دراسات اقتصادية

خريطة مجموعة دول البريكس.. القوة الصاعدة في العلاقات الدولية

بقلم قاسمي عبدالسميع.

تكتل البريكس أو مجموعة البريكس BRICS، هي منظمة تأسست في عام 2006 تتكون من 5 دول هي البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب إفريقيا، و”البريكس” هي مختصر للحروف الأولى باللغة الإنجليزية للدول المكونة للمنظمة على النحو التالي البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب إفريقيا، أسست هذه الدول هذا التكتل لتعزيز التعاون الإقتصادي والسياسي والثقافي فيما بينها لتحقيق مصالحها المشتركة أبرزها تشكيل نظام اقتصادي متعدد الأقطاب قوي له القدرة على الصمود في وجه الصدمات الاقتصادية العالمية.

تأسيس مجموعة البريكس

في عام 2006 وعلى هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بدأت مراحل تشكل هذه المنظمة بمبادرة كل من وزراء خارجية الصين، البرازيل، الهند، روسيا ثم إنضمت إليها جنوب إفريقيا في سنة 2011، ويرى الكثير من الإقتصاديين أن التجسيد الفعلي لفكرة تكتل البريكس جاءت خاصة بعد الأزمة المالية العالمية لسنة 2008 التي عصفت بالكثير من الاقتصاديات المتقدمة في نظام اقتصادي عالمي هيمنت عليه الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة، حيث عقد رؤساء الدول الأربعة المؤسسة للتكتل قمة بروسيا سنة 2009 وأجمع هؤلاء القادة على ضرورة تأسيس نظام عالمي متوازن واتفقوا على تعزيز التعاون والتنسيق في كافة المجالات على رأسها المجال الإقتصادي.

دول البريكس في خريطة العالم

تكتل البريكس بالأرقام

تظهر قوة البريكس من خلال وتيرة نمو دولها السريعة وكذا عدم تصدع إقتصاديات هذه الدول بعد الأزمة المالية 2008 ، إضافة إلى ذلك القوة الديموغرافية للتكتل حيث يقطن مجموعة دول البريكس حوالي 3 مليارات نسمة بنسبة 42.1% من إجمالي سكان الأرض، كما تتربع هذه الدول على مساحة 39,7 مليون كم² بنسبة 29.8% من مساحة اليابسة العالمية، أما من الناحية الاقتصادية يبلغ رأسمال مجموعة “بريكس” ما يقرب من 200 مليار دولار تم تمريرها في عدة مشاريع مشتركة، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول البريكس سنة 2016 حوالي 16.4 تريليون دولار بنسبة 22.3% من الحجم العالمي.

كما تحتل اقتصاديات دول البريكس مراتب متقدمة على الصعيد الدولي على النحو الآتي: الصين الثانية عالمياً، الهند الرابعة عالمياً، روسيا السادسة عالمياً، البرازيل التاسعة عالمياً، جنوب إفريقيا الخامسة والعشرين عالمياً.

انفوجرافيك حول دور البريكس (سبوتنيك الروسية)

وتُظهر توقعات الخبراء طويلة الأجل إلى أن البريكس ستُسهم بحوالي 50% من أسواق الأسهم العالمية بحلول 2050، وسيتجاوز ناتجها المحلي الكلي مجتمعةً مثيله في الولايات المتحدة آفاق 2020، ورغم التباعد الجغرافي بين دول التكتل، فلا يجب إغفال الأهمية الجيوبولوتيكية لكافة هذه الدول التي تحتل مواقع إستراتيجية في خريطة العالم وتتوفر على موارد متعددة تحقق للبريكس تكاملا في عدة مجالات حيوية كالموارد الأولية والطاقة التي يبلغ حجم إنتاجها في دول البريكس 40.2% من الحجم العالمي.

وعلى الصعيد العسكري، تضمن تقرير لوكالة سبوتنيك الروسية حول تكتل البريكس أن حجم الإنفاق العسكري لدول التكتل تشكل 10.8% من حجم الإنفاق العسكري العالمي ولاشك أن هذه النسبة ستثير ريبة الغرب و خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وتشير كل المؤشرات على أن دول المجموعة لازالت تسعى لرفع سقف طموحاتها وحجم إنفاقها مجسدة ذلك في توسيع قاعدتها الصناعية العسكرية وتمويل البحوث التكنولوجية وتطوير القدرات العسكرية كما تجدر الإشارة هنا أن ثلاث دول من المجموعة وهي روسيا، الصين والهند تملك مجتمعةً حوالي 3060 رأس نووي (روسيا بحوالي 2800 رأس نووي) بنسبة تقارب 52% من الحجم العالمي وعليه فقوة دول البريكس لاتقتصر على الجانب الديموغرافي والإقتصادي فحسب بل حتى قدراتها العسكرية تشكل جزءاً كبيراً من قوة المجموعة.

تسعى هذه الدول إلى خفض التعاملات الدولارية بينها وخلق عدة مؤسسات اقتصادية خاصة بها مثل (البنك الجديد للتنمية)

 مجموعة البريكس ضمن السياسة الدولية

لم يقتصر التعاون بين مجموعة دول البريكس على الجانب الإقتصادي وحده، بل تجاوز ذلك إلى الجانب السياسي قصد تعظيم منافعها وزيادة جرعة تأثيرها في النسق الدولي، حيث أظهرت العديد من القضايا السياسية درجة التنسيق داخل هذا الكيان على غرار الأزمة السورية حين وقفت الصين مرارًا بجانب روسيا ضد الولايات المتحدة واستعملت أمامها حق الفيتو عدة مرات، وفي الفترة الممتدة بين 8 و10 يوليو 2015 عُقدت بجمهورية باشكورتوستان الروسية قمتين دوليتين لكل من منظمتي بريكس وشنغهاي للتعاون.

أسفرت عن عدة قرارات تَرجمت الموقف المشترك لدول البريكس إزاء العديد من القضايا السياسية الدولية، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب حيث دعت المجموعة توحيد الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب في إطار الاستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب، وفقا لقرارات الصادرة مجلس الأمن، وانتقدت بطريقة غير مباشرة التحالف الذي كانت تقوده الولايات المتحدة ضد مايسمى بداعش، إضافة إلى مواقف مشتركة تم التعبير عنها في إطار القمة، منها كيفية تسوية الأزمات الدولية الرهنة كالملف السوري والملف النووي الإيراني، وغيرها القضايا السياسية التي تشغل الرأي العام الدولي.

تتقاطع مصالح هذه الدول وأهدافها المشتركة في سبيل التحول نحو إقتصاد عالمي جديد وإرساء دعائم لنظام دولي متعدد الأقطاب

وكان من الواضح على إثر هذه القمة رغبة البريكس في إحداث تأثيرات في السياسة الدولية من خلال تفعيل أجندتها السياسية بجانب الأجندة الإقتصادية وكل ذلك بهدف كسر الهيمنة الغربية على النظام الدولي ورسم معالم نظام دولي متعدد الأقطاب تستطيع دول المجموعة التموقع فيه بارتياح تام.

أخيرًا، نصل مما سبق تفصيله إلى أن البريكس قوة صاعدة في العلاقات الدولية وذلك راجع إلى عدة عوامل ساهمت في ذلك، أهمها طبيعة الدول المشكلة للتكتل التي تملك منفردةً قدرات إقتصادية وعسكرية معتبرة، كما أن ثراء هذه الدول بالموارد والطاقات أسهم في خلق تنوع وتعدد في مصادر الطاقة والتصنيع، ومنه إلى تكامل في عدة ميادين رغم التباعد الجغرافي.

إضافة إلى ذلك عامل آخر وهو تقاطع مصالح هذه الدول وأهدافها المشتركة في سبيل التحول نحو إقتصاد عالمي جديد وإرساء دعائم لنظام دولي متعدد الأقطاب، حيث تم ترجمة هذه الأهداف في زيادة وتيرة التعاون التقني والإقتصادي. حيث تسعى دول “بريكس” إلى إنشاء كابل إنترنت خاص بها لتفادي عمليات التجسس الأمريكية على سبيل المثال لا الحصر، كما تسعى إلى خفض التعاملات الدولارية بين الدول الخمس وخلق عدة مؤسسات اقتصادية مثل (البنك الجديد للتنمية) لتعزيز وتنسيق التعاون بين دول المجموعة وتقوية عصبها الإقتصادي على الصعيد الدولي.

معلومات اضافية

ومن التحديات التي تواجه بريكس ضرورة تسريع الإصلاحات، وتحقيق مهمة تدويل عملاتها المحلية. لذلك فإن تدعيم التعاون النقدي بمختلف المستويات يمثل حاجة مشتركة بين دول المجموعة لتدويل عملاتها المحلية.

وقد تنوعت القضايا التي تتناولها اجتماعات بريكس، وتعددت لتشمل التحديات الدولية متمثلة في الإرهاب الدولي وتغير المناخ والغذاء وأمن الطاقة ومشاكل التنمية والأزمة المالية العالمية.

وساهمت ثلاث قمم واجتماعات لوزراء الخارجية والمالية والزراعة والصحة وقطاعات أخرى في تعزيز أواصر التعاون بين دول بريكس.

وفي المستقبل سيكون بإمكان الدول الخمس عقد الصفقات وتبادل أسناد القروض عبر تأسيس آليات نقدية ثنائية أو بين الدول الخمس، وتأسيس قاعدة تعاون استثمارية وتجارية مشتركة، وتأسيس منظومة تعاون نقدية متعددة المستويات بين دول المجموعة، وبذلك يمكن من خلال إطار التعاون المالي بين دول المجموعة دفع احتساب التجارة بالعملة المحلية، والتوسيع المستمر لنطاق ومجال تبادل اعتماد العملة المحلية بالعلاقات الثنائية أو متعددة الأطراف بين الدول الخمس، الأمر الذي سيسهل المبادلات التجارية والاستثمار بين دول المجموعة، ويدفع بالتعاون والاستثماري المشترك بينها.

وترى مجلة إيكونوميست البريطانية أن دول بريكس إذا ما تخلت عن سدس احتياطيها يمكنها تأسيس صندوق بحجم صندوق النقد الدولي.

وقد وفرت العملات والأصول الأجنبية حماية وأمانا ضد الكساد الكبير، وساعدت بريكس لتصبح قوة مالية علاوة على كونها قوة اقتصادية في وقت تناضل فيه معظم الدول الغربية من أجل كبح جماح العجز في ميزانياتها وارتفاع ديونها.

وتعتبر مستويات الدين العام لبريكس متواضعة ومستقرة في الغالب باستثناء الهند. وقد ترجم هذا الأداء الاقتصادي إلى أنواع مختلفة من النفوذ.

ولعل برامجها للتنمية ومحاربة الفقر تحتل مرتبة أعلى باهتمامات أعضاء بريكس منها في الدول الغربية. وهذه الدول تحاول تنويع اقتصاداتها وتتحدى الأفكار الغامضة للعولمة.

إن النظام الدولي والمؤسسية الدولية التقليدية القائمة اتسما بدرجة من المرونة النسبية، التي كفلت استيعاب الدول/ المجموعات الدولية الصاعدة، مادامت قبلت الأخيرة بقواعد العمل والمعايير المستقرة في السياسات الدولية، حتي في الفترات التي حظي فيها عنصر “التشابه الأيديولوجي” بأولوية كبيرة – مثل مرحلة الحرب الباردة – كمحدد في توجهات العلاقات والمعاملات الدولية.إلا أن انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة أفقدا هذا العنصر أهميته، باستثناء عدد محدود جدا من الدول التي لا تزال خاضعة لنظم أيديولوجية.

إن قراءة دقيقة لطبيعة مجموعات الدول الصاعدة، من حيث علاقاتها بالولايات المتحدة، أو من حيث مستوي الاتساق القائم فيما بينها، أو من حيث رؤيتها للنظام الاقتصادي الدولي، أو من حيث هيكل توزيع القدرات العسكرية، تشير إلي أن هذه المجموعات لا تمثل تهديدا آنيا للنظام الدولي القائم. وسنشير فيما يلي إلى عدد من الملاحظات المهمة في هذا الإطار :

1.سيطرة الطابع الاقتصادي علي هذه المجموعات، بينما تأتي الأجندة الأمنية والإستراتيجية في ترتيب تال أو متأخر نسبيا. وبمعني أدق، لم تبلور هذه المجموعات أجندة أمنية – إستراتيجية متكاملة تجاه النظام الدولي حتى الآن.

2.يصدق ذلك علي مجموعة البريكس، كما يصدق علي مجموعة العشرين. وعلي سبيل المثال، تولي مجموعة العشرين الاهتمام الأكبر بقضايا تدور بالأساس حول فهم ومعالجة أسباب الأزمات المالية والاقتصادية العالمية، وتشجيع الالتزام بالاقتصاد العالمي المفتوح، وحرية التجارة والاستثمار باعتبارها شرطا أساسيا للنمو، ومحاربة الحمائية التجارية، وإصلاح المؤسسات المالية الدولية، خاصة صندوق النقد والبنك الدوليين، وإصلاح سوق المال العالمية، من خلال تعميق مبادئ الشفافية والمحاسبية، والرقابة علي الأسواق، والإشراف علي مؤسسات الإقراض، وتجنب الممارسات الاحتكارية، وتشجيع تبادل المعلومات. كما أولت المجموعة اهتماما ملحوظا بمشكلة عدم التوازن الاقتصادي والمالي العالمي علي صعيد مؤشرات الاقتصاد الكلي، خاصة التفاوت الضخم بين العجز والفائض التجاري، والتفاوت في معدلات النمو الاقتصادي

وقد نجحت المجموعة في تحقيق إنجازات مهمة علي صعيد هذه الأهداف، كان أبرزها ما تم التوصل إليه في قمة سيول (11-21 نوفمبر 2010). فقد أرست القمة ما عرف بـ”توافق سيول حول المشاركة في النمو”، والذي وضع مجموعة من المبادئ المهمة التي يجب أن تحكم سياسات النمو الاقتصادي علي المستويين العالمي والوطني، في اتجاه إعادة صياغة وبناء المفاهيم الأساسية التي يقوم عليها النظام الاقتصادي العالمي، وفي اتجاه تعميق مفاهيم العدل والتوازن والشراكة.

المشكلة الأخيرة تتعلق بالعلاقة بين مجموعة العشرين ومجموعة “بريكس”. تبرز هذه المشكلة في ضوء عاملين أساسيين، الأول هو التشابه الكبير فيما يتعلق بالأهداف المعلنة للمجموعتين. فعلي الرغم من أن مجموعة العشرين تتجاوز في عضويتها مجموعة الدول الصاعدة الخمس داخل “البريكس”، فإنه يمكن القول إن الأهداف الأساسية التي تسعي إلي تحقيقها الدول الصاعدة من وراء مجموعة العشرين لا تختلف جوهريا عن الأهداف المعلنة لمجموعة “بريكس”. وتدور هذه الأهداف حول تصحيح اختلالات النظام المالي الدولي وأسواق المال والتجارة الدولية، علي نحو ما سبقت الإشارة إليه.

العامل الآخر يتعلق بهيكل عضوية مجموعة “بريكس”، والتي تضم خمس دول فاعلة داخل مجموعة العشرين، الأمر الذي يثير التساؤل حول جدوي ومبرر تأسيس مجموعة أخري منفصلة للدول الخمس نفسها. كما أن هناك عددا من الدول الصاعدة الأخري داخل مجموعة العشرين، مثل تركيا وكوريا الجنوبية والمكسيك، لا تتمتع بعضوية مجموعة بريكس حتى الآن. يشير ذلك إلي إمكانية اعتماد المنهج الإقصائي داخل الاقتصادات الصاعدة، ومن ثم تكريس الخلافات فيما بينها، الأمر الذي سينعكس في التحليل الأخير علي قوة ودرجة التناغم والتنسيق بين هذه الاقتصادات.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى