تحليل النزاعات الدولية

خريطة الصراعات: عشرة اتجاهات للنزاعات المسلحة في العالم عام 2021

عرض منن خاطر، وأحمد عبدالقادر يحيى

رصد المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، تزايد النزاعات المسلحة في عام 2020، على الرغم من إجراءات الإغلاق التي فرضتها عدة دولٍ للحد من انتشار جائحة كورونا، وأشار المعهد إلى أن تلك النزاعات أصبحت أكثر تعقيداً وتركَّزت بدرجةٍ ملحوظةٍ في منطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، بالإضافة إلى إفريقيا جنوب الصحراء. وقد رسم التقرير ملامحَ للصراعات المسلحة حول العالم، مستنداً إلى تقييمٍ استراتيجيٍّ لمُحرِّكات الصراع داخل الدول وخارجها، كما حدد الخطوط العريضة لعمليات السلام والمخاطر السياسية والتطورات المستقبلية للصراعات.

وقد جاء ذلك خلال جلسةٍ أعدها المعهد لإطلاق النسخة السادسة من “تقرير النزاعات المسلحة” الذي يُعِدُّه سنويّاً، لرصد وتحليل أهم اتجاهات النزاعات المسلحة حول العالم، وتقديم رؤى حول دوافع تلك النزاعات، والعوامل الجيوسياسية المؤثرة فيها. وقد ضمَّت الجلسة نخبةً من الخبراء والباحثين في المعهد؛ لاستعراض أهم نتائج التقرير السنوي الذي يستند إلى ثلاثة مؤشراتٍ رئيسيةٍ؛ هي: الأثر الإنساني للصراعات، وتداعياتها الأمنية، وأثرها الجيوسياسي. وفيما يلي يمكن تناول أبرز ما جاء في تلك الجلسة؛ وذلك على النحو التالي:

1– تصاعد حدة الصراعات الداخلية المسلحة في الدول:

أشار التقرير إلى تراجع الحروب المُعلَنة أو الصراعات المباشِرة بين الدول لصالح طغيان الصراعات الداخلية المسلحة التي وصلت ذروتها في عام 2020، والتي عادةً ما يتم تدويلُها عن طريق التدخُّلات الخارجية والحروب بالوكالة، كما يحدث في سوريا وليبيا على سبيل المثال. وقد حذَّر التقرير من تداعيات انتشار فيروس كورونا على الاقتصاد وزيادة معدلات الفقر وعدم المساواة ونقص الموارد الغذائية؛ ما يشكل خطراً مستقبليّاً على زيادة معدلات الصراع وصعوبة احتوائه. وأشار المعهد إلى أن التغير المناخي أصبح من محركات عدم الاستقرار السياسي، خاصةً في أمريكا الوسطى.

2– تراجع الانخراط الأمريكي في الصراعات الدولية:

لفت التقرير إلى أن الولايات المتحدة باتت “قوةً عالميةً مُشتَّتةً”، ولم تَعُد كما كانت في السابق أثناء ذروة الأحادية القطبية؛ حين كانت الولايات المتحدة تتدخل بنحوٍ شبهَ أحاديٍّ في البلقان وآسيا وإفريقيا والشرق الأوسط. أما الآن فقد تغير السياق العالمي بدرجةٍ كبيرةٍ، وانعكس ذلك على التدخلات الخارجية في الصراعات المسلحة؛ حيث باتت العديد من الدول القوية منخرطةً في معظم الصراعات المسلحة.

وحسَب التقرير، فإن أولويات السياسة الخارجية والدفاعية للولايات المتحدة، باتت أكثر تركيزاً على منافسة الصين وروسيا، واحتواء إيران وكوريا الشمالية. ويشير التقرير إلى أن هذا التحول بدأ في عهد الرئيس باراك أوباما، ثم استمر في عهد دونالد ترامب الذي أعرب عن استيائه من تورط الولايات المتحدة في حروبٍ خارجيةٍ. بيد أن التقرير يشير إلى أن هناك استثناءاتٍ في ذلك، أهمها دور الولايات المتحدة في هزيمة تنظيم داعش، كما أن دورها في محاربة الإرهاب العالمي لا يزال قائماً وإن كان أقلَّ من السابق.

3– تصدُّر الدول العربية قائمةَ الدول الأكثر تأثُّراً بالصراعات:

حسَب التقرير، فقد تصدَّرت سوريا قائمة الدول الأكثر تأثُّراً بالحرب من الناحية الإنسانية، تلتها أفغانستان واليمن وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وجاءت سوريا أيضاً في المركز الأول للدول الأكثر تأثُّراً بالتداعيات الأمنية للصراع، تلتها اليمن وأوكرانيا وأفغانستان والمكسيك والبرازيل، بينما تصدرت العراق الدول الأكثر تأثُّراً بالعوامل الجيوسياسية للصراع، تلتها سوريا ومالي، والصومال، وأوكرانيا، وأفغانستان.

وكذلك فقد لفت التقرير إلى أنه ربما شهدت بعض الدول في الشرق الأوسط، العام الماضي، تخفيضاً في التصعيد مثل ليبيا، خاصةً بعد التدخل الأممي، والبدء في العملية السياسية وسط اهتمامٍ دوليٍّ غير مسبوقٍ، بينما كان هناك شبهُ تجميدٍ لحالة النزاع في سوريا وسط غياب الدور الأممي هناك لإدارة الصراع، مع تمكُّن الأطراف المتحاربة من تكوين مناطقَ سيطرةٍ خاصةٍ بهم.

4– عسكرة متزايدة للسياسة الخارجية التركية:

أشار التقرير إلى أن تركيا باتت أكثر انخراطاً في الصراعات المسلحة على كثيرٍ من الجبهات؛ حيث نفذت بالعديد من العمليات العسكرية في العراق وسوريا، بالإضافة إلى دعمها ميليشيات الغرب الليبي بريّاً وبحريّاً وجويّاً. وحسب التقرير، فإن تركيا تسعى من وراء التدخل في ليبيا إلى تعزيز حظوظها المستقبلية في الموارد الطبيعية الليبية، وزيادة نفوذها في البحر الأبيض المتوسط، كما أشار التقرير إلى الدعم العسكري التركي القوي لأذربيجان في الصراع ضد أرمينيا حول ناجورنو كارا باخ.

5– تزايد العنف المسلح في القارة الإفريقية:

شكَّلت النزاعات في إفريقيا جنوب الصحراء ثلث النزاعات حول العالم حسَب التقرير؛ حيث رصد 11 نزاعاً مسلحاً خلال العام الماضي. وألقت جائحة كورونا بظلالها على النزاعات في إفريقيا جنوب الصحراء؛ حيث تمكَّنت المجموعات المسلحة، في بعض الدول، من اكتساب مناطق سيطرةٍ جديدةٍ وسط انشغال الحكومات في تلك الدول بتخصيص مواردها لمواجهة الجائحة.

وفي ذات السياق، فإن الجماعات المسلحة غير الحكومية أصبحت أشدَّ قوةً، واستحوذت على أراضٍ في الساحل، وبوركينا فاسو، وإثيوبيا، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وسط انشغال الحكومات بتخصيص مواردها لمواجهة جائحة كورونا، كما أثبتت أيديولوجية الإسلام الراديكالي العابر للحدود نجاحها في إشعال تلك النزاعات.

وحسَب التقرير، فقد كان ما يُعرَف بـ”العنف الجهادي” هو السمة الغالبة على الصراعات في غرب إفريقيا ووسطها؛ حيث تعرضت 11 دولةً في الإقليم لعنفٍ جهاديٍّ في عام 2020. كما انتشرت هجمات الجماعات الجهادية وحركات التمرد الأخرى بشكلٍ واسعٍ في عددٍ من دول الساحل الإفريقي، مثل بوركينا فاسو والنيجر ومالي، وكذلك في دول حوض بحيرة تشاد (نيجيريا والكاميرون وتشاد)؛ ما فاقم المشاكل الأمنية والإنسانية في المنطقة بقدرٍ كبيرٍ.

6– تعزيز الجماعات المسلحة نفوذها في أمريكا اللاتينية:

اختلفت طبيعة النزاعات في أمريكا الجنوبية؛ حيث عززت المجموعات المسلحة غير التابعة للدولة، شرعيتها وسيطرتها عن طريق خلق كياناتٍ موازيةٍ للدولة تقدم المساعدات والإمدادات للشعب وسط عجز الحكومات في دول تلك المنطقة عن تقديم آلياتٍ للتخفيف من وطأة الوباء على ظروف المعيشة؛ إذ تمكنت المجموعات المسلحة من تقديم الخِدْمات وتحسين الأسعار وحوكمة مناطق سيطرتها بشكلٍ موازٍ للدولة؛ ما عزَّز شرعية تلك الكيانات.

ولفت التقرير إلى أنه قد يكون رد فعل الحكومة تجاه تلك المجموعات غير عقلانيٍّ، خاصةً أن الأُولى لديها شعبيةٌ أقل، ولكن التفاوض معها مطروحٌ على الطاولة، خاصةً مع بدء توزيع اللقاحات المضادَّة لكورونا. ومع ذلك قد يزيد ذلك شرعية الجماعات المسلحة. وأشار التقرير إلى أن مناطق الخطر التي يجب وضعها تحت الملاحظة في هذه المنطقة تشمل فنزويلا، والمكسيك، وهاييتي.

7– تواصُل الاضطرابات وعدم الاستقرار في أوراسيا:

رصد التقرير تطوُّرَيْن جديدَيْن في الصراعات في روسيا وأوراسيا؛ حيث انتشرت القوات الروسية على الحدود الشرقية لأوكرانيا بقدرٍ غير مسبوقٍ، وبدأ وقفُ إطلاق النار بين أرمينيا وأذربيجان دون تسويةٍ في الأفق. فعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاثة عقودٍ على تفكُّك الاتحاد السوفييتي؛ لا تزال العلاقات بين الدول في تغيُّرٍ مستمرٍّ وسط غياب توازن القوى والتسوية؛ إذ نشر الجيش الروسي العام الماضي أكبر حشدٍ لقواته على الحدود الشرقية لأوكرانيا منذ احتلال القرم في 2014؛ ما خلق توتراتٍ؛ ليس في أوكرانيا فقط، بل في أوروبا والولايات المتحدة، وكذلك فإن سياسة التجنيس الروسية في أوكرانيا، تجعل التسوية بعيدة المنال، وفق التقرير.

8– آفاق ضعيفة للسلام في الصراعات الآسيوية:

كان استمرار وتيرة النزاعات وعدم تغير حالتها على مدار سنواتٍ طويلةٍ؛ أهمَّ السمات التي رصدها التقرير في قارة آسيا. وعلى الرغم من تحقيق عملية السلام تقدُّماً بسيطاً، لا تزال التسوية بعيدة المنال. ووَفقاً للتقرير، فإن من المُرجَّح أن ترتفع وتيرة العنف في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية والناتو، ومحاولة طالبان السيطرة على البلاد بالكامل، كما يتوقَّع التقرير أن يزداد نشاط تنظيم داعش في أفغانستان، وأن يحاول تركيز هجماته على المناطق الحضرية، كما يرى التقرير أن عدم الاستقرار في أفغانستان قد يمتد إلى باكستان؛ حيث ستزداد جرأة الجماعات المسلحة في الداخل الباكستاني.

9– استمرار الجريمة والعنف السياسي في القارة الأمريكية:

توقَّع التقرير استمرار الجريمة المنظمة والعنف السياسي في القارة الأمريكية، وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، في ظل انتشار جائحة كورونا، وتآكل الدور الحكومي وسيادة القانون؛ ما سيؤدي إلى تعزيز شرعية المجموعات المسلحة في تلك الدول. واختص التقرير تطورات الأوضاع في مجموعةٍ من الدول، مثل كولومبيا وفنزويلا والولايات المتحدة التي ستشكل طبيعة الصراعات الإقليمية، وأشار إلى احتمالية استمرار عدم الاستقرار، خاصةً على الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة، وبين فنزويلا وكولومبيا، وهاييتي وفنزويلا.

10– تفاوت المسارات المتوقعة للصراعات العالمية

يلوح، في أوروبا وأوراسيا، خطر التصعيد العسكري في الأفق، حسَب التقرير الذي توقع أيضاً تدخلاً عسكريّاً روسيّاً مُحتمَلاً في المنطقة لحماية الأقليَّات التي تتحدث الروسيَّة؛ الأمر الذي يثير مخاوف حلف شمال الأطلسي ودول البلطيق. من جانبٍ آخر، فإنه مع تغيُّر الإدارة الأمريكية، والحديث عن عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي مع إيران، توقَّع التقرير انخفاض التوتُّرات في الشرق الأوسط، كما أن إدارة الرئيس بايدن ستسعى إلى موازنة القوى بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية، من خلال إجراء انتخاباتٍ حاسمةٍ لرسم خارطة الفترة المقبلة. وفيما يتعلق بالقارة الإفريقية، أكد التقرير أن حل النزاعات لن يكون ممكناً في ظل غياب المبادرات المتعلقة بحفظ السلام، والأمن والتنمية، ومواجهة التطرُّف..

وختاماً، أوضح التقرير أنه على الرغم من مساعي وقف إطلاق النار في أفغانستان وكشمير وميانمار وشمال شرق الهند؛ فإن فرص السلام المستدام لا تزال ضعيفةً في القارة الآسيوية، ومن جانب آخر فإنه عقب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، من المرجَّح أن تتدخَّل أطرافٌ إقليميةٌ في البلاد، مثل الصين والهند، على سبيل المثال، بهدف دعم جهود الاستقرار الإقليمي، لكنهما ستواجهان تحدياتٍ كبيرةً.

المصدر:

Armed Conflict Survey 2021, The International Institute for Strategic Studies (IISS), Routledge, September 21, 2021.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى