قضايا فلسفية

رمضان بين القلب والتهيئة النفسية

كتب دكتور/ محمد بغدادي

     ماذا تبدو أنت قبل رمضان؟ وما رحلتك أثناء الشهر الفضيل؟ وما هو بداخلك؟ وماذا تريد أن تكون في الآخرة؟ هل إلى جنة الخلد عرضها السماوات والأرض أم إلى نار جهنم؟ كيف يستعد القلب لاستقبال الضيف الكريم؟ كيف تتهيأ التهيئة المناسبة لتعظم هذا الشهر قبل عمليات الصيام والقيام وقراءة القرأن؟ لماذا نقف عند الشهر ونصمت ونبحث كيف نتقرب إلى الله؟ كيف تزيل الفجوة بينك وبين الله؟ كيف تختم القرأن في هذا الشهر العظيم؟ متى تستيقظ القلوب والجوارح لاستقبال الساعات الأولى من شهر الحسنات؟ كيف يمكن استغلال الوقت لحصد المزيد من الحسنات في هذه الأيام المعدودة؟ وما الهدف الأسمى من رمضان؟ لماذا نجوع ونعطش؟ لماذا نبتعد تماماً عن الموبقات والسيئات؟ كيف نسعد ونسعد بفترات الليل والنهار أثناء الشهر المبارك؟

في الحقيقة إن عملية التهيئة النفسية في غاية الأهمية لدى الصائمين في هذا الشهر العظيم، لإننا باختصار لسنا بحاجة أن نجوع أو نعطش ونحن نرتكب الأخطاء تلو الأخطاء والسيئات تلو السيئات ونجول في المعاصي والغيبة والنميمة، إذن فإن الله ليس بحاجه لصيامنا إذا لم يقف اللسان عن الغيبة وإذا لم تقف الأيدي عن الإيذاء وإذا لم نتسامح وإذا لم نشعر ونستعيد إنسانيتنا.

فالصيام عملية روحانية بحته قبل أن تكون عملية جسدية، فالصيام هو لغة الملائكة وأهل السماء، لذا تحدث سبحانه وتعالي بقوله فالصيام لي وأنا أجزي به، فالصيام عبادة جوهرية تخلص الجسد من عوائق التوبه، وتخلص الروح من التفكير السلبي ، وتخلص المسلمين من القيل والقال، وتخلص العالم من التنافس غير الشريف والروح البائسة والقتل والتشرد ويعمل الصيام على إعادة الكون بأكمله لله رب العالمين، فصحة الجسد في الصيام، وصحة الروح في الصيام، وصحة النفس في الصيام، وصحة القلب في الصيام، لسبب بسيط فالذي قام باختراع التليفزيون هو نفسه القادر على إعادة تشغيلة وإصلاحه في أي وقت عندما يعجز عن القيام بدوره الذي وكل إليه، ولله المثل الأعلى فهو سبحانه وتعالى الذي قام بخلق الإنسان ويعلم نقاط ضعفه ونقاط قوته ويعلم مخاوفه ويعلم كيف يقوم الجسد والروح بإعادة هيكلة العنصر البشري، فعز وجل يعلم تماماً ماذا يجول في فكر الإنسان وما الذي يسعده وما الذي يحزنه وكيف يعيد صياغة أفكارة وروحه وكيف يستعيد صحته مرة أخرى.

الصوم نعمه عظيمة لا يعلمها إلا الذي صام وصام قبل وأثناء وبعد رمضان، وليعلم الجميع أن الله لا يفرض فريضة إلا لحكمه جليلة وقدرة عالية وفائقة نحاول نتلمس ملامحها كل عام ونعرف خباياها، مع العلم أننا لم نؤتى من العلم إلا قليلاً،

 فكم نرى من ضياع الوقت وعدم استغلاله الاستغلال الأمثل خاصة في فرصة عظيمة كشهر رمضان وغيره مع علمنا بفضله الشديد، مع العلم أيضاً أن الذنوب تعتبر من الأسباب الرئيسية التي تقيد حركتنا نحو مزيد من أعمال الخير وتعمل على تحريمنا من هذا الخير الجم.  لهذا نرى ألوان أخرى للمسلمين في هذا الشهر الفضيل فهذا يكثر من الركوع والسجود ، وذاك يعتكف في بيوت الله يقرأ القرأن العظيم ، وآخر يقوم بأعمال البر من خلال تجهيز موائد للرحمن للمساكين والفقراء وذوي الحاجه.

     كما أن لشهر الخير مكانة مميزة  وفاصلة في التاريخ الإسلامي؛ لأن المسلمون يدركوا تماماً أن نزول القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا كان في ليلة القرأن وهي ليلة القدر ، ثم نزل بعد ذلك في أوقات مختلفة في فترة نزول جبريل على الرسول الكريم حيث كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم في غار حراء عندما جاء إليه وحي السماء ، وكانت هذه هي أولى الأيات ، والقرآن أنزل من اللوح المحفوظ من فوق السماوات العليا ليلة القدر جملة واحدة، فتم وضعه في السماء الدنيا في بيت العزة في الشهر المعظم، ثم جاء ملك السماء جبريل ونزل به مجزئاً في أوامره ونهاهيه ، وذلك طوال ثلاث وعشرين عاماً مستمرة.

     كما جاءت  العديد والعديد من الآيات القرآنية المعظمة، والأحاديث الشريفة النبوية التي تناولت فضل شهر الصيام وعن بركة هذا الشهر والذي يجنيه المؤمن عند تأدية هذا الركن المختلف من أركان الإسلام، فمن أهم مميزات هذا الشهر المبارك فتح أبواب الجنة وغلق أبوابُ النار، وتُصفد الشياطين ، فيكونُ للمؤمن الفرصة المناسبة والمؤهلة في تجنب الموبقات والتقرب قدر الاستطاعة لله سبحانه وتعالى بالأعمال الصالحة والتي  تقربه شيئاً فشيئاً نحو الجنة وتبعده عن النار، فعن أبي هريرة، قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم  «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ. وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ» ابن ماجة.

القضية جد خطيرة يجب إعادة النظر مرة أخرى في النفس والروح والجسد وطريقة التفكير ، كما يجب تحديد إلى أي الطرق تتجه هل إلى الله أم إلى طرق أخرى غير ذلك، كما يجب محاسبة النفس ومعرفة ما نقاط قوتك وما نقاط ضعفك، وذلك مع العلم أنه يفصلنا عن الشهر الكريم سويعات قليلة.

 

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى