دراسات استشرافيةدراسات سوسيولوجية

تطور الديموغرافيا السياسية في روسيا: سيناريوهات محتملة

بقلم داليا يسرى – المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

يُعد عِلم الديموغرافيا أحدَ أفرع العلوم الاجتماعية والجغرافيا البشرية، ويقوم في الأساس على الدراسة العلمية المُتأنية لخصائص السكان المتمثلة في الحجم، والتوزيع، والكثافة، والتركيب، والأعراق، ومكونات النمو، وتعداد الوفيات، والهجرة. ويهدف هذا النوع من الدراسات إلى الوقوف على معدلات التطور السكاني المستقبلي بغرض تحديد التوجه الاستراتيجي العام لاحتياجات أي دولة المستقبلية من التنمية. لكن ماذا يحدث عندما تختلط الديموغرافيا بالسياسة؟! 

عندها ينتج الفرع المعرفي الذي يُدعى “الديموغرافيا السياسية”، وهو الذي يختص بدراسة التداخل الكبير بين الفرعين، ويدرس في قوانين جيوسياسية السكان ومسيرة تطور المجتمعات الإنسانية، وموضعها من تحديد الرهانات الاستراتيجية السياسية المستقبلية لصُناع القرار. ويشهد التاريخ على الدور الفاعل الذي لعبته ديموغرافيا السكان كعنصر فاعل في تقرير مصير دولة بعينها، مثال على ذلك في انفصال إقليم بنجلاديش عام 1971 استنادًا الى قوانين الديموغرافيا الخاصة بالإقليم وتفاعلاتها السياسية مع باكستان باعتبارها البلد الأم وقتها. مثال آخر، يتجلى بوضوح فيما فعلته إنجلترا خلال القرن التاسع عشر، عندما نجحت في تعزيز وزنها الجيوسياسي لتصبح القوة الرئيسية في العالم بفضل اعتمادها على نمو ديموغرافي كبير. ومن هذا المنطلق، ندرس كيف ستتأثر السياسة الروسية بالنمو الديموغرافي للبلاد، أملًا في الوقوف على مدى تأثير هذا الأمر على مستقبل السياسة العالمي.

كيف يعكس اهتمام القيادة الروسية عمق الأزمة السُكانية؟

لطالما شغلت مسألة النمو السكاني في روسيا قلق ومخاوف المسئولين على مدار سنوات، إلا أنها اتخذت منحى جديدًا منذ لحظة خروجها القوي إلى العلن على لسان الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، الذي لم يكتفِ بمناقشتها فقط، لكنه قدم لها خططًا ومعالجات من خلال خطابه السنوي أمام الجمعية الاتحادية لعام 2020. وهو الخطاب، الذي وفقًا للفقرة “هـ” من المادة 84 من دستور الاتحاد الروسي، يقوم الرئيس من خلاله بمخاطبة الجمعية الاتحادية في رسالة يُحدد من خلالها الاتجاهات الرئيسية للسياسة الداخلية والخارجية. 

ناقش بوتين في خطابه السادس عشر أمام الجمعية الاتحادية، العديد من المحاور الرئيسية لأهم القضايا التي تهتم بها بلاده. لكن احتلت مشكلة النمو الديموغرافي وبرامج دعم الأسرة مكانة بارزة من بين كل ما تمت مناقشته على الإطلاق. حيث استهل بوتين حديثه بأن لفت إلى أن مصير روسيا ومنظورها التاريخي يعتمدان على عدد سكانها، وعلى عدد الأطفال الذين سيولدون في عائلات روسية خلال فترة تتراوح ما بين عام إلى عشر سنوات، وأي نوع من الأطفال سوف يكونون؟ وما الذي سوف يفعلونه لتنمية بلادهم؟ وأي قيم ستدعمهم في الحياة؟.

وقال بوتين: “يبلغ تعدادنا اليوم نحو 147 مليون شخص، لكننا دخلنا في فترة ديموغرافية صعبة للغاية. ذلك لأن العائلات يتم إنشاؤها الآن بواسطة أجيال صغيرة من التسعينيات، وعدد المواليد أصبح آخذًا في الانخفاض مرة أخرى، وهذا هو سر التوتر الذي تمر به روسيا خلال الفترة الديموغرافية الحالية”. كما استعرض بوتين المؤشرات الرئيسية لإجمالي معدل الخصوبة في عام 2019، أي عدد المواليد لكل امرأة والذي بلغ 1,5 وهو مؤشر قليل وغير كافٍ بالنسبة لروسيا. وذكر أن التوقعات المطروحة وقتها للمستقبل الديموغرافي للبلاد، سلبية للغاية، وأن هذه التوقعات يجب أن تُنبه الروس لمسئوليتهم التاريخية لمواجهة هذا التحدي. ليس فقط لأجل الخروج من الفخ الديموغرافي، ولكن أيضًا لضمان النمو الطبيعي المستدام لسكان البلاد بحلول العقد المقبل، أي ينبغي أن يصل معدل الخصوبة العام بحلول عام 2024 إلى نسبة 1,7.

وبناءً على ما سبق، ذكر بوتين أن إنقاذ وزيادة تعداد شعب روسيا تعد أولوية وطنية عُليا أمام الدولة. لذلك تم تبني وبناء سياسات طويلة الأجل داعمة للأسرة، بحيث تم الإعلان في الخطاب ذاته عن تخصيص أموال من الميزانية الفيدرالية لمساعدة المناطق المختلفة على إنشاء نحو 255000 مكان جديد في دور الحضانة بحلول نهاية عام 2021، بحيث يتم توفير أماكن أكثر لقبول الأطفال الرضع. وبالنسبة لانخفاض معدلات دخل الأسر الروسية التي لديها طفل واحد أو طفلان، ذكر بوتين أنه تقرر اعتبارًا من تاريخ يناير 2020 أن تتلقى العائلات المنخفضة الدخل دفعات إعانة شهرية عن أطفالها الأول والثاني. ولن تمتد تلك الإعانات الى فترة عام ونصف مثلما كانت الأمور تجري في الماضي، ولكن سوف تمتد لفترة ثلاث سنوات. وبالإضافة إلى ذلك، يقوم عدد من الكيانات الأخرى المكونة للاتحاد الفيدرالي بدعم من الميزانية الفيدرالية، بتيسير منح إعانات للعائلات التي تلد طفلًا ثالثًا أو أطفالًا لاحقين. كما اقترح كذلك في خطابه عددًا من الإجراءات والبرامج الحكومية الأخرى.

وعاود الكرملين إصدار التصريحات حول المسألة نفسها في مارس 2021 –بعد تفشي الجائحة- على لسان المتحدث الرسمي باسم الرئيس الروسي، ديميتري بيسكوف، حيث قال: “إن الكرملين يشعر بالقلق البالغ إزاء انخفاض أعداد السكان الروس في البلاد، لكنه لم يتمكن بعد من معالجة الأوضاع”. وأضاف: “إن الوضع الديموغرافي العام في البلاد الآن في وضع سيئ للغاية، ويجري اتخاذ إجراءات مكثفة للغاية للتقليل من تأثيرات هذه الفجوات الديموغرافية”.

منحنيات الصعود والهبوط في النمو الديموغرافي

في الفترة ما بين عام 1925 إلى عام 2000، انخفض إجمالي معدل الخصوبة في روسيا بمقدار 5,59 لكل امرأة. وفي الفترة ما بين 1980-1990 تجاوزت الوفيات في روسيا تعداد المواليد الجدد. ووفقًا لبيانات التعداد السكاني في روسيا، فإن الفترة ما بين 1989-2010، شهدت انخفاضًا ملحوظًا في مواليد الأشخاص ذوي العرقية الروسية بنسبة انخفضت من 82,6% إلى 80,9%، مما ترتب عليه انخفاض كبير في إجمالي التعداد السكاني لروسيا عن الفترة ذاتها، بنحو 9 ملايين مواطن. 

وفي خلال الفترة الممتدة ما بين 2009-2017، زاد عدد الروس حتى بلغ النمو السكاني معدلًا يمكن وصفه بأنه “معتدل”، بحيث ارتفع عدد الروس باستثناء هؤلاء الذين يعيشون في القرم، إلى 1,8 مليون شخص، وتجاوز التعداد السكاني الكلي رقم 144,5 مليون نسمة بحلول بدايات عام 2018. ووفقًا لتقديرات دائرة الإحصاء الأولية، فإن تعداد سكان روسيا لبدايات عام 2020 وصل إلى 146,7 مليون نسمة. لكن في الوقت نفسه فإن الاتجاه العام للنمو السكاني في روسيا يظل آخذًا في الانخفاض. 

ووفقًا للتوقعات التي نشرتها دائرة الإحصاء الأولية الروسية، في نهايات عام 2019 –أي في فترة ما قبل الجائحة- فإن تعداد سكان روسيا بالكامل قد يتجاوز 148,6 مليون نسمة في عام 2031، مع ملاحظة أن ذلك الرقم يحدث فقط في حالة رفع مستوى التوقعات. وفي حالة سارت هذه التوقعات على المخطط المرسوم لها، فإن إجمالي التعداد السكاني قد يصل الى 150 مليون شخص في عام 2035. لكن وفقًا لذات المخطط –توقعات ما قبل تفشي الجائحة- فإنه كان من المتوقع أن يواصل تعداد سُكان روسيا الانخفاض حتى يصل في عام 2036 إلى معدل 143 مليون شخص. ويلي ذلك أن ينخفض التعداد السكاني إلى 134 مليون نسمة –باستثناء شبه جزيرة القرم- وذلك وفقًا لمتوسط الحسابات المتوقعة لقسم السكان في الأمم المتحدة، والذي تم تقديمه في يونيو 2019. 

ويُلاحظ أن الأوضاع قد تفاقمت بشدة بفعل الجائحة، التي لم تكن في حُسبان أي إحصائيين يعملون على التنبؤ بمسيرة النمو السكاني الروسي. حيث بلغ تعداد الوفيات التي شهدتها روسيا في إجمالي الفترة ما بين شهر يونيو 2020 إلى مايو 2021 (3156713 شخص)، مقابل 2052084 بالنسبة لتعداد المواليد عن الفترة نفسها، وذلك وفقًا للتعداد الرسمي لهيئة الإحصاءات الوطنية. 

لكن أظهرت بيانات رسمية أن أجزاء محددة من روسيا حققت معدلات نمو سكاني مرورًا بفترة الجائحة في 2020، وذكرت البيانات نفسها أن تلك المناطق تحتل مرتبة الصدارة من حيث نسب الخصوبة، ومن ضمنها: “إنجوشيا، الشيشان، تيفا، داغستان، جمهورية ألتاي، دائرة نينتس المستقلة، قرشاي، شركسيا، كباردينو، بلقاريا”، وهناك يتجاوز معدل الخصوبة رقم 2. وهي مناطق يسيطر على أغلبها معدلات كبيرة من المواطنين الذين يدينون بدين الإسلام. وفي الوقت الذي يسود فيه التراجع بمعدلات المواليد لدى غالبية الروس بوجه عام، نجد أن الكتلة المسلمة تحتفظ لنفسها بمعدلات إنجابية عالية، وذلك على الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي يواجهونها. ويرجع ذلك بالأساس الى المكون الثقافي والروحي لتلك الكتلة، والذي يشجع على الإنجاب بغض النظر عن أي موانع اقتصادية محتملة. ووفقًا لتصريحات أدلى بها رئيس مجلس روسيا للمُفتين، رافيل جين الدين، بتاريخ 2018، “إن تعداد الكتلة المسلمة التي تعيش في روسيا في تزايد مستمر، ليس فقط بفعل تيارات الهجرة المختلفة، ولكن بسبب حقيقة أن معدلات المواليد بين العائلات المسلمة أعلى بكثير من مثيلتها لدى غير المسلمة”. ويعيش معظم المسلمين في مدينة موسكو، وسائر المدن الكبرى الأخرى مثل سانت بطرسبرج ويكاترينبورج. وهناك أيضًا يوجد تركيز كبير لأتباع الإسلام في المناطق التي كانت توجد فيها الدول الإسلامية قبل تشكيل دولة روسيا الموحدة، مثل خانات سيبريا، وأستراخان، وقازان، والقرم، وخانات قاسموف، ونوجاي، وبشكيريا، وشركسيا، وشمال القوقاز.

وتعتمد معظم الدول التي تُعاني من أزمة انخفاض أعداد المواليد في مقابل زيادة أعداد الوفيات، على وسيلتين؛ برامج تشجيع الأسر على الإنجاب، وفتح الباب أمام الهجرة. وكما شرحنا آنفًا، عكفت الدولة الروسية بالفعل على تطبيق الوسيلة الأولى، وبالنسبة للوسيلة الثانية، من الممكن القول إن الدولة الروسية حاولت بالفعل منذ عام 2009 تعويض الانخفاض الطبيعي في عدد سكان بنسبة 99% من خلال الاعتماد على الهجرة، حيث تم استقبال نحو 247,4 ألف شخص سنويًا، مما أدى إلى وقف الانخفاض في السكان بشكل مؤقت. لكن مع مرور الوقت، تغيرت السياسات الحكومية فيما يتعلق باستقبال المهاجرين، وتحديدًا منذ عام 2018، فلم يتم تعويض الانخفاض الطبيعي في عدد السكان من خلال السماح بتدفق الهجرة، ولهذا السبب انخفض إجمالي تعداد سكان البلاد. وفي عام 2018 انخفض التعداد السكاني بنسبة 99,7 ألف شخص، وفي عام 2019 انخفض بنسبة 32,1 ألف شخص، وفي عام 2020 انخفض بمعدل يزيد على 158 ألف شخص، وهو الأمر الذي تسبب ظهور الوباء في الإسراع من وتيرته.

أسباب تراجع معدلات المواليد في روسيا

تندرج أسباب الأزمة السكانية التي تواجهها روسيا تحت بنود عدة، من ضمنها بنود موانع اقتصادية، وثقافية، وموانع نفسية/اجتماعية لدى النساء. وتتلخص أهم الموانع الاقتصادية في المشكلات التي كان غالبية المجتمع الروسي يُعاني منها بالفعل قبل تفشي الجائحة، والتي عززت عدم المساواة والتكافؤ الاجتماعي، بحيث كان الكثير من الناس يعيشون في فقر، وينظرون إلى طبيعة حياة الأثرياء في الطبقات الاجتماعية المجاورة لهم، وهم يعرفون أنه ليس لديهم أي فرصة للخروج من حفرة الفقر. لذا يُفهم أن ارتفاع معدلات عدم المساواة الاجتماعية، ومحدودية الدخل؛ يجعل من الصعب على أي أسرة أن تُفكر في الإنجاب. كما أن التحديات والعوائق الاقتصادية التي يواجهها المجتمع الروسي منذ تفشي الجائحة، والتي تسببت في تسريح الكثير من العمالة المستقرة، ورفع معدلات البطالة، وتدني مستويات الدخل، جعلت من المستحيل أن تفكر الأسر في الإنجاب، وساعدت على الحد من تأثيرات البرامج والجهود الحكومية التي كانت الدولة قد تبنتها بغرض التشجيع على الإنجاب. 

أما بالنسبة للعوائق الثقافية، فيرجع ذلك إلى التغيرات التي طرأت على طبيعة مفاهيم المجتمع الروسي، الذي كانت نساؤه إبان الحقبة السوفيتية يُعتقد أنهن يعانين من خللٍ ما في حال عدم إنجابهن، لكن تغيرت هذه النظرة في الوقت الراهن، وأصبح معظم النساء الروسيات معنيات بشكل أكبر بضرورة البحث عن الذات وتحقيق نجاحات في العمل، وهي أشياء ترى الكثير من النساء إن إنجاب الأطفال يقف عائقًا أمامها. 

وهناك أيضًا توجد العوائق الاجتماعية، التي تحول دول اهتمام النساء بالإنجاب. وتلك ترجع إلى صعوبة الحصول على شريك/زوج مناسب، وفي حالات كثيرة يهرب الشريك أو ينفصل بمجرد إنجاب الطفل الأول، مما يضع المرأة في موقف فردي في تحمل مسئولية الطفل، وهو أمر تضعه الكثير من النساء في حسبانها قبل الإقدام على خطوة الإنجاب، لذلك تقرر كثيرات منهن التراجع عن الفكرة برمتها، والاكتفاء بالخوض في علاقة عاطفية دون الحاجة المُلحّة للإنجاب. 

تأثيرات استمرار حركة النمو الديموغرافي في روسيا 

وعند هذه النقطة، وفي ضوء كل ما سبق، يثير التراجع الديموغرافي في معدلات المواليد الكثير من التساؤلات حول تأثيرات هذا التراجع على المستقبل البعيد لروسيا. وتنقسم تلك التأثيرات إلى نقاط عدة، تأتي كالتالي:

التغير في التركيبة العرقية والطائفية للسكان: يحدث ذلك من خلال وسيلتين، أولهما أن تتجاوز نسبة الهجرة الى الدولة معدل الـ20% بالشكل الذي يُنذر بحدوث نزاعات عرقية مستقبلية مع السكان الأصليين. والوسيلة الأخرى، عندما تزداد معدلات نمو كتلة سكانية بشكل يفوق الأخرى، مما يترتب عليه أن تنتقل واحدة منهم من ترتيبها كـ”أقلية” سكانية إلى “أغلبية”، وبالمثل يحدث العكس. وهو الأمر الأكثر ترجيحًا حتى اللحظة، من قبل ملاحظات علماء الديموغرافيا الذين وجدوا أن الخسائر الطبيعية من السكان يتحملها الروس أنفسهم، وليس العرقيات الأخرى، مثال على ذلك أن انخفض عددهم الحقيقي -وليس التعداد السكاني العام- للفترة من 1989-2002 بنسبة 7%، في حين أن إجمالي عدد سكان البلاد كان قد انخفض عن الفترة نفسها بنسبة 1,3% فقط. كما يتوقع مراقبون أن يتكبد الروس أنفسهم نسبة تتراوح ما بين 80% و90% من الانخفاض السكاني بحلول عام 2025. مما يُشير بطبيعة الحال إلى أن خمس سكان روسيا سوف يكونون من المسلمين بحلول عام 2030. وبنفس الوتيرة، يُرجح أن تصل نسبة الروس لإجمالي 46% في روسيا بحلول عام 2050. وبإجمالي نتيجة نهائية تشير إلى خروج الروس أنفسهم من تصنيفهم كأغلبية حاكمة للدولة، وتحولهم مع الوقت إلى أقلية تتلاشى بفعل انخفاض معدلات مواليدها. 

التأثيرات الاقتصادية: بسبب الانخفاض الملحوظ في عدد السكان في سن العمل، فإنه من المتوقع أن تُعاني روسيا من نقص شديد في الكوادر البشرية بحلول عام 2025. كما أن انخفاض معدل المواليد، يترتب عليه وقوع عبء أكبر على السكان في سن العمل، بحيث يصبح مقابل كل فرد عامل يوجد الكثير من المتقاعدين في البلاد، وهو ما يضع أعباء أكبر على كاهل ميزانية الدولة التي يُفترض بها أن تعول هؤلاء المتقاعدين من خلال أنظمة معاشات ثابتة.

 التأثيرات العسكرية: يترتب على التراجع الديموغرافي انخفاض احتياطي تعداد الأشخاص القادرين على القتال، مما يعني انخفاض القدرة الدفاعية للبلاد برمتها. ووفقًا للسيناريوهات الأكثر ترجيحًا، فإن تعداد الأشخاص البالغين من العمر 18 عامًا، وهو سن احتياطي التعبئة العسكرية، سينخفض بمقدار 4 مرات بحلول عام 2050، وسوف يصل إلى 328 ألف شخص، وهي نسبة قليلة للغاية.

 في المجال الاجتماعي: لوحظ تنامي ظاهرة العازب المُريح في روسيا، أو بمعنى مشابه، الأمهات العازبات. ونتيجة لذلك، نجد أن عدد الأطفال الذين يتم تربيتهم داخل كيان أسري آخذ في التناقص، بالشكل الذي يؤدي بدوره إلى وقوع تغييرات حادة في بنية الحياة بأكملها، ودخول تغييرات جذرية على شكل القيم الأسرية، ومنظومة العائلة، والقرابة وما إلى آخره.

سيناريوهات محتملة 

السيناريو الأول: ربما تنجح روسيا جنبًا إلى جنب مع سائر دول العالم في مجابهة الوباء والقضاء عليه تمامًا بشكل نهائي، ولكن من الصعب التكهن بموعد انتهائه، كما أن الشواهد الفعلية تثبت أنه حتى على الرغم من انتشار اللقاحات إلا أن المرض لا يزال مستمرًا في أشكال وتحورات جديدة، مما يعني أن تأثيراته على معدلات الوفيات والخصوبة تظل مستمرة لبرهة. لكن حتى في حالة انتهائه، ونجاح روسيا في تفعيل برامجها التي تشجع السكان على الإنجاب، فإن مردود هذا النجاح سوف يكون بعيد المدى. لذلك في هذه الحالة ستستمر الدولة في اللجوء إلى التعويض من خلال الاعتماد على معدلات الهجرة الوافدة، مما يحملنا إلى تطور نوعي جديد في التركيبة السكانية الروسية من حيث العرق، والنوع، وما إلى آخره. لكن يُذكر أنه في حال تحقق هذا السيناريو، فلن يتغير شيء إبان النمو المطرد للكتلة المسلمة التي تعيش كجزء من التكوين السكاني لروسيا.

السيناريو الثاني: استمرار معدلات النمو السكاني في الانحدار بنسب كبيرة، بفعل استمرارية الوباء، أو بفعل استمرار السكان في عزوفهم عن الإنجاب. في الوقت الذي تستمر فيه الكتلة المسلمة في معدلاتها الإنجابية العالية، مما يعني ثبوت السيناريو المتوقع بشأن بلوغ نسبة السكان الروس الأصليين نحو 46% في عام 2050، وتطوره تباعًا نحو الانخفاض في مقابل دخول المسلمين حيز الأغلبية الساحقة داخل إجمالي سكان روسيا في المستقبل البعيد، أي في أعوام ما بعد 2050. بمعنى أنه لا توجد حاليًا في النظام العالمي دولة كبرى يدين أغلبيتها بالإسلام. وفي الإطار نفسه، من المحتمل أن يشهد النظام العالمي تأثرًا كبيرًا بفكرة تحول واحدة من القوى الكُبرى إلى الدول ذات الأغلبية المُسلمة، مما سيكون له انعكاسٌ على محصّلة قراراتها ومواقفها الدولية على المدى الاستراتيجي البعيد.

معلومات اضافية حول الديمغرافيا

علم السكان[1] أو الدراسات السكانية أو الديمغرافيا هو فرع من علم الاجتماع والجغرافيا البشرية، يقوم على دراسة علمية لخصائص السكان المتمثلة في الحجم والتوزيع والكثافة والتركيب والأعراق ومكونات النمو (الإنجاب والوفيات والهجرة) – ونسب الأمراض، والحالات الاقتصادية والاجتماعية، ونسب الأعمار والجنس، ومستوى الدخل، وغير ذلك في إحدى المناطق. تهدف الدراسات السكانية لمعرفة سبب امتلاك العائلات لعدد أطفالها، والأسباب المؤثرة على زيادة نسب الوفيات، وأسباب الهجرة والتوزع الجغرافي. وتلك المعرفة ضرورية لتحديد الاحتياجات البشرية الحالية والمستقبلية.

تمثل الدراسات السكانية الطريقة المبدأية لفهم المجتمع البشري، فبالإضافة إلى تحققها من عدد البشر في منطقة معينة، تحدد سبب زيادة أو نقصان هذا العدد عن الإحصائية السابقة وتفسر هذا الأمر. كما تقدر الدراسات الميول المستقبلية لحدوث تغيير سكاني.

يمكن تحديد اوجه أهمية علم السكان في الاتى:

  1. يسهم علم السكان في توفير مرجعيه معلوماتيه تتعلق بالوضع السكانى للمجتمع بما يعطى صورة واقعيه عن خصائص السكان واتجاهات النمو ومعدلات المواليد والوفيات والتركيب العمرى للسكان بما يجعلها مصدرا مهم للتخطيط والتنمية وتلافى ما يحدث من مشاكل مستقبلا.
  2. يسهم علم السكان مع غيره من العلوم الأخرى ذات العلاقة (مثل: علم الاجتماع والاقتصاد) في تحديد وإبراز الجوانب المتعددة والمتداخلة لفهم السكان وبالتالى يمثل هذا العلم أهمية خاصة في كونه داعمًا للعلوم الأخرى من جهة ومستفيدا منها من جهة أخرى.
  3. أن الاهتمام بالسكان يعنى الاهتمام بأهم مكون من مكونات المجتمع ألا وهو الإنسان وهذا ما يعطي لعلم السكان أهمية خاصة.
  4. تبرز أهمية دراسات السكان من الناحية التخصصية النوعيه في الاتى:-
  • معرفة اتجاهات النمو السكانى من حيث الزيادة والنقصان وتحديد الاجراءات والسياسة المطلوبة.
  • دراسة التغيرات السكانيه المتعلقة بالخصوبة والمواليد والوفيات والهجرة وعلاقتها بمتغيرات النوع (ذكور واناث)والعمروتحديد الأساليب والتوجهات الملائمه لكل هذه التغيرات حتى لا تقود إلى خلل ديمو غرافى.
  • تحديد السكان ممن هم في سن النشاط الاقتصادى وتقدير إمكانيات المجتمع من الموارد البشرية ومن القوة العاملة المنتجة.
  • التعرف على أماكن الجذب والطرد السكانى وتحديد سياسات المستوطنات البشرية.
  • تساعد الدراسات السكانيه على توظيف وتسخير موارد المجتمع بصوره محسوبه ومقدره تقديرا دقيقا مما يساعد على تجنب الهدر في الموارد والإمكانيات.

المراجع

  1. ^ مقدمة في علم السكان وتطبيقاته – مركز بصيرة – ماجد عثمان – الولوج 31 أكتوبر 2012 نسخة محفوظة 04 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
  2. ^ H. Mowlana (2001). “Information in the Arab World”, Cooperation South Journal 1.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى