مع بداية القرن الواحد والعشرين بدا التغيّر واضحا في تصو ا رت الاست ا رتيجية الروسية تجاه بيئتها الخارجية، بعد الضعف والإنكفاء الذي كانت تتسم به سياستها تجاه بيئتها الإقليمية والدولية، والذي يعود بالأساس إلى غياب مفهوم الدولة الروسية الجديدة وهويتها وحدود مصالحها، أين تبنت القيادة الروسية مع مطلع الألفية الجديدة عقيدة است ا رتيجية واضحة ترتكز على الواقعية الب ا رغماتية، وتوظيف قد ا رتها وا.مكاناتها لفرض نفسها كقوة كبرى على الصعيد الدولي وكقوة مهيمنة في بيئتها الإقليمية، هذه الأخيرة التي تعد دولها مجال نفوذ حيوي للمصالح الروسية وفق مبدأ” الجوار القريب”، ولتحقيق هذه الغاية ارتكزت روسيا على أحد مقومات قوتها المتمثلة في “الطاقة”، من خلال بناء شبكة معقدة من العلاقات الطاقوية مع دول فضاءاتها الإقليمية وا.حكام السيطرة على البنى التحتية فيها،
واعتمدت في تحقيق ذلك على الشركات الطاقوية الكبرى الروسية وعلى شبكة خطوط أنابيب نقل الطاقة، وكذا إعادة دمجها في أطر وترتيبات مؤسساتية لضمان هيمنتها ونفوذها على هذه الدول من جهة، ومنع التواجد الغربي الذي يشكل تهديدًا لأمنها القومي ومصالحها العليا من جهة أخرى.
وتم التوصل إلى أن سعي القيادة الروسية لفرض نفوذها عل دول جوارها الإقليمي وفق است ا رتيجية طاقوية متعددة الآليات والأبعاد، كانت ذات نتائج متباينة حسب كل دولة من دول فضاءاتها بيئتها الإقليمية، فقد استطاعت إبقاء دول تحت نفوذها وهيمنتها وضمان ولائها السياسي وانجذابها للمركز (روسيا)، ودول بقيت في نقطة التوازن في علاقاتها مع روسيا وانضمامها لمباد ا رتها التكاملية الإقليمية، أما دول أخرى فقد فقررت التوجه نحو البحث عن بديل والاندماج في المنظومة الغربية، هذا فضلا على إثبات الواقع الدولي والتغي ا رت البنوية التي يعرفها وكذا الأزمات المستعصية، على محدودية قوة الطاقة وتوظيفها في توجيه سلوكات الدول، وذلك حسب موقع كل دولة من منظومة الطاقة العالمية شديدة التعقيد ومدى تأثيرها في ديناميكية التنافس الطاقوي ولعبة الطاقة.