دراسات جيوسياسيةدراسات شرق أوسطيةنظرية العلاقات الدولية

دراسة أثر التدخل الروسي في الشرق الأوسط بعد العام 2011 على مكانة روسيا الاتحادية ودرها في النظام العالمي

أثر التدخل الروسي في الشرق الأوسط بعد العام 2011 على مكانة روسيا الاتحادية ودرها في النظام العالمي

م.د.محمد وائل القیسی

باحث مُتخصص فی الشؤون الاستراتیجیة الدولیةودراسات المستقبل              

قسم العلاقات الدولیة/ الجامعة اللبنانیة-الفرنسیة/ أربیل/ العراق

  Dr.mohammed.alqissi@gmail.com       

مجلة دراسات اقلیمیة, السنة ١٣, العدد ٤٢, الصفحة ١٢١-١٦١

    

الملخص

      لعل من نافلة القول، ان وصول الرئیس الروسی فلادیمیر بوتین الى قمة الهرم السیاسی فی موسکو  کان بمثابة محاولة جادة لإعادة هیکلة روسیا الاتحادیة ومکانتها العالمیة، والدور الناتج عنها، عبر رغبة جامحة لإعادة أحیاء قوة روسیا الاتحادیة ، وریث الاتحاد السوفییت، من خلال توظیف مجمل مقومات قوتها الاستراتیجیة، وعلى المستویات الاقتصادیة والعسکریة والتقنیة، فضلاً عن السیاسیة، لتعضید الداخل الروسی، والذی کان قد اعطى دافعاً معززاً للأداء الاستراتیجی الروسی على الصعید الخارجی. ذلک ان نجاح بوتین فی تعزیز قوة روسیا الاتحادیة داخلیاً، کان قد دفع به لإعادة هیکلة الاستراتیجیة الروسیة باتجاه الاهداف التی تعدها موسکو ضمن حدود أمنها القومی وخط النفوذ الروسی إقلیمیا، ودولیاً، ولعل ادقها منطقة الشرق الأوسط، بما تحوزه من اهمیة فی المدرک الاستراتیجی الروسی، نتیجةً لمقومات القوة التی تمتلکها. وعلیه یعد التدخل الروسی فی سوریا عام ٢٠١١، بمثابة نقطة الوثوب، وحجر الزاویة لتعزیز دعائم مصالح موسکو الاستراتیجیة هناک، ومنه الى عموم منطقة الشرق الاوسط، لاسیما التحالف مع ایران، وتدعیم العلاقة الجیدة مع ترکیا وإسرائیل، وکذلک الاستثمارات الاقتصادیة فی منطقة الخلیج العربی، کل ذلک یعد مؤشراً لرغبة القیادة الروسیة العلیا فی استعادة المکانة والدور العالمی لروسیا الاتحادیة عبر وجودها فی مناطق ذات تأثیر عالمی عالی الأهمیة، کمنطقة الشرق الأوسط، بالرغم من وجود بعض المُحددات التی تعیق التحرک الروسی بحریة فیها، ولعل ادقها الوجود الأمریکی المکثف عسکریاً واقتصادیاً، واحتمالیة تقاطع المصالح فیما بینهما، دون ان یلغی ذلک، تلک الرغبة الروسیة فی تدعیم استراتیجیة نفوذها و وجودها هناک ایضاً، تأمیناً لمصالها الاستراتیجیة على المستوى العالمی .  

المقدمة :

لیس من السهل الحدیث عن قوة عالمیة، تمتلک من العمق التاریخی، والمکانة الجغرافیة، والدور الاستراتیجی المُمتد على مدى الحُقب الزمنیة الماضیة والحاضرة، کروسیا الاتحادیة، ذلک ان تعاقب الادوار التی قامت بها فی ماضی الحاضر، قد لا یکون بعیداً عن رغبتها فی التطلع لاستدامة تلک المکانة العالمیة فی حاضر الماضی القریب، وربما مستقبل الحاضر ایضاً، والتی تتسق ومقومات قوتها الاستراتیجیة الشاملة.

واتساقا لذلک، یطول الحدیث عن روسیا الاتحادیة بطول وعمق تاریخها، سواء فی زمن روسیا القیصریة وعظمتها، أو فی ظل قوة الاتحاد السوفییتی، وحتى فیما یتعلق بروسیا الاتحادیة، ففی ١٥ کانون الأول١٩٩١، أنهار الاتحاد السوفییتی، لیخرج عنه ١٥ دولة، وکانت روسیا الاتحادیة الوریث الشرعی للاتحاد السوفییتی، وقد ورثت عنه معظم قوته العسکریة، وجوانب أخرى للقوة .

تتطلع روسیا الاتحادیة، لاسیما بعد وصول فلادیمیر بوتین للسلطة الى تحقیق مکانة مرموقة تلیق بمقومات روسیا الاتحادیة ووضعها الجدید فی ظل النظام الدولی الجدید الذی یمیل إلى التعددیة القطبیة أکثر من کونه نظام قطب واحد .

لاشک ان بوتین حقق نوعاً من التقدم لروسیا الاتحادیة ، فقد لجأ الى تعزیز قوة الجیش، وتحدیث صنوفه البریة والجویة والبحریة، ومعالجة الاقتصاد الروسی، لینطلق بعد ذلک إلى الخارج، وفق رؤیة یهدف من خلالها إلى تعزیز الأمن القومی الروسی أولاً، والانطلاق بعد ذلک نحو مناطق النفوذ الاقلیمیة وحتى الدولیة.

من هنا شکل ذلک الفراغ الامنی الذی تولد فی سوریا عقب تفجر الوضع الداخلی فیها، مُدعاة مهمة لتدخل روسیا الاتحادیة، لا لشیء بل حفاظاً على مصالحها الاستراتیجیة هناک، فضلاً عن استخدامها کورقة جدیدة للعب ادوار مهمة فی منطقة الشرق الاوسط ذات المصالح المتشابکة، والسلوکیات المتعددة. فضلاً عن تدخلها بقوة فی موضوع البرنامج النووی الایرانی، الذی لطالما اثار ازمة دولیة ممتدة الى یومنا هذا .

إشکالیة الدراسة : تتمحور إشکالیة الدراسة فی مدى قدرة روسیا الاتحادیة على مواصلة الدور الخارجی لها فی ظل بعض المشاکل التی تعانی منها على الصعید الداخلی، فضلاً عن قدرتها على استدامة تعزیز ادائها الاستراتیجی الخارجی ووجودها فی مناطق تعدها جزء من نفوذها، بمخرجات تُفضی الى استعادة المکانة الاستراتیجیة لموسکو، وبالتالی الدور الروسی عالمیاً.

فرضیة الدراسة : تنطلق الدراسة من فرضیة مفادها، کلما تم تعزیز مقومات القوة الاستراتیجیة للداخل الروسی، کلما تم تدعیم الانطلاق نحو الخارج، وبمخرجات ذات قیمة عالیة، وبالتحدید نحو مناطق النفوذ الروسی، کما أن احتمالات المستقبل فی السیر نحو عالم متعدد الأقطاب سیفسح المجال لروسیا الاتحادیة للبروز کقوى مُنافسة أو مشارکة أو مکملة لأدوار القوى الدولیة الأخرى، لاسیما الولایات المتحدة الأمریکیة.

منهجیة الدراسة : تسعى الدراسة الى الاعتماد على عدة مناهج قدر الحاجة الیها فی جزیئیاتها، فقد تم الرکون الى المنهج التاریخی فی الإشادة الى بعض الرکائز التاریخیة، کما تم الاستعانة  بالمنهج الوصفی والتحلیلی، للوقوف برؤیة تحلیلیة على اهم محطات الاداء والسلوکیات المتبعة ضمن نطاق الفعل و رد الفعل السیاسی، کذلک تم الارتکان وبقوة الى المنهج الاستشرافی، وذلک للبحث فی مآلات الموضوع فی المستقبل المتوسط، کوننا نعیش فی عالم حرکی متغیر، وبمعطیات ومتغیرات سریعة التدفق فیه.

هیکلیة الدراسة :

إن الدراسة فی ضوء إشکالیتها وفرضیتها الاساسیة، ستقترن بهیکلیة تتوزع على الآتی :

المبحث الاول: مقومات القوة الاستراتیجیة الروسیة

المطلب الاول : المقومات الجیواستراتیجیة

المطلب الثانی: المقومات الاقتصادیة

المطلب الثالث: المقومات العسکریة- الأمنیة

المطلب الرابع : المقومات التکنولوجیة.

المبحث الثانی: الشرق الاوسط فی الادراک الاستراتیجی الروسی

المطلب الاول : مُحددات الاستراتیجیة الروسیة فی الشرق الاوسط.

اولا: المحددات الداخلیة:

ثانیا: المُحددات الخارجیة:

المطلب الثانی : الدور الروسی فی قضایا الشرق الاوسط

اولا: الاستراتیجیة الروسیة تجاه سوریا منذ العام ٢٠١١.

 ثانیا: الاستراتیجیة الروسیة تجاه الملف النووی الإیرانی منذ عام ٢٠١١.

المبحث الثالث: مُستقبل الدور العالمی لروسیا الاتحادیة

المطلب الاول: العوامل المؤثرة على الدور الروسی عالمیا.

المطلب الثانی: مستقبل الدور الروسی عالمیا:

اولا: تصاعد الدور الروسی عالمیا

ثانیا: تراجع الدور الروسی عالمیا

ثالثاً : مشهد التعاون او الشراکة الدولیة .

الخاتمة والاستنتاجات.

 

المبحث الاول: مقومات القوة الاستراتجیة الروسیة

تعد مقومات القوة التی تحوز علیها روسیا الاتحادیة، سواء الجیوستراتیجیة منها، ام الاقتصادیة، ام العسکریة- الامنیة، ام التقنیة، مرتکزات رئیسیة وحیویة تشکل بمجملها القوة الروسیة، التی تؤهلها للانطلاق نحو تحقیق أهدافها ومصالحها العلیا، والتی منحتها القدرة على المرونة والفعل الهادف، وبما ینسجم مع الرغبات والتطلعات الروسیة لاستعادة دورها الإقلیمی والعالمی، وکالآتی :

المطلب الاول : المقومات الجیوستراتیجیة

المطلب الثانی: المقومات الاقتصادیة

المطلب الثالث: المقومات العسکریة- الأمنیة

المطلب الرابع: المقومات التکنولوجیة

المطلب الاول : المقومات الجیوستراتیجیة:

یعد المقوم الجیوستراتیجی من اهم مرتکزات استدامة قوة الدولة، ودیمومة تفعیل مشغلات القوة والاندفاع لدیها، لأنه اللبنة الأولى التی یتأسس علیها مدى قدرة الدولة على اتخاذ سلوک معین او فعل ، و/أو ورد فعل سلوکی خارجی، طبقاً لحسابات الجغرافیة، والموارد، ومُستلزمات إدامة الزخم الداخلی للإمساک بالأهداف المُبتغاة على الصعید الخارجی.

إذ تمثل روسیا مفترق طریق بین قارتی أوربا واسیا. ومن هذا یظهر الموقع الجیوسیاسی المهم لها. فمن حیث المساحة، تعد روسیا اکبر دولة فی العالم بأکثر من ١٧ ملیون کلم٢  (أکبر من تسع مساحة العالم). وهی تمتد على طول ١٠ الاف کلم من الغرب الى الشرق. وهذه المساحة الشاسعة تعد أحد اهم عناصر القوة الروسیة من منظورین مهمین هما ([i]):

المنظور الأمنی : فبفضل هذا العمق الجغرافی، نجحت روسیا من دون غیرها من الدول الکبرى فی هزیمة نابلیون بونابرت عام ١٨١٠، وهتلر عام ١٩٤١. ورغم التقدم التکنولوجی العسکری ، وظهور الصورایخ عابرة القارات ودورها فی الاستراتیجیات الحربیة، فإن العمق الجغرافی ما زال أحد أهم عناصر القوة الروسیة.

 المنظور الاقتصادی : وهذه المساحة الشاسعة غنیة بالثروات الطبیعیة المهمة، بها حوالی ٢٢٠ ملیون هکتار من الاراضی الزراعیة، و١٢٠ ألف نهر یبلغ طول کل منه ١٠ کلم فأکثر، وأهمها نهر الفولغا أطول الأنهار فی اوربا، ونهر لینا، فضلاً عن أن هناک ٢ ملیون بحیرة عذبة ومالحة، أهمها بحیرة بایکال أکبر واعمق بحیرة فی العالم بعمق ١٦٢٠ م، وطول ٦٣٦ کلم، کما فیها حوالی ٢٠% من أحتیاطی المیاه العذبة فی العالم، فضلاً عن اطلال روسیا على کثیر من البحار ، أهمها بحر قزوین أکبر بحیرة مالحة فی العالم. ووجود الکثیر من الموانئ المهمة فیها([ii]).

المطلب الثانی: المقومات الاقتصادیة:

لا تقل المقومات الاقتصادیة اهمیة، کمقوم  لقوة الدولة، عن المقوم السابق لها، فهی مرتکز مهم للدولة فی اوقات السلم والحرب والأزمات الدولیة، کما انها تعد الرکیزة الاهم فی بناء الاستراتیجیة الشاملة للدولة، ومحدد مهم لمدى حرکة نطاق فعلها على الصعید الخارجی فی النظام العالمی، الذی تشکل الموارد سلع استراتیجیة مستدامة الاهمیة فیه.

تملک روسیا الکثیر من الموارد الطبیعیة، وتعد من أغنى دول العالم، إذ تملک سابع أکبر احتیاطی نفطی فی العالم بـ ٤٩ ملیار برمیل، ما یعادل ٤,٦% من الأحتیاطی العالمی، ما یجعلها ثانی أکبر منتج ومصدر بعد السعودیة ، إذ تنتج ٧.٥ ملیون برمیل یومیاً، وتصدر حوالی ٣.٢ ملیون برمیل یومیاً من النفط الخام، أی ٤٠% من أجمالی الصادرات العالمیة ، وحوالی ٧٠ ملیون طن من منتجات التکریر سنویاً، کما وتمتلک ٢٩ مصفاة بقدرة أنتاجیة تزید على ٩ ملایین برمیل یومیاً. کما انها أکبر دول العالم فی أحتیاطات الغاز الطبیعی بـ ٣٥% ، بحوالی ٥٤.٣ ترلیون م٣ ، وبذا تعد روسیا الاتحادیة طبقاً للجانب النفطی قوة اقتصادیة عظمى، کما یوجد فیها معادن أخرى ذات أهمیة کبرى مثل الحدید والنیکل والألماس والفوسفات والفضة والرصاص والذهب والأخشاب ([١][iii]).

 وفی المیدان الزراعی فتضم ٢٢٠ ملیون هکتار من الأراضی الزراعیة و١٢٠ الف نهر، کما مر ذکره، لتشکل مصدراً مُهماً للموارد التی تحوزها، فضلاً عن مصادر قوتها الاقتصادیة.

المطلب الثالث : المقومات العسکریة-الأمنیة :

بالرغم من التطور والتقدم الذی تعیشه الأمم فی العصر الحدیث، لم تزل القوة، والعسکریة منها تحدیداً، معیاراً مهماً لهیبة الدولة ومکانتها على صعید أدائها الخارجی، وهذا ما ینطبق على روسیا الاتحادیة، ذلک أن الصلة الوثیقة بین أمتلاک ترسانة عسکریة کبیرة ومتطورة من الأسلحة التقلیدیة وغیر التقلیدیة، وبین تبوء منزلة “القوة العظمى” کانت ولا تزال مقوماً اساسیاً من مقومات الاستراتیجیة القومیة الروسیة، وشرطاً لابد منه لکسب النفوذ داخل منظومة العلاقات الدولیة القائمة على القوة، واداة لمواجهة الضغوط والتهدیدات الخارجیة ، وهذا سارت علیه روسیا الاتحادیة، ماضیاً، وحاضراً، وربما مستقبلاً ایضاً([iv]).

لا شک أن الاتحاد السوفییتی بقی لأکثر من نصف قرن قوة عسکریة عظمى متکافئة مع الولایات المتحدة، بل ومتفوقة علیها فی الاسلحة التقلیدیة، إلا أن تفکک وانهیار الاتحاد السوفییتی کان قد نقل ورثته العسکریة إلى روسیا الاتحادیة، لاسیما ترسانته النوویة الاستراتیجیة، إذ ورثت روسیا ٩٠% من القوات البحریة ، و٨٥% من الأسلحة التکتیکیة النوویة، و٨٥% من القوات البحریة، و٥٨% من القوات البریة، و٧٩% من الصواریخ العابرة للقارات ، و١٠٠% من الغواصات النوویة، و٩٠% من القاذفات بعیدة المدى، واکثر من ١٢ ألف رأس نووی استراتیجی. وبعد التدهور الجزئی الذی طال روسیا الاتحادیة اثناء فترة التسعینات ، کان لزاماً وصول رئیس قوی مثل فلادیمیر بوتین یعید لها هیبتها، وبالفعل هذا ما تم فی مطلع العام ٢٠٠٠ بوصوله الى الحکم، والذی سعى قبل کل شیء الى تحدیث المؤسسة العسکریة ، کونها تعید نوعاً من الهیبة لروسیا الاتحادیة، وبنفس الوقت تنعش الاقتصاد الروسی، نتیجة لمبیعات السلاح من قبل الشرکات الروسیة للعالم . إذ تعد روسیا ثانی أکبر دولة بعد الولایات المتحدة الأمریکیة فی مبیعات السلاح ([v]). وبذا تمت عملیة تحدیث سریعة للجیش الروسی، وذلک بإدخالها أجیالاً جدیدة من الدبابات والمدرعات صغیرة الحجم، والسریعة، ومزودة بأسلحة متقدمة تقنیاً، وقادرة على الوصول الى مناطق الأزمات بسرعة فائقة، مثل : الدبابة نوع (T٩٠)  و(T٩٢)، و (T٩٣)، والعجلات المدرعة (BMB-٣) کما تم تجهیز سلاح الجو الروسی بطائرات مقاتلة من الجیل الخامس المتطورة، مثل : طائرات المیک (MIG٢٩) و (MIG٣٥) ، وطائرات السوخوی (Su_٣٤)، (Su_٣٥) ، والقاذفات الاستراتیجیة من طراز توبولیف (TU-١٦٠)، وطائرات الهلیکوبتر المقاتلة المتطورة طراز می (Mi-٢٦) و (Mi-٢٨) ، وقد تم تزوید الأسطول البحری بحاملة طائرات واحدة، و (٢٠) غواصة حدیثة، و (٥١) فرقاطة، أما فی مجال الصواریخ ، فقد تم تجهیز القوة الصاروخیة الروسیة بأجیال متطورة جدیدة من الصواریخ البالستیة الهجومیة بعیدة المدى من طراز توبول أم (SS-٢٧)، وطراز یارس (RS-٢٤) و (RS-٢٦) قادرة على حمل الرؤوس النوویة، والصاروخ التکتیکی طراز أسکندر(SS-٢٦)، والصاروخ البحری البالیستی النووی طراز بولافا (R-٣٠)، ومنظومات الدفاع الجوی المتطورة (SS-٤٠٠)، فضلاً عن ادخال نظام راداری متطور جداً اطلقت علیه روسیا تسمیة نیبو-أم  (NEBO-EM)، وتقنیات عسکریة حدیثة جداً ومتطورة قد لا تکشف عنها حالیاً، حفاظاً على سریة التفوق فی المیزان العسکری الرادع([vi]).

فضلاً عن هذه المقومات، هناک مقومات عسکریة غیر مادیة وهی الجوانب التنظیمیة والکفاءة والخبرات المکتسبة فی الحروب والمعنویات، وهی عوامل اساسیة فی الجانب العسکری، فمثلاً نجد أن أول رائد فضاء هو روسی. ونسبة المتعلمین فی روسیا ٩٠% و روسیا دولة متقدمة فی هندسة الصواریخ وعلم المعادن، ولها نخبة کبیرة جداً من العلماء والمهندسین فی علوم الریاضیات والذرة ، حیث الروس هم الأفضل فی العالم عدداً وکفاءة([vii]).

وغنی عن القول، ان الرؤیة الروسیة حالیاً تقوم على فکرة مفادها، أن تعزیز المرتکز العسکری بتفوق نوعی غیر تقلیدی، یعد مدخلاً مهماً لتحقیق الأمن الإقلیمی الروسی، وامتداده نحو مناطق النفوذ خارج الدائرة الاستراتیجیة للأمن الإقلیمی المباشر.

المطلب الرابع: المقومات التکنولوجیة :

تتمتع روسیا الاتحادیة بقاعدة معرفیة وتکنولوجیة قویة، سواء فی مجالات الأبحاث العلمیة المدنیة منها والعسکریة، الخاصة بالطاقة، وکفاءة استخدامها بالصورة المثلى، وکذلک فی مجال تکنولوجیا المعلومات، وبضمنها تکنولوجیا الفضاء، والمواد الخاصة بالصناعات الکیمائیة، والعلاجیة ،وصناعات السیارات، والسکک الحدیدیة، والمعدات البحریة، وقائمة کبیرة من الصناعات الحدیثة فی شتى المجالات، وانتهاءاً بالأبحاث الخاصة بالطاقة النوویة([viii]).

کذلک الحال فی المجال العسکری- التقنی، اذ تحتل المرکز الثانی بعد الولایات المتحدة الأمریکیة فی هذا المجال، فلا تزال مستمرة فی تحدیث منظوماتها العسکریة سواء تلک الخاصة بالدفاع الجوعی (S٣٠٠) و (S٤٠٠)، و/او تلک الخاصة بالطائرات الخاصة من الجیل الخامس، فضلاً عن انشاء اول محطة نوویة محمولة . وکذلک الصواریخ الاستراتیجیة البالیستیة العابرة للقارات الثابتة والمتحرکة المزودة بالرؤوس النوویة ([ix]). وانغماسها فی بیع السلاح لتعزیز اقتصادها القومی، إذ تنشط صناعة وتصدیر السلاح فی روسیا الاتحادیة، الى درجة رائدة على المستوى العالمی ، تضمن الصدارة الثانیة لها بعد الولایات المتحدة عالمیاً، حیث تصدر روسیا الاتحادیة من السلاح للعالم ما نسبته ٢٢% من مجمل صادرات السلاح عالمیاً، بعد الولایات المتحدة الأمریکیة، والتی تصدر ما نسبته ٣٤% عالمیاً، کما تعد الهند الدولة الأولى فی استیراد معظم صادراتها من السلاح عبر روسیا الاتحادیة، کونها تستورد ٦٧% من اسلحتها عبر موسکو([x]).

وأتساقاً لذلک، یشکل الاستثمار الروسی المکثف فی الصناعات العسکریة المتطورة وسیاسة تصدیر السلاح ، وکذلک الخبرات العسکریة، مدخلاً مهماً لموسکو على صعید دورها العالمی، یتیح لها الخروج من استراتیجیة الحصار والتطویق الغربیة المعتمدة حیالها، ونسج التحالفات والشراکات التی تندرج ضمن استراتیجیتها فی التوافق نحو الاهداف المبتغاة ([xi]).

تلک هی اهم المرتکزات التی تشکل حجر الاساس فی تدعیم واستدامة قوة روسیا الاتحادیة على الصعید الداخلی ، والخارجی. کما وغنی عن القول ان روسیا تسعى لتوظیف مجمل تلک المرتکزات لاستعادة مکانتها العالمیة، عبر مجسات تدخُل حذر فی مناطق النفوذ السابقة، ولو بشکل تدریجی، فلم تزل اهداف الوصول الى المیاه الدافئة فی الخلیج العربی، وبعض مناطق الشرق الاوسط الحیویة، یشکل هدفاً محوریاً فی الفکر الاستراتیجی الروسی ضماناً لمصالحها الاستراتیجیة.

 

المبحث الثانی: الشرق الاوسط فی الادراک الاستراتیجی الروسی

لا شک ان منطقة الشرق الأوسط تحظى بأهمیة خاصة فی فکر جمیع القوى الدولیة المؤثرة فی النظام الدولی، ومنها بلا ریب ، روسیا الاتحادیة المتطلعة الى دور عالمی یتناسب و مقومات قوتها ، لذا سنتناول هنا بالحدیث عن محددات وأهداف الاستراتیجیة الروسیة تجاه هذه المنطقة ، وکالآتی :

المطلب الاول: محددات الاستراتیجیة الروسیة فی الشرق الاوسط :

تتمثل هذه  المحددات ببعدین داخلی وخارجی ، وکالآتی :

اولا: المحددات الداخلیة :

١-      المحدد السیاسی: ویتمثل فی رؤیة القیادة السیاسیة فی تشکیل استراتیجیة السیاسة الخارجیة الروسیة، حیث أن الرئیس یمثل مرکز الثقل فی النظام السیاسی، وهو الذى یحدد الخطوط العریضة واتجاهات السیاسة الداخلیة والخارجیة فی البلاد، وبالنسبة للحیاة الحزبیة لا توجد حیاة حزبیة فی روسیا بشکل واضح، حیث أن حزب روسیا الموحدة هو المُسیطر علی کل شیئ هناک وبوتین إعتمد فی قیادته لحزب روسیا الموحدة على سیاسة الوسط التی تجمع بین الیمین والیسار([xii])، أما النظام السیاسی المعتمد هناک، فهو شبه رئاسی ومنذ تولی بوتین السلطة فی مطلع ٢٠٠٠ وهو محور السیاسة الروسیة، حتى عندما فاز دیمترى میدیفیدیف فی انتخابات رئاسة ٢٠٠٨ بسبب ترشیح حزب روسیا الموحدة ومساندة بوتین له، کان یسیر علی نهج فلادیمیر بوتین، بینما کان بوتین فی هذه المُدة رئیساً للوزراء، إلى أن عاد لمنصب الرئاسة مرة أخرى فی انتخابات مایو ٢٠١٢ ([xiii]). وتأسیساً لذلک یعد بوتین مخطط السیاسة الروسیة التی تضع المناطق الحیویة العالمیة فی رأس بوصلتها الاستراتیجیة المحددة للمصالح والاهداف، ومنها منطقة الشرق الاوسط دون ادنى شک.

٢-      المحدد الاقتصادی: لقد ظل الاقتصاد الروسی یعانی منذ سقوط الاتحاد السوفیتی من الدیون المتفاقمة والفقر والبطالة والعجز فی سداد مرتبات الموظفین ،حتی مجیئ فلادیمیر بوتین الذی وضع برنامجاً للإصلاح الاقتصادی، وخفض الاعتماد على الواردات وبدأ فی زیادة إنتاجه الزراعی والصناعی، وتصدیر الغاز والطاقة إلى الدول الأخرى، وهذا أدى إلى زیادة دخل متوسط الفرد الروسی، فضلاً عن زیادة الرفاهیة الاجتماعیة للسکان([xiv]). وبما ان اقلیم الشرق الاوسط یحظى بمقومات جیواستراتیجیة وموارد اقتصادیة لا یضاهیها اقلیم اخر فی العالم، فأن العنان الروسی کان قد اطلق تجاهها فی صیغ شرکات عمل نفطیة عملاقة، لاسیما مع الدول النفطیة الخلیجیة منها وغیر الخلیجیة، وکذلک الاستثمارات الأجنبیة بصیغها الروسیة المعتمدة.

٣-       المحدد العسکری: لقد ورثت روسیا من الاتحاد السوفیتی ترسانته النوویة، ولذلک فهی تحتل المرکز الثانی من حیث القوة النوویة، وعند وصول بوتین إلى السلطة عمل على رفع المستوى المعنوی لأفراد القوات المسلحة الروسیة من خلال تحسین وضعهم المادی، علاوة على الاهتمام بتطویر القدرات البریة والجویة والبحریة الروسیة، وزیادة عدد الجیش الروسی کذلک نجحت روسیا فی استعادة مکانتها کثانی أکبر مصدر للسلاح فی العالم بعد الولایات المتحدة الأمریکیة والأن تعد روسیا القوة الثانیة فی العالم بعد الولایات المتحدة الأمریکیة ([xv]).

وعلیه، إن الحدیث عن القوة الثانیة عسکریاً فی العالم، لابد وان یمتد لیشمل مناطق النفوذ العالمی لها، وبجوانبها العسکریة الأمنیة، وهذا ما ینطبق تماماً على نظرة روسیا الاتحادیة بقیادتها الحالیة تجاه منطقة الشرق الاوسط، ورغبتها فی الإبقاء على نفوذها هناک ضمن نطاق الفعل و رد الفعل، تأمیناً لنقطة وثوب تتیح لها حجم مناورة اکبر على الصعید الاستراتیجی العالمی، عبر تغلغل بصور مختلفة، منها تورید سلاح “على سبیل المثال صفقة (S٤٠٠) مع ترکیا، وحتى فیما یتعلق بصیغ التعاون الامنی- الاستخباراتی “مجلس التنسیق الاستخباراتی والتعاون الأمنی بین روسیا-ایران- العراق- سوریا”، او التدخل العسکری المباشر، ولدینا الأنموذج الروسی فی سوریا خیر شاهد على ذلک، تأمیناً لمصالح موسکو الاستراتیجیة فی هذه المنطقة المهمة بموقعها الاستراتیجی المُطل على البحر المتوسط، عبر قواعدها الثابتة والمتحرکة قبالة السواحل السوریة فی طرطوس، کما تتطلع الى مناطق ابعد من ذلک، فی مصر، لیبیا، الجزائر، والمغرب، قبالة الحدود التی تغطیها دول حلف شمال الأطلسی([xvi]).

 ثانیا: المُحددات الخارجیة:

١-       المحددات الإقلیمیة: بعد سقوط الاتحاد السوفیتی حاولت روسیا الهیمنة على الأقالیم المجاورة ، وعملت على منع أیة تدخلات خارجیة فی هذه المنطقة، وتعاملت معها على أنها منطقة أمن استراتیجی بالنسبة لها وبدأت بالتعاون مع الهند والصین فی مجالات الشراکة الاقتصادیة والعسکریة ، وبالنسبة لأزمة القرم التی حاولت روسیا ضمها إلیها حیث أعلن برلمان القرم استقلال شبه الجزیرة عن أوکرانیا وضمها إلى روسیا، مما أدى إلی زیادة العقوبات علی روسیا من قبل الولایات المتحدة الأمریکیة والاتحاد الأوروبی. وهذا یدلل على ان رغبة روسیا الاتحادیة بالنهوض واستعادة دورها العالمی لم تجهض اطلاقاً بتفکک وانهیار الاتحاد السوفییتی، بل أعید رسم خارطة جیوستراتیجیة جدیدة لعمل ونفوذ وسلوک جدید یتوائم مع متغیرات المرحلة الجدیدة لها ([xvii]).

٢-      المحددات الدولیة: منذ تفکک وانهیار الاتحاد السوفیتی ، بدأت الولایات المتحدة الأمریکیة فی الانفراد بالنظام الدولی والسیطرة على العالم، وبدأ حلف شمال الأطلسی (NATO) فی التوسع والانتشار فی العالم، تلا ذلک تدخلات الولایات المتحدة الامریکیة عسکریاً فی دول بعینها، کما حدث باحتلالها أفغانستان عام ٢٠٠١ ، والعراق عام٢٠٠٣ فی محاولة منها لردع کل القوى الإقلیمیة والدولیة، تمهیداً للسیطرة على العالم([xviii]).

لم یکن الموقف الروسی متوافقاً مع السلوک الأمریکی هذا، بل على العکس من ذلک لم تخفِ موسکو امتعاضها من تدخلات واشنطن عسکریاً فی العالم، لاسیما وانها تدرک تماماً بأن سیطرة واشنطن على هذه الدول الغنیة بمواردها ومواقعها الاستراتیجیة یعزز من مواطن القوة فیها، وبالتالی امکانیة استدامة تفوقها على سواها من القوى عالمیاً، عبر مناطق النفوذ التی تنتقیها بدقة، ولاعتبارات عدیدة ضمن سلوک التعاظم الاستراتیجی للمصالح والأهداف، الامر الذی دفع بدوائر الفکر الاستراتیجی فی موسکو الى تقدیم المشورة الى القیادة العلیا بضرورة أنتهاج أسلوب غیر مباشر فی کسب الممتعضین من السلوک الأمریکی المتجاهل للقوى الدولیة الاخرى، والمؤیدین الى جانب موسکو، کالصین والهند والیابان الى حدٍ ما، محاولة بذلک تشکیل کتلة سیاسیة واقتصادیة صاعدة تستطیع ان تربک السیطرة الأمریکیة على العالم من خلال إقامة العدید من التحالفات مع هذه الدول “الصین- الهند- الیابان- البرازیل وغیرها من الدول والمنظمات الدولیة والإقلیمیة، والتکتلات الاقتصادیة العالمیة، الأمر الذی دفع بالعدید من مُنظری العلاقات الدولیة الى التأکید على مقولة “أن العالم یشهد مرحلة جدیدة من التحول الاستراتیجی فی تراتبیة هیکلیته الدولیة من عالم أحادی القطبیة إلى عالم متعدد الأقطاب ([xix]).

    ذلک إن بروز التکتلات الاقتصادیة العالمیة، یثیر بلا شک مخاوف لدى الولایات المتحدة، لاسیما تلک الفاعلة منها، والمتطلعة للمنافسة الدولیة نوعاً ما، مثلاً مجموعة دول بریکس·BRICS ، البرازیل، روسیا، الهند والصین وجنوب افریقیا. ناهیک عن الاتحاد الأوربی ککتلة اقتصادیة عالمیة، متطلعة للمنافسة الاقتصادیة العالمیة، عبر قدرات دول الاتحاد ککل، وشرکاتها العملاقة، لاسیما فی مجال الطاقة العالمیة.

المطلب الثانی :الدور الروسی فی قضایا الشرق الاوسط :

أن ایة عملیة متابعة للسلوک السیاسی الروسی فی ظل الادارة الحالیة، سیرى ان حجم الحضور الروسی فی قضایا الشرق الأوسط تزاید بشکل تدریجی بعد العام ٢٠١١، وبشکل ملحوظ، على حساب تراجع نسبی للدور الغربی المباشر هناک، ذلک أن هذا الحضور الروسی الیوم لا یقتصر فقط على التعاون العسکری مع الکثیر من دول الشرق الأوسط، مثل إیران، سوریا ولیبیا ومصر، بل یمتد ایضاً الى قنوات تواصل اخرى اقتصادیة وثقافیة داخل تلک الدول ومجتمعاتها، وهنا سوف نرکز على نموذجین ، هما سوریا ، وایران، وکالاتی:

اولا: الاستراتیجیة الروسیة تجاه سوریا منذ العام ٢٠١١.

بالرغم من تبدل مفاهیم القوة، بین مُدة واخرى، وبالتالی مناطق النفوذ، والادوار، والافعال السلوکیة المحددة مسبقاً طبقاً لمدى توافق او تعارض المصالح المتشابکة اساساً ما بین القوى الدولیة فی منطقة الشرق الاوسط، تبقى سوریا محط اهتمام وترکیز بنسبة عالیة فی الاستراتیجیات الروسیة تجاه المنطقة برمتها، فهی کانت ولا تزال تشکل محوراً رئیساً ضمن مناطق النفوذ التی تحتضنها البیئة الاستراتیجیة الروسیة.

وبالاتجاه ذاته، ومنذ قیام الثورة السوریة عام ٢٠١١، وبخلاف باقی دول التحولات العربیة کانت الاحتجاجات و/أو الثورة السوریة الأسرع فی تحدید الموقف الروسی حیالها ،حیث بادرت روسیا بإعلان دعمها لنظام الأسد، ورفضت التدخل الخارجی فی الشأن السوری، وتُعد الأزمة السوریة الأن القضیة الأولى بالرعایة فی السیاسة الخارجیة الروسیة([xx]).

وثمة اعتبارات استراتیجیة تقف بقوة فی حال أثیرت ایة اشکالیات تحاول فهم الأسباب المدعاة بقوة للتدخل الروسی فی الأزمة السوریة ومن بینها الاتی ([xxi]):

  • تحتل سوریا المرکز الرابع فی إستیراد السلاح الروسی.
  • وجود قاعدة بحریة روسیة فی میناء طرطوس الذی یطل علی البحر المتوسط.
  • تجربة روسیا السلبیة فی الملف اللیبی، وموافقتها على قرار الأمم المتحدة رقم ١٩٧٣،والذی سمح لحلف الناتو بالتدخل فی لیبیا وإسقاط نظام معمر القذافی أحد حلفاء موسکو.
  • موقع سوریا الجیوستراتیجی والذی یشکل فضاءً حیویاً لروسیا على البحر المتوسط.
  • رغبة روسیا فی إنشاء نظام عالمی متعدد الأقطاب تکون روسیا فاعلاً قویاً فیه.
  • سقوط نظام الأسد هو بمثابة تضیق الخناق على إیران وهنا ستخسر روسیا نفوذا هاماً فی منطقة الشرق الأوسط.

ومما سبق یعنی أن الإصرار فی الموقف الروسی على دعم الحلیف السوری استراتیجیا، عسکریاً وأمنیاً وسیاسیاً، له مبرراته التی تخدم موسکو فی المقام الأول.

أما عن بقیة الأطراف الإقلیمیة والدولیة ومواقفها من الأزمة السوریة، فهناک العدید من الأطراف الدولیة والإقلیمیة فی سوریا فمن جانب نجد روسیا والصین وإیران یدعمون نظام الأسد، ومن جانب أخر نجد السعودیة وترکیا وقطر ودول الخلیج والولایات المتحدة الأمریکیة والاتحاد الاوروبی والدول الغربیة یدعمون وبنسب متفاوتة لکل منهم، المعارضة السوریة ضد الأسد، وبعد زیادة حدة الصراع فی سوریا بدأ الرئیس السوری فی طلب الدعم العسکری الروسی فی سوریا، ومن هنا أعلن الکرملین منح الرئیس الروسی فلادیمیر بوتین تفویضاً بنشر قوات عسکریة داخل سوریا، وبعد ذلک قررت روسیا أن تتدخل عسکریاً لمواجهة تنظیم (داعش الإرهابی)، وإن کان واضحاً ان مثل هذا التدخل جاء من أجل دعم نظام الأسد لحمایة مصالحها الاستراتیجیة حیث تدرک روسیا تماماً أن سوریا أخر ما تبقى لها من مناطق نفوذ فی مناطق المیاه الدافئة ، فضلاً عن المصالح الاقتصادیة هناک([xxii]).

تلا ذلک قیام روسیا بتشکیل تحالف استخباراتی مکون من “روسیا وسوریا وإیران والعراق” لمواجهة تنظیم (داعش الإرهابی) ، وبذلک فقد أصبحت روسیا الفاعل الرئیس فی هذا الصراع حیث أن مؤتمرات جنیف التی کانت تعقد من أجل حل الأزمة کانت روسیا هی الطرف المؤثر بقوة فیها، ولعبت الخارجیة الروسیة دور کبیر فی القول بأنه لاحل سیاسی فی سوریا إلابعد القضاء علی الارهاب وإزداد التدخل العسکری الروسی فی سوریا فضلاً عن تدعیم إیران وحزب الله لنظام الأسد([xxiii]).

وتوالت الاحداث بعد ذلک، لتصل الى حد من التفاقم مع القوى الاقلیمیة المتعارضة فی المواقف بشأن سوریا، وهذا ما حدث خلال إسقاط الطائرة الروسیة “سو ٢٤” من قبل القوات الجویة الترکیة ، وما أعقبها من الخلافات بین الطرفین الترکی والروسی ، والذی تولد عنه زیاده تفاقم الأزمة السوریة، وبعد ذلک استمرت السعودیة وترکیا فی دعم المعارضة السوریة حیث أعلنت السعودیة عن نیتها تشکیل تحالف عسکری مکون من ٣٤ دولة لمواجهة التنظیمات الإرهابیة ، وأرسلت السعودیة بعد ذلک مقاتلاتها إلی قاعدة إنجرلیک الترکیة رغبة منها فی التدخل فی سوریا بمساعدة ترکیا ودول الخلیج ،الأمر الذی قوبل بالرفض المباشر من قبل القیادة الروسیة ([xxiv]).

أما عن استراتیجیة السیاسة الخارجیة الروسیة فی الأزمة السوریة، فقد لعبت تلک السیاسة  دوراً کبیراً فی تهدئة الرأی العالمی من تدخلها هناک، من خلال مؤتمرات “جنیف ٢ “و”جنیف ٣″ التی کانت تعقد من أجل حل الأزمة السوریة، حیث سبق وان صرح وزیر الخارجیة الروسی سیرجی لافروف: “إن الأسد لن یرحل إلا بعد القضاء على الإرهاب أولاً ثم بعد ذلک الحل السیاسی”([xxv]) .

وبالنسبة للولایات المتحدة الأمریکیة ، فقد کان الاختلاف بینها وبین روسیا الاتحادیة کبیراً فی مراحله الأولى، بحیث دفع بعض المحللین والمتابعین فی شؤون العلاقات الدولیة الى التخوف من احتمالیة وقوع صِدام مباشر بین قطعات کلا الدولتین، بسبب التدخل العسکری المباشر لروسیا الاتحادیة هناک، حیث تقول الولایات المتحدة أن التدخل العسکری الروسی یستهدف المدنیین والمعارضة، بینما ترد القیادة الروسیة بأن الضربات العسکریة تستهدف الإرهاب. الى ان تم نوع من التهدئة عبر افساح المجال للشق الدبلوماسی فی ادارة الازمة، وهو ما مثلته المشاورات الدائمة بین روسیا والولایات المتحدة حول مستقبل الأسد. وبعد ذلک حدث مشاورات رباعیة بین وزراء خارجیة ترکیا والسعودیة وأمریکا وروسیا فی فیننا ، حول مستقبل الأزمة السوریة ، وأکد فیها سیرجی لافروف علی بدء الحوار السوری بمشارکة وفد الحکومة والمعارضة الموحد والمعارضة الوطنیة بتوفیر الدعم الخارجی لهذه العملیة([xxvi]).

      وعلى اثر ذلک أعلن الرئیس الروسی فلادیمیر بوتین أنه اتفق مع الرئیس الأمریکی باراک أوباما آنذاک، على بیان مشترک لوقف إطلاق النار فی سوریا، بصفتهما الرئیسین المشارکین للمجموعة الدولیة لدعم سوریا وأن هذا القرار سیتم تنفیذه فی سوریا. وفی خطوة مفاجئة أعلن الرئیس الروسی عن النیة بانسحاب القوات الروسیة من سوریا قائلاً “إن التدخل العسکری الروسی حقق أهدافه إلى حد کبیر”، وإجتمع بوتین مع وزیری الدفاع والخارجیة الروسیین وأمر بتکثیف الدور الروسی فی عملیة السلام الرامیة لإنهاء الصراع فی سوریا”. ولقد کثرت التحلیلات حول الإنسحاب الروسی من سوریا من بینها ([xxvii]) :

أن الرئیس الروسی شعر بأن السیناریو الذی حدث للإتحاد السوفیتی فی أفغانستان سیتکرر مرة أخرى، حیث سیواجه نفس الحشد من “الجهادیین المدعومین من السعودیة وحلفائها”، ومن جهه أخرى أن الروس أکدوا للعالم بأن سوریا تعد منطقة نفوذ روسیة، ولا أحد یجرؤ على التدخل فیها، وذهب البعض إلى أن الانسحاب الروسی لم یکن یأتی إلا بتوافق أمریکی بعد إنتهاء مهمة القوات الروسیة فی سوریا، وأن روسیا إنسحبت من سوریا مقابل تخفیض العقوبات المفروضة علیها من أمریکا والاتحاد الاوروبی بشأن أوکرانیا،  والبعض قال أن روسیا الأن طرف فی المفاوضات، وهناک من قال أن الاستمرار قد یؤدی إلى مواجهه عسکریة مع ترکیا وهو أمر لا یدخل فی حسابات روسیا وهی بغنى عنه، فی حین یذهب رأی أخر الى أن روسیا تحاول تحسین علاقاتها مع الغرب وحل الأزمة سیاسیاً، وهناک من قال أن النظام الروسی حقق ما أراد بتکلفة أقل، وهناک من یرى أن اتفاقا سریاً بین بوتین والأسد کان قد جرى، على أن تنسحب القوات الروسیة من سوریا لتخفیف النزاع ، مقابل تقدیم الولایات المتحدة الضمانات لبشار الأسد بأن یبقى خلال مُدة المفاوضات. ولقد کثرت هذه التحلیلات حول الإنسحاب الروسی من سوریا وفی الغالب لا أحد یستطیع أن یدرک ماذا یقصد الرئیس الروسی فلادیمیر بوتین بهذا الإنسحاب، إلا أنه فی الغالب لا تنسحب أیة قوة عُظمى من منطقة نفوذ خاص بها إلا إذا رأت أن مصالحها الاستراتیجیة تقتضی ذلک([xxviii]) .

ثانیا: الاستراتیجیة الروسیة تجاه الملف النووی الإیرانی منذ ٢٠١١:

لإیران أهمیة خاصة فی استراتیجیة السیاسة الخارجیة الروسیة تجاه منطقة الشرق الأوسط، بل إنها الدولة التی تعطی لروسیا عمقاً استراتیجیا فی المنطقة، لأمور عدیدة جیوسیاسیة واقتصادیة، یمکن إیجازها فی الآتی ([xxix]):

  • تعد إیران الدولة الرئیسة فی منطقة الجوار الروسی غیر المستقرة، ولها تأثیرها الکبیر فی أحداث فی الشرق الأوسط.
  • ینظر فی روسیا إلى إیران کعامل توازن فی المنطقة أمام النفوذ المتزاید لکل من أمریکا وترکیا.
  •  تعد إیران الحلیف الوحید الذی یدعم حکومة بشار الأسد حلیف موسکو.
  • العلاقات الاقتصادیة والعسکریة القائمة بین البلدین، وحجم التبادل فیما بینهما .

ولقد أصبح الملف النووی الإیرانی من أکثر القضایا تعقیداً وإثارة للجدل على الصعیدین الإقلیمی والدولی، فمن ناحیة تصر إیران على حقها ” غیر المشروط” فی إمتلاک دورة الوقود النووی کاملة، وإتمام إعداد برنامج تخصیب الیورانیوم، فی حین ترفض الولایات المتحدة الأمریکیة والإتحاد الأوروبی ذلک.

أما عن الموقف الروسی من الملف النووی الإیرانی، فقد کان الأکثر تفهماً مع إیران فی تحدی واضح للإرادة الأمریکیة، ولکل ما تمارسه الولایات المتحدة من ضغوط علیها، بما فی ذلک فرض العقوبات على الشرکات الروسیة المتعاونة مع إیران، ورغم موافقة روسیا على قرارات مجلس الأمن الدولی عام٠١٠٢، بفرض عقوبات دولیة على طهران لوقف تخصیب الیورانیوم، فإن هذا لم یکن عدولاً عن موقفها الداعم لإیران، فالموقف الروسی من قضیة الملف النووی الإیرانی یتلخص فی بعدین أساسیین متوازیین تنتهجهما وتؤکدهما السیاسة الروسیة، أولهما: تأیید حق إیران فی امتلاک تکنولوجیا نوویة للاستخدامات السلمیة فقط، ثانیهما: رفض امتلاک إیران أسلحة نوویة، أو تحویل برنامجها النووی السلمی للاستخدام العسکری. فروسیا ترفض أی خطوة من جانب إیران تؤهلها فی المستقبل لامتلاک سلاح نووی، وعلى الرغم من أن روسیا تتعاون مع إیران فی بناء محطة بوشهر النوویة لتولید الطاقة الکهربائیة فإنها تقبل بفرض عقوبات على إیران لردعها عن إمتلاک قنبلة نوویة، وتم افتتاح هذه المحطه فی ٢١ سبتمبر١١٠٢ بحضور وزیر الخارجیة الإیرانی ووزیر الطاقة الروسی، وتم توقیع إتفاق جنیف المرحلی بین إیران ومجموعة (٥+١) فی ٤٢ نوفمبر٣١٠٢ ، والذی یقضی بتخفیف العقوبات على إیران ، وعدم إصدار عقوبات جدیدة ضدها مقابل تخفیض تخصیب إیران للیورانیوم ([xxx]).

أما إذا ما نظرنا الى الموقف الإیرانی من الاستراتیجیة الروسیة تجاه الملف النووی الایرانی، فسنرى بأن إیران تحرص على تأمین موقف روسی قوی داخل مجلس الأمن ، وداخل مجموعة (٥+١)، کما تحرص علی التزود بأحدث التکنولوجیا العسکریة، ولقد شهدت قمة منظمة شنغهای للتعاون التی عقدت فی العاصمة القیرغیزیة بشکیک فی ١٢سبتمبر ٢٠١٢، أول قمة روسیة إیرانیة بین الرئیس بوتین وروحانی، والذی طلب فیها حسن روحانی من بوتین بأن یتدخل شخصیاً لإیجاد حل فی البرنامج النووی الإیرانی، وفی هذا الإطار قال بوتین “نعرف حجم الشؤون الدولیة التی تدور فی فلک المشکلة النوویة الإیرانیة، لکننا فی روسیا نعرف شیئا أخر وهو أن إیران جارتنا جارة جیدة ، ونحن لا نختار جیراننا”، مبیناً أن إیران مثل أی دولة لها الحق فی الاستخدام السلمی للطاقة الذریة بما فی ذلک التخصیب، وبعد ذلک قام وزیر الخارجیة الروسی سیرجی لافروف بزیارة إلی طهران فی ١٣دیسمبر ٢٠١٣، أکد فیها أن إیران لاعب أساسی فی تسویة النزاع السوری ،کما أکد علی ضرورة تطبیق بنود إتفاق جنیف کما هی دون وضع أی تفسیرات جدیدة من قبل الولایات المتحدة الأمریکیة. وبعد ذلک تم توقیع الاتفاق النووی الإیرانی بین إیران ومجموعة (٥+١) فی فیینا ١٤ یولیو/تموز٢٠١٥، والذی قضى برفع العقوبات الدولیة المفروضة على إیران بشکل تدریجی بالتزامن مع وفاء طهران بإلتزاماتها فی الاتفاق النووی([xxxi])،  وبعد ذلک مباشرة أصدر الرئیس الروسی فلادیمیر بوتین بیاناً رحب فیه بالاتفاق مؤکداً علی الدور الذی لعبته روسیا للتوصل إلیه، وهذا الاتفاق کانت له انعکاسات إیجابیة وسلبیة على روسیا الاتحادیة ، وکالاتی ([xxxii]) :

أ‌-         الانعکاسات الإیجابیة: تتمثل بالآتی :

١-      تصدیر المزید من الأسلحة لإیران: حیث بعد الاتفاق أعلن الرئیس الروسی فلادیمیر بوتین عن تورید أنظمة صواریخ (إس-٣٠٠) ، وطائرات( سو٣٠) ، فضلا عن التعاون العسکری والتقنی المرتقَب بینهما.

٢-      تعزیز موقع ودور موسکو فی الشرق الأوسط : تعد ایران بوابة مهمة أیضًا للنفوذ الروسی إلى الشرق الأوسط، وأی تقارب إیرانی- غربی سیُنظر إلیه فی موسکو على أنه عامل سلبی، هذا فضلاً عن أن الاتفاق النووی سیُقوِّی من موقف موسکو ضد منظومة الدرع الصاروخیة الأمیرکیة.

٣-      دور أکبر فی المشاریع النوویة الإیرانیة: لا شک أن الاتفاق سیعزِّز من موقع موسکو فی الصناعة النوویة الإیرانیة؛ إذ سیکون لموسکو دور فی تطویر منشأة فوردو وتحویلها إلى مرکز أبحاث، کما ستستمر روسیا فی تزوید إیران بالوقود اللازم لمفاعل بوشهر، وسیکون هناک إلتزامات بتعاون تقنی وفنی وعلمی فی الطاقة النوویة السلمیة مع إیران بموجب الاتفاق([xxxiii]).

ب‌- الانعکاسات السلبیة: وتتمثل بالآتی([xxxiv]) :

١-      تقویض موقع روسیا فی سوق الطاقة: ذلک ان الاتفاق سیجعل من إیران منافساً حقیقیاً لروسیا فی مجال الطاقة، إذ تمتلک إیران رابع أکبر احتیاطی مُثبَت من النفط فی العالم، وهی فی المرتبة الأولى عالمیًّا على صعید الاحتیاطات المثبتة من الغاز الطبیعی، وهذا یعنی أن إیران ستتمتع بالأفضلیة على روسیا مستقبلاً.

٢-      التأثیر على أسعار النفط والغاز: تعانی روسیا من العقوبات الغربیة المفروضة علیها ومن انخفاض سعر العملة المحلیة “الروبل”، ومن المتوقع أن تؤدی عودة إیران إلى أسواق النفط وزیادة حجم إنتاجها إلى انخفاض أکبر فی الأسعار، وهذا سیؤثِّر بشکل سلبی على العائدات الروسیة ویزید من أعبائها المالیة نتیجة تراکم الخسائر وخاصة إن بقیت العقوبات الغربیة مفروضة علیها.

٣-      تحول إیران إلى قوة إقلیمیة: هذا الاتفاق قد یقوِّی من وضع إیران کقوة إقلیمیة، وهذا قد یفید روسیا فی بعض النواحی لکن قد یضرها أیضاً إذا ما قررت إیران الاستفادة من هذا الوضع فی خصومات تتعلق بدور ما فی آسیا الوسطى أو فی تقاسم حصص بحر قزوین.

وغنی عن القول أن قیام الإدارة الامریکیة الحالیة متمثلة بـ دونالد ترامب وفریقه فی الإعلان عن الانسحاب من الاتفاق النووی الایرانی منذ ایار ٢٠١٨، کان قد قلب الکثیر من الموازین، وجعل مصیر هذا الاتفاق على المحک، وفرضه ضغطاً کبیراً على طهران اقتصادیا، وحتى ضغطاً امنیاً مع تحریک قطعات عسکریة أمریکیة باتجاه الخلیج العربی. الامر الذی یدفع بموسکو الى تبنی موقف واضح وصریح تجاه إیران على اقل تقدیر أتساقاً مع المصالح الاستراتیجیة المتشابکة بینهما، وهذا ما یفرض علیها تحدٍ کبیر کون الموقف بین ایران والغرب أصبح أکثر تأزماً بعد السلوک الایرانی فی التصعید ، مقابل التصعید من الطرف الاخر ([xxxv]).

کملخص لما تقدم ، یمکن القول بأن روسیا إستطاعت فی السنوات الأخیرة أن تؤسس لنفسها سیاسة خارجیة مستقلة ومُنفتحة على العالم، مکنتها من استعادة هیبتها ومکانتها على الساحة الدولیة وعودتها إلى الشرق الأوسط مرة أخرى ، لذلک حاول فلادیمیر بوتین إعادة بناء الإمبراطوریة الروسیة من جدید من خلال عدة إستراتیجیات جدیدة منها عدم الدخول فی مواجهات مع الغرب وخاصة الولایات المتحدة الأمریکیة ، والسعی إلى عالم متعدد الأقطاب، وتکوین تحالفات إقلیمیة وتکتلات دولیة جدیدة، لذلک عادت روسیا من جدید إلى النظام الدولی لتکون واحدة من الفاعلین الدولیین فیه، ومن خلال دول مهمة فی الشرق الأوسط، کسوریا وایران، ولتمارس دور مهم فی الحاضر، وربما فی المستقبل ایضاً، وکما فی المبحث الثالث أدناه.

المبحث الثالث: مُستقبل الدور العالمی لروسیا الاتحادیة

یتفق معظم الباحثین والمتخصصین فی مجال العلاقات الدولیة، على ان روسیا الاتحادیة قوة صاعدة لا یمکن تجاهلها تحت ای ظرف دولی، ولها موقف من کل قضیة عالمیة، بحکم وزنها ومکانتها العالمیة، وثقلها السیاسی فی سلم الهرم الدولی، لاسیما بعد ترأس فلادیمیر بوتین السلطة السیاسیة، منذ العام ٢٠٠٠، لیأخُذ منحنى سلوکها السیاسی الى التصاعد عامودیاً تجاه النظام العالمی، مع استمراریة الدفع بذلک  لتکون احد اقطاب هذا النظام ولو من جانب عسکری ابتداء، وعلیه سعى الباحث الى تقسیم هذا المبحث الى مطلبین، وکما فی الآتی :

المطلب الاول: العوامل المؤثرة على الدور الروسی عالمیا:

المطلب الثانى : مستقبل الدور الروسی عالمیا:

اولا:  مشهد تصاعد الدور الروسی عالمیا

ثانیا: مشهد تراجع الدور الروسی عالمیا

ثالثاً: مشهد التعاون او الشراکة الدولیة .

المطلب الاول: العوامل المؤثرة على الدور الروسى عالمیا:

لا شک فی أن خط التحرک فی مناطق النفوذ الدولی الروسی یسیر ضمن نطاق ضیق، لیس کتلک المساحات التی تسیر بها الولایات المتحدة الأمریکیة، فبالنسبة لروسیا تمثل منطقة المحیط الاقلیمی لها، ومنطقة الشرق الأوسط خط النفوذ الاول الذی تتطلع الیه، وبعد أن عززت من نفوذها الإقلیمی باتجاه تثبیت مصالحها الاستراتیجیة هناک، فأنها تتطلع ألى تثبیت باقی تلک المصالح فی الشرق الأوسط بالذات، لاسیما فی ظل محوریة هذه المنطقة وجوهریتها فی فکر کل القوى الدولیة المتطلعة للمکانة والدور، وعلیه سیتم تناول الموضوع وفق المحاور الآتیة ([xxxvi]):

أولاً: الدوافع الروسیة فی التوجه نحو الشرق الأوسط:

من حیث الأهمیة فی التسلسل الهرمی التقلیدی للسیاسة الروسیة الخارجیة یأتی ترتیب الشرق الأوسط تالیاً لأمریکا وأوروبا والصین ودول آسیا الصاعدة، لکن بما أن موسکو قد حددت توجهاتها بأنها یجب أن تعود کقوة عالمیة، عظمى، وأن تنهی تراتبیة النظام العالمی القائم على أحادی القطبیة، فلا یمکن لها أن تتجاهل هذه المنطقة بما تمثله من موقع جغرافی فرید وثروات طبیعیة هائلة. کما و رأت فی حالة الاضطراب والفوضى فی منطقة الشرق الأوسط فرصة لاستعادة مناطق نفوذها التی فقدتها بعد انهیار الاتحاد السوفیاتی، وبالتالی اکتسبت تلک المنطقة صفة “منطقة اختبار”، تختبر فیها روسیا قدرتها فی العودة للساحة العالمیة کشریک أساسی ومؤثر([xxxvii]).

وفق هذا التصور، یصبح الدافع الجیو-سیاسی هو الدافع الرئیسی _ولیس الوحید_ لاهتمام روسیا فی منطقة الشرق الاوسط، وهو المنطلق الأساسی الذی على أساسه تَنسج شبکة علاقاتها بدءً من التدخل العسکری فی سوریة، والتحالف مع إیران، وعقد اتفاقات مع ترکیا، والاحتفاظ بعلاقات جیدة مع “إسرائیل”، ولیس انتهاءً بالسعی لإقامة علاقات مع العراق ومصر ودول الخلیج، وهو دافع مرتبط بالأمن القومی الروسی. وبطبیعة الحال لیس هذا هو الدافع الوحید، ففضلا عن ذلک یوجد الدافع الاقتصادی وهو حاضر بقوة خصوصاً عند الحدیث عن العلاقات الروسیة الترکیة، أو العراقیة، أو الإیرانیة، فالتبادل التجاری بین روسیا وهذه الدول فی مستوى عالٍ، کما وتسعى روسیا لمزید من الاستثمار، خصوصاً فی مجال الطاقة البدیلة، والنفط، والغاز، وصفقات السلاح.

ثانیاً: الفرص الروسیة فی المنطقة :

١-      التدخل فی سوریا:

یُعدُّ النفوذ الروسی فی سوریة بمثابة العنوان الرئیسی لنفوذها فی المنطقة ومنذ البدایة حرصت روسیا على أن یکون تدخلها شرعیاً بالاتفاق مع النظام الحاکم فی سوریة والمعترف به دولیاً. ولأول مرة منذ انتهاء الحرب الباردة تتخذ موسکو موقفاً استباقیاً وتتدخل بهذا الشکل المباشر فی الأزمات الدولیة، واستطاعت روسیا بتدخلها العسکری أن توقف تدهور قوات النظام السوری وأعادت له زمام المبادرة، وقامت بمناورات عسکریة حقیقیة، وأعادت تقییم جاهزیة قواتها المسلحة، واحتفظت بقاعدتها البحریة العریقة فی طرطوس، وأنشأت قاعدة جویة فی حمیمیم فی اللاذقیة، ونشرت منظومة الدفاع الجوی ٤٠٠S المتطورة، وحمت نفسها فی الوقت ذاته من تورط قواتها البریة فی المستنقع السوری. وبالتالی یمکن القول بأن روسیا حققت الجزء الأکبر من أهدافها فی سوریة، وفرضت نفسها کلاعب دولی أساسی لا یمکن تجاوزه([xxxviii]).

وتتلخص الرؤیة الروسیة للأزمة السوریة فی([xxxix]):

  • لیس من حقّ أی دولة أن تتدخل لقلب النظام الحاکم فی أی دولة أخرى، ولا تغییر حدودها الجغرافیة، لذلک فروسیا مع وحدة الأراضی السوریة، وأن مصیر الشعب السوری یحدده الشعب دون إملاءات خارجیة.
  • الأولویة لمحاربة التنظیمات الإسلامیة المتشددة وفق التصنیف الروسی الذی لا یقصرها فی (تنظیم الدولة والنصرة).
  • حلّ الأزمة السوریة هو حلّ سیاسی ولا یمکن حسم المعرکة عسکریاً، لذلک کان هدف الحملة العسکریة الروسیة هو فرض واقع جدید ثم الدعوة للحوار السیاسی.
  • وغایة ما تطمح له الدبلوماسیة الروسیة هو الجلوس من موقع الشریک مع الولایات المتحدة للتوصل إلى حلّ سلمی، الأمر الذی تقابله الإدارة الأمریکیة بعدم اعتبار روسیا لاعباً دولیاً بل هی لاعب فوق الإقلیمی، حسب تصریح الرئیس الامریکی السابق أوباما.

٢-       التحالف مع إیران:

لروسیا علاقات وثیقة جداً مع إیران على مختلف المستویات بالرغم من وجود ثغرات فی الثقة المتبادلة بینهما، فالتدخل الروسی فی سوریة ما کان لیتم لولا الغطاء البری من إیران والقوات المتحالفة معها. وبالرغم من تشابک المصالح بین الدولتین، إلا أن هناک جواً من الحذر فی التعامل فیما بینهما، فإیران من مصلحتها المزید من الانخراط الروسی فی المعارک فی سوریة، بینما تحرص روسیا على الاکتفاء بالضربات الجویة وعملیات القوات الخاصة. لکن مستوى مقبولاً من التناغم قائم بینهما فیما یتعلق بالأزمة السوریة وفیما یتعلق بمواجهة السیاسة الأمریکیة. وأظهرت روسیا قدراً کبیراً من القدرة على التفاهم مع إیران على الرغم من تصویتها فی مجلس الأمن لصالح فرض عقوبات على إیران، بسبب برنامجها النووی، لأنها تتعامل مع هذه المسألة وفق محددین، أولهما: تأیید حقّ إیران فی امتلاک تکنولوجیا نوویة للاستخدامات السلمیة، وثانیهما: رفض امتلاک إیران أسلحة نوویة([xl]).

٣-       اتفاقیات مع ترکیا:

استطاعت الدولتان تجاوز أزمة إسقاط الطائرة الروسیة والمضی فی التعاون الاقتصادی بالرغم من الخلافات السیاسیة الجوهریة بین البلدین فیما یتعلق بسوریة، لکن تعامل الطرفین ببراغماتیة عالیة أدى إلى تطور على الأرض أیضاً، فعلى مدى سنوات کانت أنقرة تُسوِّق لمشروعها القاضی بإیجاد منطقة آمنة على حدودها السوریة، الأمر الذی کانت ترفضه واشنطن. لکن بعد التفاهم مع الروس تمکن الأتراک من التوغل فی الأراضی السوریة، وفرض أمر واقع جدید فی سوریا. غیر أن العنوان الأبرز للعلاقات الروسیة-الترکیة هو الاقتصاد، خصوصاً فی مجالات الطاقة، والغاز، والزراعة، والبناء. فضلاً عن تزوید روسیا لأنقرة بمنظومة الصواریخ الدفاعیة المتطورة جداً S٤٠٠، والتی اثارت الادارة الامریکیة بشکل کبیر، مما دفع ترامب الى اعلان حظر ترکیا من برنامج تطویر منظومة طائرات F٣٥ المتطورة ([xli]).

٤-      العلاقة مع العراق:

نتیجة لعلاقاتها الجیدة مع إیران، تحظى روسیا أیضاً بعلاقات جیدة مع العراق وتسعى للحصول على صفقات فی مجال التسلیح والطاقة، کما أنها فی الوقت نفسه لها علاقات تاریخیة مع الأحزاب السیاسیة الکردیة، وتجمهعا بهم علاقات طیبة. لذا تتطلع الى استدامة علاقاتها مع العراق طبقاً لمحددات مصالحها الاستراتیجیة هناک .

٥-       العلاقة مع السعودیة:

لم تکن العلاقات بین السعودیة وروسیا مُمیزة فی یوم من الأیام. ذلک ان تضارب وجهات النظر فیما بینهما کبیر، لاسیما عندما یتعلق الامر بالتعامل مع ملفات المنطقة بما فی ذلک العلاقة مع إیران، ومستقبل سوریة ونظام الحکم فیها. إلا انه فی الآونة الاخیرة، شهدت العلاقات التی تجمعهما تطوراً نسبیاً، مثله حجم ونوع الاتصالات المکثفة بین الجانبین، کما تتطلع موسکو الى الریاض فیما یتعلق بالتفاهم حول أسعار النفط، ومن مصلحة السعودیة انتهاج سیاسة التنویع فی العلاقات الخارجیة، لذلک من المتوقع استمرار الاتصالات بین الجانبین([xlii]).

٦-      تحسن العلاقات مع مصر:

تاریخیاً، کانت مصر تمثل عماد المصلحة الجیو-سیاسیة السوفیاتیة فی المنطقة، قبل أن تتحول باتجاه الولایات المتحدة. لتعود العلاقات المصریة الروسیة بعد ذلک الى التحسن بشکل کبیر لاسیما بعد وصول عبد الفتاح السیسی للرئاسة، والرئیس بوتین ینظر إلیه بوصفه الشخص القادر على استعادة الاستقرار فی أکبر بلد عربی. ومن خلال التمویل السعودی حصلت مصر على صفقة أسلحة روسیة کبیرة، الأمر الذی نُظر إلیه على أنه شراء موقف، لأن الجیش المصری یعتمد بشکل أساسی على الولایات المتحدة الأمریکیة فی التسلیح والتدریب([xliii]).

٧-       روسیا وإسرائیل:

تتفاوت حجم ونوعیة العلاقات ما بین روسیا واسرائیل، بالرغم من ثوابت المصالح فیما بینهما، فضلاً عن بعض الاعتبارات المتداخلة فیما بیهما، إذ یُشکل الناطقون بالروسیة فی “إسرائیل” خمس السکان، کما أنه یوجد حضور معتبر للیهود فی روسیا، وبذلک تتجه العلاقات بینهما لتکون بمنحنى جید، على الرغم من أن روسیا لیست على اتفاق مطلق مع “إسرائیل” وتتبنى حلّ الدولتین، وتختلف مع وجهات النظر الإسرائیلیة فی الموقف من إیران وحزب الله وحماس، وهی بالتالی تنتهج نهجاً مرناً یخالف النهج الأمریکی، الذی یُعدّ حلیفاً تقلیدیاً لإسرائیل([xliv]).

ثالثاً: عقبات تحد من القدرة الروسیة:

١-       المُحدِّد الأمریکی: تُعد منطقة الشرق الأوسط بشکل عام منطقة نفوذ أمریکی ضمن التقسیمات التقلیدیة فی فترة الحرب الباردة (ثنائیة القطبیة الأمریکیة السوفیتیة). وحتى ما بعد عالم الحرب الباردة، فبالرغم من محاولات الروس الدائمة لإیجاد موطئ قدم ودوائر نفوذ وتحالفات، إلا أن الأمریکان ظلوا اللاعب الأکبر فی المنطقة. وبغض النظر عن الأسلوب الذی أدار به أوباما السیاسة الأمریکیة فی المنطقة، وما بدا وکأنه تراجعٌ فی الدور الأمریکی، إلا أنه لم یحصل تغییر فی جوهر السیاسة الأمریکیة، بالرغم من سعی الأمریکان لتخفیض التکالیف والنأی عن التدخل المباشر. ولا یظهر أن التحرّک الروسی مسَّ حتى الآن المصالح الحیویة الأمریکیة وخطوطها الحمراء، بغض النظر عن انزعاج عدد من الأنظمة الصدیقة لأمریکا من طریقتها فی إدارة النزاعات.

ویبدو أن التدخل الروسی فی سوریا لم یتعارض مع السیاسة الأمریکیة فی استمرار استنزاف الحکومة والمعارضة السوریة، وتغذیة الصراع بما یمزّق النسیج الاجتماعی السوری طائفیاً وعرقیاً، ویدمر الاقتصاد، وبما یؤدی لإضعاف الدولة المرکزیة فی سوریا لصالح الانقسامات الداخلیة التی قد تنشأ فی أی ترتیبات مستقبلیة، وهی ترتیبات ما تزال لأمریکا یدٌ دولیة طُولى فیها مقارنة بالروس. کما أن النظم الحاکمة فی المنطقة ما تزال أکثر میلاً فی علاقاتها مع الأمریکان مقابل الروس لأسباب مختلفة. وبالرغم مما أبداه الرئیس الأمریکی المنتخب ترامب من رغبة فی التعاون مع روسیا، إلا أن طبیعته البراغماتیة وقاعدته الانتخابیة الجمهوریة قد تجنح إلى دفعه لیکون أکثر تشدداً بما یظهر قوة أمریکا وقدرتها على فرض سیاساتها([xlv]).

٢-  ضعف الإمکانیات المادیة الروسیة، بسبب الأزمة المالیة الکبیرة التی تتعرض لها موسکو، بسبب تراجع أسعار النفط، والعقوبات الاقتصادیة الأوروبیة.

٣-  احتمال تمدّد الحرب فی سوریا واتساعها، وفی هذه الحالة ستتعرض روسیا لاستنزاف شدید تحاول تجنبه، لأن الثمن الذی سیدفع حینها سیکون باهظاً جداً إذا قورن بالمکتسبات، وسیعید ذکریات حرب أفغانستان إلى الرأی العام الروسی. وحتى الآن فالعملیة العسکریة الروسیة فی سوریا ما تزال محدودة التکالیف، وهی تقارب تکلفة أی مناورة کبیرة.

٤-  التعاون الوثیق مع إیران، کما أنه یمثل فرصة لروسیا، إلا أنه أیضاً یمثل عقبة تُقِّید یدها فی المنطقة. فعلى سبیل المثال تحتاج روسیا إلى إیران فی مدَّ علاقات اقتصادیة قویة مع العراق.

٥- تشابک مصالحها مع نقیضین فی المنطقة، وهما “إسرائیل” وإیران، مما سیؤثر على مصالحها فی حالة حدوث صراع بین الطرفین، لذلک تتعامل روسیا مع المسألة بحذر شدید.

٦-  العامل الداخلی الروسی، وهو العامل الأهم لکنه عامل بعید المدى، مرتبط بفشل روسیا فی التحول لدولة مؤسسات، وبالتالی هناک خشیة من مرحلة ما بعد بوتین.

 

المطلب الثانی: مُستقبل الدور الروسی عالمیا:

لعل من المفید القول، انه ما من شاطئ ثابت للسیاسة، لأنها تتراوح بین حالتی المد والجزر، طبقاً لحسابات الأهداف والکلف الاستراتیجیة التی تقود لها، الأمر الذی یدفع بنا، ونحن نعیش عالم حرکی متغیر بمعطیات سریعة ، الى تتبع استشراف الدور العالمی لروسیا الاتحادیة طبقاً للمنهج الاستشرافی العلمی ، وفق مشاهد تعکس معطیات علمیة ماثلة، وتأتی تأسیساً على افتراضات علمیة، وکالاتی:

اولا:  مشهد تصاعد الدور الروسی عالمیا.

ثانیا:  مشهد تراجع الدور الروسی عالمیا.

ثالثاً : مشهد التعاون او الشراکة الدولیة .

تختلف آراء الباحثین بالشؤون الروسیة حول مستقبل دور روسیا الاتحادیة على الساحات الإقلیمیة والدولیة، وذلک بحسب مدى قوة الداخل الروسی، وتثبیت دعائمه ، کونه نقطة مهمة للانطلاق الخارجی، فضلاً عن مُتغیرات البیئة الدولیة أیضاً تلعب دور فی تحدید ذلک الدور المستقبلی الروسی ، ضمن مشاهد وکالأتی:

اولا: مشهد تصاعد الدور الروسی عالمیا:

یذهب المشهد الأول إلى افتراض مفاده ، إن روسیا الاتحادیة ستعود إلى مسرح السیاسة الدولیة کقوة منافسة للولایات المتحدة الأمریکیة ومشارکة فاعلة فی إعادة تشکیل النظام الدولی، ورسم ملامحه على أساس من التوازن بأشکاله المختلفة وتعدد أقطابه، استناداً إلى أن روسیا الاتحادیة استطاعت فی السنوات الأخیرة ترتیب أوضاعها الداخلیة وخاصة على المستوى الاقتصادی، فقد حققت فائضاً فی میزان المدفوعات التجاری، وخفضت العجز فی الموازنة بشکل فاق توقعات وشروط صندوق النقد الدولی، إذ وصل الفائض إلى ٣٠ ملیار دولار مُتجاوزة بذلک ما یتوافر لدى صندوق النقدی الدولی نفسه من أموال([xlvi]).

فضلاً عن تدخلها بشکل مباشر فی جورجیا و اوسیتیا الجنوبیة، وضم شبه جزیرة القرم الاوکرانیة الیها، وتدخلها العسکری المباشر فی بعض دول الشرق الاوسط، مثل سوریا، و توافقها مع ایران فی بعض المسائل الاقلیمیة الحیویة، وتطور علاقاتها الاستراتیجیة مع ترکیا، کلها رسائل مفادها، على الجمیع ان یعی صعود روسیا الاتحادیة فی النظام العالمی الجدید ([xlvii]).

ثانیا:  مشهد تراجع الدور الروسی عالمیا:

یتأسس هذا المشهد على افتراض مناقض للافتراض الأول، مفاده، أن روسیا الاتحادیة مهددة بالتفکک والانهیار لأسباب دیموغرافیة واقتصادیة وعسکریة وتقنیة، وأن استفادتها من ارتفاع أسعار النفط  نوعاً ما فی السنوات الأخیرة بضخ کمیات أکبر للبیع، لن تمکنها من تجاوز أزماتها الاقتصادیة الظاهرة والکامنة إلا مرحلیاً، ومن المتوقع أن تعود مجدداً إلى البحث عن حلول أکثر ترکیزاً لأزماتها الداخلیة البنیویة والاقتصادیة وربما حتى العسکریة التی تتطلب موارد أقتصادیة کبیرة، لاسیما التحدیث العسکری المستمر، والتطویر ضمن نطاق الأنفاق العسکری المحدد، وکذلک الأثر السلبی غیر المستبعد والمتولد عن تدخلها عسکریاً فی سوریا، واثر ذلک فی استنزاف قدراتها وبالتالی مکانتها عالمیاً([xlviii]).

فضلاً عن متغیرات الزمن المُتلاحقة بسرعة، ناهیک عن مجموعة من المحددات الداخلیة والخارجیة قد تقف فی طریق رغبة روسیا بأخذ تلک المکانة والدور العالمی، لتحد منها بشکل کبیر، رغم الانغماس القوی لروسیا فی مسائل مهمة على الصعید العالمی، لاسیما تلک التی تخص منطقة الشرق الأوسط ، وبالتحدید دورها القوی فی الازمة السوریة ، والإشکالیات الاخرى التی تعیشها هذه المنطقة.

ثالثاً : مشهد التعاون او الشراکة الدولیة .

یقع هذا المشهد فی مکانة وسط نوعاً ما ، تجمع ما بین الاتجاهین السابقین، المُؤید لتصاعد الدور الروسی، وذلک الداعم لتراجع ذلک الدور، کل ضمن افتراضاته، إذ یذهب هذا الاتجاه الى  أن روسیا الاتحادیة، وإن هی تمکنت من إحراز نجاحات على کافة الصعد، فإنها لأسباب خارجیة وأخرى داخلیة وأهمها إدامة الأقتصاد لخدمة القوة العسکریة، لن تستطیع العودة إلى مسرح السیاسة الدولیة کقوة کونیة عظمى ذات سیاسات إقلیمیة مُتناغمة مع سیاستها الکونیة، فکل ما یمکن أن ترقى إلیه مستقبلاً هو أن تکون الشریک الأصغر والمتعاون، فضلا عن القوة الدولیة الاخرى، للولایات المتحدة الأمریکیة فی إعادة تشکیل النظام الدولی واحتفاظ الولایات المتحدة الأمریکیة بدور وموقع القوة العظمى المقررة لاتجاهات ومسارات السیاسة الدولیة والسیاسات الإقلیمیة المتناغمة معها؛ أی أن الولایات المتحدة ستحتفظ لنفسها بموقع الأول بین الأوائل([xlix]).

وضمن سیاقات المنهج الاستشرافی المتبع فی هذه الدراسة، والمطلب الأخیر منها تحدیداً، فلابُد وأن یصار الى تحدید مشهد مُرجح بین المشاهد العلمیة الثلاث المفترضة اعلاه، وهنا ینوه الباحث الى أن کل المشاهد قابلة لاحتمالیة التحقق ضمن النهج الاستشرافی المستقبلی، کُلٌ بحسب معطیاته وافتراضاته العلمیة، إلا أن المشهد الأکثر قرباً مع الواقع هو المشهد الأول ، والذی یعبر عن تصاعد الدور الروسی عالمیاً، فی المستقبل القریب.

وغنی عن القول، ان ترجیح المشهد الأول لا یلغی احتمالیة السیر وفق المشهد الأخر الثالث، مشهد التعاون والشراکة مع القوى الدولیة، إلا أن احتمالیة السیر بموجب المشهد الأولى تبقى الأقرب واقعیاً طبقاً لمعطیات هذا المشهد العلمیة.

الخاتمة والاستنتاجات:

لعل من نافلة القول، ان الفرضیة الرئیسة التی ارتکزت علیها الدراسة، شکلت بوصلة علمیة، موجهة لحیثیات ومعطیات الموضوع قید الدراسة، إذتعد روسیا الاتحادیة الوریث الشرعی للاتحاد السوفییتی ، قوة دولیة تتطلع إلى اثبات المکانة والدور ، انطلاقا من مقومات قوتها الداخلیة التی تمتلکها، والتی ستدفع بلا شک ألى أداء استراتیجی فاعل على المستوى الخارجی، یتفق والرغبة الروسیة بالبروز والقیام بدور عالمی.

فروسیا الاتحادیة تسعى وبجهد عمیق، لاسیما بعد وصول فلادیمیر بوتین إلى السلطة ألى تحقیق مکانة مرموقة تلیق بمقدراتها  ومرتکزات قوتها ، ووضعها الجدید فی ظل النظام الدولی الجدید الذی یمیل إلى التعددیة القطبیة أکثر من کونه نظام قطب واحد .

ذلک ان انغماس الولایات المتحدة فی أزمات دولیة عدیدة وقضایا محوریة دونما أی اکتراث لسواها من القوى الدولیة، کان قد دفع بتلک القوى الى محاولة إجهاد ذاتها لتحین الفرص والبروز بمکانة دولیة ضمن سلم تراتبیة النظام العالمی وبشکل یصعب تجاهلها، سواء بقدرات ذاتیة ، او بالتکتل ضمن تکتلات اقتصادیة، واحلاف عسکریة، الأمر الذی یضع الولایات المتحدة الامریکیة امام واقع جدید یفرض ذاته، ویدحض الى حدٍ کبیر تلک المقولات التی تفید بأن الولایات المتحدة هی القطب الأحادی فی عالم الیوم.

ومن الطبیعی جداً ان صعود القوى الدولیة لم یکن بشکل آنی ، بمعنى دونما اختبارات میدانیة تقف عندها مدى رغبة الدولة بالاستمرار فی سلوکها الاستراتیجی الهادف نحو العالمیة، أو ترهل ذلک السلوک والعودة الى الانکفاء نحو الداخل، وهذا هو قدر روسیا الاتحادیة، لطالما نظرت الى تدخلها فی مناطق نفوذها الاقلیمی، وکذلک الابعد منه “اقلیم الشرق الاوسط” على انه خطوه باتجاه أتساع دائرة النفوذ، من خلال ایجاد نقط وثوب ، تمهد لصعود مکانتها الدولیة، وبالتالی دورها العالمی.

الاستنتاجات :

وتبعاً لما تقدم فأنه ثمة استنتاجات تم التوصل الیها لتمثل جوهر جهدنا البحثی هذا ، ویمکن اجمالها بالآتی:

١-      أن تفکک وانهیار الاتحاد السوفییتی، لا یعنی تراجعاً کبیراً فی قدرة وریثته الحالیة روسیا الاتحادیة، عن تطلعاتها فی استرجاع المکانة الدولیة التی کان یحظى بها، ضمن تراتبیة الهیکل الدولی للمنظومة العالمیة.

٢-      یعد وصول الرئیس الروسی فلادیمیر بوتین الى السلطة فی روسیا الاتحادیة، وما قام به من تدعیم مرتکزات قوة الدولة الروسیة، وتحدیث هیکلة قوتها الاقتصادیة، والعسکریة البریة والجویة والبحریة، ایذاناً ببدء مرحلة جدیدة من إعادة الهیبة والتأثیر لروسیا الاتحادیة فی النظام العالمی.

٣-      تمثل توظیف مُقدرات قوة روسیا الاتحادیة باتجاه الاداء الاستراتیجی الخارجی، خطوة موفقة للقیادة الروسیة، نحو استجلاب مکانة جدیدة، واستعادة دور عالمی مؤثر، وهذا ما تمثله تجلیات الاستراتیجیة القومیة الروسیة، ونظرتها للأهداف والمصالح من منطلق تراتیبی یبدأ بالداخل ویمتد نحو الاقلیم المجاور، ثم ینطلق نحو مناطق النفوذ ونقاط الوثوب نحو المکانة العالمیة.

٤-      تعد منطقة الشرق الأوسط احد اهم المناطق مکانةً فی الإدراک الاستراتیجی الروسی، انطلاقا من مقدرات و/او مرتکزات جیوستراتیجیة تحوزها هذه المنطقة، الامر الذی یفسر لنا تلک الرغبات الجامحة للقیادة الروسیة بالتدخل فی دول الشرق الاوسط، طبقاً لاعتبارات المصالح الاستراتیجیة الروسیة اولاً، وهذا ما شاهدناه فی التدخل الروسی فی سوریا على سبیل المثال، ورغبة روسیا فی التدخل بشؤون دول المنطقة بشکل اکبر، عبر استثمارات نفطیة، او اتفاقیات تعاون امنیة، او صفقات بیع و تورید السلاح، وغیرها من اسالیب و مبررات التدخل.

٥-      ثمة عوامل تؤثر على الدور الروسی المتوقع عالمیاً، بشکل ایجابی لتدعمه احیاناً، وبشکل سلبی لتقیده، وبالتالی تساهم فی تراجعه فی احیان اخرى،  فاذا کان التدخل الروسی فی سوریا ، والتحالف مع ایران، والتوافق الأمنی مع ترکیا، والعلاقة الجیدة مع اسرائیل، وبعض دول الخلیج تشکل فرصاً لتدعیم صعود الاداء الاستراتیجی الروسی وبالتالی المکانة والدور، فان التواجد الامریکی وغزارة تشابک المصالح الامریکیة الاقتصادیة والامنیة والعسکریة بدول المنطقة، یعد خیر محدد و /أو مقید للاستراتیجیة الروسیة ورغبتها فی توظیف دول المنطقة باتجاه تحقیق مصالحها الاستراتیجیة العلیا.

٦-      وطبقاً لمنهج التحلیل الاستشرافی، تم بناء ثلاثة مشاهد مُستقبلیة للدراسة، کما یأتی:

اولا:  مشهد تصاعد الدور الروسی عالمیا.

ثانیا:  مشهد تراجع الدور الروسی عالمیا.

ثالثاً : مشهد التعاون او الشراکة الدولیة .

وضمن نهج المنهج الاستشرافی فی ترجیح أحد المشاهد المحتملة أو الممکنة أو المرغوب بها، فقد تم ترجیح المشهد الأول، وکذلک الثالث، ای مشهد تصاعد الدور الروسی عالمیا ، کونه الاحتمال الاقرب للواقع من خلال استقراء معطیات الدراسة ومضامینها. یلیه المشهد الثالث، مشهد التعاون او الشراکة الدولیة .

وفی ضوء کل ما تقدم، یضحى واضحا أن الفرضیة التی شکلت بوصلة دراستنا هذه قد تمت البرهنة علیها.


[i]- نورهان الشیخ ، روسیا والعالم الإسلامی : بین خبرات الماضی وافاق المستقبل، العالم الإستراتیجی ، المرکز الدیمقراطی العربی، ٢٠٠٥، ص ٣٢١.

[ii]- موسى الزغبی ، الجیوسیاسیة والعلاقات الدولیة : ابحاث فی الجیوسیاسیة الدولیة وفی شؤون العلاقات الدولیة المتنوعة ، دمشق : منشورات وزارة الثقافة ، ٢٠٠٤، ص١٠٠.

[iii]- نورهان الشیخ ، مصدر سبق ذکره، ص ص ٢٣١- ٢٣٢.

[iv]- Alexander Libman,Anastassia Obydenkova, Autocratic and Democratic External Influences in Post-Soviet Eurasia, London-Newyork: Routledge, p:١٦٣.

[v]- غازی فیصل، السیاسة الخارجیة الروسیة تجاه المشرق العربی بین الفاعلیة والأنکفاء، ورقة بحثیة مقدمة إلى ندوة / العرب والقوى العظمى : العرب وروسیا، المائدة الحرة، ٢٠ ، بغداد : بیت الحکمة ، ١٩٩٨.

[vi]- See: Alexander Golts & Michael Kofman,”Russians Military: Assessment, Strategy, & Threat”, Center on Global Interests (CGI),Washington DC,٢٠١٦,PP:٣-٥.

[vii]- أحمد ابراهیم محمود ، الصناعات العسکریة الروسیة : تدعیم الاقتصاد والمکانة الدولیة ، مجلة السیاسة الدولیة، القاهرة، العدد ١٧٠ ، تشرین الأول أکتوبر ٢٠٠٧، ص ١٢٥.

[viii]-  Denis B. Solovev Editor, Smart Technologies and Innovations in design for control of technological processes and objects: Economy and production, proceeding of the international science and technology conference “FarEastCon-٢٠١٨”Volume ٢.Russia,Springer,٢٠١٩.p:١٣.

[ix]   -Ibid,٢٢-٢٣.

[x] – Chandra Rekha ,India-Russia Post Cold War relations: A new Epoch of cooperation, London: Routledge Taylor and Francis,٢٠١٧,p:٩٧-٩٨.

[xi]-Ibid,p:٩٧.

[xii]- نورهان الشیخ ، صناعة القرار فی روسیا والعلاقات العربیة- العربیة ، بیروت : مرکز دراسات الوحدة العربیة ، ١٩٩٨، ص ٢٤.

[xiii]- یفجینی بریماکوف ، العالم بدون روسیا: قصر النظر وعواقبه، ترجمة عبد الله حسن، دمشق : دار الفکر ، ٢٠١٠، ص ٢٥.

[xiv]- نورهان الشیخ ، ، روسیا والعالم الإسلامی : بین خبرات الماضی وافاق المستقبل، مصدر سبق ذکره ، ص ٣٢١.

[xv]-  عاطف عبد الحمید ، روسیا واسیا الوسطى: حمایة المصالح واحتواء المخاطر، السیاسة الدولیة ، العدد ١٦٨، تشرین الأول أکتوبر ٢٠٠٧، ص ٨٣.

[xvi] -G.Ezra,U.B.Yaakov .A.Niglia, Countering Terrorism and Urban Warfare : Training and Informative Operations, Washington D.C :IOS Press,٢٠١٨,pp:٤٤-٤٥.

[xvii] – Saul Bernard Cohen, Geopolitics: The Geography of International Relations, New York, London, Rowman and Littlefield,٢٠١٤, p:٤٥٢.

[xviii]- محمد وائل القیسی، الأداء الاستراتیجی الأمریکی بعد العام ٢٠٠٨: ادراة باراک اوباما أنموذجاً، الریاض: العبیکان، ٢٠١٦، ص ١٥٠.

[xix]- المصدر السابق نفسه ، ص ٢٣٤.

  • ·- هو مختصر للحروف الأولى باللغة الإنکلیزیة BRICS المکونة لأسماء الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادی بالعالم. وهی: البرازیل وروسیا والهند والصین وجنوب أفریقیا. نشأت کفکرة فی العام ٢٠٠٨، ثم فی العام ٢٠٠٩ تم عقد أول قمة لرؤساء الدول الأربعة،( قبل انضمام جنوب أفریقیا فی عام ٢٠١٠)، حیث تضمنت الإعلان عن تأسیس نظام عالمی ثنائی القطبیة، تشکل مساحة هذه الدول ربع مساحة الیابسة، وعدد سکانها یقارب ٤٠ % من سکان الأرض. ومن المتوقع بحلول عام ٢٠٥٠ أن تنافس اقتصادیات هذه الدول، اقتصاد أغنى الدول فی العالم حالیا،ومن المتوقع أن تشکل هذه الدول حلفًا أو نادیا سیاسیا فیما بینها مستقبلا.للمزید أنظر:

-Francesca Beausang, Globalization and the BRICs: Why the BRICs Will Not Rule the World For Long, Palgrave Macmillan, New York, ٢٠١٢, pp:١-٧.

[xx]- أنظر : سلامة کیلة، الثورة السوریة : واقعها، صیرورتها وآفاقها ، مصر : أطلس للنشر والترجمة، ٢٠١٣، ص ص ٧٧- ٧٨.

[xxi]- کریم المفتی ، مصالح روسیا والصین فی الشرق الأوسط دراسة تحلیلیة، المجلة العربیة للعلوم السیاسة، العدد٤٨،بیروت: مرکزدراسات الوحدة العربیة، ٢٠١٦، ص ص ٤٣- ٤٦.

[xxii]- محمد مجدان ، سیاسة روسیا الخارجیة الیوم :البحث عن دورعالمی مؤثر،المجلة العربیة للعلوم السیاسة، بیروت:مرکزدراسات الوحدة العربیة، العدد٤٨، ٢٠١٦، ص ٢٣.

[xxiii]- محمد وائل القیسی، مصدر سبق ذکره، ص ١٩٧.

[xxiv]- محمد مجدان، مصدر سبق ذکره، ص ٢٣.

[xxv]- محمد وائل القیسی، مصدر سبق ذکره، ص ٢٣٦.

[xxvi]- معتز سلامة ، القطب العائد:الدور الروسی فی سیاق إقلیمی متغیر، مجله السیاسة الدولیة، القاهرة :مرکزالدراسات السیاسیة والاستراتیجیة، العدد١٩٥، ٢٠١٤، ص ٨٣.

[xxvii]- الاتفاق الأمریکی الروسی لوقف إطلاق النار فی سوریا، التاریخ ٥/٤/٢٠١٦م، للمزید انظر:

        http://www.state.gov/r/pa/prs/ps/٢٠١٦/٠٢/٢٥٣١١٥.htm

[xxviii]- للأستفاضة ینظر: د.محمد وائل القیسی، مصدر سبق ذکره، ص ٢٥٧-٢٥٩.

[xxix]- نیکولای کوزهانوف، علاقات روسیا مع طهران ، معهد واشنطن لسیاسات الشرق الأدنی ، أمریکا ، یونیو ٢٠١٢م، التاریخ ٧/٤/٢٠١٦م، للمزید انظر

http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/russian-relations-with-iran-dialogue-without-commitments

[xxx]-  علی حسین باکیر، تبعات الإتفاق النووی الإیرانی علی الصین وروسیا، مرکزالجزیرة للدراسات، الدوحة ،٢١/٩/٢٠١٥م)، التاریخ ٨/٤/٢٠١٦م ،للمزید أنظر:

       http://studies.aljazeera.net/ar/reports/٢٠١٥/٠٩/٢٠١٥٩٢١١٠٢٦٨٥٦٩١٨٤.html

[xxxi]- للمزید انظر : الرئیس الروسی بوتین بعد الإتفاق النووی الایرانی ،١٤/٧/٢٠١٥، التاریخ:

         http://en.kremlin.ru/events/president/news/٤٩٩٥٧

[xxxii]- علی حسین باکیر، مصدر سبق ذکره .

[xxxiii] -Moritz Pieper,Hegemony and Resistance around the Iranian Nuclear Programme:Analysing Chinese, Russian and Turkish Foreign Policies, Routledge,٢٠١٧,p:٧٣.

[xxxiv]- علی حسین باکیر، مصدر سبق ذکره.

[xxxv]- محمد وائل القیسی، استراتیجیة القوة الذکیة فی ادارة الازمة الدولیة “أزمة واشنطن-طهران خلال العام ٢٠١٩، أنموذجاً”، مجلة دراسات اقلیمیة، جامعة الموصل، مرکز الدراسات الاقلیمیة، تموز ٢٠١٩، ص ١٢١.

[xxxvi]- نورهان الشیخ ، محددات وآفاق العلاقات الروسیة -العربیة فی العقد الثانی من القرن الحادی والعشرین، مجلة دراسات شرق أوسطیة ، الأردن : مرکز دراسات الشرق الأوسط، العدد٣٩، ص ٤٣.

[xxxvii] -Jack Covarrubias, Strategic Interests in the Middle East: Opposition or Support for US Foreign,Routledge,٢٠١٧,pp:٦٧-٦٩.

[xxxviii]- محمد عبدالله یونس رؤی غربیة لسیناریوهات التدخل العسکری الروسی فی سوریا ، مجلة السیاسة الدولیة، القاهرة، مرکز الدراسات السیاسیة والإستراتیجیة ، العدد ٢٠٣، ینایر ٢٠١٦، ص ٦٧.

[xxxix]-  میشیل کیلو ، رهانات صعبة : حسابات موسکو تجاه الصراع فی سوریا ، مجلة السیاسة الدولیة، القاهرة: مرکز الدراسات الدولیة والإستراتیجیة، العدد ١٩٥، ٢٠١٤، ص ص ٣٧-٣٩.

[xl]- کریم المفتی، مصدر سبق ذکره، ص ٤٥.

[xli] – Aristotle Tziampiris, Spyridon N .Litsas, The New Eastern Mediterranean: Theory, Politics and States in a Volatile Era, Piraeus:Springer,٢٠١٧  p:١٨٧.

[xlii]- نورهان الشیخ ، صناعة القرار فی روسیا والعلاقات العربیة..، مصدر سبق ذکره، ص ٤٥.

[xliii]- المصدر نفسه .

[xliv] -Anoushiravan Ehteshami, Hannah Carter, The Middle East’s Relations with Asia and Russia,Routledge,٢٠١٣,,p:٨٩.

[xlv]- نورهان الشیخ ، العلاقات الروسیة – الأوروأطلسیة: بین المصالح الوطنیة والشراکة الإستراتیجیة، القاهرة، مجلة السیاسة الدولیة ، العدد ١٧٠، تشرین الاول – أکتوبر ٢٠٠٧، ص ٥٠.

[xlvi]- محمد مجدان ، سیاسة روسیا الخارجیة الیوم :البحث عن دورعالمی مؤثر، مصدر سبق ذکره ، ص ٢٤.

[xlvii] -Gerard Toal, Near Abroad: Putin ,the West, and the Contest Over Ukraine and the Caucasus, London, Oxford University Press, ٢٠١٧,pp:١٧-١٨.

[xlviii]- هاجر محمد أحمد ، رؤی مستقبلیة: دوافع وتداعیات التدخل الروسی فی سوریا، مرکز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتیجیة،العراق، ١/١١/٢٠١٥، للمزید أنظر:

     http://rawabetcenter.com/archives/١٤٤٠١

[xlix]- محمد مجدان ، سیاسة روسیا الخارجیة الیوم :البحث عن دورعالمی مؤثر، مصدر سبق ذکره ، ص ٢٤.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى