دراسات عسكرية

دور الحرب الإلكترونية في الحروب الإقليمية

المحتويات

مفهوم الحرب الالكترونية و أنواعها
مفهوم الحرب الالكترونية
أنواع الحرب الالكترونية
أساليب الحرب الالكترونية

دور الحرب الإلكترونية في الحروب الإقليمية
دور الحرب الإلكترونية في حرب فيتنام 1968 ـ حرب أكتوبر 1973
دور الحرب الإلكترونية في حرب فوكلاند 1982 ـ عملية سهل البقاع 1982 ـ عملية خليج سرت 1986
دور الحرب الإلكترونية في حرب تحرير الكويت 1991 وحرب البلقان 1999
الجديد في أنظمة الحرب الإلكترونية
 أنظمة الحرب الإلكترونية المحمولة جواً
 أنظمة الحرب الإلكترونية في القوات البحرية والبرية والدفاع الجوي
الحرب الإلكترونية في الحروب الإقليمية الحديثة.

 

مفهوم الحرب الالكترونية و أنواعها

مفهوم الحرب الإلكترونية

تُعرّف الحرب لغة كما ورد في معجم المعاني الجامع أنّها قتال بين فئتين، وجمعها حُروب وعكسها سِلْم، وإذا قيل استعرت الحَرْب؛ أي أنّها أصبحت شديدة وقوية، أمّا إذا قيل وضعت الحرب أوزارها، فهذا يعني أنّ القتال انتهى، ومصطلح الحَرْبُ بينهم سجال يعني أنّ الحرب انتهت دون فوز أو هزيمة أي من الأطراف المتحاربة للطرف الآخر، ودارُ الحَرْبِ هي بِلاد الأعداء، ورجل الحَرْبْ هو صاحب الخبرة في إدارة وتسيير المعارك الحربيّة.

وفي القانون الدولي العام فإن التعريف التقليدي للحرب هو أنّها عبارة عن نزاع مسلّح بين فريقين من دولتين مختلفتين؛ إذ تُدافع فيها الدول المتحاربة عن مصالحها وأهدافها وحقوقها، ولا تكون الحرب إلّا بين الدول، أمّا النّزاع الذي يقع ين جماعتين من نفس الدولة، أو النزاع الذي يقوم به مجموعة من الأشخاص ضد دولة أجنية ما، أو ثورة مجموعة من الأشخاص ضد حكومة الدولة التي يقيمون فيها، فلا يعد حرباً ولا علاقة للقانون الدولي به وإنما يخضع للقانون الجنائي، أما التعريف الحديث للحرب فقد تم توسيعه ليشتمل على أي نزاع مسلح ولو تم تتوافر فيه عناصر التعريف التقليدي من امتلاك الجماعة المسلحة لصفة الدولة، وإن كان النزاع قائم من قِبَل دولة لحسابها الخاص وليس لغرض جماعي، كما أصبحت النزاعات الأهلية التي تحدث في نفس الدولة تندرج تحت مسمى الحرب.

والحرب اليوم هي وضع نتيجة حاسمة للخلافات الدولية المرتبطة بالكيانات الاقتصادية والاجتماعية للدول المشاركة في الحرب؛ وذلك عن طريق الإجبار والقتال بعد أن يتعثّر حل الخلاف بالطرق السلمية؛ الأمر الذي يدعو كل دولة مشاركة في النزاع لأن تعطي لنفسها الحق في أن تكون الحكم الأول وصاحبة السلطة العليا في أي نزاع بهدف الدفاع عن مصالحها القومية وأهدافها، إذن فإنّ كلمة حرب تشير بمعناها اللغوي إلى القتال، وليس شرطاً أن تكون عادلة وإنما قد تكون لوقوع العدوان من طرف على طرف آخر؛ وهي عبارة عن صراع بين طرفين يسعى كلٌّ منهما للتغلب على الطرف الآخر وتدمير قوته وكيانه.

يُشير مصطلح الحرب الإلكترونيّة والذي يطلق عليه بالإنجليزية (Cyber warfare) إلى استخدام جُملة من الممارسات والإجراءات التي تسعى لإلحاق الخلل والعطل بالأنظمة والوسائل الإلكترونية الخاصة بالعدو، بالإضافة إلى تحقيق الحماية للذَّات من الاستطلاع الإلكتروني المعادي ومقاومته، وتحقيق الاستقرار للنُّظم الإلكترونيّة الصديقة، ويعتبر استخدام الطاقة الكهرومغناطيسيّة في نطاق الحرب الإلكترونيّة ضرورياً؛ وذلك لغايات تعطيل حركة العدو، ومنعها من استغلال المجال الكهرومغناطيسي الصديق.

إن الحرب الإلكترونيّة تتّخذ من شبكة الإنترنت حلبَة صراع لها، وتأتي الهجمات التي تُشّن فيها بسبب دوافع سياسيّة، وتُوجَّه الضربات الإلكترونيّة على مواقع الإنترنت الرسميّة للعدو، وكل ما يتعلق بشبكاته وخدماته الأساسيّة، وتكون الضربات بقرصنة وتعطيل المواقع، وسرقة البيانات السريّة وتخريبها، واختراق الأنظمة الماليّة.

أنواع الحرب الإلكترونيّة

تُقسم الحرب الإلكترونيّة إلى نوعين رئيسييّن، وفقاً للهدف الذي تقصده الحملة الحربية الإلكترونيّة، وهما:

  • حرب الإشعاع: (Radiation Warfar)، ويرمز لها اختصاراً بـ (WR)، وتعتبر هذه الحرب ركناً أساسياً في الحرب الإلكترونيّة، إذ يعدّ استخدام الأشعّة الكهرومغناطيسيّة جزءاً مهماً في تخفيض مستويات الجودة، التي تتمتع بها المعلومات والبيانات المعادية، ويتم تدميرها بالاعتماد على البحث الإشعاعيّ.
  • حرب البيانات: (Data Warfare)، ويرمز لها اختصاراً بـDW، ويقتصر هذا النوع على استغلال البيانات دون إلحاق الدمار بها، وتنتهي فور توقّف تبادل البيانات بين طرفي الاتصال.

ويشار إلى أن حرب الإشعاع أكثر دقةً وكفاءةً من حرب البيانات، بالرغم من احتواء كلا الحربين على بيانات، إلا أنّ ما يميّزها قدرتها على فرض السيطرة على المعلومات والبيانات والتحكّم بها وتحليلها، مما يجعل القرار الأساسي بيد الصديق وليس العدو، وتُشنُّ الحرب الإشعاعيّة غالباً بالفيروسات، أو التشويش.

أساليب الحرب الإلكترونيّة

ومن اساليب الحرب الإلكترونيّة تتلخص بما يلي:

  • الإجراءات الإلكترونيّة المضادّة: ويُطلق عليها بالإنجليزية (Electronic Counter Measures)، وتُختصر بـECM، ويتمثّل هذا الشكل باتخاذ إجراءات تعيق الأعمال الإلكترونيّة للعدو بكافة أشكالها، وضرب الأنظمة والوسائل والمعدات الإلكترونيّة الخاصة بالعدو وتدميرها.
  • أعمال الاستطلاع الإلكتروني: ويُطلق عليها بالإنجليزية (Electronic Reconnaissance)، وتُعرف أيضاً بعمليات المُسانَدة الإلكترونيّة، وهي تكشف “تكتيكات” العدو التي ينوي القيام بها، ويُعتبر دورها في غاية الأهمية؛ لأنها تطَّلع على إمكانيات العدو وأهدافه، ويمكن اتباع هذه الأعمال بحالتي السلم والحرب.
  • الأعمال الإلكترونيّة المضادّة لإجراءات الحرب الإلكترونيّة المعادية: ويُطلق عليها بالإنجليزية (Electronic Counter Counter Measures)، ويشار إليها اختصاراً بـECCM, وهو استخدام عدد من الإجراءات الإلكترونيّة لمقاومة الاستطلاع الإلكتروني المعادي والتصدِّي له، من خلال تنفيذ أعلى درجات التأمين الإلكتروني في النظم والوسائل الإلكترونية، ومن أهم الإجراءات في هذا الأسلوب وقاية النظم، والمراقبة الإلكترونيّة للإشعاعات الكهرومغناطيسيّة الصديقة.

دور الحرب الإلكترونية في الحروب الإقليمية

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945 وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، دارت عدة حروب في مناطق عديدة من أنحاء العالم، ويمكن القول: إن هذه الحروب، من حيث مدى اتساعها تعد حروب إقليمية، إلاّ أن الحقيقة أنه في هذه الحروب استخدمت أسلحة، ومعدات الدول الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي السابق.

   ويمكن القول أيضاً: إنها كانت حروباً بين هذه الدول؛ ولكن حروب بالوكالة، أي استخدمت فيها أسلحتهم ومعداتهم نيابة عنهم؛ إذ كانت يستخدم فيها أسلحة، ومعدات، وتكنولوجيا مازالت تحت التجربة للوقوف على مدى كفاءتها، ومنها أيضاً أسلحة جُربت في المعامل ومراكز الأبحاث فقط، ومن هذه الأسلحة والمعدات ـ الأكثر تطوراً ـ كانت معدات الحرب الإلكترونية التي يستمر الصراع فيها بين الدول المتقدمة في وقت السلم والحرب معاً.

   ويمكن القول: إن الحرب الحديثة تُنفذ من خلال الأجهزة الإلكترونية، كما تؤدي الحاسبات الآلية دوراً بالغاً في توفير رد الفعل في الوقت المناسب. وهكذا يتأكد ـ فعلاً ـ أن الاستخدام السليم للحرب الإلكترونية، يزيد كثيراً من المزايا الجوهرية للسلاح المستخدم في القتال.

دور الحرب الإلكترونية في حرب فيتنام 1968 وحرب أكتوبر 1973

أولاً: دور الحرب الإلكترونية في حرب فيتنام 1968

كانت حرب فيتنام حقل التجارب الخصب الذي أدى إلى ازدهار الحرب الإلكترونية المضادة. فعندما أدخل السوفيت الصواريخ سام ـ 2 إلى فيتنام، تحول الموقف لصالح الفيتناميين، وحينما تم تزويدهم بالمدفعية المضادة للطائرات عيار 57 مم والموجهة بالرادار، أدى ذلك إلى نجاحهم في إسقاط أول طائرة مقاتلة أمريكية من نوع فانتوم F-4، لتجد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في وضع يستلزم توفير أنظمة إنذار رادارية RWR، تتكامل في عملها مع أنظمة الإعاقة المحمولة جواً.

بدأ الإعداد للمشروع Quick Reaction Capability: QRC، الذي يعني المقدرة على رد الفعل السريع، وقد صُمم على أساس استخدام نظام مستودع الإعاقة ALQ-51؛ في تكامل مع نظام مستودع قصف الرقائق المعدنية ALE-29؛ لخداع الصواريخ سام -2، إضافة إلى توفير ممرات اقتراب مستورة من أجهزة الكشف الراداري المعادية Chaff Corridor باستخدام الرقائق المعدنية، وحتى يمكن تدمير مصادر التهديد المتمثلة في الرادارات الأرضية، زودت الولايات المتحدة الأمريكية طائراتها بالصاروخ الشهير “شرايك” المضاد للإشعاع Anti Radiation Missiles: ARM، الذي يتجه نحو شعاع الرادار، حتى يصل للهوائيات ويدمرها.

في غضون ثلاثة أشهر فقط من دخول الصاروخ سام ـ2 إلى حلبة التهديد، ظهرت الطائرات F-15 المجهزة بنظام Wild Weasel المضاد للإشعاع الراداري، التي زودت برادارات للإنذار، والتبييت Radar Homing and Warning RHAW عن إطلاق الصواريخ المعادية؛ مثل الرادار APR-125، ومستقبل التحذير الراداري السلبي عن رادارات توجيه الصواريخ المعادية من نوع APR-26.

وحتى يواجه السوفيت هذا التطوير الأمريكي، طوّروا الصاروخ سام ـ2، باستخدام الرادار “فان سونج”، الذي يعمل في حيز التردد H,G، إلاّ أن رد الفعل الأمريكي كان سريعاً؛ إذ استخدمت مستودعات إعاقة ALQ-101 التي تتوافق مع حيز التردد الجديد.

في عام 1966، تحولت حرب فيتنام إلى حرب إلكترونية كاملة، حينما غطت شبكه رادارات الإنذار الأمريكية أجواء فيتنام الشمالية كلها، وكانت القوات البحرية الأمريكية هي أول من أحس بالأهمية الزائدة لأنظمة الإنذار والإعاقة المحمولة جواً، فطوّرت القاذفات A-6 Intruder بتجهيزها بنظام إعاقة ضوضائي ALQ-76 وبمستقبلات رادارية؛ للتحذير والإنذار عن رادارات توجيه الصواريخ السوفيتية.

في عام 1969، استخدم السوفيت حيز التردد I\J هرباً من الإعاقة إلى حيز جديد، إلاّ أن رد الفعل الأمريكي كان سريعاً؛ فاستخدم مستودع الإعاقة ALQ-119، الذي اشتمل على إعاقة ضوضائية، وإعاقة خداعية في حيز I\J. وهكذا، تتجلى سلسلة الفعل ورد الفعل لتظهر أهمية وجود القاعدة التقنية التي تتوافق، سريعاً، ومتطلبات تحقيق المهام الصعبة.

ثانياً: دور الحرب الإلكترونية في حرب أكتوبر 1973

منذ أوائل الستينيات القرن العشرين الميلادي، بدأت معظم الدول ذات الجيوش الحديثة في تكوين وحدات فرعية خاصة بالأعمال الإلكترونية المضادة في بعض فروعها الرئيسية، مثل القوات الجوية، والبحرية، واختلفت الدول الأوربية بالزيادة والنقصان في ذلك المجال، بما في ذلك قوات جيش الدفاع الإسرائيلي، ودول أخرى بالمنطقة. ولكن ظل الاتحاد السوفيتي “السابق”، والولايات المتحدة الأمريكية حتى يناير 1970، هما الدولتان اللتان تضمان تنظيماً عاماً للحرب الإلكترونية، على المستويات المختلفة، ثم كانت مصر التي دخلت هذا المجال بصورة فاعلة عام 1970.

   وفي أوائل عام 1970، بدأ الاتحاد السوفيتي “السابق” في توريد بعض معدات الحرب الإلكترونية، التي تدعم أعمال قتال الدفاع الجوي، والقوات الجوية، متمثلة في معدات إعاقة إلكترونية، لإعاقة القوات الجوية الإسرائيلية. وخلال عام 1971، تشكلت بعض وحدات للحرب الإلكترونية، على المستوى الإستراتيجي والتعبوي.

   كانت الحرب الإلكترونية إحدى مفاجآت حرب أكتوبر بالنسبة لإسرائيل؛ إذ كانوا قد أخرجوها من حسابهم مع خروج السوفيت. وقد اشتركت في حرب أكتوبر، وحدات الحرب الإلكترونية، وعاونت أعمال قتال القوات البرية، والبحرية، والجوية، والدفاع الجوي، إضافة إلى بعض أعمال الحرب الإلكترونية على المستوى الإستراتيجي.

   في السادس من أكتوبر 1973 نفذت القوات العربية المشتركة في مصر وسورية هجومها المفاجئ على إسرائيل، وصاحبت عملية الهجوم العربي عملية إعاقة لاسلكية على مواصلات القوات الإسرائيلية، أدت إلى إرباك في ممارسة القيادة والسيطرة الإسرائيلية، وإعاقة وصول أو تلقي الأوامر. وقد دعمت وحدات الحرب الإلكترونية على كافة المستويات الإستراتيجية، والتعبوية، والتكتيكية أعمال قتال القوات البرية، والفروع الرئيسية الأخرى، وبما يخدم معركة الأسلحة المشتركة. 

وعلى الجانب الآخر، زوّدت الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل بكميات كبيرة من رقائق التداخل السلبي CHAFF، وهو أسلوب كان قد استخدم منذ زمن بعيد في الحرب العالمية الثانية، وفيتنام، وكان الجديد فقط في هذا الاستخدام هو تصميم رقائق الألومنيوم؛ بحيث تعمل ضد الترددات العاملة في رادارات الدفاع الجوي المصرية، وكانت الرقائق توضع في كبسولات داخل مستودعات خاصة PODS في الطائرات، وتطلق بوساطة الطيار، وبجانب ذلك استخدم الإسرائيليون مشاعل الأشعة تحت الحمراء “الحرارية” لخداع الصواريخ سام ـ7، وقد حققت هذه الوسائل بعض النجاح في بادئ الأمر.

   استخدم الإسرائيليون العديد من أساليب الإعاقة العشوائية Noise Jamming، والإعاقة النبضية Pulse Jamming، وكذلك أسلوب استخدام الأهداف المقلدة، خاصة ضد الصواريخ سام ـ7 . كما تمكن الإسرائيليون من تزويد طائراتهم بجهاز تحذير راداري جديد Radar Warning Receiver RWR مركب في مستودع خاص، ويمتاز بقدرته على استقبال موجات كهرومغناطسية ذات تردد عالٍ للغاية، وأكبر بكثير من تردد رادار سام ـ6، ورادار نظام “الشيلكا”، وبذلك يُعد مصدراً للإنذار عن تتبع هذه الرادارات للطائرة.

زوّدت إسرائيل جميع زوارق الطوربيد بأجهزة التداخل والخداع، وطُليت معظم قطعهم البحرية بطلاء قادر على امتصاص الأشعة الكهرومغناطيسية الخاصة بالرادار، واستخدمت لذلك مواد قابلة للامتصاص، وهي مادة قادرة على تحويل الإشعاع الكهرومغناطيسي إلى نوع آخر من مصادر الطاقة، وهي الطاقة الحرارية التي يمكن أن تبددها المياه، أو الهواء بدلاً من أن ترتد من الأسطح العاكسة.

وعلى الجبهة السورية، اكتشفت أجهزة الإنذار الإسرائيلية أحد التشكيلات البحرية السورية، كما استطلعت خواص الإشاعات الرادارية التي استقبلتها، وبتحليل هذه الخواص تمكنوا من تمييز القطع البحرية السورية، ونوع تسليحها، وعندما اقتربت مسافة التشكيل البحري السوري إلى التشكيل البحري الإسرائيلي، قام كلاهما بالفتح على أقصى سرعة ممكنة، عندها بدأ الإسرائيليون بتشغيل أجهزة التداخل لديهم؛ لإخلال التوجيه للصواريخ السورية، كما أطلقوا عدداً كبيراً من شرائح التداخل السلبي “الرقائق المعدنية”. وتوقفت نتيجة هذه المعركة بالكامل على مدى النجاح الذي يمكن تحقيقه بوسائل الحرب الإلكترونية؛ حيث كان العامل الحاسم فيها هو مدى التوفيق في اتخاذ الإجراءات الإلكترونية المضادة لدى كل جانب، وكانت هناك حقيقة واضحة، وهي أن الصواريخ تحتاج إلى النظام الراداري للتوجيه، بينما يمكن للوسائل الإلكترونية أن تخدع؛ بل وتحيد هذا النظام الراداري. وفي هذه المعركة تمكن الإسرائليون، بالفعل، من إخلال التوجيه للصواريخ السورية التي سقطت في عرض البحر دون أن تصيب أهدافها. 

ثالثاً: انعكاسات حرب أكتوبر 1973 على تطوير الحرب الإلكترونية عالمياً

أهم نتائج أعمال الحرب الإلكترونية في حرب أكتوبر 1973

ظهرت الأهمية البالغة لدور الحرب الإلكترونية في المعركة الحديثة من خلال حرب أكتوبر 1973؛ مما أدى إلى قيام الدولتين العظميين، الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، بدراسة شاملة لهذه الحرب؛ لاستكمال التطوير والأبحاث، ولاشك أن هذه الحرب قد استخدمت حقلاً للتجارب من الدولتين؛ لاختبار أحدث ما لديهما من أسلحة ومعدات، فلم يكن خافياً أن تزويد إسرائيل بالقنبلة التليفزيونية AGM-65، التي استخدمت على الجبهة المصرية، مما دعا الأمريكان إلى تصميم جيل جديد من الصاروخ “مافريك” هو الصاروخ AGM-45 الموجه بالليزر، وهو يُعد من الصواريخ الراكبة لشعاع الرادار.

إن الدرس الأول المستفاد من حرب أكتوبر 1973 هو أن نهاية الطائرات، والدبابات قد حانت، ولكن التطور الحالي في الطائرات، وأسلحة التدمير الجوي، واستخدام الطائرات التي لا يستطيع الرادار اكتشافها؛ كالطائرة “الشبح” الأمريكية، والطائرة “كادار” الإسرائيلية يُعد رداً كافياً على استمرار الطائرة، كما إن تزويد الدبابات بوساطة أجهزة الرؤية الليلية، وأجهزة تحديد الاتجاه الراداري، واستخدام الحاسب الآلي أصبح دلالة واضحة على مدى التقدم الذي حققته الدبابات بما يحقق استمرارها.

كان من أهم نتائج حرب أكتوبر 1973 هو اتهام المخابرات الإسرائيلية بالعجز والفشل، وعدم توقع الهجوم العربي، وعدم قدرتها على إنذار الحكومة الإسرائيلية بالهجوم المتوقع؛ مما هدد كيان إسرائيل نفسها بالفناء، كما كان من أهم الدروس أيضاً، عجز إسرائيل عن مهاجمة التفوق النوعي لأسلحة الدفاع الجوي المصرية، وإغفالهم العناصر الرئيسية المطلوب توافرها من إجراءات، وأساليب الحرب الإلكترونية المضادة وهي تلك العناصر، والإجراءات التي زوّدتهم بها الولايات المتحدة أثناء القتال، بعد أن فقدت إسرائيل العديد من طائراتها ودباباتها، وهذا أيضاً يثبت عجز المخابرات لديهم Signal Intelligence SIGINT عن الحصول على المعلومات اللازمة.

تتمثل نتائج حرب أكتوبر وتأثيرها في مفاهيم الفكر المتصلة بتطوير نوعية السلاح المستخدم في كل تخصص، حيث لا يزال في الإمكان تحقيق المفاجأة، وعلى كافة المستويات، على الرغم من توافر التكنولوجيا المتقدمة للاستطلاع بالأقمار الصناعية، وبطائرات التجسس، الأمر الذي انعكس في ابتكار نظم مراقبة، وإنذار أرضية وجوية.

كما زادت فاعلية الطيران أمام قوات الدفاع الجوي والحرب الإلكترونية، وذلك بسبب ابتكار وسائل متقدمة للتشويش، والإعاقة الإلكترونية، والحرارية تزود بها الطائرات؛ بغرض التضليل، والخداع. وابتكار طائرات موجهة من دون طيار للقصف الجوي، والاستطلاع. Remotely Piloted Vehicles: RPV.

ترسخ مفهوم الحرب الإلكترونية والتأكد من فاعليتها؛ لمساندة المجهود البري، والبحري، والجوى، في مجال الاستطلاع، الأمر الذي انعكس في حث الجهود لمداومة ابتكار أساليب متطورة.

كان من نتائج تحقيق المفاجأة في حرب أكتوبر 73، السعي لتصميم وإنتاج نظام متطور ومتكامل؛ للاستطلاع على كافة المستويات، يتمثل في النظم الآتية:

أ. نظام الاستطلاع الاستراتيجي

وتكفله شبكة متكاملة من مجموعة أقمار صناعية تدور في مدارات حول الأرض؛ لتغطى نطاقات الاستطلاع فوق القارات، والمحيطات في الكرة الأرضية، وفي هذا المجال أطلق ويطلق الاتحاد السوفيتي السابق، والولايات المتحدة الأمريكية مجموعة من الأقمار الصناعية؛ لتدور حول الأرض في برنامج متصل سوف يستمر تنفيذه في شكل ثابت في المستقبل.

ب. نظام الاستطلاع التعبوي

ويكفله نظام للمراقبة والإنذار محمول جواً؛ كنظام AWACS الأمريكي المحمول في الطائرة بوينج E-3A، ونظام MOSS الروسي المحمول في الطائرة TU-114 ، ويشمل هذا النظام: “راداراً للمراقبة والإنذار، وحاسباً إلكترونياً، وأجهزة متقدمة للإرسال، والاستقبال” محمولة جواً، ومتصلة بالقواعد الأرضية للصواريخ والمقاتلات، للإبلاغ في دقة عن مواقع الأهداف؛ لتدميرها. وتحلق الطائرات المزودة بهذا النظام على ارتفاع 30 ألف قدم بما يتيح لها الكشف الراداري على كافة الارتفاعات، وفي كل الاتجاهات، وهذا يكفل لها الإنذار المبكر تجاه المواقف الطارئة، والتعامل المباشر معها.

تغيّر مفهوم الفكر العسكري الإسرائيلي، واتجه إلى تجهيز الطائرات بمعدات الإعاقة الإلكترونية؛ حتى تتمكن الطائرات من حرية العمل من دون تدخل من القوات الجوية، وقوات الدفاع الجوي المعادى، مع توفير نظام إنذار فوري، وسيطرة تحقق سرعة توجيه الطائرات إلى الأهداف المعادية لتدميرها. وتوجيه عناية خاصة لدعم الإمكانات التكنولوجية في مجال الاستطلاع، وجمع المعلومات جواً، وبحراً، وبراً بما يحقق الإفادة القصوى من المواقف؛ لمصلحة الاستخدام الأمثل لقوات جيش الدفاع الإسرائيلي في المعارك.

دور الحرب الإلكترونية في حرب فوكلاند 1982، وعملية سهل البقاع 1982، وعملية خليج سرت 1986

أولاً: حرب فوكلاند 1982

كانت حرب فوكلاند مجالاً وتجربة استفاد منها الإنجليز كثيراً. فقد كانت “لهاريير”أنسب الطائرات للدعم الأرضي؛ لِمَا تتمتع به من قصر ممرَي الإقلاع والهبوط؛ وهو ما يتناسب مع مسرح عمليات يفتقر إلى أرض، وتؤدي فيه القوة البحرية الدور الكبير. عانت الطائرة “لهاريير”بسبب نقص وسائل الإعاقة للحماية الذاتية المحمولة جواً Airborne Self Protection Jamming: ASPJ. ونظراً إلى هذه الظروف، قام العلماء الإنجليز بما يشبه المعجزة؛ إذ صمموا، ونفذوا 10 مستودعات للحماية الذاتية، خلال فترة قياسية لا يمكن تصديقها، لم تتجاوز الأسبوعين. إن تحديد خصائص مصادر التهديد الأرضية المحتمل مواجهتها يؤدي الدور الأكبر في تصميم مستودعات الحماية الذاتية.

تلقى العلماء المهمة في 6 مايو 1982؛ ليطير أول مستودع في 14 مايو 1982، أي بعد أسبوع. وتمت التجربة، ولكنها أخفقت، مما سبب آلاماً نفسية قاسية لطاقم التطوير الذي عمل على عجل. ولم يكن الخطأ سوى مصهر “فيوز” صغير احترق في وحدة التغذية، وجرى إصلاحه؛ ليتولد الأمل من جديد بعد معالجة المشكلة. وأعيدت التجربة في 15 مايو 1982؛ ليثبت المستودع Blue Eric نجاحه عملياً؛ ليبدأ تجهيز 10 مستودعات خلال أربعة أيام فقط، لتصبح الطائرة “الهاريير” جاهزة للإجراءات الإيجابية، بعدما جهزت بتلك المستودعات، علاوة على مستودع الإعاقة السلبية ALE-40 الذي يوفر الإعاقة بالرقائق المعدنية، والمشاعل الحرارية.

ثانياً: عملية سهل البقاع 1982 “سلام الجليل”

1. الإعداد للعملية

أجمعت معظم الكتابات والتحاليل، التي تناولت هذه العملية، أنها مثال متكامل متقن الأدوار؛ لعملية خداع إلكتروني متعدد الزوايا، ويرجع النجاح في هذه العملية إلى استخدام إسرائيل نوعيات متقدمة من الأسلحة، والمعدات الفنية، وأساليب متطورة في التعامل مع هذا التجمع من الصواريخ، معتمدة على المعلومات الدقيقة والشاملة عن هذه الصواريخ، وقد عملت على تحديث هذه المعلومات أولاً بأول، منذ دخول تلك الصواريخ منطقة سهل البقاع 1981، ومنفذة الدروس المستفادة من حرب 1973، وخاصة في التعامل مع وسائل الدفاع الجوي، ومع القوات الجوية معاً، وقد أجريت العملية على النحو التالي:

أ. قبل العملية، بوقت طويل، تمكنت إسرائيل من جمع كافة البيانات والمعلومات عن هذه الصواريخ بوساطة الطائرات الموجهة من دون طيار بشكل رئيسي، وكذلك وسائل الاستطلاع الأخرى، محددة مراكز الصواريخ، الرئيسية والاحتياط، ومواقعها وتردداتها، وفترات العمل وأسلوب رفع أوضاع الاستعداد لهذه الصواريخ.

ب. أطلقت إسرائيل عدداً من الطائرات الموجهة من دون طيار مزودة بعواكس ركنية، لتظهر كطائرات القتال على شاشات الرادار السورية. وفي الوقت نفسه، كانت بالجو طائرة الإنذار والتوجيه E-2C، وطائرة الإعاقة “البوينج 707”.

ج. كان لا بد للدفاعات السورية، عند كشفها لأهداف قادمة لقصفها، أن تشغل محطات الرادار لتشتبك مع هذه الطائرات.

هنا التقطت الطائرة E-2C ترددات الرادارات، وزوّدت بها طائرة “البوينج 707” لأغراض الإعاقة، والطائرات المقاتلة، وكذلك صواريخ أرض/ أرض الإسرائيلية الصنع من نوع “زئيف” راكبة الشعاع التي استعملتها للمرة الأولى، عملياً، لأغراض تدمير وسائل الكشف؛ لمنظومة الدفاع الجوي السورية.

وتحت ستر الإعاقة الإلكترونية، جرت الأعمال القتالية التالية في تواكب زمني منظم:

أ. قصفات مدفعية ميدان مركزة على مواقع الصواريخ.

ب. رمايات صواريخ “زئيف” راكبة الشعاع من مسافة أكثر من 35 كم.

ج. هجمات جوية بقوة 2 – 4 طائرة لكل بطارية؛ لاستكمال تدميرها سواء بصواريخ “شرايك” راكبة الشعاع، أو بالأسلحة التقليدية.

ومع بداية العملية، كانت الطائرات الموجهة من دون طيار تنفذ عمليات الاستطلاع الجوي، وترسل صورة تليفزيونية فورية للقيادة الإسرائيلية؛ للتأكد من دقة الإصابات، وإخراج الصواريخ عن العمل، كما نفذت هذه الطائرات مهام تحديد مواقع الأهداف المطلوب تدميرها لقنابل “الكوبرهيد” الليزرية.

2. تنفيذ العملية: الأسلوب الإسرائيلي المستخدم في تدمير بطاريات الصواريخ السورية في سهل البقاع بلبنان 1982

أ. النظم والوسائل الإلكترونية المستخدمة

(1) طائرات السيطرة والإنذار المبكر E2-C.

(2) طائرات موجهة من دون طيار “سكوت، ماستيف، سامسون”.

(3) طائرات إعاقة إيجابية، وحاملة للصواريخ راكبة للشعاع F-4G نظام Wield Weasel.

(4) طائرات إعاقة إيجابية “بيتش كرافت” RU-21J.

(5) مستودعات الحماية الذاتية لطائرات القتال، تشمل مستودعات إعاقة إيجابية ومستودعات إعاقة سلبية للرقائق.

(6) صواريخ راكبة الشعاع أرض/ أرض “زئيف”.

ب. أسلوب التنفيذ 

(1) اقتراب الطائرات الموجهة من دون طيار المزودة بعواكس ركنية، لتبدو كطائرات حقيقية؛ مما أجبر وسائل الدفاع الجوي السوري على تشغيل معظم راداراتهم؛ مما أعطى الفرصة لطائرات الاستطلاع الإلكتروني المتمثلة في الطائرة E2-C، وبعض الطائرات من دون طيار من كشف الخصائص الفنية للرادارات السورية.

(2) إرسال الخصائص الفنية للرادارات السورية إلى طائرات الإعاقة، وطائرات القتال؛ لإعداد مستودعات الإعاقة للحماية الذاتية للعمل وفق تلك الخصائص مع تكثيف أعمال الإعاقة أثناء اقتراب طائرات القتال.

(3) قيام الموجة الأولى من طائرات القتال بنشر وسائل الإعاقة السلبية المتمثلة في الرقائق المعدنية؛ لإخفاء طائرات الهجمة، وكذلك الطائرات الشراعية “سامسون” لاستنزاف صواريخ الدفاع الجوي السوري ضد أهداف خداعية.

(4) إطلاق الصواريخ “زئيف” راكبة الشعاع أرض/ أرض ضد الرادارات السورية، قبل دخول الطائرات المهاجمة لمناطق التدمير.

3. سمات العملية

من أبرز سمات العملية ما يلي:

أ. الاستخدام المتجانس واسع النطاق لمعدات الحرب الإلكترونية، والمعروف أغلبها عالمياً.

ب. أدت الدروس المستفادة من حربها السابقة مع العرب 1973 كعادة إسرائيل، دائماً، إلى تطوير واضح بالقوة الجوية، وتطوير فن أساليب القتال، والاستخدام، وتطوير في بعض، الأسلحة والمعدات لخدمة المهمة.

ج. الدور المهم الذي أدّاه الاستطلاع الإلكتروني، والتليفزيوني، الذي نفذته الطائرات الموجهة من دون طيار قبل العملية بوقت طويل، حددت خلالها جميع الإمكانات الفنية، والتكتيكية، وأماكن التمركز، والتوقيتات، وأوضاع الاستعداد؛ مما سهل عملية تدمير هذه الصواريخ.

ثالثاً: عملية خليج سرت 1986

يرجع نجاح الغارة الأمريكية على ليبيا إلى عنصر المباغتة، واستخدام التشويش الإلكتروني في القضاء على فاعلية أجهزة الرادار والصواريخ الليبية. وأن الاستخدام السليم للحرب الإلكترونية يزيد كثيراً من المزايا الجوهرية للسلاح، كما أن المزج بين العديد من فنون الحرب الإلكترونية، وبين التكتيك يمكن أن يوفر حداً معقولاً من القدرة على البقاء؛ سواء للطائرة المهاجمة، أو لطاقم الدفاع الجوي، الأرضي.

1. التحضير للهجوم

رُسِم خطُ وهمي في خليج “سرت” على بعد 100 ميل من السواحل الليبية سُمي “خط الموت”، واتخذ الرئيس الأمريكي “ريجان” من ذلك الخط الوهمي ذريعة للقيام بمزيد من المناورات على طول الساحل الليبي طوال شهري فبراير، ومارس 1986، ومع كل اقتراب من الساحل الليبي، كانت طائرات الاستطلاع الإلكتروني ترصد الإشعاع الكهرومغناطيسي لأنظمة الدفاع الجوي الليبي، ومحطات الرادار.

وكان الغرض الرئيسي يتمثل في الحصول على البصمات الكهرومغناطيسية لرادارات الصاروخ سام ـ5 GAMON، الذي تسلحت به ليبيا، فالصاروخ، في عرف القيادة الأمريكية، تهديد خطير؛ إذ يبلغ مداه 250 كم، وسرعته 4 ماخ، وقادر على التعامل مع الأهداف على ارتفاع حوالي 9.500 قدم؛ مما يشكل تهديداً خطيراً لطائرات الاستطلاع الإلكتروني، وطائرات الإنذار المبكر مثل “الأواكس”.

وكان الهدف واضحاً في رصد مواقع شبكات الرادار الجانبية، والخلفية Side Net Radar، وBack Net Radar التي توجد في مواقع الصاروخ سام ـ5. وفي مناورة الأسبوع الأخير من مارس 1986، تجاوزت الطائرات الأمريكية عمداً “خط الموت”، ومع إثارة أنظمة الدفاع الجوي الليبية، رصدت البصمات الرادارية لرادارات الصاروخ “سام ـ5″، وبقية رادارات الدفاع الجوي، وعندما أطلقت عدة صواريخ سام ـ5 رصدت الترددات، وكود التتبع للصاروخ، ورادارات الإنذار التي تعمل معه، ونتج عن الاشتباك تدمير محطتي صواريخ، وثلاثة قوارب حربية، وكان الفوز الحقيقي هو تسجيل البصمات الكهرومغناطيسية للصواريخ سام- 5، ورصد محلاتها بدقة.

2. غارة مباغتة

في الساعة السابعة من مساء الاثنين 15 أبريل 1986 بتوقيت أمريكا، الثانية فجر الثلاثاء 16 أبريل، بتوقيت ليبيا أغارت حوالي 18 طائرة EF-111 ، و15 طائرة A-6 على أهدافها المخططة في ليبيا، وبلغ إجمالي الطائرات التي خصصت للمهمة 120 طائرة، لم تشترك حوالي 90 طائرة منها في الهجوم مباشرة.

ونظراً لتعدد الأهداف، فلقد رأى القادة على حاملتي الطائرات “أمريكا”، و”كورال سي” أنه لا بد من الاستعانة بقوة إضافية من الطائرات لزيادة الفاعلية. وتقرر اشتراك 18 طائرة F-111 أمريكية أقلعت من 3 قواعد جوية أمريكية في إنجلترا، والتقت الطائرات القادمة من بريطانيا مع الطائرات المنطلقة من حاملتي الطائرات “أمريكا”، و”كورال سي” اللتان اقتربتا من الساحل الليبي لمسافة 240 كم، وعليها 270 طائرة، ومعها 30 قطعة بحرية أخرى؛ لأغراض المعاونة، والحماية، والحراسة. 

وقد استمر الهجوم الأمريكي فترة تتراوح بين 11 و12 دقيقة على خمسة أهداف ، وقد استخدمت الطائرات A-6 الصواريخ الموجهة تليفزيونياً  من حاملات الطائرات.

دور الحرب الإلكترونية في

حرب تحرير الكويت عام 1991 وحرب البلقان عام 1999

أولاً: الحرب الإلكترونية في حرب تحرير الكويت

1. إعداد مسرح الحرب الإلكتروني

أ. أعمال الحرب الإلكترونية منذ بدء الأزمة “أغسطس 1990”

لم تبدأ أعمال الحرب الإلكترونية للقوات المتحالفة مع الغزو العراقي للكويت، ولكن تمت عمليات الاستطلاع الإلكتروني والمراقبة من الدول العظمى على مدار 24 ساعة، لمراقبة القوات العسكرية، وللحصول على المعلومات وتأكيدها؛ سواء من محطات المراقبة والإنذار الإستراتيجية، أو من العناصر التعبوية والتكتيكية للاستطلاع الإلكتروني المنتشرة من داخل الدول الصديقة لها والقريبة من مسرح العمليات المنتظر، أو من خلال السفن الحربية والطائرات الحربية المتجولة بالقرب من مسارح العمليات التي تحمل كافة المستشعرات الإلكترونية، وربما من خلال الوسائل المدنية من أجل تجميع المعلومات اللازمة للصراع.

علاوة على ذلك استخدمت الأقمار الصناعية للاستطلاع التي تطلقها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي “السابق” ودول أخرى.

ومن المؤكد أن الدول المتحالفة ـ وعلى رأسها الولايات المتحدة ـ قد كثفت أعمال الاستطلاع، والمراقبة للعناصر الإلكترونية العراقية مع بدء الغزو العراقي للكويت، وظلت تتابعها من أجل التخطيط لعملية تحرير الكويت “عملية عاصفة الصحراء” في الفترة التالية، وهو ما نفذ فعلاً في منتصف شهر فبراير 1991. وعلى الفور خصصت الولايات المتحدة الأمريكية عناصر الاستطلاع الآتية:

(1) خمس طائرات أواكس للإنذار المبكر لمراقبة الأوضاع في المنطقة بخلاف خمس طائرات أخرى موجودة لدى القوات السعودية.

(2) قمر صناعي واحد من نوع “لاكروس” يستطيع رصد الدبابات، والشاحنات.

(3) خمسة أقمار صناعية من نوع KH-11 وKH-12 تستطيع أن تميز التفاصيل الدقيقة مثل أنواع الدبابات، ومواصفاتها.

(4) ثلاثة أقمار صناعية من نوع SIGNT للتنصت على الاتصالات اللاسلكية.

ب. معدات الحرب الإلكترونية ووسائلها التي اشتركت في الحرب

قبل عمليات التحرير مباشرة رُصد العديد من معدات الحرب الإلكترونية لكل من: “الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا”.

(1) الولايات المتحدة الأمريكية

(أ) معدات الحرب الإلكترونية المحمولة جواً

·       12 مقاتلة استطلاعية F-4 فانتوم.

·       12 طائرة عمليات حرب إلكترونية EF-111.

·       6 طائرات استطلاع إستراتيجي TR-1.

·       4 طائرات أواكس “بوينج E-3 سنترى”.

·       طائرة بوينج EC-135 حرب إلكترونية.

·       طائرة بوينج EC-130 حرب إلكترونية نظام “هيركوليز”، وغيرها.

(ب) معدات الحرب الإلكترونية للقوات البحرية

·       12 طائرة رصد وإنذار إستراتيجيي مبكر E-2C.

·       12 طائرة مهمات إلكترونية E-6 براولر.

·       سلاح المارينز: 6 طائرات مهمات إلكترونية E-6 براولر.

(2) بريطانيا

أرسلت تشكيلاً يضم عدد أربع طائرات رصد، ودورية، واستطلاعاً بحرياً بعيدة المدى من نوع “نمرود”.

(3) فرنسا

10 تشكيلات مقاتلات استطلاعية من نوع “اتندارد ـ 4”.

هذا، بخلاف معدات أخرى مجهزة على السفن.

ج. أعمال الحرب الإلكترونية مع الاستعداد لبدء هجوم القوات المتحالفة

كثفت القوات المتحالفة منذ يوم 16 يناير 1991 عمليات المراقبة والاستطلاع؛ وهو ما يطلق عليه تدقيق المعلومات المتوافرة لدى هذه القوات، وتبعها بدء عمليات التشويش اللاسلكي، والراداري بوساطة الوسائل المتوافرة كافة؛ سواء الأرضية، أو الجوية من طريق الأقمار الصناعية، وكانت هذه العمليات هي الشواهد الدالة على التحضير للهجوم، وهو ما نُفذ فعلاً في الساعات الأولى من صباح اليوم التالي 17 يناير 1991 مباشرة؛ إذ بدأ الهجوم الجوي للقوات المتحالفة.

2. نظم الحرب الإلكترونية التي استخدمت خلال العملية، وما نفّذته من مهام

أ. نظام للإنذار المبكر والتوجيه عن بعد محمول جواً بطائرات AWACS

كان يوجه، وينسق أعمال قتال المقاتلات، والقاذفات في الجو، واستطلاع الأهداف المعادية ورصدها بعمق 500 كم على مختلف الارتفاعات، وفي مختلف الأحوال الجوية، والرؤية ليلاً ونهاراً، وفي ظروف الرؤية الصعبة.

ب. نظام للاستطلاع الفضائي عن بعد

خاص بمسرح العمليات في الكويت، وفي عمق الأراضي العراقية، ضم أكثر من 14 قمراً صناعياً للاستطلاع والتجسس؛ لرصد الأهداف الاستراتيجية، والتعبوية، وأوضاع القوات العراقية، وتنسيق أعمال القتال، وهذه الأقمار تستطيع رصد أهداف يقل حجمها عن 13 سم. كما أن هناك نوعاً من الأقمار “لاكروس”، الذي كان قد أطلق من مكوك الفضاء “أتلانتيك” في 1988؛ يستطيع التقاط صور فوتوغرافية لأي هدف على الأرض يزيد حجمه عن نصف متر، بل إن أشعته الرادارية قادرة على اختراق سطح الصحراء لعدة أقدام تحت الأرض، مما يساعد المخططين على تحديد مواقع المخابئ.

ج. حشد التحالف الدولي مجموعة كبيرة من أجهزة التجسس فوق العراق، والكويت منذ الاجتياح العراقي للكويت. وأُطلقت فعلاً أقمار صناعية متخصصة إلى الفضاء لمراقبة الوضع عن كثب، إلى جانب أقمار أخرى تولت مهام التنصت على اتصالات القادة والسياسيين العراقيين؛ سواء عبر الهاتف، أو الأجهزة اللاسلكية. وكان يحلق قمران صناعيان ـ مرة كل يومين ـ فوق الخليج، هما من نوع KH-11 المعروف أيضاً باسم KEYHOLE، وحتى عندما يبعدان عن المنطقة، فإن آلات التصوير الجانبية المزودان بها تستطيع إرسال صورة إلى “مركز معالجة الصور القومي” التابع لوكالة الاستخبارات الأمريكية خارج واشنطن.

وهذه الأقمار تمكن محللي وكالة الاستخبارات المركزية من الجلوس في واشنطن، ومراقبة القادة العراقيين وهم يحركون دباباتهم عبر الصحراء،.

د. برزت في المراحل الأولى لحرب الخليج طائرات الإنذار المبكر المحمولة جواً “الأواكس” E-3A بوصفها أكثر مصادر التجسس التفصيلي أهمية، وقد كانت هذه الطائرات من نوع “بوينج – 707” معدة للتجسس، وإدارة معارك جوية معقدة، بالطيران 24 ساعة في الجو، وأعطت قوات التحالف الدولي فوائد أساسية في الحرب الجوية الخاطفة.

وقد هرعت طائرة الاستطلاع الجوي J-STARS إلى المنطقة الخليجية، للتحري عن التحصينات الأرضية للقوات العراقية. التي حققت نجاحاً في هذا المجال.

ورغم هذا التقدم التكنولوجي، وقدرة الأقمار الصناعية على اختراق البث الراداري للإعداد، واكتشاف مصادرهم الحرارية، فقد برزت عوائق أمام التحالف الدولي؛ فمثلاً عمد قادة صواريخ سكود العراقيون إلى الاحتماء تحت الجسور، أو داخل المباني، مع إيقاف الرادارات عن العمل، وإطفاء مولدات الطاقة الخاصة بها. وكانوا يظهرون فقط عندما تكون هناك غيوم في السماء، أو عندما يعتقدون أن الأقمار الصناعية بعيدة عن المنطقة.

كذلك حاول القادة العسكريون العراقيون تجنب التحدث بوساطة اللاسلكي، وهم يملكون نظاماً جديداً للاتصالات يستخدم الألياف البصرية “الضوئية”؛ وهي كابلات مدفونة تحت الأرض لبث الرسائل، بدلاً من استخدام اللاسلكي التقليدي.

هـ. تحصل القواعد الأمريكية ـ الأسترالية في داخل أستراليا على معلومات ترد إليها من 15 قمر تجسس على ارتفاعات كبيرة، بعضها ثابت فوق الخليج والبعض الآخر يتحرك في مدارات تمر فوق المنطقة، وتعد “نورونجار” أهم قاعدة أسترالية للتجسس، وتبعد 500 كم شمال غرب “اديلير”، وتدار بوساطة قيادة مشتركة من سلاح الجو الأمريكي، ونظيره الأسترالي.

وتجمع “نورونجار” معلومات وصوراً من أقمار صناعية تابعة لبرنامج دعم الدفاع الأمريكي DSB، التي تستخدم تلسكوباً يعمل بالأشعة تحت الحمراء للكشف عن أدخنة العادم الصادرة من صاروخ “سكود” أطلق لتوه، وخلال دقيقة واحدة ترسل المعلومات، والصور إلى القادة الأمريكيين في المملكة العربية السعودية.

ويدير قاعدة “باين جاب” على بعد 20 كم من “اليس سبرينغز” خبراء من الاستخبارات المركزية الأمريكية وزملاؤهم من أستراليا. وتستخدم هذه القاعدة في التنصت على الاتصالات العسكرية، والمدنية العراقية من طريق أقمار صناعية.

و. استُخدمت معدات إعاقة على الأرض، أو في الجو، أو من السفن، أو الطائرات الموجهة من دون طيار، ومن هذه المعدات ما يستخدم للمعدات اللاسلكية، ومنها ما يستخدم للأجهزة الرادارية.

ومن أحدث هذه المعدات التي استخدمت خلال عمليات تحرير الكويت طائرات E-6 “براولر” التابعة للبحرية الأمريكية، وطائرات EF-111 “رايغن” التابعة لسلاح الجو الأمريكي، هذه الطائرات كُلفت بتتبع أنظمة الرصد والكشف الرادارية، والحرارية التابعة للقوات العراقية، ثم التشويش عليها، وتضليلها، وتعميتها، والعمل على تحييدها تماماً إذا أمكن، إضافة إلى متابعتها لأي محاولات قد ينفذها الخصم للتشويش على الأنظمة الإلكترونية، والرادارية الصديقة تمهيداً لمكافحة هذه المحاولات وتعطيل تأثيرها.

ومن نظم الإعاقة الرادارية المستخدمة ما يلي:

أ. نظام “شاف” Chaff

ويتكون من صفائح معدنية رقيقة؛ قطعت بأطوال معينة، وتقصف بكميات كبيرة من الطائرات ، أو المركبة الجوية؛ لتشكل غمامة من الصفائح يتقاذفها الهواء، فتعكس الطاقة الرادارية المنبعثة من محطات المراقبة والتوجيه الأرضي، وتمنعها من رصد الهدف الحقيقي. وقد استخدم نوع حديث بالاستعاضة عن الصفائح بمسحوق معدني يحقن في الهواء؛ ليشكل رذاذا يغطي بقعة واسعة من الأجواء؛ إذ يختفي أثر الطائرة فيها.

ب. نظام التشويش المتعدد الذبذبات

عندما يتنبه الطيار إلى وجود محطات رادار عاملة، يطلق هذا الجهاز الذي يرسل شعاعاً على مختلف الترددات العاملة، وتبدو شاشة الرادار بيضاء كما أنها مثقلة بالأهداف العديدة المتداخلة، التي يستحيل التمييز بينها.

ج. جهاز التشويش المقذوف بالمظلة

ترسل هذه الأجهزة ـ بعد قصفها بالهواء ـ ذبذبات على ترددات مختلفة؛ بحيث تغطي حيزاً واسعاً من الموجات؛ فتؤثر على عمل الرادارات، وتشل فاعليتها؛ إضافة إلى ما تحدثه من تشويش على شاشات الرادار. تبدو هذه الأجهزة المسقطة بالمظلات على لوحات التوقيع في غرف العمليات، كأنها طائرات تشويش إلكتروني، فتنشط وسائل الدفاع الجوي للتصدي لها، وتتسبب في هدر الطاقة الدفاعية وتشتتها وتبددها.

كانت السيادة التي حصلت عليها الحرب الإلكترونية من البداية إلى النهاية السبب الرئيسي ـ ويحتمل أن يكون أهم سبب النجاح للعمليات الجوية لقوات التحالف ضد العراق. فالحرب الإلكترونية التي شنت بمختلف الطرق والأساليب التي يمكن تخيلها،مكنت القوات الجوية المتحالفة من إرباك الدفاعات الجوية العراقية خلال الأسابيع الستة للحرب؛ مما أدى إلى فتح الطريق لطائرات الحلفاء، وحمايتها خلال تنفيذ مهامها القتالية.

3. رد فعل القادة على دور الحرب الإلكترونية في العمليات

الفريق الجوي “تشارلز هورنر” ـ قائد القوات الجوية الأمريكية في الرياض ومايسترو الحملة الجوية ـ لقوات التحالف أعطى الحرب الإلكترونية ما تستحقه من تقدير لنتائجها الهائلة، وفي إجابته على سؤال وجه إليه عن نتائج الأعمال الإلكترونية خلال الحرب؛ ذكر بأنها كانت أحد الأنوار الساطعة في حرب الخليج، خاصة في ظل العدد الهائل للطلعات الجوية للحلفاء، والكثافة العالية للدفاعات الجوية العراقية.

وأضاف الفريق “هورنر” أن خسائر الحلفاء بلغت عشر طائرات، بالرغم من آلاف الصواريخ التي أطلقتها القوات العراقية عليها، وهذا ليؤكد على أن تكامل الحرب الإلكترونية مع عمليات التدمير الإلكتروني بوساطة نظام الطائرات “الوايلد ويسيل”؛ قد أثبت فاعليته بدرجة مؤكدة.

4. تأثير أعمال الحرب الإلكترونية على أعمال القتال

كانت الإجراءات المضادة جزءاً من الترسانة الإلكترونية للقوات الجوية المتحالفة التي قادتها القوات الجوية الأمريكية. وقد استخدمت هذه القوات كل الوسائل الإلكترونية في القتال ضد قوات، ووسائل الدفاع الجوي، والاتصالات العراقية التي سحقت، أو خدعت، أو شوش عليها بوساطة عمليات الإعاقة والخداع، ثم بوساطة الصواريخ والقنابل.

ومثال للمعركة الإلكترونية الحديثة، كان على طائرات الشبح من نوع F-117A مهاجمة رادارات الدفاع الجوي العراقي، التي لم تتمكن من رؤيتها أثناء اقترابها. وباستغلال الثغرات التي حدثت في الحقل الراداري العراقي نفذت موجات الطائرات الحليفة في مقدمتها الطائرات (وايلد ويسيل)، والمقاتلات القاذفة بالهجوم، وقد أكدت الطائرة F-117 للعالم أن الحرب الإلكترونية الحديثة تعتمد على خداع الرادارات أو تعميمها، وعدم تمكينها من رؤية الهدف بالدرجة نفسها التي تعتمد عليها في تدمير الرادارات.

ويمكن وصف سيناريو الحرب الإلكترونية ـ في التعامل مع حيز الطيف الكهرومغناطيسي الكلي للمعركة ـ بأنها عملية مستمرة تتناول التعامل مع وسائل الاكتشاف، ثم التمييز، ثم الاستحواذ، فالمتابعة، ثم إطلاق الصواريخ وتوجيهها، وأخيراً التعامل مع طبات الصواريخ.

وقد أتمت الحرب الإلكترونية معركتها في عاصفة الصحراء بالتعامل المتتالي مع أجزاء حيز الطيف الكهرومغناطيسي؛ بدءاً بالإعاقة من بعد بوساطة الطائرات EF-111 ضد رادارات الكشف والتمييز لقوات الدفاع الجوي العراقية، وانتهاءً بالأنظمة المحمولة على طائرات القتال التي تعاملت مع الجزء الأخير للحيز الكهرومغناطيسي المتمثل في نظم توجيه الصواريخ.

جاءت نتائج عاصفة الصحراء تأكيداً لدور الحرب الإلكترونية الأمريكية؛ إذ تعرضت الحرب الإلكترونية الأمريكية في السنوات الأخيرة لفشل عدة أنظمة حرب إلكترونية حيوية؛ سواء من حيث التطوير، أو من حيث العمل، إلاّ أن عاصفة الصحراء أوضحت الجانب الآخر من القصة ألاَ وهو جانب النجاح، ويرى أحد مسؤولي الحرب الإلكترونية في وزارة الطيران الأمريكية أن عاصفة الصحراء أكدت أن نظم الحرب الإلكترونية للقوات الجوية الأمريكية كانت أفضل كثيراً مما كانوا يتوقعون، وأنهم كانوا يعلمون بمدى كفاءتها، غير أنهم لم يستطيعوا إثبات ذلك إلى أن جاءت عاصفة الصحراء وأكدت فاعليتها.

وفي مقالة لمجلة Air Force Magazine الأمريكية مع الفريق الجوي “هورنر”، استعرض معدات الحرب الإلكترونية واستخداماتها في عاصفة الصحراء كالآتي:

أ. طائرات إعاقة منطقة

أو ما يعرف بطائرات الإعاقة من بُعد Stand Off Jamming؛ سواء بوساطة الطائرة EF-111 التابعة للقوات الجوية، أو طائرات البحرية EA-6B، التي وجهت إشعاعاتها الإلكترونية إلى رادارات اكتشاف الأهداف للقوات العراقية؛ إذ عجزت عن إدراك حقيقة الأهداف المعادية وسط الأهداف العديدة الزائفة.

ب. مستودعات الأعمال الإلكترونية المضادة المركبة في الطائرات

بغرض توفير الحماية الذاتية لها؛ بإعاقة رادارات توجيه الصواريخ، وخداعها بالرقائق، وبإطلاق المشاعل الحرارية؛ لإفشال توجيه الصواريخ الباحثة عن الحرارة.

ج. طائرات التدمير الإلكتروني

سواء الفانتوم F-4G التابعة للقوات الجوية، أو طائرات البحرية FIA-18، وكلتاهما تعمل في مهمة “وايلد ويسيل”؛ إذ تطلق صواريخ مضادة للأشعة الرادارية ذات سرعة عالية High Speed Anti Radiation Missiles HARM على الرادارات الأرضية المعادية؛ مما يجبر عمال الرادارات على عدم إبقائها في وضع العمل لفترات طويلة.

وقد أدت هذه الأساليب مجتمعة إلى تحويل الطائرات المغيرة إلى أشباح؛ سواء كانت مصممة لهذا الغرض STEALTH، أو كانت طائرات تقليدية.

إضافة لما سبق، ضمت المعركة الإلكترونية للتحالف عناصر حيوية أخرى. فكان للطائرة EC-130 المعروفة باسم Compass Call، دور حيوي في التشويش على معظم الاتصالات العسكرية العراقية على كافة المستويات.

ومن الأنظمة الأخرى مستودع الإعاقة ALQ-184، وكانت القوات الجوية الأمريكية قد تعاقدت في 1982 على تطويره؛ ليناسب العمل مع عدد كبير من الطائرات، وخلال الاختبارات العملية لهذا المستودع ظهرت مشكلة في أحد أجزائه، وكان من الممكن أن توقف إنتاجه؛ غير أن القوات الجوية كانت قد قررت المضي في إنتاجه بمعدل منخفض، قبل إجراء الاختبارات، ونتيجة لذلك، فإن عدداً لا بأس به من طائرات القتال الأمريكية كانت قادرة على دخول الحرب بهذه المستودعات ALQ-184 التي أدت دوراً كبيراً في خداع الصواريخ الموجهة رادارياً، وقللت كثيراً من خسائر الطيران.

والنظام الثاني الذي استخدم، هو نظام الإعاقة الداخليALQ–135 ، وقد بدأت الشركات في تصنيعه للقوات الجوية الأمريكية منذ 1983 بناء على إستراتيجية مطالب “البنتاجون” من معدات الحرب الإلكترونية التي وضعت في أوائل الثمانينات للقرن العشرين الميلادي. وأدى هذا النظام أداءً محدوداً في عاصفة الصحراء، نتيجة لاستخدامه في عدد محدود من المقاتلات F-15C، لكن كان له نصيب الأسد في كثير من طلعات جو/ جو الناجحة في عاصفة الصحراء.

ولا تتوقف قصة نجاح الحرب الإلكترونية في عاصفة الصحراء على استخدام النظم الحديثة فقط؛ إذ إن معظم طائرات القوات الجوية كانت تحمل أجيالاً قديمة؛ مثل المستودعاتLQ-119 وALQ-131، وكلها أدت واجبها على الوجه الأكمل.

إضافة لما سبق، أوضحت عمليات عاصفة الصحراء سلامة قرار القوات الجوية الأمريكية في الثمانينات بإنتاج أجهزة تحذير راداري حديثة لمقاتلاتها، وأحد هذه الأجهزة هو جهاز التحذير الراداري ALR-56C، الذي زودت به كل الطائرات المقاتلة F-15E، وكثير من الطائرات F-15C، وكان للحاسبات الإلكترونية التي تعيد برمجة أجهزة التحذير الراداري دوراً حيوياً، وهذه الحاسبات تدخل حالياً في معظم أجهزة التحذير الراداري الحديثة.

ومع التطور في أجهزة التحذير الراداري، بدأت القوات الجوية الأمريكية في إنتاج نظم تحذير ضد الصواريخ؛ لاستكمال التحذير الراداري الموجود على طائرات القتال، فجهاز التحذير الراداري قد لا يكون حساساً إلاّ بالنسبة للصواريخ الموجهة رادارياً المقتربة من الطائرة، بينما نجد أن نظام التحذير ضد الصواريخ مصمم لاكتشاف باقي أنواع الصواريخ؛ بما فيها تلك المستخدمة لمستشعرات أشعة تحت الحمراء، أو كهروبصرية “كهروضوئية”. وتنفذ نظم التحذير ضد الصواريخ، حالياً، بوساطة عدد محدود من طائرات القوات الجوية منها B-52 وF-111، وطائرات المهام الخاصة. كما تبحث القوات الجوية على نظم تحذير ضد الصواريخ لطائرات النقل مثل: C-141، وC-5، وC-130، وكذلك المقاتلات مثل: F-15، وF-16.

5. استخدام التكنولوجيا الحديثة في أعمال الحرب الإلكترونية

أدّت طائرات الاستطلاع JOINT-STARS، وطائرات الإنذار المبكر AWACS المحمولة على متن الطائرات “البوينج 707” وظيفة المفتاح للإمداد بالصور الرادارية للأرض مشتملة على رصد القوات أثناء تحركها.

وببعض التفصيل، فقد اعتمدت قيادة قوات الحلفاء إلى حد كبير، على الطائرات “الفانتوم” المجهزة للاستطلاع من نوع RF-4C المعروفة باسم “الحارس القومي للقوات الجوية الأمريكية”، وطائرات R-IA7 التابعة للسلاح الجوي، وميراج RAD-5، وميراج RAD-2000 للمملكة العربية السعودية، وطائرات ميراج لدولة الإمارات، وكل هذه الطائرات كانت مجهزة بآلات تصوير ضوئية، فيما عدا طائرات الميراج لدولة الإمارات، فقد زودت بأجهزة استشعار بالأشعة تحت الحمراء IRLS مركبة داخل مستودعات استطلاع معلقة من نوعCORS.

قدمت فرنسا نظاماً لمستقبل النظم الكهروضوئية باستخدام طائرات الميراج FI-CR، المزودة بمستشعرات الأشعة تحت الحمراء من نوع SAT، وهو ذو سرعة مسح دورانية فائقة Super Cyclope ومتصل بالمحطة الأرضية من نوع SARA، عن طريق دائرة نقل معلومات UHF، وهذه المحطة الأرضية مكونة من ثماني كبائن خاصة؛ منها كبينتان إحداهما لاستقبال الصور والتفسير الفوري لها، والأخرى لنقل الصور المعالجة إلى شبكة قيادة الجيش.

زُوِدَّت طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني من نوع تورنادو CR-IA بمستشعرات الاستطلاع، كلفت ست طائرات منها بمهمة الصيد الليلي؛ لمنصات إطلاق صواريخ “سكود” المتنقلة، وفي الوقت نفسه كانت مجهزة بكل نظام الاستطلاع الكهروضوئي لشركة “بريتش ايروسبيس” Bretcj Airospeac البريطانية، ويشمل آلة تصوير “فينتن” من نوع IR-4000 الرأسي، الباحثة أسفل جسم الطائرة، بينما فتحة آلة التصوير أسفل الكابينة.

ولتفادي فقد أي وقت لتنفيذ أعمال الاستطلاع، وللاستفادة الكاملة من معلومات الاستطلاع خططت القوات الأمريكية تعميم نظم الاستطلاع الجوية التكتيكية المتقدمة ATARS بدءاً من عام 1993؛ إذ حلت نظم الاستطلاع باستخدام آلات التصوير الكهروضوئية، ومستشعرات الأشعة تحت الحمراء بدلاً من نظم الاستطلاع بآلات التصوير الفيلمية المتقادمة في كل من القوات الجوية، والبحرية الأمريكية، علماً بأن الصور التي تلتقط بهذه المستشعرات تراجع فورياً بوساطة طاقم الطائرة، ويمكن برمجتها بنظام رقمي، ثم بثها عبر دوائر نقل المعلومات واسعة الترددات والمؤمنة إلى المحطات الأرضية؛ للتقييم الفوري للموقف، وتوضيحه أمام القادة.

6. أهم أسباب نجاح الحرب الإلكترونية في معاونة قوات التحالف في حرب الخليج

أ. فعالية الطائرة الخفية في حرب الخليج الثانية

في أثر حرب الخليج الثانية، قيل إن المستوى العالي من دقة الإصابة للطائرات الخفية، التي لم تواجه مقاومة تذكر أثناء غاراتها، أدى إلى تدمير عدد من الأهداف، بحوالي نصف عدد الطلعات اللازمة لإنزال التدمير نفسه، إذا ما استخدمت الطائرات التقليدية، إضافة إلى ذلك، لا تحتاج الطائرات الخفية إلى مصاحبة من المقاتلات للحماية، أو طائرات تأمين لتحييد الدفاعات الجوية المعادية، مما يخفف، كذلك، الطلب على خدمات طائرات الصهريج لتزويد الطائرات بالوقود جواً؛ حيث أعلنت شركة “لوكهيد” أن 16 طائرة تقليدية تستخدم في هجومها الأسلحة دقيقة التوجيه تحتاج إلى 16 مقاتلة للدعم، و12 طائرة لتحييد الدفاعات الأرضية، و11 طائرة تزود بالوقود من الجو، أي ما مجموعه 55 طائرة، ويمكن، الآن، تنفيذ المهمة نفسها بثماني طائرات خفية، وطائرتين تزود بالوقود من الجو، أي ما مجموعه 10 طائرات فقط.

استخدم عدد قليل من طائرات الاستطلاع الخفية بعيدة المدى من نوع TR-3A من صنع شركة “نورثروب”، في بعض طلعات الاستطلاع؛ حيث حصلت على معلومات رقمية بوساطة التصوير الحراري لأهداف تولت الطائرة F–117A ضربها، لاحقاً. ويعتقد أن تلك المعلومات، بعدما حولت، لحظة بلحظة، إلى صور عن الأهداف بثت، مباشرة، في أثناء التحليق إلى غرفة العمليات الرئيسية من طريق طائرات الاستطلاع TR-1 و U-2، أو الأقمار الصناعية.

ب. تنظيم أعمال الاستطلاع الإلكتروني المحمول جواً ووسائله والنظم المصاحبة له

ببدء الأزمة العراقية ـ الكويتية، سارعت القيادة الأمريكية إلى إرسال أربع طائرات استطلاع إلكتروني، وإنذار مبكر “أواكس” إلى قاعدة الرياض الجوية. وفي الوقت نفسه شرعت القيادة الأمريكية في نشر منظومات من الأقمار الصناعية زاد عددها على تسع منظومات، وضمت أكثر من 500 جهاز فضائي، منها، 50 جهازاً تقريباً مخصصة للاستطلاع عبر الأقمار الصناعية التي تعيد البث، وتتصل بالمراكز الأرضية لجمع المعلومات، ومن ثم تبلغها للقوات[1]. وقد كانت عناصر هذا العمل الأساسي كالآتي:

(1) السيطرة الجوية

كان لا بد من وجود سيطرة جوية لتأمين أعمال طائرات الاستطلاع الإلكتروني، تمت من خلال عمليات توجيه الطائرات الهجومية: طائرات “تورنادو”، وطائرات F-111، وطائرات “ميراج 2000″، وغيرها نحو أهدافها، وتوجيه طائرات F-15؛ لاعتراض الطائرات العراقية التي تحاول التدخل في المعركة، أو اعتراض الطائرات المغيرة، كذلك تبليغ المعلومات للطائرات العمودية المضادة للدبابات “أباتشى وغيرها”، وتوجيه طائرات الإنقاذ العمودية نحو أماكن سقوط الطائرات الحليفة؛ لإنقاذ الطيارين، إضافة إلى مساعدة الطائرات وتوجيهها للعودة إلى قواعدها بعد تنفيذ واجباتها.

(2) الاستطلاع

يشمل كشف أنواع الطائرات المعادية “العراقية”، وتحديد اتجاهات الطائرات المهاجمة على الارتفاعات المنخفضة، وتبليغ المعلومات إلى قواعد إطلاق صواريخ “باتريوت” عن الصواريخ المهاجمة منذ انطلاقها، وتحديد مسار هذه الصواريخ، والاتصال بالأقمار الصناعية؛ لتوصيل المعلومات؛ لإعادة بثها للقيادة الاستراتيجية، إضافة إلى السيطرة والتعرف على جميع الطائرات الحليفة.

(3) الحرب الإلكترونية

وتشمل اكتشاف مراكز الإعاقة الإلكترونية المعادية، والتعامل معها بإجراءات إلكترونية مضادة، بفضل منظومة CSME، والتنصت على تردد الرادارات المعادية، ونقل البيانات الملتقطة عنها إلى الطائرات الإلكترونية الأخرى، مثل طائرات E-2C المخصصة للاستطلاع البحري، والطائرات الإلكترونية من دون طيار، إضافة إلى توفير الحماية لطائرات الأواكس ذاتها بوساطة الحرب الإلكترونية المضادة.

(4) الرصد

جمع المعلومات من طائرات الاستطلاع “الطائرات من دون طيار”، ومن الطائرات الأخرى في شأن تحركات القوات العراقية، ومواقعها، وأسلحتها المكتشفة.

(5) الاتصالات ومنظومة جمع المعلومات

وتشمل الاتصال بالأقمار الصناعية الخاصة بالمراقبة والرصد، ونقل المعلومات إليها عبر قمر صناعي وسيط. كذلك نقل المعلومات والبيانات الفنية إلى المقر العام، والمحافظة على الاتصال مع طائرات الأواكس الأخرى.

اضطلعت طائرات أواكس بهذه الواجبات في الفترة من منتصف أغسطس 1990 حتى نهاية فبراير 1991، وذلك بطلعات بلغ مجموعها 400 طلعة تقريباً، وبلغ مجموع ساعات الطيران نحو خمسة آلاف ساعة طيران، وكانت الطائرات الأربع تحلق طوال النهار والليل من خلال ما يزيد على 120 ألف طلعة جوية، بمعدل يومي يراوح بين 2500، وثلاثة آلاف طلعة تقريباً.

ويظهر ذلك مدى الضغط الذي تعرضت له طائرات الأواكس، وهي تؤدي عملها بصورة مستمرة، مما استدعى تنظيم مناوبة بالخدمة؛ بحيث يعمل كل فريق من ثمانية خبراء لمدة معينة “6-8 ساعات”؛ إذ إن كل عامل يستطيع أن يوجه، 25 طائرة ويقودها في وقت واحد فيكون مجموع الطائرات التي توجهها طائرة الأواكس هو 200 طائرة في آن واحد. وأدى هذا الضغط الكبير، كذلك، إلى وصول الحاسبات الآلية إلى حد الإشباع، مما استدعى جلب حاسبات آلية أكبر قدرة من الولايات المتحدة الأمريكية. أما بالنسبة إلى منظومات الأقمار الصناعية سواء المستخدمة في جمع المعلومات أو نقلها، فقد كان لكل منظومة منها دور محدد كالآتي:

(أ) منظومة القمر الصناعي؛ للاستطلاع البصري ـ الإلكتروني KH-11: وهي التي قدمت المعلومات عن الأهداف العراقية للضربة الجوية المكثفة الأولى لطيران قوات التحالف. ويستطيع هذا القمر تبعاً لمسار حركة الشمس، مسح منطقة تمتد حتى 2100 كم ويصور الأغراض، والأهداف المطلوبة تصويراً دقيقاً من مدار ارتفاعه 500 كم عن سطح الأرض.

(ب) القمر الصناعي للاستطلاع الراداري “لاك روس”: وهو قمر حديث، يستطيع تصوير الأهداف المراد استطلاعها تصويراً دقيقاً.

(ج) القمر الصناعي للاستطلاع الإلكتروني: استخدم قمران هما “فيريت ـ د”، و”ماغنوم”، وقد خصصا؛ لتحديد إحداثيات المحطات الرادارية العاملة، والتقاط الإشارات اللاسلكية، وكشف مواصفات أجهزة بثها، وكذلك التنصت على المكالمات الهاتفية، التي تتحقق من طريق قناة اللاسلكي في شبكات الاتصال العسكرية.

(د) منظومة EMPOSS: استخدمتها القيادة الفضائية الأمريكية من أجل معالجة عدد من المشكلات التي برزت، وزيادة إمكانات وسائل الاستطلاع الفضائية في أثناء تنفيذ الأعمال القتالية. وعلى سبيل المثال، جهزت هذه المنظومة لاكتشاف إطلاق الصواريخ البالسيتية، لرفع فاعلية مجموعات الصواريخ “باتريوت” المخصصة في الأساس؛ للصراع ضد صواريخ “سكود”، والصواريخ الروسية المماثلة.

(هـ) منظومة أقمار الاتصالات الفضائية FS ATCOM: تعني الاتصال الفضائي للقيادة الإستراتيجية الجوية الأمريكية، وقد أقيم لهذه القيادة مقر متقدم من أجل قيادة القاذفات الاستراتيجية B-52.

(و) الأقمار المخصصة للتقوية، وإعادة البث DSTCS: وقد خصصت لتأمين الاتصالات على المستوى التكتيكي، وعلى مستوى العمليات؛ وفقا لمتطلبات القوة الجوية الأمريكية، والمعروفة باسم 3 TAC، إضافة إلى قنوات الاتصال ذات المجال الواسع Le-Sat للأجهزة الفضائية، التي استخدمت لإعادة بث المعلومات من مركز الاستطلاع الفضائي الموجود في الولايات المتحدة، إلى المقر الخاص الذي أنشئ لقيادة القوات الأمريكية في منطقة الأعمال القتالية في السعودية.

(ز) منظومة القمر الصناعي DSTCS، والقمر الصناعي FLETSAT: التي استخدمت؛ لتنظيم شبكة أجهزة الإرسال والاستقبال.

(ح) المنظومة الفضائية NAFSTAR: استخدمت لاختبار طرق الاستخدام المتكامل لمنظومة الاتصال بوساطة الأقمار الصناعية، وتمكنت القيادة الأمريكية، بفضل هذه المنظومة، من تصحيح مسار الصواريخ الجوالة والجوية، ومن زيادة دقة طلعات الطيران إلى أهدافها في الوقت المناسب، وبخاصة في الليل. وجدير بالذكر أن القوات البرية الأمريكية على مستوى؛ فرقة ـ لواء ـ كتيبة، مزودة بأجهزة تحديد المكان مما يتيح الفرصة لتحديد أماكن تمركز هذه القوات بخطأ لا يتجاوز 16 متر. مع تحديد سرعة تحركها بوساطة الإشارات المرسلة “والمؤمنة من التشويش” من القمر الصناعي الملاحي “نافستار” لهذا النظام، الذي ساعد القوات البرية الأمريكية على تنفيذ أعمالها بنجاح في الظروف الليلية، وفي الأحوال الجوية السيئة بمنطقة الأعمال القتالية.

كانت هذه المجموعة من الأقمار الصناعية إحدى أهم الوسائل للحصول على المعلومات الاستطلاعية عن القوات العراقية؛ سواء المنتشرة على أرض العراق، أو الكويت، وتمكنت هذه الأجهزة من تحقيق مسح منتظم لمسرح العمليات طوال الوقت، وعلى سبيل المثال، كان تحليق الأقمار الصناعية المخصصة للاستطلاع البصري ـ الإلكتروني تنفذ بمعدل 14 مرة في اليوم، وبفاصل زمني يتراوح بين 20 دقيقة و6 ساعات، أمّا الأقمار الصناعية المخصصة للاستطلاع الراداري، فقد نفذت من 4 – 5 تحليقات في اليوم الواحد، وبالفاصل الزمني نفسه المماثل للأقمار الصناعية المخصصة للاستطلاع الفني اللاسلكي التي نفذت 12 تحليقاً في اليوم الواحد.

ثانياً: حرب البلقان عام 1999

إذا كانت الحرب الإلكترونية قد أدت دوراً إيجابياً في كافة الحروب السابقة، فإن حرب البلقان أثبتت أن من سيمتلك المجال الكهرومغناطيسي، سيكون له السبق في السيطرة على الخصم وإفقاده السيطرة على قواته وأسلحته وطائراته وسفنه. كما أنه سيكون لديه كل ما يدور لدى الخصم من معلومات يتم تداولها بكافة نظم الاتصال والتوجيه.

   وبقدر ما استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي وسائل الحرب الإلكترونية المعقدة، التي شملت الاستطلاع الإلكتروني بكافة تخصصاته، والإعاقة الإلكترونية بكل أنواعها وأشكالها، بقدر ما لاقت مقاومة من خلال إجراءات وأدوات تكنولوجية حافظت عليها القوات اليوغسلافية كأحد عناصر المقاومة للمعدات الإلكترونية، ومعدات السيطرة والتوجيه على النيران المتوفرة لديها. حيث عملت رادارات الدفاع الجوي ومعدات القيادة والسيطرة بمرونة ويسر وذكاء قاوم كل الأعمال الإلكترونية المضادة لها.

   وحتى نضع أيدينا على الدور الذي أدته الحرب الإلكترونية في العمليات الجوية في كوسوفا، فكان لزاماً تعرّف نظم الدفاع الجوي الصربي، التي كانت تعتمد على الصواريخ سام -2 Sam-2، والصواريخ سام -6 Sam-6 ذاتية الحركة ذات رادارات من طراز 1S91 والتي لم يكن متوفراً منها إلا أعداد قليلة. كما كان متوفراً لها نظام سام -9 Sam-9 المنتج محلياً والمزود بباحث حراري ليس لديه القدرة على مواجهة أعمال الإعاقة الحرارية، وكذلك النظام سام-13 Sam-13، وهو تطوير للنظام سام -9، ثم الأنظمة سام -7، وسام -16، وسام -18 Sam- 7, Sam-16, Sam-18.

وقد استغلت يوغسلافيا هذه الأنظمة في توفير الدفاع الجوي على المسرح، بما فيه من قوات برية وقواعد جوية، وقاومت القوات الجوية لحلف شمال الأطلسي لفترة طويلة استمرت أكثر من 79 يوماً.

1. أعمال المساندة الإلكترونية الأمريكية ESM

اعتمدت القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي في الحصول على المعلومات عن النشاط الإلكتروني للقوات الصربية من خلال نظم أرضية ونظم محمولة جواً, وبعض النظم البحرية والفضائية، وانحصرت النظم الأرضية في وسائل ومعدات استطلاع لاسلكي وراداري ومعدات رؤية حرارية، وأجهزة كشف حراري، ومستشعرات تليفزيونية، ولكنها كانت لمديات قصيرة تصل إلى عشرات الكيلومترات. عدا بعض الأنظمة الخاصة بالاستطلاع اللاسلكي.

ولذلك نشرت قوات حلف شمال الأطلسي عدداً كبيراً من الطائرات الموجهة من دون طيار، مسلحة بنظم استشعار مختلفة، قامت بالمرور في مسارات متعددة لكشف القوات، واستخدمت وسائل التوجيه لها لتعديل مساراتها. كما استخدمت نظم اتصالات حديثة ومؤمنة للحصول على المعلومات الفورية التي يتم التقاطها.

كما استفادت قوات حلف شمال الأطلسي من نظم المستشعرات المحمولة جواً في الطائرات التي تعمل في مجال الحرب الإلكترونية بنظام SOJ، والتي تستغل فيها هذه المستشعرات في أعمال الاستطلاع الإلكتروني، وكذلك في تأكيد المعلومات التي يتم الحصول عليها من نتائج أعمال الاستطلاع الإلكتروني الأرضي والطائرات الموجهة من دون طيار، من النوع GANT-750.

إلا أن الاعتماد الأساسي للحصول على المعلومات للقوات الأمريكية كان من خلال طائرات الاستطلاع الإلكتروني المخصصة لأعمال الاستطلاع اللاسلكي والاستطلاع الراداري، بما تحمله من معدات ومستودعات خاصة بهذه المهام. وذلك بالإضافة إلى شبكة الأقمار الصناعية المنتشرة في الفضاء الخارجي، التي تراقب القوات اليوغسلافية بالتصوير المرئي والحراري، بالإضافة إلى أعمال التنصت اللاسلكي ومتابعة النشاط الراداري.

وعلى سبيل المثال، فقد زودت طائرات الحلف بمستشعرات كهروضوئية للتحليل الدقيق للأهداف، حتى تحقق دقة إصابة. وحينما تأكد المخططون لحلف شمال الأطلسي من أن الخطر الرئيسي ضد القوات الجوية للتحالف هو الصواريخ ذات المستشعرات الرادارية والحرارية التابعة للدفاع الجوي الصربي، ركزت أعمال الاستطلاع الإلكتروني لكشف هذه الوسائل وتحديد محلاتها لتدميرها. وقد استغلت في مهام الكشف والتحديد للوسائل الإلكترونية عناصر الاستطلاع الإلكتروني المحمولة على سطح حاملة طائرات أمريكية وحاملة طائرات إنجليزية كانت مشتركة في تنفيذ المهام ضد القوات الصربية.

كما استخدمت مستودعات تدقيق الأهداف في الطائرات F-16 لتحديد مواقع الأهداف الإلكترونية الهامة.

وقد حملت معظم الطائرات المشتركة في الحملة الجوية مستودعات الدعم الإلكترونية من النوع ADVANCDE Concept Technology Demonstration: ACTD وهو معمل لتحليل المعلومات داخل مستودع له رد فعل سريع للإشعاعات الإلكترونية، حيث يقوم باستقبالها وتحليلها، وله اتصال مع باقي مكونات المنظومة من خلال 16 وصلة بيانات إلى مراكز القيادة، التي تبلغ فوراً طائرات الخمد الراداري لتتولى تدمير الأهداف المكتشفة.

2. الأعمال الإلكترونية المضادة ECM

خلال ثلاثة مراحل للعملية عام 1999: المرحلة الأولى 24-27 مارس، المرحلة الثانية 28-31 مارس، المرحلة الأخيرة 31 مارس – 10 يونيه، التي استمرت 71 يوماً كانت أعمال الاستطلاع الإلكتروني مستمرة ومتواصلة.

استخدمت الطائرات EA-6B للإعاقة، سواء أثناء الهجوم الجوي كإعاقة مصاحبة، أو أثناء الهجوم الجوي كإعاقة خارج المدى، أو من بعد SOJ، كما استخدمت أعمال الإطلاق للأهداف الخداعية وشكّل نظام الشرك المقطور AN/ALE-50 أهمية بالغة في العمل ضد وسائل الدفاع الجوي.

استخدمت مستودعات الإعاقة الإيجابية في معظم الطائرات المهاجمة وحملت بمستودعات الحماية الذاتية ALQ-131II، وذلك بعد برمجة تكتيكات مختلفة ضد التهديدات الرادارية لوسائل الدفاع الجوي الصربي.

استخدمت طائرات F-16 في عمليات الخمد الراداري كذلك لوسائل الدفاع الجوي، خاصة في مرحلة اختراق نظام الدفاع الجوي الصربي ومحاولة إحداث ثغرة في هذا النظام.

وبرغم تواضع نظم الدفاع الجوي الصربي، إلا أنها شكلت صعوبة في أعمال قتال القوات الجوية لحلف شمال الأطلسي، الأمر الذي أدى إلى تحذير الطيارين بعدم العمل على ارتفاع أقل من 10 آلاف قدم، إلا أن أعمالا لحرب الإلكترونية التي صاحبت التشكيلات الجوية أثناء تنفيذ مهامها أدت إلى نجاح هذه المهام، ولكن بكثافة عالية لأعمال الحرب الإلكترونية.

وقد كانت حادثة سقوط الطائرة الشبح F-117 الأمريكية درساً قاسياً، حيث كان السبب الرئيسي لسقوطها هو فقدان الدعم الكافي من نظم الحرب الإلكترونية للهجوم الجوي بهذا النوع من الطائرات، إلى جانب سبب آخر هو أن فتح أبواب التسليح لهذه الطائرة كان يزيد من المقطع الراداري لها بما يسهل كشفها رادارياً.

وقد أثبتت عمليات حرب البلقان أن استثمار أعمال الاستطلاع الفضائي والمحمول جواً في ظل أعمال الإعاقة الإلكترونية كان له الأثر الأكبر في تدمير مراكز القيادة والسيطرة ووسائل الدفاع الجوي والقواعد الجوية والبنية الأساسية للقوات الصربية.

وقد استخدمت في هذه الحرب، على سبيل التجربة، القنابل الكربونية التي تطلق بعد تفجيرها العديد من القطع الكربونية التي تُحدث توصيلات للأجزاء الكهربية في محطات توليد الطاقة، بحيث ينتج عنها خلل في التيار الكهربائي، وهذا ما جعل صربيا تعيش في ظلام دامس لعدة أيام متصلة.

بالإضافة لما سبق، فقد نفذت حرب المعلومات، على نطاق واسع، من خلال شل شبكات الحاسبات للنظم العسكرية والمدنية من طريق بث الفيروسات، الأمر الذي أدى إلى شلل في القطاعات التي تعتمد على المعلومات الرقمية المحللة، وقد استمر هذا الشلل حتى نهاية الحرب.

أنظمة الحرب الإلكترونية المحمولة جواً

يمكن وصف الحرب الإلكترونية الجوية بأنها وسيلة “معاونة على الاختراق” Penetration Aid، ويقصد بهذا التعبير كل الفنون، والتقنيات، والأجهزة، والأنظمة التي تستخدم لتأكيد البقاء، ولتوفير الحماية للطائرات المهاجمة عند اختراقها للنظام الدفاعي المعادي، وفي أثناء تأدية مهامها، ولتأمين عودتها؛ فالعبرة ليست في وسائل الدمار التي تحملها الطائرة المهاجمة، ولكن في تأمين حمايتها من الإصابة، من خلال تزويد مكتبة التهديدات المتوقعة بالمعلومات الدقيقة عن الأهداف المعادية، ما يزيد من فاعلية دعم الحرب الإلكترونية للقوات الجوية خلال تنفيذ الضربات الجوية.

وتتعامل الحرب الإلكترونية الجوية مع الأنظمة والوسائل الإلكترونية المعادية الأرضية، مثل محطات الاتصال اللاسلكي، ورادارات الإنذار وتوجيه النيران لوسائل الدفاع الجوي، ورادارات الإنذار والمراقبة الساحلية، ورادارات التوجيه لمراكز السيطرة الجوية الأرضية، ورادارات قيادة وتصحيح نيران المدفعية، ورادارات مراقبة التحركات الأرضية للقوات، والمركبات، والمجنزرات، وأنظمة الكشف والتوجيه الكهروبصرية (تليفزيوني، حراري، ليزري، بصري).

ويتضمن الدعم الالكتروني في الحرب الجوية الأجهزة السلبية وأجهزة التحذير من التعرض للرصد الراداري، ووسائل التنصت على الاتصالات والاستخبارات، التي تكشف إشارات الطيف الكهرومغناطيسي وتحللها، وتحدد موقعها، وتسجلها، كموجات الراديو والرادار والليزر والأشعة تحت الحمراء، من أجل إنذار الطيار.

أولاً: طائرات الحرب الإلكترونية

تجهز طائرات خاصة بالحرب الإلكترونية بغرض توفير معدة مناسبة مزودة بالأنظمة، التي تكفل القيام بمهام الحرب الإلكترونية من الجو، ولفترات طويلة تسمح بالتقاط أكبر قدر من الإشعاعات الإلكترونية المعادية، لرسم الخريطة الإلكترونية للأهداف الإلكترونية المعادية، مع تنفيذ عملية التحليل لمواصفات هذه الإشعاعات، للتعرف على مصادر التهديد الإلكتروني. وفي هذا المجال، تجهز طائرات لتنفذ مهام الاستطلاع الإلكتروني، وبالأخص ضد مواقع وبطاريات الدفاع الجوي.

لتحقيق الدعم الالكتروني للطائرات الحربية، تصاحب طائرات الحرب الإلكترونية الطائرات المهاجمة، بحيث تكون بعيدة عن تأثير وسائل الدفاع الجوى المعادية، وتمسح المنطقة الكترونيا لتحديد خصائص أجهزة الرادارات الأرضية المعادية، تمهيدا لاعاقتها، حتى تتمكن الطائرات المهاجمة من تأدية مهامها. وتستمر طائرات الحرب الإلكترونية في العمل حتى تنتهي العملية الجوية، وتعود الطائرات الصديقة إلى قواعدها؛ فتكون طائرات الحرب الإلكترونية هي أولى الطائرات عند بداية الهجوم وآخرها عند نهايته. وقد تشترك طائرات الحرب الإلكترونية، مثل الطائرة EF-111A، مع تشكيل الطائرات المهاجمة في عمق العدو لتوفير الحماية لها، ويؤدي ذلك إلى زيادة فعالية الإعاقة، نظرا لقرب الطائرة من مصادر التهديد.

ظهرت في منتصف خمسينيات القرن العشرين مجموعة من أنظمة التحذير الرادارية المحمولة جوا ومرسلات الإعاقة. وبدأ تثبيتها على القاذفات الاستراتيجية الأمريكية. وكانت الطائرة EF-10 Skynight أول طائرة نفاثة تجهز لحرب إلكترونية على المستوى التكتيكي في نهاية الخمسينيات. وكانت تحمل خمسة أطنان من معدات الحرب الإلكترونية، عالية الكفاءة في ذلك الوقت. وفي عام 1965، تغير الموقف بدرجة كبيرة، حينما أدخل الروس إلى فيتنام صواريخ الدفاع الجوى طراز “سام- 2” SAM-2، والمدفعية عيار 57 مم، المضادة للطائرات والموجهة بالرادار، وأُسقطت أول مقاتلة أمريكية من طراز  F-4. وهنا سارعت أمريكا إلى استخدام أنظمة الإعاقة طراز  ALQ-51، والأنظمة  ALE-29 لقذف الرقائق المعدنية.

وتبين أنه لا يمكن للطائرات العادية حمل الكم الهائل من الأنظمة الإلكترونية؛ لأن ذلك يكون على حساب المهام الأخرى. ومن هنا ظهرت الحاجة إلى طائرات خاصة تكون مهمتها الأساسية هي الحرب الإلكترونية. وفي عام 1966، طوّرت القوات البحرية الأمريكية القاذفة الهجومية A-6 A Intruder، إلى الطراز  EA-6A، وذلك بتجهيزها بمستودع الإعاقة  ALQ-76، ومستقبلات للإنذار والتحذير الراداري. وتبع ذلك دخول طائرة الحرب الإلكترونية EF-111 ، التي تسمى Raven، والتي تصل سرعتها إلى ما يزيد على ضعف سرعة الصوت، ما وفر التوافق في السرعة مع طائرات الهجوم الجوى. وبعد ذلك حمّل أول نظام للإعاقة التكتيكية طراز  ALQ-99على الطائرة Prowler EA-6 B ، وبظهورها بدأت طائرات الحرب الإلكترونية أول الأعمال للمساندة القتالية الحقيقية في فيتنام عام 1971، عندما ساندت أعمال الهجوم الجوي للقاذفات.

وإذا كان الأمريكيون يميزون المقاتلات بالرمز(F)   fighter، فإن الرمز(EF)   electronic fighterيعني مقاتلة تستخدم لأغراض الحرب الإلكترونية. وإذا كانت القاذفات تميز بالرمز  (B) bomber فإن الرمز  electronic bomber (EB)   يعنى قاذفة تستخدم للحرب الإلكترونية، واذا كانت طائرات النقل cargo  يرمز لها بالرمز  (C)، فإن الرمز (EC) Electronic cargo  يعنى طائرة نقل تستخدم في أغراض الحرب الإلكترونية. وهذا يعنى اضافة حرف E وهو اختصار لكلمة  Electronic على الرمز الخاص بالطائرة.

وزودت بعض الدول الطائرة “بوينج 707” بمعدات الاستطلاع والإعاقة اللاسلكية؛ كما زودت هذه الطائرات بنظام راداري للاستطلاع بمدى يتراوح بين 80 ـ 100 كم؛ لكشف التحركات، والأهداف الأرضية. وزودت الطائرة E-2C بنظام كشف سلبي لالتقاط جميع الإشعاعات الإلكترونية في الحيز 2 ـ 18 جيجا هيرتز في جميع الاتجاهات؛ بواسطة الهوائيات المنتشرة حول جسم الطائرة. وتحتفظ هذه الطائرة بمعلومات زودت بها مسبقا عن هذه الإشعاعات؛ لتقارن، وتعطي المعلومة متكاملة، ويصل مدى كشف هذا النظام إلى 370 كم.

وهكذا، أقحم تخصيص طائرة لأعمال الحرب الإلكترونية بُعداً جديداً، تمثل في استخدام أنظمة متكاملة للحرب الإلكترونية. وتدرس الولايات المتحدة دمج طائراتها المتعددة للحرب الإلكترونية في طائرة واحدة. وقد اعتمد لهذا المشروع، المعروف باسم MC2A جسم طائرة “بوينج 767”. وتشمل مهام هذه الطائرة الرقابة الأرضية مع رادار من نوع جديد، يسمح بكشف المركبات العسكرية، حتى لو كانت محجوبة عن النظر، وفي ظروف طقس قاسية، ثم يستكمل النظام الراداري بأنظمة للقيادة والسيطرة وبأنظمة للتنصت الالكتروني، وهو ما يسمح للطائرة بتنسيق العمليات والمهام مع الطائرات المقاتلة.

وطائرة التشويش الأمريكية EC-130H Rivet Fire / Compass Call، هي نموذج خاص من طائرة النقل التكتيكية C-130 Hercules، ويبلغ ثمن الطائرة الواحدة حوالى 65 مليون دولار، وتحمل هذه الطائرة عشرة فنيين، ومجهزة بمنظومة قادرة على التشويش على الأنظمة التكتيكية للقيادة والسيطرة والاتصالات، مع بقائها على مسافة أمان كافية. وهي تستخدم لدعم القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها، ويجرى تطويرها للقيام بمهام مضادة لأنظمة رادار الإنذار المبكر المعادية. وقد استخدمت هذه الطائرة في عملية “عاصفة الصحراء”، لتنفيذ أعمال تشويش على محطات الدفاع الجوى العراقية.

وهناك وسائل ايجابية، متوسطة القدرة، تعمل من المدى القريب نسبيا، مثل الطائرات العمودية المجهزة للإعاقة، وتعمل من داخل الأراضي الصديقة للإعاقة على الرادارات المعادية القريبة من الخطوط الأمامية، وكذلك مستودعات الحماية الذاتية للطائرات المهاجمة المخترقة لوسائل الدفاع الجوي المعادي.

أما وسائل الإعاقة الإيجابية عالية القدرة، فتوجد في طائرات مجهزة للإعاقة من المدى البعيد، ومنها ما يعمل داخل الأراضي الصديقة، وما يصاحب الطائرات المهاجمة  Escort Jammers، مثل النظام الأمريكى طراز ALQ-99 ، المركب على الطائرات الأمريكية EA-6B و EF-111A. وتحمل الطائرة EA-6B خمسة مستودعات (4 تحت الأجنحة والخامس تحت جسم الطائرة)، بينما تحمل الطائرة EF-111A عشرة مرسلات إعاقة داخل جسم الطائرة. ويحتوي مستودع الإعاقة في النظام ALQ-99 على أنظمة فرعية لإعاقة الاتصالات والخداع الراداري، ومستقبلات لتحديد مصادر التهديد وخصائصها، وحاسب متصل بالنظام الملاحي لتسهيل تمييز الأهداف، وتحديد أسلوب الإعاقة المناسب لكل هدف.

تخطط البحرية الأمريكية لتستبدل بإسطول طائراتها المتقادمة، المجهزة بمعدات الحرب الإلكترونية، طرازات حديثة من الطائرات المقاتلة “سوبر هورنت”  F/A-18F Super Hornet. وأطلق على هذه الطرازات الحديثة اسم EA-18G Growler، وجرّب طيرانها الأول في 22 سبتمبر 2006. وقد طلبت البحرية الأمريكية 57 طائرة، وستكون هذه الطائرات قادرة على إعاقة وتعمية وحدات الرادارات المتطورة المعادية، المستخدمة في توجيه أسلحة الدفاع الجوى، التي تمثل تحدياً للقوات الجوية. ومن المنتظر أن يتكلف برنامج الطائرة  EA-18Gنحو 8.2 بليون دولار، لتحويل هيكل الطائرة المقاتلة “سوبر هورنت” من التجهيز بمعدات القصف وإطلاق المدافع، ليكون مناسباً لمهاجمة الأهداف الرادارية المعادية بموجات كثيفة. ويبلغ سعر الطائرة 73 مليون دولار (بأسعار 2010)، وقد بدأ استخدامها عملياتيا في أكتوبر 2009.

ويهدف البرنامج الأمريكي إلى تجميع معدات الحرب الإلكترونية، التي سبق تطويرها لطائرة الحرب الإلكترونية EA-6B Prowler  ونظام الإعاقة Increased Capability III: ICAP III، على هيكل الطائرة F/A-18F. وستقوم الطائرة  EA-18G بمهام الإعاقة المرافقة Escort jamming  (أي طائرة الحرب الإلكترونية مرافقة للطائرات الهجومية) والإعاقة من بعد. وتتشابه هذه الطائرة بنسبة أكثر من 90% مع الطائرة الأصلية F/A-18F، وكلتاهما يستخدمان الرادار نفسه من طراز AN/APG-79 AESA.

ويتمثل التحدي الكبير للبرنامج في إمكانية قيام طاقم الطائرة “سوبر هورنت”، المكون من فردين، بمهام أربعة أفراد في الطائرة EA-6B، إضافة إلى التأكد من أن الأنظمة الإلكترونية العاملة على الطائرة EA-6B سيمكنها العمل على الطائرة الجديدة. وسوف تسلح طائرة الحرب الإلكترونية الجديدة بصواريخ عالية السرعة، مضادة للرادار، وصواريخ جو/جو متوسطة المدى طراز AIM-20C، لمواجهة الطائرات المعادية، وربما تسلح الطرازات المستقبلية من الطائرة EA-18G بصواريخ تطلق من بعد، ووسائل مضادة للحرب الإلكترونية، وأجهزة تصويب بالأشعة تحت الحمراء.

وقد استُخدم المكان المخصص للصاروخ “سيدويندر” AIM-9 Sidewinder، في الطرازين  E/F للطائرة “سوبر هورنت” لتركيب نظام الإعاقة AN/ALQ-218 ، وستزود الطائرة لاحقا بصواريخ AGM-88 HARM. وفى المرحلة الأولى من التطوير زودت الطائرة بصاروخ “أمرام” AIM-120 AMRAAM للحماية الذاتية، والصاروخ “هارم”  AGM-88 HARM، واستبدل بالمدفع M61A1 عيار 20 مم، جهاز التحكم في نظامي الإعاقة AN/ALQ-218 و AN/ALQ-99. وإضافة إلى مهام الحرب الإلكترونية ستزود الطائرة EA-18G بصاروخ  AGM-154 JSOW تحت الجناح.

وتؤدي أنظمة استخبارات الإشارة المحمولة جواSignals-intelligence : SigInt  مهمة الكشف إلى مدى أبعد من 300 كم. وباستخدام جهاز استقبال وهوائى ذي حساسية عالية، فانه يمكنها اعتراض الإشارات الرادارية عالية التردد الخاصة بالاستخبارات الإلكترونية  Electronic Intelligence :Elint، وإشارات التردد المنخفض الخاصة بالاتصالات، التي تتم بواسطة أجهزة الراديو والهواتف الجوالة والاتصالات الهاتفية عن طريق الأقمار الصناعية. وإضافة إلى الإعاقة الرادارية، فإن أنظمة الاستخبارات الإلكترونية تحلل خصائص الإشارات بواسطة برامج كمبيوتر متطورة، لتحديد نوع الباعث الرادارى وموقعه.

وتحمل طائرات الاستطلاع الأمريكية مستشعرات استخبارات الإشارة، بما في ذلك طائرات الاستطلاع على الارتفاعات العالية من طراز U-2، وطائرة الاستطلاع RC-135 Rivet Joint، وطائرة استطلاع البحرية     EP-3E Aries II، وطائرة استطلاع الجيش RC-12. ولكل من الطائرتين  RC-135وEP-3E، طاقم عمل مكون من خمسة أفراد، وطاقم مهام (21 فرداً في الطائرة RC-135 و15 فرداً في الطائرة EP-3E)، بما في ذلك المتخصصين في اللغات، الذين يستمعون ويترجمون الاتصالات التي تُلتقط. وأما طائرات استخبارات الإشارة الأخرى فترسل الإشارات التي تلتقطها خلال مهمة الطيران إلى المحطات الأرضية لتحليلها.

وتستخدم أنظمة استخبارات الإشارة أساليب مختلفة، لتحديد موقع جهاز البث المعادى، بدرجات مختلفة من الدقة. ويشمل ذلك استخدام عدة طائرات لتحديد الموقع، وحساب الفارق الزمنى لوصول الإشارة نفسها إلى هوائيات مختلفة تحملها الطائرة نفسها. وتستخدم منظومة استطلاع الجيش الأمريكى ثلاث طائرات RC-12، لتحديد موقع البث المعادى بدقة عالية؛ بينما تستخدم طائرات استطلاع القوات الجوية الأمريكية RC-135، أسلوب الهوائيات المتعددة.

إن أهمية طائرات الاستخبارات الإلكترونية، التي تحول من طائرات تجارية، على الرغم من تجهيزها بأدوات التقاط خاصة، وبأنظمة ثانوية بالغة الحساسية وعالية التكاليف، أنها تؤمن للمقاتلة من على مستويات منخفضة تغطية الكترونية، توفر المجهود على الطيار، وتضاعف من سرعة ردود الفعل المطلوبة.

قد زودت طائرات River Joint و RC-135 الأمريكية بأنظمة التنصت على الاتصالات من الجيل الجديد، والقادرة على التنصت حتى على الهواتف الخلوية. وتعمل هذه الأنظمة بالتنسيق مع طائرات المراقبة الجوية من نوع “أواكس” AWACS، أو “جستارز” JSTARS، بواسطة أنظمة نقل البيانات، مع تشفير هذه البيانات على نحو مكثف.

ثانياً: أنظمة الحماية الذاتية للطائرات

تتعرض جميع أنواع الطائرات المقاتلة والعمودية باستمرار، إلى أنواع متعددة من الأسلحة المضادة، ورد الفعل لمنظومات الحماية لهذه الطائرات يجب أن لا يتجاوز الثانية الواحدة قبل تفعيل الرد المضاد. وتلجأ شركات الصناعات الدفاعية إلى أحدث التقنيات لتجهيز الطائرات، بما يحقق لها قدرات الحماية الذاتية، لمواجهة التهديدات من الأجيال الجديدة. وإذا تم التقاط أشعة الرادار المعادية فقد يعلن ذلك إنذارا بالهجوم، يتطلب الرد المباشر، بما في ذلك تحريك الأنشطة الإلكترونية على خلافها، ووضع الصواريخ المضادة، المطلقة من الجو في حالة تأهب قصوى. والمهم في التقنيات الحديثة من هذا القبيل، الأتمتة العالية، التي تدمج بين أجهزة الالتقاط وأدوات الحرب الإلكترونية.

ومن هنا تعمد الشركات المصنعة الرئيسية على إدماج عدة عناصر في منظومة واحدة، لتأمين أقصى قدر ممكن من الفعالية، وللإحاطة بالتهديدات المفترضة. ويعنى ذلك أن تقييم وضع الأخطار والمعطيات المحيطة لا يتجزأ عن عملية الرد نفسها، خاصة من خلال توجيه تقنيات التشويش والخداع في الوقت المناسب. وتأخذ هذه العملية طابعاً متزايداً من التعقيد بمدى التقدم في التقنيات الإلكترونية. ومن الأمثلة على ذلك، المنظومات المدمجة التي طورت لتجهيز طائرات “سوبر ايتندارد” Super Etendard، التابعة لسلاح البحرية الفرنسي، أو طائرات “ترانسال سي- 160” Transall C-160، التابعة لسلاح الجو الأمريكى، أو المنظومة التي تجهز مقاتلات “ميراج- 2000 ” Mirage-2000 الفرنسية.

يتمثل دور منظومات الحماية الذاتية في حماية الطائرات من الرادارات المعادية، والأجهزة المحمولة على منصات برية. ويمكن أن تكون التدابير المضادة مدمجة، كما هو الحال في الطائرات الفرنسية، أو أن تكون على شكل حاضنات خاصة، كما هو الحال في بعض الطائرات الأمريكية والروسية. وإذا كانت هندسة الدمج، تأخذ أكثر من شكل، دون أي تأثير على فعالية الدمج نفسها، سواء من خلال توحيد التجهيز، أو من خلال المعالجة المركزية لمهام التشويش الرئيسية، فإن التقدم في تقنية المعالجات الإلكترونية، أصبح الخط المميز في تصميم وتطوير منظومات الحماية الذاتية المعدة للطائرات.

وتتألف منظومة الحماية الذاتية، القابلة للتثبيت على كل منصة جوية، من حاوية إلكترونية واحدة، وهي تستخدم حاليا لدى سلاح الجو الفرنسي، في إطار تحديث التجهيز الإلكتروني المدمج للمقاتلات من طراز “ميراج F-1 “. كما جرت التجارب الناجحة بشأنها للمطابقة على الطائرات الأمريكية طراز  F-5، ثم على الطائرات الروسية طراز “ميج- 21” Mig-21.

وطورت الشركات المتخصصة منظومات مدمجة للحماية الذاتية للمقاتلات، أو العموديات، أو تلك القابلة للاستخدام على الطائرات من دون طيار. وفي طليعة هذه المنظومات منظومة الكشف عن الإنذار الراداري المصممة للعمل في محيط مكثف، وهي تمثل تشكيلة تجهيزات تتمحور حول جهاز استقبال فوري للموجات، يعمل على حيز التردد الواسع. والمنظومة قادرة على إعطاء معلومات دقيقة عن الوضع التكتيكي، مع إدارة منظومة كاملة للتشويش والخداع، مع الأخذ في الحسبان العوامل الكهرومغناطيسية المحيطة بها.

وتعمل مجموعة شركات أوروبية على تطوير المنظومة “سبكترا” Spectra، التي تستخدم على الطائرة متعددة المهام “رافال” Rafale، التي جرى اعتمادها من قبل سلاحي الجو والبحرية في فرنسا، لتدخل مجال الخدمة الفعلية عبر تجهيز حاملة الطائرات النووية “شارل ديجول ” Charles de Gaulle. وهذه المنظومة قابلة للبرمجة المسبقة، وتغطي في وقت واحد كل نطاق موجات الرادار، أو موجات الأشعة تحت الحمراء، والليزر. وهي تتميز عن المنظومات الأخرى المماثلة بالقدرة على التمييز بين إشارات متعددة، ومتضاربة أحيانا.

وفيما يتعلق بالحماية الذاتية للعموديات بصفة خاصة، مع إمكانية الاستخدام على المقاتلات الخفيفة وغيرها، طورت شركة فرنسية منظومة عاملة حسب الترددات العريضة، لإعطاء أوضح صورة ممكنة لطبيعة الأخطار والتهديدات المفترضة. وهذه المنظومة، المصنفة في فئة الأجيال الجديدة، جرى اعتمادها في إطار برنامج تحديث العموديات التابعة لسلاح الجو الفرنسي.

ويمكن تركيب نظام الحماية SPS-H على أنواع مختلفة من العموديات، وهو يتكون من معدات صغيرة وخفيفة، مثل نظام كشف الصواريخ MWS-20: Missile Warning System ، ونظام تحليل البيانات الخاصة بالإنذارات المختلفة، لاختيار نظام الحماية المناسب وعرضه على طاقم العمودية. كما يمكن تزويده بنظام للإنذار الليزري ونظام التشويش بالموجات تحت الحمراء، عن طريق قذف المشاعل الحرارية.

وطورت شركة فرنسية النظام CATS للعموديات، وهو يزن 15 كجم، ويعتمد على أحدث أنظمة كشف وتحديد مواقع الأنظمة المعادية، مع تقديم صورة واضحة عن طبيعة التهديد إلى طاقم الطائرة على شكل خريطة رقمية. وكذلك طورت الشركة نفسها نظام الإنذار الراداري الخاص بالطائرات المقاتلة، والمسمى Sherloc RWR بإضافة إنذارات صوتية لدى اكتشاف رادارات معادية، مع عرض للبيانات على شاشة ملونة.

ونظراً لضرورات الاتساع المتواصل في مجالات التغطية، يتم التعاون بين بعض الشركات لتطوير أجهزة التحذير من الرادارات، وأخرى للتحذير من الإشعاع الليزري، مدمجة في منظومة واحدة، ما يسمح بتغطية الموجات الليزرية والموجات الرادارية معا. وهذا التطور يؤكد، بدوره، على المصداقية العالية لمنظومات الحماية الذاتية المحمولة جواً، والتى تشمل في وقت واحد أجهزة الكشف عن التهديدات، وأجهزة التشويش، إضافة إلى الرادارات وأجهزة الاتصالات.

وتتعاون شركات بريطانية وأمريكية متخصصة في حقل إلكترونيات الطيران، في تطوير وانتاج الجيل الجديد من أنظمة الحماية الذاتية للطائرات التكتيكية والإستراتيجية التابعة للقوات الجوية والبحرية الأمريكية، والتي تعرف بالتدابير المضادة الدفاعية المدمجة Integrated Defensive Electronic Countermeasures: IDECM، والتي تأخذ اسم ALQ-214. وهذا النظام يوفر قدرات دفاعية لمقاتلات سلاح البحرية الأمريكية طراز F/A-18، ولمقاتلات سلاح الجو الأمريكي، والقاذفات طراز B-1.

ثالثاً: أنظمة الإعاقة والتشويش

  1. أنظمة الإعاقة والتشويش الرادارية

تعد وسائل الإعاقة الرادارية التي يمكن إطلاقها من القواذف في الطائرات، فعالة ضد العديد من التهديدات؛ فعندما يكون من الصعب على الطائرة تحاشي الانكشاف، أو الافلات من نطاق البحث أو نيران أسلحة العدو، هنا تبرز أهمية عمل أجهزة التشويش، التي تهدف إلى تزييف المعطيات الأساسية لعمل الرادارات، والتى تقوم بمهام قياس المسافة والسرعة واحداثيات موقع الطائرة. ويمكن وضع جهاز التشويش داخل الطائرة، فيحظى بحماية أكبر، أو يوضع في حاضن، أي داخل أنبوب محمول بإحدى نقاط التعليق في الطائرة. وفي هذه الحالة توسع قدراته لمواجهة التهديدات أرض/ جو، خلال مهام القصف.

يجب أن تكون منظومات الحماية الذاتية قادرة على كشف كل أنواع التهديدات الرادارية. وتتكون المنظومات هذه لاقطات صغيرة، يمكنها التنصت، أو تحديد مواقع الرادارات المعادية. وعندئذ، تشغل منظومة الحماية جهاز تشويش داخلي، يحْدث بطريقة إلكترونية، مئات الأصداء الشبيهة بطائرات حقيقية. ويسعى جهاز التشويش لإيهام الصاروخ المعادي أنه موجود على مسافة مئات الأمتار من موضعه الحقيقي، ويرتكز ذلك إلى معرفة تامة بالتهديد، وإلى تقنية تشويش تبقى سرية للغاية.

تحمل المقاتلة الفرنسية “ميراج 2000” ناثراً للمشاعل الحرارية من نوع “سفير” Saphir والتي تُستخدم، أيضاً، على متن حوالي 200 طائرة عمودية. ويجري تطوير الناثر Saphir-T لاستخدامه على طائرة النقل العسكرية الأوروبية A400M، إضافة إلى الناثر Eclair-M.

وهناك طريقة تقوم على قَطْر جهاز تشويش يتصرف كمشوش إضافي. ويعمل التأثير المشترك للمشوش المقطور والآخر الداخلي في الطائرة، على تضليل غالبية الصواريخ الحديثة. وعند الشك، أو في حال الخطر الوشيك، يغير المشوش المقطور بثه، ليتحول إلى جسم جاذب للصواريخ.

ويستخدم نظام التشويش المحمول جواً للحماية الذاتية ALQ-165، في طائرات سلاح البحرية الأمريكية F-14D، و F/A-18 C/D. وكان هذا النظام يوزع بالتناوب على طائرات الأسطول، وفقاً لموقع التهديد الأقوى، وقد اشترته أسلحة الجو السويسرية والفنلندية لطائرات F/A-18، كما اشترته كوريا الجنوبية لطائرات F-16C.

وكانت أنظمة التشويش المحمولة على متن الطائرات المقاتلة موجهة  في بادئ الأمر، نحو أجهزة الرادار المعادية؛ لكنها باتت موجهة، كذلك، نحو الأجهزة الليزرية والعاملة بالأشعة تحت الحمراء. ولا يزال مستودع الإعاقة  ALQ-119 أكثر مستودعات التشويش الراداري انتشارا في العالم، ويستخدم على نطاق واسع على متن الطائرات  F-16 الأمريكية.

ويواجه التشويش مشكلة التكلفة العالية لتوفيره لجميع الطائرات، التي تدخل المجال الجوي المعادي، وكذلك، لتزويد الطائرات بقدرات تشويش متطورة. ويمكن أن يواجه التشويش مشكلة في شل فاعلية الأنظمة المتعددة للدفاع الجوى، حيث تفرض عملية التشويش الفعال المعرفة بخصائص رادارات العدو. وهذا يعني أن على الطائرات المهاجمة أن تحذر مسبقا بماهية هذه الوسائل، وأن تمتلك الوسيلة الخاصة بها لكشف وقياس خصائصها. وهذا يعنى تجهيز الطائرة بجهاز استقبال للإنذار من التعرض للاشعاع الراداري، مع نظام لإجراءات الدعم الالكتروني.

ويمكن لجهاز تشويش أن يغطي نطاقا تردديا واسعاً، ولكن ذلك قد لا يكون فعالا على الترددات المحددة للرادارات المعادية، وربما يشكل هدراً للطاقة، التي يمكن استغلالها بفعالية أكبر بكثير من خلال التشويش الدقيق. والوضع المثالي هنا هو حيازة نظام اجراءات دعم إلكتروني يستطيع التقاط ترددات الرادارات وتحليل خصائصها، ومن ثم، يمكن توليد إشارات إعاقة مناسبة.

ويمكن استخدام إشارات التشويش بعدة طرق؛ فمثلا، يمكن بث هذه الإشارات بما يولد انطباعاً لدى طاقم الرادار بأن هدفه على مسافة أقرب مما هو في الحقيقة، أو أن الهدف على مسافة أبعد. ويمكن، أيضاً، خداع العدو بالاعتقاد بأن الهدف في زاوية مختلفة، وعلى مسافة مختلفة عن الموقع الحقيقي. ومن جهة ثانية، فإن جهاز بث التشويش يوفر بحد ذاته هدفاً يرصده العدو؛ فالطائرة التي تستخدم على متنها جهاز إرسال للتشويش، تتألق كالنور الساطع الذي ينير خلفية مظلمة، وقد تلفت اليها الانتباه غير المرغوب فيه. ولهذا، يعد تركيز الطاقة على ترددات محددة هو الجوهر الفعلي للممارسة الناجحة للتشويش.

ومن هنا تزداد شهرة أجهزة التشويش المقطورة بالطائرات بعيداً عن متنها، خصوصاً أن مصدر الاشعاع يكون في منأى عن الطائرة المستهدفة. ويتمثل عمل هذه الأجهزة في أن يلعب الجسم المقطور دور الهوائي، مع بقاء أجهزة معالجة وبث إشارات التشويش على متن الطائرة. وحيازة هذا النوع تفرض حمل العتاد اللازم دائما على متن الطائرة، حتى عندما يكون استخدامها غير مطلوب، أو قد تحمل المجموعة كلها في الجسم المقطور، وتزود بالطاقة بواسطة سلك القطر.

تطورت أنظمة الإعاقة الرادارية الإيجابية المستخدمة في الحماية الذاتية للطائرات، ارتباطاً بالتطورات في الأنظمة الرادارية المستخدمة في التتبع وتوجيه الصواريخ، والتى تمثل التهديد الرئيسى لطائرات القتال. وفى ألمانيا، طور شرك جديد لطائرات النقل العسكرية والمقاتلات؛ بينما اشتركت شركات فرنسية وبريطانية في تطوير شرك رادارى مقطور إيجابي Towed Active Radar Decoy :TARD للطائرة “ميراج-2000″، والطائرة “رافال” Rafale؛ بينما طورت شركة سويدية الشرك BO2D ليُستخدم مع طائرات الهجوم والقتال JAS 37 Viggen وطائرات JAS 39 Gripen، ويضم قاذفاً للعصائف الحرارية.

وسوف يشهد المستقبل تطوراً في استخدام وسائل الإعاقة المقطورة “الذكية”، التي تتغير طبقا للتطورات المنتظرة، وذلك من خلال التكامل بين أنظمة الاستقبال والمعالجة المعقدة بالطائرة ومرسل الإعاقة الخارجى، من خلال كوابل الألياف البصرية Fibre Optics، إضافة إلى تكامل أنظمة الإعاقة الرادارية والحرارية لإنتاج نظام حماية ذاتية، متعدد النطاقات الترددية. وسوف تؤثر تكنولوجيا المستقبلات الرقمية، والمعالجات الدقيقة، والهوائيات متعددة الأغراض، في التغلب على مشاكل تكامل أنظمة التحذير والإعاقة متعددة النطاقات.

والعامل الحاسم في إطلاق مستودعات الإعاقة المقطورة هو التوقيت الدقيق للإطلاق، لضمان الاستخدام الأمثل لها؛ فبينما تُطلق الرقائق والمشاعل المتبددة، عادة، في صورة مكثفة بسبب قلة تكاليفها، فليس من المجدى اقتصادياً إطلاق المستودعات المقطورة بالكثافة نفسها. ومن هنا ظهرت أهمية استخدام أنظمة الإنذار المبكر بهجوم الصواريخ، لتحديد التوقيت الدقيق للإطلاق. وفى المقابل، فانه يمكن إطلاق الشراك المقطورة وتشغيلها قبل الاشتباك.

ومن أنظمة الإعاقة الإيجابية، أيضاً، النظام  ALQ-131، الذي يُستخدم لحماية الطائرات F-16، والنظام  ALQ-135 للطائرات F-15، والنظام   ALQ-  162 للطائرات  F/A-18، والنظام ALQ-126 للطائرات F/A-18. ومعظم الطائرات F-16 لدى دول أخرى، غير الولايات المتحدة، تستخدم أنظمة الإعاقة الإيجابية  ALQ-131,162,184,187,178.

وقد تسلمت تركيا معدات إعاقة إلكترونية حرارية من طراز ALQ-144A V، لحماية الطائرات العمودية من الصواريخ الموجهة بالأشعة تحت الحمراء. ويوجد من هذا الطراز نوعان، هما V1 و V2، ويمكن تركيبهما على بدن الطائرة من أسفل، أو من أعلى.

  1. أنظمة الإعاقة الحرارية

تُستخدم الإعاقة الحرارية لمواجهة الصواريخ أرض/ جو الموجهة حرارياً من الأنواع المختلفة. ويكون هذا الأسلوب –عادة- على شكل مستودعات تلقي المشاعل الحرارية على هيئة أنظمة، تولد طاقة من الأشعة تحت الحمراء باستخدام مصادر صناعية إلكترونية، أو مواد قابلة للاحتراق. ويمكن لهذه المستودعات أن تُركب على جميع أنواع الطائرات، بما فيها الطائرات الموجهة من دون طيار. وكانت المشاعل الحرارية Flares التقليدية تمثل الإجراء المؤثر، والاقتصادي في الوقت نفسه، ضد الأجيال الأولى من الصواريخ التي تستخدم مستشعرات حرارية؛ ولكن تطور تقنية تصميم هذه المستشعرات جعلها قادرة على تمييز المشاعل والتغلب عليها، ما زاد من تهديد الصواريخ الحديثة للأهداف الجوية. ومن ثم، تطورت البحوث المضادة، فأنتجت المشعلات الشركية، التي تتمثل في حمل مصدر حرارى (بيروتكنيك) في هيكل جوى متزن. ويمكن إطلاق هذه الشراك الحرارية المقطورة من قواذف الرقائق dispenser  Chaff طرازات ALE – 40,45,47.

وتتجه البحوث نحو تطوير شراك مقطورة لها بصمات حرارية تناظر بصمة الطائرة المصاحبة. ويستخدم هذا الشرك وسيلة احتراق تقوم بتسخين كرة مشتعلة، مع إمكانية تصميم خليط الوقود وطلاءات الكرة لانتاج بصمة حرارية تناظر بصمة عادم الطائرة.

حدث تطوير لخداع الصواريخ الموجهة حرارياً، والتي تعتمد على الاشعاعات الصادرة عن الهدف، مثل الحرارة الصادرة عن محركات الطائرة. وقد استخدمت أضواء حرارية تصدر اشعاعات مماثلة لتلك الصادرة عن المحركات، لتجذب الصواريخ بعيداً عن أهدافها المقصودة، ثم ظهرت بعد ذلك أنظمة المصابيح الومضية Flash Lamps، التي تتسبب في إحراق باحث الصاروخ. وتميل الطائرات في الوقت الراهن إلى حمل خليط من مثل هذه الأنظمة، كى تحلق بحصانة في الأجواء، التي قد تواجه فيها أنواعاً متعددة من التهديدات.

طُور النظام الأمريكي AAR-47 للإنذار ضد المقذوفات، التي توجه بالأشعة فوق البنفسجية للطائرات العمودية وطائرات النقل. واستثمرت الشركة المنتجة نجاح هذا النظام في تطوير  نظام متقدم للإعاقة الحرارية والإنذار ضد الصواريخAdvanced Threat Infrared Countermeasures/ Common Missile Warning System: ATIRCM/ CMWS ٍ لصالح القوات الجوية والبحرية الأمريكية، واختبر النظام على الطائرات العمودية في الجيش الأمريكى من طراز EH-60 Black Hawk. ويتكون النظام من جهاز سلبى للإنذار ضد الصواريخ، وجهاز إعاقة إيجابية بالأشعة تحت الحمراء، وسيستخدم مع الطائرات العمودية  Ah-64و UH-60و  CH-47و EH-60، والطائرات التكتيكية ثابتة الجناح، مثل  F/A-18.

ويمثل النظام ATIRCM إجراءات مضادة موجهة، تعتمد أشعة الليزر لحماية العموديات، ضد الصواريخ المهاجمة. وهو يوفر تحذيراً سلبياً من اقتراب الصواريخ باستخدام النظام المشترك للتحذير من الصواريخ    Common Missile Warning System: CMWS  طراز AN/AAR-57، الذي يكشف الصواريخ، وينبذ كل تحذير خاطئ، وينقل المعلومات إلى جهاز التشويش في النظام Advanced Threat Infrared Countermeasures: ATIRCM طراز AN/ALQ-212 ، والذي يبث شعاعاً ليزرياً عالي الطاقة، يتمكن من التغلب على باحث الصاروخ العامل بالأشعة تحت الحمراء. وهكذا، تمكنت أنظمة ATRICM/CMWS الموضوعة في الخدمة، من تحسين صمود الطائرة ضد التهديدات المختلفة.

وأخضع نظام ATIRCM للتجربة في مواقف معقدة، حيث تعرضت عموديات “تشينوك” CH-47 Chinook للعديد من صواريخ الدفاع الجوي الموجهة بالأشعة تحت الحمراء، المحمولة على الكتف. واستطاعت التغلب على هذه التهديدات بحيث منح النظام المحاربين المزيد من الثقة بقدرة العمودية على البقاء، بينما تقوم بمهامها في المواقع المعادية، وبرهن هذا النظام ATIRCM أنه من أكثر النظم اعتمادية، من بين الإجراءات المضادة الليزرية الموجهة المستخدمة على متن عموديات القتال.

من ناحية أخرى، تنتج شركة BAE بريطانية النظام المشترك للتحذير من الصواريخ طراز AAR-57، والذي يتضمن مستشعرات الحرب الإلكترونية للكشف والتغلب على الصواريخ الموجهة بالأشعة تحت الحمراء. ويعد هذا النظام سلبيا للكشف والإنذار من خطر الصواريخ، وهو مكون من عدد من المستشعرات الكهروبصرية ضد الصواريخ، يصل إلى 6 مستشعرات، حسب نوع الطائرة. كما أنه مزود بوحدة تحكم إلكترونية، والمستشعرات مركبة حول الطائرة لتوفير تغطية شاملة لها، ولكي تراقب بصمة الصاروخ، بينما تعالج وحدة التحكم الإلكترونية البيانات الصادرة عن المستشعرات، وإذا ما كشفت صاروخاً يتوجه نحو الطائرة، تطلق الإجراءات المضادة للتغلب عليه. والنظام CMWS مركب على أكثر من 120 منصة جوية من عموديات وطائرات حربية بريطانية، بما في ذلك عموديات “تشينوك” Chinook، ومقاتلات “تورنادو” TORNADO.

رابعاً: أجهزة التحذير الرادارى

تعد أجهزة التحذير من الرادار أساس أنظمة الحرب الإلكترونية الجوية، إذ تلتقط هذه الأجهزة الموجات الرادارية الساقطة على الطائرة، وتحديد خواصها، واتجاهها، وتمييزها (صديق/ معادى)، ثم تختار نوع الأعمال الإلكترونية المناسبة، سواء بهدف إعماء الرادار المعادى، أو خداعه. وبوجه عام، يتكون نظام التحذير الراداري من مجموعة من الهوائيات، موزعة بحيث تلتقط أى موجات رادارية ساقطة على الطائرة، مهما كان اتجاه السقوط، علاوة على جهاز استقبال يغطى مدى واسعاً من الترددات. ويعتمد نجاح هذه الأجهزة على سرعة تحليل الموجات الرادارية باستخدام الحاسبات الإلكترونية المتطورة. ومن هذه المستقبلات جهاز ALR-50  AN/، المستخدم على العديد من الطائرات الأمريكية، والنظام  Loral ALR-56، المستخدم على المقاتلة F-15.

إن الأجهزة التي تحتويها الطائرات لالتقاط الإنذار الآتي من الأشعة الرادارية المعادية، قادرة على حصر موقع التهديد، بما يسمح للطائرة تجنبه في الوقت المناسب، ودون أن يؤثر ذلك بصورة واضحة على مهمتها. وقد خفض حمل الأجهزة للتركيز فقط على تحديد التهديدات الأساسية، وتجاهل أو إهمال رادارات الاستطلاع، التي لا أهمية لها، أو التابعة لدول صديقة، أو حليفة.

وتعد هذه المعادلة المعقدة بالغة الأهمية، وأدنى خطأ تقدير في هذا الجانب يؤدي تلقائيا إلى عواقب وخيمة، إلا أنها لا تشكل سوى مجال واحد من الأخطار المفترضة. ولذلك، تتسع النطاقات الترددية لدى أجهزة الكشف، إضافة إلى التزود بمستشعرات ميلليمترية لمواجهة أخطار الصواريخ سطح / جو، ذات المدى القصير جداً، والموجهة ليزرياً.

وقد صممت أجهزة الاستقبال لاعتراض إشارات الرادارات التي تمسح الطائرات. وهي تبين للطيار نوع الرادار، وشكل الموجة، والاتجاه الذي تصل منه الإشارات، وذلك على رسم بياني خاص وعبر إشارات صوتية. وقد يتم التعرف على نظام السلاح الذي يخدمه الرادار، كأن يكون سلاح أرض/ جو، مع تقدير بعد السلاح عن الطائرة. ولا تعرض النتيجة على وحدة العرض فحسب، بل غالبا ما تعرض على شاشة الوضع التكتيكي، ما يسمح للطيار بأن يرى الوضع الحقيقي للبيئة المحيطة، التي تكشفها أجهزة الرصد المختلفة.

جهزت المقاتلات الأمريكية F-16 الأولى بجهاز الاستقبال ALR -69، وهو من نوع أجهزة الاستقبال الفيديوية، التي تعرض الصور على الشاشة البلورية، علماً بأن الطائرات F-16 التالية جهزت بالنظام ALR-56M لتكبير الموجات الملتقطة، وهو نموذج مصغر من نظام ALR-56C، المستخدم في المقاتلة F-15.

ويتألف نظام التحذير الراداري ALR-69 في المقاتلة F-16C/D، من شاشة عرض في كابينة الطيار تبين اتجاه الهجوم، ومعالج إشارة، وأربعة هوائيات كشف، وذاكرة كمبيوترية تميز بصورة آلية نوع الرادار المعادى، أي تحدد ما إذا كان رادار بحث، أو رادار مدفعية مضادة للطائرات، أو رادار صواريخ، أو رادار اعتراض محمول جوا، أو من نوع آخر غير معروف. وهناك رمز على مبين الاتجاه يطلع الطيار على نوع التهديد وموقعه ومداه. واذا كان هناك صاروخ راداري معادى موشكا على الانطلاق، أو صاروخ موجه بالرادار محلقاً، فإن مبينات سمعية وبصرية إضافية تحذر الطيار. وفي استطاعة الطيار أن يختار قبل تنفيذ مهمته عدداً من حالات نظام التحذير الراداري. وتظهر شاشة عرض الاتجاه إما التهديدات ذات الأولوية القصوى، وإما أكثر من 275 بياناً رادارياً.

ومع التطور التكنولوجي، فإن أنظمة الحرب الإلكترونية الصغيرة المحمولة على الطائرات التكتيكية ستمتلك القدرة على تقديم المزيد من التفاصيل، التي تهم كلا من الطيار والقادة في مسرح العمليات. ومن التقنيات الجديدة في هذا المجال التقنية المعروفة باسم Advanced Tactical Targeting Technology :AT3.

وبدلا من استخدام أنظمة حرب الكترونية خاصة، أو أنظمة استخبارات الإشارة، فإن النظام   AT3يحدد مواقع رادار الدفاع الجوى المعادى عن طريق دمج المعلومات من أنظمة التحذير الرادارى، أو أى طائرة تكتيكية تحلق في المنطقة. والنظام ليس مصمما للكشف السلبى عن الرادار المعادى وتحديد موقعه فقط؛ ولكن لتنفيذ ذلك بدقة عالية ما يسمح بتدمير مواقع الدفاع الجوى المعادية قبل تحركها إلى مواقع جديدة. ولتحقيق ذلك فعلى أنظمة التحذير الرادارى أن تتصل ببعضها دون تدخل بشري، باستخدام تقنية تسمى “شبكة التهديف التكتيكية” Tactical Targeting Network Technology: TTNT، فيما يشبه تبادل البريد الالكترونى في شبكة الانترنت، ويحقق ذلك مبدأ الشبكية Networking بين الطائرات المشتركة.

وفور أن يكتشف جهاز التحذير الراداري البث المعادي، فإن شبكة التهديف التكتيكية تحدد المنصة التي ستقود عملية تعيين موقع الرادار، وهذه المنصة هى التي تحدد لباقي المحطات الأخرى دورها في عملية البحث، ثم ترسل هذه المنصات معلوماتها لحظياً إلى شبكة التهديف التكتيكية، وتصبح المعلومات الخاصة بالرادار المعادى متاحة على شاشات العرض في كابينة القيادة لكل الطائرات، من خلال وصلة نقل المعلومات Link 16؛ ومن ثم، فإن أقرب طائرة هى التي تقوم بعملية تدمير موقع الرادار المعادى. وبهذا الأسلوب يقل الزمن بين كشف الرادار المعادى بواسطة جهاز التحذير، والتعامل مع هذا الرادار.

ومن أنظمة التحذير الرادارى المتطورة النظام الأمريكى المسمىALR-69A(V) ، الذي حل محل الأنظمة المستخدمة في طائرات F-16 وغيرها. وفيه تستخدم ثلاث طائرات طراز F-16 Block 30، تحمل كل منها هذا النظام لتحديد موقع الدفاع الجوى الذى يتولى عملية البث المعادى. وتربط الطائرات الثلاث شبكيا لتقاسم المعلومات الاشارية لحظيا في جميع الاتجاهات، لتحديد مصدر الإشارة المعادية، من دون الاستعانة بأي مساعدات خارجية. ويمثل ذلك خطوة عملاقة في اتجاه بناء شبكة قادرة على تدمير دفاعات العدو الجوية.

وتجدر الإشارة إلى أن نظام التحذير الرادارى طراز ALR-67(V)3، سبق تطويره ليستخدم بواسطة الطائرات “سوبر هورنت” F/A-18E/F Super Hornets من على متن حاملات الطائرات. وأما نظام التحذير الراداري ALR-69A(V) فهو أول نظام رقمى بالكامل طور ليستخدم مع المقاتلات، وبه أربعة أجهزة استقبال رقمية تستقبل المعلومات من أربعة هوائيات، ثم تنقل المعلومات من خلال كابل ألياف ضوئية إلى كمبيوتر عالي القدرة، يمكنه تنفيذ 19 بليون عملية في الثانية. ومدى عمل الجهاز أربعة أضعاف مدى عمل جهاز التحذير الرادارى     ALR-56M، المستخدم في القوات الجوية الأمريكية، بينما سعره نصف سعر الجهاز ALR-56M.

وسوف يستخدم النظام ALR-69A(V) في الطائرات F-35 Joint Strike Fighter :JSF، والطائرات “رابتور”  F/A-22 Raptor، وستكون هاتان الطائرتان الخفيتان بمثابة أنظمة استخبارات واستطلاع سريعة، ولها قدرات أنظمة الاستخبارات الالكترونية، بعد تزويدهما بوصلات نقل المعلومات اللازمة لنقل المعلومات المهمة في الوقت الحقيقى. وأنظمة الحرب الالكترونية، التي تحملها الطائرة “رابتور”    F/A-22 Raptorلها إمكانيات أنظمة طائرات الحرب الالكترونية المتخصصة نفسها، ما يسمح لها بتمييز الإشارات المعادية المستقبلة، وتحديد موقع مصادرها بدرجة دقة عالية.

كما زودت طائرات Mirage 2000D، التابعة لسلاح الجو الفرنسي، بنظام Several للإنذار الراداري، ليزود الطيار بجميع المعلومات المطلوبة عن الرادارات المعادية. ويتألف النظام من هوائي متعدد الاتجاهات، يركب في مقدمة الطائرة، وهوائي خلفي وهوائيين جانبيين، مع عدة وحدات لمعالجة البيانات. واعتُمد لحماية هذه الطائرة من مخاطر الصواريخ جو/ جو أو أرض/ جو نظام التشويش “كامليون” Cameleon المتعدد الاتجاهات، والذى يتعامل آليا مع المخاطر المحتملة. أما طائرات النقل العسكري الفرنسية طراز “ترانسال” Transall، فقد زودت بنظام الإنذار الراداري من طراز “شيرلوك” Sherloc، الذي يتضمن وحدة قياس للموجات الرادارية تسمح باكتشاف صواريخ معادية أرض/ جو. ويعمل هذا النظام تلقائيا لدى تحليقه فوق بيئة معادية.

ويستعمل سلاح الجو السويدي نظام الإنذار AR830، الذي جهز أول طائرات “جريبن” Gripen، وهو قادر على تحديد الهوية فورياً. كما جرى تطوير نسخة منه إلى الطراز AR961 من أجل الاستعمال على طائرات المراقبة. وطورت الشركة المصنعة الجيل الثاني منه، من أجل تلبية احتياجات تتعلق بالأداء العالي والقدرة على التكيف مع الرادارات المختلفة. كما أوصى سلاح الجو الألماني به لتجهيز طائرات “تورنادو” Tornado المتطورة لديه، بعد أن حوّل ليتسنى دمجه في مجموعة وسائط الحرب الالكترونية للطائرة.

خامساً: أجهزة التحذير والتشويش الليزرية

مع تزايد استخدام أشعة الليزر في أنظمة الدفاع الجوى، سواء لقياس المدى، أو لتوجيه المقذوفات، ولتجنب أعمال الإعاقة الرادارية، كان الاتجاه نحو تزويد الطائرات العسكرية بأجهزة التحذير من أشعة الليزر. وتغطي أجهزة التحذير الحديثة نطاقات الترددات الليزرية والأشعة تحت الحمراء، والموجات الميليمترية، وحتى الأشعة فوق البنفسجية.  وتحدد هذه الأجهزة اتجاه شعاع الليزر، ونوع وموقع الجهاز الذى يرسله، وتمييزه، كما تحدد هذه الأجهزة كذلك خواص الموجات الليزرية.

وفى إطار الإعاقة على المستشعرات الليزرية، يجرى تطوير شرك حر متبدد، يحتوى على جهاز إعاقة ليزرى ومصدر طاقة داخل خرطوشة، يمكن إطلاقها من قاذف بالطائرة. وكذلك، هناك العديد من البحوث لتطوير نظام للإنذار الليزري باستخدام الألياف البصرية Fiber Optics، يمكن استخدامه لتحليل شعاع الليزر. ويسمى هذا النظام “نظام الكشف الليزري الكهروبصري”.

وتعمل عدة شركات على تطوير أنظمة تشويش ليزرية، عالية الشدة، للإعاقة على الجيل الجديد من الصواريخ، الذي يعمل على الموجة (4- 5) ميكرون، وهي موجة طويلة نسبيا. وتتطلب عملية حماية الطائرات من خطر الصواريخ الحديثة، التي تعمل على هذه الموجة، عدداً من أنظمة التشويش الليزرية؛ فمثلاً، تحتاج طائرة النقل الأمريكية C-130 إلى وحدتين من النظام المذكور لحمايتها، كما أن حماية الطائرةF-15  تكون أكثر صعوبة، نظراً لصغر حجمها.

سادساً: وسائل الخداع

نظراً للتطور في بواحث Seekers الصواريخ، كان على الشراك الخداعية أن تتوافر لديها القدرة على محاكاة بصمة الطائرة، التي صممت هذه الشراك لحمايتها، وذلك بغرض استنزاف أنظمة الدفاع الجوى واغرائها بالتعامل مع هذه الأهداف الخداعية، وكذلك مواجهة أنظمة التوجيه الذاتي للصواريخ المهاجمة بارباكها لشل قدرتها على التتبع، أو للإعاقة على إشارات التوجيه الخاصة بها.

وتُستخدم أنظمة الخداع من على متن الطائرات، إما من الداخل، أو من حاويات خارج جسم الطائرة. وتقدم كل من الرقائق المعدنية المضللة والشراك الخداعية المضيئة، بديلا للصاروخ المهاجم عن الهدف الحقيقي. وهكذا، يتم خداع الصاروخ المهاجم، فيهاجم الشراك الخداعية، بدلاً عن الهدف الحقيقي. ويجب نشر هذه الشراك ونثرها في الوقت المطلوب، وفى الاتجاهات الصحيحة، لكي يُطْبق رادار الصاروخ المهاجم عليها قبل “رؤية” الهدف الحقيقي.

وأما التهديدات ذات المستشعرات السلبية، مثل مستشعرات الأشعة تحت الحمراء، أو الأشعة فوق البنفسجية، فينبغي أن تكون بصمة الشرك مشابهة لشدة الإشعاع الصادر من الطائرة في حيز الأطوال الموجية الملتقطة، والتى يمكن تحديدها قبل دخول الطائرة في المعركة. وأما التهديدات ذات المستشعرات الإيجابية، مثل تلك التي تستخدم موجات الميكروويف، أو الموجات الميلليمترية، أو إشارات الليزر، فإن محاكاة البصمة تستلزم توليد موجات وإشارات مطابقة.

سابعاً: أنظمة الاستطلاع الراداري

تجهز الطائرات بأجهزة لتنفيذ مهام الاستطلاع الإلكتروني الراداري، وبالأخص ضد مواقع وبطاريات الدفاع الجوي. وقد زودت الطائرة E-2C بنظام كشف سلبي لالتقاط جميع الإشعاعات الإلكترونية في الحيز (2 ـ 18) جيجا هيرتز، في جميع الاتجاهات من الطائرة؛ بوساطة الهوائيات المنتشرة حول جسم الطائرة. وتحتفظ هذه الطائرة بمعلومات زودت بها مسبقا عن هذه الإشعاعات، لتقارن وتعطي المعلومة كاملة. ويصل مدى كشف هذا النظام إلى 370 كم.

ونظام “وايلد ويسل” Wild Weasel المستخدم في الطائرات الأمريكية، هو نظام متكامل يشتمل على معدات، وأجهزة استطلاع مصادر الإشعاع الراداري الصادرة عن مواقع رادارات البحث والإنذار للدفاع الجوي المعادي، وتحدد أماكنها مع التبليغ السريع عنها. وعلى الفور تُستخدم الأسلحة المضادة للإشعاع الموجودة معها؛ لتدميرها.  

والمستودعات المحمولة جواً يمكن تعليقها في معظم الطائرات لتنفيذ مهام الاستطلاع والإعاقة الإلكترونية بجميع أنواعها. وهناك أنواع عديدة من هذه المستودعات؛ أغلبها صناعة أمريكية. ومن أحدث أنظمة الاستطلاع الالكترونى النظام البريطانى، المحمول جوا، طراز MS3360، الذى يستقبل الموجات الكهرومغناطيسية، ويحللها، ويقسمها، ويعرض بيانات البحث والتحليل. وتتم هذه العمليات جميعها داخل وحدة واحدة، تحوى بداخلها المستقبل، وجهاز تحليل الترددات، وشاشة عرض البيانات. ويعمل الجهاز على مسح حيز الترددات من 5-18 جيجا هرتز، وهو حيز يشمل معظم ترددات عمل أنظمة رادارات الدفاع الجوى الحديثة، ويتميز بالسرعة العالية في عملية المسح، والدقة في عرض البيانات، مع إمكانية التحكم في سرعة المسح لحيز الترددات، وكذا إمكانية اختيار حيز محدد لعمل الجهاز لتقليل زمن المسح.

ويعد الجهاز MS3360 من الأنواع  المتطورة لأنظمة الاستطلاع الإلكترونى، حيث يؤدي الكشف والتحليل والعرض من خلال وحدة واحدة، يمكنها العمل أثناء التحرك من داخل المركبات، ويمكن استخدامه منفصلا، كجهاز استطلاع الكترونى، أو ضمن نظام متكامل للحرب الإلكترونية، بالاستفادة من بياناته لتغذية نظام إعاقة الكترونية، بعد إنتاج الجهاز للعمل داخل الحيز المذكور من الترددات لتغطية عمليات الاستطلاع التكتيكية والإستراتيجية، مع اختلاف الهوائيات المستخدمة. وتجرى عمليات تطوير للجهاز لزيادة حيز الترددات ليصل من 40 إلى 50 جيجا هرتز، وبذلك يمكنه العمل مع ترددات الرادارات المليمترية، بعد التوسع في استخدامها، وخاصة في المقاتلات، وقيادة نيران الطائرات العمودية المسلحة.

ثامناً: الأنظمة المتكاملة للحرب الإلكترونية الجوية

طورت شركة EADS الأوروبية مجموعة متكاملة من أنظمة الحرب الإلكترونية، مثل نظام “مايلدز” Missile Launch Detection System: MILDS، وهو نظام سلبي للإنذار ضد الصواريخ، ويستخدم أجهزة كشف لتكثيف الصور، وأخرى للاستشعار، تحدد مصدر النفث الصاروخي عند إطلاقه. وهذه الأجهزة تأخذ فعاليتها القصوى لدى دمجها، بشكل أو بآخر، مع المنظومات الثانوية دقيقة الحساسية. وفى أوروبا، يُستخدم هذا النظام مع طائرات “تورنادو” TORNADO، و F-16، و F/A-18، و AV-8B، و”هارير” Harrier .

وتعاونت شركات أوروبية في تطوير النظام DDMMWS لطائرات “ميراج2000”. كما تعمل شركة “التا”  Elta الإسرائيلية على تطوير النظام EL/M-2160 المستخدم مع طائراتها طراز F-16.

وقد صمم نظام Tactical Electronic Warfare Suites :TEWS في المقاتلة F-15 خصيصاً، لكي يُستخدم داخليا لدى كل من إسرائيل، والولايات المتحدة. ويحتوي على قسمين رئيسيين، هما: نظام التحذير الراداري من نوع ALR-56C، والذي يحذر، ويلتقط الإشعاع المعادي، ويحلل بياناته آليا؛ ونظام الإجراءات المضادة ALQ-135، والذي يتعامل مع مصادر الإشعاع التي يحددها نظام التحذير الراداري، إضافة إلى نظام التحذير ALQ-128، وحاوية الإجراءات المضادة ALE-40/45.

تاسعاً: مستقبل الحرب الإلكترونية الجوية

يمكن تحديد مستقبل الحرب الإلكترونية الجوية في النقاط الآتية:

  1. ستصبح كل طائرة قادرة على العمل بمفردها، أى أن تحمل أجهزة الحرب الإلكترونية اللازمة لها، وذلك بدلا من تخصيص طائرات للحرب الإلكترونية لمرافقة الطائرات العسكرية. ويرجع ذلك إلى أن الموقف القتالى قد يتعقد بشكل لا يمكن التنبؤ به، نتيجة لاستخدام أنواع مختلفة، وربما غير متوقعة، من أسلحة الدفاع الجوى. وإضافة إلى ذلك، فإن كل طيار قد يواجه احتمال الانفصال عن التشكيل، فيكون عليه أن يواجه التهديدات بطائرته منفردة.
  2. نظراً لضرورات الاتساع المتواصل في مجالات التغطية، تم التعاون بين شركات أوروبية في تطوير أجهزة تحذير من الرادارات، وأخرى من الإشعاع الليزرى في نظام واحد، ما يسمح بتغطية الموجات الليزرية والموجات الرادارية معا.
  3. الأتمتة الكاملة لمعدات الحرب الإلكترونية، بما لا يسمح للطيار بالتدخل في عملها، وذلك نظراً لقصر زمن رد الفعل، الذى قد يؤدى إلى تعرض الطائرة للأخطار إذا ما تُرك اتخاذ القرار للطيار، وحتى يتفرغ الطيار تماماً لمهامه الأخرى.
  4. استخدام مستودعات الإعاقة التي تُقذف من الطائرات، والأهداف الخداعية التي يمكن استعادتها، أو التخلص منها بعد الاستخدام. والعامل الحاسم في إطلاق هذه الأهداف هو التوقيت الدقيق للقذف، لضمان الاستخدام الأمثل لها؛ فبينما تطلق الرقائق والمشاعل المتبددة، عادة، في صورة مكثفة بسبب قلة تكاليفها، فليس من المجدى اقتصادياً إطلاق هذه الوسائل بالكثافة نفسها. ومن هنا ظهرت أهمية استخدام أنظمة الإنذار المبكر بهجوم الصواريخ، لتحديد التوقيت الدقيق للإطلاق. وفى المقابل، فانه يمكن إطلاق الشراك المقطورة وتشغيلها قبل الاشتباك.
  5. التوسع في استخدام أنظمة الحماية من الصواريخ.
  6. زيادة إمكانيات الطائرات العمودية في الأعمال الإلكترونية. وفى هذا المجال فإن نظامSuite of  Integrated RF Countermeasures: SIRFC الأمريكى، طراز AN/ALD – 211 سوف يعزز بشكل ملموس قدرة الطائرات العمودية على القيام بمهامها الهجومية، ويدعم قدرتها على البقاء. كما يستخدم النظام ALQ-13G كذلك مع أكثر من 1200 طائرة عمودية من طرازى “أباتشى” Apache و”كوبرا” Cobra في الجيش الأمريكي. وهذا النظام يوفر الحماية ضد أسلحة التحريم الجوى المعادية الموجهة بالرادار.

أنظمة الحرب الإلكترونية في القوات البرية والبحرية والدفاع الجوى

الحرب الإلكترونية بالمفهوم العسكري هي الاستعمال الحربي للحقل الكهرومغناطيسي، للتعرف على أعمال البث الكهرومغناطيسي، واعتراضها، واستخدام هذه الطاقة للتشويش على أنظمة العدو الإلكترونية. وهى إحدى صور الصراع المسلح التي تهدف في النهاية إلى خلق الظروف المناسبة للقوات المسلحة، لتحقيق النصر من خلال استخدام الطاقة الكهرومغناطيسية لغرض تقليل، واستغلال، وتخفيض، أو منع أي استخدام معادٍ لمجال الطيف الكهرومغناطيسي، مع المحافظة على استخدامه بفعالية من جانب القوات الصديقة.

وفى الحرب الإلكترونية يحاول كل طرف أن يعرف كل ما يمكن من معلومات عن المعدات الإلكترونية للخصم، ويحاول، في الوقت ذاته، حرمان الخصم من الوصول إلى معلومات من هذا القبيل عن القوات الصديقة، وذلك من خلال العديد من الإجراءات المضادة، والتدابير المضادة للإجراءات المضادة. فالحرب الإلكترونية كانت، ومازالت، تتعلق بالسيطرة على المجال الكهرومغناطيسي في وقت الحرب، حتى تستطيع القوات الصديقة معرفة العدو بصورة أفضل.

وتعمل وسائل الحرب الإلكترونية على اكتشاف التهديد، وتنفيذ إجراءات الإعاقة الإلكترونية لإرباك المقذوفات المهاجمة، وذلك باكتشاف وتصنيف مصادر التهديد من مسافات بعيدة. وفى حالة عدم وجود إنذار مبكر محمول جوا، فإن وسائل الحرب الإلكترونية تحقق الحصول على إنذار مبكر بالهجوم.

والمشكلة الرئيسية لوسائط الحرب الإلكترونية المضادة هي اللحاق المستمر، والاستباق إذا أمكن، بتنامي “ذكاء” النظم الصاروخية الهجومية، التي تتمتع بالمناورة والسرعة والدقة، مع توجيه بالليزر، أو بالأشعة تحت الحمراء، وأنساق جديدة من المستشعرات، قادرة على التعرف، في أحيان كثيرة، على أنماط التشويش المضاد.

أصبحت مجالات الحرب الإلكترونية تتسع عملياً لجميع مقومات التكنولوجيا الحديثة، ذات الطابع العسكري، حيث أخذت تتطور بالتدريج أجيال جديدة من الإجراءات الإلكترونية، والإجراءات المضادة، في محيط بالغ الكثافة، ما دفع إلى التسريع في ردود الفعل المناسبة انطلاقا من حسابات بالغة التعقيد.

أولاً: أنظمة الحرب الإلكترونية في القوات البحرية

يمكن القول إن الأنظمة الإلكترونية العاملة في المسرح البحري تتمثل في أجهزة الاتصال اللاسلكي، والميكروويف، للقواعد والتشكيلات البحرية، ورادارات الإنذار وتوجيه النيران بالقطع البحرية، ورادارات تصحيح نيران مدفعية الأسطول، وأجهزة “السونار” SAONAR، وأنظمة الكشف، والتوجيه الكهروبصرية “تليفزيوني، حراري، ليزري، بصري”.

وتلعب الحرب الإلكترونية دوراً فعالاً في الدفاع عن السفن الحربية ضد الصواريخ المعادية، بأنواعها المختلفة، وذلك باستخدام الوسائل الإيجابية والسلبية، لمنع الاكتشاف المبكر للوحدات البحرية، وتضليل رادارات التتبع المحمولة بحراً. علاوة على ذلك، ومن باب الإجراءات البديلة أو المكملة، يمكن نثر أجهزة خداعية، هامدة أو نشطة، لعكس الإشعاعات، إلى جانب كميات من العصائف ذات السماكة المحدودة، والمغطاة برقائق معدنية. غير أن نظام الدفاع القريب Close Defense، الذي يتشكل أساسا من مدافع سريعة الطلقات ورادار لتوجيه النيران، يبقى التجهيز الأفضل في مواجهة الصواريخ فائقة السرعة، المنطلقة باتجاه السفن.

ويعطى الرادار المحمول على منصة جوية تصوراً مسبقاً للقطاع الذي قد تنطلق منه التهديدات المفترضة؛ فتولي أنظمة الدعم الإلكتروني Electronic Support Measures: ESM إجراء التحليل الفوري والشامل، ما يمهد لعملية الرد، ذلك أن المعطيات التي توفرها هذه الأنظمة ذات فائدة لا مثيل لها، نظرا لقدرتها على إجراء قياسات لحظية لنطاقات التردد، ومعدل تكرار النبضات.

إن إغراق المدمرة البريطانية “شيفلد “Sheffield بواسطة صاروخ جو/ بحر طراز “اكزوسيت” Exocet، خلال حرب الفوكلاند Falklands (في الفترة 2 أبريل – 14 يونيه 1982 بين المملكة المتحدة والأرجنتين) قد يكون المنبه الأساسي لضرورة إعادة تقييم، لم تكن مطروحة في وقت سابق، بمدى قصور الأنظمة المضادة، في الكشف عن خطر صاروخي محدق، كان عنصر التفوق فيه آنذاك، أنه ماسح لسطح البحر، ولا يقع ضمن مجال الكشف الراداري. وقد مهدت هذه الحادثة للعمل على إبراز العيوب، ما أدى تدريجياً إلى التسريع في تطوير أنظمة مساعدة، مثل العصائف ووسائل الخداع، وتحويل المسارات الصاروخية عن أهدافها.

ومنذ ذلك الحين، تعززت التقنية الصاروخية، وأصبحت أبعد مدى، وأكثر دقة، وأشد فعالية في الدفع والاختراق معا. ولا يعني ذلك، بالضرورة، أن الوسائط والإجراءات المضادة كانت غير ملائمة بالمفهوم العام لخوض معركة الرد على الصواريخ فئة جو/ سطح، إلا أنها في الواقع، لم تكن مصممة بصورة متكاملة للقيام بالرد المناسب، في الوقت المناسب، على هذا النوع من التهديدات ذات الطابع المفاجئ.

وليس هناك من خيار محدد حاسم يكفي بمفرده لدرء الأخطار المدمرة للصواريخ فائقة السرعة، الماسحة لسطح البحر، والمستهدفة لكافة أنواع السفن، بما فيها الغواصات والفرقاطات. وانطلاقا من ذلك، أخذت تتشكل تدريجيا مستويات من الحماية، تنطلق من التحذير والتنبيه، وتصب في لائحة من التطبيقات التكتيكية، حسب طبيعة التهديد النوعي للأنظمة الصاروخية. ومع ذلك، لا يبدو، حتى الآن، أن هناك تقنية مضمونة تماماً، شأنها توفير الأمان البحري، ووضع السفن بمنأى عن كل مفاجأة.

والسيناريو المقترح والمستند إلى أحدث التقنيات القائمة، يدمج عدة طبقات قابلة للتفعيل جزئيا، أو كليا، حسب المناسبات، ووضعيات السفن، ودرجات الحماية. وبمعنى آخر، فإن المقصود بالدرجة الأولى، هو نظام دفاعي، مصمم للرد التلقائي، ولتوفير نسبة مرتفعة من الأمان، ابتداء بالرادار المحمول جوا، وانتهاء بإجراءات الدعم الإلكتروني، مروراً بأجهزة المستشعرات الرادارية. ويتماشى هذا أيضا مع نشر العصائف والشهب، خاصة من خلال تفعيل نظام الدفاع القريب في المرحلة الأخيرة.

ولزيادة فعالية مواجهة الصواريخ، طورت أنظمة تشويش إلكترونية تطلق من على الكتف، وأنظمة خداع مقطورة. وتحمل السفن الحربية على اختلاف أنواعها، لاسيما الكبرى منها، على متنها سلسلة من أنظمة الدعم الإلكتروني والأنظمة المعاكسة.

وهناك مشكلة مواجهة الصواريخ الهجومية متعددة المهام، المندفعة في اتجاهات مختلفة. ومن هنا كان الاعتماد التدريجي على ظاهرة الخفاء في بناء السفن الحربية. والمعروف أن هذه الصفة، حتى عهد قريب، كانت تميز سلاح الغواصات، المصمم للرسو في الأعماق، وتأمين أقل درجة ممكنة من الضجيج، مع التمتع بأدنى بصمة رادارية ممكنة. والملاحظ أن هذه التقنية، أخذت تشمل، بدرجات متفاوتة، سفناً سطحية، مثل الفرقاطات والمدمرات، والى حد ما، طرازات من السفن السريعة الهجومية. وتؤكد الدراسات، من جهة أخرى، على الاستمرار في هذه التقنية وتطويرها، سواء من خلال الطلاء المناسب، أو اللجوء إلى المواد المركبة، إضافة إلى تكثيف الدمج بين الأنظمة، وتطوير أجيال جديدة من المستشعرات المقطورة لغايات دفاعية.

ولتعزيز قدرة الرد في إطار حماية السفن، يواصل الأخصائيون دراسة أفضل السبل لتجنب استهدافها من خلال إعطاء أفضلية متزايدة لرادارات الإنذار المبكر، ومستقبلات التحذير من الأشعة الرادارية. ويبدو أن إمكانات تعرض السفن لإصابات مباشرة من الأنظمة الصاروخية الماسحة، أصبحت أقل مما كانت عليه خلال حقبة الحرب الباردة.

والمعطيات التكنولوجية الأساسية، لم تتبدل بصورة ملحوظة منذ إرساء المفاهيم الجديدة في الرد على التهديدات الصاروخية، سواء كانت تستهدف القطع البحرية أو غيرها من الأسلحة البرية أو الجوية. وما تجوز مراعاته في المقام الأول، عدم النظر إلى الأنظمة المضادة كأدوات مكملة أو ثانوية، بل كعنصر أساسي يكمن في آلية تصميم السفن وتحسينها.

إن سفن السطح تحتاج إلى التحرك بسرعة عالية، ومن ثم، فإن محركاتها ذات الطاقة الكبيرة؛ إضافة إلى المراوح التي تدور بسرعة عالية، وموج البحر، تحدث ضجيجاً يساعد على تعيين هوية وصفة القطعة البحرية. وتسمح بعض التقنيات بالحد من مستوى هذا الضجيج؛ فالمحركات، وغيرها من الآلات، هي مصدر الضجيج والاهتزازات، فتركب على قواعد ماصة للاهتزازات. وللتخفيف من الضجيج الناجم عن المراوح، فإنها تصمم بشكل انسيابي.

  1. أنظمة الإعاقة

تنفذ أعمال الإعاقة الإيجابية الضوضائية المتزامنة على فترات قصيرة ومتقطعة (40 – 100 مللي ثانية)، ما يحرم العدو من ميزة الاكتشاف المبكر، نظرا لفعالية هذا الأسلوب ضد رادارات البحث والتتبع. وقد تستخدم إعاقة نبضية، بإرسال نبضات متزامنة مع النبضات الرادارية، لتغطيتها.

وتركز الشركات الأساسية المنتجة لهوائيات أنظمة التشويش المعدة للسفن، على الأنظمة القابلة للتوجيه، نظراً لفعاليتها المتزايدة في التصدي للصواريخ المهاجمة، ذات السرعات العالية. والملاحظ، مثلاً، بعد استعمال واسع لعوامات مقطورة بالغة التجهيز وموضوعة على مسافات بعيدة نسبيا من السفن المطلوب حمايتها، اللجوء إلى أنظمة تنطلق بواسطة القذائف، أو تدفعها محركات نفاثة، بحيث تتخذ موقع الوسط بين السفينة الهدف والصاروخ المهاجم.

ويعد تكتيك التشويش في صلب العملية برمتها؛ لأن الكشف عن نقطة القوة في النظام المهاجم، قد لا تكفي لمنع الصاروخ من إصابة الهدف البحري المعين. كما كانت الغاية من عملية التشويش هي تعطيل، أو خداع مستشعرات البحث عن الأهداف قبل الانقضاض عليها، فإن الجديد يتضمن إقامة حاجز تشويش واسع النطاق، لإغراق دوائر المعالجة، أو إرباكها في مستشعرات الأنظمة المهاجمة.

ومع ذلك، فان هناك عاملاً إضافياً أو مكملاً، يلعب دوراً أساسياً، ويتمثل في نشر أجهزة تشويش لردع الصواريخ المهاجمة، وجعلها تحيد عن وجهتها الأصلية، وهو ما يعرف بالتضليل، على الرغم من الدقة المتزايدة في التصويب، التي تتمتع بها الأنظمة الصاروخية الحديثة، أو التي هي قيد التطوير. ويتماشى هذا، أيضا، مع نشر العصائف والشهب، خاصة من خلال تفعيل نظام الدفاع القريب في المرحلة الأخيرة.

وتتطلب، في المقابل، مواجهة الأنظمة الصاروخية العاملة بالترددات القافزة Hoping Frequencies إجراءات إضافية مضادة. ومن هنا، تبرز الضرورة الملحة في أن تكون وسائط الدعم الإلكتروني المعدلة، قادرة على اللحاق بالتغيرات في الترددات، على أن يوفر جهاز التشويش مواكبة تلقائية بالسرعة نفسها لمعدلات التكرار النبضية، لاسيما وأن الصواريخ المهاجمة المصنفة بـ “الذكية” تستشعر بالإجمال، وعلى مستويات مختلفة، حركية الإجراءات المضادة.

ومن بين التقنيات الأكثر تطوراً، المعتمدة في مجال التشويش، التوصل إلى بث إشارات عاكسة للتأثير على مجالات التردد الواقعية، بحيث تعطي معلومات خاطئة عن مدى الهدف المعرض للهجوم. وفي المنحى نفسه، يجب التعامل بمرونة وذكاء مع الأنظمة الخادعة القابلة للنفخ، وذات البصمة الرادارية المعادلة للبصمة الرادارية للسفينة.

  1. أنظمة نشر العصائف

تتمثل أعمال الإعاقة السلبية في استخدام العصائف المعدنية Chaff لإعاقة تحديد الهدف الحقيقي، وإضاعة الوقت في البحث؛ وكذلك تُستخدم سحابات مركزية ضد رادارات البحث الذاتية للصواريخ المهاجمة، خاصة عند بدء مرحلة التتبع الآلي للهدف. وتطلق السحابات على مسافة قريبة من القطعة البحرية، لكي تظهر السفينة لرادار البحث الذاتي للصاروخ وكأنها تضخمت، وبأقصى سرعة ممكنة تخرج السفينة من هذه السحابة.

أثبتت العصائف الخداعية المكثفة فعاليتها كحاجز فاصل بين الصاروخ المهاجم والسفينة. ويمكن نشر هذه العصائف بواسطة الدفع الصاروخي لمسافات بعيدة، أو بواسطة قذائف الهاون، وتقنيات الهواء المضغوط للمسافات الأقرب. ومن المستحسن لمواجهة هجوم صاروخي، استخدام كافة وسائل الخداع والإجراءات المعاكسة، بما فيها الوسائل المولدة للأشعة تحت الحمراء ولأشعة الليزر.

ويمكن إطلاق العصائف بطرق عديدة، ابتداء بالقذائف الصاروخية، وانتهاء بالهاون، مرورا بالقواذف التي تعمل بالهواء المضغوط. وتستخدم القذائف لنثر الشهب الخادعة، الموجهة بالأشعة تحت الحمراء، بهدف تضليل الصواريخ التي تجذبها الحرارة. ويتطلب النشر المزدوج للشهب والعصائف معاً، بشكل مسبق، تقييماً دقيقاً للمحيط التكتيكي، بما في ذلك سرعة الرياح، والتيارات المائية، إضافة إلى حركية السفن المطلوب حمايتها.

ومن بين التقنيات الأكثر تطوراً المعتمدة في مجال التشويش، النثر الذكي للعصائف داخل المجال الواقع بين الأهداف البحرية والصواريخ المهاجمة. وهذا لا يتعارض مع العصائف المصممة لأغراض التضليل، والتي تأخذ شكل غيوم خداعية، تتساوى في حجمها “الوهمي” مع حجم الأهداف الفعلية.

  1. الحرب الإلكترونية تحت الماء

تتوقف فاعلية الغواصات على قدراتها على البقاء تحت الماء لفترات طويلة دون اكتشاف، بينما هي تنفذ مهامها من بحث وتتبع ومهاجمة من تحت سطح الماء. ولاكتشاف الغواصات المعادية وتحديد أماكنها تستخدم إجراءات إيجابية، مثل أجهزة السونار Sonar، وأخرى سلبية. ولا تستخدم الموجات الكهرومغناطيسية في حيز الميكروويف في الكشف عن الغواصات، نظراً لحدوث اضمحلال كبير لها عند انتشارها تحت الماء. كما أن الموجات الكهرومغناطيسية في الحيز الضوئي، أو حيز الأشعة الحمراء، أو ذات الطول الموجي الأقل، لا تنتشر تحت الماء لمسافات بعيدة، خلافاً للموجات في الحيز السمعي، التي تنتشر لمسافات بعيدة تحت الماء، على الرغم من أن سرعة انتشارها أقل من سرعة انتشار الموجات الكهرومغناطيسية؛ ولذلك، يكون الاعتماد على الصوت لتتبع الغواصات، ولتحقيق الاتصالات، وفي أعمال الملاحة التي تجري تحت الماء.

وتعتمد المستشعرات الصوتية السلبية، التي تُستخدم في الكشف عن الغواصات، على استقبال الضوضاء التي تنتج من اضطراب حركة الماء، التي تحدث عند مقدمة الغواصة، ومن حركة الأجزاء الميكانيكية للآلات والمراوح، ومن أصوات المحركات، كما تنتج الضوضاء، كذلك، عندما يكون هناك فرق في السرعة النسبية بين حركة الغواصة وحركة الماء المحيط. وتزداد هذه الضوضاء كلما زادت سرعة الغواصة، وكانت غير منتظمة الشكل. والضوضاء الناتجة في هذه الحالة تكون في الحيز فوق السمعي (فوق 20 كيلوهرتز). وللتقليل من احتمال اكتشاف الغواصات، يلزم خفض هذه الضوضاء باستخدام المواد العازلة، بين الأجزاء المتحركة.

  1. أشهر أنظمة الحرب الإلكترونية البحرية

أ. تنتج شركة فرنسية أنظمة “فيجل”Vigile لإجراءات الدعم الإلكتروني، والمتضمنة لنظامي Vigile 200 وVigile 400. وقد طوّرت هذه الأنظمة لمراقبة وقياس وتحليل الإشارات الكهرومغناطيسية، مؤمنة لأطقم السفن وظيفة التحذير المبكر، وقدرة إدراك الوضع الميداني، ووظائف استخبارات الإشارة في المحيط المفتوح، كما في البيئة الساحلية المكتظة. وقد صممت هذه الأنظمة في الأصل تجاوباً مع التزايد المطرد لكثافة أجهزة الإرسال الإلكترونية وتعقيداتها في البيئة العملياتية البحرية الحديثة، وهى مدمجة بالكامل في نظام القتال، وتلعب دوراً حيوياً في منصات الحماية الذاتية وإدراك الوضع الميداني، وقدرات استخبارات الإشارة.

إن نظام Vigile 200 يوفر تغطية ممتازة للمراقبة، فيما يمتلك نظام Vigile 400 الأداء الأعلى مستوى. وتجدر الإشارة إلى أن عائلة أنظمة “فيجيل” Vigile مجهزة على متن سفن القتال والغواصات، في أكثر من 25 بلداً، ويتوافر منها طرازات برية ومحمولة جواً. وقد بُنيت على أساس هندسة تضمينية، تتضمن نظام هوائي ووحدات استقبال الإشارات ومعالجتها، إضافة إلى كونصول لشاشات العرض الخاصة بالمشغل.

ب. نظام الحرب الإلكترونية البحري طراز AN/SLQ-32، وهو النظام الأساسي لدى البحرية الأمريكية منذ عام 2007. وقد أنتج في خمسة طرازات، هي: (V)1 و(V)2 و(V)3 و(V)4 و(V)5. أما الطراز SLQ-32(V)1 فهو مستقبل راداري، يستقبل الموجات التي تستخدمها الصواريخ والطائرات، وقد رُكّب على السفن الصغيرة والفرقاطات.

والطراز SLQ-32(V)2 هو الأكثر شيوعا، إذ أضيفت إليه قدرة استقبال الإشارات الرادارية لأنظمة الكشف والاستهداف، ورُكّب على الفرقاطات والمدمرات، وسفن الحراسة. ويتميز الطراز SLQ-32(V)3 عن سابقه بإمكانية تنفيذ الإعاقة الرادارية الايجابية، وقد رُكب على البوارج والقطع الحربية الكبيرة. وصمم الطراز SLQ-32(V)4 ليستخدم على حاملات الطائرات، ويتكون من نظامين طراز SLQ-32(V)3، ويركب كل نظام على أحد جوانب الحاملة، وهما متصلان بكونصول وكمبيوتر مركزي. والطراز SLQ-32(V)5 هو تحسين للطراز SLQ-32(V)3، من خلال زيادة إمكانية الإعاقة الإيجابية.

وجميع طرازات النظام SLQ-32، باستثناء الطراز (V)4، تتواءم مع نظام إطلاق العصائفMK36. ويعتمد عدد منصات إطلاق النظام على كل سفينة على حجم السفينة، ويتراوح ذلك بين منصتين على السفن الصغيرة، وعشر منصات على حاملات الطائرات. ومنذ أوائل تسعينيات القرن العشرين، بدأت عملية تحديث الأنظمة (V)1 إلى الأنظمة (V)2، وتحديث الأنظمة (V)2 إلى الأنظمة (V)3.

ج. طورت شركات أمريكية وأسترالية الشرك الخداعي “نولكا” Nulka المستخدم لدى العديد من البحريات، وهو مقذوف صاروخي نشط داخل حاوية، ومصمم لخداع الصواريخ المضادة للسفن، واجتذابها بعيداً عن الهدف.

ثانياً: أنظمة الحرب الإلكترونية في الدفاع الجوى

في كل مرة وقعت فيها حرب جوية، كان الخصوم يتعلمون طرقاً جديدة لمواجهة أساليب الحرب الإلكترونية، ويتغلبون عليها. ونتيجة لذلك، كان من المهم للعسكريين أن يوفروا إستراتيجية حرب إلكترونية، متعددة الطبقات، للمحافظة على التفوق العسكري. وكان العسكريون، منذ بدء استخدام الطائرات العسكرية، يعتقدون أن السبب الرئيسي الذي سيجعل الطائرات الهجومية تحدث ثورة في عالم الحروب، هو استحالة مراقبة جميع الخطوط المحتملة التي ستسلكها هذه الطائرات للاقتراب من أهدافها المحددة؛ ولكن اختراع الرادار عشية الحرب العالمية الثانية، كان سببا في حرمان القوة الجوية من إحداث هذه الثورة. ومنذ ذلك الوقت، كان من الواضح للمخططين العسكريين أن نجاح الحملات الجوية يعتمد على إعاقة وقمع المستشعرات الدفاعية المعادية، خاصة المستشعرات الرادارية.

تعتمد أنظمة الدفاع الجوي في عملها على أجهزة الرادار، سواء لأغراض الإنذار المبكر، أو لتتبع الأهداف والتعرف عليها وتمييزها (صديق/ معادي)، أو لتوجيه الصواريخ نحو أهدافها. وقد تطورت تقنيات الحرب الإلكترونية للقوات الجوية لتحد من إمكانيات هذه الرادارات، التي لا تستطيع أن تواجه هذا التحدي بمفردها إلا بعد أن تعتمد هي الأخرى على تقنيات الحرب الإلكترونية. وهذا يعني أن الصراع بين القوات الجوية والدفاع الجوي تحول إلي مواجهة بين تقنيات الحرب الإلكترونية، لكلا الطرفين.

شهدت منظومات الدفاع الجوى في السنوات الأخيرة تطورات شاملة، في مجالات معدات الكشف الراداري، واستخدام أنواع متطورة من الصواريخ، إضافة إلى تطوير أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات. وزاد كل ذلك من المخاطر التي تتعرض لها الطائرات العسكرية، بجميع أنواعها، أثناء أدائها لمهامها.

ويمثل تطور تقنيات التسليح في عدة مجالات تهديداً خطيراً لهذه الرادارات، بما يؤثر من ثم على قدرات الدفاع الجوي في مواجهة القوات الجوية المهاجمة. وتتمثل هذه التهديدات في وسائل الإعاقة المحمولة جواً، وتطور تقنيات التخفي، الذي يؤدي إلى تقليل البصمة الرادارية للهدف الجوى، وتطوير الصواريخ المضادة للإشعاع الراداري، والطيران على الارتفاعات المنخفضة.

في الفترة من عام 1945 إلى عام 1960، استُخدم الرادار في كشف الطائرات وتوجيه المقاتلات والأسلحة. وأما الإعاقة المحمولة جوا بطائرات القتال، فكانت في شكل إعاقة ضوضائية غلالية (على حيز عريض من الترددات)، إضافة إلى الإعاقة السلبية باستخدام العصائف المعدنية Chaff. وقد نجحت هذه الوسائل في تحييد دور الرادار، نظراً لارتفاع مستوى الفصوص الجانبية Sidelobes والخلفية للنموذج الإشعاعي Radiation Pattern لهوائي الرادار، ما أدى إلى ظهور قطاعات مضيئة كبيرة على مبينات الرادار، أدت إلى إخفاء مكان واتجاه الطائرات.

وخلال فترة منتصف ستينيات القرن العشرين، ازداد دور الرادار في منظومة الدفاع الجوى. وظهرت أنظمة الصواريخ الموجهة راداريا، واتجهت أنظمة الإعاقة خلال هذه الفترة إلى الهجوم الإلكتروني على أضعف الوصلات في منظومة توجيه الصواريخ، والمتمثلة في نظام توجيه الصاروخ في المرحلة النهائية للطيران. ونجحت أنظمة الإعاقة المحمولة جوا المستخدمة في الحماية الذاتية في تقليل فاعلية نظام التوجيه، باستخدام أساليب الإعاقة النبضية، والإعاقة الضوضائية، من خلال إرسال إشارات إعاقة.

وخلال الفترة من 1970 وحتى منتصف الثمانينات، ازدادت قدرات الرادار، وذلك باستخدام أساليب لمقاومة الأعمال الإلكترونية المضادة في نظام التوجيه والتحكم، شملت تغيير التردد النبضي، ورشاقة التردد الحامل. وأدى ذلك إلى تطوير أنظمة الإعاقة، ما ساعد على تطوير أساليب معالجة الإشارات الرادارية المستقبلة، وتحليلها، وإدخال تعديلات معقدة عليها، وإعادة إرسالها إلى الرادار، ومن ثم، زيادة فاعلية أعمال الإعاقة الخداعية الإيجابية. وكانت أبرز المصاعب لأنظمة الإعاقة خلال هذه الفترة، هي عدم إمكانية توليد قدرات إعاقة عالية، نظراً لمصاعب تبريد المرسلات والاعتمادية المنخفضة لها.

واستمرت أعمال التطوير في تكنولوجيا المرسلات، وبدأ ظهور مستودعات الحماية الذاتية بطائرات القتال للتغلب على مصاعب تبريد المرسلات، وتحقيق قدرات أعلى في توفير الحماية الذاتية للطائرات، مع إمكانية تركيب المستودع بأكثر من نوع من الطائرات، بدلا من استخدام مستودع داخلي بكل طائرة، مع الأخذ في الحسبان أن استخدام المستودعات المعلقة يؤثر على قدرات الطائرة، من حيث مدى العمل، ونوع التسليح، والتأثير على مجال الرؤية لنظام الإعاقة بالطائرات، لوجود المستودع تحت جسم الطائرة، أو تحت الأجنحة.

وخلال فترة منتصف الثمانينات، حدث تطور ملحوظ في أنظمة توجيه الصواريخ، والذي حقق دقة عالية في تحديد الاتجاه، ومقاومة عالية لأعمال الإعاقة. وتكامل هذا النظام مع التطور في الأنظمة الملاحية للصاروخ، ما أدى إلى كفاءة عالية للصواريخ في اعتراض الطائرات. وانعكست هذه التطورات على أنظمة الإعاقة، ما أدى إلى ظهور أساليب حديثة للإعاقة على أنظمة التتبع والتوجيه. وأنتجت مرسلات بقدرات عالية، واستخدمت بكفاءة، ولكن استمرت المصاعب في التعامل مع الصواريخ، التي لها القدرة على التوجيه على مصدر الإعاقة وتدميره. وبدأ ظهور ما يسمى بـ”الإعاقة المتبددة”، التي تطلق من الطائرة، ولا يمكن استعادتها مرة ثانية. وحققت هذه التكنولوجيا نجاحات ضد أنظمة التتبع وجذب الصواريخ بعيدا عن الطائرة، مع إدخال تعديلات في وسائل الإعاقة المتبددة لضبط التغير في التردد لحظة الابتعاد عن الطائرة.

وفي السنوات الأولى لاستخدام أساليب الحرب الإلكترونية، اشتمل تعطيل مفعول دفاعات العدو الجوية على أساليب بسيطة، مثل الطيران المنخفض تحت أفق الرادارات، أو نثر العصائف المعدنية، في الأجواء؛ ولكن خلال الحرب الباردة، أصبحت الحرب الإلكترونية مهمة معقدة، تقضي إسكات دفاعات العدو، باستخدام مهارات ومعدات متطورة، إلى حد كبير. وتمثل السبب الرئيسي الذي جعل الحرب الإلكترونية أكثر تعقيداً، في تعلم المدافعين كيف يتكيفون مع استراتيجيات الحرب الإلكترونية المختلفة، التي يشنها المهاجم. فقد أصبحت رادارات الدفاع الجوى أكثر قدرة على العمل في جو مكثف بالأعمال الإلكترونية، كما أضحت شبكات القيادة والسيطرة أكثر استجابة ومرونة، وكذلك صواريخ الدفاع الجوى أكثر “ذكاء”.

وتعمل الرادارات الحديثة على تغيير التردد لمقاومة الأعمال الإلكترونية المضادة، وتستخدم المسح الإلكتروني مع توافر المشغلات الدقيقة Microprocessors، لتحليل الكم الهائل من المعلومات، وتتبع أكثر من هدف في وقت واحد. وأصبح تحليل معلومات المستشعرات المختلفة من المهام المعقدة، خاصة عندما تعمل هذه المستشعرات في ظروف الإعاقة الإلكترونية.

وللنجاة من أنظمة الدفاع الجوي المتطورة، يركن الطيارون إلى تكتيكات وعنصر المفاجأة والحرب الإلكترونية. ومع أن إخماد دفاعات العدو الجوية ليس عنصرا أساسيا من عناصر الحرب الإلكترونية، فإنه عامل حاسم من عوامل نجاح مهمة القتال الجوي، وخصوصاً في بيئة خطرة، بعد أن شهدت أسلحة الدفاع الجوى تطورا شاملا في مجالات الكشف الراداري والليزري واستخدام أنواع متطورة من الصواريخ، وإضافة إلى تطوير أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات. وزاد كل ذلك من المخاطر التي تتعرض لها الطائرات العسكرية، بجميع أنواعها، أثناء أدائها لمهامها، ما أصبح يحتم ضرورة تطوير معدات وأنظمة الحرب الإلكترونية الجوية لضمان بقاء الطائرات في الجو، ونجاحها في أداء المهام المكلفة بها، وسط الجو الالكتروني المشبع.

وتعتمد إحدى التقنيات المستخدمة في التشويش على رادارات الدفاع الجوي، على تسجيل بث هذه الرادارات وتكرار هذا البث؛ ولكن الرادارات الحديثة مبرمجة لكشف محاولات التشويش، ويمكنها، عندئذ، الانتقال إلى أسلوب ملاحقة التشويش.

تعد العصائف Chaff والمشاعل الحرارية Flares، وسيلتي خداع سلبيتين، وتستخدمان كإجراءات مضادة إلكترونية سلبية منخفضة التكلفة ومجربة، بحيث يمكنها، حين تنشر بصورة فعالة، أن تحمي الطائرة من صواريخ موجهة بالرادار، أو صواريخ موجهة بالأشعة تحت الحمراء. وعلى الرغم من أن العصائف زهيدة التكلفة ومجربة، فان لها عيوبها، ومنها أنها لا تحمي سوى الطائرة التي تنشرها، وأنها تبطئ حركتها، وتبدأ بالتشتت بعد ثوان قليلة من إطلاقها. ونتيجة لذلك، تتمكن بعض أجهزة الرادار المتطورة من التفريق بين سحب العصائف والهدف الحقيقي. إلا أن السرعة الأولية العالية للعصائف تستطيع إرباك أنظمة إدارة النيران، ورادارات الصواريخ، وأجهزة الاستشعار في الرأس الحربي للصاروخ. وقد نشرت طائرات أمريكية عصائف من موزعات ضخمة، وأسقطت قنابل عصائف خلال حرب فيتنام، لإنشاء سحب واسعة، بما يكفي لتعطيل رادارات المراقبة والتعقب الخاصة بالصواريخ “سام-2” SAM-2.

وعلى سبيل المثال، فان تجهيزات المقاتلة F-16C/D من الإجراءات الإلكترونية المضادة، تتضمن العصائف المعدنية والمشاعل الحرارية، التي يمكن تنشيطها يدوياً، أو بواسطة نظام تحذير راداري. وقبل بدء المهمة، يبرمج الناثر كي يطلق كميات محددة من العصائف أو المشاعل الحرارية، إما يدوياً أو آلياً. وبعض الناثرات تستطيع حمل كمية كبيرة من العصائف والمشاعل الحرارية وإطلاقها من أبراج أو من حاوية.

ومن المعروف أن مقاومة جهاز الرادار للإعاقة تقل، كلما زادت القدرة المشعة الفعالة لجهاز الإعاقة. ولذلك، سيكون من الصعب علي هذه الرادارات مواجهة تطور الطائرات المجهزة للإعاقة ذات القدرة المشعة الفعالة جدا. وستكون الطائرات قادرة على استخدام هوائيات حديثة، توفر المسح الالكتروني للشعاع لمساحات واسعة باستخدام شعاع ضيق، مع استخدام عدة عناصر للإرسال تزيد من القدرة المشعة، لتصبح أضعاف القدرة الحالية عشرات المرات. وستزداد فاعلية الإعاقة المحمولة جوا إلى حوالي أربعة أضعاف القيمة الحالية، بسبب زيادة القدرة المشعة الفعالة.

إن مساحة المقطع الراداري للطائرة القاذفة الإستراتيجية الأمريكية طراز B-52، تعادل عشرة أمتار مربعة؛ ولكن مساحة المقطع الراداري للقاذفة الإستراتيجية طراز B-1B تعادل ما يقل عن متر مربع واحد. وهذا التغير الكبير يعني في مجال الرادار أن احتمال كشف الطائرة B-1B بواسطة الرادار نفسه، يعادل عُشر احتمال اكتشاف الطائرة B-52، وقد تحقق ذلك نتيجة تطور تقنيات التخفي، التي تعتمد على تصميم خاص لشكل السطح الخارجي للطائرة الحديثة، بما يقلل انعكاسات الأشعة الرادارية، مع إضافة مواد ماصة لهذه الأشعة.

وستتعرض الرادارات لمشكلة صعبة، وهى تقليل مساحة المقطع الراداري للقاذفات بأكثر من 100 مرة عن القيمة الحالية، وسيؤثر ذلك –من ثم- على تقليل مدى الكشف. وربما يكون الحل هو تطوير أجهزة الرادار بزيادة قدرة الإرسال، وزيادة حساسية المستقبل. ولكن زيادة قدرة الإرسال تزيد من تهديد الصواريخ المضادة للأشعة، وكذلك، فان زيادة حساسية المستقبل تسهل إعاقته بفاعلية أكبر.

وهكذا، فان التقنيات التي جعلت التهديد أكثر خطورة و”ذكاء”، سوف تستخدم هي نفسها لتطوير الإجراءات المضادة لهذه التهديدات. وسيؤدى ذلك إلى تزويد معدات الحرب الإلكترونية بوحدات تحليل تستقبل المعلومات من أجهزة الرادار ومستشعرات الليزر، وكذلك مستشعرات الأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية، ثم تُستخدم هذه المعلومات، مع تكتيكات التهديدات وخواصها المعروفة، في تقدير الموقف وتحديد رد الفعل المناسب.

وقد زودت الرادارات الحديثة بأنظمة لمقاومة الإعاقة، تسمى “بالإجراءات المضادة للإجراءات الإلكترونية المضادة”، مثل أنظمة هوائيات المصفوفات، ودوائر خاصة لتحسين أداء مستقبل الرادار أثناء وجود الإعاقة الايجابية أو السلبية. وقد تنجح هذه الوسائل في مقاومة الإعاقة في بعض الحالات، حسب مواصفات كل من جهاز الإعاقة وجهاز الرادار، والمسافة بينهما، ومدى الطائرات التي يكتشفها جهاز الرادار.

ويتألف الجيل الحالي لأنظمة الحماية الرادارية من مستشعرات حساسة للغاية، تستطيع كشف مختلف الصواريخ الموجهة رادارياً، أو المجهزة برؤوس باحثة، وحتى تلك الصواريخ التي توجه بطاقة رادارية منخفضة، أو تعمل ضمن حقل ضيق.

أما مشوشات الرادار الإيجابية فتحدث –عادة- ضجيجاً أو خداعا؛ فأجهزة الضجيج تولد إشارات تؤدي إلى تعطيل شاشات الرادار، أما أجهزة الخداع فتعطي الرادارات معلومات خاطئة. ويذكر أن مشوشات الخداع هي الأفضل، لأنها لا تنبه عامل الرادار إلى التشويش إلا متأخراً.

وتجرى الأبحاث لتحصين الرادارات الحديثة بقدرات إلكترونية مضادة، للتمييز بين ما هو حقيقي وما هو مزيف، ولاكتشاف الإشارات الخداعية مبكرا. وتحاول أنظمة المشوشات الرادارية تطوير قدرات التشويش على الرادارات الحديثة، بعدما غدت تهديدات الدفاع الجوي أكثر فتكا وذكاء من الأجيال السابقة، ما استدعى مواجهة هذه التهديدات المتقدمة، بإجراءات مضادة أكثر تقدماً للتغلب عليها.

وسوف تعتمد إستراتيجيات الإعاقة الرادارية الإيجابية الحديثة، بشكل كبير، على استخدام الإجراءات المضادة، التي تعمل في حيز الطيف الكهرومغناطيسي للموجات الرادارية بالكامل، حيث تشمل هذه الإجراءات مقاومة المقذوفات الموجهة بموجات الميكروويف Microwaves، أو الموجات الميلليمترية.

ونظراً للتطور في بواحث الصواريخ، كان على الشراك الخداعية أن تتوافر لديها القدرة على محاكاة بصمة الطائرة، التي صممت هذه الشراك لحمايتها، وذلك بغرض استنزاف أنظمة الدفاع الجوى وإغرائها بالتعامل مع هذه الأهداف الخداعية، وكذلك مواجهة أنظمة التوجيه الذاتي للصواريخ المهاجمة بإرباكها لشل قدرتها على التتبع، أو للإعاقة على إشارات التوجيه الخاصة بها.

  1. الصواريخ المضادة للرادار

يعد استخدام الصواريخ المضادة للإشعاع الراداري والمحمولة جواً، من الأسلحة ذات الفاعلية والكفاءة ضد محطات الرادار الأرضية بمختلف أنواعها. وتعمل هذه الصواريخ طبقا لمفهوم التقاط الإشعاع الراداري الصادر من المصادر الأرضية، عن طريق معدات الإنذار الراداري المركبة بالطائرة، أو عن طريق الرأس الباحثة للصاروخ.

وتبدأ الرأس الباحثة للصاروخ العمل بإحدى طريقتين: الأولى، أن تبدأ الرأس الباحثة في عملية البحث عن الإشعاع المعادي بعد إطلاق الصاروخ من الطائرة بفترة معينة، يكون خلالها الصاروخ قد اقترب مسافة كافية لمنطقة الهدف. والطريقة الثانية أن تبدأ الرأس الباحثة عملها قبل إطلاق الصاروخ من الطائرة. ويتوقف مدى العمل الفعلي للصاروخ على ارتفاع الصاروخ وزاوية الإطلاق.

ومن أشهر الصواريخ المضادة للإشعاع الراداري الصاروخ الأمريكي “شرايك” Shrike، وهو أول طراز من الصواريخ المضادة للإشعاع. ويكون اكتشاف الرادار بواسطة جهاز الاستقبال في الطائرة، ثم يطلق الطيار الصاروخ ليتجه تلقائيا نحو الرادار، متتبعا إشعاعاته، ليصطدم بالهوائي، ويدمره. ويزن الصاروخ “شرايك” 177 كجم، ومداه 12- 16 كم، ويستخدم محركاً صاروخياً يعمل بالوقود الجاف، وتقترب سرعته من سرعة الصوت، وتزن رأسه المدمرة 66 كيلوجراما، ويتكون الصاروخ من أربع وحدات: للتوجيه، والتسليح، والتحكم، والمحرك.

وتستخدم وحدة التوجيه لكشف الهدف والتعرف عليه. وأما وحدة التسليح، فتشتمل على الرأس المدمر شديد الانفجار، ومصهر Fuse التفجير. وتترجم وحدة التحكم أوامر وإشارات التوجيه إلى حركة تحدد خط سير الصاروخ. والمحرك ذو مرحلة واحدة، كما توجد بعض الأنواع المطورة التي تعمل بمحركين. ومن عيوب الجيل الأول من هذه الصواريخ أنها تفقد مصدر التوجيه حال إيقاف عمل الرادار (الهدف)، وكذلك فان إطلاق الصاروخ لابد أن يتم على مسافة لا تزيد عن 16 كم من الهدف.

أما الصاروخ “هارم ” HARM فيعد الصاروخ الرئيسي المضاد للإشعاع الراداري في الولايات المتحدة. وهو تطوير للصاروخ “شرايك ” والصاروخ “ستاندرد آرم ” Standard Arm، وهو مزود بأجهزة آلية ورأس باحث شديد الحساسية يمكنه التعامل مع الفصوص الجانبية لشعاع الرادار، وهو مالا يقدر عليه الصاروخ “شرايك ” أو الصاروخ “ستاندرد آرم”. وتزيد سرعته عن ضعف سرعة الصوت، ومداه 18- 20 كم، ويزن 360 كجم، وتزن الرأس المدمرة وحدها 66 كجم.

ولمواجهة هجوم الصواريخ راكبة الشعاع، يمكن خداع هذه الصواريخ باستخدام مرسلات خداعية، تكون قادرة على بث إشارات كهرومغناطيسية، تشبه إشارات جهاز الرادار المطلوب حمايته، حيث ترسل هذه المرسلات إشارات زائفة، لها تردد جهاز الرادار نفسه ومعدل التكرار النبضي والمواصفات الأخرى للرادار. ويجب أن يبث المرسل الخداعي المستوى نفسه من القدرة، مثل التي يبثها الرادار.

وعلى سبيل المثال، فان أحد المرسلات الخداعية الأمريكية عبارة عن مرسل راداري صغير، قادر على محاكاة عمل أجهزة الرادار الحديثة بتقنية الرشاقة الترددية Frequency Agility، وتستخدم ثلاث مرسلات خداعية لكي تحمى جهاز رادار واحد. وهذا المرسل الخداعي يمكن أن ينقله شخصان فقط، ويقومان بتركيبه خلال 15 دقيقة.

ويمكن استخدام جهاز إرسال خداعي، رخيص الثمن، يتكون من عاكس راداري سلبي، وعدد من الهوائيات الخداعية، على مسافات آمنة من جهاز الرادار المطلوب حمايته، ويعمل هذا النظام في النطاق الترددي C-Band، وعندما يكتشف صاروخاً موجهاً ضد الرادار، يوقف البث الراداري فورا، ويبدأ عمل هوائي المرسل الخداعي السلبي، ويكون تغذيته من مصدر قدرة بعيد، لكي يكون الهوائي هدفا خداعيا للصاروخ. وقد صمم هذا الهوائي لكي يعمل ويستمر، ولا يتأثر بانفجار الصاروخ بالقرب منه، وذلك باستخدام إطار من الصلب المقوى، وحبال من خيوط النايلون لكي تربط مصفوفة العناصر المشعة. ويُشد الإطار ويثبت في الأرض بأوتاد، بحيث يمكن أن يبقى أثناء انفجار الصاروخ القادم له من أي اتجاه، وتمر معظم الصدمة الناتجة من انفجار الصاروخ خلال الفتحات الموجودة في عاكس الهوائي. وبعد سكون عاصفة الانفجار، يُعاد تثبيت العاكس ويُشد مرة أخرى إلى وضع العمل.

  1. دور الحرب الإلكترونية في الدفاع ضد الصواريخ البالسيتية

تعد الحرب الإلكترونية عنصراً مهماً يمكنه التحكم في نجاح مهام الصواريخ البالسيتية، أو فشلها. وتمثل الوسائل المتعددة للحرب الإلكترونية، سواء الإيجابية منها أو السلبية، وسيلة فعالة، تؤثر على كفاءة هذه الصواريخ في إصابة، أو تدمير أهدافها، وأيضا على كفاءة الأنظمة الدفاعية، والوسائل الاعتراضية، في التصدي لهذه الصواريخ، وإحباط عملها.

ويعتمد استخدام أساليب وسائل الحرب الإلكترونية، في معاونة وتأمين مهام الصواريخ البالسيتية أو عرقلة مهامها، على خصائص الصواريخ المستخدمة، من حيث الشكل، ونوع المعدن المستخدم في صناعتها، ونوع القاذف والوقود، ومحركات الدفع. كما تؤثر العوامل الأخرى، مثل: أسلوب التوجيه، وسرعة الصاروخ، والارتفاعات التي يطير عليها، ونوع المسار المستخدم، على الوسائل المستخدمة، وطبيعة استخدامها. وعلى سبيل المثال، فان شكل الصاروخ، ونوع المعدن المستخدم في صناعته يؤثران على الظهور الراداري للصاروخ. ومن ثم، فان هذا التأثير يحدد طبيعة ونوع المستشعرات الرادارية المطلوبة للكشف والتتبع. كما أن الارتفاع الذي يطير عليه الصاروخ، ونوع المسار المستخدم، يحددان اختيار المستشعرات الحرارية، أو الضوئية. ففي مرحلة الدفع Boost Phase، تكون المستشعرات الحرارية، أو الضوئية، والتي تعمل بالأشعة تحت الحمراء، أكثر الوسائل فعالية؛ بينما في مرحلة الطيران المتوسط Midcourse يكون الصاروخ أقل عرضة للكشف بالمستشعرات الحرارية، وتكون الوسائل الضوئية أكثر فعالية.

ومن المشاكل الرئيسية التي تظهر أثناء مرحلة المسار المتوسط للصاروخ الباليستي، هي كيفية إخفاء الصاروخ، بغرض أن تكون مهمة التمييز بين الصاروخ والشراك الخداعية المصاحبة أكثر صعوبة. ومن التكتيكات المستخدمة في هذا الصدد، استخدام البالونات الخفيفة، المغطاة بطبقة رقيقة من الألمونيوم العاكس، ونشرها حول كل من الصاروخ والشراك الخداعية المصاحبة. ويمكن حمل بالونات من هذا النوع ضمن حمولة الصاروخ الأساسية، نظرا لخفة وزنها. ونتيجة لذلك، تصبح عملية تمييز الصاروخ في وسط الشراك الخداعية والبالونات المعدنية المنتشرة حوله صعبة، وغير دقيقة. إلا أن أسلوباً آخر يتبع، أحياناً لتنفيذ عملية الإخفاء، وهو تعديل بصمة الشراك الخداعية لتماثل وتشابه بصمة الصاروخ الباليستي، وذلك من وجهة نظر مختلف أنواع المستشعرات (رادارية – حرارية). ومن الطرق المستخدمة لمواجهة تكتيكات الإخفاء السابق ذكرها، رصد ومراقبة عملية إلقاء الشراك الخداعية، واستخدام وسائل الاكتشاف بأشعة الليزر، وقتما أمكن ذلك.

ويجدر بالذكر، أنه يمكن رصد التغييرات الحادثة في سرعة الصاروخ، والتي تدل على كل من وقت الإلقاء وكتلة الشرك الخداعي الذي أطلق. وهناك تقنيات أخرى يمكن إتباعها للتمييز بين الصاروخ والشراك الخداعية المصاحبة، وذلك برصد الإشعاع الصادر عن كلا الكتلتين، عبر نطاق ترددي عريض بدرجة مناسبة، مع محاولة استنباط قيمة درجة حرارة الكتلة بمعرفة النطاق الطيفي للإشعاع الصادر عنه، ويكون ذلك باستخدام أنظمة معالجة الإشارة. وهذه التقنية تستلزم فترة زمنية طويلة نسبياً، حتى يمكن تنفيذها بكفاءة، لأن المقياس الأساسي للتمييز يكمن في تحديد معدل تغيير درجة الحرارة، وليس قيمة درجة الحرارة ذاتها.

ويبرز دور الحرب الإلكترونية بجناحيها (الإجراءات الإلكترونية المضادة والإجراءات الإلكترونية المضادة للأعمال المضادة) في مجال الصواريخ البالسيتية، في المجالات الآتية:

أ. منع عرقلة مهام الصواريخ الصديقة؛ ويقصد بذلك معاونة الصواريخ في الوصول إلى أهدافها، وتفادى الأعمال المضادة لها، سواء كانت هذه الأعمال تتمثل في قذائف اعتراضية، أو إجراءات إلكترونية مضادة.

ب. عرقلة مهام الأسلحة المضادة للصواريخ البالسيتية. ويعتمد ذلك على خداع المستشعرات الخاصة بهذه الأنظمة، لمنعها من كشف أو تمييز الصواريخ البالسيتية، وأيضا التداخل مع أنظمة التوجيه أو الاتصالات، بين أنظمة إدارة المعركة وأنظمة القيادة والسيطرة.

ج. منع عرقلة مهام الأسلحة المضادة للصواريخ البالسيتية؛ ويهدف ذلك إلى مقاومة وسائل وأساليب الخداع المختلفة، وتمكين المستشعرات الخاصة بالأنظمة الدفاعية من تمييز وكشف الصواريخ البالسيتية.

د. كشف الصاروخ فور إطلاقه من قاعدته. ويعتمد هذا الأسلوب على المستشعرات الحرارية، التي تستقبل موجات الأشعة تحت الحمراء، التي تنبعث نتيجة درجات الحرارة العالية، الناتجة من عوادم احتراق وقود المحركات الصاروخية أثناء مرحلة الدفع. وقد تكون المستشعرات المستخدمة أرضية، أو فضائية، ويكون الاختلاف بين النوعين فقط في الطول الموحى الذي تستقبله. فمن المعروف أن موجات الأشعة تحت الحمراء، ذات الطول الموجي الأقل من 3 ميكرون، تمتص خلال طبقة الغلاف الجوى، ومن ثم، فان المستشعرات الفضائية تصمم بحيث تكون حساسة للأشعة ذات الطول الموجي الأكبر من 3 ميكرون.

هـ. كشف الصاروخ وتتبع مساره بواسطة وسائل الكشف الراداري الأرضية والمحمولة. وتعمل هذه الوسائل كوسيلة للإنذار المبكر. ويتوقف زمن الإنذار الذي توفره على مدى الكشف. وعموماً، فان الرادارات المحمولة غالباً ما تُستخدم ضمن الإنذار المبكر، ضد الأهداف والقذائف الجوية. أما الرادارات الأرضية، فتستخدم مع الأنظمة الدفاعية، التي تعترض الصواريخ البالسيتية، وغالبا ما تستخدم هذه الأنظمة ضد الصواريخ، التي تعمل بالتوجيه بالقصور الذاتي.

و. إخفاء الهدف المطلوب تدميره. ويستخدم هذا الأسلوب ضد الصواريخ التي تعمل بالتوجيه الذاتي، الإيجابي أو النصف إيجابي. ويعتمد ذلك على استخدام تكنولوجيا تشويه البصمة الرادارية للهدف المطلوب تدميره، باستخدام العاكسات الركنية Corner Reflectors.

ز. منع الصاروخ من الوصول للهدف المطلوب تدميره وإخراجه عن مساره، وذلك باستخدام الوسائل الإيجابية، المتمثلة في عناصر الإعاقة، في التداخل مع أنظمة التوجيه لإرباكها وإبعاد الصاروخ عن مساره الصحيح. ويستخدم هذا الأسلوب ضد الصواريخ الموجهة.

ح. عرقلة مهام الصواريخ. ويقصد بذلك منع الصواريخ من الوصول إلى أهدافها، باستخدام أساليب ووسائل الكشف والتتبع لكشف هذه الصواريخ، وتتبع مساراتها، وإنذار الوسائل الاعتراضية، أو باستخدام أساليب ووسائل الإعاقة ضد أنظمة توجيه الصواريخ، أو باستخدام أساليب ووسائل الخداع لتشويه الظهور الراداري أو الحراري، للهدف المطلوب تدميره.

ثالثاً: أنظمة الحرب الإلكترونية في القوات البرية

تشكل الهيمنة على الطيف الكهرو مغناطيسي عنصراً رئيسياً في الحرب الإلكترونية في القوات البرية، عبر القدرة على تنفيذ استخبارات الإشارة لرصد الاتصالات اللاسلكية، ورصد الأنظمة الرادارية للعدو عبر الاستخبارات الإلكترونية، أو تدابير الدعم الإلكترونية. وتسهم استخبارات الإشارة في زيادة إدراك القائد للوضع، بفضل رصد رادارات الخصوم أو شبكة الهاتف الجوال والإذاعات، والتحذير من أي تغيير في انتشار العدو، أو وجود أي نشاط له يميز نمط إذاعته، أو مضمون رسائله.

إن كثرة عدد الأهداف الحيوية البرية المطلوب تأمينها، تزيد من دواعي اللجوء إلى الخداع الإلكتروني، والذي يحقق عامل السرعة، إذ يمكن تصنيع بعض وسائل الخداع بالاعتماد على الذات، نظرا للتكلفة المالية المحدودة نسبياً، بالمقارنة بالوسائل والأنظمة الإيجابية المستخدمة لأغراض الإعاقة الإلكترونية.

وتُقسم أنظمة الحرب الإلكترونية في القوات البرية، عموماً إلى أنظمة مثبتة على مركبات كبيرة، وأنظمة أصغر يحملها الجندي. وتتمتع الأنظمة الأولى بأبعاد أطول، وقدرة أفضل على رصد الترددات التي تنتشر على مساحة أوسع، وهي تأتي، غالباً، مع أجهزة كمبيوتر قوية الاحتمال، تحفظ تسجيلات الحركة اللاسلكية للعدو، وترسم خريطة مواقع أجهزة الإرسال اللاسلكي له، وتحاول اختراق شفرة رسائله. ويشار هنا إلى أن التقدم الذي طرأ على تكنولوجيا الكومبيوتر، خفض الحجم الفيزيائي لأنظمة الحرب الإلكترونية، وزاد كثيراً من قوتها وأدائها.

وتسهم أجهزة التشويش بتعطيل نقاط اتصال العدو، ما يجعل من الصعب عليه المناورة بفاعلية، إضافة إلى تدني أداء الأسلحة الموجهة بالراديو لاسلكيا. ويكمن الدور الإضافي لأنظمة الحرب الإلكترونية في رصد وتعطيل الإشارات اللاسلكية المستعملة للتحكم بأدوات التفجير المرتجلة، التي اتخذت أهمية كبيرة نتيجة الخبرة التي اكتُسبت من الحرب في العراق وأفغانستان.

  1. أشهر أنظمة الحرب الإلكترونية في القوات البرية

يتكون نظام الحرب الإلكترونية “بروفت” Prophet المستخدم في الجيش الأمريكي، من جهاز لاستقبال استخبارات الإشارة، مركب على شاحنة خفيفة، طراز “همفى” HUMVEE للتحرك في ميدان المعركة، إضافة إلى جهاز آخر يحمله جندي مشاة على ظهره لإدخال معطيات الأنظمة المحمولة جوا، أو لدعم وحدة الرد السريع وعمليات مقاومة العدو. وأنتجت شركة “جنرال دينامكس” General Dynamics النموذج المعروف باسم Prophet Block I، الذي نشر في الجيش الأمريكي وفي عدة كتائب تابعة للحرس الوطني، ونشر أيضا لتأمين دعم حيوي مع كل وحدات المخابرات العسكرية في أفغانستان والعراق.

إن نظام “بروفت” من فئة Block II/III مثبت على مركبة “همفى” HUMVEE الثقيلة، ويتمتع بقدرة إلكترونية على مهاجمة أدوات التفجير الارتجالية، ويقدم دعما مخابراتيا بالإفادة عن موقع الجهاز الذي يرسل التهديد ومتابعته وتحديده. والمهمة الثانوية للنظام هي الهجوم الالكتروني ضد أجهزة البث للعدو. ويؤمن النظام، أيضاً، معلومات إضافية قد تؤكد المعلومات من مستشعرات أخرى، مأهولة وغير مأهولة، في ميدان المعركة.

ويستعمل فوج الحرب الإلكترونية في الجيش البريطاني نظامي استخبارات الإشارة طراز Odette وطراز SCARUS الفرنسيين، على المستوى التكتيكي للحرب الإلكترونية. وينشر فوج الإشارة عدة زمر حرب إلكترونية خفيفة تعمل مع قوة المهام المنقولة جواً في فوج المظليين البريطاني، لتقديم دعم للحرب الإلكترونية بناء على إشعار موجز من عناصر القوة الأمامية. ونظام Odette يمكن تركيبه على متن مركبة مدرعة، وعلى مركبات Land Rover؛ بينما نظام SCARUS يمكن أن يحمله فرد أو مركبة، ويستخدم في العمليات في أفغانستان.

إن اكتشاف وتحديد مواقع رادارات العدو، انطلاقا من الأنظمة المستعملة للدفاع الجوي، وصولا إلى أجهزة الرادار الصغيرة التي يحملها الأفراد لاكتشاف الحركة، كانت دائما تشكل جزءاً مهماً من الحرب الإلكترونية، والتي تستطيع أن تشل قدرات العدو الحيوية. وهناك سلسلة واسعة من المنتجات في السوق الدولية تلبي هذه المتطلبات، وقد استفادت كثيرا من التقدم الذي طرأ على الكمبيوتر.

ويقدم الرادار الفرنسي Meerkat – S صورة عن النشاط المتعلق بالرادار في منطقة واسعة، مع قدرة قوية لجمع الاستخبارات الإلكترونية. وقد صمم ليكشف الرادارات، ويميزها، ويحدد مواقعها بدقة كبيرة على كل المنصات، ومن كل الأنواع، مثل رادارات المراقبة، وتحديد مواقع الهاون، وتلك المتعلقة بتصويب السلاح وتوجيهه. ويتألف النظام من عدد من مركبات المستشعرات الموصولة بمركبة قيادة جوالة، تولد وتحافظ على صورة المعركة بنظام إلكتروني. ويمكن تعزيز أداء الرادار Meerkat – S لاكتشاف أجهزة الإرسال المعادية، بإضافة جهاز استقبال رقمي اختياري لتأمين درجة عالية من القدرة على تحليل الاستخبارات الإلكترونية.

أما الرادار Meerkat – SA، فهو شبكة مستشعرات مزودة بتدابير دعم واستخبارات إلكترونية، ويكون التحكم به عن بعد، ويكتشف ويعرف ويحدد مواقع البث الراداري. ويتألف النظام من عدد من مواقع المستشعرات الثابتة البعيدة، التي تتصل بموقع القيادة والتحكم المركزي بشبكة اتصالات محلية واسعة النطاق. ويتحكم المشغلون في هذا الموقع بالمستشعرات البعيدة، وبأجهزة المعالجة المحلية التي تحدد الاعتراضات وتعالجها وتنشر البيانات.

وقد طورت الهند نظام الحرب الإلكترونية Samyukta المحمول على مركبات، ليُستخدم في مسرح العمليات، وهو يغطى حيزاً كبيراً من الترددات، المستخدمة في الاتصالات والأنشطة الإلكترونية الأخرى.

ويؤمن نظام الدفاع الالكتروني البري Land Electronic Defence System (LEDS) طيفا كاملا من الحماية النشطة للمركبات البرية، ويمنح تغطية شبه كروية كاملة لكشف التهديدات المقتربة واستنفار الطاقم. ولدى تركيبه بشكله الكامل، يشل النظام كل التهديدات في ميدان المعركة.

ويتألف النظام من مجموعة مستشعرات، وقاذفة موجهة بسرعة عالية ومن خيارات تدابير مضادة، تندرج من ذخيرة دخان سريعة متعددة الأطياف لحجب خط الرؤية عن سلاح مهاجم، إلى خيارات الإصابة التي تدمر الذخيرة المقتربة قبل إصابة المركبة. وتؤمن مجموعة المستشعرات تغطية شبه كروية، وتشمل خياراتها إنذاراً ليزرياً، وسيطرة على التهديد النشط، وعلى نظام المتابعة. وتؤمن وحدة النثر نشر تدابير مضادة شبه كروية في صيغة مناسبة في اتجاه التهديد المكتشف، ويمكن التحكم بها يدويا أو آليا. ويستعمل النظام ذخيرة مضادة قوية الإصابة (Mongoose-1)، ضد مقذوفات (RPG-7) التي تطلق على المركبة من مسافة ٢٠ م. وتتميز هذه الذخيرة بإحداث أضرار جانبية ذات تأثير منخفض، نتيجة انفجار الرأس الحربية.

أما نظام الدفاع الالكتروني البري طراز (LEDS-50)، فقد صمم ليمنح الأطقم إدراكاً وضعياً مهماً حيوياً لإطلاق الليزر المتعلق بالتهديدات المضادة للدروع، ويتيح رداً مضاداً سريعاً.

ونظام الدفاع الإلكتروني البري (LEDS-100) هو نظام إصابة، طور ليعزز استدامة المركبة البرية. ويتألف من أداة تحكم مركزية بالدفاع النشط، وبعدد من مستشعرات الإنذار الليزرية، ومن قاذفة موجهة بسرعة عالية، ومن دخان سريع متعدد الأطياف لحجب الرؤية. ويمنح النظام قدرة ديناميكية مضادة على الإصابة بواسطة القاذفة الموجهة بسرعة عالية، التي تحرم التهديد من فرصة الاشتباك مع نظام الحماية بفاعلية، وذلك بالتدخل في السيطرة على التهديد، ومتابعته ومداه، وإطلاق السلاح وتوجيهه. وهذا يتحقق باستعمال مجموعة من المستشعرات ودخان متعدد الأطياف. وتراقب أداة التحكم وتطلق قنابل الدخان، آخذة في الحسبان أحوال الريح واتجاه التهديد وحركة اتجاه المركبة للتهديد. ويمكن اختيار نشر التدابير المضادة لتكون يدوية أو آلية. وتكشف مستشعرات الإنذار الليزرية اتجاه التهديد، وتنفذ أداة التحكم إجراءات التدابير المضادة المناسبة، التي وقع عليها الاختيار للدفاع عن المركبة ضد التهديدات المكتشفة.

أما نظام الدفاع الالكتروني البري (LEDS-150)، فيشكل تطوراً متدرجاً من نظام الدفاع (LEDS-100). ويتألف نموذجيا من مستشعرات إنذار ليزرية، وله القدرة على تدمير فعالية الذخيرة المهاجمة قبل اختراق المركبة المحمية. ويكشف النظام ويتابع تهديداً واحداً أو أكثر في آن واحد، ويقدر ما إذا كانت الذخيرة المهاجمة سوف تصيب المركبة أم لا، ويطلق صاروخ التدابير المضادة (Mongoose-1) في وقت محدد سلفاً لاعتراض وشل المقذوفات المكتشفة البعيدة على مسافة تراوح بين ٥ – ١٥ م من المركبة، لتخفيف الأضرار الجانبية.

إن نشر تدابير مضادة نشطة بدأ يدخل الآن ضمن جدول العمل في جيوش عديدة. وأول جيل من التدابير المضادة النشطة، مثل نظام (Arena) الروسي، طور للتغلب على الصواريخ المضادة للدبابات.

  1. شباك التمويه الرادارية

تُستخدم شباك تمويه خاصة لأغراض الإخفاء الراداري للأهداف البرية، تعمل على تشتيت الموجات الرادارية بحيث تغير من نظام الانعكاس الطبيعي بصورة تخالف الناموس الطبيعي. ويتلخص عملها في وضعها على مسافة من جسم الهدف، وعند سقوط الأشعة الرادارية عليها يتم تشتيت معظمها في اتجاهات لا تتفق مع اتجاه الانعكاس الطبيعي، الذي يطلبه أو يتوقعه الخصم. وعند نفاذ جزء من الأشعة الرادارية من الشبكة يصطدم بجسم الهدف، فإذا ما دهن هذا الجسم ببعض الدهانات التي تمتص جزءاً كبيراً من الطاقة، يصبح القدر المنعكس من الهدف صغيراً، ولكن هذا الجزء الصغير عندما ينفذ من الشبكة الرادارية يتشتت في اتجاهات غير مرغوبة، لا تتفق أيضاً مع الاتجاه الذي يتوقعه الخصم؛ وهكذا، لا ينفذ من الشبكة مرتداً إلى المستشعر الراداري غير جزء يسير جدا، الأمر الذي يقلل كثيراً من مدى الكشف في حيز الطول الموجي 1 – 10 سم.

وقد حققت نتائج تجارب أجريت على شباك أنتجتها إحدى الشركات الانجليزية، لأغراض الإخفاء الراداري، انخفاضاً في مساحة المقطع الراداري للدبابة لأقل من 1% من مساحة المقطع الراداري الأصلي، وذلك عند المسح الراداري بموجة طولها 3 سم، الأمر الذي يعطي نتائج خداعية تقترب من الإخفاء التام، علاوة على تقصير مدى الكشف المؤثر للرادار إلى 10% فقط من المدى المتوقع.

  1. التمويه والإخفاء الحراري للأهداف البرية

إن الغرض الأساسي من التمويه الحراري هو إخفاء الهدف البري، كمصدر حراري عن مستشعرات العدو الحرارية، سواء كانت سلبية أو إيجابية. وتختلف ظروف التمويه طبقا لحالة الهدف، سواء كان ساكنا أو أثناء الحركة، حيث تختلف الظروف في كل حالة؛ فالدبابة الساكنة تكون درجة حرارتها ليلا أقل من درجة حرارة الخلفية، وتكون في منتصف النهار ذات حرارة أعلى من الخلفية. وتعتمد البصمة الحرارية للدبابة على عدة نقاط مهمة، تتمثل في غطاء المحرك الذي يسخن جدا بعد الحركة، وكذا على جنزير الدبابة، علاوة على ماسورة المدفع بعد ضرب النار؛ لذا تختلف ظروف الخداع طبقا للوقت وحالة الدبابة.

ويتمثل الإخفاء الحراري في إخفاء الهدف من وسائل الرصد والتصوير الحراري المعادية، وإذا تمكن العدو من رصد الهدف، فإنه يستطيع استخدام الأهداف الخداعية، مثل الفوانيس والبالونات الحرارية بعيدا عن الهدف، وتبقى معلقة فينجذب إليها الصاروخ، ويضل هدفه. ويجب أن تتزامن عملية إطلاق هذه الأهداف الخداعية مع أنظمة التحذير باستخدام الحواسب الآلية والمشغلات الدقيقة، التي تقلل كثيرا من أزمنة رد الفعل، وهو ما يمكّن الهدف أيضا من القيام بحركة مناورة سريعة وحادة، يستطيع أن يتفادى معها الصواريخ المعادية.

كما يمكن أيضاً أن تُستخدم مصائد حرارية أرضية منتشرة بالقرب من الهدف، لتُشغل مسبقاً عند الإحساس بتهديدات الصواريخ الحرارية، فينجذب الصاروخ الحراري إليها، ويضل الهدف.

الحرب الإلكترونية في الحروب الإقليمية الحديثة

إبان فترة الحرب الباردة، تكيفت أنظمة الحرب الإلكترونية، إلى حد كبير، نحو حرب تقليدية عالية الكثافة. وقد تغير ذلك، وجري التشديد على تقديم أنظمة تكتيكية بمستوى منخفض لاستعمالها في أماكن بعيدة. وصممت هذه الأنظمة أيضا لمكافحة أنظمة الاتصالات التي يستعملها أفراد الجماعات غير النظامية، مثل الهواتف الخلوية، وهواتف الاتصال بالأقمار الصناعية وبالراديو لإطلاق أدوات التفجير المرتجلة؛ فطبيعة التطور الدائمة للحرب المضادة لهذه الجماعات تعني أن مستقبل أنظمة الحرب الإلكترونية، يكمن في تصميم مفتوح لتنسجم بسرعة مع التهديدات الجديدة والناشئة.

وقد أدت العمليات العسكرية في البلقان وأفغانستان والعراق، إلى تطوير أنظمة حرب إلكترونية تكتيكية، وخاصة لدى الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي ” ناتو” NATO. وشمل ذلك أجهزة الإعاقة والخداع والشراك Decoys المقطورة، وأنظمة التحذير من الصواريخ الموجهة بالأشعة تحت الحمراء، وأجهزة التحذير من الرادار والليزر. واستخدمت أنظمة الإعاقة بالتشويش على نطاق واسع؛ ولكن يعيبها أنها تنبه العدو إلى أماكن وجود القوات الصديقة، إضافة إلى أن الأجيال الحديثة من الصواريخ الموجهة مزودة بأنظمة تجعلها لا تتأثر بعملية التشويش. أما إجراءات الإعاقة الحديثة ضد الصواريخ الموجهة بالأشعة تحت الحمراء فهي تتمثل في استخدام شراك الأشعة تحت الحمراء المضيئة، التي تبث طاقة لخداع الصاروخ المهاجم.  

أثبتت العمليات الجوية التي جرت في البلقان وأفغانستان والعراق، الحاجة إلى تطوير أنظمة الحرب الإلكترونية المحمولة جوا، حيث تعتمد السيطرة الجوية على استخدام الطائرات الخفية، وعلى التشويش على الدفاعات الجوية والمعدات الإلكترونية المعادية، إضافة إلى توفير الحماية الذاتية للطائرات الصديقة. وتطلبت وظيفة كشف التهديد الإلكتروني المعرفة الفورية والدقيقة للمحيط، الذي تتحرك فيه القوات. وانطلاقا من هذا التصور، طورت عدة أجهزة للكشف، تغطي في وقت واحد كل سيناريوهات الاستعمال، مثل الكاشف المباشر للتردد Frequency، ومحلل تردد الموجات، وجهاز تلقي الأوامر لتحديد مواقع الصواريخ، أو مصادر الأشعة تحت الحمراء، أو مصادر أشعة الليزر.

أولاً: دور الحرب الإلكترونية في حرب البلقان

ركزت القوات الأمريكية وقوات حلف “ناتو” في حرب البلقان على أنظمة الحماية الذاتية المحمولة على الطائرات العاملة على ارتفاعات تقل عن 10 آلاف قدم، بسبب تهديد الصواريخ سطح/ جو، المحمولة على الكتف. وقد بلغ تهديد هذه الصواريخ مستويات حرجة أثناء هذه الحرب. فعندما أُسقطت إحدى طائرات F-16 الأمريكية، بدأ سلاح الجو الأمريكي برنامجا يعرف باسم “برنامج القدرة على رد الفعل السريع”، وذلك لتركيب نظام حماية ذاتية فعال على طائرات سلاح الجو الأمريكي F-16C، العاملة في المسرح البلقاني. ونتيجة لذلك، أصبحت الطائرات F-16C أكثر الطائرات تجهيزاً في هذا النوع من الطائرات. وقبل ذلك كانت الطائرات F-16 مجهزة بخليط متفاوت من أنظمة الحماية. وكانت أغلب هذه الأنظمة مقصورة على أنظمة استقبال التحذير الراداري وأنظمة التشويش.

وقد لوحظت أهمية تدابير الحماية الذاتية للطائرات أثناء العمليات الجوية في كوسوفو. فقد كان نظام الشرك المقطور الأمريكي AN/ALE-50 من أكثر وسائل التدابير المضادة فاعلية مقارنة بالوسائل الأخرى، التي استخدمت أثناء الحملة الجوية من قبل طائرات سلاح الجو الأمريكي B-1B و F-16، وقد نسب إلي هذا النظام الفضل في إنقاذ عدة طائرات. ولذلك، كان من المهم توفير قدرة حماية ذاتية قوية للطائرات، عن طريق الاستمرار بدعم وتمويل وتطوير واقتناء أنظمة رادارية، وأنظمة أشعة تحت الحمراء، للحماية الذاتية، بما في ذلك النظم التي تعتمد على الليزر. وقد استخدم النظام الأمريكي ALE-50 في كوسوفو على الطائرات F-16و F-18 و B1-B.

وعلى الرغم من أن كلاً من القوات الجوية والقوات البحرية الأمريكية توقفتا عن استخدام نظام الإعاقة الإيجابي طرازALQ-165 ، منذ عام 1992، فإن قوات مشاة البحرية اضطرت لإعادة استخدامه منذ منتصف عام 1995 في طائراتها F/A-18C/D في البوسنة، عندما كانت هذه الطائرات معرضة لنيران نظام الدفاع الجوى “سام-6” SA-6. أما المخزون الباقي من هذا النظام فقد رُكب على طائرات F-14D. وتستخدم كل من فنلندا وسويسرا هذا النظام على طائراتها F/A-18، كما تستخدمه كوريا الجنوبية على طائرات F-16C/D.

ومن أنظمة الإجراءات المضادة الإلكترونية الواعدة والمجربة أكثر من غيرها، الشرك المقطور على كابل خلف طائرة. ولدى المملكة المتحدة خبرة كبيرة في مجال تطوير الشراك المقطورة، ومنها الشرك “آرييل” ARIEL، الذي استخدمته الطائرات “تورنادو” Tornado و”نمرود” Nimrod في البوسنة، وهو جهاز للتشويش يصدر إشارات لها تردد راداري مطابق لتردد رادار الصواريخ، مع إعادة نمط الترددات وإصدار الضجيج المناسب.

وخلال عملية القوات الجوية المتحالفة في كوسوفا عام 1999، وبعد إسقاط الطائرة الخفية F-117، كان من الواضح أن تقنية التخفي الأمريكية وحدها لم تكن كافية؛ فالتخفي ينبغي أن لا يُنظر إليه كبديل عن الحرب الإلكترونية، بقدر ما ينظر إليه كمظهر من مظاهرها. وفي الوقت الذي يعد فيه التخفي ضرورة مهمة وإستراتيجية، إلا أنه لا يمكن عدّه علاجاً عاماً، ولا يمكن التعويل عليه وحده لضمان سلامة الطائرات من القوات المعادية. إن تقنية التخفي تعنى تقليل البصمة الرادارية إلى أدنى حد، وقد استخدمت هذه التقنية في أول الأمر في الطائرات الأمريكية الخفية F-117  وB-2، ثم بعد ذلك تطورت لتظهر في السفن والمركبات. وهي تتم بعدة وسائل، مثل استخدام مواد مشتتة لأشعة الرادار، ودهانات للأجسام المعدنية العاكسة للموجات الرادارية، أو باستخدام تصميمات لا تعكس أشعة الرادار، وذلك من خلال تقليل الأجزاء ذات الانحناءات الحادة في الهيكل الخارجي.

أثبتت قوات الدفاع الجوى اليوغسلافية أنها خصم عنيد، حين أظهرت مقاومة شديدة أثناء عمل القوات المتحالفة في عام 1999، ذلك أن قوات الدفاع الجوى، التي كانت على مستوى عال من التحكم في الإشعاع وعدم القابلية للاختراق، استمرت في العمل خلال الأيام الثلاثة السابقة للهجوم الجوى المكثف، وظلت هكذا حتى بداية قذف القنابل الموجهة بواسطة قوات التحالف. وواجهت قوات حلف “ناتو” مشاكل عديدة، إذ على الرغم من أن المستشعرات في الطائرات F-16 كانت أقرب ما تكون إلى الكمال والفعالية، وساعدت الطائرات في الهجوم على محطات الرادار بالصواريخ “هارم” Homing Anti Radiation Missile :HARM طراز AGM-88E، إلا أن هذه الطائرات واجهت بعض المشاكل في التصويب نحو الرادار، حيث كان الخصم حريصاً على تقليل إشعاعه الراداري، وإتباعه وسائل الحماية المتوافرة لديه.

وواجهت طائرات الإخماد الأمريكية مقاومة عنيفة لاختراق شبكة الدفاع الجوى اليوغسلافية، والتي كان لديها خبرة عالية، وبذلت مجهوداً كبيراً وقائياً ساعد في صد واعتراض العديد من الهجمات الجوية؛ ولكنه، في الوقت نفسه، أثر بالسلب على عمل قوات الدفاع الجوى اليوغسلافي في عدم البث الراداري في بعض الأوقات، وعدم القدرة أيضا على تحقيق الاتصال أثناء فرض فترات الصمت اللاسلكي، على وسائل القيادة والسيطرة والاتصال.

ورأى حلف “الناتو” أن الصواريخ الموجهة بالأشعة تحت الحمراء هي أهم الأخطار التي سوف تواجهها العمليات الجوية في البلقان، حيث كانت هذه الصواريخ هي السبب الرئيسي في الخسائر الجوية أثناء عملية “عاصفة الصحراء” في حرب تحرير الكويت. وكذلك، كان الحلف واثقا من القدرة على التعامل مع الصواريخ الموجهة رادارياً، باستخدام الأساليب التقليدية في إسكات الدفاعات الجوية، وباستخدام الإجراءات الإلكترونية المضادة.

وخلافاً للصواريخ الموجهة رادارياً، فان الصواريخ الموجهة بالأشعة تحت الحمراء تستخدم مستشعرات سلبية، وهى أصغر في الحجم، وأكثر مرونة في الحركة، وقدرة على الاختباء. وتستخدم الأجيال القديمة من هذه الصواريخ، مثل “سام-7” و”سام-9″، مستشعرات يسهل خداعها بالإجراءات الإلكترونية المضادة، والإجراءات المضادة للصواريخ الموجهة بالأشعة تحت الحمراء، مثل العصائف الحرارية. أما الصواريخ الحديثة، مثل “سام-16/18” و”سام-13″، فهي مجهزة بإجراءات مضادة للإجراءات المضادة.

ولتفادى تعريض أطقم طائرات حلف الناتو لهذه الصواريخ، حدد الخبراء في الحلف الارتفاع الأدنى للطيران أثناء العمليات بعشرة آلاف قدم، لتكون الطائرات خارج المدى القاتل لهذه الصواريخ الصغيرة. وإضافة إلى ذلك، فقد تسببت الصواريخ الصغيرة، الموجهة بالأشعة تحت الحمراء، في عدم استخدام الطائرات العمودية “أباشى” AH-64 Apache في عمق الدفاعات الصربية.

وأدى تحديد ارتفاع الطيران إلى تقليل احتمال الإصابة بالصواريخ الموجهة بالأشعة تحت الحمراء، إلى حد كبير. فقد أصيبت طائرة واحدة إصابة مؤكدة بهذه الصواريخ، ويعتقد أن هذه الصواريخ هي المسؤولة عن إسقاط عدد من الطائرات الأخرى. وعلى الرغم من ذلك، تسببت هذه الصواريخ في إيقاف الكثير من العمليات الجوية، نظراً لوجود غيوم منخفضة في معظم الأوقات، ومن ثم، لم يكن من الممكن القصف من الارتفاعات العالية. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الوحيدة التي كانت تمتلك ذخائر الهجوم المباشر المشترك “جدام”Joint Direct Attack Munition: JDAM التي تستطيع العمل في كافة الظروف الجوية.

وتسبب منع الطيران المنخفض أيضاً في إصابة بعض المنشآت المدنية؛ فعلى الرغم من تزويد طائرات حلف الناتو بمستشعرات كهروبصرية لتمييز الأهداف، فان دقة تحليل هذه المستشعرات للصور تنخفض كثيراً على الارتفاعات المتوسطة والعالية.

وخلال فترة التسعينيات، بدأ ظهور تكنولوجيا “مكبرات القدرة المتناهية الصغر”، ما سمح بتقليل الحجم، وزيادة كفاءة قدرة الإعاقة، واستخدام نظام التبريد بالهواء للمكبرات، مع إمكانية جر مرسل الإعاقة خارج الطائرة، أو وضع المرسل مع هوائي الإعاقة الخارجي. وحققت هذه التكنولوجيا استخدام أنظمة الإعاقة المقطورة خلف الطائرة، كبديل لمستودعات الحماية الذاتية المعلقة بالطائرات. وتسمى هذه الأنظمة “المغناطيس الإلكتروني” لجذب الصواريخ بعيدا عن الطائرة. وطبقت هذه التكنولوجيا خلال حرب البلقان، حيث نجحت الإعاقة المجرورة بالطائرات F-16 في جذب عشرة صواريخ أرض/ جو.

وتعتمد فكرة عمل أنظمة الإعاقة المقطورة على استقبال إشارة الرادار المعادى، ثم إرسال إشارة إعاقة إلى هذا الرادار، مع الأخذ في الحسبان أن قدرة إشارة الإعاقة يجب أن تكون أعلى من قدرة الإشارة المرتدة من الطائرة والمستقبلة بواسطة الرادار. ويشتمل نظام الإعاقة المقطور على جسم إيروديناميكي، مجهز به هوائي استقبال، ومولد أساليب الإعاقة، ومكبر القدرة المتناهي الصغر، وهوائي إرسال، ويكون توصيل تغذية مكبر القدرة من الطائرة خلال كابل الربط.

ونشرت يوغسلافيا السابقة بعض المرسلات الخداعية، لخداع الصواريخ المضادة للإشعاع الراداري، باستخدام أفران ميكروويف، كمرسلات خداعية مطورة، تعمل في نطاق التردد E-Band، وربما يكون قد حدث تطوير لهذه الأفران وتعديلها لزيادة بصمتها الكهرومغناطيسية.

ثانياً: دور الحرب الإلكترونية في الحرب ضد العراق وأفغانستان

في الحرب الأمريكية على العراق عام 2003، استخدمت طائرة التشويش الأمريكية EC-130H Rivet Fire / Compass Call، وهي نموذج خاص من طائرة النقل التكتيكية C-130 Hercules، لتنفيذ أعمال شوشرة على محطات الدفاع الجوى العراقية. ويبلغ ثمن الطائرة الواحدة حوالي 65 مليون دولار، وهى تحمل عشرة فنيين، ومجهزة بمنظومة قادرة على التشويش على الأنظمة التكتيكية للقيادة والسيطرة والاتصالات، مع بقائها على مسافة أمان كافية. وهي تستخدم لدعم القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها، ويجرى تطويرها للقيام بمهام مضادة لأنظمة رادار الإنذار المبكر المعادية.

ومن ناحية أخرى، فان ظهور الصواريخ المضادة للرادارات يشكل تهديدا لكل من قواعد الرادارات الأرضية، أو الرادارات المحمولة بواسطة السفن، التي تستخدم في إطلاق الصواريخ. فخلال الحرب على العراق، أطلق العديد من هذه الصواريخ على الدفاعات العراقية ومواقع الرادارات التكتيكية، وكان معدل نجاح هذه الصواريخ في إصابة الرادارات العراقية كبيراً، حيث إن الصاروخ “هارم” HARM، المضاد للرادار، يوجه بطريقة سلبية، فلم يكن من السهل التقاطه وتعقبه بواسطة أنظمة الإنذار العراقية، لأن الصاروخ استخدم أسلوب التوجيه السلبي في الهجوم، كإجراء مضاد لوسائل الكشف عن الصواريخ. كما طوّر أسلوب آخر للتعامل مع هذا النوع من الصواريخ، وذلك باستخدام مراقبة سلبية في الكشف، وهذه المراقبة إما بصرية، أو باستخدام الأشعة تحت الحمراء. ويؤدى عدم البث في هذه الأنظمة إلى عدم تعرضها لهجوم الصواريخ المضادة للإشعاع الراداري؛ ولكنها تكون عرضة لهجوم الصواريخ الموجهة بصرياً، أو بالأشعة تحت الحمراء. وفى هذه الحالة، يكون الدفاع ضد الصواريخ باستخدام شراك الأشعة تحت الحمراء المضيئة، والرقائق المعدنية المضللة.

  1. ماهية أجهزة التفجير العشوائية

أجهزة التفجير العشوائية IEDs: Improvised Explosive Devices، أو ببساطة، القنابل العشوائية المتفجرة على الطرق، هي سلاح بسيط، وصفه الأمريكيون في بداية الحرب على أفغانستان والعراق بأنه: أداة العصر الحجري في مواجهة تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين، ثم وصفها الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش الابن، بالخطر رقم (1)، الذي يهدد القوات الأمريكية في العراق. وأصبح لهذا السلاح في حربي العراق وأفغانستان ما كان للرشاش “كلاشنيكوف” في حرب فيتنام، والقنابل الذكية في حرب تحرير الكويت، حيث أثبت أن التكنولوجيات البسيطة تستطيع ـ في ظروف معينة ـ أن تكون نداً حقيقياً للتكنولوجيات المتطورة.

وقد استخدمت أجهزة التفجير العشوائية بكثافة في العراق ضد قوات التحالف، وكانت مسؤولة عن نحو 40% من الخسائر بين هذه القوات. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أنفقت مبالغ هائلة لتطوير دفاعات ضد هذه الأجهزة البدائية، التي يمكن صنعها محلياً، مستخدمة الروبوت، وآلات التشويش، ودروع الآليات، وكلاب المطاردة، إلا أن عمليات المقاومة بهذا النوع من القنابل استمرت.

وكانت أدوات التفجير المرتجلة، التي اكتشفت في أفغانستان وفي العراق، مصنوعة من مكونات من مواد التخصيب الزراعية، ومن أدوات الانفجار التي تعتمد على الهاتف الخلوي، الذي يوجد بسهولة في الأماكن المحلية، ويجمع في حزم تفجير تشغّل بسهولة. وهذه الأدوات بسيطة وزهيدة التكلفة، ولها تأثير كبير، مقارنة ببساطتها وكلفتها الزهيدة، وقد أصبحت السلاح المفضل في الحرب غير المتكافئة. ولذلك، فان امتلاك مقاربة دفاعية فقط للتعامل معها ليس كافيا. ومن ثم، طورت قوات حلف “الناتو” في أفغانستان إستراتيجية شاملة للتغلب على التهديد الذي تشكله أدوات التفجير المرتجلة، التي تصيب الوحدات الخاصة والمعدات، لكشف وتفكيك الأسلحة الفتاكة.

ويمكن تصنيف أجهزة التفجير العشوائية كألغام متفجرة، ذات مستوى تكنولوجي منخفض، وغالباً ما تُصنع في المنازل، ويتم إخفاؤها في أجناب الطرق، وتفجيرها بواسطة بوادئ triggers، وتستخدم متفجرات عسكرية أو مدنية. أما “العبوات المُشكّلة” Shaped Charges فهي مواد متفجرة قاتلة، توجّه قذائف مخترقة للدروع.

وتقسم أجهزة التفجير إلى فئات، حسب نوع نظام الفتيل، ونوع المتفجرات، أو المخلوط القابل للاشتعال الذي تحويه. وهي تصنع من عناصر لم تنتج بالضرورة بغرض أن تكون مكونا في قنبلة، مثل الدوائر الكهربائية التي يمكن أن تستخدم كمكونات لأجهزة تفجير مرتجلة. وأداة التفجير المرتجلة، التي يتم التحكم بها لاسلكياً، يمكن تفجيرها بعدد من الأجهزة المختلفة، بما فيها أدوات التنبيه في السيارات، وأجراس الأبواب اللاسلكية، وأجهزة المناداة (Pagers)، أو الأشعة تحت الحمراء، أو لعبة أطفال تعمل بالريموت كنترول، أو إشارات أجهزة اللاسلكي “ووكى- توكى” walkie-talkie، أو حتى بالمرور فوق خرطوم مطاطي يطلق هواء مضغوطاً كافياً لتشغيل مفتاح التفجير.

وقد تضم أداة التفجير هاتفاً خلوياً معدلاً وموصولاً بدائرة إطلاق كهربائية. وتعمل هذه الهواتف في نطاق التردد العالي جدا VHF في خط الرؤية، ويكون استقبال إشارة المناداة أو مضمون رسالة SMS بالهاتف كافياً لتبدأ الدائرة بإطلاق أداة التفجير.

  1. الجهود الأمريكية لمواجهةأجهزة التفجير العشوائية

طور الجيش الأمريكي أنظمة الحرب الإلكترونية لمكافحة أدوات التفجير المرتجلة، وتزويد القوات الأمريكية بحماية مهمة تنقذ الأرواح من سلسلة واسعة من تهديدات أدوات التفجير المرتجلة بقوة منخفضة وعالية. وأنشأت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” ما أسمته: “منظمة القضاء على أجهزة التفجير العشوائية المشتركة” Joint Improvised Explosive Device Defeat Organization :JIEDDO للعمل مع المعامل الوطنية، ووزارة الطاقة، والمتعاقدين، والأكاديميين. وقد حصلت المنظمة على 3.3 بليون دولار لتطوير أساليب لمواجهة الأسلحة البدائية التي تصنعها المقاومة العراقية. وأقامت المنظمة مركزا للتدريب في كاليفورنيا لتقويم الإجراءات المضادة، واختبارها، والتوصية باستخدامها. وشملت التكنولوجيات التي تم اختبارها أجهزة الإعاقة الإلكترونية، والرادار، وأشعة “اكس” X-rays، والروبوت الذي يتخلص من المتفجرات، والمركبات المدرعة المقاومة للانفجارات.

وكونت القوات الأمريكية في إحدى معسكراتها في بغداد ما أسمته “خلية استغلال للمواد المتفجرة بصورة مضادة”Combined Explosive Exploitation Cell :CEXC، وهي مجموعة سرية، تعمل على بناء قاعدة بيانات عن الحوادث الناتجة من أجهزة التفجير العشوائية، في بحثها عن النماذج ووسائل الدفاع، وانتزاع بيانات تقنية أفضل عن الأجهزة المتفجرة عن طريق الصور الرقمية, وبقايا المتفجرات, وبصمات الأصابع, وعمليات الاستجواب للجنود الذين في يعملون الميدان.

واستخدم الجيش الأمريكي أجهزة تشويش أرضية وجوية حققت بعض النجاح، في مقاومة القنابل المزروعة على الطرق. ووفقاً لأرقام الجيش الأمريكي، فان ما يتراوح بين 30 إلى 40% من متفجرات الطرق يجري اكتشافها وإبطال مفعولها. وأصبحت أجهزة التفجير متطورة على نحو متزايد، ويجد المتخصصون الأمريكيون سبلا لمواجهتها.

إن جزءاً كبيراً من حيز الطيف الكهرومغناطيسي في العراق كان خارج السيطرة والتنظيم، بحيث أن ترددات أجهزة الإعاقة الإلكترونية على أجهزة التفجير كانت تتداخل مع ترددات أجهزة الاتصالات العسكرية على الأرض؛ فإذا استخدم الجندي الأمريكي جهاز الإعاقة، فإنه لا يستطيع في الوقت نفسه استخدام جهاز الاتصالات الذي يحمله، فكان يضطر إلى إغلاق جهاز الإعاقة لتحقيق الاتصال، متيحا بذلك فرصة لأداة التفجير لتستقبل إشارة التفجير. وأدى ذلك أيضا إلى أن المركبات الجوية غير المأهولة كانت تفقد الاتصال نتيجة التداخل، عندما تكون بعيدة عن محطة التوجيه.

  1. الإجراءات الإلكترونية المضادة لأجهزة التفجير العشوائية

إن ازدياد استعمال المقاومة لأدوات التفجير المرتجلة، التي يكون التحكم بها لاسلكياً بالراديو في العراق وأفغانستان، أدى إلى نمو سريع في مجال جديد نسبياً في الحرب الإلكترونية، حيث لم تتمكن أنظمة استخبارات الإشارة التقليدية من رصد أو التشويش على الترددات اللاسلكية، التي تستعمل لإطلاق أدوات التفجير المرتجلة. وهذا أدى إلى طلبات سريعة من أنظمة الحرب الإلكترونية بالتحديد، مصممة لمكافحة أدوات التفجير المرتجلة.

تكمن الناحية الرئيسية لهذا الجهد في نشر مشوشات أو أجهزة تدابير مضادة إلكترونية للتردد اللاسلكي، لتعطيل الأدوات أو كبح عمل أجهزة التحكم بأدوات التفجير المرتجلة، التي يتم التحكم بها لاسلكيا. ويمكن أن تكون تلك الأجهزة إما أنظمة قوية، بعيدة المدى، مثبتة فوق مركبات، أو نماذج أصغر، تمكن جنود المشاة من حملها.

ومع تطور طبيعة معركة التحكم اللاسلكي بأدوات التفجير المرتجلة، كان من الضروري أن تصبح مهمة أنظمة التدابير المضادة الإلكترونية محدثة ومجربة بانتظام. وتستعمل أدوات التدابير المضادة الإلكترونية على نطاق واسع مع العديد من القوات المسلحة الدولية، التي تعمل في العراق وأفغانستان. فقد أنقذت أرواحاً لا تحصى من تهديد أدوات التفجير المرتجلة الفتاكة. ويبدو من غير المعقول نشر أي جيش في مهمة من دون تلك الأدوات، التي تؤمن حماية من أدوات التفجير المرتجلة.

إن وسائل كشف أجهزة التفجير العشوائية موجودة عالمياً منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين، إلا أنه قد أعيد اكتشافها، وازدهر استخدامها لظروف الحروب في العراق وأفغانستان. وخبراء أجهزة التفجير العشوائية مهتمون بصورةٍ أساسية بتكتيكات وضعها وإزالتها. وتعمل أجهزة التحكم في التفجير عن بعد في حيز التردد العالي HF والعالي جداً VHF وفوق العالي UHF، وقد تستخدم ترددات الهواتف الجوالة، أي أن حيز التردد المستخدم يمكن أن يغطي من واحد ميجا هرتز إلى حوالي 2 جيجا هرتز، وهذا الحيز من الترددات يعد عريضاً. فكيف تتم عملية التشويش على أجهزة التفجير العشوائية؟

في جميع الأحوال يكون هناك جهاز إرسال من بعيد، يرسل إشارة إلى مستقبل موجود مع المتفجرات، تنشأ عنها عملية التفجير، فإذا تم التشويش على إشارة أمر التفجير تكون عملية التفجير فاشلة؛ وطبقاً لذلك فإن أجهزة التشويش ترسل إشارات تتداخل مع إشارة مرسلات التفجير، وذلك عند مستقبل التفجير.

وتشتمل أجهزة التشويش على مستقبلات تمسح حيز التردد المتوقع استخدامه، وعندما تستقبل في الحيز أي إشارة يجري تحليلها بسرعة وإعاقتها فورياً إذا أثارت أي شك في كونها إشارة تفجير. وقد يحدث أن تسبب إشارة التشويش تشبعاً تاماً في مستقبلات أجهزة التفجير، فيتم التفجير قبل قدوم الهدف إلى منطقة الانفجار، أو قد تسبب الإشارة نوعاً من الارتباك في العمل، فيقع الانفجار بعد مغادرة الهدف منطقة الانفجار.

وتعمل شركات عدة على تطوير التدابير المضادة الإلكترونية في ميدان المعركة، للتغلب على أدوات التفجير المرتجلة، وحماية المركبات وقوات المشاة وحماية نقاط الدخول الثابتة، وحماية الشخصيات المهمة، ومنها الأنظمة التي تحملها المركبات، مثل النظام الكندي EQUINOX، الذي يتمتع بقدرة على القيام بأدوار متعددة، ببرمجية محددة، بشبكة سهلة الإدارة، وتركب في كل أنواع المركبات. وكل الأنظمة المركبة على مركبات هي أنظمة مرنة، تركب على كل أنواع المركبات التجارية والعسكرية، ويمكن أن تركب لرفع فرص الادخار في المساحة، وتستعمل عملية التحكم من بعد للتحكم الكامل. وتستطيع كل الأنظمة استيعاب وحدة تبريد، إذا كان ذلك ضروريا.

وتعمل بعض الشركات على تطوير أجهزة يكون التحكم بها لاسلكياً، ومنها جهاز الكشف الإلكتروني HAWK XDi لكشف الألغام وأدوات التفجير المرتجلة، والذي يمكن من البحث في الفراغات والمناطق، التي لا تستطيع المركبات الوصول إليها أو رؤيتها، وتحديد ما إذا كانت المنطقة خالية من أدوات التفجير المرتجلة أم لا.

ويستعمل هذا الجهاز داخل الأبنية، لكن يمكن استعماله لتأمين المركبات أو الطائرات، أو في العراء. ويكشف الجهاز أدوات التفجير التي تتضمن مكونات إلكترونية، مثل أجهزة الاستقبال التي يكون التحكم بها عن بعد، أو الهواتف الخلوية، أو ساعات التوقيت الإلكترونية، أو أجهزة الاستقبال/ الإرسال، أو الصمامات الإلكترونية، أو أجهزة تأخير الانفجار. ويمكن أيضا نشر الجهاز لكشف الأسلحة المطمورة والذخيرة والألغام ومخابئ الأسلحة المخفية. وقد استخدم هذا الجهاز بنجاح إبان العمليات العسكرية في إيرلندا والعراق وأفغانستان.

ومن الإجراءات المضادة الأخرى توليد طاقة نبضية قوية لإبطال مفعول أجهزة التفجير، أو حرق أو تدمير دائرة التفجير, ومن أمثلة ذلك استخدام جهاز الراديو لتحييد أجهزة التفجير العشوائية Neutralizing Improvised Explosive Devices with Radio Frequency :NIRF، الذي يولد طاقة تردد عالٍ، ذات طول موجي قصير لتحييد جهاز التفجير.

وطور البنتاجون جهازاً يحمل الاسم الكودي PING، ويستخدم في العراق، ويركب داخل مركبة “همفى” Humvee، حيث يرسل موجات كهرومغناطيسية تخترق حوائط المباني لكشف مواقع أجهزة التفجير العشوائية. وزوّدت القوات الجوية الأمريكية الطائرات الموجهة “بريديتور” MQ-9 Predator بنظام إعاقة ضد الاتصالات في حيز الترددات المنخفضة، مثل ترددات أجهزة الهواتف النقالة، وذلك للتغلب على أجهزة التفجير العشوائية، في كل من العراق وأفغانستان.

ومن المستشعرات الأخرى المستخدمة جهاز الليزر Laser-Induced Breakdown Spectroscopy system :LIBS لتتبع أثار المتفجرات، التي تستخدم في تصنيع أجهزة التفجير العشوائية من مسافة حتى 30 م.

ولقد وضعت القوات الأمريكية في العراق أجهزة التشويش على المركبات, ومنها جهاز الإجراءات المضادة لأجهزة التفجير العشوائية IED Countermeasures Equipment :ICE، وجهاز Warlock، وكلاهما يستخدم موجات الراديو ضعيفة الطاقة لإيقاف عمل الإشارات التي تفجر أجهزة التفجير، سواء عن طريق الهاتف الخلوي، أو هواتف الأقمار الصناعية، أو أسلاك الهواتف الطويلة العادية.

وطورت بعض الشركات أنظمة لاستخبارات الإشارة تساعد العسكريين على تتبع الهواتف الخلوية المشبوهة، والتي يمكن استخدامها في تفجير القنابل، وتقوم هذه الأنظمة بعملية إعاقة انتقائية، بحيث لا تتأثر الهواتف الخلوية التي تستعملها القوات الصديقة، بينما يكون التأثير فقط على الهواتف المراد تتبعها، أو غير المعروف هويتها، وهذه الهواتف يتم تحديد مواقعها وشل فعاليتها، ثم التعامل معها بما لا يؤثر على السكان في المنطقة، ودون أن يتنبه حاملو هذه الهواتف.

ومن أنظمة الإجراءات الإلكترونية المضادة لقنابل الطرق، نظام كهرومغناطيسي عالي الطاقة High Power Electromagnetic :HPEM يستخدم للإعاقة على أجهزة التفجير والقنابل، التي تحتوى على مكونات كهربية، مثل الهواتف النقالة، ويعمل هذا النظام على تفجير القنبلة على مسافة من المركبة الهدف.

ويستعمل النظام الفردي CREW Duke: Counter Remote Electronic Warfare الذي يمكن نشره في الميدان، تكنولوجيا تشويش لمكافحة تهديد أدوات التفجير المرتجلة، وقد نفّذت هندسة التصميم للمحافظة على متطلبات وزنه وحجمه وقوته في حدها الأدنى، في حين يقدم التصميم عملية تشغيل بسيطة بأداء عال. ويمكن تثبيت النظام بسهولة في مركبة “همفى” Humvee، ومركبات عسكرية أخرى.

طور الجيش الأمريكي نظام الحماية الإلكترونية Shortstop Electronic Protection System :SEPS لتفجير قذائف المدفعية وقذائف الهاون، لحماية القوات البرية الصديقة والمركبات والمنشآت والمعدات الأخرى. وقد بنت الشركة المنتجة النظام خلال حرب تحرير الكويت، رداً على تهديد المدفعية العراقية؛ إلا أن الحرب انتهت قبل التمكن من نشر النظام؛ الذي هو مشوش يعمل بالتردد اللاسلكي، سهل الحمل، مثبت على مركبات الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان، ويمكن برمجته ليشوش على مجموعة ترددات محددة. وقد وضع على متن مركبات في نقاط تفتيش ثابتة للتغلب على أي مركبة تحمل أدوات تفجير مرتجلة يكون التحكم بها عن بعد، أو أي انتحاري يرتدي متفجرات.

وقد نشرت نماذج النظام لفترة محدودة من الوقت في البوسنة، وأعيدت في عام ١٩٩٧ إلى مخزون الطوارئ. ومنذ ذلك الحين، استعملت القوات الخاصة في الجيش الأمريكي النظام، في عملية الحرية المستدامة في أفغانستان.

ويمكن تنشيط النظام SEPS، الموضوع في حقيبة، وتشغيله بهوائي متعدد الاتجاهات خلال ثوان. ومزاياه الإلكترونية السلبية تجعله عصيا على الاكتشاف بمستشعرات العدو، وسوف يخفّض حجمه ليصل إلى وزن ٢٥ رطلا.

أما نظام الحماية Warlock، فهو تدبير مضاد في مواجهة تهديد التفجير الارتجالي، كالذي يستعمله المقاومون في العراق وأفغانستان، ويتمتع بقدرة مزدوجة تحرم العدو من استعمال أدوات الاتصالات الحديثة، ويمكن أن يستعمل بمفرده أو بمجموعات ليوفر تغطية منطقة واسعة دون تدخل مشترك، وهو يتضمن نماذج معدلة من نظام الحماية الإلكترونية SEPS المجرب قتالياً. ويطلق نظام الحماية Warlock Green ( ترددات لاسلكية لعرقلة إشارات الاتصالات، التي تفجر أدوات التفجير الارتجالية. وتصنع الشركة المنتجة أيضا مشوشا أقل تعقيدا، أطلق عليه اسم Red Warlock، وهو مشوش منخفض التكلفة، يقاوم تهديدات محددة كانت تنشأ بأعداد متزايدة. أما النموذج Warlock Green فهو مشوش أقوى، يستعمل للتعامل مع أنظمة تهديد أكثر تعقيدا.

المصادر والمراجع

1.      “أجهزة الاستشعار والألياف البصرية”، الدار العربية للدراسات والنشر والترجمة، ترجمة مجلة الإلكترونيات، إسرائيل، العدد 37، 1995.

2.      “التقرير العسكري”، وكالة المنار للصحافة والنشر المحدودة، العدد الرقم 34، يوليه 1988.

3.      “الجديد في تكنولوجيا الدفاع”، مجلة الدفاع، العدد 116، مارس 1996.

4.      “المستشعرات الإلكترونية بنظم المراقبة”، مجلة الدفاع العربي، يوليه 1984.

5.      “الميزان العسكري 1991 ـ 1992″، ترجمة قحطان معري زاده، المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، مركز الدراسات العسكرية، دمشق، 1993.

6.      “تكنولوجيا الكمبيوتر” مجلة الدفاع العربي، أغسطس 1997.

7.      “مساعدات خفة الحركة التي ساعدت على كسب الحرب”، مجلة التكنولوجيا والتسليح، العدد 2، المجلد 7، أبريل 1992.

8.      “نظام لاس”، مجلة الدفاع العربي، يوليه 1984.

9.      مجلة التكنولوجيا العسكرية، الأعداد أرقام 6/84، 6/85، 12/85 Millitary Technology 6/84 , 6/85, 12/85.

10.  مجلة الدفاع الدولية، الأعداد أرقام 7/83، 9/83، 8/85.   International Defense Review 7/83, 9/83, 8/85

11.  مجلة علم الطيران لتكنولوجيا الفضاء، العدد 9/86.          Aviation week of space Technology 9/86

12.  إبراهيم كاخبا، “عتاد الحوامات المروحية في القوات العربية الخليجية”، مجلة “درع الوطن”، أبو ظبي، العدد 222، يناير 1990.

13.  إذاعة جيش الدفاع الإسرائيلي، مساء الأحد 13 ديسمبر 1997.

14.  أشرف محمد رفعت، “الإجراءات المضادة لحرب الألغام البحرية”، مجلة الدفاع العربي، العدد الرقم 108، يوليه 1995.

15.  أشرف محمد رفعت، “الإجراءات المضادة لحرب الغواصات”، مجلة الدفاع، العدد الرقم 112، نوفمبر 1995.

16.  أشرف محمد رفعت، “الحرب الإلكترونية في مجال الدفاع البحري”، مجلة الدفاع، العدد الرقم 77، ديسمبر 1992.

17.  أشرف محمد رفعت، “دور الطائرات العمودية في العمليات البحرية”، مجلة الدفاع، العدد 78، يناير 1993.

18.  أشرف محمد رفعت، “دور الغواصات في الحرب البحرية”، مجلة الدفاع، القوات المسلحة المصرية، العدد الرقم 107، يونيه 1965.

19.  برايان والترز، “الحماية الذاتية للمقاتلات ـ العصائف والحرب الإلكترونية”، مجلة الدفاع العربي، يوليه 1995.

20.  برايان والترز، “طائرات المراقبة البحرية خط الدفاع الأول في مواجهة الغزو البحري”، مجلة الدفاع العربي، أغسطس 1992.

21.  برايان والترز، “نظم الخداع الوقائي، الدفاع الأفضل لسفن البحرية”، مجلة الدفاع العربي، مايو 1988.

22.  برايان والترز، أهمية مكافحة الألغام البحرية بعد تعاظم خطرها”، مجلة الدفاع العربي، أبريل 1992.

23.  بسام العسيلي، “حرب الحركة والاستطلاع القتالي (الاستطلاع الجوي ووسائطه)”، مجلة الدفاع العربي، أكتوبر 1991.

24.  التقرير الإستراتيجي لعام 1997، IISS.

25.  جريدة “دافار الإسرائيلية”، العدد 19746، 14 يونيه 1989.

26.  جريدة “يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، 4 أبريل 1997.

27.  جريدة الحياة الصادرة في 22/10/1997.

28.  جريدة صوت الكويت في 28/2/1991.

29.  جمال مظلوم، “أعمال الحرب الإلكترونية في حرب تحرير الكويت”، مجلة إستراتيجيا، العدد 110، يناير/ فبراير 1992.

30.  جمال مظلوم، “الحرب الإلكترونية الحديثة في القوات البرية”، الجزء الأول، مجلة إستراتيجيا، العدد 108، سبتمبر 1991.

31.  جمال مظلوم، “باب أضواء”، مجلة الدفاع، الأعداد الصادرة في: يونيه 1995، يوليه 1995، فبراير 1997، أكتوبر 1997، نوفمبر 1997، ديسمبر 1997.

32.  جمال مظلوم، “دراسة عن إيران وتطور قدرتها العسكرية”، الدار العربية للدراسات والنشر والترجمة، القاهرة، مايو 1995.

33.  جمال مظلوم، “دراسة عن تركيا ودورها الإقليمي وتأثيره على مشكلة المياه في المنطقة”، الدار العربية للدراسات والنشر والترجمة، القاهرة، يناير 1994.

34.  حمدي طه الشاعر، “أنظمة الاتصالات ـ بالغواصات”، مجلة التكنولوجيا والتسليح، مج 6، العدد 4، أكتوبر 1991.

35.  حمزة عبدالعزيز الجزار، “أشهر طائرات الاستطلاع والتجسس في العالم”، مجلة الدفاع، العدد 109، أغسطس 1995.

36.  خضر الدهراوى، “العلاقات التركية الإسرائيلية”، مجلة الدفاع العربي، سبتمبر 1997.

37.  خضر الدهراوي، “مستقبل نظام الدفاع بالصواريخ المضاد للصواريخ الباليستية”، مجلة إستراتيجياً، العدد 86، أبريل 1989.

38.  دعد نجيم، “أجهزة الرؤية الليلية والإلكتروبصريات والأشعة دون الحمراء”، مجلة الدفاع العربي، يونيه، سبتمبر 1997.

39.  دمرداش الخطيب، “مستقبل الاستطلاع التكتيكي الجوي بالصور الفورية بعد حرب الخليج ـ التكنولوجيا والتسليح”، العدد 2، المجلد 7، أبريل 1992.

40.  رمزي حبيب السيد، “القوة الجوية في الشرق الأوسط”، مجلة الدفاع، العدد 82، مايو 1993.

41.  روى براى بروك، “الصواريخ الباليستية وسبل مواجهتها”، مجلة الدفاع العربي، يناير 1994.

42.  روي براي بروك، “تطورات جديدة لاستطلاع ميدان المعركة من الجو”، مجلة الدفاع العربي، يونيه 1997.

43.  روى براى بروك، “تكنولوجيا الخفاء في تصميم الطائرات المقاتلة”، مجلة الدفاع العربي، يناير 1995.

44.  روي براي بروك، “دور طائرات الاستكشاف في المعركة الحديثة، مجلة الدفاع العربي، نوفمبر 1991.

45.  روي براي بروك، “صاروخ ايرنت ليحل محل الباترويت”، مجلة الدفاع العربي، أكتوبر 1994.

46.  روى براى بروك، “مروحيات الحماية البحرية ـ قدرة بحث وهجوم وإنقاذ”، مجلة الدفاع العربي، سبتمبر 1995.

47.  روي براي بروك، “معدات حرب الإلكترونية للطائرات ـ أكثر من 60 نظاماً تعمل على الطائرات الأمريكية”، مجلة الدفاع العربي، سبتمبر 1993.

48.  ستيفان جانز نهايز، “نظم الغد للملاحة والهجوم”، مجلة الدفاع العربي، أغسطس 1993.

49.  ستيفان جايز نهاير، “ما وراء انهيار الدفاع الجوي العراقي، المستقبل لشبكة دفاع كهروبصرية ـ هامدة، مجلة الدفاع العربي، أبريل 1991.

50.  ستيفان جايز نهاينر، “أهمية الاتصالات اللاسلكية المأمونة في العمليات الحربية”، مجلة الدفاع العربي، أبريل 1988.

51.  سمير عبد اللطيف مصطفى سليمان، “بعض وسائل التأمين الإلكتروني التي استخدمتها القوات العراقية في مواجهة قوات التحالف”، مجلة التكنولوجيا والتسليح، 3 يوليه 1991.

52.  سيد عليان سيد، “استخدام التليفزيون في الأغراض العسكرية”، المجلة العسكرية، يناير 1973.

53.  عادل أمين، “الجديد في أعمال الحرب الإلكترونية”، المجلة العسكرية الفلسطينية، العدد الثالث، 1989.

54.  عادل أمين، “تكنولوجيا الأشعة تحت الحمراء في المعركة الحديثة، المجلة العسكرية الفلسطينية، السنة الرابعة، العدد 3، 1987.

55.  عادل أمين، “دور الحرب الإلكترونية في دعم القوات الجوية الأمريكية في الغارة على ليبيا”، المجلة العسكرية الفلسطينية، يناير 1989.

56.  عادل علي خليل، “أضواء على حرب أكتوبر عام 1973 الإلكترونية”، مجلة الدفاع، العدد 65.

57.  عادل علي خليل، “الدفاع ضد الصواريخ الباليستية العابرة للقارات”، مجلة الدفاع، العدد 91، فبراير 1994.

58.  عادل علي خليل، “الصواريخ التكتيكية أرض/ أرض بعيدة المدة”، مجلة الدفاع، العدد 90، يناير 1994.

59.  عبدالحميد علي شرف، “الحرب الإلكترونية والتهديدات البحرية في الخليج العربي”، مجلة الدفاع، العدد 26، سبتمبر 1988.

60.  عبدالمجيد فهمي البرقي، “دور أجهزة التعارف في الحرب الإلكترونية الحديثة”، مجلة الدفاع، العدد 89، ديسمبر 1993.

61.  علاء الدين عبد المجيد درويش، “القيادة والسيطرة الآلية كعنصر أساسي لنظام المواصلات والقيادة والسيطرة والمعلومات”، مجلة الدفاع، العدد 20 مارس 1988.

62.  علي حلمي علواني، “أحدث نظم القيادة والسيطرة التكتيكية في حرب الخليج”، مجلة الدفاع، العدد 74، سبتمبر 1992.

63.  علي حلمي علواني، “الدفاع الشامل ضد الهجمات المحدودة للصواريخ الباليستيكية”، مجلة الدفاع، العدد 120، يوليه 1996.

64.  علي محمد رجب، “آفاق تقنيات في حرب المستقبل”، مجلة الدفاع، العدد 116، مارس 1996.

65.  علي محمد رجب، “الأسلحة المضادة للصواريخ”، مجلة إستراتيجياً، العدد 98، أبريل 1991.

66.  علي محمد رجب، “الصواريخ الباليستية والجوالي التكتيكية”، مجلة إستراتيجياً، العدد 106، مايو ـ يونيه 1992.

67.  علي محمد رجب، “أنظمة الإنذار المبكر المحمولة جواً”، مجلة الدفاع، العدد 103، فبراير 1995.

68.  عميد محمد محمد عطاي، “أنظمة الاستطلاع التصويري المحمولة جواً”، مجلة الدفاع، العدد 116، مارس 1996.

69.  مايك وايت، “الخيار بين المستشعرات النشطة والسلبية”، مجلة الدفاع العربي، ديسمبر 1995.

70.  مايك وايت، “النظم الحرارية حقائق اليوم ووعود الغد”، مجلة الدفاع العربي، سبتمبر 1996.

71.  مايك ويت، “الدفاع الجوي”، مجلة الدفاع الجوي، نوفمبر 1992.

72.  مايك ويت، “الضوء والحرارة حليفا المحارب”، مجلة الدفاع العربي، أبريل 1995.

73.  مايك ويت، “أهمية ضبط الروابط في نظم الاتصالات” مجلة الدفاع العربي، يوليه 1992.

74.  مايك ويت، “رادارات البحرية من الجيل الجديد”، مجلة الدفاع العربي، مارس 1995.

75.  مايك ويت، “مراقبة أرض المعركة بوساطة النظم الرادارية”، مجلة الدفاع العربي، سبتمبر 1995.

76.  مجلة “بيعاف لشؤون الطيران والفضاء”، الكراسة 66، العدد 3، 1988.

77.  مجلة الدفاع، العددان: 84، يوليه 1993، و89، ديسمبر 1993.

78.  المجلة العسكرية الفلسطينية، السنة الثالثة، العدد الثاني، أبريل 1986.

79.  المجلة العسكرية الفلسطينية، السنة الثانية، أكتوبر 1985.

80.  مجلة جيش الدفاع الإسرائيلي، العدد 10 سبتمبر 1997.

81.  محمد عبدالحميد الشحات، “منظومة الدفاع الجوي الحديثة”، مجلة الدفاع، العدد 120، يوليه 1996.

82.  محمد فؤاد عبدالسميع، “مواجهة انتشار الصواريخ الباليستية التكتيكية”، مجلة الدفاع، العدد 96، يوليه 1994.

83.  محمود نبيل سعيد، “العاصفة الإلكترونية”، مجلة الدفاع، العدد 63، أكتوبر 1991.

84.  معتصم أحمد السيد الأقرع، “بصمات القطع البحرية والتقليل الفعال لها”، مجلة التكنولوجيا والتسليح، مج 7، العدد 2، أبريل 1992.

85.  نجيب محمود محمد نصر، “تطيبقات ظاهرة التوصيل الفائق”، مجلة التكنولوجيا والتسليح، المجلد السادس، العدد الرابع، أكتوبر 1991.

86.  نورمان دود، “دور طائرات الإنذار المبكر وأهميتها للدفاع الجوي”، مجلة الدفاع العربي، ديسمبر 1987، أكتوبر 1994

87.  وديع جبران، “المستشعرات الجديدة تثير المزيد من الاهتمام”، مجلة الدفاع العربي، مارس 1994.

88.  وديع جبران، “توسيع حدود الطاقة البشرية في المعركة الجوية”، مجلة إستراتيجيا، العدد 97، مارس 1990.

89.  وديع جبران، “ساحة المعركة في لمحة بصر ـ نحو ثورة جديدة في الملاحة الجوية”، مجلة الدفاع العربي، نوفمبر 1993.

90.  مجلة “الحرس الوطني” المملكة العربية السعودية، العدد الصادر في يونيه 2005  

91.  مجلة “الحرس الوطني”، المملكة العربية السعودية، العدد الصادر في أغسطس1998

92.  مجلة “جند عمان”، سلطنة عمان، العدد الصادر في مايو 2009

93.  مجلة “جند عمان”، سلطنة عمان، العدد الصادر في يناير 2007

94.  مجلة “جند عمان، سلطنة عمان، العدد الصادر في أغسطس 2005

95.  مجلة “جند عمان، سلطنة عمان، العدد الصادر في يناير 2007

96.  مجلة “درع الوطن”، أبو ظبي، العدد الصادر في مايو 2006

ثانيا: مواقع شبكة الانترنت

1.    http://books.google.com.eg/books?id=TeKFB1

2.    http://defense- update.com/events/2006/summary/eurosatory06

3.    http://defense-arab.com/vb/showthread.php?t=718 http://defensetech.org/2004/11/22/more-on-warlocks-tricks 

4.    http://defense-update.com/products/g/gefas.htm

5.    http://en.academic.ru/dic.nsf/enwiki/10854723

6.    http://en.wikipedia.org/wiki/Boeing_EA-18G_Growler

7.    http://en.wikipedia.org/wiki/E-10_MC2A

8.    http://en.wikipedia.org/wiki/Improvised_explosive_device

9.    http://en.wikipedia.org/wiki/Nulka

10. http://en.wikipedia.org/wiki/Samyukta_Electronic_Warfare_System

11. http://en.wikipedia.org/wiki/Wild_Weasel

12. http://findarticles.com/p/articles/mi_m0EIN/is_1998_Dec_15/ai_534009

13. http://goliath.ecnext.com/coms2/gi_0199-2666811/The-Mirage-2000D

14. http://goliath.ecnext.com/coms2/gi_0199-3509733/Gripen-lion-of-the-sky.html

15. http://italy.usembassy.gov/pdf/other/RS22330.pdf

16. http://topics.nytimes.com/topics/reference/timestopics/subjects/i/improvised

17. http://www.airforce-technology.com/projects/prowler

18. http://www.arabdefencejournal.com/article.php?categoryID=14&arti

19. http://www.arabdefencejournal.com/article.php?categoryID=14&articleID=351

20.  http://www.arabdefencejournal.com/article.php?categoryID=14&articleI

21. http://www.army.mod.uk/signals/equipment/17569.aspx

22. http://www.boeing.com/defense-space/military/ea18g/index.html

23. http://www.coralsprings.com/frontpage2/rciedjam.htm

24.  http://www.defencetalk.com/electronic-warfare-system-maritime-threats-18648

25. http://www.defenseindustrydaily.com/Raytheon-Gets-198M  

26.  http://www.defensenews.com/story.php?i=4653137

27. http://www.defpro.com/news/details/18590

28. http://www.fas.org/irp/doddir/army/fmi3-34-119-excerpt.pdf

29. http://www.fas.org/man/dod-101/sys/ac/equip/an-alq-144.htm

30. http://www.fas.org/man/dod-101/sys/ac/equip/an-alq-165.htm

31. http://www.fas.org/man/dod-101/sys/ac/equip/an-alq-211.htm

32. http://www.globalsecurity.org/military/intro/ied.htm

33. http://www.globalsecurity.org/military/library/budget/fy2001/dot

34.  http://www.globalsecurity.org/military/library/budget/fy2001/dote/navy/01mlws.html

35. http://www.globalsecurity.org/military/systems/aircraft/ec-130h.htm

36. http://www.globalsecurity.org/military/systems/ground/an-vlq-9.htm

37.  http://www.globalsecurity.org/military/systems/ground/crew-2.htm

38. http://www.highbeam.com/doc/1G1-8362889.html

39. http://www.highbeam.com/doc/1G1-83995329.html

40.  http://www.janes.com/articles/dsm94/SHOW-REPORT-ASIANAEROSPACE

41. http://www.janes.com/articles/Janes-Avionics/AN-ALR-50-radar-warning

42. http://www.janes.com/articles/Janes-Avionics/MS3360-Microwave

43.  http://www.janes.com/articles/Janes-Electronic-Mission-Aircraft/AN-ALR

44. http://www.janes.com/articles/Janes-Electro-Optic-Systems

45. http://www.janes.com/events/exhibitions/eurosatory2008/sections/d

46. http://www.janes.com/events/exhibitions/eurosatory2008/sections/d

47.  http://www.mbda-systems.com/mbda/site/ref/scripts/EN_Spirale_136.html

48. http://www.naval-technology.com/features/feature1476

49. http://www.naval-technology.com/projects/ea-18g-growler

50.  http://www.navy.mil/navydata/fact_display.asp?cid=2200&tid=300&ct

51. http://www.ng-is.biz/NewsDetails.aspx?NewsLanguageId=335

52.  http://www.ng-is.biz/NewsDetails.aspx?NewsLanguageId=3395

53. http://www.patentstorm.us/patents/6414622/description.html

54. http://www.raytheon.com/capabilities/products/ews

55. http://www.saabgroup.com/Global/Documents%20and%20Images

56.  http://www.sdarabia.com/NewsDetails.aspx?NewsLanguageId=5177

57. http://www.strategypage.com/militaryforums/6-45680.aspx

58.  http://www.thalesgroup.com/Portfolio/Defence/Aerospace

59. http://www.thalesgroup.com/Portfolio/Defence/Aerospace_Product_Meerkat

60. http://www.thalesgroup.com/Press_Releases/Markets/Defence/2010

61. http://www.uspoliticsonline.com/war-peace/57340-ied-killer-idea

62. http://www.wired.com/dangerroom/2008/12/warlock-wikilea/

63.  http://www.xs4all.nl/~designer/models/nf-5/nf5a-dispenser.htm

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى