دراسات سياسية

خطوات تغيير القيادة السياسية وهدم وتغيير نظام السياسي وبناء نظام سياسي جديد

Steps of Leadership and Political System Change

الأستاذ الدكتور كمال محمد محمد الأسطل Prof Dr. Kamal M AlAstal

تقديم

سبق أن ناقشنا موضوع القيادة السياسية في غير هذا الموضع وذكرنا فيما بعد أن ذلك يتضمن بطريق غير مباشر موضوع وصول القادة إلى الوضع القيادي ، أما الوجه الثاني للمشكلة وهو موضوع تغيير القيادة السياسية وانتقال مركز القوة السياسية فهو ما سوف نناقشه هنا ، وفي الحقيقة فإنه كما سبق ذكره فإن الكلام على أحد الوجهين يتضمن عادة الكلام ولو بطريق غير مباشر عن الوجه الثاني .

وكما هو الحال بالنسبة للموضوعات الخاصة بالقوة والقيادة فإن هذا الموضوع يثار بشأنه كثير من الخلافات ويتعدد بخصوصه الآراء ووجهات النظر حسب الإطار المرجعي للكاتب.

أولا: وجهة نظر أرسطو في التغيير القيادي ودورة الحكام

يرى أرسطو أن هناك بعدين رئيسين لتقسيم النظم السياسية وهما صلاحية أو فساد الحكم  التي تهدد أفراد الطبقة الحاكمة ، وطبقاً لهذين البعدين يقسم أنواع الحكم إلى ستة أنواع كالآتي :

تقسيم أرسطو للنظم السياسية

صلاحية الحكم صالح

( لخير الوطن كله )

فاسد

( لخير الحاكمين فقط )

عدد المشتركين

فرد واحد

ملكية حكم الطاغية واستبداديته
عدد قليل من الأفراد أرستقراطية أوليجاركيه
عدد كبير من الأفراد جمهورية الغوغاء

ويرى أرسطو أن كل نظام حكم صالح يفسد مع مرور الزمن فينقلب إلى النظام المقابل له ويترتب على ذلك قيام ثورة تأتي بالنظام التالي للنظام الصالح السابق ، وأن النظام في كل دولة يمر بكل هذه المراحل في شكل مستمر متكرر فالملكية إذا فسدت تصبح استبدادية فيؤدي ذلك إلى ثورة يقودها فئة صغيرة من خيرة الشعب يقيمون نظام حكم أرستقراطي يعمل لخير الشعب ولكن هذه الحكومة الأرستقراطية تفسد بعد فترة من الزمن فتصبح حكومة أوليجارية مما يؤدي إلى ثورة شعبية يترتب عليها أن يتولى الشعب بنفسه الحكم ويقيم نظام ديموقراطي ، إلا أن هذا النظام سرعان ما يتحول إلى حكم الغوغاء التي يسودها الفوضى وعدم النظام فيظهر شخص قوي حازم يقضي على الفوضى وعلى الحكم القائم ويقيم حكم الفرد الصالح أو الملكية  وهنا تبدأ الدورة من جديد .

ثانيا:وجهة نظر كارل ماركس في نشأة وسقوط الطبقة الحاكمة

يرى ماركس أن نشأة الطبقة الحاكمة وسقوطها يعتمد على التغيير في التكنولوجيا وفي ملكية أدوات الإنتاج وأنه يأتي نتيجة لصراع الطبقات المترتب على ذلك والذي يعتبر القوة الأساسية التي يترتب إليها التغيير السياسي .

ثالثا: وجهة نظر أصحاب نظريات الصفوة Elite

 أما نظريات الصفوة فإنها عندما تحاول مواجهة مشكلة تغيير الصفوات فإنهم يضطرون إما إلى التسليم بفكرة الانهيار المتكرر للصفوة ( مثل باريتو) أو تبني فكرة ظهور قوى اجتماعية جديدة ( مثل موسكا) .

ولشومبيتر رأى آخر في هذا الخصوص فقد أكد شومبيتر عند معالجته موضوع انهيار الطبقات أن التأثير الأعظم في هذا المجال يأتي عن طريق التغييرات البنائية المؤثر على وظائف جماعات الصفوة وذلك أن وضع كل طبقة داخل البناء الاجتماعي العام يتوقف على الأهمية المخلوعة على وظيفة هذا الوضع من ناحية وعلى درجة نجاح الطبقة في أداء هذه الوظيفة ناحية أخرى .

رابعا: كارل بيك والربط بين المهنة والقيادة

أما كارل بيك فقد خرج من دراسته للقيادة السياسية لدول شرق أوروبا بأن هناك ارتباط كبير بين نوع المهنة الموصلة إلى القيادة و الظروف القائمة في المجتمع ، أي أن لكل أوضاع معينة نوع معين من القيادة السياسية .

وقد يكون من الأفضل هنا أن نركز الحديث على تغيير السلطة السياسية بدلاً من تشتيته حول تغيير القيادة وانتقال مركز القوة السياسية بصفة عامة وهنا يجب علينا أن نفرق بين نوعين من طرق تغيير القيادة أو انتقال السلطة السياسية  بالطرق السلمية وبالطرق العنيفة وفيما يلي شرح موجز لكلا النوعين :

أولا: الطرق السلمية لتغيير القيادة السياسية : عناصر مقترحة للمقارنة

قد يتم تغيير القيادة السياسية أو نقل مركز القوة السياسية بطرق سلمية في نطاق القانون والعرف السائد أي دون استخدام العنف أو إراقة الدماء بشكل ملحوظ وواضح ، وهذه الطرق السلمية يمكن تقسيمها حسب ما إذا كان يؤخذ برأي غير القادة أو المحكومين من عدمه إلى نوعين هما:

 -1-الطرق الأوتوقراطية

 -2 –والطرق الديمقراطية.

 وفيما يلي شرح موجز لهذين النوعين من الطرق السلمية :

أولاً: الطرق الأوتوقراطية  لتغيير القيادة السياسية: Autocratic Methods

في هذه الطرق لا يترك للمحكومين حق اختيار الحكام، ولا يؤخذ رأيهم في ذلك ،وإنما يعين الحكام عادة بالوراثة أو الاستخلاف والأيلولة .

(1) بالنسبة للوراثة:  تنتقل السلطة من السلف إلى الخلف لكون الأخير هو وريث شرعي أي أن صاحب السلطة الجديدة لا يحصل على السلطة لكفاءته أو لثقة الشعب فيه إنما لحقه الشرعي المستمد من الإرث . .

ويرى البعض أن أهم مميزات الوراثة هو أنها تأتي بأشخاص لا حزبيين عادة لهم فرصة في أن يكونوا محايدين بين الفئات والأحزاب المتنازعة بتربية خاصة منذ نشأتهم تساعدهم على ممارسة القوة وبسبب طول مدتهم تكون فرصتهم أكبر في الحصول على الخبرة . وأهم ما يؤخذ على طريقة الوراثة أنها منافية للروح الديموقراطية بأنها تضع السلطة السياسية في يد شخص لا تدخل للمحكومين في اختياره كما أنه قد يكون شخص غير صالح ولكن المحكومين كما أنهم لا يملكون حق منع حصوله على السلطة لا يملكون أيضاً حق تغييره .

(2) أما بالنسبة للاستخلاف أو الاختيار الذاتي فهو أن يختار القائد من يخلفه في منصبه القيادي ويتولى السلطة من بعده .

(3)  وفي حالة الأيلولة يتولى نائب القائد أو الرئيس أو من له الحق القانوني ( ولكن ليس الميراث ) السلطة في حالة وفاة القائد أو عجزه المفاجئ عن العمل وتختلف الحالة الأخيرة عن الحالة الأولى بأن اختيار القائد لخلفه ليتولى المنصب يكون في الحالة الأولى صريح مباشر ودائم أما في الحالة الأخيرة فهو غير صريح وغير مباشر ومؤقت.وبالرغم من أن طريقة الاستخلاف والأيلولة مثل طريقة الوراثة من حيث مجافاة كل منهما للديموقراطية فإن طريقة الاستخلاف والأيلولة تمتاز عن طريقة الميراث أو وراثة السلطة في أنها تقوم على مبدأ الاختيار ولو حتى بواسطة شخص واحد ..

ماهي العقبات التي قد تواجه القائد الذي يتولى السلطة عن طريق الأيلولة او الاستخلاف

وعند تغيير القيادة السياسية خصوصاً عن طريق الأيلولة وكذلك في حالة الاستخلاف نجد أنه من العقبات المهمة التي قد تواجه القائد الجديد هي:

(1)   احتمال عدم قبوله من الآخرين وتعاونهم معه ، ويرجع عدم القبول إلى أن الأشخاص في المستوى القريب من القيادة يكون لهم علاقات شخصية، ومميزات معينة تقررت في ظل القائد السابق، ويرون المحافظة عليها وأن تغيير القيادة قد يهددهم، وقد يرجع ذلك إلى وصول شخص إلى الوضع القيادي يعتبرون أنفسهم مساوين له ، أو أنهم أحق منه في القيادة وأنه أقل منهم ،

(2)    كما يرث القائد الجديد تركة مثقلة بالمشاكل والالتزامات والوعود من عهد سلفه ،

(3)    ويرث أيضاً جو العمل بما فيه من تنظيم غير رسمي قد يختلف كثيراً عن التنظيم الرسمي الذي سوف يعمل في ظله من الجانب القانوني .

لذلك فعلى القائد الجديد أن يتخذ الخطوات اللازمة لتهيئة الجو المناسب من جانبه لقبوله من الجماعة وفي الحقيقة فإن سلوكه في الأيام الأولى يتوقف عليه نجاحه في كسب معركة القبول. حيث تكون تصرفاته كلها موضع ملاحظة بدقة ، كما لابد له أن يكون مدركاً لمشاعر الانتماء التي تربط أفراد الجماعة بسلفه ،والتي قد تؤخر عملية قبولهم لقيادته، وبقائهم في حالة تردد وانتظار لمعرفة سياسته، خصوصاً تجاههم وعليه أن يثبت جدارته ، وأن يسعى لتغيير اتجاهات الآخرين لصالحة ، ومن ناحية أخرى فإن على القائد الجديد أن يلم بحقائق الوضع داخل الهيكل القيادي أو الجماعة والمجتمع، فيجب عليه أن يعلم بكل أسرار العمل والعلاقات الرسمية و غير الرسمية، وعليه أن يعمل على تصفية التركة التي ورثها عن سلفه وأن يحسن تصفيتها بدون إثارة في خلال فترة الانتقال على الأقل .

ثانياً: الطرق الديمقراطية لتغيير القيادة السياسية Democratic Methods : عناصر للمقارنة

في هذه الطرق يتم الاحتكام إلى الشعب وممثليه نيابة عنه لاختيار القيادة الجديدة التي تنقل إليها القوة السياسية كما هو في حالة اختيار رئيس الجمهورية بواسطة الشعب وممثليه وتعرف هذه الطرق بالانتخاب. والطرق التي تجري على أساسها الانتخابات تتمثل في التمثيل النسبي أو نظام الدوائر والتصويت والأغلبية المطلوبة للفوز في الانتخابات .

الطرق العنيفة في تغيير القيادة السياسية

 Violent Ways in Changing the Political Leadership

يمكن أن نميز بين ثلاث طرق عنف رئيسية في تغيير القيادة السياسية وهذه الطرق الثلاث هي:

1-الانقلاب ،

2- الانقلاب الثوري ،

3-والثورة .

أولا: الانقلاب Coup d’état

أولا: بالنسبة للانقلاب فيمكن تعريفه بأنه انتقال السلطة من يد فئة قليلة إلى يد فئة قليلة أخري تنتمي إلى نفس طبقة الفئة الأولي التي كانت تحكم أو تسيطر على الحكم عن طريق استخدام وسائل العنف الرسمية مثل الجيش والبوليس دون أن يؤثر ذلك على توزيع القوة السياسية في المجتمع ودون أن يؤثر ذلك على توزيع عوائد النظام السياسي .

ثانياً: الانقلاب الثوري وهو انتقال السلطة من يد فئة قليلة إلى يد فئة قليلة أخرى ولكنها ليست من نفس طبقة الفئة الأولى التي كانت في الحكم عن طريق استخدام وسائل العنف الرسمية مثل الجيش والبوليس دون أي اشتراك فعلي من جانب الشعب في عملية انتقال السلطة من الفئة الأولى إلى الفئة الثانية ، ولكن مع تغيير في توزيع القوة السياسية في المجتمع وفق توزيع عوائد النظام السياسي لصالح قطاعات أوسع من جماهير الشعب .

ثالثاً: الثورة : هي انتقال السلطة السياسية من فئة قليلة ليد جماهير الشعب بعد حركة اجتماعية ثورية نتيجة لتوترات داخل النظام السياسي يترتب عليها انفجار شعبي يحطم النظام السياسي القائم ويؤدي إلى استيلاء الجماهير على السلطة السياسية وعمل تغيير مفاجئ ، وسريع في توزيع القوة السياسية في المجتمع وفي توزيع عوائد النظام السياسي لصالح قطاعات أكبر من الشعب .

ويمكن إجمال خصائص الثورة في أنها :

1-حركة لجماعة تمثل قطاعاً كبيراً من المجتمع ضد جماعة أخرى أصغر منها مسيطرة على القوة السياسية فيه .

2-أنها تتضمن إلغاء وسائل المصالحة والمهادنة والحلول النصفية للمشاكل وتؤمن بفكرة التصفية والعمل المباشر الجذري .

3-أنها تأتي بتغيير سريع مفاجئ في توزيع عوائد النظام السياسي وفي توزيع القوة السياسية في المجتمع وفي نسق المعتقدات بما يتمشى مع التوزيع الجديد للعوائد والقوة السياسية ومن أمثلة الثورات الثورة الفرنسية والثورة الروسية والثورة الصينية .

ما الذي يدفع القوات المسلحة للمشاركة في الانقلابات والاستيلاء على السلطة؟

قلنا أن من الحالات التي تنتقل فيها السلطة السياسية أو تغير فيها القيادة بطرق العنف حالتي الانقلاب والانقلاب الثوري التي تستخدم فيها القوات المسلحة الرسمية للدولة ويحدث ذلك عادةً في الدولة النامية والمتخلفة وقد يكون السبب في الاعتماد على القوات المسلحة الرسمية في أحداث عملية التغيير هو أن الحكومات الحديثة أصبحت تملك وسائل العنف بما هو كفيل بإعاقة أية قوات غير رسمية من الاستيلاء على الحكم وإعاقة قيام الثورة أو حتى إفشالها.

ويرجع الدور الذي أصبح يقوم به العسكريين في عملية تغيير القيادة السياسية إلى ثلاث عوامل أساسية:

 العامل الأول هو: القوة التي يتمتع بها العسكريون.

 والعامل الثاني هو: ازدياد فرصتهم للتدخل في الحكم،

 أما العامل الثالث فهو وجود مغريات لتدخلهم في السياسة .

1-   وبالنسبة للعامل الأول وهو قوة العسكريين فأن ذلك يرجع إلى ثلاث مزايا رئيسية يتمتع بها العسكريين بمقارنتهم بالمدنيين .

 أولا: أول هذه المزايا التفوق في التنظيم الناتج من المركزية في قيادة الجيوش ، وتوفر وسائل الاتصالات الحديثة لهم ، بالإضافة إلى الطاعة شبه التامة للمرؤوسين للرؤساء .

وثانياً: الوضع المعنوي الممتاز الذي يتمتع به الجنود أو ما يسمى بفضائل العسكريين مثل الشجاعة والتضحية .

ثالثاً: احتكار السلاح إذ ليس في المجتمع أي فئة أخرى لديها من السلاح ما يوازي أو يضارع ما لدي القوات المسلحة الرسمية في الدولة .

2-   أما بخصوص العامل الثاني وهو ازدياد الفرص أمام العسكريين للاستيلاء على السلطة. فيرجع ذلك بصفة عامة إلى عملين أساسيين:

 العامل الأول: هو ازدياد اعتماد المدنيين على العسكريين نتيجة للتطورات التي حدثت في الظروف الدولية والداخلية ،

 والعامل الثاني: هو ازدياد شعبية الجيوش الحديثة التي أصبحت رمزاً لاستقلال الدولة وقوتها وعظمتها.

 يضاف إلى ذلك أسباب خاصة بالدولة النامية وهي زعزعة الشرعية في حكومات تلك الدولة نتيجة لعجزها عن تحقيق أماني شعوبها .. ثم   استخدام الجيوش في تلك الدول كأداة في السياسة مما يجعل عندهم استعداد لممارسة مثل ذلك العمل ويقلل من فكرة الاحتراف العسكري التي قد تمنعهم من التدخل في السياسة .

3-   أما عن العامل الثالث وهو مغريات تدخل العسكريين في الحكم فيكن تقسيمها إلى نوعين النوع الأول: مغريات عامة ، والنوع الثاني مغريات خاصة .

أولا: بالنسبة للمغريات العامة: وترجع إلى ما يتصف به الجنود من أنهم حماة المجتمع والوطن وعلامة استقلاله، وأنهم غير منحازين لفئة معينة فيه، وإنما يمثلون وحدته ومصالحه الوطنية.

ثانيا:  أما بالنسبة للمغريات الخاصة: فهي الوصول إلى السلطة والتمتع بالمزايا الناتجة عن ذلك.

وفي الحقيقة فإن كلاً من النوعين من المغريات له تأثيره في دفع العسكريين إلى التدخل في الحكم وأن اختلفت أهمية كل واحد منهما في المجالات المختلفة كما أنه توجد أيضاً مواقع قد تحد من تدخل العسكريين في الحكم مثل الاحتراف والخوف من ضعف القدرة القتالية للجيش بسبب انشغال الجنود بالسياسة . وعلى كل حال فإن تدخل العسكريين في الحكم يتوقف على مدى رغبتهم أو عدم رغبتهم في التدخل، أو عدم وجود فرصة أمامهم للتدخل ، فإذا لم تكن هناك رغبة في التدخل ولا فرصة للتدخل فعادةً لا يحدث التدخل. أما إذا كان هناك رغبة في التدخل وكان هناك أيضاً فرصة للتدخل فعادةً يحدث التدخل وينجح،  بينما إذا لم يكن هناك رغبة في التدخل ولكن هناك فرصة للتدخل فقد يحدث أو لا يحدث التدخل ، وإذا كانت هناك رغبة في التدخل ولكن ليس هناك فرصة للتدخل فإنه إذا حدثت محاولة من العسكريين للتدخل في الحكم فقد تنتهي بالفشل . ويتوقف مدى تدخل العسكريين في الحكم من مجرد التأثير إلى الاشتراك في الحكم ، إلى ممارسة الحكم المباشر على القيم السائدة والظروف المحيطة.

ثانيا: الثورة Revolution

 يمكن تعريف الثورة  بأنها عبارة عن حركة هدم – عادة بالعنف – سريعة وشاملة للنظام السياسي والاجتماعي القديم وبناء نظام جديد ليحل محله يتمشى مع مصالح جماهير الشعب ورغبتهم . أما الإصلاح والتطوير فهما عملية ترميم – عادة سلمية –للنظام القديم أو استبدال تدريجي لبعض أجزائها وعمل بعض الإضافات عليه بما يؤدي إلى نوع من التوافق بين المصالح المتعارضة دون إزالة النظام القديم نفسه، ويمكن إيجاز الفرق بين الثورة من ناحية والإصلاح والتطوير من ناحية أخرى في الآتي:

الفرق بين الثورة والإصلاح  Revolution and Reform

أولاً: وسيلة التغيير : التطوير والإصلاح يأتي بالوسائل السلمية أما الثورة فإنها تأتي عادة باستخدام العنف الشعبي.

ثانياً: وضع النظام القديم في حالة الإصلاح والتطوير: يستمر النظام وتدخل عليه بعض التعديلات والإضافات أما في حالة الثورة فيتم القضاء على النظام القديم وبناء نظام جديد ليحل محل النظام القديم .

ثالثاً: سرعة التغيير : التغيير الذي يأتي نتيجة التطوير تلقائي أو تتم  حركة إصلاح بشكل بطيء وبتدرج منتظم خلال فترة من الزمن طويلة نسبياً ، أما التغيير الذي تأتي به الثورة فإنه يتم بسرعة وفجائية .

رابعاً: مدى ونطاق التغيير : التطوير الذي يأتي نتيجة للتطوير أو بحركة إصلاحية يكون عادة محدود النطاق والمدى ،أما التغيير الذي يأتي نتيجة للثورة فإنه يكون شامل وجذري .

خامساً: المستفيد الأول : المستفيد الأول من الثورة هي جماهير الشعب عامة أما المستفيد الأول من التطوير والإصلاح فغير ممكن تحديده بالضبط ويختلف من حالة إلى أخرى .

والسؤال الذي قد يطرح نفسه عند الحديث عن هذا الموضوع هو هل من الممكن أن يغني الإصلاح عن الثورة؟  ويرى البعض أن الإجابة على ذلك هي بالإيجاب بشرط ألا تكون أسس النظام القديم قد انهارت تماماً بحيث لم يعد الإصلاح مجدياً إلا أنه أحياناً حتى في مثل هذه الظروف قد يكون الإصلاح نفسه غير ممكن والسبب في ذلك كما يقول “هارولد لاسكي” هو سيطرة الخوف على الطبقات صاحبة الامتيازات في النظام القائم حرصاً على امتيازاتهم وقد يتصور لهم أن التنازل عن جزء من هذه الامتيازات يفتح الباب لتنازلات أخرى يحرصون على عدم التنازل عنها ، ونتيجة حرصهم على السلطة التي في أيديهم وعلى امتيازاتهم فإنهم يقاومون الإصلاح نفسه بالقوة بالرغم من أن ذلك ينتهي على غير صالحهم فذلك الخوف يفقدهم الحكم السليم على الأمور.

عناصر مقترحة للمقارنة لأسباب الثورات طبقاً لآراء الفلاسفة والعلماء Scholars’ Views about Reasons of Revolution

  لقد ذكر الفلاسفة وعلماء السياسة والاجتماع العديد من الأسباب التي يرون أنها تؤدي إلى الثورة ومن الملاحظ أن كل واحد منهم يحاول أن يقدم نظرية لتفسير هذه الظاهرة المعقدة عن طريق تركيز الانتباه على بعض ، وليس كل جوانب الظاهرة وفي الحقيقة هناك نظرية واحدة متكاملة تفسر لنا هذه الظاهرة وتوضح كل أسبابها.

(1) فيرى أرسطو أن السبب الأساسي للثورة هو الانفصال بين ملكية القوة الاقتصادية وملكية القوة السياسية ولقد أيد بعض العلماء في العصور الحديثة هذه النظرية وأثبتوا صحتها بالنسبة للثورة الفرنسية وبعض الثورات البرجوازية الأخرى ففي الفترة التي سبقت قيام الثورة الفرنسية فقد الإقطاعيين أو الأرستقراطيين سيطرتهم الاقتصادية على الطبقة البرجوازية النامية بينما احتفظوا باحتكارهم للسلطة السياسية ولم يشركوا الطبقة المسيطرة اقتصادياً معهم في السلطة بما يتناسب مع سيطرتهم الاقتصادية ، ولقد ولد ذلك عدم الرضا في نفوس أعضاء هذه الطبقة الجديدة فعملت على تغيير الأوضاع القائمة ، ولكون أن الطبقة البرجوازية أكثر عدداً من الأرستقراطية وأنها أقرب إلى جماهير الشعب من هذه الأخيرة لأنها خرجت من بينهم ، لذلك فقد تمكنت من قيادة الجماهير في حركة ثورية ضد سيطرة الطبقة الأرستقراطية .

(2) أما كارل ماركس فإنه يرجع أسباب الثورات إلى الاستغلال الاقتصادي الذي تمارسه الطبقة المالكة لأدوات الإنتاج  ضد الطبقات الأخرى غير المالكة ، وما يترتب عليه من صراع طبقات فينقسم المجتمع طبقاً لعلاقات الإنتاج إلى طبقة مستغلة (بكسر الغين) وطبقة مستغلة (بفتح العين) وإن اختلفت الصور طبقاً للزمن.

(3) وهناك أصحاب نظرية التوازن الاجتماعي مثل بارسونر والسون ودانيال بيل وغيرهم ، وهم يرجعون الحركات الاجتماعية الثورية إلى انهيار القيم الاجتماعية التي هي في نظرهم العامل الأساسي الذي يربط أجزاء المجتمع ببعضها ، وإلى عدم تناسق المراكز الاجتماعية نتيجة للتغييرات في البناء الاجتماعي ويرون أن من الأسباب التي تؤدي إلى ذلك النمو الاقتصادي السريع والتدهور الاقتصادي الملحوظ ، والتصنيع السريع ونمو العمران السريع حيث يترتب على الأخيرين هجرة الأفراد واقتلاعهم من نظام قيم اجتماعية إلى نظام قيم اجتماعية أخرى مختلفة عن الأولى يصعب عليهم تقبلها بسهولة وغيرها من العوامل التي تؤدي عليها انهيار القيم الاجتماعية وإحداث تغييراً في البناء الاجتماعي وعدم تناسب بين الوضع المادي والمركز الاجتماعي وفقدان الشرعية في النظام القائم نتيجة لتغير النظرة إليه نتيجة لتغير القيم الاجتماعية.

(4) أما أصحاب نظرية المجتمع الجماهيري مثل وليم كوزنهوزر ، فإنهم يركزون اهتمامهم على ظهور حالة التسيب في المجتمع ، التي يرجعونها إلى أسباب عدة ومن تلك الأسباب عدم استمرارية السلطة الناتج من الانتقال المفاجئ من حكم أرستقراطي إلى حكم ديموقراطي ، وتقطع أوصال المجتمعات المحلية النتائج من التصنيع السريع والنمو السريع للعمران ، ثم تقطع أوصال المجتمع ككل الناتج من الكساد الاقتصادي أو الهزيمة في الحرب ، وما قد يصاحب ذلك من انهيار أو ضعف أو عدم فاعلية الجماعات الوسيطة الموالية للنظام السياسي القائم أي التي تتوسط العلاقة بين قادته والجماهير مثل الأحزاب السياسية والجمعيات السياسية ، مما يجعلها غير قادرة على تأدية وظيفتها في النظام السياسي المتمثلة في الضبط الاجتماعي وتوصيل رغبات الجماهير للقادة والحصول على تأييد الأولين للآخرين . إذ ترتب على ذلك أن تصبح العلاقة بين القيادة السياسية والجماهير مقطوعة من ناحية ومباشرة من ناحية أخرى فهي مقطوعة بسبب عدم وجود قناة اتصال تصلهم بعضهم  ببعض وهي مباشرة لعدم وجود حاجز بين الجماهير والقادة فيترك قادة النظام بدون شيء يحميهم من تدخل الجماهير المباشر في الحكم في شكل مظاهرات ، كما تترك الجماهير بدون شيء يحميها أو يرشدها ضد تدخل القادة المغامرين لتجنيدهم في حركات اجتماعية ضد النظام القائم ونود أن نلفت النظر إلى أن النظريتين الأخيرتين وهما نظرية التوازن الاجتماعي والقيم ونظرية المجتمع الجماهيري هما نظريتان محافظتان تنشدان الاستقرار السياسي أكثر من الثورة ولذلك يجب أن يفهمها في نطاق الإطار المرجعي لأصحابها ، وإن ينظر إليهما على أنهما تفسير محافظ للثورة .

(5) أما جيمس ديفز فيرى أن النظام السياسي يصل إلى لحظة احتمال قيام الثورة  فقط عندما يمر بفترة طويلة من التقدم والرخاء الاقتصادي الفعلي يعقبها فترة قصيرة من الركود والتدهور الاقتصادي .. فالفترة الطويلة من التحسن والرخاء تولد توقعات عن استمرار الازدهار ، بينما يترتب على الفترة القصيرة من الركود أو التدهور الاقتصادي نوع من الخوف بأن الأرض التي اكتسبت أو المكاسب التي تم تحقيقها خلال فترة من الزمن سوف تفقد سريعاً ، وهذا يولد الثورة في النفوس .

(6) وهناك نظريات عديدة عن أسباب الثورات إلا يتسع المجال لذكرها جميعاً فمثلاً يرجع “كارل دوتش” الثورة إلى عدم التوازن بين مقدرة الحكومة وأعبائها بينما يرجعها “هاري ايكستين” إلى عدم تناسق أنماط السلطة في المستويات الاجتماعية المختلفة .

1-  الحرمان الاقتصادي والثورة السياسيةEconomic Deprivation and Political Revolution

      نحن نرى أنه ليس هناك سبب واحد للثورات وأن هناك عوامل متعدد ومتشابكة وراء قيام كل ثورة ، ولكننا نميل إلى تفسير الثورات على أساس عدم مقدرة النظام السياسي الذي قامت ضده الثورة على إشباع حاجات المواطنين وتحقيق الأهداف السامية التي ينشدونها كجماعة سياسية أما بسبب عجز النظام السياسي عن القيام بذلك أو عدم رغبة قيادته في ذلك ، ومن هنا فإننا نرى أن الحرمان الاقتصادي سبب رئيسي من أسباب الثورات .

ونقصد بالحرمان الاقتصادي هنا عدم تيسر الحصول على القيم الاقتصادية بالنسبة لمجموعة أو مجموعات من أفراد المجتمع بالمقارنة بمجموعة أو مجموعات أخرى ، وبمعنى آخر فإن أفراد المجتمع يشعرون بالحرمان الاقتصادي إما لأن الموارد المتاحة لهم غير كافية بصفة مطلقة أو لان القيم المتاحة لغيرهم غير متاحة لهم ومن هنا يمكن القول أن للحرمان الاقتصادي بعدين أساسيين هما:

الأول عدم كفاية الموارد أو القيم الاقتصادية

-وثانياً : عدم العدالة في توزيع تلك الموارد أو القيم .

الوعي بالحرمان هو مقدمة للتوتر والغضب والثورة Consciousness and Revolution

إن العلاقة بين الحرمان الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي أو الثورة ليست علاقة مباشرة  أو علاقة ميكانيكية، أو بمعنى آخر فإن الحرمان الاقتصادي لا يؤدي مباشرة إلى الثورة فهناك متغيرات وسيطة مؤثرة على العلاقة بينهما ، فالحرمان الاقتصادي لا بد أن يصاحبه وعي اجتماعي كعامل مساعد حتى يؤدي إلى نتائجه الخاصة بالتوتر النفسي على المستوى الفردي ثم الغضب الاجتماعي على المستوى الجماعي ، فللوعي الاجتماعي ثلاث وظائف رئيسية في هذا الخصوص وفيما يلي كلمة موجزة عن كل واحدة منها .

أولاً: إن الوعي الاجتماعي يربط واقع الحياة بما يدركه الفرد عنها نتيجة لذلك يشعر أنه محروم  مما يولد في نفسه التوتر ، كما أن تحويل الحرمان الوضعي إلى وعي ذاتي يساعد على تكوين هدف لعمل جماعي منظم مثل الحركات الاجتماعية المنظمة .

ثانياً: يقدم الوعي الاجتماعي البديل لحالة الحرمان التي يعاني منها المحرومين عن طريق التأثير على الخريطة الإدراكية للفرد ويبدو أن كارل ماركس كان على وعي بذلك عندما أنكر إمكانية قيام طبقة “البروليتاريا” الدنيا أي الفقير فقراً معدماً بالثورة لأنه يراهم غير قادرين على تصوير بديل لفقرهم.

ثالثاً: أنه ينتج من الوعي بوجود ظلم عام في المجتمع اتجاه أفراد ذلك المجتمع إلى عمل جماعي للقضاء على مصدر ذلك الظلم ، ويبدو هنا أيضاً أن ماركس كان على وعي بذلك عندما قال أن الأمل ضعيف في أن يثور العمال إلا بعد أن يتحدوا نتيجة لنمو وعيهم بأن الاستغلال الذي يعانون منه ليس تجربة فردية وإنما هو تجربة عامة .

انهيار النظام السياسي القديم و خطوات إقامة نظام جديد: نموذج للمقارنة

الثورة هي انهيار النظام السياسي القديم وبناء نظام سياسي جديد ، والآن فإننا سوف نوضح كيف ينهار النظام القديم أو يتم هدمه ،وكيف يتم بناء النظام الجديد ، ونود أن نوضح هنا أننا سوف نحاول بقدر الإمكان ذلك على مستوى التعميم من الدراسات السابقة للثورات دون الادعاء بأن ذلك دستور لابد أن تسير عليه كل الثورات .

أولاً: انهيار النظام القديم:

1-  نموذج لانهيار النظام السياسي :

هناك ثلاث إطارات مرجعية يمكن على ضوئها دراسة انهيار النظام السياسي كل منها يقوم على فلسفة سياسية معينة وكل منها يركز الانتباه بالتالي على نقاط معينة وهذه الإطارات المرجعية الثلاث هي:

1-   نظرية القيم

2-   ونظرية التبادل

3-    ونظرية النزاع أو الصراع

 ولكي نكون حياديين في دراستنا فإننا سوف نقوم بعمل نموذج يشمل الإطارات المرجعية الثلاث كالآتي:

أولاً:  نظرية القيم واضطراب النظام الناتج من التغيير في المحيط وإسقاط النظام السياسي

طبقاً للنظرية البارسونزية وهي أساس نظريات القيم في العصر الحديث فإن كل نظام اجتماعي عليه القيام بأربعة وظائف رئيسية وهي :

1-  تحقيق أهداف جماعية .

2-  ملائمة نفسية للمحيط المادي الذي يعيش فيه .

3-  ضبط التوتر والمحافظة على المعتاد .

4-  تحقيق تكامل النظام وتماسكه .

ويمكن القول بصفة عامة أن المهمة الرئيسية للنظام هي تحقيق الأهداف ، أما وظيفة الملائمة فيقوم بها النظام الاقتصادي الذي يلائم النظام مع البيئة التي يعيش فيها ، أما عن وظيفة ضبط التوتر والمحافظة على الوضع المعتاد فيقوم بها نظام القيم وحتى يمكن للنظام الاجتماعي أن يحافظ على وجوده عليه أن يقوم بتلك الوظائف بنجاح .

لتطوير هذا النموذج “البارسونزي” بشكل أوضح فإنه يجب إضافة أفكار “وليم كورنهورز” عن المجتمع الجماهيري ، فلقد ذكر “كورنهورز” ثلاث مصادر رئيسية لاضطراب النظام شبيهة بفكرة “بارسونز” عن المحيط وهي:

 أولا:ً تقطع أوصال المجتمعات المحلية الناتج من النمو السريع والتصنيع والعمران،

 وثانياً: تقطع أوصال المجتمع الناتج من الكساد الاقتصادي أو الهزيمة الحربية،

وثالثاً:عدم الاستمرار في السلطة الناتج من إدخال قواعد ديموقراطية في مجتمع كان يعيش في ظل حكم دكتاتوري .

عناصر مقترحة لخطوات إقامة النظام الجديد وتحول الثورة إلى نظام سياسي

1-    الثورة بين الشرعية والمشروعية :

       المشروعية هي سيادة تحكم القانون أي أن تكون التصرفات في نطاق ما تجيزه القواعد  القانونية القائمة، أي ان المشروعية تستمد من نص القواعد القانونية القائمة، وإعمالاً بمبدأ المشروعية يجب ألا يتم أي تغيير في نطاق الدولة ،إلا وفقاً للقواعد القانونية أو الدستورية المنظمة لذلك. فإذا أريد إدخال تعديلات على النظام السياسي القائم، أو حتى تغيير نظام الحكم كلية، فيجب أن يتم وفقاً للقواعد المقررة في دستور الدولة.

  أما الشرعية فهي سيادة لرأى الجماعة المحكومة وقيمها ومصالحها وبالتالي رضاها على من هم في الحكم ،ومن ثم فإن رضى المحكومين على الحاكمين هو الذي يضفي عليهم الشرعية. فالشرعية تقررها القيم والتوقعات الاجتماعية ، وتأتي عن طريق نجاح النظام السياسي في مسايرة القيم والتوقعات الاجتماعية ، وتحقيق أهداف الجماعة،  مما يؤدي إلى رضا المحكومين على الحاكمين .

الثورة عمل شرعي رغم انها تتم خارج قانون النظام السائد

إذا عدنا إلى شرحنا لمعنى الثورة نجد أنها تستخدم العنف، وتتم خارج نطاق القانون القائم، ولا تعمل طبقاً للقواعد ، إلا أن الثورة تتمتع برضى الجماهير والشعب ، ومن ثم فإنها عمل شرعي. وهذه الشرعية تجعلها عمل يعلو القانون نفسه ولا يحتاج إلى مبرر قانوني،  وأنه يكفيها الحصول على رضى الشعب،  وهو مصدر السلطات.

2-  خطوات إقامة النظام الجديد :

السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يتم بناء النظام الجديد وهدم مؤسسات النظام القديم المنهار؟. بالطبع هذه العملية ليست عملية سهلة ولا تتم في خطوة واحدة وإنما تتم على خطوات وفيما يلي محاولة لتتبع خطوات إقامة النظام الجديد .

أولاً: الاستيلاء على السلطة :

أول خطوة للثورة في الطريق إلى القضاء على النظام السياسي القديم وبناء نظام سياسي جديد، هي الاستيلاء على السلطة السياسية ،أي حق اتخاذ القرار في المجتمع السياسي . ويصل قادة الثورة إلى ذلك عن طريق الإحاطة بالرئاسات القائمة، إما بالقضاء عليها أو إجبارها على الاستقالة ،أو التنازل وطردها، ثم يضعون أنفسهم أو أتباعهم في المناصب الرئاسية في الدولة بحيث يسيطرون على كيانات إصدار القرارات الرئيسية في الدولة، وبذلك تتحكم الثورة في مصدر المشروعية لقراراتها ويصبح لها حق معاقبة المخالفين لها .

ثانياً: القضاء على التنظيمات القديمة وإقامة تنظيمات جديدة بدلاً منها :

الحكومة ترتبط بالشعب عن طريق جماعات وسيطة تتوسط العلاقة بينها وبين الشعب يطلق علبها التنظيمات الاختيارية . وأهم تلك التنظيمات الاختيارية الوسيطة الأحزاب السياسية التي تعمل كقناة تصل النظام السياسي بالشعب ، كما أن هذه التنظيمات هي في  نفس الوقت هي دعائم أو ركائز قوة بالنسبة للنظام السياسي .

ثالثاً: تغيير عوائد النظام السياسي: (إعادة عملية توزيع الموارد)

كل نظام سياسي يكون له عوائد معينة يستفيد منها عادة أنصار ذلك النظام، كما أن لكل جماعة من القادة مصدر أو ركائز معينة لقوتها ، وعادة ما يكون هناك ارتباط وثيق بين ركائز قوة القادة وعوائد النظام السياسي. وقادة النظام السابق للثورة عادة تكون الثروة هي ركيزتهم الرئيسية ويكون النظام السياسي موجه لتنمية وحماية ثروتهم .

رابعاً: بناء عقيدة سياسية جديدة :

 يمكن تعريف العقيدة السياسية بشكل مبسط بأنها نمط معين من التفكير والاعتقاد فيما يتعلق بنظام الحكم في المجتمع يمثل في آن واحد مصدراً للطاعة والموافقة الاختيارية ووسيلة للضبط السياسي ، وهي بذلك تحول القوة إلى حق والعنف إلى سلطة وتجعل الطاعة واجب ، ودورها الرئيسي هو إضفاء عنصر الشرعية على النظام السياسي.

كما لكل عقيدة سياسية وظائفها المعينة وهناك ثلاث وظائف رئيسية لها:

 وأول تلك الوظائف الإعداد للتصرف وتبريره ، وتشير العقيدة السياسية هنا إلى تلك الأفكار التي تطورت بوعي ( أو بدون وعي أحياناً) لتبرير طريقة حياة معينة أو تصرف معين .

وثانيا:ً الوظيفة التنظيمية للعقيدة، وهي المحافظة على كيان اجتماعي معين وهنا ينظر إلى العقيدة السياسية على أنها مجموعة من الأفكار التي تربط نمط تنظيمي من النشاطات ببعض معايير السلوك والتصرف أو القيم التي يعتنقها أفراد الجماعة  القائم بها التنظيم .

 وثالثاً: وظيفة نقل الأفكار: وهنا ينظر إلى العقيدة السياسية على أنها نظام من الأفكار يهدف إلى تعديل نظام القيم السائدة في المجتمع، والعمل على أن يقبل أفراد المجتمع أفكار جديدة لم يكن هناك مشاركة في قبولها من قبل

3-تحول الثورة إلى نظام سياسي :

الثورة لا تستمر إلى الأبد وإنما من المحتم أن تتحول في النهاية إلى نظام سياسي، ويمر ذلك بعده مراحل . وفيما يلي محاولة تتبعها مركزين في ذلك على قيادة الثورة :

أولاً: حكومة المعتدلين الرسمية :

 قبل قيام الثورة تكون القوة السياسية في يد اليمين وبعد سقوط النظام القديم مباشرة يتولى السلطة الوسط  أو ما يسميهم برنتون ” المعتدلين ” وهم جماعة من أنصار الحلول الوسط الإصلاحية يمثلون المعارضة النظامية للنظام السابق،  فبعد الثورة يصبح هؤلاء المعتدلين في السلطة على قمة الحكومة  الرسمية في البلاد ، يرثون بعض الامتيازات التي كانت تصاحب الوضع القديم ومواردها المالية ومؤسساتها وأجهزتها القديمة وكذلك التزاماتها،  ولكنهم يجدون أنفسهم أمام مهمة صعبة تتطلب تغيير الأوضاع القديمة،  وإصلاح المؤسسات القائمة وحماية الثورة من التهديد الداخلي والخارجي،  ولكنهم يعجزون عن القيام بذلك يكافئه مما يجعل وجودهم في السلطة مهدد.

ثانياً: حكومة المتطرفين غير الرسمية :

في الحقيقة فإن مع قيام الثورة تصبح هناك ازدواجية في الحكومة فبجانب الحكومة الرسمية التي يقودها المعتدلون توجد حكومة غير رسمية يقودها جماعة من الثوريين اليساريين أو اليمينيين،  إذ القوة المتزايدة وهؤلاء الثوريون اليساريون  او اليمينيون أو ما يسميهم برنتون ” المتطرفون ” هم مجموعة من الطليعة الثورية الواثقة من نفسها متبعون لمبادئهم، يهبون أنفسهم لقضيتهم، ويقبلون على العمل الشاق مضحين بأمنهم وسلامتهم، ويكتسبون من سلوكهم عادة الانتصار وعدم الارتضاء بأنصاف الحلول، وهم قليلي العدد منظمون على مستوى القمة بدقة موروثة عن اضطهادهم في الماضي،  لهم قيادة فعاله يتبعونها بإخلاص وإجماع، يطهرون صفوفهم أولاً بأول، ويمثلون في تصرفاتهم روح أمتهم ومفكريها، وهم يحتكرون السيطرة على الأجهزة التي كانت تقاوم الحكومة في النظام السابق إلى أن قضت عليها وهي أجهزة ثورية غير حكومية لها حرية الحركة .

ثالثاً: استلام المتطرفين للسلطة :

بعد فترة ليست طويلة يقع الخلاف بين المعتدلين أو الوسط المشكلين للحكومة الرسمية وبين الثوريين اليساريين (أو اليمينيين) المتطرفين الممثلين للحكومة غير الرسمية، ويتهم المتطرفين المعتدلين بأنهم يحاولون وقف تيار الثورة ، وأنهم يخونون مبادئها وأنهم أصبحوا يشبهون تماماً حكام النظام السابق ، ويقوم الصراع بين الفريقين ينتهي بالطبع بهزيمة المعتدلين أو الوسط،  لضعف تنظيمهم،  وعدم ملائمة أسلوبهم للروح السائدة في المجتمع،  فيهربون إلى الخارج أو يوضعون في السجون أو المعتقلات ، وبذلك تنتقل السلطة الوسط إلى اليسار الثوري  أو اليمين أو المتطرفين وتنتهي مرحلة الازدواجية في الحكم حيث يصبح قادة الحكومة غير الرسمية هم أنفسهم قادة الحكومة الرسمية.

رابعاً: انفراد زعيم قوي بالحكم :

  ما أن ينفرد الثوريين اليساريين (أو اليمينيين او المتطرفين) بالحكم حتى تبدأ بمرحلة تتسم بالعنف والفزع والمركزية المطلقة للسلطة في يد الحكومة الجديدة،  ويبدأ ذلك بمحاولة الثوريين اليساريين (أو اليمينيين او المتطرفين) فرض الفضائل الثورية والقضاء على رذائل العهد السابق، مضحين في ذلك بالحرية الشخصية للأفراد،  فتبدأ عملية فرض العقيدة والقيم الجديدة ، ومصادرة الأموال،  والاعتداء على الحريات،  مما يجعل الثورة تصبح عبئاً ثقيلاً على قطاعات معينة من الشعب ، ويترتب على ذلك عمليات عنف وجو من الفزع وعدم الاطمئنان،  وفي نفس الوقت اتجاه مستمر نحو مركزية السلطة ، وفي هذه الظروف يظهر زعيم ثوري قوي ينفرد بالحكم وتصبح كلمته هي القانون،  يرسم الناس له صور معينة بأنه شخص ذو فضائل وصفات خارقة للعادة ، لا تتوفر في غيره من الناس ، وأنه قادر على تحقيق المعجزات،  ومن ثم يصبح هذا الزعيم قائداً موكلا من الشعب  ، يتصرف كحاكم مطلق ولكن باسم الشعب ورضائه ، لأنه تجسيد للثورة ولروح الشعب وآماله ، وهو يوجه ندائه مباشرة إلى الشعب،  ولا يعطى أي اهتمام للمؤسسات السياسية القائمة .

خامساً: المرحلة النظامية وحكم المؤسسات :

تخف مع الأيام وطأة الضغط والعنف وتبدأ عملية العفو العام عن المحكوم عليهم سياسياً والمبعدين من أرض الوطن، ويعودون ليدخلوا معترك السياسة نتيجة لذلك تبدأ الصفوة الحاكمة في التنويع،  وتصبح خليطا من الجماعات المختلفة ، ويبدأ الاتجاه نحو الوسط وتزول المثل العليا،  وتجمد الشعارات الثورية،  وتستقر الحكومة ويساعد على ذلك أن الناس،  يكون قد أنهكهم النضال الثوري، وضاقوا ذرعاً بعملية الجهاد من أجل جمهورية الفضيلة ، وتدريجياً يعود الناس للقيم القديمة والدين القديم الذي حاربه الثوار، وتعود التنظيمات القديمة إلى الظهور وتبدأ القوة في الانتشار والتشتت واللامركزية بعد ترهل النظام “الثوري”، وغرق قادته في المكاسب والامتيازات وتحصيل المغانم وتكديس الثروات، التنافس على الرتبة والراتب، والابتعاد تدريجيا عن “قيم الطهرية الثورية” والغرق تدريجيا في “مستنقع السلطة والثروة” بعيدا عن الثورة، وتنتشر وتتوزع السلطة بعد أن كانت مركزة،  ويعود المتسللين والمنقبين للمشاركة في الحكم ، وتبدأ الكراهية للذين قاموا بعمليات التعذيب والإرهاب في الفترة السابقة ، وهذا ما يسميه “برنتون الردة عن الثورة  أو رد الفعل للثورة ، ويساعد على هذه الردة أن الثورات تسرف في الوعود التي تعد بها شعبها، مما يجعل الناس يحلمون بالجنة الموعودة على الأرض وبالطبع لا تقدر الثورات على تحقيق ذلك مما يؤدي إلى نوع من خيبة الأمل . والثورة على النظام القائم من جديد.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى