رسائل محمد السادس.. تناقض بين الأقوال والأفعال

بقلم رضا شنوف – جريدة الخبر

خصص ملك المغرب محمد السادس في خطاب العرش لهذه السنة حيزا كبيرا للعلاقات المغربية الجزائرية، جدد فيه الحديث عن غلق الحدود وإرادته من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين، وحاول إرسال رسائل تطمين للشعب وللقيادة الجزائرية بأن بلاده ليست مصدر مشاكل وشر للجزائر -على حد تعبيره- وذلك بعد أيام قليلة من مطالبته بـ “تقرير مصير شعب القبائل”، وتفجر فضيحة التجسس “بيغاسوس”.

أخذت العلاقات مع الجزائر حوالي أكثر من ست دقائق من خطاب العرش الذي كانت مدته 16 دقيقة تحدث فيها ملك المغرب محمد السادس عن الوضع الداخلي للملكة، وحاول محمد السادس أن يبعث برسائل تصالحية إلى الجزائر، انطلاقا من العلاقات التاريخية بين البلدين وحديثه عن فتح الحدود وهو المطلب الذي كرره في أكثر من مناسبة، ودعا الرئيس عبد المجيد تبون “للعمل سويا، في أقرب وقت يراه مناسبا، على تطوير العلاقات الأخوية التي بناها شعبانا، عبر سنوات من الكفاح المشترك”. وجدد ما قال إنها “دعوة صادقة لأشقائنا في الجزائر، للعمل سويا، دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار”.

لكن خطاب محمد السادس الموجه إلى الجزائر يتناقض مع حقيقة الأمور على أرض الواقع وتصرفات المملكة تجاه جارتها الشرقية، حيث تفصل بين دعوته للتصالح أول أمس ودعوة سفيره لدى الأمم المتحدة عمر هلال الذي دعا إلى “تقرير مصير شعب القبائل” فقط 15 يوما، وهي الخطوة التي لم تقدم بشأنها الرباط أي توضيحات إلى اليوم بالرغم من الطلب الذي قدمته الجزائر والتي دفعت إلى استدعاء السفير لدى المملكة للتشاور.

وهو ما يطرح عدة تساؤلات حول حقيقة ما جاء على لسان محمد السادس خلال عيد جلوسه على عرش المملكة وحجم التناقضات بين أقوال وأفعال نظام المخزن، ومن بين صور التناقض قوله “بأن الشر والمشاكل لن تأتيكم (الجزائر) أبدا من المغرب، كما لن یأتیکم منه أي خطر أو تهديد؛ لأن ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا”، مع أن المغرب متورط بالتجسس على 6 آلاف رقم هاتفي خاص بشخصيات رسمية وسياسية وصحفيين جزائريين، وهو ما يمثل انتهاكا خطيرا للمواثيق والمعاهدات ويشكل خطرا على أمن المؤسسات والأشخاص، وأكثر من ذلك يرتكب خطيئة الدعوة لتقسيم الجزائر والعمل على ذلك باستقباله ودعم أعضاء حركة “الماك” الإرهابية.

محمد السادس أسهب في حديثه إلى وضع الحدود المغلقة وقال بأن “الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبول من طرف العديد من الدول”، وأضاف “وليس هناك أي منطق معقول يمكن أن يفسر الوضع الحالي، لا سيما أن الأسباب التي كانت وراء إغلاق الحدود، أصبحت متجاوزة، ولم يعد لها اليوم أي مبرر مقبول”، وحسب قناعته فإن “الحدود المفتوحة هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، وشعبين شقيقين”. وأن “لا فخامة الرئيس الجزائري الحالي ولا حتى الرئيس السابق ولا أنا، مسؤولون على قرار الإغلاق ولكننا مسؤولون سياسيا وأخلاقيا على استمراره؛ أمام الله وأمام التاريخ وأمام مواطنينا”، حسب قوله.

وركز محمد السادس على قضية الحدود في محاولة لتحميل الجزائر مسؤولية الوضع القائم، ما أن الأسباب التي دفعت بالجزائر إلى إغلاق الحدود سنة 1994 لا زالت قائمة وربما ازدادت تعقيدا عما سبق، بالرغم من أن الجزائر وضعت الشروط التي يمكن بعد تحقيقها التوصل إلى حل الحدود وعن الشروط التي لم تتجاوب معها المغرب إلى حد الآن، بل أصبحت تجهر بسياساتها العدائية ضد الجزائر وتستهدف وحدتها الترابية وتهدد أمنها من خلال التقارب مع الاحتلال الإسرائيلي وعقد اتفاقيات تستهدف بالخصوص الجزائر على غرار اتفاقية الحرب الإلكترونية التي تم التوقيع عليها مؤخرا بالرباط، وكانت الجزائر قد عبرت صراحة بأن تطبيع المغرب مع إسرائيل يشكل خطرا على حدودها.

 ويرى مراقبون بأن خطوة محمد السادس “التصالحية” ما هي إلا محاولة جديدة للتنصل من مسؤولياته والأخطاء التي وقع فيها وساهمت بشكل غبر مسبوق من رفع منسوب التعقيد والتأزيم في العلاقات بين البلدين، وبدلا من تبني خطوات على أرض الواقع تساهم في رفع الاحتقان، خاصة وأنه إلى حد الآن لم تقدم بلاده توضيحات على دعوتها لدعم تقرير “شعب القبائل”، وانغماسه في التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي في محاولة للاستقواء على الجزائر، يقوم بحصر مشاكل البلدين في إغلاق الحدود وتحميل القدر الأكبر من هذا الوضع للجزائر، مع أن المشاكل التي يصطنعها أكثر تعقيدا وخطورة من غلق الحدود والتي يتحمل مسؤوليتها أصلا المغرب.

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 14889

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *