حوكمة الهجرة وعلاقتها بالحراك الشبابي في ظل الآفاق التنموية

د. فداء إبراهيم المصري أستاذ مساعد، الجامعة اللبنانية، معهد العلوم الاجتماعية،  

Fidaa  Ibrahim EL MASRI   

 

الملخص:

       إن الهجرة الشبابية التي ازدادت بالوقت الراهن بشكل كبير لدى مجتمعاتنا العربية ككل والمجتمع اللبناني بشكل خاص يعود الى فقدان الحكم الرشيد وعناصره في إدارة البلاد وإدارة شؤون العباد، من هنا حاولت هذه الدراسة البحثية تقصي ظاهرة حوكمة الهجرة وعلاقتها بالحراك الشبابي انطلاقاً من تفكيك عناصرها في ظل مقومات التنمية البشرية المستدامة. حيث عملت دراستنا الإجابة على الإشكالية الرئيسية المتمثلة بـــــــــــــ: “كيف تؤثر حوكمة الهجرة الرشيدة على الحراك الشبابي اللبناني في ظل مؤشرات التنمية البشرية المستدامة؟”.

      وأهم ما قد توصلت اليه الدراسة من نتائج والتي تمت من خلال الاعتماد على المنهج الوصفي، بأن حوكمة الهجرة تتمثل في بناء نظم من الحكم الرشيد الذي يحقق للشباب أمنهم ويراعي مستقبلهم مما يدفع بهم الى التثبت في أوطانهم. وبهذا الصدد تشتمل حوكمة الهجرة على تطبيق مبادئ الحكم الرشيد الفعال من أجل تثبيت المواطن في أرضه عبر خطط واستراتيجية تنموية واضحة المعالم في أهدافها من قبل مجتمعاتنا. أي أن على الحكومة اللبنانية أن تعمل على تبني إدارة الحكم الرشيد الشفاف والعادل لمواردها ضمن رؤية واضحة مع ضمان وجود رؤية تنموية أثناء ممارستها للسلطة.

مصطلحات الدراسة: الحكم الرشيد، التنمية البشرية المستدامة، الهجرة الشبابية، الحراك الجغرافي.

 

مقدمة:

      يكاد لا يمر يوماً علينا إلا ونجد حجز لمقعد في الطائرة من أجل الهجرة الى بلاد الاغتراب وتوديع ابن من أبنائنا، من أجل البحث عن حياة أفضل من قبله والانتقال للعيش خارج حدود بلده بحثاً عن استقرار يفتقده فيه، علّه يجد ضالته في بلاد الاغتراب التي أحسنت تطبيق الحوكمة وعززت من مؤشرات التنموية لمواطنيها. وظاهرة الهجرة الخارجية باتت تُشكل حلم كل شاب لبناني وعربي يتمنى معه في بناء مستقبل أفضل لحياته بعيدا عن الحرمان والعوز أو بعيداً عن فقدان الأمن الاجتماعي جراء ممارسات اجتماعية سلطوية حرمت الفرد من أبسط حقوقه، ألا وهو البقاء في بلده بين أهله وناسه، متجاوزاً الألم النفسي للغربة من أجل الحصول على أمن معيشي علّه يسدّ به رمقه ويعيش مطمئن البال في تحقيق استقرار معيشي وحياتي.

     وإذا تقصينا عن السبب الكامن وراء انتشار الهجرة الشبابية التي طالت نسبة مرتفعة جداً بين صفوف هذه الفئة العمرية نجد أن ضعف السياسات الحكومية في تحقيق أمن واستقرار الشباب هو المتغير الرئيسي الذي يكمن وراء حراكهم الجغرافي الخارجي، في ظل فقدان للحكّم الرشيد، وغياب للممارسات السياسية الشفافة والعادلة في توزيع الثروات وعدم توفير الحقوق للمواطن. وعليه يكّمن أهمية هذه الدراسة في تسليط الضوء على أثر الحوكمة لدى السلطات في انتشار ظاهرة الحراك الشبابي فضلاً عن أنه يُعد من المواضيع المستجدة على الساحة المحلية رغم ان هناك غزارة بحثية في الدراسات التي طالت الحوكمة وقضايا التنمية. كما يكمن الأهمية في تسليط الضوء على مفهوم مستجد في ساحاتنا المجتمعية ألا وهو حكومة الهجرة، وما يتضمن هذا المفهوم من مقتضيات سوسيولوجية سوف تسعى الدراسة الى تبيانه لاحقاً.

        كما نهدف عبر دراستنا هذه إلى تحقيق غايات عديدة منها ما يتعلق بغايات نظرية ومنها ما يتعلق بغايات إصلاحية مجتمعية يمكن ان يستفيد منها المعنين من أجل تحقيق أهداف تنموية حقيقية لمجتمعاتنا الراهنة ووفق ما تقتضيه الحوكمة الفاعلة، وأبرز أهداف الدراسة التي تسعى اليها هي:

  • ضبط تاريخية ظهور مفهوم الحوكمة ومقتضاها التنموي.
  • تحديد مفهوم حوكمة الهجرة كمصطلح حديث العهد في ظهوره لدى مجتمعنا الإنساني وعليه يكّمن أهمية دراستنا هذه خاصة ان هناك ندرة بحثية تجاه هذه الظاهرة ومضامينها الفلسفية ونظرياتها الفكرية.
  • تبيان طبيعة الحراك الجغرافي الشبابي في المجتمع اللبناني والعوامل المؤثرة في هجرتهم الخارجية التي ازدادت وتيرتها في مجتمعنا الراهن في ظل معايير التنمية البشرية المستدامة.
  • كما نسعى إلى تبيان طبيعة الحوكمة المطلوبة لأجل مواجهة استنزاف الطاقات الشبابية في مجتمعنا اليوم.

من الملاحظ بأن شباب اليوم وهم يجلسون على مقاعد الدراسية يبحثون عن البلدان التي تستطيع ان تستقطبهم، ويبحثون عن سبل الفرار من مجتمعهم العربي ككل ومن الدولة اللبنانية بشكل خاص، والتي أهملت حكومتها الدور الرعائي وتخلت عن مسؤولياتها تجاه مواطنيها. فيعمد هؤلاء السفر الى خارج حدود بلادهم الجغرافي من أجل البحث عن العيش الكريم في دول أكثر أماناً لهم. ولا سيما الدول التي توفر الرعاية الاجتماعية لمواطنيها في ظل الحكم الرشيد التي تقوم عليها، والتي تحقق معها عناصر التنمية المستدامة في الوقت عينه، متجاوزين بذلك الألم النفسي جراء البعد عن أوطانهم، ومساهمين بتغيرات ديموغرافية عميقة البعد لبلدهم الأم.

      إزاء هذا الواقع الاجتماعي الديموغرافي المُستجد والذي خلفه حراك الشباب بهجرتهم الخارجية، فإنه تسبب بانخفاض كبير للقوى الشبابية الفتية لدى هرمه السكاني. الأمر الذي سوف يشكل عبء مجتمعي فيرتد سلباً على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية بالدرجة الأولى. من هنا كان لموضوع مداخلاتنا البحثية في طرحها لظاهرة “حوكمة الهجرة وعلاقتها بالحراك الشبابي في ظل الآفاق التنموية” والتي نقوم بدراستها عبر تفكيك متغيراتها وتحليل العلاقات السائدة فيما بين مظاهرها، انطلاقاً من طرحنا للإشكالية الرئيسية المتمثلة بـــــــــــــ: “كيف تؤثر حوكمة الهجرة الرشيدة على الحراك الشبابي اللبناني في ظل مؤشرات التنمية البشرية المستدامة؟” وبناءً عليها هذه سوف نعمل على إيجاد التحليل المناسب لها من خلال طرحنا للتساؤلات التالية:

  • ما المقصود بحوكمة الهجرة أو “الحكم الرشيد” والمقتضى التنموي الذي يشتمل عليه؟
  • كيف تطور حراك الشباب اللبناني وهجرتهم الخارجية؟
  • ما هي العوامل الكامنة وراء الهجرة الشبابية وحراكها الخارجي في ظل معايير التنمية البشرية المستدامة؟
  • ما دور حوكمة الهجرة تجاه رؤية الشباب وتطلعاتهم المستقبلية انطلاقاً من مفهوم التنمية البشرية المستدامة؟

     إذ نعمل على تحليل هذه التساؤلات عبر هذه الدراسة النظرية التحليلية، بشكل متتابع وفق السياق المطروح ووفق المنهجية العلمية بالاستناد على المنهج الوصفي بواسطة تحليل مضمون، حيث استدعت طبيعة المشكلة استخدام هذا المنهج من خلال مراجعة وتحليل واستقراء الأبحاث والدراسات المتعلقة بظاهرتنا المدروسة واستكشاف المعايير التي تحتكم لها، بقصد تشخيصها وكشف النقاب عن جوانبها وضبط العلاقات السائدة بين عناصرها ووصف سياقها ومسارها.

     فالمنهج الوصفي هو المنهج الأدق والأنسب في مثل هذه الدراسات بحيث انه سوف يساعدنا على وصف ظاهرتنا بشكل واقعي وعلمي، من أجل تقديم وصف شامل ودقيق وموضوعي في الوقت عينه عن مسار الظاهرة المشمولة بدراستنا هذه. معتمدين بالتالي في تحقيق منهجية الدراسة على ثلاثة مصادر رئيسية في تقصي البيانات المستهدفة؛ والمتمثلة بـــــــــــ “الصحف، الوثائق الإحصائية، الدراسات البحثية السابقة” والتي تتناول موضوعنا الموسوم ألا وهو هجرة الشباب والحوكمة الرشيدة.

      بينما نوع التحليل الذي سوف نعتمد عليه في سياق دراستنا هو التحليل الكيفي، والذي سوف يساعدنا في الإجابة على تساؤلات بشكل تدريجي ومتلاحق. وعليه فإن حدود الدراسة ومجالاتها، فقد اشتملت على المجال التاريخي وهو فترة امتداد تنفيذ الدراسة زمنياً والتي امتدت بين شهر الثالث إلى الشهر الخامس من العام 2020، وهي الفترة المخصصة لتقديم البحوث والدراسات. والمجال المكاني الذي امتد ضمن المجتمع اللبناني، من أجل رصد واقع الحراك الجغرافي وما يتضمنه من هجرات شبابية قد غادرة الوطن، معتمدين على إحصاءات صادرة عن مراكز بحوث ودراسات متنوعة قد تناولت ظاهرة الهجرة في لبنان. أما المجال الموضوعي للدراسة فقد اقتصرت على تحليل الإطار المفاهيمي لمصطلح حوكمة الهجرة وما يشتمل اليه من معطيات الإدارة الرشيدة للحكم في تعاملها مع ظاهرة الهجرة، حسب ما تضمنته الدراسات والأبحاث التي تناولت هذه الظاهرة، من أجل التوصل الى العناصر الرئيسية لحوكمة الهجرة، والتي تضمن للتنمية البشرية المستدامة أهدافها.

    بالمقابل تتشكل مصطلحات الرئيسية لهذه الدراسة من متغيرات ومفاهيم تضمنت “مفهوم الحوكمة أو الحكم الرشيد، الحراك الجغرافي، الهجرة الشبابية، حوكمة الهجرة، والتنمية البشرية المستدامة” غير ان متغيرات الدراسة والمفاهيم الرئيسية تنقسم بين محورين رئيسيين حسب الآتي:

  • متغير تابع: وهو متغير الحوكمة أو الحكم الرشيد الذي يشكل الدافع والمسبب الرئيسي للمتغير المستقل وما يتضمن من مؤشرات التنمية البشرية المستدامة.
  • متغير المستقبل: وهو الهجرة الشبابية او الحراك الجغرافي الذي يتمثل بالمتغير الناتج عن المتغير التابع وكحصيلة له.

 من هنا نعمل على تقصي هذا الرابط الخفي بين المتغيرين من أجل مناقشة وتحليل حوكمة الهجرة وتأثيراتها على القوى الشبابية الفتية التي تُشكل للمجتمع موارده البشرية الفاعلة وفقاً لمؤشرات التنمية البشرية المستدامة وعناصرها. بحيث نعمد على تفصيل وتحليل النقاط والعناوين التالية:

أولاً، المقصود بحوكمة الهجرة أو “الحكم الرشيد” والمقتضى التنموي لها.

ثانياً، الحوكمة الرشيدة لدى الحكومة اللبنانية في ظل معايير التنمية البشرية المستدامة.

ثالثاً، حراك الشباب اللبناني ودوافع هجرتهم الخارجية.

رابعاً، الخلاصة والتوصيات.

      والجدير بالذكر بأن هناك دراسات وأبحاث عديدة قدمها الكثير من الباحثين السوسيولوجين والتي طالت مفهوم الحكومة أو الحكم الرشيد، وأيضا تناولت واقع الهجرة الشبابية ودوافعها وفقاً لأهداف وغايات متنوعة سوف نبينها تباعاً حسب سياق أقسام الدراسة، من أجل تقديم تحليل عملي لطبيعة العلاقة بين الحوكمة الرشيدة من جهة وبين حراك الشباب وهجرتهم او كبح عجلات الهجرة لديهم.

أولاً، المقصود بحوكمة الهجرة أو “الحكم الرشيد” والمقتضى التنموي.

    إن مفهوم الحوكمة وما تتضمنه من مقتضيات الحكم الرشيد، أو الإدارة الفاعلة الحكيمة من أجل توفير متطلبات الأفراد وتسهيل شؤونهم حسب السياسات المتبعة والاستراتيجيات التخطيطية التي تتبنها المؤسسات الحكومية أو الاقتصادية أو مؤسسات المجتمع ككل، وفق النموذج الإداري المعتمد من قبل المعنيين بها. حيث يُشكل الحكم الرشيد من مستلزمات الإدارة ضمن العمل المؤسساتي التي تؤمن للفرد خدماته وتسيير شؤونه ومستلزماته الحياتية المختلفة من قبل السلطة أو الإدارة ضمن مؤسسة إنتاجية محددة مما يتحقق مفهوم التنمية البشرية المستدامة.

     وبهذا الصدد نشير الى تعريفنا بمفهوم «التنمية البشرية المستدامة» من منظورنا السوسيولوجي لها، “بأنها عملية تُحدث تفعيل قدرات الموارد البشرية وتنشط طاقات الأفراد الإنتاجية والابداعية من أجل تحقيق رفاه الإنسان، وأنسنته مع الاخذ بعين الاعتبار حصة الأجيال المقبلة من موارد المجتمع وطاقاته”. أي انها عملية تخطيطية تُمكن الفرد من مواجهة تحدياته وصعوباته الحياتية من أجل تسهيل أسباب حياته مع الحفاظ على المكتسبات المجتمعية للأجيال القادمة، والحؤول دون استنزافها وتكبيدهم مشقة ترميم هذا الاستنزاف للموارد المجتمعية سواء الطبيعية أو المالية، أو المؤسساتية مستقبلاً. وفي هذا الصدد نجد بأنه لا يمكن أن يتحقق للتنمية البشرية المستدامة هدفها تجاه الشعوب، الا من خلال تبني الحكومات مفهوم الحكم الرشيد الذي يُعزز للمجتمع موارده ويحفظ طاقاته.

       والجدير بالذكر هنا بأن «مفهوم الحوكمة» من المفاهيم الحديثة التي ظهرت مع مجتمعاتنا الإنسانية الراهنة، وبالتالي يُبين لنا الخبير الاقتصادي البروفيسور الدكتور سعد محمد عثمان في دراسته بـ “إن سبب ظهور مفهوم “الحوكمة” يعود إلى انهيار بعض الشركات الكبيرة وكذلك الفضائح المالية وحالات الفساد، وتراجع مستوى الثقة في مهنة المحاسبة والمراجعة، حيث يقول (توماس ستيوارت) في كتابه ثروة المعرفة ما نصه: لقد قضت المحاسبة التي نحبها منذ زمن طويل، ولم تدفن بعد… فخلال الأعوام العديدة الماضية، ثبت وجود أوجه قصور في محاسبة العصر الصناعي مراراً …وتكراراً… المستثمرون يتعرضون للتضليل بانتظام…. والعالمون ببواطن الأمور )أي المديرون) استفادوا من معلومات لا يستطيع المستثمر العادي الوصول إليها.”[1]

–         مفهوم الحوكمة ظهوره، تاريخية نشوئه:

   إن لفظ الحوكمة ليس جديداً على مجتمعنا الإنساني انما يعود ظهوره إلى أعوام ماضية عديدة غير ان تطوير هذا المفهوم وربطه بمؤشرات التنمية البشرية لم يظهر لدى المفكرين سوى منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فــــــ “يعود لفظ الحوكمة إلى كلمة إغريقية قديمة تعبر عن قدرة ربان السفينةgovernor good) ) و مهارته على إدارة السفينة وسط الأمواج و الأعاصير و تعريفها بشكل بسيط هو: نظام متكامل للرقابة المالية و غير المالية للسيطرة على أي انحراف داخل المؤسسات وضمان الرقابة وفقاً لمعايير الافصاح و الشفافية[2].” ويقتضي بالرقابة هنا أي الإشراف والتدقيق على مسار العمل المؤسساتي، ومدى تحقيقها للإنتاجية الفعالة والذي أخذ صداً واسعاً واهتماماً كبير من قبل المجتمعات الغربية، التي تبنت هذا المفهوم للدلالة على الحكم الصالح لدى المشرفين على المؤسسات الإدارية الحكومية وغير الحكومية.

      أما عربياً فقد دخل هذا المصطلح من بابه العريض عبر المفكرين والباحثين الاقتصادين وتم تداولها في المحافل الدولية والمؤتمرات العربية كدلالة لأهميتها في تحصين الانسان من المخاطر وكمعيار تنموي، يجب على الحكومات توفيره لأجل تعزيز أمن واستقرار مواطنيها. فيُطالعنا بروفيسور محمد مرعي مرعي في مداخلته في إحدى المؤتمرات؛ بأنه قد “دخلت الحوكمة مجال الاهتمام العربي سواء من قبل الحكومات أو وسائل الإعلام أو ندوات ومؤتمرات المختصين في بداية الألفية الثالثة بعد مضي أكثر من عقد من بدء إطلاق الأسس النظرية لذلك الطريقة الإدارية. كان التوجه العربي لتبني أسس الإدارة الرشيدة استجابة للتحديات الكثيرة الخارجية والداخلية التي واجهت البلدان العربية، وفرضت عليها التفاعل معها بغية تمكين الأجهزة الإدارية في كل دولة من الاضطلاع بمسؤولياتها، والسير بإطلاق برامج إصلاح شاملة تركز على قطاعات متعددة تستهدف دعم خطط التنمية الحالية والمستقبلية”[3].

    ولعل اهم الخطط التنموية التي تعمل على استهدفها من قبل الحكومات العربية كافة، تلك المتعلقة بالسياسات الشبابية ضمن ادارتها الرشيدة، كونها تُشكل القوى الفاعلة والمنتجة لبناء المجتمع وضمان حقيقي لتطويره. فكان لا بد لهذه الحكومات ان تبنى مقومات الحكم الرشيد من أجل لحظ هذه الفئة خلال بناء سياساتها البعيدة والقريبة المدى. وذلك من أجل ضمان استقرارها وضمان حقها في مجتمع يوفر لها أمنها ومشاركتها البناءة، وبالتالي يُعزز بقاؤها في المجتمع ويحول دون تسربها في حراك جغرافي يستنزف طاقاتها ويحرم المجتمع العربي من الاستفادة الهامة لهذه للأدمغة الشبابية.

      من خلال هذه المقاربة يطل علينا مفهوم «حوكمة الهجرة» وما يتضمنه هذا المفهوم من مؤشرات إدارية توفرها السلطة الحكومية أو المحلية المؤسساتية من أجل توفير للأفراد احتياجاتهم، والحؤول دون هجرتهم أو تسربهم من أوطانهم تحت تأثير عامل الطرد الناجم عن التهميش، أو لعدم التكييف جراء انعدام العدالة والمساواة في الحقوق.

    وفي هذا السياق يُشير د. سلامة أبو زعيتر بأن مفهوم الحوكمة ” قد حاز على قدر كبير من الاهتمام والعناية من العاملين في المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية، ولاسيما السلطات العليا والإشرافية والرقابية بالمؤسسات؛ خاصة لما تواجه تلك المؤسسات من تحديات وأزمات تعصف بعملها، وتحول دون قيامها بدورها وتحقيق أهدافها والمهام المناطة بها، مما يستدعي وجود آليات وبرامج تنظم هذه العمليات والاجراءات، والحوكمة بمفهومها العام تقوم بهذا الدور، فهي مجموعة الانظمة والقوانين والسياسات والإجراءات الداخلية، وتشكل نظام رقابة وتوجيه بالمؤسسة، يُساهم في توضيح الأسس والإجراءات المنطقية لصناعة القرارات الموضوعية، والرشيدة المتعلقة بالعمل لتحقيق الأهداف المرجوة، وذلك وفق ما تحدده من مسئوليات وحقوق للعاملين، وطبيعة وشكل علاقات الاتصال فيما بينهم، بما يعزز العدالة والشفافية والنزاهة والمساءلة وصولاً للمصداقية في بيئة العمل مما ينمي الثقة اتجاه المؤسسة وداخلها.[4]” وعليه تعود أهمية الحوكمة التي تعتمدها الحكومات في سياساتها تجاه مواطنيها إلى تفعيل العمل لدى السلطات السياسية والتي تساعد في تحقيق أهداف تنموية فعالة لمواردها البشرية. وهذا ما يُوفر لها القدرة على حماية مواطنيها وصون موارد الدولة، ويحقق بالتالي الموائمة بين المسؤوليات الاستراتيجية المناطة بها وبين حقوق شعبها بالرفاهية بشكل فعال وسليم ومتوازن، وفق ما يُساعد في تحقيق الأهداف التنموية واتخاذ القرارات الصائبة بأفضل الطرق المتاحة لها، بطريقة تجعلها تحافظ على مواردها للأجيال المقبلة، وتحول دون حرمانهم من موارد البنية التحتية أو الثروات.

–         تعريف مفهوم حوكمة الهجرة:

   إن إدارة الحكومة لمشاريعها وما تقوم به من تخطيط بعيد ومتوسط وقريب المدى عبر لحظ مواطنيها خدمات تؤمن لهم الاستقرار المعيشي وإدارة حكيمة توزع معها الثروات بصورة عادلة فإنها بالتالي تعزز الأمن والاستقرار وتحول دون لجوئهم للهجرة ومغادرة أوطانهم، بل على العكس تماماً فإنها تكون بواسطة هذا الحكم الرشيد الفعال في تثبيت المواطنين بأماكن عيشهم. ومن أجل تحديد مفهوم حوكمة الهجرة، لا بد من استعراض تعريف الحوكمة وخاصة ان هناك العديد من التعريفات التي طالت هذا المفهوم وحدد معطياته ونشير هنا إلى تعريف الحوكمة  وفق ما هو وارد في مقال د. خلف عبد الله الوردات وهو تعريف “مقدم من قبل الامم المتحدة الانمائي “UNDP ” ، “فيعرف البرنامج مفهوم “الحوكمة” على أنها ممارسة السلطة الاقتصادية والسياسية والادارية إدارة شؤون الدولة على جميع المستويات، ويشمل الاليات والعمليات والمؤسسات والتي من خلالها يعبر المواطنون والمجموعات عن مصالحهم ويمارسون حقوقهم القانونية ويوفون بالتزاماتهم ويقبلون الوساطة لحل خلافاتهم . ويُعرف البنك الدولي” World Bank” مفهوم ” الحوكمة” بأنها الحكم المعتمد على تقاليد ومؤسسات يتم من خلالها ممارسة السلطة في الدولة بهدف خدمة الصالح العام، ويشمل هذا التعريف: عملية اختيار القائمين على السلطة ورصدهم واستبدالهم، قدرة الحكومة على إدارة الموارد وتنفيذ السياسات السليمة بفاعلية، واحترام كل من المواطنين والدولة للمؤسسات التي تحكم التفاعلات الاقتصادية والاجتماعية فيما بينها.كما يعرف معهد المدققين الداخليين الامريكي “Institute of Internal Auditors”(IIA)  ”حوكمة القطاع العام” على أنها السياسات والاجراءات المستخدمة لتوجيه أنشطة المنظمة الحكومية، والتأكد من تحقيق أهدافها، وانجاز العمليات بأسلوب أخلاقي ومسؤول، وتقييم الحوكمة في القطاع العام عن مدى انجاز وتحقيق الاهداف المرجوة من خلال القيام بالأنشطة التي تضمن مصداقية الحكومة، والعدالة في توفير الخدمات، وضمان السلوك المناسب والاخلاقي للمسؤولين الحكوميين للحد من مخاطر الفساد المالي والاداري. فالحوكمة اذن هي “نظام واسلوب ادارة” وهذا النظام هو الذي يحكم العلاقات بين الاطراف الاساسية التي تؤثر في الاداء داخل اي منظمة، ويشمل المقومات الادارية الاساسية لنجاح المنظمة وتقويتها على المدى البعيد وتحديد المسئوليات داخلها مع ضمان حقوق جميع الاطراف التي لها علاقة بالمنظمة وبعدالة.[5]” وفي سياق تحليلنا للتعاريف المقدمة من الجهات الثلاثة فقد أشادت بالإدارة الحكومية وما تقتضيه من تدابير وإجراءات تعمل عبرها على بناء الثقة لدى المواطن وتعزز استقراره. بالمقابل يُقصد بالهجرة كمفهوم هو انتقال الفرد من منطقة الى أخرى تحت تأثير عاملي الطرد والجذب، وفق ما يشتمل إليه من مصطلحات كمفهوم الحراك الجغرافي سواء الحراك الداخلي بقصد النزوح بين المناطق أو الحراك الجغرافي بقصد هجرة خارجية وترك البلاد نهائياً.

    وضمن هذا السياق وبناء على ما تقدم فإن مصطلح حوكمة الهجرة خاضع لعاملين الطرد والجذب، وعليه فإننا نوجز تعريف واضح لهذا المفهوم بأنه: “يشير إلى مجموعة تدابير وسياسات في ظل إدارة حكيمة ورشيدة تشتمل على جملة من القوانين والنظم والقرارات التى تهدف إلى تحقيق للفرد احتياجاته تبعاً للجودة والتميز في الأداء، ولا سيما عن طريق أساليب يسودها الشفافية في اختيار الوسائل المناسبة والفعالة لتحقيق استقرار المواطن في مجتمعه ويحول دون تسربه وحراكه الخارجي، بفضل تبني الحكومة أو السلطة جملة من الخطط التي تحقق معها أهداف تنموية فعالة، ضمن إدارة تحتكم للعدل والرقابة وتعزز بقاء الفرد في مجتمعه وبالتالي تعمل الحوكمة على الحؤول الفرد للهجرة بكافة انماطها”. أي ان لهذا التعريف المطروح مقتضى قانوني واداري يجب على المعنيين من قبل السلطة والطبقة الحاكمة ان يوفرونهما تجاه شعبها من أجل تثبيت المواطن في وطنه الأم، وهو واجب ومسؤولية يقع على عاتقها، حسب طبيعة الحوكمة والسياسة التي تتبناها وتحول دون انتشار الهجرة ومغادرة الموارد البشرية أرضها التي ولدت عليها.

       وبهذا الصدد تشتمل الحوكمة الهجرة على تطبيق النظم والقوانين من أجل تثبيت المواطن في أرضه عبر خطط ومراسيم تشريعية واضحة ومحددة. أي أن الحكومة تشتمل على إدارة الحكم ضمن رؤية واضحة مع ضمان وجود لنظم عمل شفافة، وبالتالي تعمل على التحكم في العلاقات بين الأطراف الأساسية المعنية والتي تؤثر في الأداء بالحكم تجاه مواطنيها المسؤولة عنهم. كما تشتمل حوكمة الهجرة على مقومات عمل في صلب آدائها لأجل تقوية المؤسسة الحكومية في ادارتها للسلطة على المدى القريب والبعيد، مع تحديد المسؤولين وطبيعة المسؤوليات المناطة بها والتي تعزز معها بقاء المواطن ضمن حدود وطنه لأجل خدمته وتقديم يد العون لرقيه وتقدمه. ولا سيما عبر استهداف الدعم التقني لأجل تعزيز التنمية الشبابية بواسطة سياسات محددة وواضحة المعالم تُعزز معها تدخلهم الحقيقي في صنع القرار بصورة مستدامة.

–         مقومات حوكمة الرشيدة للهجرة وفقاُ للمقتضى التنمية البشرية المستدامة:

      هناك ضرورة لتبني السياسات الديموغرافية التي تعمل على الحد من استنزاف مواردها البشرية من خلال تطبيق المقومات الأساسية التي تتطلبها الحوكمة الرشيدة في إدارة السلطة لمواردها المادية والبشرية. فتعمل الحكومة على بناء السياسات الديموغرافية وفقاً لطبيعة واقعها السكاني وهرمه المكون للمجتمع، أي مع زيادة الطفرة السكانية وارتفاع الأعمار الفتية لديها فتسعى الحكومة الى تبني سياسة حوكمة الهجرة الدافعة لهذه الفئات بالحراك الجغرافي إلى الخارج، من أجل تخفيف عن كاهلها النفقات المتوجبة عليها تجاه الرعاية الاجتماعي، مع عجز لدى السلطات عن توفير سياسات الحمائية الشاملة تبعاً لارتفاع معدل سكانها خاصة في البلدان النامية، لا سيما في افريقيا وآسيا وبلدان العربية، والتي تشهد نمو كبير من هجرة سكانها تجاه بلاد جاذبة لهم كالبلدان الغربية.

       إذ تعمل العديد من البلدان الأوروبية والأمريكية على تبني سياسات جاذبة للموارد البشرية وجاذبة للطاقات الشابة والنخب المثقفة منهم عبر اتباع حوكمة الهجرة وما تتضمنه من مقومات تنموية مغرية تدفع الشباب الى الرضوخ لهذه المغريات وترك بلادهم والإقامة في بلاد الاغتراب بصورة كلية.

    فمن أبرز مقومات الحوكمة الرشيدة والتي تهدف الى تعزيز عناصر تنموية تجاه شعوبها حسب رؤيتنا السوسيولوجية، ووفق ما تحقق للشعوب من استقرار مجتمعي، وكبح عجلات الحراك الجغرافي لديهم، او كبح استنزاف الهجرة الشبابية الخارجية وفقدان هذه الطاقة الحيوية للمجتمع، فحيث تبرز هذه المقومات من خلال العمل على توفير المعايير والعناصر اللازمة في أداء الحكومات وما تقتضيه من دعم تجاه مواطنيها أثناء ممارسة دورها في الحكم الرشيد، ولا سيما لحظها الدعم تجاه الشباب، والمتمثلة في تبني ما يلي:

  1. تمكين القوى البشرية ولاسيما فئة الشباب والخريجين الجامعيين منهم على المستوى المحلّي من المبادرة تجاه ما يتطلبه حاجات المجتمع، عبر تنفيذ برامج مختلفة تجاههم من التدريب والتوعية وتنمية المهارات المطلوبة، بالتعاون بين المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني وحث بالمبادرة والمشاركة الفعالة من قبلهم تجاه مجتمعهم؛ والتي تضمن لهم التكيف الاجتماعي والاستقرار والأمن الاجتماعي.
  2. العمل على بناء الخطط تنموية وخاصة تلك التي تطال استراتيجيات تضمن مستوى مشاركة السكان المحليين بفعالية ضمنها ولا سيما مشاركتهم في صياغة السياسات واتخاذ القرارات، وذلك من خلال مبادرات السلطة المحلية عبر تعزيز ثقة السكان بأدائها، مع لحظ تلك البرامج التي تعود بالنفع العام، مما يتثبت المواطن في أرضه ويحول دون مغادرته الى مناطق أكثر أمناً له.
  3. تبني أساليب جديدة في الإدارة سواء لدى المؤسسات الحكومية أو غير حكومية، تتبنى نهج خدمة الإنسان، وتوفير شؤونه واحتياجاته بشكل مرضي، وتسهل عليه اقامته في مجتمعه وذلك من خلال تطوير البناء المؤسسي قائمة على الرقابة والمحاسبة والمسائلة مع توفير كافة خدماته.
  4. تتطلب الحوكمة الرشيدة توفير بنية أساسية مجتمعية سواء طبيعية أو مادية تضمن للأجيال المستقبلية حقها في هذه الموارد، وذلك باتباع استراتيجية تنموية وبيئية تحافظ على الثروات الطبيعية وموارد الأرض ولا سيما حفظاً لهذه الموارد للأجيال المقبلة، مع ضمان تطوير إمكانيات المؤسسات القائمة وتطوير بنيتها وأدائها من خلال توفير الآليات المناسبة للعمل لأجل ضمان المشاركة الفعالة من المواطنين.
  5. كما يجب ان نوفر عنصر الديمقراطية من أجل ضمان الحوكمة الرشيدة للمؤسسات والدوائر الحكومية ككل بكافة منظمتها الإدارية والوظيفية. حيث تُسهم إقامة الديمقراطية القوية والرشيدة في ضمان لهذه المؤسسات دورها الريادي الفعال وممارسة هذا الدور بشفافية. كما لابد للحكومات من فهم أفضل للأدوار والتوقعات المشتركة للطبقة الحاكمة المنتخبة، والموظفين الرئيسيين الذي يتحكمون بمفاتيح العمل الحكومي للدولة عبر تعيين النخب منهم من خلال تبني معايير الكفاءة والجدارة، مما يضمن للمؤسسات الحكومية السلامة والشفافية في العمل ومساره الذي يرتد ايجاباً تجاه المواطن وحقوقه ويثبته في وطنه ويحول دون تسربه وحراكه الخارجي.
  6. وأخيراً، لكي تستطيع المؤسسات الحكومية القيام بدورها الريادي تجاه مواطنيها على أكمل وجه، وتحفظ لهم حقوقهم وتعزز مواطنيتهم وواجباتهم تجاه مجتمعهم، لا بد لها من تبني عناصر الحوكمة الرشيدة كافة في عملياتها اليومية والالتزام بها بشكل تام في ممارستها إدارة شؤون البلاد والعباد. من خلال تطبيق أفضل الممارسات والخبرات العالمية الفعالة من قبلها لا سيما عبر تطبيق القوانين وتفعيل جهازي القضاء والتفتيش والرقابة المؤسساتية، مع تفعيل التوزيع العادل للثروات محققة عنصر العدالة والانصاف في ممارستها الحكم الرشيد تجاه شعبها.

     غير انه من الملاحظ، بان من أهم المقومات الرئيسية التي تفعل “الحوكمة الرشيدة” تجاه المواطن يتمثل في تطبيق القوانين ضمن أطر العدالة والمساواة، عبر تبني نظاماً للرقابة والتوجيه على المستوى المؤسسي الشامل، وتعمل معها على تحديد المسؤوليات والحقوق لدى المواطن، وتنظم العلاقات مع جميع الفئات المعنية ضمن العمل المؤسساتي سواء الحكومي وغير الحكومي أي بين المديرين والموظفين والعملاء المستفيدين.  فضلاً عن توضيح القواعد والإجراءات اللازمة لصنع القرارات الرشيدة المتعلقة بعمل هذه المؤسسات التي تضمن للفرد حقوقه وخدماته وانجازها بشفافية عالية وتضمن له الوصول الى المعلومات بحرية. وبالتالي تعمل على تطبيق نظاماً قائماً بحد ذاته، يدعم العدالة والشفافية والمساءلة المؤسسية ويُعزز معها الثقة والمصداقية في بيئة العمل من قبل المواطن، مما يدفعه الى التشبث بأرضه، ويحول دون التفكير بمغادرته الى بلدان أخرى، عبر تبني الحكومة سياسة الحكم الرشيد والتي تضبط معها عداد الهجرة المرتفعة وتضمن بقاء النخب لديها لتستفيد من طاقاتهم الابداعية والابتكارية في خدمة مجتمعهم.

–         عناصر الحوكمة وفقاً لمقتضى التنمية البشرية المستدامة.

وبهذا الصدد نؤكد بأنه يجب على الحوكمة الرشيدة أن تتبنى عناصر تنموية رئيسية لكي تستطيع ان تحقق أهدافها الإنسانية، وذلك بالموازنة ما بين المسؤوليات التي تتولاها وبين المؤسسات الخدماتية والتشغيلية المختلفة، وذلك بطريقة منظمة وواعية ومدروسة أي مخطط لها بموضوعية وفق الأسس العلمية التي تراعيها. والتأكد أيضاً من أن المؤسسات المختلفة يتم إدارتها وتسيير أعمالها بالشكل الفعال والسليم خالٍ من الاستهتار والفساد والالتواء تجاه حقوق عملائها من مختلف الفئات الاجتماعية والطبقية. وعليه فإن الحكومات لا تُعد ممارسة للحوكمة رشيدة إلا عندما يتوفر لديها العناصر التالية في آدائها:

  1. المشاركة الفعالة بين الأطراف: إذ تُعتبر المشاركة حجر الأساس في الحوكمة الرشيدة وممارستها تجاه قواعدها الشعبية، فتبدأ من تشكيل القادة والموظفين الإداريين جنباً إلى جنب لأجل توفير خدمة للمواطنين دون أي تمييز، مع توفير جميع الخدمات لهم، ويمكن أن تكون المشاركة مباشرة أو من خلال مؤسسات شرعية للسلطة تمثل الأطراف المختلفة البرلمانية والتشريعية والقضائية تجاه القاعدة الشعبية.
  2. تطبيق القانون وسيادة سلطانه: َتطلّب الحوكمة الرشيدة توفير هذا العنصر الهام الذي يضمن استقامة النظام وتطبيق الشفافية بواسطة بسط نفوذه ضمن الهياكل القانونية العادلة التي يتم فرضها بنزاهة عبر وجود جهاز قضائي نزيه ومستقل بحيث يشكل حماية كاملة لحقوق المواطنين.
  3. الشفافية: وتعني الشفافية بأنها عملية اتخاذ القرارات وتنفيذها وتطبيقها على ضوء أساليب واضحة المعالم وتندرج ضمن إطار لوائح وتعليمات للقوانين والأنظمة المرعية. كما تُشير الشفافية بالوقت عينه إلى الإفصاح عن المعلومات التي تهم الأطراف المعنية من خلال أجهزة الإعلام والإعلانات الصادرة عن المؤسسة الحكومية، لا سيما تلك المعلومات المتصلة بالمناقصات والمؤسسات التشغيلية الإنتاجية المختلفة التي تضمن المساواة والعدل في التوصل الى المعرفة والوصول اليها بحرية وضمن ضوابط ومسؤولية مجتمعية.
  4. التجاوب مع مطالب الشعب: إذ تتطلب الحوكمة الرشيدة وفق هذا الصدد التجاوب مع متطلبات جميع الشرائح ضمن أطر زمنية معقولة ومحددة عبر الانفتاح على حاجاتهم والاستماع الى مطالبهم دون اي تمييز، وأن تراعي وتوازن بي القطاعات والمؤسسات كافة، ولا سيما التجاوب مع المؤسسات التي تشكل الركن الرئيسي لإحياء المجتمع واصلاحه، خاصة ً التعليمية والأسرية والرعائية.
  5. التوافق: بين مؤسسات المجتمع وقطاعاته: حيث تتفاوت وجهات النظر بين الأفراد والأقسام المختلفة في الدائرة الحكومية، ويؤثر بذلك عوامل متعددة مختلفة ومتشابكة وكلما كان التفاوت صارخاً كلما تشرذم الواقع المؤسساتي وضعف في بنيته وفي اتخاذ القرارات الصائبة. وهنا يكمن أهمية عنصر التوافق ودور الحوكمة الرشيدة في التعامل مع الأفرقاء بوسطية وتوافقية تجمع وجهات النظر وتركز على النقاط المشتركة التي تجتمع عليها المصالح المختلفة بحيث تؤدي إلى توافق أعم وأشمل لجميع الفئات المختلفة وتحول دون صراعاتها وشرذمة مواقفها.
  6. الكفاءة والجدارة: إن الحوكمة الرشيدة تتطلب توفير عنصر الجدارة في صلب مهامها وممارستها تجاه مجتمعها، وتعني بهذا الصدد بأن عمل المؤسسات الحكومية في المجتمع هي موجهة من أجل تعزيز خدمات المواطن المختلفة واحتياجات المجتمع، وذلك باستخدام أفضل للموارد البشرية المتاحة حسب طبيعة المؤسسات ووظائفها. أما الكفاءة في منظور الحوكمة فتعني الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة من خلال تعيين الشخص المناسب في المكان المناسب وفق مهارته وكفاءته وقدراته وهو بالتالي سيكون إضافة نوعية للعمل الحكومي أي تعزيز الحكومة الرشيدة بعقلانية وفعالية.
  7. مكافحة الفساد المالي والإداري: وهو يعتبر من العناصر الهامة في تطبيق الحوكمة الرشيدة، وذلك من اجل حماية المال العام وعدم استغلاله من أجل تحقيق مآرب شخصية، وما يمتد ليطال الهدر المالي وعدم ضبط الموازنة العامة، الأمر الذي سوف ينعكس في زيادة المديونية، مما يعرقل للحكومات تنفيذ برامجها وتحقيق الحكم الرشيد تجاه شعوبها وحقوقهم.

   تجتمع هذه العناصر في أداء الحوكمة الرشيدة لدى السلطات الحكومية وتتكامل فيما بينها من أجل تعزيز الدور الرسمي وآلية الحكم الرشيد، الأمر الذي سوف يساعد في تحقيق التنمية البشرية المستدامة أهدافها، وما تتضمنه من تحقيق الأمن والرفاهية للشعوب. وهذا ما يظهر من خلال التزام الحكومات بمبادئ التنمية الرئيسية ألا وهي “مشاركة وتمكين وعدالة“، مما يتعزز حوكمة الرشيدة للهجرة عبر ضبط الحراك الجغرافي للمواطنين، في ظل الاعتراف بالكفاءات والقدرات لديهم، مع تمكينهم من تحقيق ذاتهم وتوفير حقوقهم بالبقاء بمجتمع ينصف قدراتهم ويُعزز أمنهم المجتمعي.

ثانياً، الحوكمة الرشيدة لدى الحكومة اللبنانية في ظل معايير التنمية البشرية المستدامة.

     يُعتبر مصطلح الحكم الرشيد أو الحوكمة الرشيدة واحدًا من أهم المفاهيم التي حظيت باهتمام العديد من الحكومات الدولية والمحلية، ولا سيما من قبل المنظمات خاصة تلك العاملة في مجال التنمية مع اهتمام كبير لدى الأوساط الأكاديمية من مختلف الباحثين تبعاً لما تحققه من نصرة للشعوب، وانصاف لها عبر توفير احتياجاتها ومساندتها في تجاوز عقباتها او مشاكلها محققة بالتالي أدوار تنموية مختلفة تمارسها الحوكمة تجاه تأمين حقوقهم وتوفير احتياجاتهم حسب ما يقتضيه هذا المفهوم من مقومات ومبادئ ممتدة للحكم الرشيد، ووفق ما يتضمنه من تفاعل حقيقي لمجموعة من العوامل والآليات التي تؤدي إلى الأسلوب الأمثل لإدارة الدولة في ممارسة سلطتها تجاه قاعدتها.

      إلا أن الحكومة اللبنانية وما تعمل عليه من سعي لتبني مبادئ الحوكمة الرشيدة نجدها بعيدة كل البعد عن مؤشرات الحكم الرشيد في ممارستها للسلطة تجاه شعبها، فمنذ أكثر من ربع قرن وبعد انتهاء الحرب الأهلية وتوالي السلطات تباعاً لم تستطع ان تنصف شعبها بحكم عادل قوامه القانون ومساره العدل والمساءلة والديمقراطية، رغم ان الدستور اللبناني ممتد لمبدأ الديمقراطية والعدالة. وهذا التقصير في الأداء الحكومي السيء للحكم واستغلال السلطة لمالية الدولة من أجل تحقيق مآرب شخصية، قد خلف انفجار ناري اجتماعي ظهر بوادره مع حلول عام 2014 وما زال مستمراً للوقت الراهن، والذي انفجر بثورة 17 تشرين الثاني 2019 مع ثورة شعبية عارمة ضد ممارسة السلطة الخاطئة وحرمانها لمواطنيها أبسط موارد العيش، وذلك نتيجة تراكم سياسات خاطئة تخلو من مقومات الحكم الرشيد وتستنزف موارد الدولة بمختلف أشكالها، وسوف نفصل ذلك تباعاً على ضوء افتقاد دولة اللبناني للمبادئ الحكم الرشيد، حسب الآتي:

  1. ضعف المساءلة Accountability: ويُقصد بالمساءلة القانونية بأنها «خطوط واضحة وفعَّالة تشتمل على خطوط رئيسية ومسارات واضحة من (مساءلة القانونية، السياسية، المالية، الإدارية بالوقت عينه) من قبل الحكومة أثناء ممارسة دورها في السلطة. غير اننا نشهد ضعف كبير في تطبيق المساءلة والمحاسبة المالية، والقانونية، والإدارية، والسياسية للجهات الرسمية اللبنانية المختلفة والمقدمة للخدمات سواء بالقطاع الحكومي، أو القطاع الخاص، أو الهيئات والجمعيات الأهلية. بحيث لا يوجد لدينا نظام فعَّال للتدقيق الداخلي الخاصة بإجراءات وعقود المناقصات التي تديرها المؤسسات الحكومية، فهي حكرة لجهات خاصة وفق طبيعة المحاصصة التي ابتدعتها في ممارستها للحكم وادارتها شؤون البلاد. فضًلا عن عدم وجود نظام فعَّال للطعن القضائي أو جهاز قضائي مستقل يضمن إتاحة السبل القانونية للذي وقع عليه الظلم من جهة ما لأجل انتزاع حقه. وأيضا ً لا يوجد لدى النظام اللبناني نظام فعَّال لإقرار الذمة المالية بشأن الموظفين الحكوميين المعنيين، أو نظام لفرض عقوبات ملائمة على حالات عدم الامتثال بحيث لم نسمع يوماً اجراء وقع بحق موظف لم يمتثل للسلطة قد نُفذ، وكذلك غياب أي اجراء او اتخاذ تدبير تلزم المؤسسات المالية بالتحقق من هوية العملاء، أو تحديد هوية المالكين المنتفعين للأموال المودعة في حسابات عالية القيمة، في ظل تغييب مقصود لإجراء فحص دقيق للحسابات التي يطلب فتحها أفراد مكلفون بأداء وظائف عامة هامة، أو أقاربهم بهدف كشف المعاملات المشبوهة ومساءلتها عن استغلالها للمال العام. كل ذلك دفع الى استغلال الأموال العامة واستباحتها بطريقة ممنهجة دفعت الخزينة اللبنانية الثمن في هدر الأموال وعدم الإنصاف بسبب ضعف المساءلة لديها وعدم اتباع القواعد أو الإجراءات الموضوعة لوقف مثل هذا الاستنزاف وتقييد الاستغلال للمال العام.
  2. تدني المشاركة Participation: بحيث تُعتبر مشاركة المواطنين والمجتمع المدني فاعًلا أساسيًا في عملية التنمية إلى جانب الحكومة ومؤسساتها الادارية المختلفة، لكونها تساهم في دعم الحكم الديمقراطي، وتسهل التفاعل بين الدولة والمجتمع من خلال مشاركة المواطنين بالمساهمة في اتخاذ القرار ومساءلة صانعي القرار. بالمقابل نجد أن عملية تعزيز المشاركة لدى المواطنين تتم من خلال ضبط الاحتياجات، إعداد الخطط والبرامج التنموية المناسبة، إعداد الموازنات المالية لها، اتخاذ قرارات التشغيل والتنفيذ في ظل اشراك الناس بها. غير ان هناك ضعف كبير في المشاركة لدى المواطنين اللبنانيين خاصة مع ضعف المواطنة لديهم، جراء تراخي قيام الدولة اللبنانية بوضع وتنفيذ أو ترسيخ سياسات فعَّالة لمكافحة الفساد الذي أنهك مواردها وأضعف قدراتها في توفير أبسط الخدمات للمواطنين سواء من خدمات تعليمية أو صحية أو بنية تحتية. وجراء ضعف دور الدولة تجاه حقوق المواطن فقد تعذر مشاركته في مؤسسات المجتمع أو في استحقات وطنية تتطلب من المشاركة كالانتخابات البرلمانية التي لم تزيد عن 49,68%[6] من مشاركة الناخبين في الانتخابات النيابية الأخيرة حسب الاحصائيات الصادرة عن الموقع الالكتروني للانتخابات البرلمانية اللبنانية. بالوقت عينه يغيب عن السلطة اللبنانية مبدأ سيادة القانون، ويضعف لديها إدارة الشؤون وإدارة الممتلكات العامة في ظل غياب لمبدأ النزاهة الشفافية والمساءلة في ممارسة السلطة اللبنانية تجاه شعبها، مما أفقد المواطن ثقته بها. بالوقت عينه نلاحظ فقدان المواطنين ثقتهم بدولتهم من مختلف الجوانب سواء من حيث مقدار الشفافية المعتمدة لديها تجاه عملية اتخاذ القرار، أو من حيث تشجيعها للمشاركة الحقة من قبل مختلف فئاتها. بالوقت عينه نجد ان لغياب ضمان تيسير حصول الأفراد على المعلومات المتعلقة بالفساد أو نشرها أو تعميمها ساهم في اضعاف مشاركته مع مؤسساتها، وأدى الى تهديد الأمن الوطني أو تهديد النظام العام ككل، في ظل فقدان سياسات واضحة لمكافحة الفساد، ودفع بالعديد الى التهميش وضعف المشاركة الحقيقة الفعالة، والتي عزز لديهم عدم الاستقرار الاجتماعي والنفسي، وأضعفت ولاءهم لوطنهم وأضعف المواطنية الحقة في نفوسهم.
  3. فقدان الشفافية Transparenc: بحيث تقتصر في معناها إلى توافر كل من التعامل النزية والمكتمل وما هو مطلوب من التقارير المالية أثناء اعدادها عن مالية النقدية والاقتصادية، أي  أنها يجب أن تكون السياسات المالية أمينة وأن تقدم صورة متوازنة عن حالة المجتمع بشفافية ومقدار كبير من الموضوعية والصدق. بالمقابل نشير بأن نزاهة التقارير المالية والنقدية تعتمد على مدى نزاهة الجهة التي تعدها وتعرضها للحكومة وللسلطة السياسية، أي تقدم صورة حقيقية لكل ما يحدث مع اتخاذ تدابير تكفل تعزيز الشفافية في إدارتها العامة. الا ان الإدارة للسلطة اللبنانية تفتقد لهذا المعيار من خلال عدم اعتمادها لإجراءات تمكنَّ المواطنين من الحصول على معلومات عن كيفية تنظيم إدارتها الحكومية. كما ان ضعف الحكومة اللبنانية في عملية اتخاذ القرارات الشاملة والمنصفة والجامعة للأفرقاء المتصارعين حول حصصهم في ظل فقدان الشفافية، وكذلك فقدان القرارات والوثائق القانونية التي تهم العامة، وتبسيط الإجراءات اللازمة لحصول المواطنين على تلك المعلومات، فضًلا عن نشر تقارير دورية عن مستوى الفساد الذي بلغ في إدارتها العامة. حيث “سجل لبنان 3 من أصل 10 بحسب مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2008 (وفقا لسلم يمثل فيه الصفر اعلى درجات الفساد وصولا الى 10، اعلى درجات الشفافية). وقد احتل المرتبة 102 من أصل 180 بلدا شملتهم الدراسة. وبقي التصنيف على حاله في العامين الماضيين، الامر الذي عكس تعثر الاصلاحات نتيجة الاضطرابات السياسية التي شهدتها وتشهدها البلاد. وفيما يلاحظ العاملون على الدراسة غياب بعض المؤسسات التي تساهم في تحسين الاداء على صعيد الشفافية والحكم الصالح في لبنان كوسيط الجمهورية والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، يتحدثون عن ضعف العلاقة بين المواطنين والدولة، مما يؤثر مباشرة وسلبا على المساءلة والفصل بين السلطات وفاعلية المؤسسات العامة.[7]” كما أن فقدان الشفافية في نظم توظيف المستخدمين المدنيين، أو الاستنسابية ترقيتهم للمناصب على أساس المحاصصة والولاء الحزبي والطائفي، أو الاستنسابية في إحالتهم إلى التقاعد في ظل تغييب كامل للشفافية، مع ضعف اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية المناسبة سواء في تمويل الترشيحات لانتخاب شاغلي المناصب العامة، أو في تمويل الأحزاب السياسية على حساب الدولة ومؤسساتها، وعلى حساب دورها ومسؤولياتها تجاه مواطنيها وهذا ما أضعف اندماج المواطن وعزز تهميشه وأحال دون استقراره الاجتماعي والاقتصادي.
  4. فقدان سيادة القانون Rule of Law: يُقصد بسيادة القانون كمفهوم بأنه احترام الفرد لمواد القانون ومدى امتثال كافة الأطراف سواء “كانوا أفرادًا، أو مؤسسات حكومية، أو مجتمع مدني”، للمنظومة القانونية من قوانين أو تشريعات أو إجراءات تعتمدها الحكومة تجاه قاعدتها الشعبية. وبعبارة أخرى يمكن القول إنها درجة التطابق بين سلوكيات وسياسات الفاعلين إن من قبل الحكومة، أو القطاع الخاص، أو المجتمع المدني والأهلي ومدى التزامهم بالقواعد القانونية. والمتابع للساحة اللبنانية وما تشهده من ممارسات خارجة عن سيادة القوانين وحماية للسيادة المذهبية والطائفية يلحظ غياب واضح لمعالم الدولة وتفتيت ضمني لمؤسساتها عبر استغلال القوانين والتفلت من قيودها من أجل تحصين الطوائف والمذاهب والمحاصصة الحزبية، وفي هذا السياق تطالعنا د. أحلام بيضون في مداخلتها العلمية ” إن (شرط عدم الإخلال بالنظام العام) في المواد التي تتكلم عن امتيازات الطوائف، صبّ كله في صالح النظام الطائفي بل التفرقة الطائفية، لتعلق النظام العام ليس فقط بالآداب العامة بل بالأمن العام، وبما أن كلا من الآداب العامة (عادات وتقاليد الطوائف) والأمن العام (عدم الوقوع في الفتنة الطائفية) يصبان كلاهما في مصلحة عدم المس بالطوائف، من جهة احتراما لخصوصيتها، ومن جهة ثانية لعدم الوقوع في الفتنة، فقد نشأ عن ذلك تمتين الوضعية الطائفية في لبنان على صعيد التشريع والتطبيق، بما شكل منافسة وتهميشا جديا لشخصية الدولة وصلاحياتها المتعارف عليها في القانون، وجعل مبدأ عدم الإخلال بالنظام العام في خدمة الطوائف بدل أن يكون في خدمة الوطن والمواطنين[8]“. حيث نجد فقدان الدولة اللبنانية في تطبيق سيادة القوانين والتي تتمثل من خلال عجزها عن اتخاذ تدابير تأديبية ضد الموظفين الحكوميين الذين يخالفون القرارات المتعلقة بالسلوك الوظيفي. وينطبق ذلك أيضًا على مؤسسات القطاع الخاص في حالة عدم الامتثال لقواعد وتدابير لأجل مكافحة الفساد المنصوص عليها. كما تشهد عجز كبير تجاه أجهزة القضاء والتفتيش والرقابة في ضعف تمثيل القانون وعجز من القيام بدورها في منع ومكافحة الفساد سواء من خلال ضمان استقلالية تلك الأجهزة، أو من حيث تعزيز التعاون بين تلك الأجهزة وغيرها من الجهات المعنية سواء الوطنية أو الدولية بهدف ضمان تطبيق سيادة القانون تجاه الأفعال المجرَّمة.
  5. مكافحة الفساد Combating Corruption: يَشمل مفهوم الفساد بأنه إساءة استخدام للسلطة العامة من أجل تحقيق مكاسب خاصة لها على حساب مؤسسات الدولة وحقوق مواطنيها. وتتعدد صور الفساد لتشمل الرشوة، الابتزاز، المحاباة، استغلال النفوذ وغير ذلك من أفعال، وتشير الأدبيات إلى وجود علاقة عكسية بين الفساد والديمقراطية، ويتطلب الحد من الفساد وجود بيئة مواتية سياسياً وقانونياً، وقدرات مؤسسية ملائمة، بالإضافة إلى تعزيز مشاركة وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني في مكافحته. ومن ثمَّ يقصد بمكافحة الفساد تواجد نظام متكامل وفعَّال لمجابهة الفساد لدى كل فاعل من الفاعلين، ودرجة تطبيق مختلف الفاعلين لهذا النظام وهذا غير متوفر في المجتمع اللبناني رغم انه من الدول الديمقراطية، غير انها عاجزة عن اتخاذ التدابير اللازمة لتجريم رشوة الموظفين الحكوميين لا سيما موظفي الفئة الأولى التي تستغل مناصبها لتحقيق مكاسب الأحزاب السياسية التي تتبع لها. وبالتالي فإن ” النسبة الكبيرة من المواطنين والمقيمين في لبنان لديها مواقف سلبية تجاه إدارات الدولة وطريقة عملها، بحيث تعتبر بأن الدولة فاسدة بأغلب مكوناتها، مما يشجع المواطنين على عدم التردد في انتهاك القوانين والأنظمة، ناهيك عن انتشار البطالة وغلاء المعيشة…[9]” ويجد معظم المواطنون بأن السلطة اللبنانية عاجزة عن مكافحة الرشوة المتفشية بين عدد كبير من موظفي المؤسسات الدولية العامة والخاصة، مع انتشار لمظاهر اختلاس الممتلكات أو تبديدها أو تسريبها سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص.  كذلك الأمر تبدو الدولة ضعيفة أمام استغلال الناس وسيطرة المتاجرة بالنفوذ وبأرزاقهم واخرها المتاجرة بأموال المودعين من أجل وضع يد الحكومة على مكتسبات الفرد ومدخراته في المصارف.  فضلاً عن سيطرة للإساءة واستغلال الوظائف، والإثراء غير المشروع، وإخفاء الممتلكات المتأتية من الأفعال جرمية، ساهمت باستنزاف موارد الدولة وخير دليل على ذلك السطو على الأملاك البحرية والنهرية. وقد أدى كل ذلك، الى عجز مزمن مرضي يصعب معها الدولة بسط سيطرتها على كامل املاكها، الأمر الذي ساهمت في افقار شعبها وفقدان الامن الاجتماعي بالوقت عينه. وفي سياق ذلك يُشير كمال حمدان عن واقع الدين العام اللبناني فيقول ” هكذا جرى على مدى نحو ربع قرن منذ أواسط التسعينيات تبديد ما يراوح بين 80 مليار دولار و100 مليار دولار من أموال المودعين، على الاستهلاك الحكومي والنفقات العامة غير المنتجة وتكاليف خدمة الدين العام، ناهيك عن تكاليف الفساد السياسي والمحاصصة وانعدام الأهلية المهنية في مجال إدارة الشأن العام والحوكمة”[10]. مما ساهم الفساد المالي بالوقت عينه من ارتفاع كبير للمديونية والتي تجاوزت 100 مليار دولار حسب ما تناقلته العديد من الوسائل الإعلامية في نشراتها الاخبارية مؤخراً، وذلك ضمن فترة زمنية قياسية وقد عبرت عن ذلك صحيفة النهار وفق هذا الصدد من ارتفاع مَهول للدين العام  وتفيدنا عبر مقالها، بأنه “صحيح ان لبنان احتل، بموجب ارقام عام 2017، المرتبة الاولى عربيا، والرابعة عالميا، الا ان ارقام الصندوق لعام 2018 تبين ارتفاع الدين العام للبنان من 146,8% الى 150% [11]“، وتكبدت بالتالي بدين كبير على أجيال مقبلة يفوق قدرتها وقدرة احتمالها لهذا الدين الضخم. كما نلحظ وفق ما هو سائد في المجتمع اللبناني بأن هناك اثقال كاهل المواطن بالضرائب التي استنزفت مداخيله وانحدر معها قدرته الشرائية مع حلول عام 2020 وبات على أبواب الفقر والعوز الذي بلغ معها أكثر من ثلاث أرباع الشعب اللبناني حسب تصريح بعض المواقع الإخبارية في نشراتها المسائية. وفي هذا الصدد يؤكد لنا ” البنك الدولي بوضوح الى أن هناك 40% من اللبنانيين هم تحت خط الفقر، ويتوقع أن ينحدر حوالي 170 ألف مواطن لبناني لما دون خط الفقر، محذراً من تفاقم الأزمة المعيشية في لبنان”[12]. وكل هذا يعود الى الممارسات السياسية الخاطئة وفقدان مبادئ الحوكمة في ممارسة السلطة مهامها، مع تفشي صارخ للفساد والتفلت من العقاب في ظل جهاز قضائي مسيس وغير مستقل، وتفلت بسعر صرف الدولار مؤخراً، والذي بلغ حدٍ قياسي، ” ليتراوح بين 4200 ليرة للمبيع و4250 ليرة للشراء في السوق السوداء صباح اليوم الاثنين[13]“. فلم يعهد لبنان سابقا هذا التفلت بسعر صرف الدولار وارتفاع الكبير له حتى في أحلك الظروف الأمنية، وهذا التفلت بسعر الصرف قد ساهم بتآكل قيمة الرواتب في القطاعين العام والخاص وهدد الكثير من الموظفين بالتدهور الطبقي في ظل تضخم الأسعار، مع غياب الرقابة أو الرادع القانوني في محاسبة الفساد والمتورطين في جرم انهيار العملة الوطنية، وبالتالي تهديد الطبقة الوسطى بالاختفاء من التوزع الطبقي للمجتمع اللبناني.
  6. العدالة Justice: تعد العدالة من المؤشرات الهامة للحكم الرشيد الواجب على الحكومات ان تتبناه.  يُقصد بها درجة تقديم الخدمات بصورة عادلة تحفظ معها حق الشعوب بمواردها من قبل الحكومة، أو المجتمع المدني، أو القطاع الخاص. كما تشتمل على توفير للخدمات على قدم المساواة، وطبقًا للاحتياجات وفق مبدأ تكافؤ الفرص دون أي تمييز طبقي أو طائفي أو سياسي حزبي بين فئات المجتمع. والمطلع بالمجتمع اللبناني يجد بأن هناك تغييب لمبدأ العدالة من القبل المعنيين المسؤولين عن إدارة البلاد وشؤون العباد. بحيث نجد بأنه لا يتم تعيين وترقية الموظفين الحكوميين بناءً على معايير الكفاءة، والجدارة والإنصاف لا سيما بالمراكز الفئة الأولى والثانية انما يتم على أساس المحاصصة والاستزلام والانتماء المذهبي والطائفي وحتى ضمن الطائفة الواحدة. كما لا تمنح السلطة أهمية تجاه وضع برامج تعليمية أو تدريبية لفئات المجتمع تمكِنّهم من أداء وظائفهم بشكل مستمر، وترفع وعيهم بمخاطر الفساد الملازمة لأداء وظائفهم لكي يكونوا مثال للموظف النزيه المخلص لوطنه انما تشرع له الفساد من خلال انطفاء لمبدأ المساءلة والمحاسبة. فضلاً عن وجود لمعايير محددة تضبط معها سلوك للموظفين الحكوميين، وكذلك موظفي القطاع الخاص بشكل يضمن تحقيق الأداء السليم والمشرف لتلك الوظائف. بالوقت عينه يخلو لدى النظام اللبناني ضوابط قانونية تحفظ حق الفرد في رفع مظلوميته للمعنيين ضد الفئات المسببة له المظلومية، أو ضد الأشخاص الذين تسببوا بالضرر له نتيجة لفعل فساد من خلال رفع دعوى قضائية ضد المسؤولين عن إحداث ذلك الضرر بغية الحصول على تعويض.
  7. الانضباط DiscipliKne : أي اتباع السلوك الأخلاقي المناسب والصحيح من قبل الطبقة الحاكمة تجاه شعبها وما تعزز لديهم من شعور المسؤولية تجاه العناية باحتياجاتهم سواء من قبل السلطة أو من قبل موظفي القطاع العام والخاص. فنجد الكثير من فئات الموظفين متفلتين من حس الانضباط، في أدائهم الوظيفي ومسيطر عليهم التقاعس مما يزيد من الأعباء على العملاء ويفقدون ثقتهم بالموظفين الذي يستغلوا مناصبهم لتحقيق مكتسبات خاصة لهم، ضمن عدم وجود إجراءات قانونية للإثراء غير المشروع مسببين معهم الهدر بالمال العام بمختلف الأشكال والممارسات التي سادت في المجتمع اللبناني، فنجد متعهد طريق لا ينضبط بتسليم مشروعه وفقاً لدفتر الشروط التي قدمها للحكومة، ليوفر أموال المشروع الى جيبه، ونجد المسؤول يعتدي على المال العام ويكلف الخزينة نفقات سفر لحاشيته مقدما فاتورة ضخمة من المال العام دون أي رادع ، أو يتم فرز جيش من المرافقين للمسؤولين السياسيين وموظفي الفئة الأولى من المال العام دون أي حد أدنى للانضباط الأخلاقي والتنظيمي، كل هذه الممارسات يدفع ثمنها المواطن بحيث يتم استغلاله بأجره وقوته اليومي، فيتم دفعه للهجرة والتفلت من هذا النظام الجائر الذي يعرضه يوما الى يوم للإفقار، وما ارتفاع نسبة الانتحار الذي طالت أعداد هامة من المواطنين ليس سوى نتيجة حقيقية لتفلت المسؤولين من واجبهم تجاههم.
  8. المسؤولية الاجتماعية Social Responsibility: وما تشتمل عليه من مبادئ قيمية متعلقة بالالتزام والتحلي بالمسؤولية ضمن أولويات التخطيط الاستراتيجي. كما تشتمل بالوقت عينه على توفير الدعم والمساندة التامة من قبل الحكومة تجاه التنمية المستدامة لمواردها البشرية، وفق ما تحقق لهم الاكتفاء الذاتي، وذلك من خلال تحمل مسؤولياتها بشفافية وعدالة. كما ان تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية سوف يساعد الحكومات مع تحقيق الرفاهة الاجتماعية لمواطنيها انطلاقاَ من تأمين لهم العديد من الخدمات العامة كتوفير البنية التحتية وتطويرها، وتحقيق مجتمع متماسك تسوده القيم الاجتماعية. بالوقت عينه فإن الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية من قبل المعنيين أي الطبقة الحاكمة سوف تؤدي الى تحقيق مستوى متقدم من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي تثبيت الشباب في مجتمعاتهم وتعزيز الولاء لديهم مع غرس المسؤولية الاجتماعية في نفوسهم تجاه وطنه والعمل بإخلاص لرقيه وبالتالي منعهم من الهجرة الى الخارج. غير أن المسؤولية الاجتماعية في لبنان شبه مفقودة على الصعيد الرسمي في القطاع العام وكذلك على الصعيد القطاع الخاص أو على الصعيد القاعدة الشعبية نظراً لفقدان المؤشرات المرتبطة به. وبهذا الصدد “شرحت د. سهام رزق الله تحديّات المسؤولية الاجتماعيّة في لبنان نظرًا لاعتماده على المبادرة الحرّة والطوعية للمؤسّسات من دون أي قيد أو رقابة أو تقدير أو تشجيع أو حوافز غير المنافسة بين المؤسّسات نفسها على تلميع صورتها إزاء المستهلكين لزيادة حصتها في السوق ليس إلّا، الأمر الذي يجعل نموّ المسؤولية الاجتماعيّة خجولاً في لبنان لأسباب عديدة يمكن تلخيصها بـــــــــــــ:المبادرات غير مؤطرة وتطوعية،  ضعف المعلومات والبيانات حول المسؤولية الاجتماعيّة للشركات في لبنان، غياب أي توجيه نحو القطاعات التي تحتاج التدخل الاجتماعيّ للمؤسّسات فيها، غياب الضغط من جانب أصحاب المصالح لتطوير المسؤولية الاجتماعيّة للشركات، عدم وجود حوافز من الدولة لتشجيع تطوير المسؤولية الاجتماعيّة للشركات، غياب أيّ تقييم للجهود المبذولة من قبل بعض المؤسّسات في مجال المسؤولية الاجتماعيّة أو عربون أو شهادة تقدير تميّزها عن سائر المؤسّسات المنافسة لها في قطاعاتها، عدم وجود قانون أو أي نوع من التشريعات التي تشجع على التعاون بين القطاعين العامّ والخاصّ لتشجيع بعض مبادرات القطاع الخاصّ مثل المسؤولية الاجتماعيّة للشركات ، ضعف حملات التوعية في وسائل الإعلام حول المسؤولية الاجتماعيّة للشركات”[14]

        بناء على ما تقدم وما قد تم استعراضه آنفاً حول فقدان المجتمع اللبناني لمبادئ الحوكمة الرشيدة، فيتضح لنا بأن هناك ارتباط عكسي قوي بين كل من متغير الحوكمة ومتغير مكافحة الفساد؛ ضمن إطار من العلاقة الوثيقة بين كل من الحوكمة الرشيدة من جهة ومكافحة الفساد من جهة أخرى. بمعنى أن هناك أهمية كبيرة للمجتمع في تطبيقه معايير الحوكمة ومبادئها “من مشاركة، وشفافية، ومساءلة، وسيادة القانون، وكفاءة، وفعالية” من أجل مكافحة الفساد الذي بات مستشرساً في الكيان اللبناني وفي كل وظائفه الرسمية، والذي يمثل أخطر جريمة على الشعب اللبناني وفي حق الإنسانية أجمع.

ثالثاً، حراك الشباب اللبناني ودوافع هجرتهم الخارجية.

من أجل تبني الحوكمة الرشيدة في كبح عجلات الهجرة التي لابد من توفر المقومات الرئيسية التي تساعد في تثبيت الشباب في أوطانهم أو بلدانهم. حيث نلحظ بأنه كلما تحقق الارتباط والتكامل بين مبادئ الحوكمة مع بعضها البعض فإنه يتسنى للحكومة اللبنانية تحقيق دورها الريادي في مكافحة الفساد وبالتالي تعزيز الاستقرار وفرملة الهجرة لدى مواطنيها التي ارتفعت بشكل صارخ مع بداية الألفية الثالثة. فعلى سبيل المثال، مع اعتماد الحكومة مبدأ الشفافية لدى الإدارات اللبنانية  فإنها ستؤدي الى إتاحة المعلومات وتداولها على نطاق واسع بين فئات المجتمع كافة دون أي تمييز بينهم، وبالتالي سوف يتم تعزيز مشاركة كافة أطراف المجتمع في مكافحة الفساد مع تحقيق أعلى درجات المساءلة المجتمعية والسياسية، وتحقيق سيادة القانون والامتثال لقواعده، وبالتالي زيادة كفاءة، وفعالية سياسات واستراتيجيات مكافحة الفساد الذي سوف يعم بالرفاهية على المجتمع اللبناني، وتحقيق معها تنمية بشرية مستدامة ويعزز فرص بقاء الشباب في وطنهم ويحول دون مغادرتهم الى أوطان غريبة سعياً لاستقرارهم. وعلى الرغم من أن مبدأ الاستجابة كأحد مبادئ الحوكمة الرشيدة، وأن الالتزام سيؤدى إلى ترسيخ نظام فعَّال لمكافحة الفساد يستجيب لتطلعات المواطنين اللبنانيين إزاء ترسيخ قيم النزاهة والشفافية كضمان حقيقي تجاه تحسين أداء الوظيفة العامة والحفاظ على المال العام وخفض نسبة العجز والمديونية، وذلك من خلال تطبيق استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد بالشراكة مع المعنيين والجهات كافة. وبفعل فقدان ذلك فقد لاحظنا بأن هناك ارتفاع كبير في أعداد المهاجرين، ومغادرتهم بشكل قسري نتيجة عامل الطرد الذي حققته الحكومة اللبنانية عبر افتقارها لمبادئ الحكم الرشيد والذي ارتفع بشكل مهول مؤخراً وعبرت عن ذلك العديد من الصحف والدراسات.

   وبهذا الصدد فقد تم نشر عبر صحيفة المركزية الإلكترونية بأنه ” تقدر مؤسسة «الدولية للمعلومات» للأبحاث والإحصاءات أن يصل عدد اللبنانيين الذين غادروا البلاد من دون عودة في عام 2019 إلى 61.924 مقارنة بــــــــــ41.766ـ في العام السابق أي زيادة بنسبة 42 في المائة. وعلى محرك «غوغل»، بلغ معدل البحث عن كلمة «هجرة» في لبنان بين شهري نوفمبر وكانون الأول حده الأقصى خلال خمس سنوات. ولم يعد محامون يعملون في ملفات الهجرة يمتلكون أوقات فراغ، إذ تنهال عليهم طلبات الراغبين بالذهاب إلى كندا أو أستراليا أو غيرها. ويقول أحد المحامين إن «الطلب على الهجرة ارتفع بنسبة 75 في المائة»، مشيراً إلى أنه يعمل حالياً على 25 طلباً، غالبيتهم إلى كندا. وهم من الشبان المتعلمين وأصحاب الاختصاص، منهم من يعمل في الصيدلة أو في تكنولوجيا المعلومات أو الشؤون المالية”[15].

      كما “يشير مسح المعطيات الإحصائية للسكان والمساكن الذي أعدته وزارة الشؤون الاجتماعية بين ألف لبناني سنوياً أعوام 1997 و2004 الى أن عد د المهاجرين هو نحو 44 ألف لبناني بينما ارتفع هذا العدد منذ عام 2005 إلى نسبة تتراوح بين 60 و65 ألفاً سنوياً وبلغ ذروته خلال حرب تموز 2006. أما الدراسة التي أعدّها النائب السابق لرئيس مجلس الإنماء والإعمار الدكتور بطرس لبكي فتشير إلى أنه منذ العام 1991 بلغ عدد اللبنانيين الذين هاجروا لبنان 820 ألفاً بينهم 170 ألفاً هاجروا العام 1997 و180 ألفاً هاجروا في العام 1998″[16]. وقد عبر العديد من الباحثين عن هذا الاستنزاف الكبير للشباب ودفعهم الى الهجرة تحت وطأة عامل الطرد من قبل الدولة اللبنانية جراء فقدانها لمبادئ الحكم الرشيد وحرمان الشباب من حقوقهم واستقرارهم بعدما بلغت نسبة البطالة والفقر نسبة قياسية هامة خاصة مع بداية 2019.

    ويؤكد لنا الباحث أسعد الأتات في مقاله بأنه ” منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي، تتواصل الهجرة الخارجية المُغادرة، لا سيّما بين الشباب. ومن المفارقات، أن حجمها تعاظم باستمرار بعد عام 1990، أي بعد انتهاء، ما يسمّيها بعض الباحثين، فترة الاحتراب الأهلي (1975 -1990). لقد استتبّ الأمن، إنما فُقد الأمان، واستفحلت ظاهرة الفساد، ولا سيّما نهب المال العامّ، إلى درجة أن حتى المتورّطين والمشاركين وحماتهم من السياسيين باتوا يستفظعون ما وصلت إليه أحوال البلاد والعباد، في السياسة كما في الاجتماع والاقتصاد. أظهرت نتائج الدراسة الإحصائية حول «الأحوال المعيشية للأسر في لبنان»، الصادرة عن المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق (نُشرت في كانون الأول/ ديسمبر 2017)، أن نحو ثلث اللبنانيين يعيشون على حافة العوز والفقر، وأن معدّل البطالة وصل إلى حدود 36% عام 2015…. يعبّر هذان المؤشّران، الفقر والبطالة، عمّا آلت إليه أحوال الناس على المستويات كافة في الاقتصاد والسياسة والأمن والعمل… فيما تعبّر الأرقام حول الهجرة الخارجية عن تزايد وتيرة هذه الأزمة خلال العقد الأخير (2007 – 2017)”[17]. فنستنتج على ضوء هذا الأرقام دلالات لدوافع الهجرة التي بلغت ذروتها مع تفشي مظاهر الفقر والحرمان وتزايد التدهور الاقتصادي والاجتماعي نتيجة غياب الحوكمة الرشيدة من قبل المعنيين وغياب مبدأ التنمية ومبدأ المحاسبة والمساءلة التي سببت بارتفاع قياسي للمديونية واستنزاف كبير للمال العام، الأمر الذي دفعت ثمنه القيمة الشرائية للعملة اللبنانية المنهارة أمام تصاعد صاروخي للدولار وبلغ حداً قياسياً لم نعهده سابقاً.

    وقد تم التعبير عن هذا الواقع المتدهور للشعب اللبناني والدفع به نحو الهجرة من خلال تقرير متلفز وارد عبر شبكة فرانس24 بحيث أشار إلى أنه ” غادر لبنان 34 ألف لبناني في عامِ 2017 من دون عودة، وفق تقرير للدولية للمعلومات. أي أن تسعة أشخاص من كل ألف لبناني يغادرون بلدهم من دون عودة. وهذا ما يعود إلى غياب لأنظمة الحماية الاجتماعية مما يدفع اللبنانيين إلى المغادرة بحثا عن شروط حياتية أفضل. كما أن الأزمة الاقتصادية في لبنان هي واحدة من أسباب الهجرة أيضاً، بحيث أن نسبة النمو لا تتخطى 1% حسب صندوق النقد الدولي وهناك ركود اقتصادي منذ سنوات، أما ارتفاع في نسبة البطالة، فقد تخطت 35% وفق منظمة العملِ الدولية.[18]” ومن الملاحظ بأن غالبية المهاجرين هم من فئة الشباب والخريجين الجامعيين الذي يحرم المجتمع اللبناني الاستفادة من طاقاتهم، فتعمل على توفير التعليم لهم لأكثر من 16 سنة ليتم توريده الى الخارج جاهزاً يستفيد من قدراته بكل سهولة، وهذا ما أكدته ريا شرتوني عبر مقالها الوارد في صحيفة الأناضول بأنه يُشير ” رئيس مركز الدولية للمعلومات: زيادة 42% في عدد المهاجرين في 2019….وأوضح أن غالبيتهم من الشباب ومن خريجي الجامعات، فالشباب اللبناني يبحث عن فرص عمل واستقرار في الخارج؛ نظرًا لصعوبة الأوضاع الاقتصاديّة بلبنان. ولا ريب في أن الاحتجاجات الشعبية المستمرة في لبنان منذ 17 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، والتأخير في تشكيل الحكومة، هي دوافع للبنانيين نحو الهجرة. “[19]. فوفق ما قد تم نشره عبر الدراسات والأبحاث بأن غياب الحوكمة الرشيدة قد تسببت باستنزاف قدرات الشباب وشكلت عامل طرد لهم، وقد ازداد اعداد المهاجرين منهم بشكل صارخ وهذا ما يعود إلى:

  • غياب الرؤية والسياسات التنموية في أداء السلطة اللبنانية وتجاهلها لمطالب المواطنين وتطلعاتهم.
  • غياب الحكم الرشيد عبر تطبيق مبدأ المحاصصة التوافقية عوضاً عن تطبيق مبدأ الديمقراطية التي نص عليها الدستور وجاءت في صلب مقدمته.
  • غياب الأمن الاجتماعي عبر تدهور نظام الرعاية الاجتماعية والسطو على أموالها، أو سرقتها بشكل او بآخر ضمن جرائم مالية كبيرة في ظل غياب الرقابة والتفتيش والمحاسبة.
  • غياب التوافق في أداء الحكومة مما جعلها في صراعات سياسية وانقسامات حزبية في ظل تغليب المصلحة الذاتية على المصلحة الوطنية.
  • غياب إدارة مال العام عبر تفشي الرشاوي والفساد المالي ونزف خزينة الدولة التي كلفتها ارتفاع صارخ في مديونيتها أدخلت المجتمع أزمة اقتصادية ومالي يصعب عليها تجاوزها بشكل سريع.
  • سرقة المال العام واستغلال موارد الدولة وأملاكها والتهرب الضريبي الذي دفعها تجاه الإفلاس ودخول وضع اقتصادي مأزوم، دفعت ثمنه العملة الوطنية عبر ازدياد غير مسبوق بسعر الصرف، وتدني القيمة الشرائية للعملة الوطنية في ظل تجاذبات سياسية وانقسامات حزبية غلبت مصالحها الشخصية على حساب مصلحة الوطن والمواطن.
  • كلفت الأجيال المقبلة مديونية مرتفعة وأورثتها ضعف الإنتاجية وضعف البنية التحتية يصعب معها الأجيال في المستقبل التخلص من تداعياتها مما أضعف للتنمية البشرية المستدامة جدواها.

رابعاً، الخلاصة والتوصيات.

    توصلت دراستنا هذه إلى أن حوكمة الهجرة تتمثل في بناء نظم من الحكم الرشيد الذي يحقق للشباب امنهم ويراعي مستقبلهم مما يدفع بهم الى التثبت في أوطانهم. وبهذا الصدد تشتمل حوكمة الهجرة على تطبيق مبادئ الحكم الرشيد الفعال من أجل تثبيت المواطن في أرضه عبر خطط واستراتيجية تنموية واضحة المعالم في أهدافها. أي أن على الحكومة اللبنانية أن تعمل على تبني إدارة الحكم لمواردها ضمن رؤية واضحة مع ضمان وجود لنظم عمل شفافة في ممارستها للسلطة.

      وبالتالي على السلطة اللبنانية أن تعمل على التحكم في العلاقات بين الأطراف السياسية المعنية، والتي تؤثر في الأداء بالحكم ووجهته تجاه مواطنيها وتطلعاتهم المستقبلية. كما تشمل حوكمة الهجرة على مقومات التنمية البشرية المستدامة التي تساعدها في تحقيق مبادئ الحكم الرشيد بصورة واضحة وبشفافية عالية وجعلها في صلب ممارسة العمل الحكومي من أجل توريث الأجيال المقبلة دولة مؤسسات خالية من الشوائب.

    كما على الجهة الحكومية أن تتبنى سياسات تعزز سلطة القانون خلال ممارستها السلطة على المدى القريب والبعيد، مع تحديد الآليات المناسبة التي تضمن معها بقاء المواطن ضمن حدود وطنه. كما لا بد للحكومة اللبنانية ان تستهدف الدعم التقني لأجل تعزيز التنمية البشرية المستدامة، وفقاً لسياسات محددة وواضحة المعالم تعزز معها تدخل حقيقي للشباب في صنع القرار بصورة مستدامة. ومن أجل تبني الحوكمة الرشيدة في كبح عجلات الهجرة التي لابد من توفر المقومات الإصلاحية التالية عبر سياسات شبابية تضمن عدم هجرتهم وتتمثل في:

  1. تشجيع الشباب على المشاركة في صنع القرار وعلى المساهمة في تشكيل الطبقة السياسيّة دون خوف أو تهديد وبوعي وضمن معيار الوطنية عند ممارستهم العملية الاقتراعية.
  2. تعزيز موارد المجتمع الزراعية والصناعية عبر تشجيع الاستثمار في هذين القطاعين المنتجين الذين يوفران فرص عمل للشباب العاملين والخرّيجين ضمن تخصصاتهم المختلفة.
  3. توجيه مهني للتخصصات الجامعية المطلوبة عبر تنشيط مكاتب لدراسة سوق العمل وتوجهاته مما يخفض من معدل بطالة الشباب ويقلص هجرتهم من لبنان.
  4. تحفيز الشباب اللبناني على التعلق بوطنهم الأم وعدم التخلّي والتفريط به من خلال التوعية والسياسات الوقائية التي تغرس مبادئ وقيم أخلاقية في نفوسهم.
  5. القضاء على المحسوبية والوساطات من خلال توحيد لمعايير التوظيف وفق الكفاءة والجدارة.
  6. تعزيز المسؤولية الاجتماعية لدى المواطن من خلال تعزيز لبرامج الاستثمارات التنموية كافّة، والتي من الممكن لها أن تنمي مؤهلات الشباب اللبناني وتدعم قدراتهم، ولا سيما عبر الجمعيات والمؤسسات والنوادي الثقافية.
  7. الاهتمام بتوفير سياسات شبابية متخصصة تدمج هذه الفئة في المجتمع وتعزز مشاركتها عن طريق توفير النظم الرعاية الاجتماعية كالتأمين الصحّي، والمسكن، ووسائل المواصلات، مع تحقيق مبدأ المساواة والعدالة عبر الاستفادة من سياسة الرعاية الحكومية.
  8. العمل على تشكيل جهاز قضائي عادل وفقاً للقدرات والمؤهلات بشكل بعيد عن المحاصصة والتوافق الحزبي السياسي من أجل تطبيق سيادة القانون والمحاسبة والمساءلة لدى النظام اللبناني.
  9. تفعيل مبدأ الديمقراطية في النظام اللبناني والذي يُعزز الحرية المسؤولة والانضباط في تحمل المسؤولية من قبل الحكومة تجاه مواطنيها وحاجاتهم.
  10. على الحكومة اللبنانية أن تتبنى مبدأ الشفافية في ممارستها للسلطة في ظل تطبيق عملية الرقابة الشاملة عبر تفعيل جهاز التفتيش المركزي على الإدارات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، الذي يساعد في ضبط موارد الدولة وصون ممتلكاتها.

لائحة المصادر والمراجع

  • أحلام بيضون، “قراءة في النظام اللبناني بين القانون والتطبيق”، مداخلة مقدمة الى المؤتمر العلمي الاول تحت رعاية رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين، وبمشاركة من اهل القانون والسياسة، من قبل كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، بعنوان ” صلاحيات رئيس الجمهورية بين النص الدستوري والممارسة السياسية” ، وذلك في قاعة المؤتمرات –الادارة المركزية- بتاريخ 31-1-2014. منشور الكترونيا ً على موقع الجامعة اللبنانية تم استرجاعه في 25 نيسان 2020، https://www.ul.edu.lb/lawMag/8.aspx?lang=3
  • أسعد الأتات، ” نزيف الهجرة المتواصل اللبنانيّون المقيمون يتناقصون “، مقال صادر في صحيفة الأخبار الإلكترونية، يوم الإثنين 14 كانون الثاني 2019، https://al-akhbar.com/Issues/264586
  • خالد فرج، “الهجرة من لبنان” ، دراسة مقدمة عبر مديرية العامة للدراسات والمعلومات مصلحة الأبحاث تابع لمجلس النواب، صادر عام 2014.
  • خلف عبد الله الوردات: “الحوكمة في القطاع العام”، أستاذ جامعي، مقال علمي الكتروني وارد في موقع مقال، 2017، https://mqqal.com/2017/
  • ريا شرتوني، ” تتعدد أسباب اللبنانيين….وحلم الهجرة واحد”، مقال صحفي وارد في صحيفة الأناضول الإلكترونية، في 23 كانون الثاني عام2020، https://www.aa.com.tr/ar
  • سعد محمد عثمان،”الحوكمة المؤسسي بين الفهم الكلاسيكي والمعاص حوكمة الأداء الاقتصادي”، دورة تدريبية، 2019، منشورة الكترونياً بصيغة (pdf)، تم استرجاعها بتاريخ 22 نيسان2020. https://euro-ags-center.com/wp-content/uploads/2019/.pdf
  • سعيد ميرزا وآخرين، “مشروع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ومخططها التنفيذي (2018-2023) اللجنة الوزارية، الجمهورية اللبنانية،
  • سلامة أبو زعيتر، “الحوكمة الرشيدة في المؤسسة سبيل للتنمية وتطوير الأداء”، مقال الكتروني صحفي وارد ضمن موقع أمان فلسطين، تم استرجاعه بتاريخ 22-نيسان-2020.

https://www.aman-palestine.org/media-center/6467.html

  • سهام رزق الله: “تحديّات المسؤولية الاجتماعيّة للمؤسّسات في لبنان”، من خلال ندوة أكاديميّة-علميّة-عمليّة نظّمها مركز الأبحاث والتوثيق الاقتصادي تحت برعاية رئيسها البروفسور سليم دكّاش اليسوعيّ، من قبل كليّة العلوم الاقتصاديّة في جامعة القدّيس يوسف القواقع في 8ايار 2018، ومنشورة الكترونيا ً عبر موقع المركز وقد تم استرجاعه في 25 أيار 2020،

https://www.usj.edu.lb/news.php?id=6513

  • صحيفة النهار الالكترونية، “لبنان في مؤشّر مدركات الفساد: غياب الشفافية يرتبط بالنظام ولخطوات تستكمل المصادق”، مقال صحفي وارد فير 9آذار 2011، https://janoubia.com/2011
  • صحيفة النهار،” لبنان الأول عربياً والرابع عالمياً بين الدول الأكثر مديونية”، منشور في 24 كانون الثاني 2019.

https://www.annahar.com/article/928849

  • صحيفة لبنان 24، الدولار بـــــ 3200 ليرة بشركات التحويل… هذه الخسارة التي تتكبدونها في كل مرة تقبضون المال”، منشور الكترونياً في 11 أيار 2020، تم استرجاعه في 12 أيار 2020. https://www.lebanon24.com/news/economics/702386
  • كارمن جوخدار، “معدلات الهجرة في لبنان في ارتفاع مستمر”، موقع فرنس 24 الإلكتروني، وارد في 14 كانون الأول 2018، تم استرجاعه في 26 نيسان 2020، https://www.france24.com/ar/2018
  • كمال حمدان، “تفاقم أزمة الدين العام في لبنان وسبل المواجهة”، مقال علمي منشور في مركز الإمارات للسياسات الالكتروني، في 18 آذار 2020، تم استرجاعه في 12 أيار 2020،

https://epc.ae/ar/brief/the-worsening-public-debt-crisis-in-lebanon-and-how-to-resolve-it

  • محمد مرعي مرعي، “الحوكمة الأكاديمية بين التخطيط الاستراتيجي وقياس الأداء المؤسسي”، حالة (مشروع تمبوس: تحسين الإدارة الجامعية باستخدام المعلوماتية وشبكات الاتصال بالجامعات السورية)، ورقة علمية مقدمة الى المؤتمر العلمي الثالث بعنوان الحوكمة الأكاديمية الذي تم في 16-17 شباط / فبراير 2009، من قبل كلية إدارة الأعمال والعلوم الإدارية – جامعة الروح القدس الكسليك -لبنان،2009.
  • المركزية، “هجرة الشباب تتزايد: 42% غادروا لبنان اخيراً، في 30 كانون الثاني2020، منشور الكترونياً وتم استرجاعه في 25 نيسان 2020، https://www.almarkazia.com/ar/news/show/1
  • موقع الانتخابات اللبنانية الإلكترونية، نسبة الاقتراع في كافة الدوائر الإلكترونية، منشور بصيغة (pdf)، تم استرجاعه في 12 أيار 2015، http://elections.gov.lb/
  • وزارة الشؤون الاجتماعية، “توسع الفقر في لبنان على وقع أزمته السياسية والاقتصادي”، موقع الالكتروني، منشور في 4 أيار 2020، تم استرجاعه في 12 أيار 2020.

http://www.socialaffairs.gov.lb/MSASubPage.aspx?News=630

[1] سعد محمد عثمان،”الحوكمة المؤسسي بين الفهم الكلاسيكي والمعاص حوكمة الأداء الاقتصادي”، دورة تدريبية، 2019، منشورة الكترونياً بصيغة (pdf)، تم استرجاعها بتاريخ 22 نيسان2020، ص:6. https://euro-ags-center.com/wp-content/uploads/2019/.pdf

[2] سعد محمد عثمان، سبق ذكره، ص:5.

[3] محمد مرعي مرعي، “الحوكمة الأكاديمية بين التخطيط الاستراتيجي وقياس الأداء المؤسسي”، حالة (مشروع تمبوس: تحسين الإدارة الجامعية باستخدام المعلوماتية وشبكات الاتصال بالجامعات السورية)، ورقة علمية مقدمة الى المؤتمر العلمي الثالث بعنوان الحوكمة الأكاديمية الذي تم في 16-17 شباط / فبراير 2009، من قبل كلية إدارة الأعمال والعلوم الإدارية – جامعة الروح القدس الكسليك -لبنان،2009، ص:5.

[4] سلامة أبو زعيتر، “الحوكمة الرشيدة في المؤسسة سبيل للتنمية وتطوير الأداء”، مقال الكتروني صحفي وارد ضمن موقع أمان فلسطين، تم استرجاعه بتاريخ 22-نيسان-2020.  https://www.aman-palestine.org/media-center/6467.html

[5] خلف عبد الله الوردات: “الحوكمة في القطاع العام”، أستاذ جامعي، مقال علمي الكتروني وارد في موقع مقال، 2017، https://mqqal.com/2017/

[6] موقع الانتخابات اللبنانية الإلكترونية، نسبة الاقتراع في كافة الدوائر الإلكترونية، منشور بصيغة (pdf)، تم استرجاعه في 12 أيار 2015، http://elections.gov.lb/

[7] صحيفة النهار الالكترونية، “لبنان في مؤشّر مدركات الفساد: غياب الشفافية يرتبط بالنظام ولخطوات تستكمل المصادق”، مقال صحفي وارد فير 9آذار 2011، https://janoubia.com/2011

[8] أحلام بيضون، “قراءة في النظام اللبناني بين القانون والتطبيق”، مداخلة مقدمة الى المؤتمر العلمي الاول تحت رعاية رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين، وبمشاركة من اهل القانون والسياسة، من قبل كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، بعنوان ” صلاحيات رئيس الجمهورية بين النص الدستوري والممارسة السياسية” ، وذلك في قاعة المؤتمرات –الادارة المركزية- بتاريخ 31-1-2014. منشور الكترونيا ً على موقع الجامعة اللبنانية تم استرجاعه في 25 نيسان 2020،

https://www.ul.edu.lb/lawMag/8.aspx?lang=3

[9] سعيد ميرزا وآخرين، “مشروع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ومخططها التنفيذي (2018-2023) اللجنة الوزارية، الجمهورية اللبنانية،  2018، ص:16.

[10] كمال حمدان، “تفاقم أزمة الدين العام في لبنان وسبل المواجهة”، مقال علمي منشور في مركز الإمارات للسياسات الالكتروني، في 18 آذار 2020، تم استرجاعه في 12 أيار 2020،

https://epc.ae/ar/brief/the-worsening-public-debt-crisis-in-lebanon-and-how-to-resolve-it

[11] صحيفة النهار،” لبنان الأول عربياً والرابع عالمياً بين الدول الأكثر مديونية”، منشور في 24 كانون الثاني 2019.

https://www.annahar.com/article/928849

[12] وزارة الشؤون الاجتماعية، “توسع الفقر في لبنان على وقع أزمته السياسية والاقتصادي”، موقع الالكتروني، منشور في 4 أيار  2020، تم استرجاعه في 12 أيار 2020. http://www.socialaffairs.gov.lb/MSASubPage.aspx?News=630

[13] صحيفة لبنان 24، الدولار بـــــ 3200 ليرة بشركات التحويل… هذه الخسارة التي تتكبدونها في كل مرة تقبضون المال”، منشور الكترونياً  في 11 أيار 2020، تم استرجاعه في 12 أيار 2020. https://www.lebanon24.com/news/economics/702386

[14] سهام رزق الله: “تحديّات المسؤولية الاجتماعيّة للمؤسّسات في لبنان”، من خلال ندوة أكاديميّة-علميّة-عمليّة نظّمها مركز الأبحاث والتوثيق الاقتصادي تحت برعاية رئيسها البروفسور سليم دكّاش اليسوعيّ، من قبل كليّة العلوم الاقتصاديّة في جامعة القدّيس يوسف القواقع في 8ايار 2018، ومنشورة الكترونيا ً عبر موقع المركز وقد تم استرجاعه في 25 أيار 2020،

https://www.usj.edu.lb/news.php?id=6513

[15] المركزية، “هجرة الشباب تتزايد: 42% غادروا لبنان اخيراً، في 30 كانون الثاني2020، منشور الكترونياً وتم استرجاعه في 25 نيسان 2020،  https://www.almarkazia.com/ar/news/show/1

[16] خالد فرج، “الهجرة من لبنان” ، دراسة مقدمة عبر مديرية العامة للدراسات والمعلومات مصلحة الأبحاث تابع لمجلس النواب، صادر عام 2014

[17] أسعد الأتات، ” نزيف الهجرة المتواصل اللبنانيّون المقيمون يتناقصون “، مقال صادر في صحيفة الأخبار الإلكترونية، يوم الإثنين 14 كانون الثاني 2019، https://al-akhbar.com/Issues/264586

[18] كارمن جوخدار، “معدلات الهجرة في لبنان في ارتفاع مستمر”، موقع فرنس 24 الإلكتروني، وارد في 14 كانون الأول 2018، تم استرجاعه في 26 نيسان 2020، https://www.france24.com/ar/2018

[19] ريا شرتوني، ” تتعدد أسباب اللبنانيين….وحلم الهجرة واحد”، مقال صحفي وارد في صحيفة الأناضول الإلكترونية، في 23 كانون الثاني عام2020، https://www.aa.com.tr/ar

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button