دراسات اقتصادية

عاصمة مصر الإدارية الجديدة وتأثيراتها علي التنمية الإقتصادية

منذ إندلاع الثورة المصرية سنة 2011 و التي أطاحت بروز نظام حسني مبارك السابق شهدت جمهورية مصر العربية العديد من الأحداث التي لم تشهدها في تاريخها طيلة قرن كامل. إذ بعد إفتكاك الشعب المصري السلطة من جلاده السابق الذي حرمه من العديد من حقوقه المشروعة و الدكتاتورية الجاثمة علي صدورهم منذ زمن طويل حققت الشعوب الثائرة مطالبها و بالتالي إنفتحت مصر علي الديمقراطية.
لكن كانت المفاجأة العظمي و ذلك بوصول الإخوان المسلمين للحكم و تنصيب الإخواني محمد مرسي العياط رئيسا للبلاد. خلال الثلاثة سنوات الأولي التي تلت الثورة المصرية تحولت مصر إلي بؤرة للإرهاب و التطرف و التعصب الديني. إذ كثرت الفتاوى المغرضة و تصاعدت السلفية الجهادية التخريبية و الدعوة للجهاد في سبيل الله. كل تلك الأحداث إنعكست سلبا علي الأوضاع الإقتصادية و العلاقات الدولية خاصة مع بعض الدول المجاورة دبلوماسيا و تجاريا.
إلا أن إبن مصر البار عبد الفتاح السيسي الغيور علي وطنه من الإنزلاق نحو دوامة العنف و الصراع مع بعض الدول الأجنبية قام بتولي المهام لإنقاذ مصر و إحداث التغيير السياسي و النهضة الإقتصادية و التنمية الشاملة. تخلص هذا القائد البطل من مجموعات الإخوان المسلمين التي وجهت لهم تهمة التآمر علي أمن البلاد بتحالفهم مع قطر ممولة الإرهاب العالمي و التخابر مع جهات مشبوهة منها الإيرانية و التركية و القطرية لإقامة إمارة إسلامية تطبق شريعة الله علي المواطنين المصريين.
إنتهت حقبة الإخوان المسلمين في مصر بصفة نهائية و ذلك بإحالتهم للسجون و المشانق و المنفي و تحولت الساحة السياسية المصرية إلي تطبيق للديمقراطية الليبرالية الرأسمالية المنفتحة علي العالم الخارجي و المندمجة في العولمة المالية و الإقتصادية. إذ كان وعد السيسي شبيه كثيرا بوعد بلفور الذي وعد الشعب بإقامة دولة مصرية حديثة تعتمد علي التكنولوجيات الحديثة و تحقق الإزدهار و الرفاهية لكافة المواطنين المصريين.
إذ من المعروف أن النهج الرأسمالي الليبرالي الحر متجذر في الإقتصاد الوطني المصري منذ حكم الرئيس السابق حسني مبارك. بالتالي كانت مصر تعتمد علي تحرير أسواقها بالكامل و الإندماج في المنظومة المالية العالمية و تحرير التجارة خاصة مع الدول المجاورة. هذا الإنفتاح حقق الإشعاع لجمهورية مصر العربية كدولة متعاونة مع المنظمات الدولية في منظومة التأهيل الشامل و الإصلاح الإداري و مواكبة تطورات عجلة التنمية الإقتصادية. بالتالي استفادت مصر من الإعانات المادية أو الغذائية الأمريكية التي تمثل القلب النابض و الحليف الإستراتيجي للإدارة الأمريكية في المنطقة العربية.
بعد التخلص من الإخوان المسلمين و إنهيار المشروع السلفي الإرهابي في المنطقة عادت مصر إلي حضن المنظومة العالمية الرأسمالية. كما مثل التحالف الإقتصادي و السياسي لدولة مصر مع بعض الدول الخليجية و نذكر منها بالأساس المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة حافزا إقتصاديا هاما و ذلك عبر ضخ المليارات من الدولارات في الإقتصاد الوطني المصري كمساعدات مالية خليجية.
بدأت عجلة التنمية الإقتصادية تشتغل و بدء التخطيط للمشاريع العملاقة و النهضة التنموية في شتي القطاعات الحيوية. و كان وعد عبد الفتاح السيسي للشعب المصري حقيقة و ليس خيالا و ذلك بإنجاز مشروع القرن و هاهو الحلم المصري قد بدء يتحقق بحيث وصلت عملية تنفيذ المشروع إلي مرحلة متقدمة جدا. إذ مثل مشروع القرن بإنجاز عاصمة إدارية مصرية جديدة تعتبر الأكبر علي الإطلاق في القارة الإفريقية. هذه العاصمة التي تعادل مساحتها سبعة مرات العاصمة الفرنسية باريس و ذلك بكلفة إنجاز تقارب 40 مليار دولار أصبحت تحظي بإهتمام كبير لأصحاب المال و الأعمال بحيث تمثل لهم مركز تجاري صاعد و قطب مالي مربح. إذ يعتبر هذا المبلغ الإستثماري في البني التحتية مهول و الذي هو مخصص بالتحديد لإنجاز عاصمة حديثة تتوفر فيها جميع التقنيات و التكنولوجيات التي تعادل في تركيبة بنيتها التحتية دولة الإمارات أو قطر. إذ تشمل هذه العاصمة القصر الرئاسي و البرلمان المصري الجديد الذي تبلغ مساحته ثلاثة أضعاف البرلمان القديم و هو يعد الأكبر مساحة من بين مجالس النواب بالدول العربية. كذلك تحتوي هذه العاصمة العصرية جميع الوزارات السيادية و الوزارات الحكومية و أيضا أغلب السفارات الأجنبية. كما خصصت لهذه العاصمة مساحة كبري لبناء أحياء مصرية راقية أو شعبية و ناطحات للسحاب تحت إنجاز عقاري خليجي. بالإضافة لذلك العديد من المرافق الإجتماعية و الإقتصادية و التربوية من كليات و معاهد و مدارس و مستشفيات و غيرها من الإنجازات في البني التحتية. إن مشروع العاصمة الإدارية المصرية الجديد يشكل حافزا للتعجيل بالتنمية الإقتصادية في البني التحتية و بالتالي جلب الإستثمارات الأجنبية و تخفيف الضغط الشعبي علي العاصمة القديمة القاهرة. إذ علي الرغم من إنجاز هذا المشروع علي أراضي صحراوية و بعيد عن القاهرة بنحو 60 كلم لكن هذا العائق في المسافة لربط المدن ببعضها سيتلاشى مع مرور الزمن نظرا للزحف العمراني و النمو السكاني.
كل هذه العوامل خلقت بيئة جديدة تحقق معجزة في النمو الإقتصادي و تخلق العديد من فرص العمل خاصة من جانب الإستثمار الخليجي من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة و المملكة العربية السعودية أو أيضا الأجنبي خاصة في قطاع الغاز الطبيعي. انتهت مرحلة النظام السابق لحسني مبارك المتهم بالفساد المالي و تفقير الشعب المصري و نهب ثرواته الوطنية و انتهت مرحلة الإخوان المسلمين المتهمين بالإرهاب الدولي و التخابر مع دولة قطر و إيران و تركيا و بدأت مرحلة التنمية الإقتصادية الشاملة و ذلك بإنجاز مشاريع عملاقة و الإستفادة من التجارة في قطاع الغاز مع الدول المجاورة و العوائد المالية من قناة السويس و الإعانات الخليجية و الأمريكية.
هذه المدينة الجديدة المعجزة ستحول مصر إلي قطب عالمي لجلب الإستثمار و التبادل التجاري و المالي و سترفع من نسق النمو الإقتصادي و بالتالي تحقق الإستقرار السياسي و الإزدهار الإقتصادي. لكن السؤال المطروح للجدل اليوم هل هناك علاقة بين صفقة القرن الأمريكية و هذه المساعدات المالية و الإستثمارات العملاقة لإيجاد تسوية إسرائيلية عربية خاصة بعد هزيمة 1967 المعروفة بالنكسة. و هل تمثل هذه الإنجازات الإستثمارية مكافأة لعبد الفتاح السيسي من قبل الدول الخليجية لقضائه بالضربة القاضية علي مجموعات الإخوان المسلمين المتهمين بخلق بيئة حاضنة للإرهاب. أو تعتبر دعما لمكافحة معاداة السامية من المنظور الأمريكي الذي يعاقب أي دولة تتجه نحو تجرم التطبيع مع دولة إسرائيل. إذ من المعروف أن مصر لها علاقات دبلوماسية جيدة مع دولة إسرائيل لكنها تدهورت و إنقطعت تماما خلال فترة حكم الإخوان المسلمين. أما بقية الدول الخليجية خاصة المملكة العربية السعودية و دولة الإمارات العربية المتحدة التي لها تمثيل دبلوماسي عبر فتح قنصليات فهي تشهد أيضا دعما عسكريا و سياسيا من قبل الإدارة الأمريكية. إن التطبيع جاري علي قدم و ساق في أغلب الدول الخليجية و العربية و طبقا للمنظور الأمريكي المسمي بمعاداة السامية إن لم تكن معنا فأنت بالتأكيد ضدنا يعني “أمريكا و إسرائيل”. بالتالي يمكن القول إن إنجاز هذه المدينة الإدارية المصرية الجديدة جاء تحت تخطيط أجنبي و تمويل خليجي كهدية نصر لعبد الفتاح السيسي علي الإخوان المسلمين. عموما ستكشف لنا السنوات القادمة مصدر هذه البرامج الإستثمارية العملاقة بدولة مصر العربية.

فؤاد الصباغ باحث اقتصادي دولي

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى