دراسات سياسية

حركة فتح: ضرورة استعادة الثقة وتعزيز المضامين

اعداد : فادي قدري أبو بكر – كاتب وباحث فلسطيني

  • المركز الديمقراطي العربي

حرصت المدرسة الفتحاوية منذ نشوئها على اتخاذ قيم مماثلة لقيم العائلة الفلسطينية من الصدق والأمانة والشجاعة وحب الناس والفداء من أجل الوطن، ما كان من شأنه أن جعل حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” رائدة الحركات الوطنية الفلسطينية.

ركزت قيادة حركة فتح على ضرورة التلاحم بين الحركة والجماهير، فكان الشهيد الراحل ياسر عرفات يرى :”أن الثورة ليست بندقية ثائر فحسب، بل هي معول فلاح ومشرط طبيب وقلم كاتب وريشة شاعر..”، والشهيد خليل الوزير “أبو جهاد” كان يردد :” نحن خدم للشعب الفلسطيني”، والشهيد خالد الحسن كان يقول: ” عندما تنقطع صلة القيادة مع الجماهير تنقطع الصلة فوراً مع القضية القومية “..

من هنا يمكن القول أن منظومة الفتح الفكرية تنطلق من حقيقة أن الفتحاوي لا يمكن أن يكسب احترام وثقة الناس به كي يقودهم نحو تحقيق الأهداف الوطنية إذا لم يكن مستقيماً ومتوازناً وصادقاً وأميناً، وأنه كلما زاد طهره الأخلاقي الثوري تعززت طليعيته وتعمقت ثقة الناس به وهو ما يقرب الحركة من النصر .

على الرغم من الانتصار العظيم الذي حققته حركة فتح في معركة الكرامة عام 1968م، فقد حدث تغير سلبي كبير ترك بصماته على مسيرة الحركة وممارساتها ، حيث أن هذا النصر استفز ليس أعداء الفتح والشعب الفلسطيني فحسب، بل استفز أيضاً قوى وأحزاب وشخصيات ونظم عربية كانت تسعى لإحكام قبضتها على ورقة القرار الفلسطيني المستقل، ما دفعها للعمل الجدي ضد الحركة وتلاقت هذه الخطط مع خطط قوى الاستعمار.

من هذه الحقيقة نرى السبب الذي جعل قيادة الحركة ترتكب واحداً من أكبر الأخطاء التنظيمية والعقائدية وهو عدم التشدّد في قبول الملتحقين للانضمام للحركة وفقاً لمبدأ كان ثابتاً وصارماً وتحكّم في انخراط الأجيال الأولى قبل المعركة، وهو مبدأ ( النوعية وليس الكمية ) واستبدل عملياً بمبدأ آخر سلبي هو ( الكمية بأكبر قدر ممكن).

كثير من المنتمين لم يُربّى بصورة صحيحة تنظيمياً، وبقيت كافة أمراض المجتمع متحكمة فيه وجلبها إلى داخل الحركة، فظهرت عناصر تمارس سلوكيات بعيدة عن المسلكية الثورية، وعلاقات مُدانة مثل العشائرية و المناطقية لأجل تسلق المواقع في الحركة والسلطة .

ضعفت طليعية حركة فتح بنظر بعض الناس رغم تعاظم إمكانياتها العددية ، فالناس أخذوا يرون فيها حركة منقلبة على ذاتها، أمّارة بالسوء، يُمارس فيها كافة أشكال الأنانية وأبرزها الكذب السلوكي المتجسد في النفاق والتملق والازدواجية واستغلال الموقع التنظيمي، فتغيرت نظرة بعض الناس للحركة .

لم حصل ذلك ؟ أولاً وقبل كل شيء، كان التآمر واسعاً جداً وتشارك فيه قوى وأنظمة وأحزاب لا يربطها قاسم مشترك سوى معادة الحركة، فوجدت قيادة فتح أنها تحتاج للعدد في مواجهة هذا التآمر غير المسبوق، ولكن وبدلاً من اختيار الأسلوب السليم وهو تعبئة الناس في منظمات شعبية كالنقابات العمالية والفلاحية والطلابية وتنظيم الناس بها، وعدم تحويل الحركة إلى بيت لهذه الألوفات غير المتربية على المضامين والمسلكيات والقيم التي تتبناها فتح، فتحت حركة فتح أبوابها على مصراعيها، ما أدّى إلى إغراق الحركة في بحر من الممارسات السلبية التي ألحقت بها أضراراً واضحة .

الآن ونحن نخوض مرحلة نضالية معقدة، ومحاطون بأعداء أكثر وتحديات أوسع، على حركة فتح أن تُعيد التمسّك بمضامين الحركة وأبرزها الصدق مع الذات ومع الجماهير، ودون ذلك لن نتمكن من كسب المعارك القادمة حتى لو حققنا بعض التقدم الأولي، فالجماهير تراقبنا كما تراقب غيرنا وهي لا تمنح ثقتها بلا شروط..

علينا الآن أن نعزز مضامين الحركة في أنفسنا أولاً ثم في تنظيمنا، فرغم الإحباطات ما زالت قطاعات واسعة من الجماهير الفلسطينية تُراهن على حركة فتح كربان للسفينة التي تحمل أحلام وتطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى