دراسات جيوسياسيةنظرية العلاقات الدولية

طرح جديد لمفهوم الإقليمية

الدراسات الإقليمية المعاصرة: نحو طرح جديد لمفهوم الإقليمية. 

الكاتب: رمزي بن دبكة

إن الاهتمام المعاصر بالتكتل الإقليمي أو ما يطلق عليه بالإقليمية الجديدة ” New Regionalism ” يشكل بلا شك إحدي الاتجاهات المهمة في العلاقات الدولية المعاصرة، فالاهتمام العلمي هذا المجال تزامن مع إنشاء عدد من المنظمات الإقليمية مثل اتفاقية أمريكا الشمالية للتجارة الحرة (NAFTA)، والسوق المشتركة لدول أمريكا الجنوبية (MERCOSUR) التي أنشئت سنة 1991م، وعلى صعيد آخر أنشئت منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي (APEC) في سنة ۱۹۸۹م. لقد ارتبط الاهتمام الأكاديمي بالإقليمية الجديدة بعدد من التغيرات على الصعيد العالمي، بما في ذلك؛ قاية الحرب الباردة، زيادة الترابط الاقتصادي بين الدول، إنشاء العديد من المنظمات والاتفاقيات الإقليمية، بالاضافة إلى العولمة.

تهدف هذه الدراسة إلى التعريف بالإقليمية الجديدة، وتوضيح مدى اختلافها عن الإقليمية القديمة، واستكشاف خصائصها الرئيسة بوصفها نظرية قابلة لأن تكون إطارة التحليل التعاون الإقليمي. وبذلك تنقسم المناقشة إلى ثلاثة أقسام: أولا: العوامل المؤثرة في تكوين المنظمات و التكتلات الإقليمية ؛ ثانيا: المفهوم التقليدي للإقليمية حتى يتضح الفرق بينها وبين الإقليمية الجديدة ؛ وثالثا: مفهوم الإقليمية الجديدة وخصائصها الرئيسة.

العوامل المؤثرة في تكوين المنظمات و التكتلات الإقليمية : تتنوع البواعث على قيام المنظمات و التكتلات الإقليمية وتتعدد باختلاف الأزمنة و المناطق. تاريخيا، كانت البواعث العرقية و الثقافية والتي تستند على وحدة الأصل و اللغة و الدين، هي الفاصل في تكوين الأحلاف و التكتلات كما حدث بشكل واضح جدا في منطقة الشرق الأوسط عموما.(۱) وهناك كذلك الدوافع الأمنية والجيوسياسية التي مصدرها الشعور بضرورة التكتل للدفاع من أجل مواجهة تمدید مشترك أو لاستباق وقوع حروب داخل الإقليم نفسه وهذا ما ينطبق عموما على أوروبا في مراحل تاريخية متنوعة. بالاضافة إلى وجود العامل الجغرافي باعتباره عنصرا أساسيا في عملية التكتل كذلك. لقد ظهر جليا الآن أن هذه العوامل قد فقدت الكثير من بريقها كما أنها لا تتناسب مع عصر العولمة و السرعة. بحيث أن التيكنولوجيا الحديثة قد يرت وجعلت التواصل و التفاهم بين الشعوب أمرا لا يحتاج معه إلى الوحدة في الأصل أو الانتماء إلى دولة معينة.

وبينما كان تحديد المناطق والأقاليم مرتبط عادة بقرب الدول جغرافيا مثلما حدث في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح من الواضح أن عدم ترابط الدول جغرافية لا يلزم عنه بالضرورة عدم قدرتها على التعاون، كما أن تواصلها حدوديا لا يعني قدرتهما على التكامل إقليمية. فالمعيار الجغرافي بوصفه شرطا أساسيا لعملية التكامل الإقليمي فيما مضى، أصبح قاصرا عن تفسير التعاون والترابط بين الدول من جهة، وعن مواكبته للتغيرات الهيكلية في النظام العالمي من جهة أخرى وخاصة مع بروز العولمة. من هذا المنطلق، ظهرت دراسات إقليمية جديدة تبشر بوجود عوامل و مؤشرات لها القدرة على المساهمة في تفسير مظاهر التعاون الإقليمي المعاصر والمساعدة في تحليله والتي يمكن تلخيصها في النقاط الآتية:

أ ارتباط الدراسات الإقليمية المعاصرة أكثر من أي وقت مضى بالتحولات الهيكلية للنظام العالمي والتي تتلخص في: انهيار الإتحاد السوفياتي ومدى تأثيره في سياسة الأحلاف؛ ازدیاد قوة العولمة ودورها في ترابط الدول في شتى المجالات؛ ظهور التوترات والحروب التي لها انعكاساتها على التعاون الدولي عموما والإقليمي خصوصا إما إيجابا أو سلبا، كحرب الخليج، والبلقان، والحرب على الارهاب.

ب فيما قامت الدراسات الإقليمية القديمة على اعتماد عوامل و عناصر محدودة في تحليل منظمات معينة، كاستخدام العنصر الجغرافي لتحليل السوق الأوروبية المشتركة أو رابطة دول جنوب شرق آسيا، واستخدام وحدة اللغة و العرق والدين في تحليل جامعة الدول العربية، فإن الدراسات الإقليمية المعاصرة تقودنا إلى الجمع بين مختلف العوامل و المتغيرات، بالاضافة إلى الأفكار، والمناقشات في مجال التعاون الإقليمي، ثم السعي إلى إبراز خصائص مشتركة للإقليمية. وعلاوة على ذلك، فقد برزت الدراسات الإقليمية المعاصرة بوصفها فرعا مميزا في الاقتصاد السياسي الدولي وهذا ما يجعل البحث في هذا المجال أكثر مرونة وتكاملا.

ج تطورت الدراسات الإقليمية السابقة في مرحلة الحرب الباردة و الثنائية القطبية مما جعل الجانب الأمني والجيوستراتيجي يغلب على باقي الجوانب وخاصة منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. أما الدراسات الإقليمية المعاصرة فقد وجدت وتطورت تحت ظل نظام عالمي مختلف و مميز؛ فالاقتصاد العالمي أصبح أكثر ضخامة و ديناميكية، بينما أصبح المجال السياسي أكثر تشابك و تداخل بين ما هو محلي وإقليمي وعالمي. وبالتالي، فإن كل جانب من الجوانب له دوره و نصيبه من التحليل مما قد يعزز من الفهم الدقيق لسير عملية التعاون و التكامل الإقليميين.

المفهوم التقليدي للإقليمية: إن المفهوم التقليدي للإقليمية يرتكز أساسا على فهم الأسباب التي تؤدي إلى سعي الدول للتكتل و التعاون. وهذا يمكن تقسيم مفهوم الإقليمية القديمة إلى قسمين رئيسين. بحيث يرتبط القسم الأول منها بظهور السوق الأوروبية المشتركة كجانب تطبيقي مع نهاية الحرب العالمية الثانية والتي كان من تداعياتها هدم النظام الأوروبي القديم وتقسيم العالم إلى ثنائية قطبية. فكان الإقليمية الدور البالغ في تحديد الإنتماءات القطبية من خلال طبيعة الأحلاف والتكتلات التي تتبناها الدول من جهة، ومحاولة السيطرة على التراعات الإقليمية من خلال بعث التعاون بين الدول الأوروبية من جهة أخرى.

ولعل أهم ما يميز التجربة الأوروبية هو غياب حرب أخرى على الصعيد الإقليمي مما يفسر الكم الهائل من الدراسات الإقليمية التي كانت موجهة فيما بعد لفهم طرق التعاون و أهم مراحل التكامل في أوروبا حتى تصبح نموذجا متبعا في باقي مناطق العالم.

أما القسم الثاني فهو مرتبط بالجانب النظري الذي يقودنا لطرح وجهات نظر ومقاربات مختلفة لفهم دوافع وأسباب التعاون الإقليمي. ومن هنا، فإن كل من المدارس الواقعية والوظيفية والليبيرالية سواء بتوجهاتها القديمة أو الجديدة، قد تكون مفيدة في بلورة المفهوم التقليدي للإقليمية.

1 الواقعية: ترى المدرسة الواقعية (Realism) بأن التعاون الإقليمي هو عبارة عن استراتيجية تتبعها الدول من أجل تحقيق مصالح وطنية سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو جيوستراتيجية. فتركيز المدرسة الواقعية يدور حول المصالح الوطنية للدولة وما يخدمها ككيان يسعى إلى البقاء في ظل نظام دولي تسوده الفوضى وتحكمه الصراعات وفكرة البقاء للأقوى. إذن، فالتجمعات الإقليمية ما هي إلا استجابة لحاجة الدولة ومصالحها أو لوجود متغيرات إقليمية تفرض الدخول في هذه التجمعات بدل التنافس معها مما قد يضعف كيان الدولة ويقودها إلى الزوالي.

من جهة أخرى، ترى المدرسة الواقعية بأن الدول الكبرى هي التي تدفع للتعاون الإقليمي خدمة لمصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية). وخير مثال على ذلك هو ما حدث في أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية وما تبعها من ضغوط أمريكية من خلال مشروع مارشال من أجل إنشاء الأحلاف العسكرية والمنظمات الإقليمية. فالهيمنة الأمريكية لعبت دور المحفز نحو التوجه الإقليمي في أوروبا وبالتالي فإن أي حديث عن المنظمات الإقليمية يصبح لا معن له من دون فهم دور الدول الكبرى ومصلحتها من إنشاء هذه المنظمات. أما في ظل وجود النظام الدولي الجديد الذي أعقب اخيار الإتحاد السوفياتي وقاية الحرب الباردة، فإن الولايات المتحدة كقوة فاعلة تسعى إلى عولمة العالم وفق مصالحها و هكذا فإن ما يحدث من تعاون إقليمي أو تكامل اقتصادي ما هو إلا نتيجة حتمية لما تفرضه القوى الكبرى. رأي آخر للمدرسة الواقعية يرى بأن التعاون الإقليمي هو استراتيجية للتأقلم مع العولمة التي تستلزم وجود القدرة على المنافسة وخاصة الاقتصادية منها وهذا ما لا يتحقق إلا من خلال الدخول في تكتلات (۳)

۲ الوظيفية: تطورت المدرسة الوظيفية (Functionalism) في أوربا كردة فعل على الخسائر التي خلفتها الحرب العالمية الثانية وكنظرية مفسرة للتعاون الأوربي لتجاوز الخلافات والتراعات مستقبلا. وفقا لديفيد میتراني (۱۹۶۸) رائد هذه المدرسة الفكرية، فإن التعاون والتكامل الإقليمي لا يبدأ من الجانب السياسي ولكن من المجالات الأقل إثارة للجدل کالجانب الاجتماعي والاقتصادي. ويرجع ذلك إلى أن الانقسامات السياسية هي مصدر الصراع بين الدول، ولذلك ينبغي التركيز على الجانب التقي والبرامج الوظيفية الأساسية والمشاريع الاقتصادية ضمن قطاعات محددة وواضحة. كالتعاون في مجال النقل، النفط، المواد الخام، أو أية صناعة معينة أخرى). ثم كمرحلة ثانية يمكن توسيع مجال هذا التعاون ليشمل صناعات ومجالات أخرى وكذلك ليشمل أعضاء من دول أخرى في المنطقة. كما أنه يمكن لدولة أن تشترك في مجال معين دون غيره من المجالات؛ فيخلق نوعا من التعاون الوظيفي الذي ترغب فيه الدول و يدفع بذلك الصراع الذي بينها. يعتبر التعاون في المجال التقني والمجالات الأقل إثارة للجدل بين الدول أكثر من إيجابي.

كما أن هناك إمكانية كبيرة جدا على أن هذا التوجه الوظيفي قد يؤدي إلى تغير السياسات وصناعة القرار في الدول المعنية بهذا التعاون. وكامتداد لهذه المدرسة الفكرية، يرى هاس بأن التعاون الوظيفي وبالرغم من أهميته إلا أن وجود قرار سیاسي ضروري جدا لتعزيز التعاون وتحقيق فكرة التكامل. إذ أن النظام السياسي يحوي جماعات مصالح وأحزاب سياسية، وجمعيات و تنظیمات مختلفة قد يكون من مصلحتها الدخول في التعاون أو التكامل مع الدول الإقليمية الأخرى؛ وبالتالي فإنها تقرر المشاركة في العملية الوظيفية تلقائيا). الليبيرالية: استند تحليل المدرسة الليبيرالية (Liberalism) للتعاون الإقليمي على عدد من الحجج و البراهين الأساسية والتي من أهمها؛ ازدياد الاعتماد المتبادل الذي يولد الطلب المتزايد للتعاون سواء كان دوليا، أو إقليميا. ثم إن التعاون بين الدول هو آلية لايجاد الحلول لمختلف المشاكل التي تعرقل العمل الجماعي الذي يخدم التنمية والتطور. كذلك، من المعلوم أن المجتمعات الليبيرالية تتنافس وتسعى لتصبح أغن وأقوى اقتصاديا وذلك دون الدخول في نزاعات وحروب فيما بينها مما قد يعرضها لخسائر ونتائج قد ترجعها إلى نقطة الصفر اقتصادية. لذلك فإن التعاون فيما بينها هو استراتيجية سليمة لتجنب الضرر والوقوع في التراعات.

وبالتالي فإن المنظمات الإقليمية تساعد الدول على التعامل مع مشاكلها من جهة، وتعزز الرفاه والتقدم من جهة أخرى). أما الليبيرالية الجديدة فترى بأن التعاون الإقليمي يمكن أن يخلق الوئام والسلام في المستوى الأول، تليها زيادة الرفاهية والنمو الاقتصادي ثانيا. كما أن هذه الأهداف لا تتحقق إلا من خلال دعم مفاهيم التجارة الحرة، وتشجيع الاستثمارات، وتبادل الخبرات، وذلك لدفع الدول إلى المزيد من التعاون وتعزيز إمكانية الاندماج فيما بينها مستقبلا.

مفهوم الإقليمية الجديدة: بالرغم من وجود اهتمام واسع بالإقليمية الجديدة، إلا أن الباحثين والمختصين لم يتفقوا على مفهوم موحد فا). ويرجع سبب ذلك إلى اختلافهم في تحليل الظواهر المؤثرة في التعاون الإقليمي من جهة، وإلى المرونة واستمرار تطور الإقليمية الجديدة بوصفها نظرية مازالت تحتاج إلى بعض التعديل من جهة أخرى. فمثلا، يعرف Hettne الإقليمية الجديدة بأنها عملية متعددة الأبعاد لتحقيق التكامل الإقليمي، والتي تشمل الجوانب الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية.

كما يرى بأن التكامل الإقليمي يكون من خلال قرارات وسياسات تشمل كل الجوانب المذكورة آنفا ومن دون استناء. يمكن تعريف الإقليمية الجديدة كذلك بوصفها عملية معقدة تنطوي على محاولة توحيد مجموعة من الدول أو إرساء التعاون فيما بينها. تحدث هذه العملية نتيجة تفاعل هذه الدول مع المتغيرات العالمية والإقليمية المتسارعة التي قد تستوجب الدخول في تكتلات لاجتناب أثارها السلبية، أو لمواكبة التطورات الحاصلة في شتى المجالات (1).

كما يعرف Soderbaun الإقليمية الجديدة بوصفها مجموعة من الأفكار والقيم والسياسات والاستراتيجيات التي تهدف إلى بعث التعاون من أجل خلق التنمية والحفاظ على الأمن والسلام إقليميا. وعادة ما ترتبط الإقليمية الجديدة ببرنامج وأهداف تسعى الدول المتعاونة إلى تحقيقها من خلال استراتيجية معينة قد تنتهي بإنشاء منظمة إقليمية. وعموما يمكن القول بأن العالم يشهد الآن موجة جديدة من الإقليمية ترجع جذورها إلى منتصف الثمانينات والتي تميزت بتغيرات نوعية وكمية كبيرة مقارنة بالمراحل التاريخية السابقة) ووفقا ل Spindler فإن الإقليمية الجديدة أصبحت أمرا منطقيا في الوقت المعاصر لأن العالم الذي نعيش فيه هو عالم إقليمي (أي أنه مقسم إلى مناطق إقتصادية عديدة). وهكذا فالإقليمية الجديدة عند Spindler تشير إلى نمو الاندماج المجتمعي بين الدول ويكون ذلك كنتيجة لزيادة التفاعل الاجتماعي والاقتصادي الذي تفرزه العولمة إقليميا)

الخصائص الرئيسية للإقليمية الجديدة: تختلف الإقليمية الجديدة عن القديمة سواء من حيث الجانب النظري أو التطبيقي معا. فمن حيث الجانب النظري هناك كم هائل من الكتابات والأبحاث وخاصة الغربية منها التي تهتم بالدراسات الإقليمية بل وأصبحت تدرس كاختصاص مستقل عن باقي العلوم في الجامعات و المعاهد. أما من حيث التطبيق فإنه لا يخفى على القارئ حجم المنظمات والاتفاقيات الإقليمية الكثيرة والمتنوعة التي أنشئت بداية من الثمانينات من القرن الماضي وصولا إلى الوقت الحاضر. فبحلول سنة ۲۰۰۵ ،كان هناك دولة واحدة فقط داخل منظمة التجارة العالمية التي لم تكن طرفا في أية اتفاقية للتجارة الإقليمية وهو منغوليا. إذ شهدت أوائل ۱۹۹۰ تسارعا في وتيرة الاتفاقيات الإقليمية إلى أن وصلت إلى حدود ۳۳۰ بحلول ۲۰۰۵، منها ۲۰6 اتفاقية جاءت بعد أن تم إنشاء منظمة التجارة

العالمية (World Trade Organisation) في ۱۹۹۵ خلفا للاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية

والتجارية (General Agreements on Tariffs and Trade”). من هذا المنطلق، ونظرا لكثرة الدراسات حول الإقليمية نظريا وتنوعها تطبيقيا من خلال وجود منظمات و مؤسسات مختلفة، فإنه يمكن استنباط الخصائص الآتية للإقليمية الجديدة: 1 العمل الطوعي وتوافر الإرادة السياسية: | يغلب على الإقليمية الجديدة الانخراط الطوعي (Voluntarism) في المنظمات وذلك وفق رغبة الدول والحكومات. ويلاحظ بأن هذه الخاصية كانت غائبة في الإقليمية القديمة أين كانت الدول ملزمة بالدخول أو المساهمة في تكتلات إقليمية سواء بطرق مباشرة من خلال القوانين الالزامية التي تفرضها المنظمة أو بطرق غير مباشرة من خلال وجود ضغوط خارجية والتي غالبا ما تكون من طرف الدول الكبرى. إذن فمصطلح العمل الطوعي يستخدم عادة للدلالة على العمل الذي وجد بعيدا عن أية قيود ملزمة للطرف الذي يريد الانخراط في منظمة سواء كانت هذه القيود مباشرة أو غير مباشرة. تلعب المبادرات التطوعية دورا أساسيا في تشجيع قطاع الأعمال إقليميا، والاقتصاد بصفة عامة. كما يمكن للعمل الطوعي أن يعزز من قدرة المنظمات والهيئات على التنظيم الذاتي ومن دون اللجوء إلى أطراف خارجية لمساعدة المنظمة الإقليمية. ذلك أن عدم وجود القيود يترك المجال تندول في أن تبدي رأيها وتساهم في أعمال المنظمة بصفة حرة وهذا ما يفتح لها مجال الابداع والمساحة الإيجابية(۱۲).

من جهة أخرى فإنه لا يخفى أن الإرادة السياسية (Political will) هي أحد الركائز الأساسية لبناء المنظمات والتكتلات الإقليمية. فالأهداف لا تتحقق لمنظمة أو تكتل إلا إذا توفرت الإرادة السياسية. ومن هنا فإن وجود عوامل و مؤشرات قد تبدو إيجابية كوحدة الدين واللغة والأصل وكذلك الترابط الجغرافي ما هي إلا آليات مدعمة للعملية التكاملية لأن وجودها مع انعدام الإرادة السياسية ليس لها تأثير حقيقي في صورة جامعة الدول العربية أو الإتحاد المغاربي. ٢ التوجه المتزايد للتجارة الحرة: يمكن تعريف التجارة الحرة (Free Trade) على أنها حرية الانخراط في الأنشطة التجارية والاقتصادية في الداخل أو الخارج من دون وجود قيود مؤسسية أو سياسات ملزمة وذلك لضمان مصالح الأطراف بصفة عامة. يعتير تحرير الاقتصاد والتجارة الحرة من الدعائم الرئيسة للإقليمية الجديدة. ولمعرفة دور التجارة الحرة يمكن استخدام ثلاثة مؤشرات وهي؛ إزالة الحواجز الجمركية، تسهیل الاستثمارات الأجنبية والمحلية وأخيرا الخصخصة.

إن الهدف الرئيسي من التوجه المتزايد للتجارة الحرة هو زيادة النمو الاقتصادي و تفعيل الحركة التجارية بحيث تصبح الدول معها غير قادرة على الانفصال أو العمل بشكل منفرد. و تحقيق هذا الهدف على المدى المتوسط يكون من خلال جني الدولي لفوائد وأرباح تجارية تساهم في دعم الاقتصاد المحلي وانعاشه. أما على المدى الطويل فيكمن في حصول الدول على التكنولوجيا والخبرة الملائمة لتطوير الاقتصاد وكذلك الحصول على رؤوس الأموال التي تضخ في الاقتصاد الوطني حتى يتطور أو يصبح أكثر حيوية على الأقل.

ومن أهم مظاهر التجارة الحرة إقليميا، هو وجود المرونة والمنافسة الاقتصادية الايجابية الناجمة عن الاعتماد المتزايد على مؤشرات السوق ومتطلبات العرض والطلب”). ٣ الإقليمية المفتوحة أو العابرة للقارات: الإقليمية المفتوحة أو العابرة للقارات ( – Regionalism )Cross هي سمة مهمة من سمات الإقليمية الجديدة. فبينما كان تحديد المناطق الإقليمية يتم على أساس جغرافي معين ويشمل دولا لها حدود مع بعضها البعض، مثلما حدث في أوروبا، أو الإتحاد الإفريقي مثلا، فقد أصبح العامل الجغرافي ضيقة للغاية وصعب الاستخدام في الوقت المعاصر وخاصة في ظل العولمة(1). ببساطة، فإن الربط بين الحدود في الدراسات الإقليمية المعاصرة لا يلزم أن يكون عنصرا ضروريا لإقرار التعاون بين الدول، المنظمات التي تبنت هذه الخاصية، مثل اتفاقية أمريكا الشمالية للتجارة الحرة (NAFTA) التي تجمع بين المكسيك والولايات المتحدة بالرغم من الفرق الواضح في موازين القوى. و الترابط الاقتصادي المتزايد: | الترابط الاقتصادي (Interdependency) هو الزيادة في التقارب وتطوير العلاقات الاقتصادية بين الدول الإقليمية المتعاونة فيما بينها. إذ إن التوجه المتزايد نحو التخطيط والتفاوض بشأن الاتفاقيات التجارية الإقليمية، والاهتمام بالتكامل المالي، والحوارات الإقليمية الكثيفة والمتعددة، قد تكون نتيجة سياسات فعالة تعكس رغبة الدول في سعيها للتعاون إقليميا.

كما أن الزيادة في مستوى الاستيراد والتصدير، و الاتصال الموجود بين معدلات النمو داخل اقتصاديات الدول المعنية بالتعاون يعتبران مؤشران هامان من مؤشرات الترابط الاقتصادي. فالاعتماد المتبادل إقليميا يؤدي إلى تقوية العلاقات كما أنه يعزز النمو والتقدم الاقتصاديين ). كخلاصة لما سبق، يعتبر بروز العمل الطوعي كطريقة جديدة لتنفيذ برامج التنمية والتيسير. فتسهيل البرامج وتنفيذها وفقا للقواعد المحلية أو رغبة الدولة نفسها هو حافز ومؤشر على وجود الحرية والمرونة في التعاون الإقليمي وكذلك الارادة السياسية لها دورها في تحقيق الأهداف ودفع الدول إلى التكامل. كما أن التوجه المتزايد نحو التجارة الحرة بوصفها أحد أهم خصائص الاقتصاد المعاصر هي

جزء لا يتجزأ من التعاون الإقليمي الذي يسعى إلى التكامل. ولكي تتحقق هذه الخاصية، تسعى الدول إلى الحد من جميع الحواجز التي تعوق التجارة والاقتصاد وكذلك تفعيل اتفاقات التجارة الإقليمية. وبدورها، فإن اتفاقات التجارة الإقليمية قد تساهم للإسراع في عملية التكامل. إن الإقليمية المفتوحة بدورها هي خاصية أخرى تتيح للدول فرصة الانخراط في المنظمات من دون وجود ربط بين حدودها. عدم التمييز يكون بجمع الدول النامية، والصناعية، والمتقدمة داخل منظمة إقليمية واحدة بالرغم من الاختلاف الواضح في مستوى القوة ولكن من دون وجود تمييز بين الأعضاء في التعامل داخل الهيئة. أما السمة الخامسة للإقليمية الجديدة فهي تزايد الترابط الاقتصادي بين الدول. إذ الحركة الديناميكية في التجارة الإقليمية والاستثمارات المباشرة، يمكن أن ينظر إليها باعتبارها علامة على التوجه نحو المزيد من الاعتماد المتبادل والتكامل إقليميا. هذا ويلاحظ بأن الإقليمية الجديدة تتوفر على الخصائص الخمسة اجمالا بحيث يمكن أن يغيب أحدها في منظمة ما كما قد تجتمع كلها ولكن بدرجات متفاوتة من حيث التطبيق داخل المنظمات.

وفي الختام، يعرف النظام الدولي المعاصر وعلى نحو متزاید جانبا من التفاعلات بين عدة مناطق من العالم. وبالتالي، فإن فهم التطورات الإقليمية في ظل هذا النظام هو أمر أكثر من ضروري. لذلك سعت هذه الدراسة ولو بشكل مختصر إلى التعريف بالإقليمية الجديدة، وذكر أهم خصائصها باعتبارها إطارة أو نظرية معاصرة تسعى إلى فهم و تحليل المنظمات والتكتلات الإقليمية بشكل أكثر شمولية من الإقليمية القديمة.

المراجع

.. سلسلة الحولاات، أوجه التشابه الواجب توافرها بين الدول الساعية لتأسيس مجموعات إقليمية، (مطبوعات أكادمية المملكة

(199.

b

is

  1. Nesadurai, Helen E. (2003). Globalization, domestic politics and regionalism. London:

Routledge.

  1. Keohane, Robert., and Nye, Joseph. (1997). After the Cold War: international institutions and

state strategies in Europe. Harvard University: Center for International Affairs.

  1. Mitrany, David. (1948). Approach to World Organization International Affairs. Royal Institute

of International Affairs ), Vol. 24, No. 3.

  1. Hafez, Zakir. (2004). The dimensions of regional trade integration in Southeast Asia, Ardsley:

Transnational Publisher.

  1. Louise, Fawcett., Andrew, Hurrell. (1995). Regionalism in world politics. New York: Oxford

University Press.

  1. Mansfield, E.D. and H. Milner. (1999). “The new wave of regionalism. International

Organization 53:589-627

  1. Hettne, Bjorn. (1995). International political economy: understanding global disorder. Nova

Scotia: Fernwood publishing.

  1. Schulz, Michael. (2001). Regionalism in a globalizing world: a comparative perspective on

forms, Actors, and progresses. New York: Palgrave.

  1. Spindler, Manuela. (2003, March). New regionalism and the construction of global order.

United Kingdom: University of Warwick.

  1. World Trade Organisation.(201). Regionalism: friends or rivals?. Rerieved from

http://www.wto.org/english/thewto_e/whatis_e/tif_e/beyl_e.htm

  1. Thacur, Ramesh., and Van Langenhove Luk. (2008). Enhancing global governance through

regional integration. New York: Routledge.

  1. Winters & Neil McCulloch & Andrew McKay. (2004). Liberalization and Poverty. Journal

of Economic Literature, American Economic Association, vol. 42 (1).

  1. Garnaut, Ross, A. (2004, November). New open regionalism in the Asia Pacific, Colima, Mexico:

international Conference on World Economy.

  1. Grubal, Jean and Hout, Wil. (1999). Regionalism across the north-south divide. London:

Routledge.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى