دراسات سياسيةدراسات شرق أوسطية

جوهر الأزمة الخليجية في ضوء المطالب ال13

وليد عبد الحي

لو اردت تحديد المطلب الرئيسي بين المطالب ال 13 التي اشترطتها دول الحصار لقطر فإن ارى ان البند رقم 9 حسب ما تم نشره هو الشرط المركزي الذي يقف وراء كل الازمة، وينص الشرط على ” ان تلتزم قطر بان تكون دولة منسجمة مع محيطها الخليجي والعربي على كافة الاصعدة العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية”.
وفي تقديري ان المضمون الخفي في النص يعني ” الخضوع القطري لمركزية القرار السعودي في السياسات الخليجية المحلية والاقليمية والدولية ” وهو ما يمكن استشفافه من آخر بيان للبيت الابيض من ان الأزمة الخليجية هي ” شأن عائلي” وهو ما يعني خلاف بين رب الاسرة( السعودي) وأحد الابناء.
ولكن ما هو ” القرار السعودي” ؟ أعتقد ان القرار السعودي هو ضمان بيئة خليجية وعربية ودولية تصد كل رياح التغيير التي يمكن ان تصيب ” النظام السياسي” في السعودية ، وقراءة الشروط تشير تماما إلى ان السعودية قلقة بشكل كبير من ان نجاح قطر في “التغريد خارج السرب الخليجي” قد يعزز نزعة ترك السرب في عُمان أولا والكويت ثانيا، وهو ما يعني امكانية تطور تجارب سياسية خليجية فيها قابلية للتطور نحو وجود ” تنظيمات سياسية” قد تمهد لنخر الجسد السياسي للمنطقة مما يهدد امن النظام السياسي السعودي.
ومن الضروري التذكير ان هناك 33 مستويات لأولويات الامن(أؤكد على موضوع الاولويات) في كل كيان سياسي : امن النظام( الحفاظ على قواعد تولي السلطة) وامن المجتمع (استمرار التطور المجتمعي وتماسكه الداخلي) وأمن الدولة ( الحفاظ على حدود الدولة ومواردها)، واكثر المجتمعات تطورا هي الدول التي تعطي الاولوية لأمن المجتمع تليها دول امن الدولة وأخيرا دول أمن النظام وهي المجموعة التي تنتمي لها السعودية وقطر معا.
ويمكن فهم ابعاد الشروط المطروحة على قطر في ضوء هذا المؤشر المركزي في السياسة السعودية كما أزعم:

1- تحفيض التمثيل الدبلوماسي مع ايران واغلاق الملحقيات ومغادرة العناصر التابعة والمرتبطة بالحرس الثوري الايراني من الاراضي القطرية، والاقتصار علي التعاون التجاري مع ايران بما لا يخل بالعقوبات المفروضة عليها دوليا وامريكيا، وبما لا يخل بامن مجلس التعاون، وقطع اي تعاون عسكري او استخباري مع ايران”، وهذا الشرط يدل على ان السعودية ترى ان العلاقات القطرية الإيرانية تمثل شقا في جدار الفصل بين ايران التي تشكل المنافس الأقوى مع السعودية على ” دولة المركز” في الاقليم ، ومعلوم ان دولة المركز في النظم الاقليمية هي بمثابة العاصمة التي تصنع توجهات الاقليم، وهو ما يعني تلمس الخطر على النظام السياسي السعودي في حال اقرار القوى الاقليمية والدولية بجعل ايران الدولة المركز، وهو ما يجعل السعودية ترى ان أي علاقة قطرية او عمانية او كويتية مع ايران بمثابة اقرار ضمني بهذا الدور لإيران”، وهو ما يعني تهديدا للنظام السياسي السعودي من خلال اجباره على التكيف مع توجهات دولة المركز الاقليمية.
2- الشرط الثاني:العلاقة القطرية التركية: تتضمن الشروط ” اغلاق قاعدة تركيا العسكرية في الدوحة فورا ووقف اي تعاون عسكري مع تركيا داخل الاراضي القطرية” ، فإلى جانب القلق السعودي من “النموذج السياسي التركي الاسلامي ” بخاصة بخلفيته “الاخوانية” ، فإن التقارب مع دول مناقضة في توجهاتها الداخلية وطريقة الحكم فيها مع النموذج السعودي يشكل تهديدا للنموذج الوهابي “بلونه السعودي المحافظ والمتزمت” وبالتالي للنظام السياسي السعودي.
3- الشرط الثالث والرابع والخامس والعاشر :” اعلان قطر عن قطع علاقاتها مع كافة التنظيمات الارهابية والطائفية والايديولوجية وعلي رأسها الاخوان المسلمين وداعش والقاعدة وفتح الشام “جبهة النصرة سابقا” وحزب الله، وادراجهم ككيانات ارهابية وضمهم الي قوائم الارهاب المعلن عنها من الدول الاربع واقرارها بتلك القوائم والقوائم المستقبلية التي سيعلن عنها وايقاف كافة اشكال التمويل القطري لاي افراد او كيانات او منظمات ارهابية او متطرفة وكذا المدرجين ضمن قوائم الارهاب في الدول الاربع، وكذا القوائم الامريكية والدولية المعلن عنها، وبتسليم كافة العناصر الارهابية المدرجة والعناصر المطلوبة من الدول الاربع ” . وعند النظر في المضمون السياسي لتوجهات هذه التنظيمات نجد تباينا كبيرا بينها، لكن ما يجمعها هي فكرة التنظيم السياسي، وهدف كل تنظيم سياسي –كما يقول كل علماء السياسة- هو الوصول للسلطة ، ولما كان التوجه السعودي هو خنق أي شكل من التنظيمات السياسية- خوفا من مزاحمة الاسرة الحاكمة على كرسي السلطة- فإنها تركز على التنظيمات الدينية لأنها هي التنظيمات التي يمكن ان تجد صدى لأدبياتها السياسية لدى آذان المجتمع السعودي القريب جدا من الثقافة الدينية.
4- الشرط السادس والحادي عشر:اغلاق قنوات الجزيرة والقنوات التابعه لها والمواقع ووسائل الاعلام الاخرى المرتبطة بقطر مثل موقع عربي 21 وموقع رصد والعربي الجديد ومكملين والشرق وميدل ايست اي الخ: عند تحليلي لمضمون برامج قناة الجزيرة من خلال استبيان شمل كل برامج الجزيرة ومن خلال تحليل الاستبيان الذي شارك فيه أكثر من ستمائة استاذ علوم سياسية واعلام في الجامعات العربية وتم نشر الدراسة في كتاب عام 2008 كان واضحا لي ان الجزيرة ” لسان حال حركة الاخوان المسلمين” وهو ما ذكرته في الدراسة(ولم يكن واضحا للكثير من متابعيها)، ولعل هذا هو الهاجس الاكبر للسعودية ناهيك عن ان الجزيرة شكلت نوعا من كسر النمط التقليدي في تقديم موادها الإعلامية رغم ان المضمون الخفي بقي كما هو في الاعلام الرسمي لا سيما الانتقائية في الموضوعات ، لكن تجميع الجزيرة مع قيادات اخوانية دينية من وزن القرضاوي وغيره عند الحدود مع السعودية يمثل تحديا للوهابية التقليدية التي بنى عليها النظام السعودي شرعيته…فالسعودية ليست ضد الجزيرة في ليبيا او اليمن او العراق او سوريا ولكنها ضدها في ” طرح نموذج ديني يتجاوز المضمون الوهابي التقليدي”..لذا فإن مطلب اقفالها – وهو امر مستهجن في ظل الثورة الاعلامية في العالم- مدفوع بدافع ” امن النظام”.
5-الشروط 7 و 8 و 99 : وتتمثل في منع التجنيس القطري لمن هو من اعضاء الدول التي تمس الحصار وتقديم معلومات عن من تم دعمه من هذه الشخصيات (والمقصود هنا بشكل خاص رجال الدين وقادة الاخوان-كالقرضاوي- لا سيما من مصر والسعودية) لان هؤلاء قد يحتموا بجنسيتهم القطرية وهو ما يبرر لهم البقاء في قطر،كما تشتمل هذه الشروط على تعويضات بسبب ما يعد نتيجة لسياسات قطرية ، وهذا يعني ان النظام السياسي السعودي يريد نفي هؤلاء القادة إلى بلادهم التي ستقوم على الأرجح بسجنهم أو ” تكميم أفواههم”، وبالتالي اغلاق كل مرجعية فكرية يمكن ان تشكك في النظام السياسي السعودي.
6- المطالب 12 و 133 هي مطالب اجرائية لتنفيذ الشروط وتشمل ضرورة الموافقة على الشروط خلال عشر ايام وتقديم تقارير عن التقدم في التنفيذ على اساس تقارير دورية شهريا(في السنة الاولى،وكل 3 شهور في السنة الثانية وبعدها تقرير سنوي خلال العشر سنوات القادمة”، وهو ما يوحي ” برهن السياسة القطرية تماما” للإرادة السعودية لعشر سنوات قادمة.
في تقديري ان هيئة صنع القرار في قطر أكثر انصاتا ” لدبيب” التحولات في المنطقة والعالم، وهي تعتقد أن حمايتها العضوية كدولة صغيرة يتم بالاتكاء على تحالفات متنوعة تنطوي على قدر من المغايرة عن النموذج السعودي الذي يسيطر على حماية نفسه من خلال ” السيطرة على القرار الخليجي” وتوظيف تبعات هذه السيطرة لصالح ضمان بقاء النظام السياسي حتى لو تضمن ذلك انفاق مئات المليارات او تدمير المجتمعات الاخرى، وهي اهداف التقت فيها مع قطر في الكثير من الساحات لكنها تفارقها في ساحات اخرى، ويبدو ان الساحات التي التقت فيها قطر والسعودية قد باتت في طريق فشل كليهما بينما الساحة الخليجية هي نقطة الفراق بينهما فاشتعل عود الثقاب في الهشيم كله.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى