رسائل هيلاري كلينتون: قراءة أولية في وثائق كانت سرية

أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الخميس، التاسع من أكتوبر 2020، عن استيائه من أن وزير خارجيته مايك بومبيو لم ينشر بعد رسائل البريد الإلكتروني التي تم حذفها من السيرفر الخاص بوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة والمرشحة الرئاسية أمام الرئيس الحالي دونالد ترامب في انتخابات 2016 هيلاري كلينتون، والتي قالت عنها في 2015 إنها “شخصية وخاصة”.

ويوم الجمعة، العاشر من أكتوبر 2020، أعلن وزير الخارجية الأمريكي بومبيو أنه سيفرج عن رسائل البريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية السابقة كلينتون – وهو تحرك سياسي بامتياز يقوم به بومبيو نيابة عن الرئيس الأمريكي ترامب قبل الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في نوفمبر 2020.

ويأتي ذلك بعد عام من تحقيق أجرته وزارة الخارجية الأمريكية خلص إلى عدم وجود “دليل مقنع” على قيام هيلاري كلينتون أو أي من مساعديها بإساءة التصرف في “معلومات سرية” على نطاق واسع، بعد وضع تلك الرسائل على السيرفر الخاص بوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.

وما أن قال بومبيو ذلك التصريح حتى تأهب البعض لتناول الأمر حسبما يوافق هواه ومصالحه الخاصة، خصوصا من دأبوا على لي عنق الحقائق لتحقيق مآربهم من تشويه مخالفيهم والنكاية بهم.

وسعياً وراء نشر الوثائق المجردة، يقوم المعهد المصري للدراسات برصد هذه الرسائل، وبشكل خاص ما يتعلق منها بالشأن المصري، واستكشاف الخيوط التي تربط بينها، وأهم القضايا التي عالجتها، والأطراف الذين شملتهم، والأسرار التي كشفتها؛ ثم تقوم بتحليل ذلك للخروج بخلاصات ومضامين نأمل أن تفيد المواطن العادي وصناع القرار على حد سواء.

ماذا عن هذه الرسائل الإلكترونية لهيلاري كلينتون والتي تم الإفراج عنها، واتجاهاتها العامة، والموضوعات التي تناولتها، وأطرافها، ودلالاتها، وخفاياها، وأهميتها للقارئ؟

بعد استعراض نحو مائة وعشرين رسالة من هذه الرسائل، يمكن تسجيل بعض الملاحظات حولها، وذلك على النحو التالي:

– الاهتمام الخاص بما يتناوله الإعلام، وخاصة كبريات الصحف العالمية، مثل “واشنطون بوست”، و “نيويورك تايمز”، و “وول ستريت جورنال”، و “إندبندنت”، وتقارير إخبارية صادرة عن وكالات مثل “رويترز” و “أسوشيتد برس”، بالإضافة إلى “سي إن إن”، وغيرها.

– الاهتمام أيضا ببعض ما تنشره الصحافة المحلية، حيث تم تداول رسائل عن مصر استنادا إلى تقارير نشرتها صحف محلية مثل المصري اليوم على سبيل المثال.

– تناول تقارير أمنية استناداً إلى مصادر قريبة الصلة ببعض الهيئات أو المؤسسات أو المخابرات الغربية أو الأجهزة الأمنية المحلية، بخصوص بعض اللقاءات السرية التي تدار لمناقشة بعض القضايا، مثل تلك التقارير عن بعض مناقشات المجلس العسكري أو مكتب الإرشاد أو حزب الحرية والعدالة، أو غيرها، مع حتى عدم استبعاد إمكانية التنصت على بعضها.

– احتواء هذه الرسائل على معلومات يتم كشفها لأول مرة، تم استجلابها من داخل بعض الاجتماعات السرية، مثل مذكرة تم تداولها بين تلك الإيميلات عن اجتماع لمكتب الإرشاد، خلال الأسبوع الذي يبدأ بـيوم 6 أغسطس 2012 ، قال خلاله د. محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، لكبار مستشاريه إنه ومكتب الإرشاد إنهم كانوا قد “قللوا من شأن الرئيس المنتخب حديثاً محمد مرسي ، ولا سيما طموحه الشخصي.”

وأضاف د. بديع في نقاشات له مع د. سعد الكتاتني، رئيس مجلس الشعب/ حزب الحرية والعدالة، أنه “من الواضح أن المشير محمد حسين طنطاوي، القائد العام للمجلس الأعلى للقوات المسلحة – الذي كان يدير البلاد قبل تولي مرسي – ارتكب نفس الخطأ.”

وأشار المرشد العام للإخوان أن كلاً من الإخوان المسلمين والمجلس العسكري كانوا يعتقدون أن مرسي كان سياسياً لطيفاً على الرغم من أنه غالباً ما كان يغضب، وأنه كان مهتماً بشكل أساسي بالأمور الداخلية لحزب الحرية والعدالة. لكن على عكس ذلك، اتضح فيما أنه استراتيجي من الطراز الأول أدرك قبل كل المسؤولين الحكوميين الآخرين أن لدى غالبية الشعب المصري رغبة قوية في عيش فترة من السلام والاستقرار بعد ثمانية عشر شهراً من الثورة والاضطراب السياسي. وبناء على ذلك، بحسب رأي بديع، “تفوق مرسي على كل من مكتب الإرشاد والمجلس العسكري على حد سواء، وتمكن من حسم صراعات طويلة الأمد مع قيادات حزب النور السلفي، وأثبت نفسه كأقوى شخصية في مصر.”

– الاهتمام باستطلاعات الرأي السريعة التي تجرى على الإنترنت، وتعطي مؤشرات عن توجهات المثقفين المصريين ومرتادي الإنترنت الآخرين من الشباب وغيرهم.  حيث أظهر أحد هذه الاستطلاعات أنه في حين أن غالبية المشاركين في الاستطلاع (66%) لا يعتقدون أن الرئيس أوباما ملتزم بالانتقال الديمقراطي الموثوق في مصر،  فإن غالبية المشاركين من الأعمار بين 18-24 عاما(42%) لديهم قدر أكبر من الثقة في التزامه بذلك. وأن 78.8% من المشاركين في الاستطلاع يعتقد أنه من المهم إلى حد ما أن تحافظ مصر على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة…، وهكذا.

– الاهتمام الشديد بالإجراءات التي قامت بها السلطات ضد منظمات المجتمع المدني في مصر إبان فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتم تداول كثير من الرسائل حولها.

– الاهتمام ببعض أحداث العنف التي جرت تحت حكم المجلس العسكري، وعلى وجه الخصوص أحداث ماسبيرو ، وقيام كثير من الجهات الغربية بإدانة مقتل 24 مواطن مصري مسيحي على يد قوات الجيش، خصوصاً بيان وزراء الاتحاد الأوروبي عن ضرورة حماية الأقليات في مصر، وإدانة العنف الذي مورس ضد الأقباط من القوات المسلحة آنذاك.

– تداول رسائل عن تقارير أمنية ومخابراتية ترصد بشكل مفصل بعض الأحداث التي كانت تدور  داخل ميدان التحرير قبل تنحي مبارك، وبعد ذلك. 

– وجود أطراف داخل الإدارة الأمريكية كانت متمسكة ببقاء حسني مبارك في الحكم، كما كشفت ذلك تصريحات فرانك ويزنر، السفير الأمريكي الأسبق لدى القاهرة، بهذا الشأن.

– اعتبرت إحدى الرسائل التي تم تداولها ما دار في أروقة المحكمة الدستورية العليا ونتج عنه حل البرلمان المنتخب ديمقراطيا بأنه انقلاب، وظهر خلال ذلك مدى التواصل بين أعضاء المجلس العسكري، الذين كانوا يتولون زمام الأمور في البلاد آنذاك، وقضاة المحكمة الدستورية.

– تداول رسائل تتحدث عن اجتماعات مكثفة عقدتها جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة، للضغط على المجلس العسكري من أجل الحيلولة دون تأجيل الانتقال الديمقراطي وتسليم السلطة للمدنيين.

– التأكيد على التزام الإدارة الأمريكية بتقديم الدعم الاقتصادي، خلال تلك الفترة، كما كان الحال إبان حكم حسني مبارك، على خلفية عمق العلاقات بين البلدين والمصالح المشتركة بينهما.

– قيام المجلس العسكري بقيادة محمد حسين طنطاوي بتقديم عرض سري للدكتور محمد البرادعي لتولي رئاسة الوزراء أثناء حكم المجلس العسكري، بعد الانتقادات التي وجهت لحكومة الجنزوري، لامتصاص غضب الشارع.

– رسائل عن تقارير مخابراتية تم تداولها خلال النصف الثاني من ديسمبر 2012، عن قيام قائد الجيش المصري الجنرال عبد الفتاح السيسي بطمأنة الرئيس المصري محمد مرسي في جلساته الخاصة إلى أن الجيش سيواصل دعم إدارته، حتى مع استمرار المظاهرات المناهضة للحكومة آنذاك في القاهرة وأجزاء أخرى من البلاد.

بقلم عادل رفيق،13 أكتوبر، 2020 – المهعد المصري للدراسات

أعلنت الإدارة الأميركية عن كشف السرية عن مراسلات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، وما تم الإعلان عن ذلك حتى تسارعت معدلات النشر والتعليق والتحليل، بل والتوظيف من جانب معظم دول العالم، أمام الأهمية الكبيرة بل والمحورية للسياسة الأميركية في العالم، وتأثير ما تشهده من تحولات على سياسات وقضايا كل دول العالم وأقاليمه المختلفة.

ونظراً لأن هيلاري، شغلت منصب وزارة الخارجية الأميركية في فترة مفصلية في تاريخ المنطقة العربية (2009  ـ 2013) والتي شهدت موجة من الثورات والانتفاضات الشعبية ضد النظم السياسية القائمة، بدأت في تونس وأطاحت برئيسها زين العابدين بن علي، ثم انتقلت إلى مصر وأطاحت برئيسها حسني مبارك، ثم إلى ليبيا والإطاحة بالعقيد معمر القذافي، وصولاً إلى اليمن وسوريا، وصولاً إلى الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر وأطاح بأول رئيس مدني منتخب، هو الدكتور محمد مرسي في يوليو 2013.

وبالتالي فإن كشف السرية عن #رسائل_كلينتون وما تناولته عن هذه المرحلة، يمثل أهمية شديدة لقراءة وتوثيق هذه المرحلة، بغض النظر عن تقييم هذه المراسلات والمواقف السياسية منها، واتجاه كل طرف تناولته هذه المراسلات إلى الرد عليها، أو توظيفها في سياقات، غلب على الكثير منها التضليل والقراءة الخاطئة، والعمل على تشويه صورة منافسيه.

وسعياً نحو قراءة موضوعية معمقة في هذه المراسلات، فإن المعهد المصري للدراسات، واعتباراً من اليوم سيبدأ في رصد وتحليل وتفسير وتقييم ما تضمنته #رسائل_كلينتون حول القضايا والملفات ذات صلة بالشأن المصري، مع ترجمة كاملة ونصية لأهم المراسلات التي تناولت هذه القضايا وتلك الملفات، وذلك في إطار مشروع ممتد يقوم على مجموعة من المحاور والأبعاد الأساسية، وذلك على النحو التالي:

أولاً: محاور الاهتمام وترتيب الأولويات

سيتم التركيز في إطار رسائل كلينتون ذات الصلة بالشأن المصري حول مجموعة من القضايا المركزية التي كانت محلاً للاهتمام خلال مرحلة وزارتها في الخارجية، ومن ذلك:

1ـ الموقف من مبارك ونظامه والثورة الشعبية التي قامت ضده.

2ـ الموقف من المجلس العسكري، الذي تولى حكم البلاد بعد تنحي مبارك، وأنماط التفاعلات مع المجلس، وسياسات المجلس خلال هذه المرحلة.

3ـ الموقف من القوى الثورية والحركات الرئيسية في المجتمع المصري بعد الثورة، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، وما تضمنته الرسائل حول سياسات الإخوان ومواقفهم من الثورة والنظام، والفواعل المختلفة.

4ـ الموقف من الرئيس محمد مرسي وسياساته، وتقييم هذه السياسات، ودور الرئيس مرسي ومواقفه وسياساته، وتفاعلاته مع المجلس العسكري ومكتب الإرشاد، ومؤسسات الدولة المختلفة، وكذلك مع قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي.

5ـ الموقف من الانقلاب العسكري، وقائده السيسي، وكذلك سياسات السيسي الداخلية وتفاعلاته الداخلية والخارجية.

6ـ السياسات الأميركية تجاه عدد من الشخصيات والأطراف المصرية، وتفاعلات هذه الشخصيات مع قضايا الثورة والانقلاب وتحولات وتطورات المشهد السياسي في مصر.

ثانياً: خرائط رسائل كلينتون:

ستتناول قراءة المعهد المصري لرسائل كلينتون، عدداً من الخرائط التحليلية، التي نرى أهمية الوقوف عليها، باعتبارها معايير ومفاتيح للرصد والتبويب والتحليل والتفسير، ومن بين هذه الخرائط:

1ـ خرائط الأطراف الأساسية التي تمت بينها هذه المراسلات ذات الصة بالمشهد المصري (المرسل + المستقبل) والبروفايلات الخاصة بأهم هذه الأطراف.

2ـ خرائط المصادر التي اعتمدت عليها هذه المراسلات ذات الصة بالمشهد المصري (مقالات، صحف، دوريات، تقارير معلوماتية، تقارير مخابراتية، اتصالات مباشرة، ..)

3ـ خرائط الأطراف والفواعل الداخلية والخارجية ذات الصة بالمشهد المصري، التي تضمنتها هذه المراسلات.

المعالجة وخطة العمل:

أمام الاعتبارات السابقة، فإن خطة عمل المعهد المصري، في رصده وتحليله لرسائل كلينتون ذات الصلة بالشأن المصري، ستكون على النحو التالي:

1ـ إصدار نشرة يومية عن أهم ما يتم نشره في وسائل الإعلام المصرية والعربية والدولية حول هذه الرسائل، واتجاهات التعاطي معها.

2ـ نشر عدد من المواد المختارة، لأهم القراءات والتحليلات التي تناولت هذه الرسائل عبر بوابة المرصد، التي يشرف عليها المعهد.

3ـ نشر ترجمات نصية دقيقة يومياً لأهم الرسائل التي تناولت الملفات والقضايا والشخصيات المصرية.

4ـ إعداد عدد من التقارير الوصفية والتحليلية لأهم القضايا التي تناولتها هذه الرسائل.

5ـ إعداد عدد من الدراسات العلمية والأوراق البحثية المعمقة حول أبعاد وتداعيات هذه الرسائل، على مسارات وتحولات القضايا المصرية وفواعلها وأطرافها المختلفة، وسياسات رد الفعل تجاه هذه الرسائل.

6ـ وضع عدد من أوراق السياسات لدعم صانعي القرار المعنيين بهذه الرسائل، في كيفية تقييم هذه المرحلة، والاستفادة مما أفرزته من تجارب وخبرات ودروس مهمة في مرحلة شديدة الأهمية من تاريخ مصر.

7ـ تنظيم عدد من من ورش العمل، بين باحثين وسياسيين ومتخصصين في السياسة الأميركية، والشؤون المصرية، للخروج بعدد من الأفكار والتصورات وبناء التوجهات والمراجعة وإعادة التقييم لهذه المرحلة المفصلية في تاريخ مصر.

على أن يتم نشر كل هذه المخرجات عبر البوابة الرسمية للمعهد المصري، وحساباته الرسمية على شبكات التواصل الاجتماعي، وكذلك على بوابة المرصد وحساباته الرسمية.

ونحن إذ نقدم هذه القراءة، فإننا نعلن فتح المجال أمام الباحثين والمتخصصين الراغبين في تقديم مساهمات جادة حول هذا المشروع البحثي المهم، بما يساهم في إثراء العمل، وتعظيم المخرجات.

بقلم عصام عبد الشافي، نشر 14 اكتوبر 2020 – المعهد المصري للدراسات

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button