دراسات قانونيةرسائل و أطروحات قانونية

دور الحكامة الراشدة في حماية و ترقية حقوق المرأة في الجزائر

كانت الفكرة السائدة في المجتمعات القديمة تكمن في القوي يأكل الضعيف والبقاء للأقوى والإنسان يباع ويشترى كالمتاع نظام الرق”، وفي العصور الوسطى ساد النظام الإقطاعي الذي يرفض أية مساواة واختلاط بالطبقة الوسطى التي لا تملك مساحات من الأراضي حيث تقدر قيمة الأشخاص بمقدار ما يملكه الشخص من الأراضي، أما فكرة المساواة والعدالة وعدم التمييز بين الناس كانت غير مطروحة أصلا في الحضارات القديمة، وكانت التفرقة بين الناس قائمة على أساس التميز بسبب الجنس واللون والغني والفقير والمركز الاجتماعي و الحر والعبد والقوي والضعيف، ولم يكن يعرف بما يسمى اليوم بحقوق المرأة، فكثر الجدل حول إنسانيتها وخلقها فعانت التهميش والإقصاء والذل والحرمان من أبسط حقوقها كالحق في الحياة، و ترجع النظرة التحقيرية، والتهميشية للمرأة قديما في الهيمنة الذكورية والعادات والتقاليد الموروثة على مر الأجيال، فلا أهلية لها حيث كان الرجل هو الوصي عليها ( أب، زوج، أخ، شيخ القبيلة) وهو الذي كان يقرر مصيرها.

كان الحاكم سلفا هو صاحب السيادة والسلطة، حيث يعتبر الحكم لصيق بشخصيته، كما قال لويس الرابع عشر في مقولته المشهورة “أنا الدولة”، وكان يعتمد في حكمه على الهيمنة والسيطرة المستمدة من الاستبداد و العنف و الوحشية، إلا أن ذلك تغير مع ظهور الفلسفات المعاصرة التي ساعدت على قيام الدولة الحديثة، دولة قانونية ذات حكامة راشدة دائمة ذات رؤية إستراتجية تكتكية مستدامة | والتي لا تزول بزوال الحكام، وترتكز على ضمانات وآليات وجملة من المبادئ والأسس ومن بين هذه المبادئ سيادة القانون، المساءلة، الشفافية، المشاركة، المساواة الكفاءة، العدل، لإجماع، الرؤية الإستراتجية.

على الرغم من دخول الاتفاقيات الدولية حيز التنفيذ ومناداتها بالمساواة المطلقة كوسيلة لحماية | حقوق المرأة، والتي تبنتها كافة الاتفاقيات والإعلانات الدولية، وذلك بإزالة كافة الفروقات الدينية والجنسية وحضر كل أشكال وأنواع التمييز بسب العادات والتقاليد واللون والجنس والدين، مثل الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي تتألف من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكولين الاختيار بين الملحقين به، والاتفاقيات والإعلانات والمؤتمرات الخاصة بحقوق المرأة | والتي وجدت من أجل النهوض بها وتمكينها من حماية وترقية حقوقها على الصعيد الدولي والوطني، | إلا أن هناك المزيد من الانتهاكات على حقوق النساء وحرمانهن من حقوقهن كالحق في التعليم والحق في الصحة والحق في العمل وممارسة العنف والاعتداءات الجنسية عليهن، والتهميش والإقصاء، الأمر الذي أدى إلى إثارة المسؤولية تجاه المرأة والمناداة بحماية وترقية حقوقها.

فالدولة المستبدة تملك القوة ويمكن أن تستغل مكانتها في قهر و استبداد الشعب، وانتهاك حقه وحرياته وحرمانه من ممارستها، ومن دلالات وجود الدولة الرشيدة تكريس مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية، التشريعية، القضائية)، في تشريعاتها الذي أبتكر من اجل تحقيق التوازنات في المؤسسات الرسمية للدولة ومحاربة الفساد والانفراد بالحكم، وتمارس السلطات دورها باستقلالية وفاعلية الذي ينعكس في الرقابة المتبادلة على أعمال الحكومة والسلطة السياسية والإدارية وتفعيل دور المساءلة والمحاسبة ومشاركة المجتمع المدني في تقييم الأوضاع ومحاربة الفساد، ويضع هذا المبدأ حدا فاصلا في وجه تعسف السلطة الحاكمة، قالسلطة لا توقفها إلا سلطة أخرى كما قال مونتيسكيو ، وتمارس السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والقضائية دورها بكفاية وفعالية وشفافية واحترام الرأي الأخر، أيضا من دلالات وجود الدولة الرشيدة تكريس مبدأ المشروعية وسيادة القانون القانون فوق الجميع)، ومبدأ تكافؤ الفرص للجميع والمساواة والعدل ولا يمكن الاستغناء على هذه المبادئ والتي تبدو مثالية، إذ أن أولوية القانون بين المرأة والرجل يتجسد من خلال تطبيق مبدأ المساواة وتحقيق العدالة بكل نزاهة وشفافية، وتمكين المرأة بصورة ترفع مستواها وتدريبها على المنافسة والقدرة في تحمل المسئوليات، وبذلك ترقی کفاءتها القيادية في القطاعات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، و لتكون قادرة على تحمل الأعباء أمام المجتمع .

عندما نتكلم عن الحكامة الراشدة good gouvernance نجد أن من مبادئها تطبيق المساواة والعدالة بين الناس وتمتعهم بجميع الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالتساوي بين الأفراد، وتلعب الحكامة الراشدة دورا مهما في ترقية خدمات القطاع العام والخاص من خلال رشادة التسيير، ونبذ الوساطة والمحسوبية وحضر تدخل السياسيين والبرلمانيين وأصحاب النفوذ لخدمة مصالحهم، كما أن تفعيل دور المجتمع المدني والقطاع الخاص، سيؤدي دون شك إلى وجود شريك أساسي للدولة في صنع البرامج والخطط الإستراتجية، ورصد الانتهاكات ومحاربة العنف والفساد وتحقيق التنمية المستدامة واحترام حقوق المرأة وصيانتها.

تحميل الرسالة

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى