شبكات تمويل جماعة الإخوان المسلمين في الغرب: المظاهر والتجليات

بقلم نورة الحبسي

أمام توالي الضربات الإرهابية في البلدان الغربية خلال الفترة الأخيرة، وتنامي النقاش فيها حول مخاطر الحضور الإخواني وسبل مقاومته جراء الاقتناع المتزايد في دول أوروبا وأمريكا بوجود روابط إيديولوجية، وتنظيمية أحيانا بين جماعة الإخوان المسلمين والدوافع المتحكمة في عمليات “الذئاب المنفردة” التي ينفذها بعض المتطرفون داخل دول القارة، يصبح من المهم إلقاء الضوء على شبكات المال والأعمال الخاضعة لمراقبة الإخوان في الغرب وطرق عملها.

وتنطلق هذه الورقة من حقيقة أن البحث في الملف الاقتصادي لجماعة الإخوان المسلمين مهمة في غاية الصعوبة جراء الإجراءات الاحترازية المعقدة التي تتبعها الجماعة في سبيل طمس مصادر تمويلها وطريقة إدارتها لثروتها المالية ومجالات إنفاقها. وقد ساعدها على ذلك تمرسها في التلاعب بطرق الإفلات من الرقابة الحكومية – والداخلية أيضاً – عبر توظيف خبراتها التاريخية الممتدة في العمل السري وعلاقاتها المتوترة مع الحكومات المختلفة.

نظام الإخوان المسلمين الاقتصادي

يشكل الاقتصاد أهمية استثنائية لدى جماعة الإخوان المسلمين، ليس لأنه يعد أحد مرتكزات قوة الجماعة وأهم أدوات تنفيذ مشروعها الفكري والسياسي فقط، وإنما لأنه يتم توظيفه في بناء الذراع الاجتماعية المؤيدة للجماعة أيضاً من خلال المساعدات والمشروعات الخدمية التي تقيمها الجماعة لاستقطاب فئات المجتمع إليها، وخاصة الفقيرة والمهمشة، والاستقواء بها عند الضرورة، بل واستغلالها سياسياً في أوقات الانتخابات.

وقد ترافق الاهتمام الاقتصادي لدى جماعة الإخوان المسلمين، منذ بدايات نشأتها الأولى، مع اهتماماتها الدعوية والسياسية؛ فصار العامل الاقتصادي – إلى جانب اختياراتها الدعوية وتوجهاتها السياسية – يشكل أحد الأبعاد الأساسية في صياغة رؤية الجماعة الأيديولوجية. وما فتئ أن انتهى الأمر بتسلط رجال المال والأعمال على قضايا التنظيم والتنظير حتى صارت الجماعة – على حد تعبير أحد قادتها المنشقين عنها – “تُقاد بالصرافين والمصرفيين وليس بالعلماء الواعظين”[1].

ويتميز الاقتصاد الإخواني بكونه موجه لخدمة مشروع الجماعة الفكري والسياسي، ويتمتع بالقدرة على التكيف مع مختلف النظم السياسية، وأنه اقتصاد مُسَيَّس يميل نحو التدين حيث سعت الجماعة إلى توظيف الدين لتنمية مواردها المالية وبناء إمبراطوريتها الاقتصادية، وهو اقتصاد خدمي يستهدف التغلغل في المجتمع أيضاً، وهو اقتصاد عائلي مرتبط بعلاقات القرابة والمصاهرة بين قيادات الجماعة وعناصرها.

كما أن نظام الإخوان المسلمين الاقتصادي، من جهة أخرى، يمكن وصفه بكونه اقتصاد يستثمر في الأنشطة الاستهلاكية سريعة الربح والابتعاد عن الاستثمار في السلع الرأسمالية التي من شأنها بناء اقتصاد وطني قوي. كما أنه اقتصاد معولم ومنفتح على العالم ما سمح للجماعة الاستفادة من الثغرات الموجودة في بعض الملاذات الآمنة لتعزيز قدراتها الاقتصادية.

وأما اهتمام الإخوان المسلمين بالغرب فيعود إلى خمسينيات القرن الماضي وبالضبط غداة حادث المنشية عام 1954، وما تلاه من حظر قانوني للجماعة وتواتر الاعتقالات في صفوفها وتحفظ على أموالها وممتلكاتها، حيث شكل هذا الحادث نقطة انطلاق قوية لإخوان مصر للتحرك نحو الخارج وكانت بداية الانطلاق من دول الخليج العربي.

وتبعاً لذلك طورت الجماعة رؤية استراتيجية لـ “غزو” بقية الدول العربية وصولاً إلى الدول الغربية، في أوروبا وأمريكا، التي شكلت صمام أمان لمشروعها الشمولي مستفيدة من توظيف خطاب براغماتي يستوعب هوامش الحرية في الديمقراطيات الغربية وينشد ترسيخ جذورها في الجاليات المسلمة المقيمة بمجتمعاتها. وقد شكل الاستثمار الاقتصادي أحد مداخل الجماعة الأساسية لتحقيق أهدافها في التمدد بهذه الدول. وهو ما تحقق لها بالرهان على عنصرين أساسيين:

  • تشكيل نخبة اقتصادية نافذة من جهة؛
  • وإنشاء مؤسسات مالية في الدول الغربية من جهة أخرى.

النخبة الاقتصادية الإخوانية

على غرار نخبتيها الدينية والسياسية التي اجتهدت الجماعة في تشكيلهما لصياغة خطاب أيديولوجي يوظف الدين في خدمة السياسة، برعت الجماعة في تشكيل نخبة اقتصادية قادرة على استثمار المال والأعمال في تعزيز قوتها ونفوذها، ومن هنا ظهر من بين أعضائها أسماء شخصيات اقتصادية وازنة برز نجمها في عالم المال والأعمال على المستوى العالمي، نذكر منهم:

  • يوسف ندا

رجل أعمال مصري حمل جنسيات دول عدة منها ليبيا وتونس وإيطاليا، وكان يشغل منصب المفوض لجماعة الإخوان المسلمين في الخارج[2]، ويقدم على أنه “وزير مالية الإخوان”. كما يلقب بـ “البرنس” استناداً إلى علاقاته مع العديد من أجهزة المخابرات الأوروبية[3] والشخصيات السياسية البارزة التي منها الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة الذي منحه الجنسية التونسية.

وقد فتحت الجنسية التونسية لـ يوسف ندا أبواب السفر والتنقل في أوروبا، وأهلته للحصول على تأشيرة لمدة عشرة أعوام في الولايات المتحدة الأمريكية[4]. كما أنه تزوج ابنة الرئيس السوري الأسبق (أديب الشيشكلي) ذي الصلة الوثيقة بأجهزة الاستخبارات البريطانية[5]، فيما تزوجت ابنته من نجل مراقب الإخوان المسلمين في سوريا عصام العطار[6].

أسس يوسف ندا، الذي لم يكن يملك سوى معمل ألبان عند خروجه من مصر “قبل أن يكوّن إمبراطوريته المالية المعروفة”[7]، “بنك التقوى” عام 1988 الذي يعد أول بنك إسلامي يعمل خارج العالم الإسلامي، حيث يوجد مقره الرئيسي في جزيرة ناسو بجزر البهاما المجاورة لـ كوبا والولايات المتحدة الأمريكية، التي تسمح بالاستثمار والعمل المصرفي خارج الرقابة الحكومية وفق نظام “الأوف شور”. وقد وصلت تقديرات بعضهم لرأس مال البنك عند التأسيس بـما يعادل “(229) مليون دولار”. كما وصلت ميزانيته في 31 ديسمبر 1994، مبلغ 258.667.162 دولار أمريكي[8].

كما قام ندا بتأسيس العديد من الفروع لبنك التقوى في ليختنشتاين وبريطانيا[9]، وأنشأ شركتي “ندا إنتر ناشيونال للخرسانة” و”التقوى للإدارة” اللتين تمت تصفيتهما في فبراير 2004[10] بعد ما تم اتهام مجموعة التقوى، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، بدعم الإرهاب من طرف الإدارة الأمريكية التي باشرت عمليات تجميد أموالها[11].

  • إبراهيم الزيات

من مواليد عام 1968، مصري الأصل وحامل للجنسية الألمانية، ويعد أحد أعمدة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. ينتمي إلى أسرة إخوانية بامتياز فوالده هو القيادي الإخواني السابق فاروق الزيات إمام سابق لمسجد هامبورج في ألمانيا، وشقيقه بلال هو أحد مؤسسي “منظمة الشباب الألماني المسلم”، فيما شقيقته منال هي زوجة أحد أنجال عضو مكتب إرشاد الجماعة، والمتحدث الرسمي باسمها في الخارج قبل استقالته الدكتور كمال الهلباوي، وهي التي تتولى الإشراف على عدد من المنظمات الإسلامية في الدول الأوروبية[12].

تولى إبراهيم الزيات قيادة عدد من الأنشطة الإسلامية في الغرب مثل رئاسة كل من “الجماعة الإسلامية في ألمانيا”، والمركز الإسلامي في ميونخ[13]، والمركز الإسلامي في مدينة كولون، ودار الوقف الإسلامي في بريطانيا. كما تولى مهام إدارية مهمة في هيئة الإغاثة الإسلامية في بريطانيا، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي[14]، ويُحسب له تأسيس منتدى المنظمات الأوروبية للشباب والدارسين المسلمين الذي يتخذ من بروكسل مقراً له، وهو المنتدى الذي يقود حملة عدائية ضد نظام الحكم القائم في مصر حالياً ويساند بشدة تنظيم الإخوان المسلمين منذ عزل محمد مرسي عام 2013[15].

كما اكتسب إبراهيم الزيات عضوية مجلس أمناء مؤسسة ميللي جروش التركية، وهي مؤسسة معروفة بقدرتها على جمع التبرعات وأموال الزكاة من المسلمين الأتراك في ألمانيا والدول الأوروبية، وذلك بحكم زواجه من صبيحة أربكان ابنة شقيق الزعيم التركي الإسلامي نجم الدين أربكان. فضلاً عن نشاطه الدؤوب في إنشاء عدد من الشركات الاستثمارية والعقارية في ألمانيا، التابعة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين[16].

وعلى الرغم من نجاح إبراهيم الزيات في ربط صلات قوية مع عدد من المنظمات البحثية والفكرية في أوروبا مثل المعهد الأوروبي للعلوم الاجتماعية، والبرلمان الألماني (البوندستاج)، والبرلمان الأوروبي فإن شبهات كثيرة حامت حوله في عقب أحداث 11 سبتمبر 2001. كما ظهرت شبهات قوية بشأن تورطه في عمليات اختلاس وغسيل أموال في ألمانيا[17].

  • عصام الحداد

كان الدكتور عصام الحداد، الذي تولى منصب مساعد رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية على عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، واحداً من أهم الشخصيات في تمويل الإخوان في لندن[18]، وهو الذي أدار حملته الرئاسية. كما أن الجميع يعرف دوره الاقتصادي البارز داخل مصر وخارجها حيث يعتبر الحداد همزة وصل بين رجال أعمال الإخوان وزملائهم الأجانب[19].

كما أنه ينتمي إلى عائلة ثرية تمتلك العديد من الاستثمارات في لندن بشراكة مع بعض المواطنين ورجال الأعمال الباكستانيين من المسلمين المقيمين هناك[20]؛ فشقيقه مدحت الحداد رجل أعمال شهير وهو مؤسس مجموعة من شركات المساهمة وشركات الأشخاص العاملة في مجال المقاولات والاستثمار العقاري وتنظيم المعارض والتصدير والاستيراد[21]، أما شقيقه الآخر فهو هشام الحداد أحد أبرز قيادات الإخوان في الإسكندرية، ووالد جهاد الحداد الناشط الإخواني البارز والمسؤول عن ملف العلاقات الخارجية في مشروع “النهضة”[22].

تولى عصام الحداد إدارة منظمة الإغاثة الإسلامية منذ أول يناير عام 1992، غير أنه ظل يمارس مهامه في الظل خلال عهد الرئيس حسني مبارك، لأسباب أمنية خاصة لأن “ظهوره كان سيؤدي إلى تتبع الجهات الحكومية لأموال تنظيم الإخوان” غير أن أول ظهور له تم بعد تولي الإخوان الحكم ومن ثم “ترقيته ليكون مساعد الرئيس للشؤون الخارجية”.

واضطر عصام الحداد في أعقاب هذه التطورات إلى الاستقالة من منصبه مديرا لهذه المنظمة المثيرة للجدل يوم 12 يوليو 2013، عقب الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي بـ 9 أيام فقط، بدافع الخوف “من تتبع أموال الجماعة أو مصادرتها أو مخاطبة الجهات الخارجية لتجميد هذه الأموال” حسب تحليل الدكتور سمير غطاس رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية والخبير في شؤون الجماعات الإسلامية[23].

كما كشف سمير غطاس أن عصام الحداد كان مسؤولاً عن الإشراف على التنسيق بين 64 جمعية عبر العالم، وهذه المهمة كانت تتطلب منه عدم الظهور على السطح، وأنه تحمل هذه المسؤولية من منطلق خبرته “في التنسيق بين فروع الجمعيات والجماعة في الخارج” وأسعفه في ذلك إجادته للغة الإنجليزية[24].

ثانياً: المؤسسات المالية الإخوانية في الغرب

تمكّنت جماعة الإخوان المسلمين منذ خمسينيات القرن الماضي من التسرب إلى عدد من الدول الغربية عبر اختراق الجاليات المسلمة فيها بتأسيس هيئات تنظيمية تتولى في البداية تنظيم العبادة مثل مسجد ميونيخ ثم تقديم نموذج في التدين يساير مستلزمات العيش المشترك في البيئة الغربية، ومن ثم التوغل في الفضاء العمومي لتلك الجاليات خاصة مع بداية التسعينيات حيث تكوّنت في أوروبا عدد من المنظمات الإسلامية التي هيمن عليها الإخوان.

وفضلاً عن الحضور الإخواني المكثف والمعهود ذي الطبيعة الثقافية والاجتماعية في الدول الغربية – المتمثل في شكل جمعيات ومنظمات وهيئات مستقلة ليست، بحسب كتابات الصحفي الأمريكي ستيفن ج ميرلي، سوى “واجهات «إخوانية» في تيار عالمي له أبعاد سياسية مدروسة”[25] – بات هناك حضور آخر من طبيعة تجارية يعزز تمدده في مجتمعاتها من ذلك ما بات يعرف بـ “تجارة الحلال”.

وقد ذكر تقرير لمجلة “إنسايدرز” الأمريكية، في هذا الصدد، أن قيمة تجارة اللحوم الحلال وحدها قدرت بنحو 2.3 تريليون دولار أمريكي سنوياً، وتوقعت التقرير نفسه أن تصل بحلول عام 2020 إلى 6.4 تريليون دولار[26]. كما يتوقع أن ينمو حجم سوق الأغذية والمشروبات الحلال العالمي ليصل إلى 739.59 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025.

 ووفقاً لتقرير جديد صادر عن شركة (Grand View Research, Inc) ستشهد صناعة الأغذية الحلال العالمية نموًا كبيرًا بسبب زيادة أعداد السكان المسلمين، وهو ما يعني زيادة كبيرة في استهلاك المواد الغذائية؛ إذ من المتوقع أن يرتفع إجمالي عدد السكان المسلمين من 23٪ في الوضع الحالي إلى حوالي 30٪ من إجمالي سكان العالم بحلول عام 2030[27].

وتشرف على منح رخص اللحم الحلال، حسب عدد من المتابعين، عدد من الهيئات الإخوانية أو المخترقة من الإخوان، منها: المركز الثقافي الإسلامي في جنيف، ومؤسسة ألمانيا الإسلامية (IGD)، والمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (الذي بات يعرف حالياً باسم “مسلمو فرنسا”)، وكذلك اتحاد الهيئات الإسلامية في إيطاليا وبواسطتها “يجنون ملايين الدولارات التي ينفقونها في ما بعد على تمويل التنظيم العالمي”[28].

كما تم إنشاء وكالة اعتماد الحلال (HAK) لتوفير خدمات اعتماد الحلال لهيئات تقييم المطابقة الحلال الموجودة في كل من تركيا وخارجها، وتحديد وتطبيق المعايير والتدابير المتعلقة باعتماد الحلال، فضلاً عن توقيع اتفاقيات الاعتراف المتبادل الثنائية أو متعددة الأطراف[29].

كما أنّ تجارة الحلال لم تعد تقتصر على المأكولات فقط، بل باتت تضمّ قطاعات أخرى، مثل: أدوات التجميل، والأدوات المنزلية والطبية، والسياحة، والقطاع المصرفي، برأس مال قدِّر بـ 2,300 مليار دولار، عام 2017، في أرجاء العالم كافة[30]. وقد نمت السياحة الحلال عبر العالم بنسبة 30٪، منذ عام 2016. كما توقعت ماستر كارد  وكريسنت رايتينغ  في دراسة مشتركة صدرت حديثاً، أن مساهمة هذا القطاع في الاقتصاد العالمي ستقفز خلال العقد المقبل من 180 مليار دولار إلى 300 مليار دولار[31].

كما تتوفر الجماعة في أوروبا على عدد من الجمعيات ذات الصبغة الثقافية أو الدينية غير أنها تتصرف واقعياً كأداة فعالة لجمع وتصريف أموال الجماعة، منها:

 “مؤسسة الإغاثة الإسلامية” التي تتخذ من لندن مركزاً رئيسياً لها وقد أُنشئت عام 1984 من طرف قيادات إخوانية على رأسهم “إبراهيم الزيات، وهاني البنّا، ورجل الأعمال المصري الأصل البريطاني الجنسية (عمر الألفي)”[32]؛ وهي تقوم بنشاطها المعلن “تحت بند أنشطة العمل الاجتماعي”. ويترأس إدارتها عصام الحداد إلى جانب مجموعة من قيادات الإخوان المسلمين، على رأسهم العراقي أحمد كاظم الراوي وهاني عبد الجواد البنّا المنصوري[33].

وقد بلغ دخل المؤسسة وإيراداتها عام 2012 حوالي “130 مليون جنيه إسترليني”. كما تجاوز إجمالي ما حصلت عليه هذه المنظمة منذ عام 2008 أكثر من 456 مليون جنيه إسترليني”[34]، وتأتي أكبر نسبة تمويل لهذه المؤسسة من التبرعات داخل بريطانيا بحوالي 46٪، ومنح بعض الشركاء بحوالي 22٪، فضلاً عن المانحين من خارج بريطانيا[35].

كما ذهب تقرير آخر إلى أن حصة المساهمين الرئيسيين في المنظمة بلغت وفقاً لأوراقها وميزانياتها 39.2 مليون جنيه إسترليني، بينما بلغ حجم أصول المؤسسة 42.2 مليون جنيه إسترليني؛ فيما قدر حجم السيولة المالية لديها بحوالي 21,4 مليون جنيه إسترليني”[36]، وكشف أنها “تتلقى دعماً من البنك الإسلامي للتنمية واتحاد الأطباء العرب ومنظمة الأمم المتحدة”[37].

كما خلص عبدالخالق فاروق من دراسته لاقتصاديات الإخوان إلى أن التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين يتحكم في الأموال المعلنة لمؤسسة الإغاثة الإسلامية، و”بالتالي لا تدرج مواردها ونفقاتها في التقرير السنوي المعروض وفقاً للقوانين البريطانية للعمل الخيري”، أما حجم هذه الأموال فقدرها فاروق بــ “نحو 200 إلى 250 مليون دولار سنوياً” توظف في انتشار التنظيم “تحت عباءة النشاط الإنساني والإغاثي”[38].

– “اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا” الذي تأسس في بروكسل بداية تسعينيات القرن الماضي من أجل “لمّ الشمل والتنسيق بين جماعات الإخوان المسلمين، في أكثر من عشرين دولة”[39]، حيث يقدر البعض أن الإخوان أسسوا عن طريقه “500 مؤسسة في 28 بلداً أوروبياً”[40]. وقد خلصت دراسة للصحفي الأمريكي المتخصص في شؤون مكافحة الإرهاب ستيفن ج ميرلي بعنوان “اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا” نشرت في أكتوبر 2008، إلى أن الاتحاد يتمتع بالقوة المالية والمحافظة على مستقبله بفضل “عدد الأعضاء الذين يناهزون 400 ألف عضو، مع رأسمال يصل إلى 900 مليون جنيه إسترليني (1.5 مليار دولار)، 40٪ منها ضمن استثمارات عقارية في بريطانيا وألمانيا واليونان ورومانيا وغيرها”[41].

– “المجلس الأوروبي للفتوى والبحوث” الذي تأسس عام 1997 بدعوة من “اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا” ومقره بالعاصمة الأيرلندية دبلن، وتناط به مهام “الإفتاء في القضايا المتعلقة بالأقليات المسلمة في أوروبا”[42]، وقد أنشأه إبراهيم منير، وبعض معاونيه ليتخذ “وسيلة للتغطية الدينية لعمليات جمع أموال الزكاة والتبرعات، ووضعوا على رأسه الشيخ “يوسف القرضاوي” والشيخ اللبناني “فيصل المولوي”، والتونسي “راشد الغنوشي”، ومن إسبانيا “الشيخ عبدالرحمن الطويل”، ومن ألمانيا “الشيخ محمد الهواري”[43].

– “المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية” الذي يتولى مهمة تدريب الأئمة في ثلاث جامعات موزعة على فرنسا وويلز، فضلاً عن مجموعة من الكيانات الاقتصادية التي تقوم على توصيل الأموال الآتية من مناطق مختلفة إلى المنظمات والحركات التابعة للإخوان، وذلك للتوسع في عمليات بناء المساجد في جميع الأنحاء الأوروبية”[44].

وفي هذا السياق أيضاً يأتي “نجاح الإخوان المسلمين في أوروبا في تأسيس المنتدى الدولي للبرلمانيين الإسلاميين، الذي يعمل لمساندة الجماعة في المواقف المختلفة”، بحسب ناثان براون (Nathan Brown) الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية[45].

وهذا المنظمات على الرغم من اختلاف مسمياتها وشكليات عملها تتلاقى جميعها، حسب إيان جونسون (Ian Johnson)، “في النهاية عند طرف «جماعة الإخوان المسلمين» عبر شبكة من المستشارين، على رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي. كما تتلقى هذه الهيئات والمنظمات تمويلات سخية من عدد من الجهات الأجنبية”[46].

 

خلاصة:

إن ضخامة الحضور المالي للإخوان في الدول الغربية لا بد أن يسائل حكوماتها حول تجاهلها لحجم هذه الأموال وطريقة حركاتها وأوجه إنفاقها، سواء داخل مجتمعاتها أو ما ينقل منها إلى المجتمعات العربية الإسلامية، وسواء تعلق بمداخيل التجارة الحلال أو غيرها لا سيما الزكاة بنوعيها زكاة الأموال وزكاة الفطر حيث صدرت فتوى إخوانية، تحرم إرسالها إلى فقراء دولهم الأصل[47].

فهذه الفتوى تنطوي على الدعوة الصريحة إلى صرف الزكاة على الهيئات الإخوانية في بلاد الغرب، حيث ذكر صاحبها “إن دعم وتمويل المؤسسات الإسلامية وإنشاء وتأسيس المؤسسات التي يحتاج إليها الوجود الإسلامي في أوروبا من أموال الزكاة هو واجب الوقت وهذا لن يتحقق إلا بالتوقف والامتناع عن نقل الزكاة”[48].

تؤكد هذه الفتوى بما لا يدع مجالاً للشك بأن الدول الغربية قد كانت خلال عقود بمثابة الحديقة الخلفية لأنشطة الجماعة المالية ومرتعاً لنخبتها الاقتصادية، وأنه آن الأوان للتفكير الجدي حول مستقبل النشاط الإخواني في الغرب بمختلف أشكاله وتجلياته والعمل على تجفيف مصادره المالية باعتباره الخطوة الأولى في اتجاه مقاومة الإرهاب بمختلف صوره ومستوياته.


المراجع

[1] السيد عبد الستار، تجربتي مع الإخوان من الدعوة إلى التنظيم السري، موقع إخوان ويكي، على الرابط التالي: https://bit.ly/3cMrPpI

[2].     محمد الدابولي، “اقتصاد الإخوان.. من «شركة البنّا» إلى «مجمعات الشاطر»”، 27 يونيو 2018، موقع المرجع، على الرابط التالي: https://www.almarjie-paris.com/2084

[3].     “تعرف على أبرز المراكز المالية لجماعة «الإخوان» في أوروبا والغرب”، 11 يونيو 2019، موقع المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات (ECCI)، على الرابط التالي: https://bit.ly/35U5oMN

[4].     انظر: “القصة الكاملة للملياردير الغامض يوسف ندا.. باني إمبراطورية الإخوان المالية الدولية”، 3 يونيو 2015، موقع يوتيوب، على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=ObQ3zWPmb0g

[5].     عبدالخالق فاروق، “كيف كوَّن تنظيم الإخوان “المسلمين” إمبراطوريته التنظيمية والمالية؟ وسائل التغلغل والانتشار في بلاد المهجر (4)”، 11 يناير 2018، موقع مصراوي، على الرابط التالي: https://bit.ly/3cuU0cv

[6].     المصدر نفسه.

[7].     انظر تصريح أحمد بان، في “تمويل الإخوان في مصر.. العقيدة والمال”، 02 يوليو 2015، موقع ميدل إيست أونلاين، على الرابط التالي: https://bit.ly/2WsTxSU

[8].     مركز الدراسات التاريخية، “الإخوان المسلمون والملف الاقتصادي في عهد مبارك”، موقع إخوان ويكي، على الرابط التالي: https://bit.ly/35VlWUK.

[9].     “تعرف على أبرز المراكز المالية لجماعة «الإخوان» في أوروبا والغرب”، مرجع سابق.

[10].   المصدر نفسه.

[11].   مركز الدراسات التاريخية، “الإخوان المسلمون والملف الاقتصادي في عهد مبارك”، مرجع سابق.

[12].   عبدالخالق فاروق، “كيف كوَّن تنظيم الإخوان «المسلمين» إمبراطوريته التنظيمية والمالية؟ التغلغل في أوروبا (2)”، 28 ديسمبر 2017، موقع مصراوي، على الرابط التالي: https://bit.ly/2LlrG0v

[13].   سمير أمغار، “الإخوان المسلمون في أوروبا: دراسة تحليلية لتنظيم إسلامي”، ترجمة دينا محمد، سلسلة مراصد، ع 10، مكتبة الإسكندرية، 2012، ص 9.

[14].   عبدالخالق فاروق، “كيف كوَّن تنظيم الإخوان «المسلمين» إمبراطوريته التنظيمية والمالية؟ التغلغل في أوروبا (2)”، مرجع سابق.

[15].   المصدر نفسه.

[16].   المصدر نفسه.

[17].   المصدر السابق نفسه.

[18].   عبدالرحمن شلبي ومحمد علي زيدان، “«الإخوان» تدير إمبراطورية مالية خفية رأسمالها 100 مليون إسترليني

في بريطانيا وسويسرا”، مرجع سابق.

[19].   عادل عامر، “رجال الإعمال الإخوان في مصر”، مرجع سابق.

[20].   عبدالرحمن شلبي ومحمد علي زيدان، “«الإخوان» تدير إمبراطورية مالية خفية رأسمالها 100 مليون إسترليني في بريطانيا وسويسرا”، 7 إبريل 2014، موقع هات بوست، على الرابط التالي: https://bit.ly/2SIXyjv.

[21].   “مدحت الحداد”، 5 مارس 2007، موقع إخوان أون لاين، على الرابط التالي: https://bit.ly/2Nlhk1r

[22].   المصدر نفسه.

[23].   عبدالرحمن شلبي ومحمد علي زيدان، “«الإخوان» تدير إمبراطورية مالية خفية رأسمالها 100 مليون إسترليني في بريطانيا وسويسرا”، مرجع سابق.

[24].   المصدر نفسه.

[25].   عماد الدين الجبوري، “رؤية غربية للإخوانية العالمية (1-2)”، 7 سبتمبر 2013، موقع الجريدة الكويتية، على الرابط التالي: https://www.aljarida.com/ext/articles/print/1462206291441371600/

[26].   ماهر فرغلي، “هل يحتكر الإخوان المسلمون اقتصاد “الحلال” في أوروبا؟“، 20 يناير 2019، موقع حفريات، على الرابط التالي: https://bit.ly/2AOeKOL

[27] . Halal Food Market Size Worth $739.59 billion By 2025, Grand View Research, February 2018, grandviewresearch.com/press-release/global-halal-food-market

[28].   المصدر نفسه.

[29] .  Halal Accreditation Agency, Republic of Turkey, https://english.hak.gov.tr/about-us/history

[30].   ماهر فرغلي، “هل يحتكر الإخوان المسلمون اقتصاد “الحلال” في أوروبا؟”، مرجع سابق.

ومن المتوقع أن تصل القيمة السوقية لمستحضرات التجميل الحلال وحدها إلى 54.16 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2022. انظر: M. Shahbandeh, Global Muslim food and beverage market value 2015-2023, Statista, Feb 5, 2019, https://www.statista.com/statistics/737151/global-muslim-food-and-beverage-market

 [31] Debra Kamin, The Rise of Halal Tourism, January 18, 2019, https://www.nytimes.com/2019/01/18/travel/the-rise-of-halal-tourism.html

[32].   عبدالخالق فاروق، اقتصاديات جماعة الإخوان المسلمين في مصر والعالم: محاولة أولية للتقدير، مرجع سابق، ص 155.

[33].   عبدالرحمن شلبي ومحمد علي زيدان، “«الإخوان» تدير إمبراطورية مالية خفية رأسمالها 100 مليون إسترليني في بريطانيا وسويسرا”، مرجع سابق.

[34].   المصدر نفسه، ص 156.

[35].   المصدر نفسه، ص 156.

[36].   عبدالرحمن شلبي ومحمد علي زيدان، “«الإخوان» تدير إمبراطورية مالية خفية رأسمالها 100 مليون إسترليني في بريطانيا وسويسرا”، مرجع سابق.

[37].   المصدر نفسه.

[38].   عبدالخالق فاروق، اقتصاديات جماعة الإخوان المسلمين في مصر والعالم: محاولة أولية للتقدير، مرجع سابق، ص ص 159-160.

[39].   هيثم مزاحم، “واقع «الإخوان المسلمين» في أوروبا”، 7 يوليو 2015، موقع بيروت نيوز عربية، على الرابط التالي: https://www.beirutme.com/?p=12639.

[40].   سمير أمغار، “الإخوان المسلمون في أوروبا: دراسة تحليلية لتنظيم إسلامي”، مرجع سابق، ص 9.

[41].   عماد الدين الجبوري، “رؤية غربية للإخوانية العالمية (1-2)”، مرجع سابق.

[42].   هيثم مزاحم، “واقع «الإخوان المسلمين» في أوروبا”، مرجع سابق.

[43].   عبدالخالق فاروق، “كيف كوَّن تنظيم الإخوان «المسلمين» إمبراطوريته التنظيمية والمالية؟ التغلغل في أوروبا (2)”، مرجع سابق.

[44].   هيثم مزاحم، “واقع «الإخوان المسلمين» في أوروبا”، مرجع سابق.

[45].   عبدالخالق فاروق، اقتصاديات جماعة الإخوان المسلمين في مصر والعالم: محاولة أولية للتقدير، مرجع سابق، ص 78.

[46].   هيثم مزاحم، “واقع «الإخوان المسلمين» في أوروبا”، مرجع سابق.

[47].   صدرت الفتوى على لسان خالد حنفي أحد مفتي الجماعة في أوروبا. انظر: “حكم نقل الزكاة خارج أوروبا”، 4 يونيو 2018، موقع يوتيوب، على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=Yhq61UT5c6w

[48].   انظر: “حكم نقل الزكاة خارج أوروبا”، 4 يونيو 2018، موقع يوتيوب، على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=Yhq61UT5c6w

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button