دراسات سياسية

خيارات أردوغان: الانفلات من المقصلة الأوربية أو الوقوع ضحية للكاريزما

عامر مصباح
23/07/2017
ازدادت في المرحلة الأخيرة وتيرة الضغوط الغربية على أردوغان بكل أشكالها، من أجل ثنيه على خياراته السياسية على المستوى الوطني أو الإقليمي؛ وكانت أبرز الضغوط تلك الممارسة من قبل ألمانيا تحت مبرر انتهاك حكومة أردوغان لحقوق الإنسان، غياب سيادة حكم القانون، التضييق على الصحافة، ملاحقة وسجن المعارضين من الأكراد؛ والأكثر من ذلك، امتعاض ألمانيا من تلك الاعتقالات في صفوف جماعة غولن وتصفيتها من مؤسسات الدولة. توحي الضغوط الألمانية على تركيا والتنديد المتكرر بسياساتها، ومنع أردوغان مخاطبة مناصريه فوق الأراضي الألمانية بمناسبة حضور قمة العشرين في هامبريغ، ومنع وزراء من حكومته من حضور فعاليات حزب العدالة والتنمية في بعض الدول الأوربية؛ بأن هناك وصاية أوربية على الفتى التركي غير الراشد.
الحقيقة أن التذمر الأوربي من أردوغان بدأ يظهر بشكل علني منذ حادثة الانقلاب العسكري الفاشل في يوليو 2016، عندما تأخرت برلين في التنديد بالانقلاب العسكري، وتصاعد أصوات العويل من باريس على مصير الموقوفين بسبب الانقلاب أكثر من التنديد بالعملية العسكرية للإطاحة بالديمقراطية في تركيا. وهي المواقف التي غذت تماسك الرؤية التركية بأن أوربا كانت تؤيد العملية الانقلابية لو نجحت للتخلص من أردوغان، خاصة وأن ألمانيا قبلت اللجوء السياسي لبعض القادة العسكريين الأتراك الذين يعملون في قوات الحلف الأطلسي فوق أراضيها، تتهم أنقرة بالتورط في الانقلاب. بالإضافة إلى الدعم الألماني للأكراد المناوئين لحكومة أردوغان.
بدا في الفترة الأخيرة، أن أوربا بقيادة ألمانيا تحضّر ملفا لأردوغان حول انتهاكات حقوق الإنسان للضغط عليه من أجل دفعه للاستقالة قبل أن يذهب بتركيا نحو منظمة شنغهاي بعيدا عن أوربا؛ يظهر ذلك من خلال سعيها لجمع المعلومات عن طريق فريق من منظمة العفو الدولية الذين احتجزتهم أنقرة، ولأنها كانت ضربة مؤلمة لمقاربة برلين، كان رد فعل هذه الأخيرة عنيفا وهستيريا، بأن نددت بالخطوة التركية، وحذرت مواطنيها من السفر إلى تركيا كبلد غير آمن للسياحة والاستثمار، وكذلك أوقفت تصدير أسلحة إلى تركيا بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.
تؤشر كل هذه الخطوات وأخرى قادمة على أن أوربا آخذة في تشديد الخناق على رقبة أردوغان من أجل الحد من نفوذه الإقليمي وعلى السياسة الداخلية، والأكثر أهمية من ذلك تعطيل نجاحه الاقتصادي تمهيدا لتأليب الرأي العام ضده؛ في انتظار تحريك ملف الأكراد في كردستان العراق الذي سوف يضرب الأمن القومي التركي في المناطق الجنوبية الشرقية من البلاد.
في ظل هذا الوضع، يبدو أن خيارات أردوغان للانفلات من المقصلة الأوربية هي تنشيط مبادرة الانضمام إلى منظمة شنغهاي، وكانت الصين قد رحبت في وقت سابق بانضمام تركيا ووعدت بتقديم المساعدة لتصبح عضوا نشطا في المنظمة. على المستوى الإقليمي، يعتبر خيار الشراكة الاستراتيجية مع إيران المدعوم من قبل روسيا والصين، سوف يزيد من فرص تعزيز الأمن القومي التركي وفي نفس الوقت يفتح مجال التجارة والاستثمار نحو الشرق.
لكن كل هذه الخيارات يمكن ان تكون بدون فعالية إذا سقط أردوغان ضحية شخصيته الكاريزماتية بواسطة الهيمنة المغلقة على السياسة الوطنية واختزال سياسة البلاد في رؤيته الشخصية؛ لا يمكن تفادي هذه المقاربة المميتة إلا بواسطة تعهد الديمقراطية وحرية الصحافة ونشاط المجتمع المدني والتحضير الجيد لما بعد هيمنة حزب العدالة على السلطة، مثل الحوار مع المعارضة وإيجاد مقاربة جديدة للتعامل مع الأكراد ودمجهم في عملية السياسة الوطنية.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى