أخبار ومعلومات

دوافع اهتمام الاتحاد الإفريقي بمواجهة المقاتلين الأجانب في القارة

برغم أنه لا يزال من المبكر رصد أي مخرجات ملموسة لقمة الاتحاد الإفريقي الخامسة والثلاثين التي عُقدت بمقر المنظمة القارية بأديس أبابا في فبراير 2022؛ جاءت تصريحات النيجيري بانكولي أديوي مفوض الاتحاد الإفريقي للشؤون السياسية والسلم والأمن التي أدلى بها في مؤتمر صحفي على هامش القمة، لتشير إلى تغيرات عميقة في مقاربة الاتحاد الإفريقي تجاه الأزمات الأمنية المتعددة التي تعاني منها القارة الإفريقية في الوقت الراهن؛ فقد أكد أديوي بصورة قاطعة مناقشة القمة الإفريقية الأخيرة سبل إخراج الشركات العسكرية الخاصة والمرتزقة والمقاتلين الأجانب، معتبراً أن القوات المقاتلة الأجنبية أصبحت أكثر انخراطاً في العديد من دوائر الصراع في إفريقيا، بما نجم عن ذلك من تأجيج التوترات وتعقيد الجهود الرامية لتسوية الصراعات الإفريقية سلميّاً.

وأرجع أديوي هذا التمدد الاستثنائي للشركات العسكرية والمقاتلين الأجانب على الساحات الإفريقية المختلفة إلى تنامي مشكلات الإرهاب والتطرف العنيف في إفريقيا. ولم يكتف مفوض الاتحاد الإفريقي للشؤون السياسية والسلم الأمن بالتنديد بالأدوار الضارة التي تلعبها الشركات العسكرية والمقاتلين الأجانب في إفريقيا، وإنما أكد عمل كافة الأطراف الإفريقية المعنية على إخراج هؤلاء الفاعلين من القارة، خاصةً بعدما أكد إجماع الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي على رسم خارطة طريق إجرائية لتحديد مستقبل القارة في مواجهة الإرهاب والتطرف والصراعات، التي فتحت الباب لاستقدام المقاتلين الأجانب، معلناً عن عقد الاتحاد الإفريقي قمة استثنائية لرؤساء الدول والحكومات في مايو 2022 في مالابو عاصمة غينيا الاستوائية.

عوامل مُحفّزة

يأتي هذا التحول المهم في أجندة الاتحاد الإفريقي باعتبار قضية إخراج المقاتلين الأجانب والشركات العسكرية الخاصة في إفريقيا أولوية تستدعي عقد قمة طارئة، ليعكس ما قامت به الأجهزة والهيئات المعنية في المنظمة القارية من مراجعات عميقة فرضتها عدد من العوامل التي تتضمن:

1– التحولات الخطرة لظاهرة المقاتلين الأجانب في إفريقيا: جاء اهتمام الاتحاد الإفريقي بقضية إخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة والشركات العسكرية الخاصة من القارة الإفريقية، بعد أن شهدت هذه الظاهرة سلسلة من التحولات جعلتها تشكل أحد أكبر المهددات لأمن القارة واستقرارها؛ فلإفريقيا خبرة ممتدة مع ظاهرة المقاتلين الأجانب تجلت في فترة الحرب الباردة من خلال الدور البارز للمقاتلين الكوبيين في ساحات صراع عديدة كإثيوبيا وأنجولا، كما شهدت الحرب الأهلية في ليبيريا وسيراليون في تسعينيات القرن العشرين تمدداً كبيراً في دور الشركات العسكرية الخاصة مع تعاقد الحكومة في فريتاون مع شركة Executive Outcomes العسكرية الجنوب إفريقية.

وفي اللحظة الراهنة يبدو مشهد المقاتلين الأجانب في القارة الإفريقية أكثر اضطراباً وفوضوية من أي وقت مضى؛ حيث اكتسبت الظاهرة عدداً من السمات البالغة الخطورة. فقد تعددت دوائر انتشار المقاتلين الأجانب والشركات العسكرية الخاصة على نحو غير مسبوق في ليبيا ومالي وإفريقيا الوسطى وموزمبيق كأربع مراكز رئيسية، بالإضافة إلى رصد حضور لهؤلاء اللاعبين في عدد من دوائر الصراع الكامنة والدول المعرضة للاضطرابات المزمنة، مثل بوروندي والكونغو الديمقراطية. كما تعددت كذلك أنماط انتشار المقاتلين الأجانب بصورة كبيرة حتى على مستوى الدولة الواحدة بين الإرهابيين القادمين من خارج حدود القارة، استغلالاً للهشاشة الأمنية في مناطق تركز النشاط الإرهابي بإفريقيا في القرن الإفريقي والساحل الإفريقي، وبين الشركات العسكرية الخاصة ذات الاتصال شبه المباشر بقوات مسلحة نظامية تتبع القوى الدولية الكبرى، وبين تشكيلات المرتزقة الذين يحترفون العمل القتالي وينتقلون من دائرة صراع إلى أخرى بغض النظر عن أي اعتبارات أيديولوجية أو دوافع سياسية.

ومن بين التحولات المهمة لظاهرة المقاتلين الأجانب في إفريقيا، الاستعانة بمجموعات من القوات الأجنبية أكثر تنظيماً وأكثر تطوراً فيما تستخدمه من أسلحة، في ظل الخبرة التي حصل عليها المقاتلون من الإرهابيين ذوي الخبرة في ساحات قتال أخرى، أو من العناصر العسكرية السابقة. وأخيراً، لم تعد المشكلات المرتبطة بانتشار مجموعات المقاتلين الأجانب في إفريقيا على اختلاف أنواعها قاصرة على الأبعاد العسكرية والأمنية والممارسات الميدانية لهذه القوات، وإنما أصبحت تشكل أحد أهم الظواهر الكاشفة عن احتدام المنافسة الدولية على النفوذ في القارة الإفريقية، بما حوَّل المقاتلين الأجانب إلى أداة سياسية بامتياز.

2– محدودية العائد من انتشار الشركات العسكرية الخاصة: عادةً ما كان يقدم تبرير للجوء الحكومات الإفريقية إلى الشركات العسكرية الخاصة التابعة لقوى دولية خارجية، بمنطق ما تتمتع به هذه الشركات من كفاءة وقدرات قتالية عالية لا تتمتع بها العديد من الجيوش الوطنية الإفريقية. وقد ساهم هذا التصور في الترويج لانتشار عدد من الشركات العسكرية الخاصة في أكثر من دولة إفريقية؛ لدعم الحكومات في التصدي لمجموعات مسلحة متمردة. لكن جاءت تجربة موزمبيق في مواجهة تفشي النشاط الإرهابي في إقليم كابو دلجادو شمال البلاد لتفرض الكثير من الشكوك بشأن صحة هذه السردية التي كلفت عدداً من الحكومات الإفريقية تكلفة باهظة، سواء من حيث ما فرضته من أعباء مالية مباشرة، أو من حيث ما شكلته من انتقاص فعلي لسيادتها.

فمع تفشي نشاط المجموعات الإرهابية في الإقليم الغني بالثروات من مصادر الطاقة، وخاصة الغاز الطبيعي في عام 2017؛ لجأت حكومة موزمبيق إلى استقدام مجموعة فاجنر الروسية، وهو ما كان أحد مخرجات زيارة الرئيس فيليب نيوسي إلى روسيا في أغسطس 2019. لكن بحلول نوفمبر من العام نفسه بدأ انتشار عناصر مجموعة فاجنر في جبهات القتال يتقلص بعد تنامي الخلافات بينها وبين قيادات القوات المسلحة في موزمبيق بسبب رفضهم ما تتبناه الشركة العسكرية الروسية من إجراءات ميدانية متطرفة. هذا الخلاف أسفر عن عدد من النتائج السلبية كان أبرزها وقوع خسائر كبيرة في صفوف مقاتلي فاجنر، واستمرار المجموعات الإرهابية في التمدد؛ الأمر الذي استدعى قيام الحكومة الموزمبيقية باستدعاء مجموعات قتالية تابعة لشركة دايك الجنوب إفريقية للاستشارات Dyck Advisory Group، قبل أن تفرض الضرورة التعاقد مع شركة عسكرية جنوب إفريقية هي مجموعة باراماونت Paramount Group.

وعلى الرغم من تعدد الشركات العسكرية الخاصة الناشطة في موزمبيق، عكس أداؤها جميعاً العديد من أوجه القصور؛ الأمر الذي دفع الحكومة الموزمبيقية إلى سلوك الطريق التقليدي بطلب المساعدة من مجموعة التنمية لدول الجنوب الإفريقي (سادك) التي أسفرت عن نشر قوات تابعة لدول المجموعة في أغسطس 2021، انتشرت على الأرض بعد نحو شهر من بداية انتشار القوات الرواندية التي وصلت كابو دلجادو عقب زيارة الرئيس نيوسي إلى العاصمة كيجالي. وقد شهدت الشهور الأخيرة من عام 2021 تحسناً ملموساً في عمليات مكافحة الإرهاب نتيجة ما أبدته القوات الإفريقية المستقدمة إلى شمال موزمبيق من فاعلية وقدرة كبيرة على التنسيق الميداني. وعلى هذا النحو، تكشف تجربة موزمبيق عن العائد المحدود للجوء الدول الإفريقية لاستقدام المقاتلين الأجانب والشركات العسكرية الخاصة لمواجهة التحديات الأمنية الراهنة؛ وذلك مقارنةً بالآليات التقليدية للأمن الجماعي في مستوييها الإقليمي والقاري.

3– تنامي التنسيق الإفريقي بشأن خروج المقاتلين الأجانب: في ظل الانتشار الكبير لظاهرة المقاتلين الأجانب في دوائر الصراع الإفريقية، وجدت العديد من الدول الإفريقية نفسها في حاجة ماسة لتنسيق جهودها بشأن إخراج المقاتلين الأجانب، في إشارة واضحة إلى ضرورة تبني مقاربات جماعية لمعالجة هذه الظاهرة العابرة للحدود، وهو ما لعب دور العامل المحفز لمفوض الشؤون السياسية والسلم والأمن الإفريقي على محاولة توسيع نطاق التنسيق للمستوى القاري؛ فقد أسفر اجتماع دول جوار ليبيا الذي عُقد في الجزائر في نهاية أغسطس 2021؛ عن عدد من النتائج الهامة؛ أبرزها إعلان كافة المشاركين التوافق على ضرورة الإسراع بكافة الإجراءات التي من شأنها إخراج المقاتلين الأجانب من الأفارقة وغير الأفارقة من ليبيا بصورة عاجلة، كما أسفر الاجتماع كذلك عن تنشيط الاتفاق الذي تم توقيعه في عام 2018 بين ليبيا والسودان وتشاد والنيجر، الخاص بتشكيل قوة مشتركة لتأمين الحدود بين الدول الأربع؛ من أجل تقليص فرص قدرة المجموعات المسلحة على عبور الحدود الدولية والانتقال صوب ليبيا.

وسرعان ما اتخذ التنسيق طابعاً أكثر عملية مع انعقاد اجتماع لجنة 5+5 العسكرية الليبية في القاهرة في أكتوبر بحضور ممثلين عن تشاد والنيجر والسودان، الذي أسفر عن وضع خطة لإخراج المقاتلين من الدول الثلاث من ليبيا كأحدى أولويات استعادة الأمن والاستقرار في ليبيا. وأخيراً شهدت زيارة الرئيس الجزائري إلى القاهرة في يناير 2022 تجديد التزام الدولتين المؤثرتين بدعم كافة جهود إخراج المقاتلين الأجانب من ليبيا. وقد جاء هذا التصاعد في وتيرة التنسيق بين دول جوار ليبيا بشأن إخراج المقاتلين الأجانب ليؤكد أهمية توسيع نطاق المشاركة في كافة الجهود الرامية إلى معالجة هذه المشكلة المعقدة.

4– الاستفادة من الإصلاحات المؤسسية للاتحاد الإفريقي: ترتبط الاستجابة الجادة والسريعة من جانب مفوض الاتحاد الإفريقي للشؤون السياسية والسلم والأمن، التي وضعت قضية المقاتلين الأجانب على جدول أعمال قمة استثنائية؛ بالإصلاحات المؤسسية العميقة التي يسعى الاتحاد الإفريقي إلى إجرائها، والتي نجح في إتمام بعضها بالفعل؛ إذ يعتبر بانكولي أديوي أول مفوض إفريقي يجمع بين الشؤون السياسية من جانب والسلم والأمن من جانب آخر؛ وذلك منذ انتخابه في فبراير من عام 2021، بعد أن كان المنصبان منفصلين منذ تأسيس الاتحاد. ويشير هذا الدمج الذي تبناه الاتحاد الإفريقي في أحد أهم مفوضياته، إلى الإدراك الواسع للارتباط العضوي بين المشكلات السياسية والأمنية في القارة الإفريقية؛ وذلك على النحو الذي عبَّر عنه المفوض الجديد من تضمين جدول أعمال القمة الاستثنائية –التي يُنتظَر أن تُعقَد بعد نحو أربعة أشهر– مناقشة ظاهرة التغيير غير الدستوري للسلطة في عدد من الدول الإفريقية التي تعد من الأسباب الجذرية لمشكلة استدعاء المقاتلين الأجانب والشركات العسكرية الخاصة على النحو الذي تثبته التجربة المالية على وجه الخصوص.

مبادرة قارية

في المجمل، يسعى الاتحاد الإفريقي إلى الانتقال سريعاً من مستوى مراقبة ظاهرة المقاتلين الأجانب ورصد آثارها السلبية إلى مستوى السير في مسارات إجرائية محددة من أجل إحراز نجاح ملموس؛ وذلك عبر إطلاق مبادرة قارية شاملة تلتزم فيها دول القارة بالمساعدة على إخراج أي مجموعات مقاتلة تابعة لها من أي دولة إفريقية أخرى، فضلاً عن وضع إطار تنظيمي محكم لعمل الشركات العسكرية الخاصة في القارة، ودعم موقف حكومات الدول الإفريقية لإنجاح مفاوضاتها المعقدة بشأن عملية إخراج المقاتلين التابعين لقوى دولية وإقليمية غير إفريقية.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى