دراسات أوروبية-أورومتوسطية

عبر صوت الشعب ماذا عن الثورة الروسية 1917.. الجذور والنتائج؟

محمد عبدالرحمن عريف

عبر إذاعة صوت الشعب اللبنانية، وفي ضيافة الإعلاميتين والإذاعيتين (رانية حيدر وهند نجم)، والبرنامج الإذاعي المتألق (مشوار)، وفقرة (من لبنان إلى العالم) شرفت أن كانت لي هذه المداخلة والحوار الطويل، وكان لي حرية العنوان والتفاصيل والحديث كاملًا ذلك حول عديد الثورات والحركات والانتفاضات في حقب ماضية وبلاد متغيرة، جاء اللقاء الثاني عن (الثورة الروسية 1917.. الجذور والنتائج).
هي الثورة الروسية المصطلح الذي يعبر عن سلسلة من الاضطرابات الشعبية حدثت في روسياعام 1917، والتي كان لها الدور الأبرز في تغيير مجرى التاريخ، وقد قامت بها أساسًا الجماهير الروسية الجائعة؛ مُنهية بذلك الحكم القيصري، ومقيمة مكانه حكومة مؤقتة، أفضت إلى إنشاء الاتحاد السوفياتي.
بالعودة للجذور نجد أن البدايات تأتي مع العام 1721، ذلك حين أُبرمَتْ معاهدة نيستاد بين (روسيا والسويد) لتنهي سنواتٍ مريرة من القتال للسيطرة على أقصى شمال الكوكب، اشتُهِرَت باسم «الحرب الشمالية العظمى».
كانت نتيجة المعاهدة انتصارًا روسيًا تحت قيادة «بطرس الأكبر» سليل أسرة رومانوف. فكان هذا العام القيام الحقيقي للإمبراطورية الروسية الضخمة، الممتدة بين المحيط الهادي شرقًا، وأوروبا غربًا، والتي وصل بها بطرس الأكبر بحروبه، إلى المياه المتجمدة شمالًا، بمياه البحر الأسود الدافئة جنوبًا.
الحادث أنه بعد وفاة بطرس بأربعين عامًا، كانت الانطلاقة الثانية على يد كاثرين الثانية، والتي انتزعت مقاليد الحكم عام 1762 بعد انقلاب عسكري دبرته ضد زوجها الإمبراطور الضعيف، والذي انحاز إلى بروسيا والتي هي (جزء من ألمانيا الحالية) عدوة روسيا حينها، وأوقف الحرب ضدها، فأغضب قطاعات عديدة في الجيش والنخب. وهنا وضعت كاترين روسيا بقوة على الخارطة العالمية، خاصة بانتصاراتها العسكرية. كما أصلحت الاقتصاد المهتز، واهتمت بالتعليم والثقافة. وهكذا على مر ما بقي من عمر الإمبراطورية، زادت الدولة قوة، والبلاط والنخب ثراءً، بينما زاد معظم الشعب شقاء. ولما وصلت الثورة الصناعية إلى روسيا، وتوسَّعت المصانع، لم يكن حال عمالها أفضل كثيرًا من عبيد الأرض.
هنا كانت بذور ما حفلت به أيام القيصر الأخير نيقولا الثاني من ثوراتٍ عاصفةٍ في مطلع القرن العشرين، لتكتب صك النهاية لثلاثة قرونِ من حكم أسرة رومانوف.
فلاديمير الذي هزَّ التاريخ
حدثان فاصلان في حياة فلاديمير أوليانوف شكَّلا شخصيتَه مبكرًا على مشارف هذا الانقلاب التاريخي الذي تكثَّفَتْ سُحبهِ أواخر القرن 19 وأوائل العشرين. الأول كان تهديد السلطات القيصرية لأبيه –مفتش التعليم– بالإحالة للمعاش؛ لشكوكهم في تحول بعض المدارس لمنصات معارضة للحكومة.
والثاني عام 1887، عندما أُعدِمَ أخوه ألكساندر بتهمة محاولة الانقلاب على الحكم واغتيال القيصر. اضطرم صدر الشاب ذو الـ 17 ربيعًا بالرغبة في الانتقام لأخيه وأمثاله من ضحايا القمع.
لم يدركِ فلاديمير حينها أنه بعد 30 عامًا سيكون أحد مهندسي واحدة من أضخم الثورات الراديكالية في التاريخ، وأنه سيكون أول قائد للاتحاد السوفيتي العملاق صاحب الـ –22 مليون كم2– الخارج من رحمها، وأن لقبه -لينين- سيصبح أيقونتها.
بالعود إلى 1887، نجد فلاديمير المتفوق قد التحق بكلية الحقوق بقازان، لكنه طُرد بعد فصلٍ دراسي لاشتراكه في مظاهرة. وفي منفاه بقرية صغيرة، انكبَّ على القراءة والاطلاع، خاصة كتابات كارل ماركس الثورية، فأضحى ماركسيًا حتى النخاع.
قضى لينين سنواتٍ في الريف الروسي، وأتمَّ دراسته 1892، واطلع عن كثب على المظالم الطبقية التي تعصف بالفلاحين. فلما انتقل إلى العاصمة سان بطرسبرج 1895، كانت هموم المظلمة هي شغله الشاغل.
مدَّ لينين الأواصر مع النشطاء الماركسيين بالعاصمة، فلم يمضِ عامٌ حتى اعتُقِلَ ونُفيَ إلى سيبيريا لثلاث سنوات، عاد منها ليقضيَ فترة في ميونيخ الألمانية، تواصل فيها مع الماركسيين الأوربيين.
عاد لينين إلى العاصمة المحتقنة تحت السطح، ولسنواتٍ نظَّمَ ورفاقه الكثير من الخلايا الثورية في المصانع والمدارس والمزارع، تحت راية حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي بأجنحته المتدرجة بين اليسار الاجتماعي الليبرالي، والماركسية الراديكالية، رغم أنف القمع السلطوي لكل فعلٍ أو فاعلٍ يُشمُّ منه رائحة المعارضة.. بل منحهم النظام فرصة إيلامِه بالضربة الأولى.
وهنا جاءت الأسلحة ذات الحدين
سيناريو شهير للأنظمة المستبدة المأزومة. حرب عنترية –سواء كانت دوافعها معقولة أو غير ذلك– مع عدو خارجي لترميم الشعبية، ولتلميعِ الاستبداد بالأمجاد الحربية، ولإحراج المعارضين الراديكاليين بأن الوطن في حالة حرب، وأن المعارضة خيانة… إلخ.
فكانت الهزائم التي أوقعتها اليابان بروسيا في حرب 1904-1905، إلى جانب انهيار الاقتصاد بتكاليفها الباهظة، والتي تحمَّل جانبها الأكبر الطبقات الأكثر حاجة، هي الشرارة المنتظرة للبركان المتربِص.
بينما الحرب على أشدها أواخر 1904 ومطلع 1905، بدأ الغضب المكتوم يستعْلنُ صداه في الأجواء. مظاهراتٍ طلابية.. خطابات مناهضة للنظام وسياساته.. إضراباتٍ عمالية. فقد النظام ثباته الانفعالي، فشهدت العاصمة أحَدَها الدامي الشهير.
عجلة الدم تبدأ دورانها
هو التاسع من يناير/ كانون الثاني 1905، يشهد مظاهرة عمالية إلى القصر يقودها راهب، مُبلَّغٌ بها السلطات مُسبَقًا، ليوصل أصحابها رسائلهم مباشرة لصاحب الشأن، ويحمل بعضهم صور القيصر!. مئة قتيلٍ من المتظاهرين، ومئات الجرحى!. فقائد الأمن –عم القيصر الذي لم يكن في قصره حينه – طلب تفريق المظاهرة، فلما فشل، ترك القول الفصل لفوهات البنادق.
انتشرت أخبار المذبحة كالنار في هشيم غضب الشعب الروسي. إضرابات ومظاهرات في غالبية المدن الكبرى.. تمردت بعض الوحدات العسكرية.. اشتباكات مسلحة مع السلطات هنا وهناك.. إلخ. والأخطر كان امتداد التمرد للمناطق غير الروسية كالقوقاز وأوكرانيا والبلطيق.. الخ، مزدهرًا بالنزعات القومية الانفصالية.
في فبراير حاول القيصر امتصاص الغضب بإعلانٍ عن إصلاحات سياسية، وانتخاب مجلس للمستشارين. لم يقتنعْ به أحد.
أنشأ الثوار مجالس قيادية عمالية (سوفييت) في مناطق عديدة منها العاصمة، لتنظيم الحراك، وكانت أشبه بحكومات ثورية. تفاقمت الإضرابات ووصلت إلى السكة الحديد، وتمردت فرق كاملة من الجيش.
الهجوم المضاد
القيصر الروسي الأخير نيقولا الثاني
أصدر القيصر مرسومًا ماكرًا في أكتوبر/ تشرين الأول 1905 بمنح جانب من صلاحياته المطلقة إلى مجلس تشريعي منتخب (الدوما) يتقاسم معه التشريع مجلس الدولة الذي يختار القيصر نصف أفراده، ووعد بإصلاحات اجتماعية واقتصادية من خلاله.
سبَّب مرسوم أكتوبر/ تشرين الأول شقوقًا طولية وعرضية في الجبهة الثورية. فقد رضي به الكثير من العمال والفلاحين والمهنيين، والنخب الليبرالية، وقطاع مؤثر من الماركسيين المعتدلين، الذين رأوه خطوة ولو صغيرة في اتجاه الانقلاب الشيوعي التام.
لم يبقَ في ساحة الصدام سوى الماركسيين الثوريين، أو ما سمي بالجناح البلشفي للحزب الاشتراكي الديموقراطي، بزعامة لينين وتروتسكي المنظِّر الشيوعي الشهير.
هنا تنفستِ السلطة الصعداء، واستعادت المبادرة هنا وهناك، وفي أواخر العام اعتقلت قيادة سوفيت العاصمة وعلى رأسهم تروتسكي.
تمت الانتخابات ربيع 1906، وفاز بالأكثرية الليبراليون والاشتراكيون المعتدلون. وبدأت الحراكات الثورية المسلحة والمدنيَّة، تخبو شيئًا فشيئًا خاصة مع اشتداد المحاكمات العاجلة للإرهاب والتي أعدمت المئات بالاشتباه ..إلخ.
حلَّ القيصر مجلسيْ دوما خلال 1907 بسبب مطالب ثورية من الأعضاء بقوانينَ لتوزيع الثروة، وتقليص صلاحيات الحكومة والقيصر… إلخ. فُصِّلَ قانون انتخابات على مقاس القيصر والمُلَّاك والملَكيين. فاستمر الدوما الثالث –القريب من القيصر– 5 سنوات. ولم يعتمدْ سوى إصلاحاتِ محدودة لا جذرية؛ كقانون الإصلاح الزراعي الجزئي، والذي خلال 10 سنوات استفاد منه 20% فقط من الفلاحين، وكبعض إصلاحات الموازنة.
لكن أسهمت الانفراجة السياسية المحدودة في نشر الوعي السياسي، وتكاثرت الصحف، وزادت معدلات التعليم والثقافة تدريجيًا.. خاصة المدن الكبرى. ولم تخلُ أعوام ما بعد الثورة من إضراباتٍ عمالية أو مظاهراتٍ طلابية هنا وهناك. قابلت السلطة هذا بالقمع، فقتلت 200 من عمال منجم للذهب في إضراب 1912. لتجيشَ النيران تحت الرماد. وكان الاستقرار الداخلي الهش على موعد مع اختبارٍ عسير.
الحرب العظمى والثورة الكاسحة
طالب صربي متعصب يغتال ولي عهد النمسا منتصف 1914. فيبدأ متوالية الأحداث التي انتهت باندلاع الحرب العالمية الأولى، وفي أتونها روسيا. حشد القيصر ملايين الجنود، ووُضع الاقتصاد المهتز على المحك. فروسيا تحارب على جبهتين واسعتيْن، ضد الألمان والنمساويين والأتراك.
بدايةً، التف الكثيرون حول القيصر والجيش، مع الانتصارات الأولى خاصة ضد الأتراك. لكن بتطاول الحرب، وبالضغط (الألماني – النمساوي) الشديد، تفاقمت الكارثة الاقتصادية. وأسهم غلق المضائق التركية –الدردنيل والبوسفور– في منع الإمدادات الغذائية من الحلفاء الإنجليز والفرنسيين إلى روسيا.
خلال ثلاث سنوات، كان لدى روسيا ملايين اللاجئين، ومئات آلاف القتلى والجرحى والأسرى. حاولت جبهة تقدمية من النواب وبعض الوزراء القيام بإصلاحاتٍ سياسية؛ لتحسين الأوضاع العامة، وتدعيم الجبهة الداخلية، فعرقلهم القيصر ورجاله. وشدَّد نيقولا قبضته على المقاليد، وأعلن نفسه قائدًا أعلى للجيش، وأقال حكوماتٍ عدة، وظل قرب الجبهات الغربية حتى حدث ما حدث.
على بعد مئات الكيلومترات، كان لينين يتربص في منفاه بسويسرا، فوصل إلى قناعةٍ جازمة أن الحرب انعكاس للرأسمالية الاستعمارية. وأن أوجبَ الواجبات إخراجُ روسيا من الحرب. ولما تجلَّتْ نُذُر الثورة، تواصل لينين مع السلطات الألمانية لتسهل عودته إلى وطنه 1917، ووعدهم بإنهاء الحرب.
1917 عام الثورتين
لم تشفعْ الانتصارات ضد الألمان والنسماويين خلال 1916 للحكومة الروسية. فظروف العمال اللا-إنسانية، وطوابير الخبز اللا-نهائية كانت أصدق أنباءً من المدافع. تفاقمت الإضرابات العمالية، والاحتجاجات الشعبية، وزادها ضِرامًا اعتقال الحكومة لمئات النشطاء والعمال.
في فبراير/ شباط 1917، خرجت سان بطرسبيرج عن السيطرة، وكانت القاصمة رفضَ حاميتها أوامر فض التظاهرات. وبعد أسبوعين من التمرد والاضطرابات بشتى أنواعها، اضطر القيصر للاستقالة بعد أن تخلت عنه قيادة الجيش تحت ضغط الثورة، منهيًا ثلاثمائة عام من حكم قياصرة رومانوف.
أقامت لجنة من البرلمانيين حكومةً مؤقتة. عارضَها التجمع السوفييتي الثوري وعماده البلاشفة الراديكاليون، واتهمها بالرجعية، واللا-ثورية. فأصدر الأخير أمره رقم 1 للجيش بأن يعمل وفق أوامره هو لا الحكومة. وكان هذا تمهيدًا لسحب روسيا بعد أشهر من الحرب. وبدا كأن السوفييت هو السلطة الفعلية في روسيا الثورية.
تغيرت تشكيلة الحكومة عدة مرات، وفشلت في السيطرة على الأمور. فعصفت الاضطرابات بروسيا. منتصف 1917، قاد اليساري الثوري كيرنسكي الحكومة، وأفشل انقلابًا عسكريا ضد الثورة، لكن لم ينجحْ في لجم الفوضى.
تحت شعار «السلام، الأرض، الخبز»، انتشرت شعبية البلاشفة كالنار في الهشيم. ووجدت معارضتهم للحرب صداها، فزاد فرار جنود الجبهات، وتفاقم الغضب ضد حكومة كيرنسكي العاجزة والمصرَّة على الحرب. وفي أكتوبر 1917 احتل البلاشفة العاصمة، وسقطت روسيا وثورتها في حِجرهم بضربة قاضية، إذ لم تمضِ أمورهم بسلاسة في قابل السنوات.
يبقى أن مصطلح «الثورة الروسية» يستحضره مجموعة من الصور الشائعة لدى أغلب الناس، كمظاهرات مدينة بتروغراد الباردة فبراير/ شباط عام 1917، ورجال الاتحاد السوفييتي البتروغراديون البارزون، وخطاب فلاديمير لينين في الحشود أمام محطة فنلندا، وتفرق المتظاهرين خلال يوليو/ تموز، ونهب قصر الشتاء في أكتوبر/ تشرين الأول. ماذا حدث؟ كانت كلها أحداث مهمة أجبرت القيصر على التنازل عن العرش، جلبت البلاشفة إلى السلطة، وأخرجت روسيا من الحرب العالمية الأولى، كما عجلت بالتدخلات البريطانية الأمريكية اليابانية، ودفعت إمبراطورية رومانوف إلى سنوات من الحرب الأهلية الدموية.
ما زال الاشتراكيون الثوريون يلهمون أحلام الثورات المستقبلية، وعلى النقيض يثيرها المؤرخون في اليمين السياسي كتحذيرات لما قد يحدث إذا حاولت تغيير العالم. ومن خلال ذلك يطرح الروسيون تحديات معقدة لبناء ماضٍ يمكن أن يلهم الحاضر.
يبقى في النهاية أن الثورة الروسية تعتبر من أكثر الأحداث جدلاً في تاريخ القرن العشرين، وينقسم المؤرخون بصدد أحداثها ونتائجها إلى فريقين:
-الأول هو نظرة إعجاب وآمال كبرى.
-الثاني فنظرته يكتنفها الخوف والتهجم على قادتها.
ولا يزال إلى وقتنا هذا الانقسام دائرًا حول ما إذا كانت أحداث أكتوبر/ تشرين الأول مجرد امتداد لثورة فبراير/ شباط، وعما إن كانت أحداث أكتوبر ثورة نسبت إلى الحرية أو انقلاب على الشرعية، بل ويمتد الخلاف إلى أسباب العنف خلال الحرب الأهلية، وما دور كل ما سبق في نشوء الديكتاتورية البروليتارية في الاتحاد السوفيتي السابق، وتطور الشيوعية إلى اللينينية على أساس التطوير الذي أقره ستالين في مبحثه أسس اللينينية والتي توصف أحياناً بأنها ستالينية سنة 1930.
في النهاية يبقى أنه في 10 أكتوبر 1917، صوتت اللجنة المركزية لحزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي بموافقة 10 ضد 2 للقرار الداعي إلى أن ” انتفاضة مسلحة أمر لا مفر منه، وبأن الوقت قد حان لذلك تمامًا”. ويوم 23 أكتوبر 1917، قام الثوار اليساريين تحت قيادة جيان بانتفاضة في تالين، عاصمة إستونيا. وفي 25 أكتوبر عام 1917، قاد البلاشفة قواتهم إلى الانتفاضة في سانت بطرسبرغ عاصمة روسيا.
لتأتي النتائج، حيث:
-تم إقرار مجلس مفوضي الشعب كأساس للحكومة الجديدة.
-قام مجلس مفوضي الشعب بإقرار سلسلة من الاعتقالات لكل من زعماء المعارضة وقادة المناشفة والحزب الاشتراكي الثوري وحبسهم بقلعة بولس وبطرس.
-في 20 ديسمبر أسس لينين لجانًا استثنائية من شأنها مكافحة الثورة المضادة سميت في ما بعد (الشي كا)، الأمر الذي يعتبر كنقطة بداية لقضاء البلاشفة على كامل أعدائهم ومعارضيهم حيث بدأت تلك اللجان الاستثنائية بممارسة الإرهاب الجماعي ضد ممثلي الفئات الغنية والمتوسطة للمجتمع الروسي والمثقفين ورجال الدين والضباط المشتبه بمعاداتهم للسلطة الجديدة.
تم إطلاق مجموعة من المراسيم تشمل :
-مرسوم صدق على أعمال الفلاحين الذين استولوا على الأراضي الخاصة في جميع أنحاء روسيا، وإعادة توزيعها فيما بينهم.
-تأميم جميع البنوك الروسية. وصودرت الحسابات المصرفية الخاصة.
-صودرت خصائص الكنيسة (بما في ذلك الحسابات المصرفية) المضبوطة.
-تبرؤا من جميع الديون الخارجية.
-أعطيت التحكم في المصانع للسوفييت.
-تم إصلاح الأجور بمعدلات أعلى مما كان عليه خلال الحرب، ودوام أقصر، لمدة ثماني ساعات يوم العمل.
نتائج الثورة الصراع (السوفيتي- الأمريكي)
بدأ الصراع بين الاتحاد السوفيتي باعتباره يمثل قوى الاشتراكية العالمية والولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها تمثل قوى الرأسمالية العالمية بعد ثورة أكتوبر عام 1917 في روسيا.
ما أن انتهت الحرب العالمية الأولى عام 1918 وتم إقصاء الرئيس الأمريكي ولسن الذي كان داعياً للسلام العالمي وتحقيق العدالة في العلاقات الدولية ودعم تنظيم دولي لمنع إشعال الحروب في العالم، إلا أن المواجهة المباشرة بين الدولتين التي بدأت عام 1922 تأجلت بسبب تأثيرات وأحداث برزت على الساحة الدولية وأهمها تأثيرات سياسة العزلة التي وضعها الرئيس الأمريكي جورج واشنطن واستمرت في عهد مونرو التي كانت تقوم على قاعدة (أمريكا للأمريكيين) وتأثيرات الأزمة العالمية عام 1929 التي نشبت في الولايات المتحدة الأمريكية وامتد لهيبها إلى العالم وقيام النظام الفاشي في إيطاليا بقيادة موسيليني عام 1922 وصعود النازيين إلى السلطة في ألمانيا بقيادة هتلر عام 1933، فكانت هذه الأحداث وخطورتها أهم من الخطر الشيوعي الفكري الذي لا زال في البيضة حسب وصف تشرشل وزير المستعمرات البريطاني.
لقد عادت فكرة العداء للاتحاد السوفيتي والهجوم عليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربا الغربية أثناء الحرب العالمية الثانية عام 1939 وذلك بسبب المعاهدة السرية بين ستالين وهتلر التي عقدت عشية الحرب والتي تنص على عدم الاعتداء بين الدولتين، إلا أن الهجوم (الأمريكي- الأوربي) على الاتحاد السوفيتي أُلغي أيضاً بسبب اجتياح القوات الألمانية الهتلرية لأراضي الاتحاد السوفيتي في 22 حزيران/ يونيو 1941، إلا أن الانتصار الكاسح الذي حققه الجيش الأحمر السوفيتي على الجيش النازي الهتلري ودخوله إلى برلين ورفع العلم السوفيتي على مجلس النواب الألماني (الرايخشناخ) وما تمخضت عنها الحرب من نصر للنظام الاشتراكي في أوربا الشرقية كل ذلك استفز المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
هنا بدأ الصراع والمواجهة والتلويح إلى الخطر الشيوعي بعد وفاة الرئيس الأمريكي روزفلت الذي كان يميل إلى السلم والتعاون الدولي بعد الحرب العالمية المدمرة وأصبح ترومان رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية الذي انتهج سياسة القبضة الحديدية ضد الاتحاد السوفيتي، واستمرت العلاقات (السوفيتية – الأمريكية) تسير وفق التصعيد والتدهور، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تدفع بشكل استفزازي إلى تعميق السلوك والتصرفات العدوانية ضد الاتحاد السوفيتي مستفيدة من تفوقها العسكري والاقتصادي من أجل تحقيق غاياتها وأهدافها بحجة الوقوف بوجه المد الشيوعي الذي نما وتصاعد بعد الحرب العالمية الثانية، فأخذت الولايات المتحدة الأمريكية مبادرة اقتصادية لعزل الاتحاد السوفيتي عن أوربا وعن باقي دول العالم وحمايته من نمو ونشاط الفكر الشيوعي.
حيث أعلن وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية مارشال في 5 حزيران عام 1947 مشروعه الذي أطلق عليه اسمه (مشروع مارشال) لدعم الدول الأوربية التي دمرتها الحرب العالمية الثانية والدول الأخرى التي تأثرت بتلك الحرب وكذلك مشروع النقطة الرابعة الذي أعلنه الرئيس الأمريكي ترومان عام 1949، والموجه إلى بلدان الشرق الأوسط كالعراق والأردن وإيران وتركيا وسوريا ولبنان عن طريق تقديم العون والمساعدات الفنية الزراعية والاقتصادية لتلك الدول وكان هدف الولايات المتحدة الأمريكية من ذلك هو التدخل في شؤونها الداخلية عن طريق الخبراء والفنيين التابعين لوكالة المخابرات الأمريكية وفرض الشروط عليها في سياستها الداخلية والخارجية بحجة الوقوف ضد المد الشيوعي ولم تكتفي الولايات المتحدة بالمشاريع الاقتصادية وإنما اتجهت إلى المشاريع العسكرية فأنشأت الأحلاف العسكرية وشيدت القواعد العسكرية التي أحاطت بها الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي إضافة إلى توجيه وسائل الإعلام المسموعة التي تبث الأفكار الأيديولوجية المعادية للفكر الشيوعي من خلال ستة إذاعات كانت تذيع من برلين الغربية محرضة شعوب الدول الاشتراكية ضد نظام الحكم الشيوعي والثورة عليه.
كانت تلك الإذاعات التي أطلق عليها (صوت أوربا الحرة) تذيع الأخبار والتحريضات لمدة أربع وعشرين ساعة في اليوم، وقد استغلت الولايات المتحدة الأمريكية ظاهرة الأممية والعلمانية التي يعتنقها ويؤمن بها الفكر الشيوعي فجندت الفكر الأيديولوجي الديني والقومي ضد الأممية والعلمانية، فساندت وساعدت تلك الأفكار وخلقت قادة لها ودعمتهم بكافة الوسائل المادية والمعنوية لتنفيذ مهمتها في محاربة الشيوعية.
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار نظامه الاشتراكي انتهت الحرب الباردة التي كانت قائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي والأحلاف العسكرية تفككت وانتهى دور ومفعول القواعد الحربية ولم يبق سوى انتشار واتساع الفكر الديني والقومي الذي استعملا في الحرب ضد الشيوعية لأنهما يرتبطان بمشاعر وإحساس العمق الإنساني للإنسان من حيث التقاليد والعادات وطبيعتهما التي تبقى مغروسة في العمق الإنساني لأن الطبيعة البشرية تكون متأثرة بالعادات والتقاليد مما يجعلها أن لا تستجيب بسهولة وسرعة للتغيير عند الانتقال من مرحلة إلى أخرى لأن الآثار الاجتماعية الماضية من التراكم الفكري من الحياة الاجتماعية السابقة لا يمكن محوها بسرعة.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى