من المغرب العربي ( ليبيا ، تونس ، مغرب ، جزائر ، موريتانيا).

وبهذا يكون توزيع مشاركة الدول عادل بالنسبة للمناطق (40% من مجموع دول كل منطقة جغرافية)، ويتم ترشيحهم لأول مرة بالانتخاب، وحسب كل منطقة إقليمية، ثم تكون العضوية في المجلس دورية كل سنتين وبحسب الحروف الأبجدية لدول المنطقة الإقليمية الواحدة، وتعين الدول العربية الأعضاء في (مجلس الأمن القومي العربي) بعد تشكيله مندوبين دائمين من المختصين بالقانون الدولي، وذلك لضمان سرعة انعقاد المجلس في الحالات الطارئة وتكون للمجلس مهام أساسية هي :

الأشراف والقيادة لقوة طوارئ عربية دائمة يشترك فيها جميع الدول العربية الأعضاء في الجامعة بحسب النسبة السكانية لكل دولة، لضمان حيادية التحركات العسكرية من ناحية، ومراعاة الإمكانيات البشرية للأعضاء من ناحية اخرى، وللمجلس الحق في طلب قوات إضافية إذا اقتضت الحاجة وبشكل مؤقت.

تكون للمجلس صلاحيات قضائية، حيث يختار المجلس من بين المندوبين الدائمين فريق يتكون من عدد فردي، (ثلاثة في النزاعات القليلة الأهمية وخمسة في النزاعات المهمة التي تهدد الأمن القومي العربي)، لأجراء التحقيق في النزاعات التي تحدث بين الدول العربية، ويستبعد من فريق الخبراء هذا مندوبوا الدول الأطراف في النزاع إذا كانت أعضاء في تلك الدورة (لمجلس الأمن القومي العربي)، لضمان حيادية لجنة الخبراء، ويحق للدول أطراف النزاع الاعتراض على تسمية عضو في لجنة التحقيق أو اكثر ويتم تغييرهم وتعيين غيرهم باتفاق أغلبية أعضاء المجلس.

يرفع الخبراء نتائج التحقيقات مع توصيات إلى المجلس، ويقوم المجلس بمناقشتها وإصدار قرار بشأنها وبطريقة اقتراح مشاريع قرارات للدولة العضو في المجلس ( ما عدا الدول الأطراف في النزاع حيث لا يحق لها اقتراح مشاريع القرارات)، وتطرح هذه المشاريع للتصويت على أن يتوافق مشروع القرار مع نتائج التحقيقات وان يأخذ بنظر الاعتبار التوصيات المرفوعة من لجنة الخبراء.

يتخذ القرار إذا حاز على خمسة أصوات، وفي حالة وجود اكثر من مشروع قرار فلكل دولة من أعضاء (مجلس الأمن القومي العربي) حق اختيار مشروع قرار واحد، وفي حالة تساوي الأصوات حول اكثر من مشروع قرار، ففي كل مرة يعاد فيها التصويت ينحصر هذا التصويت على المشروعين اللذين حازا على اعلى الأصوات ولم يصلا إلى النصاب القانوني لإقرارها (خمسة أصوات).

في حالة غياب أحد الأعضاء أو امتناعه عن التصويت فتكون أغلبية الحاضرين (الأغلبية البسيطة) حدا في اتخاذ القرار، ويفضل أن ينص الميثاق على إلزام مندوبوا جميع الدول بالحضور، واعتبار الممتنع عن التصويت مؤيد للقرار (وفقا لمبدأ السكوت علامة الرضا) ويعتبر المتخلف عن الحضور مؤيدا أيضا.

يكون القرار نافذاً وملزماً لجميع الأطراف حتى التي صوتت ضده، ويتولى (مجلس الأمن القومي العربي) عملية تنفيذ القرار.

أن ينص الميثاق على إجراءات قاسية تتخذ بحق الدولة التي تخرق التزامها تجاه المجلس أو اتجاه قراراته.

ينظر (مجلس الأمن القومي العربي) في جميع المشكلات والنزاعات بصورة تلقائية بمجرد شعوره بوجودها، أو بإحالتها إليه من مجلس الجامعة، أو امينها العام، أو بطلب أحد أعضاء المجلس أو أحد أعضاء الجامعة، وينظر أيضا في التهديدات التي تتعرض لها الدول العربية من قوى أجنبية غير عربية، وبناءاً على طلب تلك الدولة العربية ولكن مهمته في هذه الحالة تكون وضع آلية لتوحيد موقف الأعضاء في مجلس الأمن القومي العربي اتجاه ذلك التهديد.

يعقد المجلس اجتماعاته بصورة دورية مرتين في الشهر. وفي حالة وجود ما يهدد الأمن القومي العربي فيعقد حال إحالة النزاع أو المشكلة إليه أو شعوره بها.

تلتزم الدول العربية بالتعاون مع لجنة الخبراء (المحققون) التي يعينها المجلس، وتقديم كل ما لديهم من أدلة ومعلومات، وتلتزم أيضا بقواعد التصويت وبالقرار الصادر عن المجلس .

نضمن في حالة استحداث مثل هذا الجهاز الخاص بتسوية النزاعات العربية مجموعة من الأمور أهمها، السرعة في انعقاد المجلس، واتخاذ القرار وتنفيذه، لا سيما وان اغلب قرارات الجامعة العربية بقيت ولفترة طويلة حبرا على ورق لعدم وجود جهاز تنفيذي في الجامعة، كما أن إلزام الدول العربية بما يتخذه المجلس من قرارات، ونص الميثاق على اتخاذ إجراءات رادعة في حالة خرق تلك القرارات، وإلزام الدول العربية باللجوء إلى مجلس الأمن القومي العربي لتسوية نزاعاتها، يضمن فعالية اكبر في تسوية النزاعات بين أقطار الوطن العربي، لا سيما النزاعات الحدودية، والتي يؤشر على ميثاق جامعة الدول العربية القصور بشأنها، لأنها تصنف في قائمة النزاعات التي تتعلق باستقلال وسيادة الدول العربية والتي استبعدتها المادة الخامسة من الميثاق وكما بينا في الفصل الأول من الرسالة، فنزاعات الحدود عادة ما يخشى منها وقوع حالة الحرب بين الدول العربية، وقد أتاح ميثاق الجامعة فرصة ضئيلة لإمكانية تسوية هذه النزاعات بنصه على توسط المجلس في الخلاف الذي يخشى منه وقوع الحرب بين دولة من دول الجامعة وبين أي دولة اخرى من دول الجامعة أو غيرها بالتوفيق بينها.

فمجلس الأمن القومي العربي يعد بمثابة الجهاز التنفيذي الذي سيسهر على تنفيذ قرارات الجامعة، كما انه يغني الجامعة عن محكمة العدل العربية التي يبدو إن الدول العربية غير راغبة بإنشائها، كما إن هذا المجلس يسهل عملية التحقيق ويسد الثغرات والمثالب، في عملية التصويت داخل الجامعة، بالإضافة إلى تدخله التلقائي عند شعوره بها وبالسرعة الممكنة، وقيادته وإشرافه على قوة طوارئ عربية دائمة.

المصــــــاد

القرآن الكريم

الوثائق

  1. البحوث والدراسات

الكتب العربية والمترجمة

الرسائل الجامعية

الصحف والمجلات

المصادر الأجنبية

مواقع الانترنيت

أولاً: القرآن الكريم

ثانياً:الوثائق:

  • اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول المضيفة وبين مواطني الدول العربية، والمصدقة بموجب المرسوم التشريعي رقم 108 في 25/9/1974.
  • اتفاقية مدريد الثلاثية بين المغرب وموريتانيا وإسبانيا عام(1975).
  • الاتفاق السعودي- القطري حول حدودها المشتركة في كانون الأول عام 1965.
  • تصريح الأمين العام عبد الرحمن عزام المنشور في الملف الكامل لمسالة القمة العربية. احمد عصام عودة، الأردن، ب ت.
  • التصريح الصادر عن الاجتماع الثلاثي المغربي – الموريتاني – الجزائري في مدريد 14/ت2/1975. منشور في محمد المرادوجي، مجلد المسيرة الخضراء فلسفة الحسن الثاني، لندن، 1976.
  • تقرير الأمين العام في الدورة الستين لمجلس الجامعة في أيلول 1973.
  • تقرير اللجنة المصرية للقانون الدولي المجلد العاشر، 1952، ص136.
  • حكم محكمة العدل الدولية  في 16/ مارس /2001لتسوية النزاع القطري – البحريني.
  • خطاب الدكتور محمد فاضل الجمالي امام مجلس النواب العراقي في 3/5/1949 المنشور في السياسة الخارجية للحكومة العراقية، واقع السياسة العراقية،(بغداد 1956).
  • خطاب أنطوني آيدن وزير الخارجية البريطاني الذي ألقاه في بلدية لندن في 29/مايس/1941.
  • خطاب أنطوني آيدن وزير الخارجية البريطاني الذي ألقاه في مجلس العموم البريطاني في 24/فبراير/ 1943.
  • ديباجة ميثاق جامعة الدول العربية.
  • رسالة شخصية بعث بها ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا  إلى انطوني ايدن في 19 / 5 / 1941.
  • قرار الجامعة العربية برفع التمثيل الدبلوماسي بين أعضائها إلى مستوى سفارة المرقم ق 97 / ج/7 في 30/11/1946. قرارات مجلس الجامعة العربية الجزء الأول 1946، ص25.
  • قرارات الجامعة المرقمة : القرار 59/د4/ج3 في يونيو (1946)، القرار 753/د 21/ ج3 في 3/4/1954، القرار 1553/د31/ج4 في 23/3/1959، القرار. 92/د5/ج1 في 23/11/1946، القرار1935/ د40/ج4 في 20/11/1963، القرار  2961 الدورة العادية 58 في 13 / أيلول / 1972، القرار  3016  في 7/4/1973، القرار  604/ د20 / ج5 في 20/1/1954، القرار 3843  في 28/6/1976، القرار 1694/ د32 أ/ج3 في 25/8/1960، القرار 2961/د80/ع في 13/سبتمبر/ 1972، القرار  1934/40 في 19/تشرين الأول/1963، القرار 1777/35 في 20/تموز/1961، القرار1934 / 40 في 19 / تشرين الأول / أكتوبر/1963، القرار 1935/40 في 19 / تشرين الأول / أكتوبر/1963، القرار 3230/د63/ج4، 26/4/1975، .
  •  قرارات مجلس الجامعة، الجزء الخامس، 1960
  • كتاب وزارة الخارجية ا لعراقية، الدائرة العربية، المرقم 742/287/1021 في 23/1/1955، إضبارة الديوان الملكي رقم 5/1/1955.
  • كتاب وزارة الخارجية العراقية 10/1010/7/4159 في 17/مارس/1948، إضبارة الديوان الملكي ح/4/6/1948.
  • كتاب وزارة الخارجية العراقية، الدائرة السياسية، سري/ش/ 710 14/5/24في 20/3/1945.
  • مؤتمر (بحرى) بين العراق والسعودية أنواع، وبرعاية بريطانية بتاريخ الأول من كانون الثاني عام (1924).
  • مجموعة المشاريع الصادرة عن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، (تونس، 1980).
  • مجموعة المعاهدات والاتفاقيات، جامعة الدول العربية، (القاهرة، 1978).
  • محاضر جلسات اللجنة الفرعية السياسية لوضع مشروع ميثاق جامعة الدول العربية، جامعة الدول العربية، المطبعة الأميرية،( القاهرة، 1946).
  • محضر الدورة الثامنة العادية لانعقاد مجلس الجامعة العربية في شباط (1948).
  • محضر اللقاء بين شيخ أبو ظبي وشيخ قطر برعاية المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي (روبرت هاو) عام (1952).
  • محضر مجلس الجامعة، د12/ج7 في 12/يونيو/1950.
  • مذكرة الأمين العام لجامعة الدول العربية في 22/ سبتمبر/1949، إضبارة الديوان الملكي المرقمة ع/4/6/لسنة 1949 الخاصة بجامعة الدول العربية.
  • مذكرة الجامعة المؤرخة في 4/يناير/ 1947 المرفقة بكتاب وزارة الخارجية العراقية – الدائرة العربية المرقـم ش / 475/14/1073 والمؤرخ في 2 / شباط / 1947، إضبارة الديوان الملكي المرقمة ح/4/6/1947 الخاصة بجامعة  الدول العربية.
  • مذكرة الحكومة المغربية إلى الأمانة العامة للجامعة في 32/آذار/1975.
  • مذكرة الوزير البريطاني للشرق الأوسط المؤرخة في 20/سبتمبر/1949 المرفقة بكتاب وزارة الخارجية العراقية المرقم 1402/9839 في 29/5/1949، إضبارة الديوان الملكي المرقمة ع/4/6/لسنة 1949 الخاصة بجامعة الدول العربية.
  • مذكرة جامعة الدول العربية الإدارة السياسية المرقمة 5549 في 21/12/1954 المرفق بكتاب وزارة الخارجية الدائرة العربية المرقم 349/90/14 في 11/1/1955، الديوان الملكي، إضبارة جامعة الدول العربية، المرقمة 5/1/1955.
  • مذكرة نوري السعيد إلى المستر ريتشارد كيزي (Richard Caasy) وزير الدولة البريطاني في الشرق الأوسط في كانون الأول 1942 وكان عنوان المذكرة (استقلال العرب ووحدتهم)  وسميت بـ( الكتاب الأزرق)، مطبعة الحكومة، (بغداد سنة 1943).
  • مذكرة وزارة الخارجية العراقية المكتب الخاص المرقمة ح/527/500/13767 في 13/حزيران/1951 ومرفقة كتاب المفوضية العراقية في عمان المؤرخ في 7/حزيران/1951 البلاط الملكي، إضبارة رقم ح/4/6 سنة (1951) الخاصة بجامعة الدول العربية.
  • مشروع التطوير الذي تبنته دول المغرب العربي وصادق عليه مجلس الجامعة في 21/9/1995 وكلف لجنة متخصصة بصياغته.
  • معاهدة  بين العراق والسعودية  في عام (1932).
  • معاهدة (العقير) بين عبد العزيز بن سعود سلطان نجد واحمد الجابر شيخ الكويت حول الحدود العراقية النجدية الكويتية وبإشراف السير (برسي كوكس).
  • معاهدة (المحمرة) بين سلطان نجد والعراق بتاريخ 5 / أيار / 1922 ، برعاية بريطانيا من اجل تحديد جنسية القبائل الحدودية بينهما.
  • معاهدة الصداقة البريطانية-الكويتية المعقودة عام(1961).
  • معاهدة الصلح (أبهى)  بين الإمام يحيى والمملكة العربية السعودية بتاريخ 17/ شباط / 1934.
  • معاهدة حسن الجوار بين السعودية والعراق عام (1931).
  • معاهدة صداقة وحسن جوار بين العراق وسورية عام 1938 .
  • موسوعة مقاتل، جامعة الدول العربية.
  • المادة (19) من اتفاقية المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية لعام 1976.
  • المادة (48) من اتفاقية إنشاء المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا عام 1973.
  • المادة (8) من اتفاقية اتخاذ جدول موحد للتعريفة الجمركية عام (1956).
  • المادة (13) من مشروع الميثاق المعدل في كتاب المفوضية العراقية في جدة المرقم س2/1/62 في 25/6/1944، إضبارة الديوان الملكي رقم ح/ 4/ 6 لسنة 1944.
  • المادة (15) من نص الاتفاقية الأكاديمية العربية للنقل البحري المعقودة عام 1974.
  • المادة (16) في اتفاقية فيينا لتقنين قواعد الخلافة الدولية لعام 1978.
  • المادة (28) من أنموذج اتفاقية المقر بين الجامعة العربية والدول التي تتعامل معها.
  • المادة (29) من اتفاقية الاتحاد العربي للمواصلات السلكية واللاسلكية عام (1953).
  • المادة (32) من دستور الاتحاد البريدي العربي للعام 1946.
  • المادة (37) من اتفاقية إنشاء الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي عام 1968.
  • المادة (9)الفقرة (3)،والمادة(40) من مشروع الميثاق المعدل.
  • المادة (6) الفقرة (2)، من معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي.
  • المادة (2)من اتفاقية نظام تسوية سلمية إقليمية بين الجماهيرية الليبية وتشاد المنعقدة في الجزائر بتاريخ 31/تشرين الأول/ 1989.
  • المادة (10) من اتفاقية مجلس الطيران العربي للدول العربية(1965).
  • المادة (10) من النظام الأساس لمجلس التعاون لدول الخليج العربي.
  • مذكرة حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري في 12/حزيران/ 1975.
  • مذكرة الحكومة الجزائرية إلى الحكومة الإسبانية في 18/شباط/ 1976.
  • مذكرة تأسيس الجمهورية العربية الصحراوية في 20/حزيران/1976.
  • المشروع الخاص بإنشاء آلية للوقاية من النزاعات وإداراتها وتسويتها. الذي تقدمت به تونس بهذا المشروع في الدورة (104) لمجلس الجامعة في 21 / 9/ 1995.
  • معاهدة الدفاع العربي المشترك 1950.
  • المواد من(1-14) من الأصول الخاصة بالتحكيم لدى مجلس الجامعة
  • ميثاق الأمم المتحدة.
  • ميثاق جامعة الدول العربية.
  • الفقرة (5) من القرارات المتخذة في مؤتمر القمة العربي الثالث.
  • الفقرة (13) من توصية مؤتمر القمة العربي السابع في الرباط من 26-29 / تشرين أول / 1974، تحت عنوان “توحيد الصف العربي في قضية الصحراء الغربية”.

الفقرة الرابعة من المادة (3) من ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية.

  • النظام الداخلي لمجلس جامعة الدول العربية
  • نص اتفاقية القرض المعقودة بين العراق والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية عام (1970).
  • الوثائق الهاشمية المجلد الثالث، سوريا والاتحاد العربي ، وثيقة
  • نص بروتوكول الاسكندرية.
  • وثائق مجلس الأمن الدولي:S/4844  , A/4854 , S/4847 , S/4855 , S/4856 و A/13/2. و    S/13410و A/ 8402. و A/32/2 و A/13/2. و    S/13410وS/12372.

ثالثاً:البحوث والدراسات:

  • إبراهيم أحمد السامرائي، إلزامية مبدأ التسوية السلمية للنزاعات الدولية، مجلة الأمن القومي، كلية الأمن القومي، العدد/1، .1987
  • احمد الرشيدي جامعة الدول العربية والتسوية السلمية للمنازعات العربية المحلية، مجلة المستقبل العربي إصدار مركز دراسات الوحدة العربية، العدد (32) 1981.
  • أحمد الرشيدي، جامعة الدول العربية والتسوية السلمية للمنازعات العربية المحلية، مجلة المستقبل العربي العدد/32، مركز دراسات الوحدة العربية، 1981.
  • احمد الرشيدي، حول التسوية السلمية لمنازعات الحدود، مجلة السياسة الدولية، العدد 111،2000.
  • أحمد سيد نوفل وذياب مخادمة، اتجاهات العلاقات الاردنية الفلسطينية على ضوء اتفاقية التسوية مع إسرائيل، مجلة السياسة الدولية، العدد 36، 1999.
  • احمد طربين، التجزئة العربية كيف تحققت تاريخيا، سلسلة الثقافة القومية، العدد 14، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، (بيروت، كانون الأول، 1987).
  • الازهر بوعوني في دراسته (نظام القرارات في جامعة الدول العربية)، ملتقى كلية الحقوق في تونس حول مسألة تعديل ميثاق جامعة الدول العربية، طبع مركز دراسات الكلية، 1982.
  • الازهر بوعوني، نظام القرارات في جامعة الدول العربية، مجلة شؤون عربية، العدد27، آيار، 1983.
  • جمال زهران، قضية الحدود العربية وحتمية البحث عن صيغة للتحكيم، الاهرام الاقتصادي، العدد 1240، 19/اكتوبر/1992.
  • جوزيف مغيزل، الاسلام والمسيحية العربية. والقومية العربية والعلمانية، مجلة المستقبل العربي، العدد 26.
  • حسين صادق خليفة، قضية الصحراء المغربية، بحث ترقية مقدم إلى معهد الخدمة الخارجية في وزارة الخارجية العراقية، 1997.
  • خالد السرجاتي، ترسيم الحدود العراقية الكويتية بعد ازمة الخليج الثانية، مجلة السياسة الدولية، عدد111،2000.
  • خالد حسن جمعة، سياسية بريطانيا واستراتيجيتها اتجاه العرب، مجلة قضايا سياسية،المجلد الخامس، العدد 4، لسنة 2004.
  • سوسن حسين، صراع الحدود في امريكا اللاتينية، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، كانون الثاني، 1982.
  • شوقي خليفة، من مشاكل حدود اقطار الخليج العربي، مجلة الخليج العربي، مركز دراسات الخليج العربي، جامعة البصرة، العدد السابع، 1977.
  • صادق شعبان، ندوة جامعة الدول العربية الواقع والطموح
  • صالح مهدي العبيدي، النزاعات الدولية ووسائل حلها سلمياً، ملزمة لكلية طلبة القانون السياسية، المرحلة الرابعة، في قسم القانون، جامعة بغداد، 1986.
  • صلاح العقاد، استخدام الوثائق في منازعات الحدود بمنطقة الخليج، مجلة دراسات الخليج والجزية العربية ، الكويت، السنة الحادية عشرة، العدد 43، تموز 1985.
  • طلال بن محمود ضاحي وفيصل بن سلمان بن عبد العزيز، دور خادم الحرمين الشريفين في تحقيق الاستقرار في المنطقة، الخلافات الحدودية كقضية دراسية، كلية العلوم الادارية جامعة الملك سعود.
  • عبد الرحمن إسماعيل الصالحي، تحديث جامعة الدول العربية في اطار المتغيرات الدولية، مجلة شؤون عربية العدد/81/مارس/1995
  • عبد الله الاشعل قضية الحدود في الخليج العربي ، سلسلة دراسات رقم (28) ، مركز الدراسات السياسية الاستراتيجية، دار الاهرام،(مصر، 1978).
  • عبد الحميد الموافي، النزاع بين شطري اليمن ومؤتمر الجامعة العربية في الكويت، مجلة السياسة الدولية، العدد 56، 1979.
  • عبد السلام إبراهيم البغدادي، رؤية قومية لدراسة المشكلة بين مصر والسودان، مجلة شؤون سياسية، بغداد، مركز الدراسات الدولية، العدد 5، 1995.
  • عز الدين فودة، (تعديل ميثاق جامعة الدول العربية)، مجلة معهد البحوث والدراسات العربية، العدد الثالث، 1972.
  • عز الدين فوده، الشخصية الدولية لجامعة الدول العربية، المجلة المصرية للعلوم السياسية، 1958.
  • علاء موسى كاظم نورس، دور العراق ومصر في تأسيس جامعة الدول العربية، مجلة آفاق عربية، العدد السادس، حزيران، 1990.
  • على محافظة وآخرون، جامعة الدول العربية، الواقع والطموح، مركز دراسات الوحدة العربية، (بيروت، 1983).
  • علي الدين هلال، ميثاق الجامعة العربية بين القطرية والقومية، ندوة جامعة الدول العربية الواقع والطموح.
  • عمر عز الرجال، جامعة الدول ومنازعات الحدود العربية، مجلة السياسة الدولية، العدد (111)، يناير، 1993.
  • عودة عبد الفتاح، دور الجامعة العربية في حل النزاعات العربية – العربية، مجلة شؤون عربية العدد 92، كانون الأول ، 1997.
  • عودة عبد الفتناح، دور االجامعة العربية في حل النزاعات العربية – العربية. مجلة شؤون عربية، العدد (92) كانون الأول، 1997.
  • فؤاد مطر، النزاع القطري – البحريني، مجلة التضامن، العدد/ 162، السنة الرابعة- 1986.
  • فيصل عودة الرفوع، العلاقات الخليجية – الخليجية، مجلة أم المعارك، العدد/4، 1995.
  • قسطنطين رزيق، جامعة الدول العربية الواقع والطموح، مركز دراسات الوحدة العربية، (بيروت، 1983).
  • مازن إسماعيل الرمضاني، المؤسسات الأمنية العربية والأمن القومي، مجلة أم المعارك، العدد5، 1996
  • مجدي حماد، المنظمات الأقليمية ومسألة الوحدة، مجلة المستقبل العربي، العدد/ 121، 1999.
  • محمد السيد سليم – دور الجامعة العربية في ادارة النزاعات بين الاعضاء، ندوة جامعة الدول العربية الواقع والطموح.
  • محمد السيد سليم، دور الجامعة العربية في ادارة النزاعات بين الاعضاء، ندوة الواقع والطموح.
  • محمد حافظ غانم، جامعة الدول العربية والقومية العربية، القانون والعلوم السياسية-الحلقة الدراسية الأولى، (القاهرة، 1960).
  • محمد سعيد أبو عامود، العلاقات العربية-العربية في النصف الثاني من القرن العشرين – الظواهر، الاشكاليات، المستقبل، مجلة السياسة الدولية، العدد 139، كانون الثاني/2000.
  • محمد عبد الله محمد العبد القادر، الحدود السياسية كأحد مقومات الدولة، مجلة الدبلوماسي، معهد الدراسات الدبلوماسية، الرياض، العد التاسع، كانون الأول،1987.
  • محمد عزيز شكري، ندوة جامعة الدول العربية، الواقع والطموح.
  • محمد مصطفى شحاتة، الحدود السعودية مع دول الخليج، مجلة السياسة الدولية، العدد 111،2000.
  • محمود توفيق، مدخل الى خريطة الحدود السياسية العربية – العربية، مجلة السياسة الدولية، دار الاهرام للنشر، القاهرة، العدد 111، 2000.
  • محمود رياض ، لقاء مع مجلة شؤون عربية، أجراه محمد سيد أحمد، تحت عنوان الجامعة العربية والنظام العربي، والعدد/27، أيار/1983.
  • محمود علي الداود، الجامعة العربية-دراسة تقويم لتجربة العمل العربي المشترك، مجلة أم المعارك، العدد/5، 1996.
  • مراد ابراهيم الدسوقي، البعد العسكري، للنزاعات العربية – العربية، مجلة السياسة الدولية، العدد 111،2000.
  • مراد إبراهيم الدسوقي، جامعة الدول العربية وقضايا الأمن القومي العربي، ندوة مستقبل جامعة الدول العربية، (القاهرة، 5-6/نوفمبر/1994)، مركز الدراسات السياسية الاستراتيجية، الأهرام، 1994.
  • مسارع الراوي، ندوة جامعة الدول العربية الواقع والطموح ، مركز دراسات الوحدة العربية، (بيروت، 1983).
  • مهدي صالح حمودي السامرائي، الأمن القومي بين الواقع الطموح، مجلة العلوم السياسية، العدد/3، بغداد/1998.
  • ناظم عبد الواحد الجاسور، قراءة سياسية لميثاق جامعة الدول العربية وأسس تعزيز العمل العربي المشترك، بحث منشور في مجلة بيت الحكمة، جامعة الدول العربية في عصر التكتلات الأقليمية، وقائع الندوة العربية التي أقامها قسم الدراسات السياسية: 29-30/ أيار/2001، بيت الحكمة، (بغداد، 2002).
  • نبيل احمد حلمي، الحدود الدولية وتطبيع العلاقات المصرية – الإسرائيلية، مجلة السياسة الدولية ، دار الأهرام العدد 57، يوليو، 1979.
  • هاني رسلان، الحدود الجنوبية للوطن العربي، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، العدد 112، نيسان، 1993.
  • هشام بو قمرة، ندوة جامعة الدول العربية الواقع والطموح، مركز دراسات الوحدة العربية، (بيروت، 1983).

رابعًاً:الكتب العربية والمترجمة:

  • أحمد أبو الوفا، الوسيط في قانون المنظمات الدولية، ( القاهرة، 1985).
  • أحمد الشقيري، من القمة إلى الهزيمة مع الملوك والرؤساء العرب، ط1، دار العودة، بيروت، 1971.
  • احمد طربين، الوحدة العربية بين 1916-1945، بحث في تاريخ العرب الحديث منذ قيام الثورة العربية حتى نشؤ جامعة الدول العربية، معهد الدراسات العربية العالية، (القاهرة، 1959).
  • احمد عبد القادر مخلص، مجلس التعاون الخليجي لدول الخليج العربية – دراسة سياسية، منشورات مركز دراسات الخليج العربي، جامعة البصرة، العدد 92، 1986.
  • احمد عصام عودة، الملف الكامل لمسيرة القمة العربية، عمان، ( الأردن،ب ت).
  • أحمد فارس عبد المنعم، جامعة الدول العربية 1945-1985، دراسة تاريخية سياسية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، أيار/1986.
  • احمد موسى، ميثاق جامعة الدول العربية (القاهرة، 1948).
  • آرثر لارسون، عندما تختلف الأمم، ترجمة احمد عبد الرحمن حمودة، دار النهضة العربية،( القاهرة، 1961).
  • أروى طاهر رضوان اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية ودورها في العمل السياسي المشترك، (بيروت،ب ت).
  • إسماعيل احمد باغي، حركة رشيد عالي الكيلاني، دراسة في الحركة الوطنية العراقية، دار الطليعة، (بيروت، 1974).
  • أمين محمود عبد الله، دراسات في الجغرافية السياسية، مطبعة النهضة المصرية، (القاهرة، 1969).
  • إيليا حريق، نشوء نظام الدولة في الوطن العربي، دراسة في الأمة والدولة والاندماج في الوطن العربي، ج1، مركز دراسات الوحدة العربية، (بيروت، 1989).
  • بركات موسى الحوافي، قراءة جديدة في العلاقات المصرية السودانية، ط1، القاهرة، 1997.
  1. بطرس بطرس غالي، الجامعة العربية وتسوية النزاعات المحلية، معهد البحوث والدراسات العربية، جامعة الدول العربية، (القاهرة، 1977).
  • بطرس بطرس غالي، العلاقات الدولية في اطار منظمة الوحدة الأفريقية، الطبعة الأولى، (القاهرة، 1974).
  • بي . سي . فوست، جغرافيا الحدود، ترجمة محمد السيد نصر، مكتبة الانجلو – مصرية، (القاهرة ، ب . ت).
  • جابر إبراهيم الراوي، مشكلات الحدود العراقية – الإيرانية والنزاع المسلح، ط1، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1989.
  • جابر ابراهيم الراوي، الحدود الدولية ومشكلة الحدود العراقية الإيرانية، المطبعة الفنية الحديثة،( بغداد، 1970).
  • جاسم محمد العدول وآخرون، تاريخ الوطن العربي المعاصر، جامعة الموصل، (العراق ب ،ت).
  • جعفر عبد السلام، مبادئ القانون الدولي العام، ط2، دار النهضة العربية، (القاهرة، 1986).
  • جمال محمود حجر، القوى الكبرى والشرق الأوسط في القرنين التاسع عشر والعشرين، تقديم عمر عبد العزيز عمر، دار المعرفة الجامعية، ط1، (الاسكندرية، 1989).
  • جمال مردان، عبد الكريم قاسم البداية والسقوط، المكتبة الشرقية، بغداد، 1989.
  • جنان جميل سكر، تحديد المجالات البحرية للدول الساحلية للخليج العربي، مطبعة الأديب، (بغداد، 1980).
  • جوزيف س. ناي، النزاعات الدولية، مقدمة للنظرية والتاريخ، ترجمة د. احمد امين ومجدي كامل، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة (1997م).
  • حسن العلوي، أسوار الطين، دار الكنوز بيروت، 1995.
  • خليل إسماعيل الحديثي، النظام العربي وإصلاح جامعة الدول العربية، بيت الحكمة، (بغداد، 2001).
  • خليل إسماعيل الحديثي، الوسيط في التنظيم الدولي، مطبعة جامعة الموصل، (العراق، 1991).
  • رغيد الصلح، حرب بريطانيا والعراق 1941/1991، شركة المطبوعات بيروت، 1994.
  • رياض الصمد، العلاقات الدولية في القرن العشرين، الجزء الثاني لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، (بيروت، 1983)
  • سامي حكيم، ميثاق الجامعة والوحدة العربية،(القاهرة، 1966).
  • سامي عبد الحميد، قانون المنظمات الدولية، الكتاب الأول، مؤسسة شباب الجامعة، (الإسكندرية، 1972).
  • سبعاوي إبراهيم الحسن، حل النزاعات بين الدول العربية، دار الشؤون الثقافية العامة، (بغداد، 1987).
  • سعد علام، موسوعة التشريعات البترولية للدول العربية في منطقة الخليج العربي، مطابع الدوحة الحديثة، ط1، (قطر، 1978).
  • سموحي فوق العادة، القانون الدولي العام، (القاهرة ، 1960).
  • سهيل حسين الفتلاوي، النزاعات الدولية، مطبعة دار القادسية،( بغداد، 1985).
  • سيد نوفل، العمل العربي المشترك – ماضيه وستقبله، معهد البحوث الدراسات، (القاهرة، 1968).
  • صالح مهدي العبيدي، النزاعات الدولية ووسائل حلها سلميا، (بغداد، 1986).
  • صبري فارس الهيتي، الخليج العربي، دراسة سياسية في الجغرافية السياسية، سلسلة دراسات (162)، دار الحرية للطباعة، بغداد، ب ت.
  • صلاح الدين علي الشامي و فؤاد حمزة الصفار، جغرافية الوطن العربي الكبير، ط3، (الاسكندرية، 1975).
  • ظافر ناظم سلمان، دور الجامعة في تسوية النزاعات العربية ، جامعة الدول العربية في عصر التكتلات الإقليمية، بيت الحكمة، (بغداد، 2002).
  • عائشة راتب، المنظمات الدولية – دراسة نظرية وتطبيقية، دار النهضة العربية، (القاهــرة، 1964).
  • عارف العارف، النكبة، المطبعة العصرية، صيدا، 1982.
  • عاصم احمد الدسوقي، مصر في الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945، (القاهرة ، 1976).
  • عبد الله زلطة، أزمة الكويت عام 1961، المطبعة التجارية الحديثة، 1995.
  • عبد الباري عبد الرزاق النجم، جمهورية موريتانيا الاسلامية، دار الأندلس بيروت ،1968.
  • عبد الحسين القطيفي القانون الدولي العام، ج1، في أصول القانون الدولي العام،( بغداد، 1970).
  • عبد الرحمن البزاز، العراق من الاحتلال حتى الاستقلال، مطبعة العاني، ط2، (بغداد، 1967).
  • عبد الرزاق الحسني، الأسرار الخفية في حركة السنة 1941 التحررية،( بيروت، 1982) مطبعة دار الكتب، ط5.
  • عبد الرزاق عباس، الجيوبولتكس، (بغداد، 1972).
  • عبد العزيز عبد الغني إبراهيم، حكومة الهند البريطانية والإدارة في الخليج العربي، دراسة وثائقية، دار المريخ، ط1، (الرياض، 1981).
  • عبد العزيز محمد سرحان، تسوية النزاعات الدولية وإرساء مبادئ القانون الدولي مع التطبيق على مشكلة الشرق الأوسط، ط2،(بغداد، 1986).
  • عبد العظيم رمضان، الحدود المصرية السودانية عبر التاريخ، أعمال ندوة التاريخ والآثار، جامعة القاهرة، ت 2/1992، القاهرة، 1990.
  • عبد المجيد عابدين، تاريخ الثقافة العربية في السودان، ط3،بيروت، 1967.
  • عبد المجيد العبدلي، قانون العلاقات الدولية، ط1، دار الأقواس للنشر (بغداد، 1994).
  • عبد المنعم سعيد، العرب ودول الجوار الجغرافي، مركز دراسات الوحدة العربية، (بيروت،1987).
  • عبد المنعم عبد الوهاب، جغرافية العلاقات السياسية، مؤسسة الوحدة، (الكويت، 1977).
  • عبد الواحد الناصر ، العلاقات الدولية، ط1، مطبعة منشورات المستقبل،(الرباط، 1991).
  • عبد الوهاب الساكت، الأمين العام لجامعة الدول العربية، (القاهرة، 1974).
  • علال الأزهر، النظام العربي- المنعطف والأزمة، جمعية هيئات المحامين في المغرب، المؤتمر العشرون، من 4-6 يلويو 1991.
  • على ماهر بك، القانون الدولي العام، مطبعة الاعتماد،(القاهرة، 1924).
  • علي الشامي، الصحراء الغربية وعقد التجزئة في المغرب العربي، دار الكلمة للنشر، ط1،( بيروت، 1980).
  • علي صادق ابوهيف، القانون الدولي العام، الاسكندرية، ط11، 1975.
  • علي محافظة، موقف فرنسا وألمانيا وإيطاليا من الوحدة العربية  1919-1945، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1985.
  • فالح محمد عقيل، مشكلات الحدود السياسية، دراسة موضوعية تطبيقية في الجغرافية السياسية، مطبعة الوادي ، ط2، مصر ، (الاسنكدرية، 1967).
  • فتحي أبو عيانة، الجغرافية السياسية، دار المعرفة الجامعية، (الاسكندرية، 1983).
  • فتحية النبراوي، محمد نصر المهنى، الخليج العربي، دراسة في تاريخ العلاقات الدولية والاقليمية، منشأة المعارف، (الاسكندرية، مصر، ب ت).
  • فلاديميير، بوريسوفيتش لوتسكي، تاريخ الأقطار العربية الحديث، ترجمة عفيفة البستاني، دار التقدم، (موسكو، 1970).
  • فليب رفلة، عز الدين فريد، جغرافية العالم السياسية، مكتبة الانجلو – مصرية، (القاهرة، 1982).
  • مؤتمرات القمة العربية –  قراراتها وبياناتها 1946 – 1985 مكتب الأمين العام، مركز توثيق المعلومات، مطابع جامعة الدول العربية، (القاهرة، 1987).
  • محمد إبراهيم حسن، الجغرافية السياسية، مركز الاسكندرية للكتاب، (مصر، 1999).
  • محمد أزهر السماك، الجغرافية السياسية الحديثة، دار الكتب للطباعة والنشر، (الموصل، 1993).
  • محمد بشير الشافعي، القانون الدستوري والنظم السياسية السودانية، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1970.
  • محمد بشير الشافعي، القانون الدولي العام في السلم والحرب، منشأة المعارف، (الاسكندرية، 1971).
  • محمد حافظ غانم، جامعة الدول العربية، معهد البحوث والدراسات العربية،(القاهرة، 1960).
  • محمد حافظ غانم، مبادئ القانون الدولي العام، ط3، مطبعة نهضة مصر، (القاهرة، 1963).
  • محمد حافظ غانم، محاضرات عن جامعة الدول العربية، معهد الدراسات العربية العالية، (مصر، 1960).
  • محمد رياض ، الأصول العامة في الجغرافية السياسية والجيوبولوتيكا، دار النهضة العربية للطبع والنشر، ط2،(بيروت، 1979).
  • محمد سعيد الدقاق، المنظمات الدولية المعاصرة، (القاهرة، 2000).
  • محمد عزت دروزة، نشأة الحركة العربية الحديثة، المطبعة العصرية، صيدا، 1971.
  • محمد طلعت الغنيمي، الأحكام العامة في قانون الأمم (قانون السلام)، منشأة المعارف، (الاسكندرية، 1970).
  • محمد طلعت الغنيمي، جامعة الدول العربية، دراسة قانونية وسياسية، (الاسكندرية، 1974).
  • محمد عبد الغني سعودي، الجغرافيا والمشكلات الدولية، دار النهضة العربية، (بيروت، 1971).
  • محمد عبد الله خالد العبد القادر، الحدود الكويتية – العراقية، دارسة في الجغرافية السياسية، مركز البحوث والدراسات الكويتية، ط1(الكويت، 2000).
  • محمد عبد المجيد عامر، دراسات في الجغرافية السياسة والدولة، دار المعرفة الجامعية، (الاسكندرية، ب. ت).
  • محمد  عبد الوهاب الساكت، الأمين العام لجامعة الدول العربية، القاهرة، دار الفكر العربي، 1974.
  • محمد فاتح عقيل ، مشكلات الحدود السياسية، ج1، مؤسسة الثقافة الجامعية، (الاسكندرية، 1962).
  • محمد المجذوب، انطباعات عن دور جامعة الدول العربية في تسوية النزاعات العربية، (بيروت، ب ت).
  • محمد المجذوب، محاضرات في القانون الدولي العام، بيروت(ب.ت)،
  • محمد محمد الفضلي، أضواء على الصحراء الغربية والمناطق العربية المحتلة من قبل الاستعمار الأسباني، إدارة الرأي العام والمعلومات، الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، 1976.
  • محمد محمود إبراهيم الديب، الجغرافية السياسية، أسس وتطبيقات، مكتبة الانكلو – مصرية، (القاهرة ، ب . ت).
  • محمد مرسي الحريري، دراسات في الجغرافية السياسية، دار المعرفة الجامعية، (الاسكندرية، 1990).
  • محمد مرسي عبد الله، دولة الإمارات العربية المتحدة وجيرانها، دار النفائس، ط1، (بيروت، 1981).
  • محمود حسن الصراف، تطور قطر السياسي والاجتماعي في عهد الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني، الدوحة، 1980.
  • محمود شيت خطاب، دراسات في الوحدة العسكرية العربية، (القاهرة، 1969).
  • محمود علي الداود وآخرون، التجارب الوحدوية العربية المعاصرة، تجربة الإمارات العربية المتحدة، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، (بيروت، 1981).
  • محمود علي الداود، الخليج العربي والعمل العربي المشترك، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1980.
  • مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي، دار الرسالة، الكويت، 1983.
  • مصطفى عبد القادر النجار، التاريخ السياسي لعلاقات العراق الدولية بالخليج العربي، مطبعة (البصرة، 1975).
  • مصطفى مراد الدباغ، قطر ماضيها وحاضرها، دار الطليعة للطباعة والنشر، ط1، (بيروت، 1961).
  • مفيد محمود شهاب، جامعة الدول العربية، معهد البحوث والدراسات العربية، (القاهرة، ب ت).
  • المنجد، دار المشرق، بيروت، ط22،ب ت.
  • مهدي عبد الهادي، المسألة الفلسطينية، المكتبة العصرية، صيدا، 1982.
  • مير بصري، أعلام السياسة الحديثة في العراق الحديث، رياض الريس للكتاب والنشر، لندن، 1987.
  • نافع القصاب وصباح محمود وعبد الجليل عبد الواحد الجغرافية السياسية، (بغداد، 1987).
  • نبيل احمد حلمي، التوفيق كوسيلة سلمية لحل النزاعات الدولية في القانون الدولي، (القاهرة، 1983).
  • نعويم شقير، جغرافية وتاريخ السودان، مطبعة دار الثقافة، بيروت، 1972.
  • هارفي أوكونور، الأزمة العالمية في البترول، ترجمة عمر مكاوي ومراجعة راشد البراوي، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، (القاهرة، 1967).
  • وحيد رأفت، شؤون الجامعة العربية كمنظمة إقليمية، دراسات في القانون الدولي، المجلد الثاني، (القاهرة، 1970).
  • وزارة الخارجية العراقية، حقيقة الكويت، ج1، مطبعة الرابطة، (بغداد، 1961).

خامساًً:الرسائل الجامعية:

  • ابتهال محمد رضا داود الجبوري، موقف الجامعة العربية من العدوان على العراق 1990-1991، رسالة ماجستير غير منشورة، مقدمة الى معهد القائد المؤسس للدراسات القومية والاشتراكية العليا، (العراق، 2001 ).
  • إبراهيم احمد عبد السامرائي – فعالية مبدأ التسوية السلمية للنزاعات الدولية – رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة الى كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد، 1987.
  • احمد الرشيدي، الحرب الأهلية اللبنانية في إطار جامعة الدول العربية، 1975-1977، رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد، جامعة القاهرة، 1980.
  • اروى هاشم عبد الحسن، مشكلات الحدود العربية – العربية في منطقة الخليج العربي، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، كانون الثاني، 2001.
  • . رعد عطا الله حسن، التناقضات الداخلية في مجلس التعاون الخليجي وأثرها على مستقبل العمل العربي في المنطقة، رسالة ماجستير مقدمة إلى معهد القائد المؤسس للدراسات القومية والاشتراكية العليا (المعهد العالي للدراسات السياسية والدولية)، الجامعة المستنصرية، 2001.
  • ثامر موجد حسن عليوي، دور الاستعمار الغربي في تخطيط الحدود السياسية بين الأقطار العربية، مشكلة (البريمي) نموذجاً ، رسالة دبلوم عالي غير منشورة مقدمة الى معهد القائد المؤسس للدراسات القومية والاشتراكية، 1999.
  • سلوى لبيب، جامعة الدول العربية، 1945-1964، أطروحة دكتوراه، كلية التجارة، جامعة القاهرة، 1971.
  • عادل خليل حمادي الدليمي، مشكلة الصحراء الغربية رسالة ماجستير غير منشورة كلية القانون والسياسة، جامعة بغداد،(1978).
  • عبد الحميد الموافي، مصر في جامعة الدول العربية، دراسة في دور الدولة الأكبر في التنظيمات الإقليمية، 1945-1970 رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد، جامعة القاهرة، 1978.
  • عمر موفق محمد رؤوف الصالحي، المشكلات الحدودية بين الأقطار العربية تاريخها وأسبابها نموذج قطر والبحرين، رسالة ماجستير مقدمة إلى القائد المؤسس، بغداد، 2002.
  • عناد خلقي على، دور الأردن السياسي في جامعة الدول العربية 1945-1958، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1996
  • لجين عبد الرحمن منصور تسوية منازعات الحدود الدولية وتطبيقاتها على العراق، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون، جامعة بغداد، 1997.
  • قحطان كاظم الخفاجي، الاستراتيجية العربية في القرن الحادي والعشرين، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية العلوم السياسية – جامعة صدام (جامعة النهرين حالياً)، 2001.
  • محمد عبد الوهاب الساكت، الأمين العام لجامعة الدول العربية، رسالة ماجستير، كلية التجارة، جامعة القاهرة، 1970، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1973.
  • هشام حكمت عبد الستار، دور دبلوماسية العتمة في تسوية النزاعات العربية في إطار جامعة الدول العربية، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية العلوم السياسية جامعة بغداد، 1995.
  • وسن سعدي عبد الجبار السامرائي، ترسيم الحدود بين العراق والكويت (دراسة قانونية سياسية)، رسالة ماجستير غي منشورة مقدمة الى معهد القائد المؤسس للدراسات القومية والاشتراكية العليا، الجامعة المستنصرية، (بغداد، 2002).

سادساً:الصحف والمجلات والنشرات:

  • سلسلة الثقافة القومية، العدد 14، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، (بيروت، كانون الأول، 1987).
  • مجلة السياسة الدولية، العدد 111لسنة 1993،والعدد 112، نيسان، 1993.والعدد الصادر في كانون الثاني، 1982. والعدد 139، كانون الثاني/2000
  • جريدة الأنباء الأردنية، 11/ت2/1964.
  • صحيفة الأخبار المصرية، 12/3/1990.
  • جريدة الرأي الأردنية، 13/5/1978.
  • المجلة المصرية للعلوم السياسية، 1958.
  • المجلة المصرية للقانون الدول المجلد العاشر1954.
  • جريد المحرر، باريس، العدد 176، 19/ 11/ 1992.
  • جريدة الأسواق الأردنية، عمان، العدد 330، في 3/8/1994.
  • جريدة الرأي الأردنية ، عمان، عدد 8142، 24/11/1992.
  • جريدة الشعب الأردنية، عمان، العدد 3478، تاريخ 23/12/1992.
  • جريدة القادسية، بغداد، 17/حزيران/2000.
  • صحيفة الأخبار المصرية، 12/3/1990.
  • جريدة القادسية، بغداد، 17/حزيران/200.
  • جريدة الأنباء الأردنية، 11/ت2/1964.
  • صحيفة الأخبار المصرية، تقرير عن جامعة الدول العربية بعد عودتها إلى القاهرة عام (1990)، 12/3/1990.
  • مجلة آفاق عربية، العدد السادس، حزيران، 1990.
  • مجلة الأمن القومي، كلية الأمن القومي، العدد/1، 1987.
  • مجلة التضامن، العدد/ 162، السنة الرابعة- 1986.
  • مجلة الخليج العربي، مركز دراسات الخليج العربي، جامعة البصرة، العدد السابع، 1977.
  • مجلة الدبلوماسي، معهد الدراسات الدبلوماسية، الرياض، العد التاسع، كانون الأول،1987.
  • مجلة العلوم السياسية، العدد/3، بغداد/1998.
  • مجلة المستقبل العربي إصدار مركز دراسات الوحدة العربية، العدد (32) 1981. والعدد 26،1991.
  • مجلة المنار، لندن، العدد 29، 13/5/1978.
  • مجلة أم المعارك، الأعداد 4/1996، 5  / 1996.
  • مجلة دراسات الخليج والجزية العربية ، الكويت، السنة الحادية عشرة، العدد 43، تموز 1985.
  • مجلة شؤون عربية العدد 92، كانون الأول ، 1997. والعدد/81/مارس/1995. والعدد/27، أيار/1983.
  • مجلة قضايا سياسية، العدد 4، لسنة 2004.

سابعاً:المصادر الأجنبية

  • A.C. Mcewen, International Boundaries of east Africa, oxford univercity press, London, 1971.
  • Ahmed M.Gomaa, the foundation of the league of Arab states, wartime Diplomacy and Inter-Arab Politics,1941-1945,London, 1977.
  • A.D.Cukwurah: The settlement of Boundary Disputes In International, Law oxford, and 1969.
  • Adami, Vittorio : National Frontier in Relation to Internationual Law, London, 1923.
  • Boggs, S.W : International Boundaries, New Yourk, 1966.
  • Cilve Leatherdale, Britain & Saudi Arabia 1925 – 1939, Frank cass & Company limited, London, 1983.
  • Charles G. Fenwick, International Low, Third Adition, New York, 1948.
  • Duncan Hall. H : The International Forntier, A.J.I.L, 1948.
  • D.W.Bowett,The Arbitration between the United Kingdom and France Concerning the Continental Shelf Boundary in the English Channel and Western Approches,the British yearbook of International Law ,NO.49,1978,Oxford,1979.
  • D.w.Greig,International law,Second edition, Butter worth and CO.LTD,London,1976.
  • David Mitrang. Et al , as quoted in : Reymond topkins and R. Mansbach, structure and process in International politics (NewYork : Harper, 1973).
  • Faisal salman, International and Regional politics, Iran & the Persian Culf 1968 – 1971, University of Oxford 1998
  • Goma’a . A. , The foundation of the league u of Arab states. Wartime Diplomacy and Inter- Arab politics, 1941 – 1945, London, Longman , 1977.
  • George Joffe , Sovereignty in the Golf  region , Cancps,London,1999
  • Gekhad Von Glahn, Law Among Nations, New York, 1965.
  • Gerhard Von Glahn: Law among Nations, An Introduction to Public International Law, 2nd ed, London, 1970.
  • Holdich, Geographical problems in Boundary making, Geographical Journal, 1916.
  • Hans Keelson, Principles of International law, Third printing Rinehert and CO.INC, New   yourk,1959.
  • Harm J.de Blij, Systematic political Geography, John, Wiley and Sons Inc, New York, 1967.
  • Hassouna,the league of Arab States and Regional Disputes, A study of middle East conflicts.( London, 1972).
  • Hans Kelsen, The Law of United Nations, London, 1951.
  • International Court  of Justice,yearBook,1989-1990.
  • International Court  of Justice,yearBook,1989-1990,NO.44.
  • International Court  of Justice, Judgment NO.71,10 December 1985.
  • International Court of Justice, Year book, 1993, No. 48.
  • Ian Brownle, Basic Documents In International Law, second Edition oxford university press, 1975.
  • Inis L. claude, Jr, Swords into plowshare: The problems and progress of International orgnaization, 4th ed (NewYork: Random House, 1971).
  • Jean-Pierre Cot, International Conciliation ,Europe publications,London,1972.
  • J.B.Kelly, Arabia, The Gulf And the west, Georgee Weiden Feld and Micalson limited, London, 1980.
  • Joseph A. Camilleri and Jim Falk,the end of Sovereignty Polotics,Edward Elgar (London,1992).
  • John Burton, peace theory (Newyork : Knolf, 1962).
  • J. David Singer and M.wallace, “Intergovernmental Organizations in the Global system, 1815-1964” International organization, vol. 24, no. 2 (spring 1970).
  • John Robert Prescott, the Geography frontiers and Boundaries, Mutchinson and Co Ltd. London, 1967.
  • Josephs. Nye, Peace in parts: Integration and conflict in Regional Organizations (Boston: littfe, Brown, 1971).
  • Joseph A. Camilleri and Jim Falk,the end of Sovereignty Polotics,Edward Elgar (London,1992).
  • Jesse S. Reevs : International Boundaries, A.J.I.L. V.o1, 1944.
  • L.J.bouchez, the vixing of boundaries in international boundary ripvers “ the internatioal comparative Law Quarterly” London, vo1. 1963.
  • Lyde. L. W; tybes of  bolitical frontiers in eurp. The royal Geyraphical society, London, vo1, 1915.
  • Linda Miller, Regional Organization and the Regulation of International Conflict,in Josephs Nye,ed, International Regionalism(Boston Little ,Brown,1968).
  • L.Oppenheim,International law ,Seventh Impression ,vo1.11 Long mans Geen and Co.ltd,London ,1969.
  • Majed Khdory, the Arab League as a regional Arrangement “American journal of international Law” , (1946).
  • M.S. Crichton,The Pre-war Theory of Neuturality,the British yearbook of International law,Oxford,1928.
  • Naji Ezzat AL Jaff, International Military Forces, Acase study of the Arab league security force in Kuwait, M.A, NewYoyrk university, 1966.
  • Norman J.G. Ponuds, Political  Geography, Meguro Hill Book Company, New York, 1963.
  • Percy E.Corbett ,law in Diplomacy, Princeton university Press,United of America,1959.
  • Oliver J. Lissitzyn, International Law Today. & Tomorrow, Dceana publication, NewYourk, 1976.
  • Prescott, John Robert : the Geography of Frontiers and Boundaries Hutchinson and Co LTD , London, 1967.
  • Richard schofild, territorial foundation of the culf states, (ed.) vcl press 1994.
  • Roger E.Kasperson, Julian V. minghi : The Structure of Political Geography, Aldine publishing Company, Chicago, 1971.
  • Robert Butter Worth,Do Conflict Mangers Matter International Studies,VOL.22,NO.2(June 1978).
  • Stephen M.Schwebel,International Arbitration,Grotiuspublication Limited,London,1987..
  • .Stephan Hemsley Longrigy, Iraq, 1900 to 1950, A political social & Economic History , third Impression, oxford university press, london, 1968.

ثامناً:مواقع الانترنيت:

  • www. alhramain.com/ text/ drasat/ 9. htm b/1/2000.
  • www.gna. Gov. bh/bahrain-qatar/ News – 102. Htm, 14/9/1423.
  • www . slam – online . net/ !!vediulegue/ arabic/ Browse. asp? Guest id = gd16F6 7/1/2000
  • www. alhramain. Com / text / drasat / 9. htm 13/1/2000.
  • www. arableagueonline. org / arableague / arabic / details – ar. Jup? art – id = 1858 / eve / – ic … 10/o9 / 1423.
  • www. Islamonlie. Net/ Arabic / history / 1422/06/ article 28
  • www.aafaq.org/fact3/2.htm,07/09/1423.P19.
  • www.al-ahwaz. com/sahahALharah/articals/borderprobroplems.htm,09/09/1423.
  • www.alharmain.com/text/drasat/9.htm..
  • www.aljazeera.com.
  • www.aljazeera.net- depth-arbic.work-2002/10/10- 271,htm.
  • www.aljazeera.net / in – depth / arabic – work / 2002 / 10/10 – 27% htm. 06/12/2002.
  • www.aljazeera.net/in-depth/arabic_work/2002/10/10-27-1.htm –
  • www.aljazeera.net/in-depth/arabicwork/2002/8/8-14-9.htm, 19/9/1423.
  • www.alwatan.com/graphics/2002/5may/16.15/heads/ot8.htm,18/01/2002.
  • www.arabia.com/business/article/0,4884,24227,oo.html,10/09/1423.
  • www.fao.org/landandwater/sw1wpnr/egypt/a-egypt/e-wdsrt.htm,18/01/2002
  • www.hhalkim.com/qtrop.htm,8/1/2000 .
  • www.islamonline.net/arabic/history/12422/06/artical128,shtm1.
  • www.siyassa.org.eg/asiyassa/Ahraam/2001/7/1/repo15.htm,27/10/2000.
  • www.suhuf.net.sa/2002joz/mar/ar4.htm,27/1/2000.p.1.
  • www.syrialaw.4t.com/study22.htm,22/1/200.
  • www.thesissyira.net

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى