دراسات سوسيولوجية

خارطة سوق العمل

د. حسام حاضري

لم يكن يتخيل الكثيرُ من أصحاب المهن حتى سنواتٍ قريبة خلت أنّ خارطة سوق العمل ستتغير، وأنّ مهناً كثيرة قد تندثر وأخرى حديثة – لم نكن نسمع عنها – سوف تظهر وتصبح من المتطلبات الأساسية للقطاعات المختلفة نتيجة التقدم المتسارع بدءاً بالتكنولوجيا عامةً ومروراً بوسائل الاتصال والتواصل المتنوعة ووصولاً إلى الصورة الحالية التي بدت عليها سائر العلوم والقطاعات الأخرى، والتي قد تتغير أيضأ خلال سنوات قليلة قادمة، فعجلة التقدم مازالت تسير مسرعة وماكنا نصل إليه في عقود أصبحنا نبلغه بسنوات أو ربما أشهر قليلة، والتحدي الأكبر الذي علينا خوض غماره يتمثّلُ في كيفية إعداد أنفسنا والأجيال القادمة لهذه النقلة النوعية، وماالعلوم والتخصصات التي يجب أن تُستحدث وتدخل في المنظومة التعليمية والاقتصادية؟ وماالطرق والأساليب التي يجب استبدالها لتكوين جيلٍ مؤهل قادر على الوفاء بمتطلبات العصر المستقبلي؟

نشر البنك الدولي على موقعه مقالة شهيرة تحت عنوان “شكل الوظائف في المستقبل” ذكر فيها أنّ العالمَ مابين الوقت الراهن وعام 2020 سوف يحتاج إلى 600 مليون وظيفة جديدة، وهذا العدد تم التنبؤ به وفق معيارين: الأول يتعلق بالزيادة السكانية المتوقعة، والثاني مرتبط بالتغيرات التكنولوجية والديموغرافية السريعة وغير المسبوقة، هذا بالإضافة إلى بعض المعايير أو المسببات الجانبية، مثل سرعة حركة التمدن والعقبات أمام التقارب الاقتصادي.

وحتي يتم البعد عن التكهنات والتنبؤات طرح المجلس العالمي المعني بمستقبل الوظائف التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي استبياناً يغطي ما يقرب من 2000 شركة (أكثر من 100 شركة في كل بلد من بلدان مجموعة العشرين) لمعرفة توقعاتها حول الأثر الذي ستشكله الاتجاهات الرئيسية قي تشكيل سوق العمل في قطاعها بحلول عام 2020.

وتم نشر النتائج في تقرير “مستقبل المهن، والوظائف، والكفايات، واستراتيجيات الموارد البشرية في ظل الثورة الصناعية الرابعة” والذي صدر أوائل 2016، ويبين أنّ أكثر المهن ازدهاراً في الفترة القادمة (إلى العام 2030) هي تلك المرتبطة بصورة وثيقة بالمهارات التقنية مثل “تحليل البيانات” و”تطوير البرمجيات والتطبيقات” ولن يقتصر الأمر على قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فحسب، بل سوف تمتد هذه النوعية من المهن لتغطي قطاعات مثل المواصلات، المالية، الاستثمار، الإعلام وصناعة الترفيه، وكذلك المهن المرتبطة بالمهارات الرياضية والقدرة العالية على التحليل، ومهارات التعامل مع التكنولوجيا وخاصة في قطاعي الهندسة والعمارة، إلا أن الريادة سوف تتمركز بصورة أساسية في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وسوف تعتمد فرص العمل على مستوى الثقافة الرقمية ومهارات “حل المشكلات”، بينما سوف تتآكل بعض المهن في قطاع الإعلام وخاصة تلك المرتبطة بالمهارات الفنية كالرسم والتصميم.

وأما المهن المرتبطة بقطاع المواصلات، والمهن التي لا تتطلب أياً من المهارات الحديثة فسوف يكون الطلب عليها مستقراً ولن يشهد أيَ تقدم أو نمو واضح، ولا يُتوقَعُ انخفاضٌ شديدٌ فيها مع التقارب بين الدول وبصورةٍ خاصة في خطوط المواصلات والتواصل، كما أنّ الاحتياجَ لوظائف القطاع الزراعي يبقى قائماً بسبب الزيادة السكانية المتوقعة، وبصورةٍ خاصة في الدول النامية التي يقلُ فيها التفاؤلُ من إدخال التكنولوجيا في تطوير الزراعة، وهناك نوع من التفاؤل نحو عدم اندثار بل استقرار الاحتياج الخاص بالمهن الخدمية لأسبابٍ متعلقة بالعوامل الاجتماعية والتطور الديموغرافي المتوقع للكتل السكانية.

وتبقى المهن والوظائف المرتبطة بالعمليات الإنتاجية، وبصورةٍ خاصة في قطاع البترول والكيماويات والغاز، والتي من المتوقع أن لا تشهد ازدهاراً نتيجة للتغيرات في المشهد الاقتصادي العالمي.

وإذا تأملنا النتائجَ السابقة نرى جلياً أنّ بوصلة المهن سوف يختلف مسارها في المستقبل، وخارطة طريقٍ للمسار الجديد ينبغي رسمها وإعدادها، وهذا يتطلب مسؤوليةً مشتركة من الأفراد والمنظمات والحكومات، إنها مسؤوليةُ المجتمع بأسره لتأهيل كوادره البشرية والوطنية التي تتناسب مع هذا التغيير، واستدامة التنمية، وخلق الفرص الواعدة التي تدفع بعجلة الاقتصاد قدماً، وتحصنهُ من فيروس البطالة.

المصادر:
www3.weforum.org/docs/WEF_FOJ_Executive_Summary_Jobs.pdf
https://www.alaraby.co.uk/…/af1fe551-f30b-4f51-a7db-3af3d1c…

المصدر:
http://www.abudhabienv.ae/news-25105.html

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى