عسكرة الصعود السلمي للصين

بقلم وليد عبد الحي

يغلب على أدبيات الدبلوماسية الدولية الصينية نزعة سلمية تتمثل في عدم التدخل في الشؤون الداخلية وتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية وتعزيز التعاون الدولي …الخ، لكن هذه النزعة شكلت تاريخيا نمطا مألوفا لدبلوماسية القوى الدولية الصاعدة في مراحل صعودها الاولى، لكنها ما تلبث ان تضطر للتكشير عن أنيابها عند اتساع قاعدة مصالحها .ولعل النظر الى حجم المصالح الصينية خارج أسوار الصين يشير الى ظاهرتين هامتين:

أ‌- الحجم الهائل لهذه المصالح: فلو توقفنا عند التجارة الخارجية فإن الصين تحتل المرتبة الاولى عالميا في حجم التجارة( نهاية 2017) ، فهي المُصَدر الاول عالميا بقيمة 2,157 تريليون دولار، بفارق 581 مليار عن حجم الصادرات الأمريكية ، بينما تبلغ وارداتها 1,731 تريليون دولار بمجموع تجاري ( 3,888 تريليون) .
أما استثماراتها في الخارج فتصل قيمتها الى 1,9 تريليون دولار، ويتوزع عمالها في مناطق عديدة من العالم لاسيما في افريقيا وآسيا ، ووصل عددهم مطلع 2018 الى حوالي 966 الف عامل ، ناهيك عن حوالي مائة مليون سائح صيني يتجولون سنويا في العالم.

ب‌- التزايد المتواصل في حجم النمو في أغلب القطاعات الاقتصادية ووقوعها في المرتبة الأولى في هذا الجانب.
إن ما سبق يفسر الهاجس الذي تتضمنه ” الأوراق البيضاء” التي نشرها الجيش الصيني ، إذ تشير هذه الأوراق الى ضرورة تعزيز القدرة العسكرية لضمان مواجهة ( هكذا حرفيا) ما يلي:
أ‌- التزايد في المخاطر الدولية على المصالح الصينية مثل الارهاب والقرصنة والتجارة غير المشروعة ناهيك عن المشكلات الحدودية في بحر الصيني الجنوبي…الخ.
ب‌- الحفاظ على المصالح والممتلكات الصينية مثل : مصادر الطاقة ، طرق امداد هذه المصادر ، ومراكزها التجارية وعلاقاتها التجارية مع دول العالم…الخ، ناهيك عن شركاتها المنتشرة في اغلب بقاع العالم ، فللصين عشرين الف شركة تعمل في 180 دولة ، وتبلغ قيمة عقاراتها في الخارج حوالي ثلاثة تريليونات دولار ، وقد تضاعفت الاستثمارات الصينية في الخارج بين 2005 و 2018 بحوالي عشرين ضعفا.ت‌- ضمان رعاية وأمن المواطنين الصينيين في الخارج ففي عام 2018 بلغ عدد الصينيين العاملين في الخارج حوالي المليون(966 الف فرد) كما اشرت سابقا.

ومع الشروع في تطبيق ما يسمى مبادرة الطريق والحزام(BRI) والتي ستربط آسيا باوروبا وتمر عبر الوطن العربي ستزاد الحاجة الصينية للحماية, ولعل ملاحظة ان الانفاق الدفاعي الصيني ارتفع بين 2001 الى 2017 بحوالي 55,7% ليصل الى حوالي 170 مليار دولار حاليا ،دليل على ذلك لا سيما ان الجزء الاكبر في الزيادة كان في القطع البحرية (45%) ليصل الاسطول الحربي الى 351 قطعة بحرية، مع الشروع في بناء حاملة طائرات .

ومن المؤكد ان مقارنة عدد القواعد العسكرية بين القوى الكبرى ليست في صالح الصين، لكن افتتاح القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي عام 2016( بتكلفة 590 مليون دولار) هو أول الغيث في بناء قواعد عسكرية في الخارج ، وسيكون للمنطقة العربية نصيب هام منها بحكم حجم المصالح الصينية في منطقتنا ومرور الطريق والحزام من عندنا..

لقد شكل الاقتصاد الصيني ما يساوي 9 % من الاقتصاد الامريكي عام 1978، لكنه الآن يساوي حوالي 61% وهو ما يعني أن الاقتصاد الصيني يسير بوتيرة أسرع من الاقتصاد الامريكي بمعدل 2,47 ، وهو ما يعني ان التوازي بين الاقتصادين سيكون في حدود عام 2029-2030 ، وقد كانت صورة الولايات المتحدة عند طرح مبادئ ويلسون المشهورة تتفيأ بالسلام وحق تقرير المصير والدعوة للسلام…وكأن المفكر الصيني بيجيان يعيد بنظرية الصعود السلمي صورة ويلسون…أو صورة نابليون عندما ارتدى العمامة ليخطب في الازهر..

إن السيد القادم للمنطقة لن يكون غربيا في الفترة القادمة، فكما يقول شاعر صيني ” القوة تهزم العواقب والحكمة تدل على الطرق” ، فهل نحن في الدول العربية مستعدون للوافد الجديد لا سيما اننا المصدر الرئيسي لاحتياجاته الطاقوية وتجارته معنا الآن قاربت 190 مليار دولار بفارق حوالي 85 مليار عن التجارة مع الولايات المتحدة .؟ أو ان العرب كالعادة ” لم يستبينوا الرشدَ الا ضُحى الغدِ” ؟ ربما.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button