خريطة الصراعات الدينية فى أفريقيا

تمثل قارة إفريقيا أكثر قارات العالم من حيث عدم الاستقرار وانتشار الصراعات الداخلية والحروب الأهلية والإقليمية، وكثير من هذه الصراعات يعود إلى أسباب إثنية قبلية أو دينية..، وهى صراعات تعد تعبيرا عن أزمة  الدولة الوطنية فى أفريقيا ومشكلات الاندماج الوطني والتعايش السلمى بين المكونات الداخلية فى الدول الإفريقية، وتعود جذور هذه الأزمات والمشكلات إلى مرحلة ما بعد تصفية الاستعمار فى القارة، حيث رحل الاستعمار وترك خلفه حدودا صنعت ولم تراع معها خريطة التقسيمات الاجتماعية لسكان القارة، كما أنها جعلت هذا التقسيم سياسيا مبررا لخلافات وصراعات أولية حول الثروات والسلطة، مما أشعل نار الحرب فى القارة وامتد هذا الأثر إلى اليوم، فلم تلبث أن تخمد نار حرب حتى تتأجج أخرى، وقد كانت الحروب ذات الطبيعة الدينية واحدة من تجليات تلك المرحلة بل وأشدها خطورة.

أولا: بيئة الصراعات فى أفريقيا

تعانى معظم الدول الأفريقية، من أزمة بناء الأمة والهوية (One Nation – Identity)، نتيجة عدد من العوامل أهمها الاستعمار وما خلفه من حدود مصطنعة جمعت إثنيات وشعوبا وقبائل وثقافات وديانات داخل حدود دولة واحدة، كما أن الاستعمار قد ولى وترك خلفه حكومات ونظما سياسية فشلت فى بناء الدولة الوطنية، وفشلت فى تبني مشروعات وطنية وسياسات رشيدة، مما عمق من مشكلة الاندماج الوطنى وحال دون وجود دولة حقيقية تستوعب مكوناتها، وتعبر عنهم، وتعطيهم ذات الحقوق وتلزمهم بذات الواجبات. فضلا عن أن معظم الدول الإفريقية اتجهت بعد الاستقلال إلى تأسيس دولة الحزب الواحد، من أجل احتكار السلطة والثروة، بواسطة  قادة عريضة متسعة لاحتواء القوى السياسية الأخرى، بالإضافة إلى نظام رئاسي يعطي صلاحيات لرئيس الدولة. وبعد مرور أكثر من خمسة عقود من الاستقلال، اتضح أن نظام الحزب الواحد، كان عثرة حقيقية فى تحقيق الاندماج الوطني، وأصبح الفساد السياسي والبيروقراطية فى أفريقيا عقبة أمام تقدم الدول، وساهم الفساد بدور كبير فى تكريس مبدأ عدم المساواة بين المواطنين، مما زاد من حدة الصراعات العرقية والدينية والتفرقة العنصرية.[1] إلى جوار ذلك ساهمت العولمة إلى تراجع سلطة الدولة المركزية في أفريقيا، ولاسيما السيطرة على أدوات القهر المادي في المجتمع. في ذات الوقت تمثلت ملامح الاستجابة السياسية لتأثيرات العولمة في ظهور حركات وتنظيمات عرقية ودينية تتحدى سلطة الدولة الأفريقية.

من ناحية أخرى جاء مفهوم العولمة ليضيف تحديات جديدة على الواقعين الثقافي والاقتصادي الأفريقي، حيث أسهمت أدواتها والأفكار التى صاحبتها والسياسات التى روجتها فى تغيير مفهوم السيادة داخل حدود السلطة.

على المستوى الاقتصادي، ارتبطت التنمية الاقتصادية فى القارة الأفريقية، بتخلف فى مقارنتها بالقارات الأخرى، فى الوقت الذى تتنوع فيه الثروات الطبيعية فى أفريقيا. تتزايد فيه الأزمات الداخلية، نتيجة للتدخل الخارجي، لاسيما أن التعددية الإثنية والثقافية فى أفريقيا تشجع الدول الغربية ذات المصالح والنفوذ على التدخل من أجل حماية مصالح، من خلال دعمها للأقليات للوصول لسدة الحكم، وتتسابق بواسطة شركاتها متعددة الجنسيات واستثماراتها لنقل رؤؤس الأموال الأفريقية إلى خارج قارة أفريقيا كما حدث في تشاد وسيراليون وليبيريا وأنجولا.

كما أن هناك إشكالات أخرى لسيطرة والهيمنة، تفرضها الدول الكبرى بدعمها للأنظمة السياسية التي تحكم القارة الأفريقية يغلب عليها طابع الاستبداد والدكتاتورية الأبوية، حتى أصبحت شعوب الدول إفريقية تعانى التخلف والفقر والمرض والزيادة الكبيرة في أعداد اللاجئين والأمية، الأمر الذي جعل قارة أفريقيا من أفقر قارات العالم، بالإضافة إلى الديون الكبيرة التى تبلغ حوالى 40% من إجمالي الناتج القومى الأفريقي، نتيجة لاعتماد أفريقيا على المساعدات الخارجية والقروض. [2] وبعد هيكلة القروض الخارجية، وزيادة الفائدة على الديون لإبقائها تحت طائلة الديون بشكل دائم.

بجانب ذلك فإن الأوضاع الاجتماعية فى أغلب الدول الأفريقية تتشابه، كتدني نسب مستوى التعليم،  والانخفاض الشديد نسب الالتحاق بالتعليم بعد مرحلة الأساس، فضلا عن التراجع الكبير فى نصيب الفرد من الغذاء، والخدمات العامة، جميع هذه العوامل لعبت دورا كبيرا في تعقيد الأسباب المتسببة في الصراعات، نتيجة للتداخل والتشابه بين المكونات الاجتماعية والثقافية كالدين واللغة والتصاهر، وفقا لهذا الحراك تتداخل الأطراف المنخرطة فى تلك الصراعات وبالتالي تتنوع الأساليب المتبعة في تحقيق الأهداف. ومن ثم الانتشار عبر التخوم الجغرافية من خلال التداخل القبلى، وسرعان ما يتم تدوال الصراع من خلال الانتماء القبلى والإثنى، لذلك عندما يبدأ أى صراع نجد عدد المنخرطين فيه من أخلاط متباينة من المسلحين والميلشيات والمرتزقة وقطاع الطرق.[3]  حيث تؤدى هذه العوامل إلى توتر فى العلاقة بين الدول، مصحوبة بالملاسنات الإعلامية وربما تقود فى نهاية المطاف إلى اشتباكات عسكرية فى المناطق المتجاورة كما حدث فى كل من دولة جنوب السودان، وإثيوبيا، ودولة شمال السودان وتشاد.

فى ظل تلك الأوضاع الصعبة انتشرت الصراعات داخل الدول وفيما بينها، وتعددت أشكال وأنماط الصراعات فى أفريقيا، كالصراع القبلي العنيف، أو نمط الدولة الفاشلة أو المنهارة، ثم العنف السياسي المقرون بالتحول الديمقراطي، وأخيرا الصراع الديني.

 قال ديفيد ويكس “الصراع هو نتيجة حتمية للتنوع البشرى، وعالم خال من الصراع غير مرغوب فيه، لأنه سيعنى عالما خاليا من التنوع” والقارة الأفريقية هى التنوع من حيث العرق، الدين والثقافة، وعلى الرغم من تحسن بعض البلدان فى تجارب التحول الديمقراطي والحكم الرشيد فى أفريقيا، فما زالت دول أخرى تشهد صراعات دينية عنيفة مثل، نيجيريا، أفريقيا الوسطى، السودان، أنجولا، أضف إلى ذلك دولا تعانى من عدم الاستقرار السياسي والانهيار، كدولة جنوب السودان. لاسيما فى حالة انتقال الصراعات الدينية إلى دول الجوار، والذى دائما ما يكون مصحوبا بتأثيرات الصراعات الداخلية وتطوراتها من الدول التى قامت منها تلك الصراعات، كتنظيم القاعدة، وحركة التوحيد، وجماعة أنصار الدين فى شمال النيجر تفاقمت وتعاظمت آثارها بشكل يهدد  الاستقرار السياسي  فى جمهورية مالى.

ثمة اعتبارات عديدة أفرزت الصراعات الدينية فى أفريقيا، لأنها ظاهرة معقدة تستحق الدراسة خاصة فيما يتصل البيئة الداخلية للمجتمعا الأفريقية، كالعوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أو فيما يتعلق بالبيئة الخارجية المتمثلة فى دور الدول الكبرى فى الصراعات الدينية.[4]

وإجمالا يمكن القول إن البيئة الداخلية للمجتمعات الأفريقية تعاني من عدد من المشكلات التى أثرت بصورة رئيسية على تفشى الصراعات وأهمها:

1- غياب الحكم الرشيد وسوء الإدارة (استبداد الحكام).

2-أزمة توزيع السلطة والثروة وضعف الأداء الاقتصادي.

3-التخوم التي ورثتها الدول الأفريقية من الاستعمار.

4-العرق والفوارق الاقتصادية والدينية والمصالح الثقافية والاجتماعية المعقدة.

5- الصراع على السلطة والجماعات المعادية “الانقلابات العسكرية وعسكرة المجتمع”.

أما عن البيئة الخارجية فإن الأجندات الخارجية للدول الكبرى لم تختلف قبل الاستعمار وبعد الاستقلال لكن اختلفت الأدوات، فالتداخلات ظلت مستمرة، حيث قامت الحكومات الاستعمارية بعد مغادرة أفريقيا على اتباع سياسة “فرق تسد” من خلال تغذية التناقضات الإثنية والدينية وفضلت جماعة على غيرها بإعطائها نصيبا أكبر من السلطة والثروة كما حدث فى كل من إريتريا، جيبوتي، وأفريقيا الوسطى، ورواندا وبورندى، فضلا عن دور منظمات المجتمع المدنى التى ساهمت بشكل كبير فى تأجج الصراعات الدينية من خلال دعمها لبعض التكتلات الدينية فى الدولة الواحدة، بالإضافة إلى استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال البرامج والسياسات التى انتهجتها فى ترويج أفكارها دون احترام لحرية المعتقد.

في ظل هذه البيئة الداخلة والخارجية الضاغطة على الأوضاع الاجتماعية الهشة، داخل الدول القارة الأفريقية عمقت من اتساع نطاق الصراعات وزادت حدتها بصورة لم تشهدها نظيراتها  من قارات العالم، وقد كانت الصراعات الدينية محفزا رئيسيا من محفزات الصراع الذي كان بالأساس صراعا على الهوية والثروة والسلطة.

ولا شك أن التنوع الديني في القارة الأفريقية يهيئ بيئة مناسبة لتفجر للصراعات، حيث تشهد القارة الأفريقية تنوعا دينيا هائلا، وهو بمثابة أرض خصبة للشحن وإثارة المشكلات، لاسيما إذا ما ربطنا هذا التنوع بظروف البيئة الصعبة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

* المشهد الدينى

أثرت الصراعات الدينية فى الدول الأفريقية على النظام السياسي، وأدت إلى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي فى كثير من البلدان الأفريقية، وساهمت فى تعميق الصراعات الدينية، وبالرغم من تعدد العوامل والأسباب، أيضا ساهمت بعض حكومات الدول الأفريقية فى استمرار الصراعات بأنواعها من خلال ارتفاع معدل البطالة وعدم وجود تنمية وانتشار المحسوبية فى توزيع السلطة والثروة، بالإضافة لاتباعها سياسات تمييزية على أساس الدين أو العرق، والمشاركة السياسية وملكية الأرض والتهجير القسرى، وأضعفت الحوكمة القائمة بيئة الإدارة الأهلية، من أجل الاستمرار فى السلطة لفترات طويلة، وتشير الدلائل إلى أن اتجاهات الصراع الدينية فى أفريقيا سوف تتصاعد بشكل كبير فى السنوات القادمة بسبب عدم الاستقرار السياسي والفاعلين الجدد.

فى عام 2014، بلغت تكلفة الصراعات السياسية والدينية على المستوى القارة الأفريقية، أعلى معدل من المتوسط العالمى، من حجم الصراعات، وفى نفس الوقت ساهمت القارة الأفريقية بـــ 16% من حجم الزيادة السكانية فى العالم، وبها 52% من الصراعات المرتبطة بالبيئة السياسية والدينية والإثنية، بسبب عدم الاستقرار السياسي.[5]

يبدو أن صعود البعد الدينى، ومكوناته المختلفة وكأنه جزء لا يتجزأ من الحياة السياسية والاجتماعية فى القارة الأفريقية، وصعود دور الإثنيات السياسية، والدينية، والمذهبية، والمناطقية فى المجتمعات الأفريقية يعود إلى التداخل بين العوامل التكوينية  كأزمة بناء الدولة الوطنية، وفشل السياسيات التى رفضت الاعتراف آو الإقرار بالتعددية الدينية والعرقية.

بعد أحداث 11 سبتمبر 2011، بدأت تظهر التنظيمات المتطرفة فى القارة الأفريقية، أنماط تنظيم القاعدة، وجماعة أنصار الدين، وحركة التوحيد فى النيجر، وحركة شباب المجاهدين فى الصومال، حركة بوكو حرام (سلفية جهادية)، جماعة أنصار نيجيريا الإسلامية المنشقة من بوكو حرام والمرتبطة بتنظيم القاعدة، وسميت هذه الجماعة بطالبان نيجيريا وهي مجموعة مكونة من مجموعة من الطلاب الذين تركوا الدراسة وأقاموا قاعدة لهم فى منطقة “كاناما” بولاية (يوبا) شمال شرق نيجيريا، وعلى حدود دولة النيجر، ومنذ تأسيس هذه الجماعات بدأت تستخدم هذه التنظيمات العنف وفقا لتبريرات بنصوص دينية مختارة تتماشي مع رؤيتها وإيدولوجيتها، مستغلة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية كالفقر والتهميش من أجل التمدد والتغلغل داخل المجتمعات فى بعض البلدان الأفريقية.

ثانيا: الأزمات الدينية والعرقية

عانت نيجيريا من بعض الصراعات الأكثر عنفا، والأزمات المتكررة التى عرقلت الجهود الرامية إلى التحول الاقتصادي وإرساء الديمقراطية والتماسك الوطني. تلك العوائق تسببت فى تنازع القضايا السياسية والعنف على غرار الانقسامات العرقية والدينية والإقليمية المعقدة، لتفسير مفهوم الهوية، وأزمة التنمية والتعقيدات فى نيجيريا.

يمثل الفساد المستشري أحد الأسباب الرئيسية للنزاعات، الدينية والعرقية، الفقر والظلم الناجم عن الفساد يضعفان، أى إحساس بالتسامح المتبادل والتضامن الاجتماعي والتعايش السلمى، وتأجيج وإذكاء روح الكراهية الاجتماعية والراديكالية المقرونة بالعنف.  لذلك يعتبر الفساد على أنه من أهم القضايا التى يجب حلها من أجل مواجهة الصراعات الدينية والعرقية.  [6]

لا يزال الإحصاء الإجمالي للإثينيات النيجيرية غير معروف أو موثق، تشير بعض المصادر إلى 374 هوية، فى حين أن بعض المصادر الأخرى إلى أكثر من 250 هويات عرقية مختلفة، ولكن تشكل المجموعات العرقية السبع الأكبر حوالي 88% من إجمالي السكان البالغ تعدادهم حوالي 177 مليون نسمة، وهم الهوسا والفولاني 29%، اليوروبا 21%، والإغبو 18%، وإيجاو 10%، كانورى 4%، إبيبيو 5.3%، تيف 5.2%.[7]

هذا التفاوت السكانى، دائما يكون مقرونا بالفوارق والنفوذ السياسي للجماعات العرقية والدينية، لذلك جاء تصنيف الإثنيات النيجيرية إلى مجموعتين رئيسيتين، الأغلبية والأقليات العرقية والدينية، عندما تكون (الهوسا- فولانى) تشكل (اليوروبا- الإغبو) الأغلبية، فإن بقية المجموعات تصنف كأقليات ولكن بدرجة مختلفة من حيث الحجم والنفوذ الديني والعرقي والسياسي.[8]

يحاول الدستور النيجيري أن يعالج  مشكلة التعددية الدينية، باتخاذه دستورا علمانيا، يضمن حرية المعتق، ويكفل للدولة سلطة متزامنة لإنشاء محاكم تؤدى دورها من خلال هذه الدستور، لكن فى الواقع كثير من مسلمى شمال نيجيريا يرفضون الفصل بين السلطة السياسية والسلطات الدينية، ونتيجة للجدل الدستوري اقترح بعض المسلمين فى شمال نيجيريا نظاما سياسيا ثيوقراطيا موحدا. يكشف  هذا المطلب السياسي والديني، الاختلافات الكبيرة لدى مجموعة من السكان المحليين، على الرغم من أن معظم سكان شمال نيجيريا يتبعون للإسلام السني، ومدرسة الإمام المالكي، والإسلام الشيعي فى البديل الإيراني. وفى المقابل نجد المسيحية بطوائفها (الكاثوليك الرومان- الإنجيليين- البروتستانت) والعديد من الطوائف الخمسينية التى تميل إلى العدوانية فى تعاطيها فى عملية التبشير التى تقوم بها.

 إن الصراعات الدينية الموجودة فى نيجيريا، هى الأكثر وضوحا بين المسلمين والمسيحيين حيث يمثل الفقر والجهل والفساد والقبلية والإثنية وحقوق ملكية الأرض، والانتهازية السياسية  أهم عوامل الصراعات الدينية فى نيجيريا وهنا يمكن الإشارة إلى أنواع الصراعات:

* صراع إسلامى – مسيحي.

* صراع بين الرعاة المزارعين (وسط نيجيريا).

فى فبراير عام 2017، أدت حقوق ملك الأراضي وغيرها من النزاعات، إلى تأجيج الصراعات والعنف الدينى فى مدينة “كادونا” بين المسلمين والمسيحيين، وقد لقى  204 مصرعهم.[9] وثمة اعتبار آخر يساعد فى تأجيج هذه الصراعات الدينية والعقائدية فى نيجيريا وهو العمل على إدخال هذه الصراعات بالأجندات السياسية للنخب الحاكمة فى أطالة أمد الصراعات مقابل بقائهم ومشاركتهم فى السلطة.

*الدين.. المهام والمصالح

تأسست جماعة بوكو حرام أو “جماعة أهل السنة للدعوة والقتال فى عام 2002، وبدأت نشاطها كجماعة إصلاحية من علماء الدين والزعماء المحليين في نيجيريا 2009، عملت جماعة بوكو حرام على اجتذاب الفئة الشبابية المسلمة، من الذين يعانى من البطالة وتدنى مستوى التعليم، والأمراض والتهميش الاقتصادي والسياسي، وتأثر معظمهم أعضائها ببرنامجها وخطابها الاستقطابي المازج بين التقاليد الدينية الأفريقية والإسلامية. وتستخدم الجماعة العنف كوسيلة ضد كل من يخالفها الرأي وخاصة المسيحيين والكنائس، والمسلمين المعتدلين وتنشط فى شمال نيجيريا.

 وسعت هذه الجماعة منذ تأسيسها إلى تصدير فكرها خارج نيجيريا، وتمكنت من تنفيذ عدد من الهجمات الإرهابية فى عدد من دول غرب أفريقيا مثل الكاميرون، النيجر وتشاد.

ومن ثم فإن هذه الصراعات الدينية فى أفريقيا تتسم بخاصية الانتشار العابر للحدود،  لذا سعت دول غرب أفريقيا مثل الكاميرون، نيجيريا، تشاد، النيجر ومالى إلى  تكوين تحالف عسكري للحد من تمدد وانتشار ظاهرة الصراعات ذات الطابع الديني فى غرب أفريقيا. على سبيل المثال جماعتا (أنصار الدين، التوحيد والجهاد)  فى جمهورية مالي، هدف هاتان الجماعتين هو تطبيق الشريعة، وقد مكنتا من ذلك فى شمال مالى مثل قطع الأيدي، وهدم الأضرحة فى مدينة تمبكتو التاريخية، كما تقوم هاتان الجماعتان بعمليات عسكرية فى مواجهة القوات الحكومية، بالتنسيق مع الطوارق، والأزواد.

إن ظاهرة تصاعد العنف الدينى فى نيجيريا، تكمن فى التأثير السياسي الذي تلعبه النخبة السياسية فى نيجيريا التى لها دور كبير فى توظيف المؤسسات الدينية،  باعتبارها قاعدة مشتركة للتعبئة السياسية: فالجماعات الدينية بطبيعتها تتضمن أغلب المصادر الضرورية للنشاط السياسي من كفاءات تتمتع بمهارات قيادية عالية وبنية تحتية طبيعية، من أماكن التجمع ومكاتب، وجماعة رئيسية من المؤيدين والنشطاء، فضلا عن ذلك يتمتعون بتنظيم داخلي مرتبط ومتشابك، ومدعمون بالشرعية الدينية والشعبية، كما ساهمت التكنولوجيا الحديثة للجماعات الدينية فى تعزيز التواصل مع بعضهم وتصدير أفكارهم إلى المجتمعات أخرى

وبذلك استغلت النخبة السياسية نمط البيئة الدينية القائمة على العرف والدين، والزج بهما فى عمليات الحشد والتعبئة الانتخابية للوصول للسلطة، من أجل حمايتهم حتى لا يطالهم القانون، ولذك نرى كثيرا من القوى السياسية والاجتماعية فى نيجيريا تستغل الدين، وهذا يجعل الدين حجر الزاوية فى الصراع.

إن الصراع العرقي الديني في نيجيريا، ليس فقط في الشمال والدلتا، ولكن أيضا في وسطها،  وأهمية الصراع في الشمال تأتي من أصلها العالمي. ومن الواضح أن هذا الصراع مظهر من مظاهر العنف الموجه دينيا في نيجيريا. فهناك أوجه تشابه بين جماعة بوكو حرام وجماعات إسلامية راديكالية أخرى مثل القاعدة وحركة الشباب وجماعة أنصار التوحيد من حيث الخطاب والإيديولوجية.

ثالثا: المنافسة بين الكنيستين

هيمنت الكنسية الأرثوذكسية الإثيوبية، على الأجزاء الشمالية والوسطى من إثيوبيا. وظلت معظم الطوائف المسيحية، مرتبطة بالأرثوذكسية، لفترات طويلة لعلاقتها بالدولة، وجزء قليل من الكاثوليكية، ولكن نمو الكنائس الإنجيلية يمثل تحديا خطيرا للكنسية الأم فى إثيوبيا. فى الواقع منذ بدأت الطائفة البروتستانتية فى إثيوبيا، كانت دائما هناك درجة كبيرة من التنافس بين الطائفتين (الأرثوذكسية – البروتستانتية)، وقد حاولت الكنيستان التعايش لبعض الوقت، ولكن بظهور ثورة المعلومات والإنترنت، أصبح العالم قرية صغيرة، وسهلت من تناول وتعاطى المعلومة للجميع، وكانت هناك صحوة فى الطائفة البروتستانتية للتواصل مع أتباعها وأيضا لاستقطاب مزيد من الأعضاء المحتملين، فبدأت الجماعات الدينية فى إثيوبيا بحملات تسويقية إستراتيجية مستخدمة شبكات التواصل الاجتماعي المتاحة فى الأسواق اليوم، بهدف أن  ما يريده المتوحد ينبغى على الكنسية أن تقدمه، وبفضل هذه الوسيلة تحول بعض الزعماء الدينيين إلى أعضاء أكثر انخراطا  في عمليات القرار والتغيير. حتى تزايد عددهم مما اضطر الكنيسة البروتستانتية لتصبح أكثر وعيا لاحتياجات الأعضاء ورغباتهم، وكيفية عملهم مع الحفاظ على الأعضاء الحاليين واكتساب أعضاء جدد.

تتنافس الكنيستان على العديد من الأنشطة المختلفة لأعضائها، ولكن بدرجة أكبر تتفوق الكنيسة البروتستانتية على نظائرها الأخرى، وأعتقد أن هذا يمكن إرجاعه إلى التمويل والمشاريع التى تقدمها أموال المعونة والمبشرين والبعثات الأجنبية، خاصة الكنائس الألمانية والأمريكية للطائفة البروتستانتية فى إثيوبيا. إذا هناك فرق جوهري في التمويل بين الكنيستين وهنا تظهر الفوارق بين الأوضاع المالية للكنيستين، لاسيما أن الكنيسة التى تتمسك بالتعليم اللاهوتي، هى أكثر ارتباطا بالتمويل الخارجي وهو ما نجحت فيه الطائفة البروتستانتية.

تعود جذور الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية، إلى تاريخ طويل حافل بالتراث والحضارة المسيحية الأرثوذكسية  لتعدد الحضارات فى إثيوبيا ” أكسوم – لاليبالا Axum – lalebala  ” حيث تتصارع فى إثيوبيا ست ديانات رئيسية تتصدر المشهد ومن حيث العدد السكاني، يشكلون الآتى: الإسلام السني، المسيحية الأرثوذكسية، المسحية البروتستانتية، المسيحية الكاثوليكية، الديانات الإفريقية التقليدية، وأخير الوافد الجديد الشيعية.[10]

تعيش الكنيسة الأرثوذكسية تحديا كبيرا منذ تأسيس الإمبراطورية الحبشية، للحفاظ على كيانها الذي أصبح يتآكل بقدوم الوافد الجديد من الكنائس الأوروبية والأمريكية وهى الكنيسة البروتستانتية، التى دخلت فى صراع وتوتر مع الكنسية الأرثوذكسية، بسبب حالة الاستقطاب والتبشير التى تقوم بها الطائفة البروتستانتية، وهو ما اعتبرته الكنسية الأخرى خصما من نصيبها باعتبار أن الطائفة البروتستانتية لا تقوم بالتبشير إلا من خلال مسيحيي الطائفة الأرثوذكسية. فقد أظهر صدور التقرير الإحصائي السكاني في إثيوبيا عام 2008 انخفاضا في عدد الأعضاء الإثيوبيين داخل الكنيسة الأرثوذكسية إلى 43%، وهو أقل بكثير مما كانت عليه في عام 1994، كانت تقارب 50٪، وفى المقابل زاد من 10 إلى 18%  عدد أعضاء الكنيسة البروتستانتية لوحدها، أى بمعدل حولى 8 ملايين، 5 ملايين من هؤلاء الأعضاء تحولوا من الكنسية الأرثوذكسية الإثيوبية.

تعود أسباب الصراع الديني فى إثيوبيا لعوامل داخلية وخارجية بحتة، الداخلية تمثلت فى الدستور الإثيوبي الذي كفل حرية المعتقد، وكان الهدف منه إحكام سيطرة  “التجراى” الأقلية على السلطة، وبالرغم من نجاح التجراى فى سيطرتهم على السلطة،  فإن ذلك لم يمنع الفاعلين الجدد “منظمات التبشيرية” من الانخراط فى مشروعهم فى إثيوبيا، لتحقيق مصالحها فى إطار إستراتيجيتها، ومخططات العولمة فى شتى المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وقد كان هذا التقرير بمثابة شرارة، وأيضا تغييرا في المشهد الديني الإثيوبي، وفى نفس الوقت يطرح تساؤلات جوهرية ومشروعة ..  كيف أثرت الأقلية الدينية، على جماعة الأغلبية الدينية، وما هو عواقب هذا التأثير؟. وكيف أثر التمويل التبشيري فى هذا التحول؟.

يمكن ملاحظة أن التنافس بين الكنيستين، ليس باعتبارهما مسيحيتين موحدتين بل، فى حجم تمويل الكنائس من قبل البعثات الأجنبية، ففى الوقت الذى تنتشر فيه أماكن العبادة بالنسبة للبروتستانت تتراجع فيه أماكن دور العبادة للأرثوذكسيين، ولكن المهم هنا أن ننظر فى الكيفية التى  تصدرت بها الكنسية البروتستانتية المشهد الدينى، فثمة اعتبارات عديدة جعلتها تتصدر المشهد الدينى فى الوقت الراهن فى إثيوبيا، سواء فى ذلك الأحوال الاقتصادية، الفقر، البطالة حيث مكنها ذلك من  أن تحول عددا كبيرا إلى البروتستانتية فى سن ما بين 20 إلى 30 سنة وهى الفئة العمرية المهمة فى الحشد والتعبئة .[11]

رابعا: الصراع الدينى والعرقي

أما الحالة فى الصومال فتتمثل فى ظاهرة العنف السياسي المرتبط بالدين، وبالتالي تمثل صراعا عرقيا، دينيا مبنيا على الخلاف الإيديولوجي ذى الصلة الوثيقة بالموارد الاقتصادية فى الصومال فى ظل انتشار الفقر، وغياب العدالة وضعف الحكومات، وعدم الثقة فى السلطة السياسية والدينية معا، هذه العوامل جميعها كانت بيئة حاضنة فى الصومال للجماعات الدينية للدخول فى صراع فيما بينها بالرغم من أن الصومال الدولة الأفريقية الوحيدة ذات المذهب السني، ولا توجد بها ديانات أخرى بخلاف الديانة الإسلامية.

ظهرت التيارات الدينية المتشددة فى الصومال بعد انهيار نظام الرئيس الراحل “محمد سياد برى”، نتيجة لواقع المتغيرات الإقليمية والدولية فى منطقة شرق أفريقيا، فضلا عن القبلية التي بنيت عليها الدولة وغلبت التعصب القبلي، لأن القبيلة في الصومال تعبر عن الفرد فى صراع القيم الإسلامية والثقافة الصومالية السائدة فى المجتمع.

تأسست حركة الشباب المجاهدين فى عام 2004، وأعلنت عن نفسها فى ديسمبر2007،  وكانت بمثابة الذراع العسكرية لاتحاد المحاكم الإسلامية آنذاك، التي كانت تسيطر على مقديشو وتهدف إلى إقامة دولة إسلامية.  تستخدم العنف وفقا لتبريرات نصوص دينية مختارة تتماشي مع رؤية  وإيديولوجية الحركة، ذات التوجه السلفي، وتعتبر الحركة  أكثر تيارات السلام السياسي تشبها “بالإخوان المسلمين”، وفى عام 2012، أعلنت حركة شباب ولاء لتنظيم القاعدة، ، وبالرغم من أن حركة الشباب ما زالت تمثل تهديدا خطيرا للأمن والسلم الدوليين، فإن محاولة القضاء عليها كانت أشبه بمحاولة القضاء على داعش “تنظيم الدولة الإسلامية” كلتاهما تمثل أداة وأذرعا لأجهزة مخابراتية عالمية.[12]وتمكنت الحركة من استقطاب أعداد كبيرة من أعضائها من المقاتلين الأجانب.

ونتيجة للصراع القبلى المسلح ضد الحكومات المتعاقبة، جاءت المواجهات بين طرفى الصراع فى البدايات من منطلق دينى، كون الطرف الآخر يعادى شرع الله ويقمع الدعوة، لذا تحالفت بعض الشخصيات الإسلامية سرا مع بعض الشباب الإسلاميين خريجي المدارس الوهابية،  وفى نفس القوت يحملون فكرا ونهجا ثوريا، كدافع معنوي للتضحية، وتمكنوا من إعادة تأسيس الاتحاد الإسلامي الذي كان محظورا أيام الرئيس الراحل برى، ليروجوا لإقامة الدولة الإسلامية.

نفذت الحركة الشباب هجومين انتحاريين خارج الصومال لأول مرة فى تاريخها نقلت الصراع من الداخل إلى الخارج،  فى عامى (2010 – 2011)، فى كل من نيروبى وكمبالا، ولكن طالت الحركة انشقاقات بين القوميين، الذين يطمعون فى الوصول للسلطة فى الصومال، والجهاديين والتكفيريين الذين يرغبون فى نقل معاركهم خارج حدود دولة الصومال.

ويضاف إلى ما سبق  أن حركة الشباب المجاهدين استغلت الأزمة فى اليمن وتمكنت من زرع بعض عناصرها بين المهاجرين، وأجرت بعض الاتصالات بتنظيم القاعدة فى جزيرة العرب، وتبادلت معهم الأسلحة والأموال، فضلا عن أن قادة التنظيمين يتمتعون بحرية التنقل بين كل من اليمن والصومال. وهو ما نتج عنه تأسس تنظيم الدولة الإسلامية فى الصومال عام 2016.

 وتعتمد حركة الشباب المجاهدين فى تمويلها على نشاطاتها، من خلال القرصنة فى السواحل الصومالية، فى الفترة من (2008- 2014)،  وأصبحت الحركة أكثر قوة مما كانت عليه من قبل، حيث تمكنت من السيطرة على أغلبية المدن الصومالية والعاصمة مقديشو، وكادت أن تطيح بحكومة شيخ شريف أحمد المعترف بها دوليا، إلا أنها فضلت الانسحاب إثر الخلافات الحادة فيما بينهم.

خامسا: الدين والصراع في شرق أفريقيا

سعت الجبهة الشعبية (الحزب الحاكم) فى إريتريا، منذ عام 1995، إلى التغيير فى التركيبة الديموغرافية فى إريتريا، فقامت بتهجير بعض القوميات التى تنحدر من أصول إسلامية فى المناطق الزراعية ومصادرتها، ثم تمليكها إلى قومية “الحماسين” ذات الصبغة المسيحية.

ولكن خلافات الثورة الإريترية  التى كانت ذات طابع إيديولوجي ظاهريا، وأبعاد قبلية ومناطقية ودينية، خفية، مكنت الجبهة الشعبية من السيطرة على الساحة الإريترية، وبدأت فى تنفيذ مشروعها، بواسطة مهندسها ومفكرها “سبحت إفريم” الأب الروحي لقومية “الحماسين” المسيحية، والهدف من هذا المشروع، هو إقصاء القوميات الأخرى وخاصة “التجرى” ذات الأغلبية المسلمة، فبدأ الصراع يظهر بصورة جلية فى عام 2000، بنهاية الألفية، فنجح مشروعهم فى التخلص من أغلب السياسيين الإريتريين المنحدرين من أصول أسلامية، ففيهم من قضى نحبه وفيهم من زج به فى السجون حتى يومنا هذا، أما أكثرهم حظا فغادر إريتريا إلى المنفى إجباريا.

فرضت تطورات الأوضاع الأخيرة، فى إريتريا تغييرا على المسميات القديمة فتحولت حركة الجهاد السلفية لحركة الإصلاح وأسست لها جناحا سياسيا أطلق عليه اسم المؤتمر الشعبي الإرتري، كممثل للحركة في التحالف الوطني الديمقراطي الإرتري بينما اختارت جبهة الخلاص اسم الحزب الإسلامي للعدالة والتنمية، وأصبحت جزءا من التحالف المعارض وفيما بعد خرجت عناصر معلنة انشقاقها عن الجماعة السلفية مكونة المؤتمر الإسلامي الإرتري حركة الجهاد، كل هذه التنظيمات  بالرغم من عدم اندماجهما فى كيان واحد، فإنها أصبحت تعمل من أجل إنهاء حكم الأقلية المسيحية “الحماسين” فى إريتريا.

سادسا:  الصراعات المذهبية

تمثل الحالة السودانية أحد أبرز أنواع الصراع الديني الإسلامي–المسيحي، الذي انتهى بانفصال واستقلال دولة جنوب السودان فى يوليو عام 2013،  هو نموذج معقد المكونات البنيوية للعرقيات السياسية، والقبلية، والدينية، والمناطقية، والتعدديات للجغرافيا السياسية والعرقية، والثقافية والهوياتية.

وبالرغم من ذلك الثراء الثقافى فى السودان، فإنه أفضى إلى كثير من المشاكل والخلل فى بنية المجتمع والدولة معا. لأن الواقع السياسي للدولة السودانية منذ الاستقلال حتى الآن، فشل فى إدارة التنوع. ولكن يبدو لى أن الدولة السودانية لم تستوعب الدروس السابقة بعد، يشهد السودان حاليا أنماطا أخرى من الصراعات الدينية المذهبية، المبنية على صراع العلاقات، والمصالح بين الأطراف ( الطرف الصوفية والسلفيين، والسلفيين والشيعة)، وإن كان جوهر الصراع فى السودان مذهبيا إلا أن قابل للانفجار لأسباب[13]عديدة منها الدور التى تلعبه المنظمات الدينية، والزعماء الدينيون فى تأجيج هذه الصراعات، وفى عام 2012، شهدت مدينة الخرطوم اشتباكات دموية عنيفة بين السلفيين والطرق الصوفية، التى تم من خلالها التعدي على القباب والأضرحة، وكانت هذه الأحداث مقدمة جديدة لصراع بين طائفتين، وفى عام 2014، تجدد صراع آخر بين المذهبين (السنى – الشيعى) فى منطقة جبل أولياء شرق الخرطوم علما بأن هذه المنطقة يوجد بها حراك شيعى كبير مقارنة بباقى المدن السودانية. اللافت للنظر أن المذاهب الإسلامية فى السودان تحاول وتسعى لإقصاء الآخر، دون النظر على أن حرية المعتقد مكفولة لجميع.

سابعا: الدين والسلطة والنزاعات المسلحة

ظهر الصراع الدينى فى أفريقيا الوسطى بعد استقلالها من فرنسا عام 1960، بين ميلشيات (سيليكا – أنتى بلاكا)، بسبب شعور قبائل “بلاكا” بالحقد تجاه سيطرة الأقلية المسلمة على 80% من أغلب الموارد الاقتصادية وبالذات الماس فى أفريقيا الوسطى،  هو ما دفع فرنسا فى الزج بقواتها على المناطق التى تحتوى على الماس، ونزعها للأسلحة من قبائل سيليكا، وفى المقابل دعهما للقبائل المسيحية وتسليحها.

وفى الفترات السابقة كان يتجدد الصراع من حين إلى آخر، ولكن  برغم من هشاشتها تمكنت  الحكومات المتعاقبة من إخماد هذه الصراعات الدينية، ولكن تجدد الصراع مرة أخرى عام 2013، عندما قامت ميلشيات طائفة السيليكا ذات المسلمة بانقلاب عسكري، للإطاحة بالرئيس فرانسوا بوزيزى، الذي يحكم البلاد عن طريق انقلاب عسكري منذ عام 2003.  وتحول الصراع السياسيى بين قبائل السيليكا والمتمردين، إلى صراع دينى انتقامي قامت به “بالاكا” ضد المسلمين، وارتكبت أبشع الجرائم والمذابح كالتطهير العرقى ضد أقلية السيليكا.

فى الوقت بدأت فيه شبه استقرار أفريقيا الوسطى، تنامى دور الفاعلين المسلحين مرة أخرى هو التحالف الجديد بين السيليكا المسلمة ومليشيات “R3” المسيحية التي تكن الحقد والعداء مليشيات “أنتى بالاكا” التي ارتكبت عملية تطهير العرقي فى عام 2013، ضد السيليكا. وقد نفذت مليشيات “3 آر”، فى 24 من سبتمبر 2017، هجوما على مدينة (بوكارانجا) الواقعة شمال غرب أفريقيا الوسطى، وعلى حدود الكاميرون، مما تسبب فى فرار مئات الأشخاص من سكانها، وسقوط ضحايا غير معلوم عددهم، وجاء الهجوم هذا بحجة حماية جماعة “فولاني” من هجمات ميليشيات “أنتى بالاكا”. وعلى هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك، دعا رئيس أفريقيا الوسطى “فوستين ارشانج تواديرا” المجتمع الدولي إلى زيادة قوات حفظ السلام فى أفريقيا الوسطى من أجل الحد من تصاعد عمليات العنف بعد أن فقدت الحكومة السيطرة على بعض المناطق.

 ومن الجدير بالذكر أنه فى الفترة من (2004- 2007)، شهدت أفريقيا الوسطى حربا أهلية بن تحالف فصائل المعارضة المسلحة “تحالف السيليكا” مع الفصائل المسيحية الأخرى،  يمثل الإسلام 15% من إجمالي السكان البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة، 45% من طائفة البروتستانت، 35% من طائفة الكاثوليك، أما 5% فمن الأرواحيين.[14]

كما اتخذت الصراعات الدينية نمط الحرب بالوكالة، من خلال دعم بعض الحكومات لحركات التمرد فى البلدان المجاورة، على سبيل المثال الدعم الصومالي لحركة تحرير أوغادين الإثيوبية، ثم حكومة الإسلاميين فى السودان ودعمها لجيش الرب اليوغندى، والدعم الإريتري للحركات والقوى السياسية الإثيوبية المعارضة، والعكس كما تفعل إثيوبيا مع المعارضة الإريترية، وهى ظاهرة تبدو أن الأديان داخل البلدان أو فيما بينها، أداة لتحقيق مصالح ذاتية.

ثامنا: الإرهاب

أطلقت الولايات المتحدة فى عام 2003، قرارا خاصا بمبادرة شرق أفريقيا لمكافحة الإرهاب فى مجتمعاته، باعتبار أنها تشكل خطرا للسلم والأمن الدوليين، استنادا على سجلات حوادث الإرهاب التى تمت فى شرق أفريقيا أصدرت الخارجية الأمريكية فى يوليو عام 2017، تقريرها السنوى حول تطورات ظاهرة تنامي الإرهاب فى العالم، ونالت القارة الإفريقية نصيبا وافرا من هذا التقرير، الذى تناول حالات الإرهاب فى أفريقيا فى عام 2016، ولاسيما الجهود التى بذلتها الإدارة الأمريكية لدعم ومساندتها حلفائها من الدول الأفريقية لمواجهة ظاهرة الإرهاب.

استعرض التقرير الهجمات الإرهابية التى شهدتها بعض البلدان الأفريقية، واعتمد التقرير بشكل عام العمليات التى نفذتها “حركة الشباب المجاهدين” فى شرق أفريقيا، وجماعة “بوكو حرام فى سواحل غرب أفريقيا، بتصنيفهما أخطر جماعتين إرهابيتين فى القارة الإفريقية، وفقا للهجمات والعمليات التى نفذتاها خلال العام المنصرف التى جاءت على النحو الآتى:-

*استهدفت “حركة الشباب المجاهدين”، مقر كل من بعثة الاتحاد الأفريقي والموظفين الحكوميين فى الصومال.[15]

*نفذت “بوكو حرام” أهدافا مدينة وعسكرية فى نيجيريا.

 وفى المقابل قدمت الولايات المتحدة لحلفائها فى شرق أفريقيا دعما فى بناء القدرات للحد من انتشار الإرهاب ومكافحته، من خلال الدعم الفني ولوجستى لبعثة الاتحاد الأفريقي فى الصومال، بالإضافة إلى الأجهزة والتدريب لقطاع الأمنى للقوات الصومالية. وأشاد التقرير بالجهود التى قدمتها قوة العمل المشتركة والمتعددة الجنسيات التى ضمن دول بحيرة تشاد،( تشاد، وبنين، والكاميرون، والنيجر، ونيجيريا). وفى السياق ذاته ساهمت فرنسا بجهود لمكافحة الإرهاب فى منطقة الساحل الأفريقي، لتحقيق الاستقرار فى مالى من خلال بعثة الأمم المتحدة (MINUSMA).[16]  وبالرغم من ذلك فقد تجاهل التقرير الأمريكي  الجهود التى بذلها الاتحاد الأفريقي فى مجال مكافحة الإرهاب، ومساندته لبعض البلدان الأفريقية فى حربها ضد الإرهاب، في الوقت الذي تطورت هذه الجماعات الإرهابية من أساليب مواجهتها لحكومات بعض الدول الأفريقية، فى ظل انشغال الاهتمام العالمي بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” فى كل من العراق وسوريا.

فى ظل تزايد الضغوط على الدول الأفريقية، للتقليل من حجم الصراعات السياسية والدينية والعرقية والمذهبية، نقلت التنظيمات الإرهابية مركز ثقلها إلى ليبيا، من أجل تواصلها مع الجماعات الإرهابية فى ساحل غرب أفريقيا، ككيانات فاعلة داخل الدول من خلال مليشيات مسلحة يشرعون فى فرض أجندتهم، وإدارة اقتصاد غير مشروع يدر لهم مصدر دخل يجعلهم يواجهون الدول.[17]

خلاصة القول

خلاصة القول إن الصراع الديني داخل القارة (الأفريقية) مستمر، والتنافس بين المعتقد والقبيلة والإثنية عبارة عن دائرة لم تكتمل حلقاتها، لأن فشل النخب الحاكمة فى أفريقيا منذ الاستقلال فى تقديم مشروع وطنى، أسهم فى عدم الاندماج الوطني فى أفريقيا.كما أن نموذج الدولة القومية معرض للخطر فى أغلبية الدول الأفريقية، وأيضا فى العديد من الدول الأخرى التى تسمى الدول القومية، وبطيعة الحال فإن العولمة أصبحت تتغذى على هذه العملية، والسبب الرئيسى مرتبط  بسيطرة بعض الأديان على الحكم مع إثارة اعتراضات الآخرين. ويأتى هذا فى الواقع نتيجة للصراع بين الجماعات الدينية والإثنية، وربما الإيديولوجية على الهيمنة وهذا بلا شك يضعف تحقيق أى وحدة، ثم ينظر إلى هذا النموذج بأنه طابع لا مفر منه فى الدول غير القومية وغير المتجانسة.

المصدر: وكالة المخابرات الأمريكية 2016.

المراجع:-

http://mawdoo3.com.1

2.http://www.elsyasi.com/world/kara/

http://www.qiraatafrican.com.3

http://democraticac.de/?.4

https://futureuae.com/%20rel%3D/Mainpage/.5

http://alkhaleejonline.net/articles/.6

وكالة المخابرات المركزية 2016 .7

8. Rakov 1990; Paden 2008:4; Okpa

9.http://nama-center.com/ActivitieDatials.aspx?.10

11.Ethiopian Churches in Conflict: An empirical study

12. http://alkhaleejonline.net/articles

13.http://www.sudantribune.net-

14.http://www.dotmsr.com/details

15.https://elbadil.com/2017/05/

16. http://acpss.ahram.org.eg/News/16371.aspx

17. د.محمد مجاهد الزيات، توازن الضعف، اتجاهات الأحداث، الأمارات، مركز المستقبل،العدد مارس 2017

[1] – http://www.elsyasi.com/world/kara

[2]-  http://mawdoo3.com/

[3] – http://www.qiraatafrican.com/

[4] – http://democraticac.de/?

[5] – https://futureuae.com/%20rel%3D/Mainpage/Item

[6] – http://www.accord.org.za/ajcr-issues/ethnic-religious-crises-nigeria/

[7] – وكالة المخابرات المركزية 2016

[8] – Rakov 1990; Paden 2008:4; Okpanachi 2010.

[9] – https://www.globalsecurity.org/military/world/war/nigeria-1.htm

[10] –http://nama-center.com/ActivitieDatials.aspx?

[11] – Ethiopian Churches in Conflict: An empirical study of how the growth of a religious minority group can enforce a change in a religious majority group

[12]http://alkhaleejonline.net/articles/1466074198892826800/%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AE%D8%A7%D8%B7%D8%B1%D9%87%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC%D9%8A-/

[13]http://www.sudantribune.net/%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B2%D8%A7%D8%B9,2450

[14]- http://www.dotmsr.com/details

[15]-  https://elbadil.com/2017/05/

[16] – http://acpss.ahram.org.eg/News/16371.aspx

[17]- د.محمد مجاهد الزيات، توازن الضعف، اتجاهات الأحداث، الأمارات، مركز المستقبل،العدد مارس 2017

المصدر

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button