محتوى و مقدمة موضوع الحضانة و تطبيقاتها القضائية:
الزواج آية من آيات الله الذي يعلم من خلق ويعلم غرائزهم وطباعهم ويعلم أن الإنسان لا يستغني عن الألف جسديا ونفسيا ومن أجل ذلك شّرع الزواج ليحقق للإنسان أهدافا لا غنى عنها إرضاء للغريزة الفطرية والحصول على الولد على نحو مشروع وكذا أنيس يألفه ويسكن إليه و يتعاون معه على شدائد الحياة وصعابها .
والله عز وجل يعلم أن نفس الإنسان متغيرة يجد عليها ما لم يكن في حسبانها فقد يجد عليها ما يستحكم به النفور بين الرجل وامرأته بما لم يكن معه معاشرة بمعروف أو تسريح بإحسان، فأرشد رب الناس إلى الإصلاح ووضع وسائلا لذلك فإن لم تنجح هذه الوسائل في حل الخلاف بينهما يكون الطلاق هو الحل الأخير .
فإذا وقعت الفرقة بين الزوجين بإحدى الطرق المتعارف عليها شرعا و قانونا تترتب آثار مادية وأخرى معنوية، و لعل أهم وأعقد مسألة تطرح على القاضي هي وجود أبناء مشتركين في العلاقة الزوجية، فإذا كانت الآثار المالية للطلاق مرتبطة بإقامة الدليـل عليهــا
و بالتالي الاستجابة لها أو رفضها على أساسه، فإنه فيما يخص الأولاد تتعقد مهمة القاضي للفصل في مصيرهم و إيجاد أنسب حل يخدم مصالحهم، بداية بتحديد من سيكفلهم و يتولّى رعاية شؤونهم و تربيتهم إلى غاية بلوغهم سنّ معيّنة فيما يسمّى بالحضانة.
1- أهمية مرحلة الحضانة :
و تجد مرحلة الحضانة أهميتها في كون الطفل في هذه الفترة ضعيفا، عاجزا عن القيام بشؤونه، و الأكثر من ذلك، فحسب علماء النفس فإن حدوث أي تغيرات في البيئة المباشرة المحيطة بالطفل في الشهور الأولى من السنوات الأولى من عمره من شأنها أن تعطل الكثير من وظائفه وقدراته النفسية.
و من هنا تكمن الأهمية الكبيرة للحضانة، فالملامح الأولى لشخصية الطفل تتكون في هذه الفترة، إذ أنّ أسس الاستعداد لممارسة الحياة الاجتماعية و المهنية و الأسرية مستقبلا ترسّخ في مرحلة الحضانة. كما تؤكد بعض الدراسات الاجتماعية أن 50% من المكتسبات الذهنية المتوفرة للمراهق في سن 17 سنة من عمره تحصل في السنوات الأربع الأولى و أن 30% منها تظهر فيما بين السابعة و الثامنة عشر. فهذه المرحلة تعد من أكثر الفترات مرونة و قابلية للتعليم و تطوير المهارات، و كل طفل حرم من ذلك يكون بلا شك قد خسر كثيرا و إلى الأبد فالقدرات و المواهب الطبيعة إذا لم تلق ما تحتاج إليه من الرعاية الكاملة في الوقت المناسب إما أن تذبل أو تموت، و في ذلك يقول Arnold gessell: “لن يتاح أبدا مرة أخرى للعقل و الخلق و الروح أن تسير قدما بنفس السرعة التي كانت تسير بها في الفترة التكوينية و التشكيلية لما قبل المدرسة. و لن يتاح أبدا للعقل مرة أخرى نفس فرصة باكورة الطفولة في إرساء أسس الصحة العقلية“.
ومن هنا تزداد أهمية الحضانة ويعظم قدرها، لذلك أولاها الإسلام أهمية كبيرة فأقر لها جملة من الأحكام الشرعية تحفظ الأولاد حقوقهم وتكفل رعايتهم من ولادتهم حتى البلوغ واتخذتها بعد ذلك جل التشريعات الوضعية أساسا لها .
ولقد نظم المشرع الجزائري أحكام الحضانة في الفصل الثاني من الباب الثاني من الكتاب الأول فـي القـانون رقم 84-11 المِِِِِِؤرخ في 09 رمضان عام 1404هـ المـوافــق لـ 09 يونيو لسنة 1984والمتضمن قانون الأسرة المعدل والمتمم بالأمر رقــم05_02 المؤرخ في27 فبراير2005 وذلك في المواد من 62 إلى 72 منه ولضمان تحقيق الغاية من هذه الأحكام جعل المشرع من قاضي شؤون الأسرة رقيبا وحارسا أمينا مكلفا بذلك، إذ مكنه من سلطات واسعة في تطبيقها في ذات القانون بالإضافة إلى سلطات أخرى جاء بها قانون الإجراءات المدنية و الإدارية بعد ذلك.
2- إشكالية و تقسيم موضوع الحضانة و تطبيقاتها :
و بوصفنا قضاة المستقبل، يقع على عاتقنا واجب الفصل في أيّ دعوى أو طلب قضائي فإذا كانت الأحكام التي فصّل فيها القانون لا تحتاج دراسة أو توضيح، فإنّ الأمر ليس كذلك فيما يخص الأحكام الغامضة التي يثار الجدل بشأن تطبيقها، و لا تخرج أحكام الحضانة عن هذه القاعدة، فمهما بلغت حيطة المشرع في تنظيمها إلا أن التطبيق القضائي أثبت أن أحكامها تشوبها عدة ثغرات، قادنا الضمير المهني و ثقل المسؤولية التي ستلقى على عاتقنا في المدى القريب الى التفكير في إيجاد الحلول المثلى لهذه الإشكاليات و كيفية التصرف إزاءها لاسيما لو طرحت أمامنا، و من هنا تكمن الأسباب الذاتية ـ إضافة إلى الأسباب الموضوعية أعلاه ـ في اختيار هذا الموضوع. و حاولنا ـ بالتطرق لمسألة الحضانة من الجانب القانوني و التطبيقي ـ
الإجابة عن الإشكالية التالية:
مـا هـي مجمل الأحكــام التي تضبط مسألة الحضانـة؟ و مـا هـي الإشكـالات القانونيـة المتولّدة عن التطبيق القضائي لها؟
تقسيم الموضوع :
و تبعا لذلك قسّمنا بحثنا وفق خطة مبسطة إلى مبحثين، تطرقنا في المبحث الأول إلى الأحكام العامة للحضانة، ثم كمبحث ثان حاولنا أن نورد أهم الإشكالات القانونية المثارة بهذا الصدد محاولين دائما التركيز على نماذج للتطبيقات القضائية التي تعرفها المجالس و المحاكم و كذا اجتهادات المحكمة العليا، رغم ما واجهناه من صعوبات في جمعها و استغلالها بالموازاة مع المراجع النظرية و التي ـ على كثرتها ـ أبعد ما تكون عن مستجدّات التطبيق القضائي.
خطة البحث :
المقدمـة
المبحـث الأول: أحكـام الحضـانة و تطبيقاتهـا القضائيـة.
المطلـب الأول: أحكـام الحضانـة.
الفـرع الأول: مفهوم الحضانة.
الـفرع الثاني: آثـار إسنـاد الحضانة.
المطلـب الثاني: التطبيقـات القضائية للحضانة.
الفـرع الأول: دعوى الإسناد و إسقاط الحضانة.
الفـرع الثاني: إنقضاء الحضانة و تمديدها.
المبحـث الثاني : الإشكالات القانونيـة المتولـدة عن تطبيق أحكـام الحضانة.
المطلـب الأول:الإشكـالات المتعلقـة بممارسة حق الحضانة.
الفـرع الأول:الإشكـالات المتعلقة بالنفقة و الزيارة.
الفـرع الثاني:إشكاليـة الإنتقال بالمحضون.
المطلـب الثاني: الإشكـالات المتعلقـة بتقدير مصلحـة المحضون.
الفـرع الأول: المقصود بمبدأ مراعاة مصلحة المحضون.
الفـرع الثاني: سلطة القاضي في تقدير مصلحة المحضون.
الخاتمـة.
ملخص الموضوع :
بعد استعراض الخطوط العريضة لمسألة الحضانة بمفهوم القانون الجزائري وأهم تطبيقاتها القضائية في المحاكم و المجالس القضائية، وجدنا أن هذه الأخيرة تعتبر من أهم وأعقد المسائل بالنظر للغاية المرجوة منها ذلك أن مناطها هو تحديد مصير الأبناء المشتركين بعد فك الرابطة الزوجية، و على اعتبارهم أمانة في عنق القاضي ألزمه المشرع باتباع مجموعة من الأحكام تكفل له ذلك.
فعلا تضمن قانون الأسرة لسنة 1984عدة أحكام لتنظيم الحضانة الا أنها كانت تحوي الكثير من الثغرات ظهرت من خلال التطبيق القضائي، هذه المرحلة ـ رغم ذلك ـ دامت لأكثر من عشرين سنة مما جعل أحكامه غير مسايرة للأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية الجديدة للمجتمع الجزائري،و على ذلك عرفت هذه المرحلة الكثير من الترقّب لحل الإشكالات المطروحة. .
وأهم ما جاء به الأمر 05-02 المادة 57 مكرر و ذلك بإعطاء صلاحيات واسعة لقاضي الاستعجال سابقا، و قاضي شؤون الأسرة حاليا مع صدور قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، للفصل على وجه السرعة في قضايا النفقة، الحضانة المؤقتة، السكن، الزيارة بموجب أوامر على عرائض مشمولة بالنفاذ المعجل و حسنا فعل المشرع الجزائري في القانون الجديد بأن منح هذا الاختصاص مباشرة لقاضي شؤون الأسرة بدلا من قاضي الاستعجال(رئيس المحكمة على العموم) كونه أدرى بالملف على اعتباره سيفصل في نفس الدعوى بمناسبة الفصل في الموضوع بما يضع حدّا لتذبذب التطبيق القضائي إزاء هذه المسائل قبل تعديل 2005.
كما حل التعديل الإشكالية التي أسالت الكثير من الحبر في الأوساط القانونية الجزائرية و المتعلقة بمسؤولية متولي الرقابة، إذ جاءت المادة 87 من قانون الأسرة صريحة، بأن منحت الولاية لمن أسندت إليه الحضانة.
الجوانب التي تضمنها تعريف الحضانة :
والمتمعن في الأحكام العامة للحضانة في قانون الأسرة الجزائري، يلاحظ أن المشرع على خلاف التشريعات الأخرى عرّف الحضانة في نص المادة 62 منه إستنادا على أهدافها، فحدد بذلك نطاقها و الوظائف الرئيسية لها، و منه يتعيّن على قضاة شؤون الأسرة عند الفصل في مسألة الحضانة مراعاة كل الجوانب التي تضمنها هذا التعريف و هي: رعاية الولد، تعليمه، السهر غلى حمايته و حفظه صحة و خلقا، و لاسيما القيام بتربيته على دين أبيه، و هذا دائما تحت إشراف هذا الأخير عن طريق حق الزيارة الممنوح له بما يشكل ضمانة و أداة للرقابة على ذلك. غير أنه من الناحية الواقعية ليس من السهل على الأب الوقوف دائما على مسار تربية ابنه لقصر مدة الزيارة، هذا من جهة.
و من جهة أخرى، فإن آباءا آخرين يهملون هذا الحق/الواجب. فكان لزاما على المشرع الجزائري لأهمية زيارة المحضون بمختلف الأبعاد، و تكريسا لسمو مبدأ مصلحة المحضون، فرض غرامات جزائية على كل من يهمله بدون مبرر. و لتفعيل هذا الإقتراح نعززه باقتراح آخر هو إنشاء جداول خاصة للزيارة، متضمنة في الحكم بدقة، تحدد الحاضن و صاحب الحق في الزيارة، و أوقات الزيارة التي يجب أن تحدد بكل تفصيل كما هو الحال في بعض القوانين المقارنة، حيث يتحول هذا الجدول إلى سند تنفيذي يصادق عليه بعد ذلك في الحكم، مما يحد من القضايا الخاصة بالزيارة و من جهة أخرى تعتبر كوسيلة لتجسيد الهدف الفعلي من ممارسة حق الزيارة.
1-شروط الحاضن و مصلحة المحضون :
و في رأينا، إن تحديد شروط الحاضن من شأنه أن يكون خطوة أساسية في تحديد معالم مصلحة المحضون، هذه العبارة المطاطة لنسبيتها، و التي ورد ذكرها في جل المواد المتعلقة بالحضانة تقريبا، و مرد ذلك ـ في رأينا ـ راجع إلى كون هذه المسألة متعلقة بالعنصر البشري، و الذي فضلا عن كونه يعد الركيزة الأساسية للأمم، فإنه لا يمكن تحديد معيار موحد يصلح على الجميع، و من ثمة فإن تحديد المصلحة يقع على عاتق قاضي الموضوع و الذي عليه أن يحدّده حالة بحالة و بتأني، مما يستلزم بالتبعية توافر شروط و معايير دقيقة في قاضي شؤون الأسرة كأن يكون متزوجا بما يجعله قادرا على الإلمام بجميع الأبعاد في المسائل العائلية، لديه حس عميق بالمسؤولية و بعد النظر، و كذا جانب من التكوين النفسي و الإجتماعي، و الأحسن انتهاج مبدأ التخصص في التكوين الذي أصبح مطلبا لأهمية هذا القسم.
غير أن المتتبع لواقع المحاكم و المجالس الجزائرية سيلاحظ دون شك، أنه صار القضاة إجمالا مطالبون بسرعة الفصل في القضايا المعروضة أمامهم، بغض النظر عن كمّ قضايا الجدول، مما يؤثر أحيانا على تحري مصلحة المحضون بالصورة الكافية المتوخّاة من طرف المشرع.و كذا وجود فراغ تشريعي فيما يخص تتبع المحضون في مرحلة ما بعد إسناد الحضانة كما هو الشأن في الدول ـ التي تقدر العامل البشري بوصفه الركيزة الأساسية لهاـ حيث استحدثت هيآت خاصة تعمل تحت إشراف السلطة القضائية تراقب مسار المحضون لدى الحاضن و مدى الرعاية و الاهتمام المقدمة له.
2-إشكالية إعسار الأب :
تبقى الإشكالية المطروحة في حال إعسار الأب و عدم قدرة الحاضنة على الإنفاق يبقى المحضون ـ في هذه الحالة ـ بدون مؤونة، نرى أنه في حالة ثبوت إعسار الأب لابد من تدخل الدولة باستحداث صندوق خاص يتكفل بضمان الحد الأدنى لمتطلبات المحضون المادية. هذه الفكرة كانت واردة من بين الأحكام الجديدة لمشروع قانون الأسرة و الذي عرف النور في 2005 إلا أنه لم يصادق عليها و لم يتم تجسيدها. مع ذلك نتمنى أن تكون الأوضاع المالية الجديدة للخزينة العمومية الجزائرية عامل مشجع على إعادة إدراجه.
و في انتظار ذلك، نرجو أن نكون وفقنا لحد بعيد في إثراء هذا الموضوع و الإجابة على مختلف الإشكاليات المطروحة في هذا البحث، و أن يكون بداية لدراسات أخرى في هذا الميدان على أن تركز خصوصا على الجانب العملي .
التحميل:
لتحميل المذكرة اضغط على الرابط التالي : من هنا