خاصيات العولمة الإعلامية وانتشار ظاهرة الإرهاب أرضية نظرية للتحليل

  ملخص عام

    الفكرة العامة لهذه المداخلة قائمة على افتراض عام بوجود علاقة بين الخاصيات الجوهرية للعولمة الإعلامية والانتشار السريع لظاهرة الإرهاب عبر الحدود في أبعاده المتعددة: تسويق الأفكار المتشددة، توفير مصادر التمويل، تجنيد المقاتلين، التدريب، الدعم اللوجستي وصناعة الرموز القيادية. وبذلك تشكل العولمة الإعلامية السياق الكبير والمناخ المناسب لانتشار ظاهرة الإرهاب في صورته المعولمة، سواء من حيث التمدد الأفقي للجماعات أو من حيث أساليب العمل، طرق التواصل، أو التكتيك القتالي من أجل إحداث الآثار السياسية والأمنية وخلق الانطباعات الشعبية في الرأي العام المحلي والعالمي. إن خاصيات العولمة الإعلامية محددة في تقليص دور أبعاد الجغرافيا، النقل الفوري للمعلومة، جوهرية الأداة الاتصالية الرقمية، وعالمية تسويق الأفكار؛ وبدورها تمثل هذه الخاصيات مصادر رئيسية لحركية إنتاج، تسويق وانتشار ظاهرة الإرهاب المعولم وتفاعلها عبر وفوق الحدود القومية للدول والمجتمعات. من الناحية المنهجية، هناك عدد من الأنساق التي خلقت وشجعت على انتشار ظاهرة الإرهاب المعولم في المجتمعات العربية على المستويات الوطنية والمحلية، لكن يعزى انتشارها على المستوى الإقليمي والدولي بشكل أساسي، إلى النسق المشكل بواسطة العولمة الإعلامية وثورات الاتصالات الرقمية المتسببة في الوفرة المتدفقة في المعلومات المنفلتة أو المتمردة على القيود التقليدية للدولة الوطنية والأعراف المجتمعية. بالرغم من الأهمية التحليلية للأنساق الأخرى، إلا أن النسق المشكّل بواسطة العولمة الإعلامية أصبح الأكثر تأثيرا في انتشار ظاهرة الإرهاب وفعاليتها في إحداث العطب الفيزيقي والسيكولوجي عبر مناطق واسعة، وبأدوات صغيرة وعدد قليل من الأشخاص، ليس بالضرورة أن يكونوا مدربين على حرب العصابات أو الاشتباك في الغابات والجبال؛ كما هو معهود في النزاعات غير المتكافئة التقليدية. الاعتبار التحليلي المركزي في هذا الصدد محدد في فكرة أن العولمة الإعلامية هي المسئولة بنسبة كبيرة عن خلق الإرهاب المعولم بواسطة اشتقاق الأخيرة خاصياتها الجوهرية من الأولى.

    إن تثبيت فكرة التلازم التفاعلي والتأثير الطردي في إنتاج المخرجات بطريقة متشابهة بين العولمة الإعلامية والإرهاب المعولم، سوف يقود نحو طرح التساؤل الكبير حول: ما هي الخاصيات الجوهرية للعولمة الإعلامية التي يشتق منها الإرهاب المعولم ديناميكيات تفاعله وأساليب عمله وتقنيات تأثيره في البيئة الفيزيقية والسيكولوجية والمعرفية للمجتمعات عبر العالم؟ يمكن تفصيل هذا السؤال العام إلى أسئلة جزئية محددة في مجموعة النقاط التالية:

  • ما هو مفهوم وطبيعة وخاصيات العولمة الإعلامية؟
  • ما هو مفهوم وطبيعة الإرهاب المعولم؟
  • ما هي التطورات والفروقات التي طرأت على ظاهرة الإرهاب عبر الانتقال من المستوى المحلي والوطني إلى المستوى الإقليمي والدولي؟
  • ما هي الديناميكيات التي تتفاعل بواسطتها الظاهرتان في المجال الزماني والمكاني؟
  • ما هي حدود التأثير المتبادل بين العولمة الإعلامية وظاهرة الإرهاب المعولم؟
  • هل ظاهرة الإرهاب المعولم نتيجة للعولمة الإعلامية أم هو مجرد عملية تكيف؟

    فرضيات الدراسة

    هناك علاقة تفاعل طردية بين أشكال تمظهر العولمة الإعلامية وديناميكيات تفاعل ظاهرة الإرهاب المعولم

    هناك علاقة بين تفاعل ظاهرة الإرهاب بين المستوى الوطني إلى المستوى الإقليمي والدولي من جهة والتسهيلات الموفرة بواسطة ثورة المعلومات والرقمية في شؤون العولمة الإعلامية.  

    سوف نجيب عن الأسئلة ونناقش الفرضيات السابقة من خلال التطرق إلى مجموعة النقاط التالية:

  1. مفاهيم التحليل
  2. العولمة الإعلامية
  3. نقض الأبعاد الفيزيائية للجغرافيا
  4. الإرهاب والإعلام: من يعزز الآخر؟
  5. العولمة الإعلامية في تسويق ثقافة الإرهاب.
  6. الإثارة الإعلامية والعولمة الأمنية للإرهاب.

     مفاهيم التحليل

    العولمة الإعلامية. العولمة الإعلامية مصطلح مركب من لفظتين وهما العولمة والإعلام، فأما العولمة في مفهومها البسيط انتشار أشكال التأثير المؤسساتي والشخصي عبر عالمي، التي تخلق بدورها تغيرات قابلة للملاحظة في طرق التفكير، أنماط الاتصال، اللغة، الرموز، الإيديولوجيا، السلوك وكذا التفاعلات السوسيو-اقتصادية والثقافية. أما الإعلام فهو كلمة من مشتقة من معنى نقل الخبر من فرد إلى آخر، ثم تطور إلى أخذت اللفظة المعنى الوظيفي من خلال نقل الأكفار والثقافة والتسويق السياسي وتوجيه الرأي العام نحو اعتقادات معينة او تبني آراء او مواقف معينة. عند الجمع بين الكلمتين، تظهر العلاقة الوظيفية بينهما بحيث أن الإعلام هو وظيفة للعولمة أو بمعنى آخر أن إحدى تمظهرات الأخيرة الرئيسية محدد في التدفق الإعلامي العابر للحدود والمخترق للبنيات السوسيولوجية والاقتصادية وحتى الثقافية.

    من ناحية التحديد الاصطلاحي لكل كلمة على حدى، نجد أن هناك من يعرّف العولمة بأنها: “تلك العملية المتشابكة التي يتفاعل فيها البشر في ظل مجتمع واحد”. ويعرّفها أنتوني جينز بأنها: “عملية لحام لمجتمعات العالم كي تنصهر في بوتقة واحدة مهما تباعدت بينها المسافات يتشارك فيه كل البشر في الرؤى والخبرات والتحديات”.[1] ويمكننا تعريف العولمة بأنها: تلاشي معاني الحدود الجغرافية للدولة القومية وتراجع الخصائص التي تحدد معانيها أمام اختراق المال والبضاعة العالمية، تحت غطاء الشركات الدولية وأصحاب رؤوس الأموال الضخمة. يساهم تطور وسائل الاتصال الهائل وتدفق المعلومات (الفضائيات، والشبكة العنكبوتية) والتطور التكنولوجي المتسارع في تثبيت معاني العولمة، بحيث أصبحت التجارة والمال والمعلومة بدون جنسية وبدون أرض. فالمعنى الأساسي للعولمة هو اختراق العناصر فوق قومية للحدود الجغرافية للدولة القومية، وتراجع معنى سيادة الدولة القومية أمامها. إلى درجة أن تصبح السياسة الخارجية والداخلية للدولة القومية محكومة بمعطيات العولمة. فهي تثبيت لقواعد جديدة للعلاقات الدولية مرجعيتها الشركات الكبرى ومطالب الاقتصاد الدولي، مكان القواعد التي وضعتها الدولة القومية منذ بداية تشكل النظام الدولي في مؤتمر وستفاليا عام 1648.

    الإرهاب. أثار تحديد المضمون النظري والإجرائي لمصطلح “الإرهاب” الكثير من الجدالات بين صناع القرار والمنظرين، وظهور الصعوبات العملية في إسقاط معايير موحدة على الأنشطة الإرهابية؛ سواء ما تعلق بالسياسة الأمنية للدولة نحو مواطنيها وأعدائها في الخارج، أو تعلق الأمر بتلك الجماعات التي تقاتل حكوماتها من أجل الانفصال أو تغيير سياساتها، أو تلك الجماعات التي تقاتل القوات الغازية والمحتلة لبلادها، أو تلك الجماعات التي تمارس الإرهاب لفرض إيديولوجيتها أو وجهة نظرها الدينية بواسطة القوة العسكرية. بناءً على ذلك، طرحت تحديدات اصطلاحية مختلفة لمفهوم الإرهاب، وفي بعض الأحيان شديدة التناقض يصعب تعميمها على كل الحالات التي توصف على أنها أعمال إرهابية.

    هناك بعض التعاريف التي تركز على المضمون القانوني لمفهوم الإرهاب كعمل جنائي مضاد للمجتمع وخارج عن القانون، إذ يرى البعض أن: “كلمة الإرهاب تشتق من الفعل Terror ومن جناية إثارة الرعب والذعر والفظاعة أو الهول والهلع .. والقلق وترويع الناس الآمنين وإزعاجهم وإثارة القلق في نفوسهم وزعزعة شعورهم بالأمن والأمان والاستقرار والثقة. والإرهاب كمذهب Terrorism  يشير إلى الذعر الناشئ عن ممارسة الإرهاب. ومن معاني الإرهاب قيام الشخص الإرهابي Terrorist  بترويع الناس وإكراههم على أمر ما بطريقة الإرهاب أي إخضاع الناس لإرادة الإرهابي … فالإرهاب يثير الرهبة، ويتوعد الناس بالشر والأذى والانتقام والإرهابيون يسلكون طريق العنف في المجتمع، وذلك لتحقيق أهداف غير مشروعة في السياسة والاقتصاد أو الدين”.[2]

    ويعرّفه دانيال باب Daniel Papp  بأنه: “وسيلة عنف تستخدم من قبل الفاعلين غير الدول ضد سلطة الدولة”.[3] وعرّفته اتفاقية جنيف لقمع الإرهاب لعام 1937 بأنه: “الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولة ما، وتستهدف أو يقصد بها خلق حالة رعب في أذهان أشخاص معينين أو مجموعة من الأشخاص أو عامة الجمهور”. وعرّفته الاتفاقية الأوربية لعام 1977 بأنه: “الأفعال الخطرة والموجهة ضد حياة الأشخاص أو سلامتهم الجسدية أو حرياتهم وتلك الموجهة ضد الممتلكات إذا كان من شأنها خلق خطر جماعي…”. وعرّفته الاتفاقية العربية لعام 1998 في مادتها الأولى الفقرة 02 بأنه: “كل فعل من أفعال العنف أو التهديد أيا كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر”.

   في مقابل ذلك، نجد من يركز على الآثار الأمنية في تحديد المضمون المفاهيمي لمصطلح الإرهاب إذ نجد من ينظر له على أنه: “غضب ويأس يقود الناس إلى رؤية أنه لا بديل عن العنف”.[4] وهناك من يرى في نفس السياق أن الإرهاب: “لم يعد بمعنى الجريمة التي لها عناصر وأركان تميزها عن غيرها من مفاهيم محرمة داخليا ودوليا، من حيث إنها استخدام للعنف بصورة غير مشروعة، ضد مصالح محددة في خدمة إيديولوجية معينة، بل أصبح مفهوما أعم وأشمل. فهو إرهاب سياسي، اقتصادي، اجتماعي، انفصالي، إيديولوجي، وديني. ..”.[5]

    كما عرّف كل من بول فيوتي Paul R. Viotti ومارك كوبي Mark V. Kauppi[6] الإرهاب بأنه: “عنف مدفوع سياسيا وموجه ضد غير المقاتلين ومصمم لبث الخوف في الجمهور المستهدف”. فهو عملة بدون جنسية يستخدم من قبل كل المنظمات والجماعات التي تفضل العنف كوسيلة لتحقيق الأهداف، التي ليست بالضرورة أن تكون سياسية في كل الحالات. لم يعرف مصطلح “الإرهاب” شهرة بالمعنى السياسي إلا خلال الثورة الفرنسية في عام 1789، وذلك بسبب ارتباطه بالدولة. العامل الذي زاد المصطلح شهرة أكثر هو ارتباطه بتنفيذ اغتيالات ضد قادة الدول مثل  رؤساء فرنسا وإيطاليا والملك البرتغالي والإيطالي والوزير الأول الإسباني والإمبراطورة النمساوية في تسعينيات القرن التاسع عشر. الخاصية التي تجمع بين العمليات الإرهابية في هذه الفترة، هي أنها كانت تنفذ ضد المسئولين الكبار في الدولة وليس ضد السكان الأبرياء.[7]

    الإعلام. هناك من يعرّف الإعلام بأنه: “عملية يقوم بمقتضاها المرسل بإرسال رسالة لتعديل سلوك المستقبل أو تغييره”. أو هو: “يمثل كافة الأساليب والطرق التي يؤثر بموجبها عقل في عقل آخر باستعمال الرموز”؛ أو هو: “يحدث عندما توجد معلومات في مكان واحد أو لدى شخص ما، ويريد توصيلها إلى مكان آخر أو شخص آخر”.[8]

    ويرى كل من كولمان ومارش بأن الإعلام هو: “عملية مكونة من خمسة عناصر: 1ـ الشخص المرسل، 2ـ مضمون الرسالة، 3ـ الوسيلة، 4ـ المستقبل، 5ـ واستجابة الأخير”. ويعرّف كل من برسنون وستايير الإعلام بأنه: “عملية نقل المعلومات والآراء والمهارات والأفكار بواسطة الرموز”. وعرّفه لندرسون بأنه: “العملية التي ينقل فيها شخص ما المعنى إلى مستمع أو أكثر من خلال استخدام رموز واضحة صوتية أو مرئية”.وعرّفه فرانك دانس بأنه: “العملية التي يتفاعل عن طريقها المرسل والمستقبل في إطار اجتماعي معين بانتزاع الاستجابة باستخدام تلك الرموز الشفهية التي تعمل كمثيرات لتلك الاستجابة”.[9]

    تشترك كل التحديدات المفاهيمية السابقة لمصطلح “الإعلام” في فكرة أنه عملية تفاعل اجتماعي تنقل بواسطتها أشكال السلوك والتصورات والمعاني والرموز والإدراكات من فرد لآخر أو من جماعة لأخرى، أو بتعبير ألبرت باندورا[10] تأثيرا الفاعل النموذج في المستقبلين لإحداث التعلم الاجتماعي. بهذه المعاني، يعكس الإعلام العمليات السوسيولوجية تحت وطنية التي أصبحت مسئولة عن إنتاج صف من المخرجات المتعددة من حيث الشكل والنوع مثل حالة الاستقرار/عدم الاستقرار السياسي، العنف/التسامح، التعايش/التشرذم، الامتثال/التمرد وغيرها من مظاهر السلوك الاجتماعي الجماعي. تتحدد العمليات السوسيولوجية في التنشئة السياسية/الاجتماعية، تداول الثقافة، انتقال المعاني السياسية، إدراك/سوء إدراك الآخرين، تكوين النموذج المعياري في تصنيف الأعداء، الخصوم، الأصدقاء.

    يتضمن مفهوم الإعلام -وفق التعاريف السابقة- فكرة تغيير المواقف وقوة التأثير في عواطف وعقول الآخرين بشكل يجعلهم يتصرفون بطريقة متوافقة أو قريبة من أهداف الحكومة أو جماعات الرأي أو بصفة عامة المرسل. عادة يكون الإعلام بهذا المعنى حاضرا بشكل بارز في الحملات الانتخابية، الأزمات السياسية، الحملات الإشهارية والاجتماعية؛ وعلى وجه الخصوص المساهمة في صناعة الإرهاب. في نفس الوقت، عادة تلجأ الحكومات أو الجماعات إلى تنظيم حملات إعلامية من أجل بناء مواقف سياسية جديدة، تغيير اتجاهات نفسية غير ملائمة، مناهضة موضوعات أو فواعل معينة، نشر أفكار أو إيديولوجية معينة وهكذا.

   العولمة الإعلامية

    نتيجة للتطور الهائل في قطاع الاتصالات في كل المستويات، أصبح أي فرد في القرن العشرين له مال كاف ووقت كاف يستطيع السفر بشخصه أو يتصل بواسطة الكتابة بمعظم أجزاء العالم، ما لم تنقطع الاتصالات بواسطة الحرب. فالثورة التقنية في الخمسين سنة الأخيرة تكمن في الكثافة المتزايدة والسرعة المتزايدة وتقلص كلفة الاتصال.

    فمنذ الأربعينيات من القرن العشرين أسست الإذاعة العالمية للبث، بحيث أصبح بإمكان أي شخص في أي منطقة من العالم استقبال أخبار العالم بواسطة جهاز استقبال صغير محمول. واستمر ذلك إلى غاية نهاية الخمسينيات من القرن العشرين. ومع بداية الستينيات من القرن العشرين ربطت الخدمات الجوية الرخيصة كل الدول؛ ومع بداية السبعينيات من القرن العشرين وفرت المخابرات التليفونية الطويلة اتصالات تلفونية فوق قومية؛ ومع أواخر الثمانينيات من القرن العشرين استخدمت شبكات الهاتف من أجل الاتصالات السلكية. وخلال بداية التسعينيات من القرن العشرين، أصبحت الأقمار الاصطناعية ممكنة الاستخدام في البث التلفزيوني المباشر للأحداث من أي مكان من العالم، وخدمات النقل التلفزيوني عبر العالم  مثلCNN  وBBC ، هي مستخدمة على نطاق واسع. وأخيرا في منتصف التسعينيات من القرن العشرين أخذت الإنترنت كوسيلة لتسهيل التبادلات السريعة لمستويات ضخمة من المعلومات. وقد شكلت هذه التغيرات مجتمعة في الاتصالات تغيرا أساسيا في بنية عالم السياسة. إذ فقدت الحكومات سيادتها على العلاقات فوق قومية لمواطنيها بمستويات كبيرة.[11]

   ترتبط الأمم والشعوب والمنظمات بواسطة العديد من الأشكال الجديدة للاتصال ووسائل الإعلام المتراصة عبر الحدود. فقد أنشأت ثورة الإلكترونيات الدقيقة وتكنولوجيا المعلومات والحواسيب روابط عالمية سريعة، بحيث أنها عندما اجتمعت مع تكنولوجيات الهاتف والتلفزيون والقمر الصناعي والنقل الجوي، أنتجت ظاهرة “العولمة الإعلامية”. كما مكنت أشكال الاتصال الجديدة، الأفراد والجماعات من تذليل الحدود الجغرافية، وخلقت صفا من الخبرات السياسية والاجتماعية بحيث أن الفرد أو الجماعة لم يكن لهما من قبل هذه الفرصة للتعرف عليها مباشرة. خلقت أنظمة الاتصال الجديدة خبرات جديدة، ونماذج جديدة لفهم الصياغات الجديدة للمرجعية السياسية وتلقي الأفكار بشكل مستقل، وذلك عن طريق الاتصال المباشر بين المصدر والمتلقي.

    ولّد التطور في أنظمة الاتصال الجديدة عالما جديدا، بحيث يعاد تفسير خاصيات المكان والفرد بواسطة شبكات الاتصال الإقليمية والعالمية. لكن فيما يتصل بهذه الأنظمة فإنها تذهب بعيدا وراء هذا، لأنها تعد بمثابة أدوات جديدة للعديد من عمليات التسويق الثقافي والإيديولوجي والسياسي؛ وهذا القول يعني التأثير في السلوك للرأي العام نحو اتجاهات معينة.[12] تشمل اليوم شبكة الاتصال كل دولة، بالرغم من أنها غير مهمة لقطاعات كثيرة من مجتمع العالم. لكنها تعكس مثل العديد من الشبكات العالمية، جغرافيا القوة والهيبة؛ من شخص إلى شخص، أو من نقطة إلى نقطة، والتلفون الدولي أو خدمات الفاكس الموجودة في العالم الرأسمالي المتقدم أصبحت تنتشر بسرعة وبوفرة في العديد من مناطق العالم. ما هو مثير للاهتمام، هو أن الشبكة العالمية نفسها هي أحد القطاعات الأكثر تنظيما للنشاط فوق قومي. إنها مسيرة بواسطة نظام الاتصالات الدولي، الذي يشمل بدوره اتحاد الاتصالات الدوليةInternational Telecommunication Union (ITU)  (الذي بدوره يشمل قطاع الاتصال الإذاعيRadiocommunication Sector ، ومؤتمرات الاتصال الإذاعي العالمي  World  Radiocommunication Coferences  ومنظمة القمر الصناعي الدولي  International Satellite Organization) والعديد من المنظمات الإقليمية. توفر هذه المنظمات آليات التنسيق الدولي التي تسهّل عمل النظام الكلي للهاتف عبر العالم والتليغراف والإذاعة والاتصال عبر القمر الصناعي. كل مكالمة هاتفية دولية تجرى، أو إرسال فاكس دولي، لا يعتمد فقط على التقنية الصلبة واللينة لبنية الاتصالات العالمية، ولكن كذلك يعتمد بشكل غير مباشر على التطبيق الفعلي لقواعد ولوائح نظام الاتصالات الدولي.[13]

    المقياس الخالص لنشاط الاتصالات العولماتية هو التأثير، ففي عام 1980 كان هناك 240000 مليون مكالمة دولية أجريت من ألمانيا، لكن مع حلول عام 1988، فإن الرقم كان 600352 مليون مكالمة؛ وبالنسبة لتايلاندا والصين فقد ارتفع العدد من 873 مليون إلى 12646 مليون، و1075 مليون إلى 45030 مليون على التوالي. وفي ستة سنوات في فترة ما بين عامي 1990 -1996، فإن عدد خطوط الهاتف وحدها ازدادت من 520 مليون إلى 718 مليون، مع النمو الأكبر الآتي من أسيا.[14]

     نقض الأبعاد الفيزيائية للجغرافيا

    تعني ببساطة فكرة “نقض الأبعاد الفيزيقية للجغرافيا” تقليص تدخل هذه الأخيرة في التأثير على عمليات التفاعل الإنساني (العلاقة بين المرسل والمستقبل بلغة الإعلام[15]) بين الأفراد والجماعات داخل المجتمع الواحد أو ما بين المجتمعات المختلفة والمتباعدة عبر مناطق واسعة من العالم، وبالضرورة لا تتدخل في الحد أو إعاقة تدفق العمليات السوسيو-ثقافية، المعلومات حول مجالات القضية المختلفة، الأخبار حول الأحداث والأزمات ومؤشرات الأسواق العالمية وكل ما يتدخل في حركة الأفكار، الإيديولوجيا، والمضامين الرمزية والمعنوية بصفة عامة.  لقد انعكست نزعة “نقض الفيزيقية Dephisychilization ” في عدة ظواهر ميزت العلاقات الإنسانية في عصر العولمة الإعلامية، المحددة في النقاط التالية:

    1)النزعة التدويلية Internationlization للمبادلات التجارية وحركة الأموال عبر المصارف المالية التي تملك شبكات في معظم دول العالم بما فيهم تلك الدول التي لم تنظم بعد لمنظمة التجارة العالمية؛ أو بتعبير أنصار العولمة الاقتصادية[16] ظهور البضائع والأموال بدون جنسية ولا هوية ثقافية أو وطنية. وإذا كانت حركية النظام الاقتصادي العالمي وبنية التنظيمية وطرق عمله المسئول الأول عن النزعة التدويلية للبضاعة وحركة المال، فإن ظاهرة الإرهاب بدون جنسية او الأممية الإرهابية ناتجة عن تآكل قيمة الحدود القومية للدول بواسطة ثورة تكنولوجيا الاتصالات والنقل التي تخترق الأجواء، البحار والأبعاد الجغرافيا يوميا بشكل كثيفا، إلى درجة أن الحركة بدأت تحسب بواسطة حركة الأثير وليس حركة الإنسان. المفارقة التحليلية المثيرة للاهتمام أن النزعة التدويلية للإرهاب لا تتغذى فقط من أممية الأفكار والتسويق السياسي للإيديولوجيا فحسب، وإنما أيضا تتغذى بشكل مهم من النزعة التدويلية للمعاملات الاقتصادية والمالية التي توفر بطريقة بالغة التعقيد مصادر التمويل لأنشطة الجماعات الإرهابية. يمكن الاستدلال على ذلك في هذا الصدد بالتقرير الأممي الذي وصفته وسائل الإعلام في 04/08/2016 بالسري حول الحرب الأهلية في اليمن، بأن تنظيم داعش في اليمن تلقى أمولا كبيرة من أجل تمويل أنشطته الإرهابية؛ وبالطبع مصادر تدفق مثل هذه الأموال إلى البيئة الأمنية اليمنية الهشة والمنهارة تماما هي خارجية وليست داخلية. خلقت طرق التنظيم الاقتصادي والمؤسساتي الدولية مسامات كثيرة في جدران الكيان القومي للدول والبنية السوسيوثقافية للمجتمعات التي استغلت بشكل مأساوي من قبل الجماعات الإرهابية في اختراق المنظومات الأمنية، البنيات الإدراكات والتماسك السوسيولوجية للمجتمعات، وأحدثت آثارا أمنية خطيرة تهدد البقاء القومي لتلك الوحدات السياسية.

    2) يتحدد المتغير المستقل الثاني في نزعة نقض الفيزيقيا حول ما يسميه المنظرون الاستراتيجيون[17] في مجال تحليل الثورات في الشؤون العسكرية بـ “الثورة التكنولوجية The Technological Revolution”، التي قربت المجتمعات والجماعات من بعضها البعض سواء للصدام أو التحفظ أو الحوار والتعاون، وساهمت في انتشار الأفكار والحركة السريعة للمعلومات عبر جماعات كبيرة من البشر بشكل فوري ولحظي، وهي الوضعية المستغلة بشكل ملحوظ من قبل الجماعات الإرهابية خاصة تنظيمي داعش والقاعدة في الوصول إلى أذهان الناس ومشاعرهم، تنشيط عمليات التجنيد، التعبئة، الحصول على موارد التمويل وكذلك تنسيق المواقف وخلق دافعية السلوك القتالي لدى أفردهم. المفارقة المثيرة للاهتمام أن التنظيمات الإرهابية لا تستغل فقط الفضاءات المفتوحة في التأثير على الآخرين مثل الإنترنت، وإنما أيضا وسائل الإعلام الفضائية والصحفية العالمية الخاصة والحكومية في التسويق الإيديولوجي، إعلان المواقف، طرح الأفكار وحفز التعبئة القتالية لدى مقاتليه أو إيقاظ خلاياه النائمة عبر العالم.

    لقد وسعت ثورة تكنولوجيات الاتصالات الإلكترونية كما مصاغة من قبل أنصارها،[18] دائرة الحرب التي تخوضها الجماعات الإرهابية بأن وسعت المجال العملياتي ليشمل كل المناطق التي يصلها أثير الفضائيات وموجات شبكات الإنترنت والهواتف الجوالة؛ التي تجري عبرها كل العمليات الخاصة بتعبئة وتنفيذ الهجمات الإرهابية وتسويق الحملات السياسية وكذا تبني الهجمات من قبل قيادة التنظيمات الإرهابية وإعلان المواقف السياسية والعسكرية. إذا أخذنا عام 2016 كمثال لتحليل دور التكنولوجيا في العولمة الإرهابية، نجد أن تنظيم داعش قام بتعبئة أنصاره من ريو دي جنيرو عاصمة الألعاب الأولمبية إلى بروكسل عاصمة الحلف الأطلسية والاتحاد الأوربي مرورا بالولايات المتحدة الأمريكية (هجمات أورلاندي على الملهى الليلي)، بواسطة تلك الهجمات التي شنها أتباعه ضد أهداف مدنية، نجح في معظمها ما عدا حالة التحضير للهجوم على الألعاب الأولمبية التي أفشلتها قوات الأمن البرازيلية.

  3)الترابط العولماتي والقابلية الجماعية للعطب بواسطة الإرهاب. نتيجة للعولمة الاتصالية والاقتصادية المتنامية عبر كوني، أصبح العالم مترابطا بشكل وثيق بين مصادر الإنتاج والاستهلاك، ترابطا مركبا ليس من السهل تفكيكه؛ بحيث أصبح من الصعب تمييز المصالح الوطنية عن نظيرتها العالمية. لهذا الترابط أشكال مختلفة التي تتقاطع في نتيجة واحدة وهي القابلية الجماعية للعطب بواسطة التهديدات الإرهابية التي تستهدف العواصم العالمية أو المنشآت المصرفية الدولية وحتى مراكز إنتاج وتسويق الطاقة. لقد تعززت أشكال الارتباط الوثيق والمتزايد بين مصادر الإنتاج وأسواق الاستهلاك عبر العالم، إذ أشار وليام كوهن William S. Cohen[19] إلى أن هناك العديد من المؤشرات الإمبريقية المؤكدة على هذه الحقيقة الكونية والتي منها ارتفاع حجم صادرات الاقتصاد العالمي منذ عام 1987 من 16 إلى 27 بالمائة، وأن الاستثمار الخارجي تضاعف ثلاث مرات منذ عام 1990 وارتفع الاستثمار في مجال السندات عبر العالم تقريب إلى خمس مرات. لقد شمل التركيب والترابط الكوني أيضا طريقة الإنتاج التي أخذت شكل النسيج عبر كوني للإنتاج بحيث أن منتج واحد يحتوي على أجزاء مصنعة في 15 إلى 20 دولة، مما يعني أن نظام الإنتاج العالمي أصبح على مستوى عال من الاندماج بين العديد من القطاعات، من حيث خطة الشركات العالمية في الاستثمار ونمط تصميم وتنظيم الإنتاج على المستوى العالمي. وهذا يعني من ناحية العلاقة بموضوع الإرهاب العالمي، أن استهداف مركز إنتاج في أي منطقة من العالم هو اعداء موجه ضد مصالح مجموعة من المساهمين سواء كانوا افرادا أو هيئات متعددة الجنسيات.

    تنسحب خاصية التعقيد أيضا على مجال استيراد وتصدير البضائع عبر كوني إذ تشير الإحصائيات إلى أن في عام 2005 استورد سوق التجزئة الأميركي “وول مارت Wal-Mart” ما قيمته 18 مليار دولار من البضائع من 5000 مورّد صيني. وخلال عام 2008 أعلنت الشركات الهندية أن 34 من المالكين الأجانب كسبوا أكثر من 10.7 مليار دولار. وفي عام 2007، بلغ الإجمالي  العام لمستثمرات الأجانب في الشركات الهندية 23 مليار دولار. وعلى المستوى الكوني، أصبح تقريبا من 50 إلى 60 بالمائة من الصناعة العالمية مندمجا، مما يعني اشتراك عدد كبير من الشركات العالمية في إنتاج البضاعة الواحدة ويشترك مثله أو أكبر منه في تسويقها عبر العالم. كذلك الأمر بالنسبة للتحويلات المالية المتبادلة عبر العالم، تضاعفت بشكل سريع عبر السنوات، بحيث انتقلت من 200 مليار دولار عام 1986 إلى 2 تريليون عام 2007، وهي المؤشرات التي تعكس مدى اندماج أسواق المال عبر العالم والحركة السريعة للمال عبر كوني. ساعد في هذه الحركة المالية الكونية التطور الكبير في أدوات الاتصال والنقل الفوري للمعلومات، بحيث أنه بلمسة واحدة على لوحة الكمبيوتر يمكن تحويل مئات المليارات من الدولارات من نقطة إلى أخرى من العالم مهما كانت المسافة بعيدة. لأن ببساطة انتشرت البنوك الكونية التي لديها فروع عبر العالم ترتبط فيما بينها بنظام سريع وفعال للاتصال، وبقدر ما سهلت الشبكات الاتصالية والتكنولوجيات الدقيقة تدفق وحركة المعاملات المالية والاقتصادية عبر العالم، بقدر ما خلقت ثغرات أمنية ومسامات كثيرة تخترق عبرها الجماعات الإرهابية الأنظمة الأمنية وتضرب المصالح العالمية بشكل مدمر.

   لقد تعززت العولمة بواسطة التطور الهائل في وسائل الاتصال والنقل وحدوث ما يسمى بالعولمة الاتصالية وهي الظاهرة التي أطلق وليام كوهن William S. Cohen[20] مصطلح “العولمة اللينةSoft Globalization “، والتي تعني التواصل الاجتماعي بواسطة الإنترنت عبر كوني وكذلك عبور مئات البرامج التلفزيونية القارات وتدخل ملايين البيوت ويشاهدها ملايين البشر، بالرغم من الاختلاف في اللغات والأديان والثقافات والعادات. السبب الرئيسي في ذلك هو أن لغة الإعلام والفن السينمائي هي لغة كونية تتخطى حواجز التباين اللغوي والمضمون الرمزي للحضارات والثقافات بصفة عامة. إن الطبيعة الجوهرية للعولمة الاتصالية هي سرعة انتقال كمية هائلة من المعلومات بين الشعوب والمجتمعات مهما تباعدت المسافات الجغرافية؛ مما يعني أنها معرفة مشتركة أو على الأقل مطلوبة من قبل جميع المتفاعلين عبر أدوات الاتصال الاجتماعي. قامت الجماعات الإرهابية –خاصة تنظيم داعش ما بين عامي 2014-16- باستغلال بالغ التعقيد للفرص التي أتاحتها العولمة اللينة من أجل تخطي مفاهيم الانتماءات القومية، العرقية، الجغرافية من أجل القيام بعمليات التجنيد والتعبئة وحتى تنفيذ الهجمات الإرهاب ضد المصالح الحيوية الدولية عبر نقاط العالم المثيرة للاهتمام والشهرة الإعلامية وإحداث التأثيرات الأمنية البليغة في أمن الدول والمجتمعات.

    الإرهاب والإعلام: من يعزز الآخر؟

    إذا كان في السابق قد ثار جدل كبير بين الباحثين في مجال علم الاجتماع الإعلامي والسياسي حول ما إذا التدفق الإعلامي المتواصل والكثيف، هو الذي يحدد مواقف القادة وصناع القرار في الحكومات، وبالتالي يرسم توجهات السياسات الحكومية كما هو الاعتقاد الشائع في الكثير من نظريات الإعلام والاتصال مثل النظرية الوظيفية[21] ونظرية الاتصال لكارل دويتش؟[22] أم أن الساسة والجماعات التي تقف وراء تمويل المؤسسات الإعلامية المختلفة، هم الذين يوجهون المحتوى الإعلامي وبالتالي يوظفون هذه الأدوات ذات التأثير السحري في الجمهور، من أجل تبرير سياساتهم وتثبيت سيطرتهم على المجتمع كما هو الاعتقاد السائد في تراث المدرسة النقدية في علم الاجتماع؟[23] اليوم خلال سنوات ذروة الهجمات الإرهابية المتخطية للحدود الجغرافية، السياسية، والسوسيو-ثقافية، ثار جدل حول من يعزز وظيفة الآخر، الإرهاب بواسطة الهجمات المروعة والصادمة للمشاعر ضد المدنيين (عملية دهس بشاحنة كبيرة للناس في نيس الفرنسية بتاريخ 14/07/2016 وهجمات بالساطور ضد شرطيتين في بلجيكا بتاريخ 03/08/2016) وبالتالي يوفر مادة إعلامية كبيرة تتمتع بمستوى عالي من الإثارة؛ أم الإعلام بواسطة المحتوى الإعلامي المتضمن الإشهار للجماعات الإرهابية وتسويق أفعالها وخطاباتها وأفكارها؟ الحقيقة أنه ليس هناك أرضية متماسكة تماما للجزم بصحة هذه الأطروحة أو تلك، وإنما المؤكد أن كل أطروحة تملك جانبا من الصحة بما يجعل التحليل السياسي مفتوحا على كل الأطروحات النظرية، لتفسير العلاقة بين الإرهاب والإعلام كمحتوى، أدوات، أساليب وتقنيات للتأثير السياسي-الأمني.

    فبالنسبة للفريق الأول، ينظر لوسائل الاتصال والإعلام على أنها أدوات مهمة لصناعة وتنوير الرأي العام وبالأحرى نشر الوعي حول مخاطر الإرهاب والتطرف الديني، وذلك من خلال تدخلها في توفير المعلومات حول الظاهرة وخلفياتها وأبعادها وتوجهاتها؛ وبالتالي الحديث عن وظيفية الدور الإعلامي في الأمن المجتمعي وتأمين المواطنين من مخاطر الإرهاب. لكن المشكلة أن وظيفية الإعلام هي خاصة فقط بالمؤسسات الإعلامية الحكومية التي توجه نحو غايات مجتمعية محددة وتعمل تحت سيطرة وتوجيه السلطة السياسية. ولسوء الحظ أن فضاء الإعلام الحكومي محدود التأثير خاصة في المنطقة العربية، أو يمكن القول أن هناك عزوفا للرأي العام عن استقبال المحتوى الإعلامي الحكومي إلا في حدود معينة وحول قضايا معينة. لكن التدفق الإعلامي الأوسع نطاقا والأكثر تأثيرا في الرأي العام المحلي والدولي هو القادم من مصادر عالمية، المحطات التلفزيونية ذات الإمكانية الكبيرة والاحترافية العالية في الإقناع والتأثير وتملك شبكة تغطية عالمية؛ التي عادة تتخذ من أعمال وخطابات الجماعات المتطرفة مادة دسمة لإثارة الرأي العام، وبالتالي التسويق المجاني لهذه الجماعات  سواء بشكل مقصود أو غير مقصود.

    بسبب مظاهر التطرف والعنف المتزايد للجماعات المسلحة، تقوم أدوات العولمة الإعلامية بإشباع حاجات الرأي العام لمعرفة هذه الجماعات وأساليب قتالها الشنيعة مثل مقاطع الفيديو التي تحتوي صور جس رقاب الضحايا، أو عمليات التفجيرية والهجمات بالسواطير والفؤوس؛ مثلها مثل استخدام سينما هوليود للعنف من أجل خلق الإثارة وشد الانتباه. إن الناس مولعين بمشاهدة مواقف العنف وتدفق الدماء من الضحايا، وفي بعض الأحيان إشباع دوافع الانتقام عن طريق متابعة ومشاهدة صور العنف للجماعات الإرهابية في الفضائيات العالمية أو مواقع التواصل الاجتماعي، وهو التفسير المناسب لإقبال الشباب العربي على زيارة مواقع داعش والجماعات الأخرى. وبذلك، نكون بصدد فرضية مساهمة العولمة الإعلامية في خلق وتعزيز ظاهرة الإرهاب بدل مكافحتها.

   من المنظور التناظري، في الوقت الذي يمكن الادعاء فيه بأن وسائل الاتصال الجماهيري تساهم بشكل معتبر في غرس القيم، تسويق الأفكار، نقل الأخبار السياسية، توضيح وشرح وبيان الغموض حول القضايا المعقدة التي لا تفهم بسهولة إلا بواسطة وسطاء إعلاميين، محللين أو أكاديميين؛ كذلك يمكن الإدعاء بأن نفس الأدوات (العالمية على وجه الخصوص) تساهم في خلق وتعزيز قيم الإرهاب وتسويق أفكار التطرف والإشهار المجاني للقادة الجماعات الإرهابية كقادة عسكريين، بطوليين، وخصوم عنيدين. يمكن الاستشهاد في هذا الصدد، بأن المؤتمر الإعلامي الذي نظمه زعيم جبهة النصرة السيد محمد الجولاني في سوريا بتاريخ 28/07/2016 (المصنفة دوليا بأنها جماعة إرهابية) وأعلن فيه تغيير اسم جماعته إلى “جبهة فتح الشام” وقطع علاقته بتنظيم القاعدة؛ قد تم نقل فعالياته في معظم الفضائيات العالمية (شبكة CNN الأمريكية، الجزيرة القطرية، فرانس 24 الفرنسية وBBC البريطانية مثلا) بالإضافة إلى شبكات التواصل الاجتماعي. ونفس الشيء قبل حدث مع زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي عندما نقلت وسائل الإعلام الخطبة التي ألقاها على منبر إحدى المساجد الموصل عشية سيطرة التنظيم على إحدى أكبر مدن العراق في 29/06/2014. في هذه الحالة، يصبح الرأي العام موضوعا لتأثير وسائل الاتصال الجماهيري، عبر طرح الأفكار والبرامج السياسية والمواقف المثيرة للجدل، إنها عملية الإقناع عبر الضغط الإعلامي المتواصل. تصنف صارة ترينهولم[24] هذا النوع من الجمهور تحت عنوان: “نموذج التأثيرات القويةPowerful Effects Model “. فهو جمهور خاضع لمصادر تلقي المعلومات والأخبار ويحملها في ذهنه وحتى يتخذها بضاعة لتسويق الحديث اليومي، وفي بعض الأحيان يتحول إلى ضحية لوسائل الاتصال الاجتماعي التي تقوم بالدعاية الكاذبة أو المشوهة لموضوعات معينة، طالما أنه قد اختارها مصادره الخاصة في تلقي المحتوى الإعلامي الذي يريد. وإذا أخذنا بوجهة نظر ليون فيستنجر،[25] فإن الناس عادة يرغبون في أن يبقوا ضحية للمعلومات المظللة طالما أنها متسقة مع العناصر المعرفية التي يحتفظون بها في بنيتهم المعرفية. ومن ثم، تصبح عملية التأثير الإعلامي -بغض النظر على أنها صحيحة أو لا- بالنسبة لوسائل الاتصال الجماهيري مشبعة لحاجات معرفية متحيزة للجمهور، وهو ما يفسر جزئيا انتقال الناس من قناة إلى أخرى ومن محطة إذاعية لأخرى، بحثا عن المحتوى الإعلامي الذي يشبع مثل هذه التحيزات المعرفية. وحتى بالنسبة لتلك الفئات المتحفظة داخل الرأي العام المصنفة من قبل صارة ترينهولم تحت فئة: “نموذج التأثيرات المحدودة Limited Effects Model”،[26]؛ تخضع لنسبة معينة من التظليل الإعلامي بسبب السياق الاجتماعي والسياسي المتأثر بالمحتوى الرمزي للعولمة الإعلامية.

    هناك تدخل متزايد لتكنولوجيا الإعلام والتفنن في إبداع أشكال الإثارة والجذب لانتباه الرأي العام، عبر الخلق المتزايد للولع بإبداعات تكنولوجيا الاتصال، إلى الدرجة الذي أصبح فيه الناس مدمنون على استهلاك وسائل الاتصال الجماهيري الجديدة؛ وهي البوابة المزدوجة التي تنفذ عبرها الجماعات الإرهابية في تسويق، تجنيد وأثارة عدد غير محدد من الشباب عبر العالم، خاصة في ظل مناخ تآكل الهويات الوطنية للمجتمعات وسيطرة النزعة المادية لكل عناصر الحياة الاجتماعية.

    من ناحية أخرى، ولتفادي نكوص الجمهور الاتصالي عن تلقي المحتوى الاتصالي، يتدخل ما يسمى “بحراس البوابات” (ومن بينهم الجماعات المتطرفة)،[27] وهم أولئك الذين يقومون باختيار القضايا والموضوعات ويدفعون بها إلى مركز أضواء الكاميرات التلفزيونية وتركيز الأقلام والصور الفتوغرافية، وحتى التغريدات في مراكز التواصل الاجتماعي المشهورة؛ ومن أمثلة ذلك بث تنظيم داعش في 2014 لصور جس رأس الصحافي الأمريكي في سوريا بتهمة أنه عميل للاستخبارات المركزية، وهي الصور التي أدت إلى زيادة إقبال الناس على المواقع الخاصة بالتنظيم. وفقا لتأكيدات روبرت شيالديني[28] حول تقنية  البرهان الاجتماعي في الإقناع والتأثير، فإن تركيز الاهتمام حول موضوعات معينة دون أخرى، عادة ينقل هذا الاهتمام بفعالية من وسائل الاتصال الجماهيري إلى الجمهور، بحيث يتداول تلك الموضوعات وتستغرق حيزا كبيرا من اهتمامهم حتى ولو بنظرة نقدية، ولكنها موجودة في أذهانهم ويتداولونها فيما بينهم؛ وهكذا يدفع حراس البوابات الجمهور نحو للانخراط في الموضوعات التي يريدون إقحامها في المجال الذهني للرأي العام. بهذه الطريقة، سوف يجد الجمهور الاتصالي نفسه معنيا بالأطروحات والموضوعات والمطروحة في محتوى سائل الاتصال الجماهيري، وتوجيهه بطريقة خفية نحو أفكار معينة، عبر انتقاء بعناية الأشخاص الذين يتدخلون في شرح وتفسير مثل هذه الموضوعات.

    الحقيقة أن وجهة النظر القائلة بأن وسائل الاتصال الجماهيري هي التي تساهم في صناعة الإرهاب قائمة على المحاججة بأن “وسائل الإعلام تقول لنا ما يجب أن نفكر فيه، وأن وسائل الإعلام تقول لنا الأشياء التي لا نفكر فيها، وأن وسائل الإعلام تؤثر في الطريقة التي نفكر بها”.[29] وهذا يعني أنها تقوم بالدور المساعد في اختيار الموضوعات وكذا التنبيه إلى القضايا المهمة أو الأشياء الخفية عن أعيننا في المناطق البعيدة أو حول الوطن (الإشهار للأعمال العسكرية التي يقوم بها تنظيم داعش في عدد من المناطق عبر العالم).

    بالرغم من زخم منظور أهمية وسائل الاتصال الجماهيري ودورها الحاسم في الوقاية من الإرهاب والآفات الاجتماعية المساعدة على خلق الإرهاب، إلا أن هناك فريق آخر متشائم من هيمنة المحتوى الإعلامي على تفكير وإدراك المجتمع؛ على افتراض منهم  أنه لا يمثل إلا رؤية أولئك الذين يقفون وراء المؤسسات الإعلامية الذين عادة هم أفراد السلطة أو المستفيدين من السلطة. كما سبقت الإشارة إلى ذلك، قاد هذه النظرة أنصار النظرية النقدية[30] في علم الاجتماع، الذين نظروا لوسائل الاتصال الجماهيري على أن الأداة الفعالة في تثبيت وإحكام سيطرة وهيمنة النخبة الحاكمة على المجتمع، وحرمان الجماعة العريضة من التفكير بطريقتها الخاصة بها، والتعبير بحرية عن حاجاتها وإرادتها، عبر تسكين الآراء المعارضة. وفق لهؤلاء المنظرين، المحتوى الاتصالي: القضايا، الموضوعات، الفواعل لا يمثلون سوى القوى الرأسمالية التي تبحث وراء مصالحها الخاصة، للسيطرة على المجتمع وحرمان الجماعة العريضة المهمشة المعدومة السلطة من التعبير عن أفكارها الخاصة بها. يمكن توسيع قائمة أنصار النقدية لتشمل الجماعات الإرهابية ورواد الخطاب الديني المتطرف، الذين يصغون الفتاوى وينشرونها في وسائل الإعلام خاصة تلك التي لا تمارس عليها رقابة صارمة مثل مواقع التواصل الاجتماعي.

   لا شك في أن من الناحية العملية، هناك ثغرات كبيرة في الدور المتعاظم لوسائل الاتصال الجماهيري يصنع عبرها الإرهاب والتطرف وأشكال العنف الفيزيقي والمعنوي، بواسطة عمليات التظليل، التحريض على العنف، تفكيك المجتمعات، إذكاء الصراعات والحروب الأهلية بين الجماعات الدينية والاثنية وحتى تعميق الخلافات السياسية بين الحكومات التي بدورها توفر المناخ السياسي-الأمني لتنامي نفوذ الجماعات الإرهابية. المثال الأكثر حداثة، هو نشر جريدة “شارلي إيبدو” الفرنسية الصور الكاريتورية المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم في 14/01/2015 كرد فعل على الهجوم الذي نفذه تنظيم القاعدة في اليمن على مقرها في باريس، وأودى إلى مقتل 12 شخص و11 جريح. أولا، سبق لهذه الجريدة القيام بهذا الفعل المثير للعداء من قبل الذي كان سببا في الهجوم عليها، لكن أن يكون رد الفعل التمادي في التحريض على العنف وخلق دوافع الحرب بين الأديان عن طريق طبع 3 ملايين نسخة تحمل الصفحة الأولى الصورة المسيئة لشخصية تحظى بالتقدير المعنوي والتقديس الديني لدى مليار وستمائة مسلم عبر العالم، فهذا يعني تبني الدور الشرير في إذكاء الإرهاب، وليس تقريب وجهات النظر من بعضها البعض. إذ استغلت هذه الحادثة بطريقة خبيثة على حساب دماء الآلاف، الذين سوف يكونون ضحية الهجمات الإرهابية.

    لقد خلقت أحداث مأساوية خلال العشرية الثانية من القرن 21 سياقات سياسية وأمنية عبر منطقة الشرق الوسط ومناطق أخرى من العالم، التي دفعت الناس إلى الإقبال على تتبع مصادر تدفق المعلومات للجماعات الإرهابية خاصة تنظيم داعش، وفق نزعة انتقائية في استقبال ووعي المحتوى الإعلامي لتلك الجماعات كما هو موضح في الأرضية المقترحة من قبل أنصار نظرية التأثير الانتقائي.[31] لكن ميل الجمهور الاتصالي إلى النزعة الانتقائية لا يعني فقدان وسائل الاتصال الجماهيري لأهميتها وقوة تأثيرها، وإنما من حيث الجوهر ما هي إلا خاصية للتعددية التي تميز عالم الاجتماع وأدواته في الاتصال، بحيث أن الناس ينتقلون من محتوى اتصالي إلى آخر للبحث عما يريدون، ولكن في نهاية المطاف يقومون بهذه العملية ضمن دائرة واحدة، وهي الاعتماد المأساوي على أدوات الاتصال الجماهيري في إشباع صف غير محدود من الحاجات والدوافع والغايات. ومن ثم الانتقائية التي يمارسها جمهور المتلقين –وهي حقيقة سوسيولوجية موجودة- تجري ضمن دائرة تأثير وسائل الاتصال الجماهيري بالانتقال من محتوى اتصالي لآخر، وذلك وفق حاجات ودوافع كل فرد؛ على افتراض أن الانتقائية الاتصالية مشتقة من حيث الأصل من التمايز الواضح في الدوافع والحاجات من فرد لآخر ومن جماعة لأخرى، طالما أنه من الصعب تجد جماعة معينة لها نفس الحاجات وبنفس المستوى من الضغط والحث، وكلما توسعت دائرة الجمهور الاتصالي ازدادت التمايزات في الاتساع وبالتالي الزيادة في عملية الانتقاء الاتصالي.

    العولمة الإعلامية في تسويق ثقافة الإرهاب

   بالرغم من وجاهة أفكار نظرية التأثير الانتقائي في تحليل تأثير وسائل الاتصال الجماهيري على السلوك السياسي للأفراد والجماعات، إلا أن هذا التأثير آخذ في تبوء دور التأثير الحاسم في مخرجات السلوك السياسي والمجتمعي للفواعل المختلفة؛ عبر كسب عدد من الخاصيات الجوهرية، مثل القدرة المتزايدة على الإثارة والإغراء، الاندماج في الحياة الأكثر خصوصية للناس، الإبداعات التكنولوجية المتلاحقة وتغير معاني المسافة والزمن بالنسبة للمجتمعات. لقد شكلت كل العناصر السابقة للعولمة الإعلامية محركات أساسية لانتشار وتسويق الإرهاب عبر عالمي، إلى المستوى الذي امتدت فيه تلك الثقافة امتداد البث التلفزيوني وشبكات مواقع التواصل الاجتماعي؛ الأعمق من ذلك، أن الجماعات الإرهابية –على عكس الفترات السابقة- أصبحت أكثر وعيا بأهمية وسائل الإعلام ومطّلعة وفي بعض الأحيان محترفة في الطرق التقنية من أجل  استغلالها في إدارة الجوانب الرمزية والثقافية لعملياتها العسكرية. إحدى جوانب هذا الوعي الانتباه المركّز  لظاهرة الاعتماد المتزايد على وسائل الاتصال الجماهيري في إدارة شؤون المجتمع والتواصل الأفقي والعمودي على حد سواء؛ إذ من الحقائق المجتمعية الشائعة أنه لا يكاد يوجد بيت فوق كوكب الأرض يخلو من أداة اتصال حديثة (صحيفة، راديو، تلفزيون، هاتف نقال، إنترنت)، يستقبل بواسطته الأخبار اليومية والتحاليل السياسية؛ كما أن تقريبا 80 بالمائة من عمل السياسة والتجارة والتسويق اليوم يتم عبر أدوات الاتصال، من أجل الفعالية وإيصال الرسالة بسرعة وإحداث الإقناع السياسي المرغوب. وأصبح التقليد الشائع للجماعات الإرهابية إذاعة بياناتها السياسية والعسكرية وخطابات التعبئة عبر وسائل الاتصال الجماهيري خاصة الفضائيات الدولية ومواقع التواصل الاجتماعي، التي عادة مدفوعة بواسطة المنافسة العالمية على نقل الأحداث المثيرة وجذب انتباه الرأي العام العالمي، ومحكومة أيضا بواسطة آليات السبق الإعلامي والهيمنة على الجمهور العالمي.

    لقد أدت العولمة الإلكترونية (شبكات التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص) إلى عولمة متزايدة للجماعات الإرهابية من حيث التنظيم، التجنيد، التسويق الإيديولوجي والأممية السياسية. الحقيقة أن الباحثين في تكنولوجيا الاتصال الحديثة يوسعون أفق التأثير السياسي للحاسوب في المستقبل، ليشمل تعويض الأدوات التقليدية في الاتصال الاجتماعي وذلك بسبب الخاصية المهمة في ممارسة التأثير وهي التفاعل الشخصي مع الأشخاص والجماعات التي ليس بإمكانك الوصول إليهم، وتبادل المعلومات والأفكار معهم دون تحمل تكاليف السفر ودفع قيمة التذكرة والإقامة. إن نقطة الوصل الخاصة بالتسويق السياسي للجماعات الإرهابية والتأثير الإقناعي عبر الحاسوب هي مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر، فيسبوك، وأخرى كثيرة وستظهر أخرى في المستقبل)، التي تطرح فيها الأفكار والآراء السياسية والبيانات والتصريحات والمواقف السياسية، وبإمكان كل فرد التفاعل معها عبر العالم الافتراضي، ويستطيع حتى ترجمتها إذا لا يعرف اللغة التي كتبت بها. يمكن الادعاء بأنه لحد الآن تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي ملاذ أولئك الذين ليس بإمكانهم الوصول بسهولة للوقوف أمام عدسات الكاميرة، للتعبير عن آرائهم ومواقفهم السياسية؛ أو يتم اللجوء إليها بسبب أنها لا تعرف حدودا للانتشار والإقبال الكبير للناس عليها عبر العالم، ومن ثم هي وسيلة فعالة لتسويق المحتوى السياسي عبر أكبر دائرة ممكنة من التأثير.

    إن اتساع دائرة المتفاعلين عبر مواقع التواصل الاجتماعي جعلت بعض الباحثين يتوقع أن يصبح عالم الحاسوب الافتراضي يشبه ما يسمى بـ “الجادة العظمى للمعلوماتInformation Superhighway “[32] في تغذية قطاعات وأروقة متعددة من التفاعل السياسي عبر العالم؛ ولسوء الحظ إحدى تجليات ذلك الرئيسية عولمة الإرهاب. إن قوة تأثير الحاسوب مشتقة من شبكة الترابط عبر عالمي بين المصادر المختلفة لإنتاج وتسويق المعلومات والأفكار السياسية. ولو أن المركز الرئيسي لتأثير الحاسوب هو الولايات المتحدة، إلا أن أي ربط شبكي جديد يتحول بدوره إلى مصدر تلقي وإنتاج المعلومات، سواء كان موقعا شخصيا للفرد، شركة، جماعة، منظمة، حكومة أو طرف آخر محتمل، حتى ولو كانت جماعات إرهابية أو منظمات الجريمة المنظمة. بسبب الوعي المتزايد بأهمية ودور مواقع التواصل الاجتماعي وعالم الإنترنت في التسويق السياسي، أصبحت الخطوة الأولى لأي كيان جديد يظهر في أي ركن من كوكب الأرض بعد التأسيس الرسمي، هي إنشاء موقع إلكتروني للتعريف بنفسه كمصدر منتج للمعلومات، وفي نفس الوقت يتلقى المعلومات الخاصة بتطوير نشاطه وتلقي الدعم والنصائح وتطوير بنية نشاطه.

    إن الإبداعات الجديدة والمتلاحقة في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات هي المسؤولة عن زيادة قوة التأثير السياسي لوسائل الاتصال الجماهيري، بحيث أصبح بإمكان الفرد أو الجماعة مخاطبة الشعب والعالم بأفكارها ومواقفها مباشرة وفي وقت قصير، وتحدث ردود الأفعال المختلفة التي يمكن التعرف عليها مباشرة عبر وسائل الإعلام. لقد أصبح التسويق السياسي للأفكار والإيديولوجيات والآراء والاقتراحات والثقافات السياسية يضاهي تسويق المنتجات والبضائع والخدمات المختلفة، وخلق تراكمية متزايدة حول الخبرات والمهارات والاقتراحات السياسية، التي من الممكن أن تكون موضوعا للاستفادة والمساهمة في التطوير من الكل نحو الكل. وبالتالي تحول العالم الافتراضي إلى طريق سريع وواسع للتسابق السياسي بين الاتجاهات والنظريات والاقتراحات السياسية المتعددة، وميدان كبير للحوار والتفاوض والمحاججات النظرية. الأعمق من ذلك، تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى مجال للتعبير عن الأفكار والآراء من قبل أولئك الذين يواجهون صعوبات أو قيودا موضوعية أو مصطنعة دون الوصول إلى وسائل الاتصال الجماهيري الرسمية؛ أو لأولئك الذين لا يجدون من يسمعهم في العالم الحقيقي عبر المؤسسات التقليدية، بدءً من الأسرة والمدرسة إلى شاشات التلفزيون.

    الإثارة الإعلامية والعولمة الأمنية للإرهاب

    تشتق الإثارة الإعلامية للإرهاب من أهميته في إنتاج مخرجات السياسة من خلال محاولته فرض عملية التغيير في المواقف، السياسات، التكيف الاستراتيجي-الأمني والخطاب السياسي؛ سواء على مستوى الحكومة ككيان رمزي يتحدث باسم الدولة، أو على مستوى الفواعل تحت وطنية مثل الأحزاب السياسية، جماعات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية والفواعل المجتمعية. في كل الأحوال، تشكل الضغوط الأمنية للجماعات الإرهابية سلسلة من ردود الأفعال المتضمنة تغيرا في المعالجة، التدابير الأمنية التي تتخذ من أجل تقليص الآثار الأمنية للعمليات الإرهابية ومراجعة السياسات الأمنية بالتركيز على الثغرات التي تسللت منها الجماعات الإرهابية وتمكنت من تنفيذ الهجمات ضد الأهداف الحكومية أو المجتمعية؛ مثلا قيام الحكومة بتوفير الغطاء الأمني الكافي في المناطق والأحياء الهشة أمنية، تجنيد مزيد من الأفراد لدعم قوات الأمن وتعويض القتلى، طلب المساعدات من الأطراف الدولية، الإعلان عن إجراء تدريبات واسعة، إعلان التعبئة الأمنية، تصميم حملات دعائية ضد أعمال الجماعات الإرهابية، إعلان حالة الطوارئ، زيادة النفقات العسكرية والأمنية وغيرها من مظاهر وأشكال التغير الناتجة عن تصاعد حدة الهجمات الإرهابية.

    من المفارقات المهمة أن ظاهرة التغيير المرتبطة بالهجمات الإرهابية عامة في كل الحكومات عبر العالم، كتعبير آلي بأن السياسات والاستراتيجية السابقة ضعيفة، غير مجدية أو تتضمن الكثير من الثغرات الأمنية. تمثل كل هذه التغيرات مخرجات مهمة تتحول بدورها إلى مصادر متدفقة في تغذية علم السياسة، على اعتبار أنها تصبح موضوعا للحوار الأكاديمي وهدفا لانتقادات المحللين، المعلقين وحتى المفكرين في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

    من ناحية أخرى، ومن حيث الجوهر، تعكس التغيرات الناتجة عن الهجمات الإرهابية، سواء على مستوى البيئة الداخلية أو الخارجية، عمليات التكيف التي عادة تكون سريعة ومحثوثة بواسطة الضغوط المتزايد للجماعات الإرهابية على الحكومة والمجتمع؛ يتطلب منهما التكيف مع تحديات، بواسطة اتخاذ سلسلة من الاجراءات وصناعة عدد من القرارات الحاسمة؛ من أجل التكيف مع البيئة الاستراتيجية المصنوعة من قبل التحديات الأمنية للإرهاب. تأخذ عملية التكيف عدة أوجه بنائية، عملياتية وإجرائية؛ تتعلق الأولى بإعادة هيكلة قوات الأمن، إعادة النظر في التقسيم الإداري للمناطق والمدن الكبرى وربما تمتد إلى تغيير شكل النظام السياسي. يتعلق التكيف العملياتي في إعادة النظر في طريقة تشكيل الأحزاب السياسية، مفهمة دور المجتمع المدني، استدراك القضايا المتخذة من قبل الجماعات الإرهابية كأسباب لأنشطتها الأمنية بان يتم إعادة مراجعتها، تصحيح الأخطاء وحتى إعادة صياغة الخطاب السياسي، مثلا تبني خطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان أو الخطاب الأمني الحاسم كما هي الحالة العربية الفريدة في النظام الدولي. أما فيما يتعلق بإجراءات التكيف، فإنها تشمل قائمة مفتوحة من الخطوات والقرارات التنظيمية السريعة، التي قد تتضمن تغيير الحكومة، الوزراء، المسئولين المحليين، التوعية الأمنية، حظر التجول وغيرها.

    من ناحية أخرى، يثري الإرهاب موضوعات علم السياسة عندما يكون هدفا للاستغلال من قبل الحكومات الوطنية والأجنبية، من أجل تحقيق غايات معينة؛ ومن ثم يتحول إلى مجرد أداة لإدارة عمليات السياسة من قبل الفواعل الدولية. فعلى سبيل المثال، استغلت الحكومات العربية غير الديمقراطية الإرهاب وخطر الجماعات المتشددة في تخويف الحكومات الغربية والمنظمات الدولية، من أجل الحصول على الدعم الخارجي في تثبيت مركزها في السلطة السياسية، التي تفتقر إلى الشرعية الشعبية. كما يمكن أن تستغل التهديدات الإرهابية من قبل حكومات القوى العظمى للتدخل العسكري وزيادة نفوذها داخل وحول المناطق الحيوية بالنسبة لأمنها القومي، وتعتبر الولايات المتحدة المثال الرائد في هذا الصدد خاصة في بداية القرن الواحد والعشرين.[33]

    كما سبقت الإشارة سابقا، تعتبر هجمات 11 سبتمبر 2001 المنعطف الأبرز في تاريخ العلاقات الأمنية الدولية، التي أدت إلى تحول الإرهاب من تهديد يواجه دولا معينة إلى قضية عالمية تتحدى الاستقرار العالمي من وجهة نظر الاستراتيجيين المصيغون للاستراتيجية العالمية لمحاربة الإرهاب، المحرّكة بشكل أساسي من قبل الولايات المتحدة، التي استخدمت قدراتها العسكرية الكبيرة في ملاحقة الجماعات المسلحة عبر العالم؛ وفي نفس الوقت فرضت على معظم دول العالم الانخراط فيها، خاصة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب أسيا. ارتبطت قضية الإرهاب منذ تسعينيات القرن العشرين وما تلاها بالتهديدات الأمنية للجماعات الإسلامية المتطرفة، على خلفية ظهور تنظيم عالمي يسمى “تنظيم القاعدة” يقوده أسامة بن لادن في هذه الفترة الزمنية من تحول العلاقات الدولية.

     اتخذ هذا التنظيم من أفغانستان مقرا له، لإدارة وتنظيم أنشطة ما أصبح يعرف آنذاك بالعرب الأفغان، الذين وجد معظمهم أنهم مطلوبون قضائيا أو ملاحقون أمنيا من قبل حكومات دولهم؛ وهو الوضع الذي جعلهم ينضمون تحت قيادة أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري. من بين العمليات العسكرية التي قام بها تنظيم القاعدة، القيام بتفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي (كينيا) ودار السلام (تنزانيا) في أوت 1998، التي راح ضحيتها أكثر من 200 قتيل ومئات الجرحى؛ وكانت أول صدام مسلح للتنظيم مع الولايات المتحدة. لكن الحدث المزلزل الذي قام به التنظيم ضد الولايات المتحدة هو استهداف 19 فردا من عناصره الأراضي الأمريكي، بواسطة طائرات الركاب التي ارتطموا بها برجي التجارة العالمية في نيويورك ومبنى البنتاغون في واشنطن فيما أصبح يعرف “بأحداث 11 سبتمبر 2001”.

    رد الفعل العالمي على تلك الأحداث المأساوية بقيادة الولايات المتحدة تحت ما يعرف “بالاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب”، أعطى قضية الإرهاب بعدها العالمي من خلال الترتيبات الأمنية والعمليات العسكرية والإجراءات الاقتصادية والتجارية، التي تم تبنيها من أجل احتواء تهديدات تنظيم القاعدة عبر العالم، سواء من خلال الهجوم المباشر على قواعده وملاحقة خلاياه في جنوب أسيا والشرق الأوسط، أو من خلال تجفيف مصادر تمويله، عن طريق تعقب التحويلات المالية والاستثمارات التي يديرها عن طريق شخصيات وشركات وهمية. كانت إحدى المخرجات الأمنية البارزة لتهديدات أنشطة تنظيم القاعدة، الانخراط المتزايد للأجهزة البيروقراطية الأمنية والعسكرية عبر العالم في عمليات التنسيق والتعقب وتبادل المعلومات حول الأنشطة الإرهابية، بغض النظر عن طبيعة علاقة الحكومات والأنظمة السياسية مع الولايات المتحدة (مثلا دور الصين، روسيا وسوريا في الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب).

    التغير الرئيسي في الفعل الاستراتيجي ورد الفعل العسكري حول قضية الإرهاب، متعلق بوجود فاعل غير تقليدي يستطيع أن يهدد مصالح عدد من الدول عبر العالم، ويتميز بخاصية العالمية وبالتالي يستلزم ردا عالميا تقليديا. لقد خلقت أحداث 11 سبتمبر معادلة أمنية عالمية بمكونات متناقضة بين التقليدي وغير التقليدي، بحيث أوجدت صراعا قاسيا بين فواعل الدول وفاعل غير الدولة، ليس له أرض وبدون أهداف واضحة ولا استراتيجية معلومة ومتوقعة، ومزود ببنية عالمية خفية مكونة من خلايا نشطة وأخرى نائمة. العنصر الآخر المشكّل للمعادلة الأمنية في مكافحة الإرهاب أنها تتطلب حربا طويلة، بأدوات مختلفة وآليات عمل استثنائية لا تخضع للترتيبات البيروقراطية المعهودة. انعكس ذلك بشكل واضح في إقدام معظم الأجهزة الاستخبارية والأمنية في الدول الغربية والعالم الثالث بفتح قواعد البيانات لديها وأنظمة الأرشيف التي تمتلكها حول الجماعات الإسلامية المسلحة، أمام الاستخبارات الأمريكية ومكتب التحقيقات الفدرالية؛ من أجل صياغة الرد العسكري المناسب على هجمات 11 سبتمبر.

    الحقيقة أن الانخراط الاستخباري المتعدد القوميات والبيروقراطيات قد بشّر بعهد جديد للعلاقات الأمنية الدولية فيما تعلق بمكافحة التهديدات الإرهابية، بحيث أن هذه الأخيرة قد دفعت الأنشطة الأمنية نحو تخطي القيود الوطنية التقليدية حول الخصوصيات الأمنية، من أجل احتواء التهديدات ذات الخاصيات العالمية المتخطية لكل الحدود الوطنية؛ وأصبح مقبولا لدى معظم حكومات العالم مشاركة الفرق الأمنية من دول أخرى في التحقيقات حول التفجيرات الإرهابية، مساعدة الأجهزة الأمنية للدول المتضررة من الإرهاب من أجل الصمود ومقاومة الجماعات المسلحة بفعالية، توفير برامج التدريب والمعدات العسكرية واللوجستية اللازمة لعمل الأجهزة الأمنية، تطوير نظم المعلومات عبر العالم وكل ما من شأنه أن يزيد الفعالية العالمية لمكافحة الإرهاب؛ وهو الوجه المعولم لقضية الإرهاب، الذي أثر بدوره على عولمة علم السياسة.[34]

    هناك عامل آخر ساهم بشكل ملحوظ في عولمة قضية الإرهاب، والمتمثل في انتشار استخدام أدوات الاتصال على نطاق واسع من قبل الوكالات الخاصة، الشبكات التلفزيونية العالمية وانتشار المراسلين والصحفيين في المناطق النائية من العالم لنقل الأحداث بشكل مباشر إلى أسماع وأبصار الجمهور عبر العالم. لقد كان الاختبار الأول لدور وسائل الإعلام في عولمة قضية الإرهاب، النقل المباشر لهجمات 11 سبتمبر 2001، التي طرحت الإرهاب العابر الحدود كتحدي جدي للأمن العالمي، ومن وراء ذلك التعبئة الإعلامية للرأي العام العالمي المناهض للإرهاب؛ انعكس في اصطفاف معظم العالم وراء الولايات المتحدة التي كانت ضحية للاعتداءات، إلى درجة نسيان المخاوف العالمية حول الدور الأمريكي للهيمنة على النظام الدولي.

    بسبب الثورة الإعلامية الرقمية، لم يعد من الصعب معرفة إيديولوجية الجماعات المتطرفة ومواقف تنظيم القاعدة وإعلان تبنيها للهجمات الإرهابية، تجنيد المناصرين عبر الإنترنت، جلب التمويل وتسويق السياسي لأفكاره؛ في مقابل نشر وإعلان مواقف الحكومات والمنظمات الدولية إزاء الهجمات الإرهابية، بحيث أن كل طرف يسعى للتأثير على الرأي العام العالمي، اعتماد على استخدام أدوات الاتصال الإعلامي المرئية ومواقع التواصل الاجتماعي.

    الفكرة الأساسية في العلاقة بين وسائل الاتصال الإعلامي وعولمة الإرهاب، هي التأكيد على الدور المهم للتسويق العالمي للأفكار، مصادر تغذية الإرهاب، الأحداث المأسوية ضد المدنيين، القابلية الشديدة لعطب الأنظمة الأمنية بواسطة أدوات الاتصال والاعتماد المشترك لكل الأطراف على وسائل الإعلام في التأثير على استراتيجيات الآخر. إلى عهد قريب، كانت إمكانية نقل الأخبار وتوجيهها نحو أهداف معينة وبمحتوى إعلامي معيّن للتأثير على الجماعات الإرهابية، تقع فقط تحت قدرات الحكومات والشبكات الإعلامية التابعة لها؛ لكن كل هذا قد تغير بفعل ثورة تكنولوجيا الاتصال الرقمية التي ضاعفت من القدرات الفردية في التسويق الإعلامي وإدارة الحروب الدعائية، بحيث أصبح أي فرد يملك هاتفا ذكيا، كاميرا رقمية وموقعا على شبكة الإنترنت، بإمكانه أن يخلق جمهورا يتفاعل معه بواسطة محتوى إعلامي غير خاضع لسيطرة الحكومة؛ وهو الشكل الممارس بشكل مكرر من قبل الجماعات الإرهابية.

    الخاصية الرئيسية المسؤولة عن إحداث التأثير المناسب هي مصداقية المحتوى الإعلامي المنقول عن المصادر المستقلة للأفراد والجماعات، وإمكانية إحداث التأثير العاطفي في السلوك الإنساني؛ سواء كانت مصادر إرهابية أو ممثلة للصحافة الحرة وحقوق التعبير الحر. لقد غذت الصور الكاريكاتورية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيفة الدنماركية في 2006 وفي الصحيفة الفرنسية شارلي ايبدو في 2015، العواطف الملتهبة عبر العالم الإسلامي وجنّدت الكثير من الشباب في صفوف داعش. نفس الشيء الذي قام به هذا الأخير من أجل جذب الآلاف من الشباب للقتال في صفوفه من أنحاء العالم، بواسطة التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن الجنسين؛ وهي الظاهرة الجديدة في تاريخ ظاهرة الإرهاب بحيث أصبحت عمليات التجنيد، التمويل والتسويق الإيديولوجي تتم عبر العالم وليس ضمن منطقة معينة؛ كل ذلك يجري تحت تأثير ثورة تكنولوجيا الاتصال الرقمية.[35]

      [1] علي حسي شبكشي، العولمة نظرية بلا منظر  (القاهرة: مطابع الشركة بمدينة السادس من أكتوبر، 2000)، ص. 06.

      [2] عبد الرحمان العيسوي، الوعي السيكولوجي  (بيروت: دار الراتب الجامعية، د. ت. )، ص ص. 59ـ60.

[3]       Daniel S. Papp, Contemporary International Relations: Frameworks For Inderstanding  4th ed. (New York: Macmillan College Publishing Company, 1994), pp. 576- 77.

[4]       Steve Niva, Addressing The Sources Of Middle East Violence Against The United States. Friday, September 14, 2001, http: ||www. Commondreams. Org |share. Htm.

      [5] أمل يازجي ومحمد عزيز شكري، الإرهاب الدولي والنظام العالمي الراهن، ط. 1 (دمشق: دار الفكر، 2002)، ص. 11.

      [6] Paul R. Viotti and Mark V. Kauppi, International Relations and World Politics: Security, Economy, Identity (New Jersey: Prentice Hall, Upper Saddle River, 1997), p. 161.

      [7] Paul R. Viotti and Mark V. Kauppi, Op. Cit., pp. 161 -66.

      [8] عاطف عدلي العبد عبيد، مدخل إلى الاتصال والرأي لعام: الأسس النظرية والإسهامات العربية  (القاهرة: دار الفكر العربي، 1997)، ص. 12.

      [9]  عاطف عدلي العبد عبيد، مرجع سبق ذكره، ص ص. 13 ـ 14.

        [10] Larry A. Hjelle & Daniel J. Ziegler, Personality Theories : Basic Assumptions, Research, and Applications, 3rd ed. (New York: McGraw-Hill International Editions, 1992), pp. 373-84.

      [11] Peter Willetts, « Transnational Actors and International Organizations in Global Politics, » In The Globalization of World Politics : An Introduction to International Relations, ed. John Baylis and Steve Smith, 2nd (New York: Oxford University Press, 2001), p.  373.

       [12] David Held, Anthony McGrewn David Gldblatt & Jonathan Perrato, Global Transformation: Politics, Economics and Culture (Cambridge: Polity Press Association with Blackwell Publishing Ltd, 2003), p. 58.

       [13] Ibid., p.60.

       [14] Ibid., p. 61.

[15] مصطفى حجازي، الاتصال الفعال في العلاقات الإنسانية والإدارة. بيروت: المركز العربي للتطوير الإداري، 1982، ص: 164.

      [16] Peter Gowan, «Neoliberal Cosmopolitanism,» in Perspective on World Politics, 3rd ed., ed. Richard Little and Michael Smith (London and New york: Routledge Taylor & Francis Group, 2006), pp. 300-01.

    [17] Colin S. Gray, Strategy For Chaos : Revolutions in Military affairs and The Evidence of History, for. Williamson Murray (London : Frank Cass, 2005), pp. 104-15.

      [18]Richard Little, « International Regimes, » In The Globalization of World Politics : An Introduction to International Relations, ed. John Baylis and Steve Smith, 2nd (New York: Oxford University Press, 2001), pp. 306-17.

      [19] William S. Cohen, « Globalization Today : How Interconnected Is The World, » in Globalization In The 21th Century : How Interconnecte dis the World ? (Abu Dhabi : The Emirates Center For Strategic Studies And Research, 2008), pp. 13-19.

      [20] William S. Cohen, Op. Cit., pp. 13-19.

       [21] J. S. Nye, « Comparing Common Markets : A Revised Neo-Functionalist Model, » International Organization 24 (Autumn 1970): 796-810.

      [22] Karl W. Deutsch, The Analysis of International Relations, 3rd edition (U. S. A.: Prentice-Hall International Editions, 1988),  pp. 286-98.

      [23] عمر مهيبل، من النسق إلى الذات: قراءات في الفكر الغربي المعاصر  (الجزائر: المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، 2002)، ص ص. 105-12.

      [24] Sarah Trenholm, Thinking Through Communication : An introduction to the Study of Human Communication, 3rd ed. (Boston, London, Toronto, Sydney, Tokyo, Singapore: Allyn and Bacon, 2001), pp. 301-03.

        [25]  Leon Festinger, « An Introduction to the Theory of Dissonance,” In Sources: Notable Selections in Psychology, 2nd ed., ed. Terry F. Pettijohn (United States of America: Dushkin/McGraw-Hill, 1997), pp. 329-40.

      [26] Sarah Trenholm, Op. Cit., pp. 303-04.

      [27] Sarah Trenholm, Op. Cit., pp. 305-06.

    [28] روبرت شيالديني،  التأثير: وسائل الإقناع،   تر. سعد جلال  (القاهرة: دار الفكر العربي، 1988)، ص ص. 37 -40.

    [29] Sarah Trenholm, Op. Cit., pp. 306-07.

      [30] علاء طاهر، مدرسة فرانكفورت: من هوركهايمر إلى هابرماز، ط. 1 (بيروت: مركز الإنماء القومي، د. ت.) ص ص. 73-96.

    [31] ملفين ل. ديفلير وساندرابول. روكيتش، نظريات وسائل الإعلام،  تر. كمال عبد الرؤوف (القاهرة: الدار الدولية للنشر والتوزيع، د.ت)، ص. 277.

      [32] Sarah Trenholm, Op. Cit., pp. 320-22.

      [33] National Intelligence Council, Global Trends 2030 : Alternative Worlds (Washington: National Intelligence Council, 2012), pp. 70-72.

      [34] Barry Buzan and Lene Hansen, The Evolution of International Security Studies (New York: Cambridge University Press, 2009), pp. 102-05.

      [35] Barry Buzan and Lene Hansen, Op. Cit., pp. 105-26.( 140)

من اعداد

أ.د. عامر مصباح، كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية جامعة الجزائر 3.

د/ صورية زاوشي، كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة الجزائر 3.

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button