دراسات سوسيولوجية

علم اجتماع المعرفة وإشكاليَّة النسبيَّة مانهايم أُنموذج

د. أعظم راودراد (*)

اسم المجلة : مجلة المنهاج
العدد : 57
السنة : السنة الخامسة عشر ربيع 1431هجـ 2010 م.

تمهيد
تناول (كارل مانهايم)(1) في كتابه المعروف الأيديولوجيا والطوبائيّة أُسس علم اجتماع المعرفة, وأَبَان فيه عن المفاهيم المهمَّة والفروع المختلفة لهذا الاختصاص, كما بيَّن فيه أيضاً منهج الدِّراسة العمليّة لهذا العلم.

يرى مانهايم أنَّ مسؤوليَّة علم اجتماع المعرفة عبارة عن تحليل العلاقات القائمة بين المجتمع والمعرفة. فمن جهةٍ يبحث هذا العلم عن تلك المعايير التي يُمكن بواسطتها توضيح هذه العلاقات، ومن جهةٍ أُخرى يسعى إلى توضيح طبيعة هذه العلاقة ليؤدّي دوراً في شرحها وبسطها من الزاوية النظريّة. جديرٌ بالذكر أنَّ بعض القضايا والمشاكل النظريَّة والعمليَّة موجودة هي الأخرى في رأي (كارل مانهايم) المعرفيّ، ونسعى في هذه المقالة لتلخيص أهمِّ آراء (مانهايم) في مجال علم اجتماع المعرفة ونقد أكثر الجوانب ذات الطابع التشكيكيّ فيها أي آرائه بشأن ( نسبيَّة التفكير) و( المفكّر المتحرّر).

مانهايم وعلم اجتماع المعرفة

يَبدأ مانهايم مسارات بحثه لعلم اجتماع المعرفة بدراسة الشروط العينيّة للمعرفة أو العلم. فالشيء الوحيد الملموس بالنسبة إليه هو عالم الواقعيّات, ذلك أنَّه واقعيّ ويَستحقّ الدِّراسة والاطِّلاع عليه. فهو يرى أنَّ العلم والمعرفة المباشرة أو غير المباشرة إنّما صُنِعَت من قِبَل هذه الواقعيّة. وبناء على ذلك, فهو يعتقد أنَّ واجب علم اجتماع المعرفة عبارة عن ( تفسير العلاقة بين المعرفة والوجود).

أمّا مفهوم (الأيديولوجيا) في نظريَّة علم اجتماع المعرفة المانهايمي فله دور أساسيّ ومصيريّ حاسمٍ، ومن الضروريّ أن يُصار إلى توضيحه في بداية الكلام. هذا المصطلح لم يُستخدَم في علم اجتماع المعرفة بمعنى واحدٍ، إذ يرى مانهايم أنَّ مفهوم الأيديولوجيا يَشتمل على معنيين متباينين ومحدَّدين، وهما عبارة عن المفهوم الجزئيّ للأيديولوجيا والمفهوم الكليّ للأيديولوجيا. وبرأيه يرتبط المفهوم الجزئيّ للأيديولوجيا بوضعٍ تكون فيه للفئة المتفوِّقة في المجتمع فائدة في المحافظة على الوضع الموجود للحياة والمجتمع بحيث يغفلون معه سائر الأزمات والمشاكل القائمة. فالمعتقدات النفعيَّة على درجةٍ من القوَّة بحيث تؤدِّي إلى أن تقوم هذه الفئة وبصورةٍ لا إراديّة بـ «إظهار الظروف الواقعيَّة للمجتمع بشكلٍ مغايرٍ وإثبات ذلك لنفسها وللآخرين»(2) .

ويقول مانهايم موضِحاً بالرغم من أنَّ مفهوم الأيديولوجيا يُستخدم اليوم في (نظريَّة الأيديولوجيا) إلا أنَّ الأمر لم يكن كذلك على الدَّوام. ويَستنتج بعد إجرائه دراسة تاريخيَّة لمفهوم الأيديولوجيا أنّ «المفهوم الجزئيّ للأيديولوجيا يُعبِّر عن حالةٍ تتراوح بين كذبةٍ بسيطةٍ من جهةٍ وخطأ ناجمٍ عن منظومة الفهم المنحرفة من جهةٍ أخرى»(3) . بعبارةٍ أُخرى, المفهوم الجزئيّ للأيديولوجيا يُشير إلى وضع معيّن ننظر فيه بعين الشكِّ تجاه أفكار وأعمال المخالفين لنا وننظر لهم بعين الانحراف العمديّ عن الواقع أو الوضع الحقيقيّ. هذه الانحرافات «تشمل حالات مختلفة بدءاً من كذبةٍ واعيةٍ وصولاً إلى انحرافات شبه واعيةٍ وغير مقصودةٍ»(4) . وفي المفهوم الكليّ للأيديولوجيا يُصار إلى إعادة صياغة الرأي العامّ لفئةٍ محدَّدةٍ والمؤثِّر على كلِّ رأي من آراء أعضائها. وهنا يُشير مانهايم إلى أيديولوجيا مرحلةٍ أو فئةٍ تاريخيَّة اجتماعيَّة محدَّدة أي إلى طبقةٍ معيَّنةٍ عبارة عن الخصائص والبناء العام لذهنيّة المرحلة أو الفئة. ويُبيَّن مانهايم كيف أنَّ المعنى الجزئيّ للأيديولوجيا الذي كان متداولاً في الماضي, كيف أنَّه يتغيّر إلى المعنى الكليّ للأيديولوجيا في عصرنا.

إذ يقول: «بدلاً من الاهتمام اليوم بالكشف عن أنَّ العدوّ يُعاني من الانحرافات النفسيّة والتطبيقيّة, فإنَّ التوجّه العام يسير بهذا الاتِّجاه وهو أن يُصار إلى دراسة البناء العامّ لوعيه وفكره من خلال القيام بتحليل اجتماعيّ شامل»(5) . وحسب رأي مانهايم, فإنَّ المفهوم الكليّ للأيديولوجيا يشمل بحدِّ ذاته مستويين؛ أحدهما هو المفهوم الكليّ الخاصّ, والآخر المفهوم الكلي العامّ للأيديولوجيا. المفهوم الكليّ الخاص للأيديولوجيا يتحقَّق عندما «لا يتساءل الفرد عن مكانته الخاصّة ويراه على أنَّه أمر مطلق, في حين أنَّه يرى أنَّ أفكار الطرف المقابل وتصوّراته ناجمة عن أوضاعه الاجتماعيّة»(6) . هنا يُصار إلى دراسة بُنية رأي الطرف المقابل بشكله العامّ. وعلى العكس من ذلك, فإنَّ المفهوم الكليّ العامّ للأيديولوجيا يرتبط بحالةٍ لا يقوم فيها الشخص الباحث «بدراسة أفكار الطرف المقابل وتصوّراته فقط, بل يقوم بإخضاع جميع الآراء, بما فيها آراؤه هو أيضاً للتحليل الأيديولوجيّ»(7) . هذا الموقف يقوم على أساس الاعتقاد التالي: على الرغم من القول بأنَّ إدراك فئةٍ معيَّنةٍ ورؤيتها الكونيَّة يُعدُّ خطأ، إلا أنَّ أساس هذا الإدراك الخاطئ ليس في ميول هذه الفئة للخِدَاع, بل إنَّه ناجم عن حالتهم الاجتماعيَّة تلك، ذلك إنَّهم يمتلكون وجهة نظر خاصّة.

ويؤكِّد مانهايم على مقولة أنَّ نظريَّة الأيديولوجيا إنَّما تدخل في موضوع علم اجتماع المعرفة بظهور هـذا التصنيف العـام للمفهوم الكليّ للأيديولوجيا فقط. وبناء على ذلك, وبمـا أنَّ علم اجتماع المعـرفة يبحث عن طبيعة العلاقة بين أيديولوجيا فئةٍ معيَّنةٍ ومواقفها السياسيَّة, فإنَّه يَشترك بالرأي مع النظريَّة الأيديولوجيّة. ومن جهةٍ أُخرى, انطلاقاً من أنَّ علم اجتماع المعرفة يرى أنَّ هذه المواقف الناجمة عن الأيديولوجيا ليس بالضرورة أن تكون خطأ, على العكس من المفهوم الجزئيّ للأيديولوجيا التي ترى أنَّ المواقف المتَّخذة من قِبَل المنافس تُعدُّ مكراً وخداعاً وبناء على ذلك تقول بأنَّها خطأ, فإنَّه بذلك ينفصل عن نظريّة الأيديولوجيّ.

الأمر المهمّ بالنسبة لعلم اجتماع المعرفة هو الكشف عن هذه العلاقات والإفصاح عن أنَّ ( التصوَّرات الذهنيّة) أو أنواع العلم تمّت صياغتها بصورها المختلفة على أساس الظروف التاريخيّة والاجتماعيّة المختلفة؛ بدون أن نؤشِّر بالخطأ على أيٍّ من هذه الرؤى الكونيّة.

وبهدف الابتعاد عن اختلاط المفهومين الجزئيّ والكليّ للأيديولوجيا في مواضيع علم اجتماع المعرفة, يَستبدل مانهايم المفهوم الكليّ للأيديولوجيا بمصطلح (Perspective) أو التطلّع. ومراده بالتطلّع: «المكانة الاجتماعيَّة والتاريخيَّة للفرد التي يُدرِك بواسطتها الأسلوب العامّ لفهم الأشياء»(8) . ويرى مانهايم أنّ الفهم الجيّد لهذه الأوضاع التاريخيّة والاجتماعيّة يَرتبط مباشرةً بفهم الأنظمة الفكريَّة المعاصرة لها. وبناء على ذلك لا نستطيع القول أنَّ انفصالا يقوم بين أفراد الإنسان في عمليّة التفكير, بل «إنَّ أفراد النوع الإنسانيّ الأعضاء في المجاميع المعيَّنة هم الذين يقومون بتوسيع نمط معيّن من التفكير»(9) . ويعتقد مانهايم, أنَّ أيَّ فردٍ وبسبب ولادته وترعرعه في المجتمع يكتسب شخصيَّته من ناحيتين؛ إحداهما من خلال الفرصة السانحة المتوفّرة, والأخرى من خلال مواجهته لنماذج الفكر والعمل المطروحة من قَبْل في تلك الفرصة»(10) .
ويَعتقد مانهايم, أنّ هذه الرؤى المختلفة يُمكن دراستها بالأسلوب العمليّ والتجريبيّ حصراً بدون أن نكون مجبَرين بأيِّ شكلٍ على اعتماد نظريَّة خاصَّة تجاهها. وفي نفس الوقت يُمكن القيام بتوسيع آراء نظريَّة المعرفة من داخل نتائج

الأبحاث العمليَّة. ومسألة اعتبار المعرفة أو العلم هي في الحالة الثانية ويُمكن القيام بدراستها.

إلا أنَّ مانهايم يؤكِّد على أنَّ الأبحاث العمليَّة والتجريبيَّة بشكلٍ خاص يُمكن القيام بها بشكلٍ مستقلٍ تماماً، لكنّ الحصول على نتائج نظريَّة المعرفة من الأبحاث العمليَّة وإن كانت ممكنةً إلا أنَّها لا تُعدُّ شيئاً يُذكَر بحيث يمكن أن تعدّ ضروريّة لإكمال البحث العمليّ. وبناء على ذلك, فإنَّ علم اجتماع المعرفة في البُعد العمليّ كما يراه مانهايم عبارة عن «نظريَّة التعيَّن الاجتماعيّ أو الحياتيّ للتفكير الواقعيّ»(11) . هذه النظريَّة مخالفةٌ لرأي هيغل حيث يكون نمط التفكير في تطوِّره التاريخيّ كتابعٍ لعمل القوانين الثابتة والباطنيَّة للعلم، أي يُنظر إليه بأنَّه يَنطوي على نوعٍ من الديالكتيك الداخليّ(12) . وعلى العكس من ذلك, فإنَّ علم اجتماع المعرفة لمانهايم يُوضح كيف أنَّ ظهور وصياغة أنواع الفكر يخضع لتأثير عواملَ من خارج نطاق العلم نفسه, أي العوامل الاجتماعيَّة، فالظروف الاجتماعيَّة في كلِّ مرحلةٍ هي التي تحدِّد نوع العلم أو نمط التفكير في تلك المرحلة. ويرى مانهايم أنَّ هذا الأمر لا يَصدق فقط في مسألة ظهور الأفكار بل إنَّ هذه العوامل الوجوديَّة تترسَّخ أيضاً داخل النَّموذج ومحتوى الأفكار.

واشتهر هذا الرأي بـ (النسبيَّة)(13) من قِبَل المنتَقدين لمانهايم وهذه النقطة بالذّات شكّلت محور نقد النقّاد له. وبهدف تحاشي الانتقادات الموجَّهة لمصطلح النسبيَّة, استخدم مانهايم مصطلح العلاقيَّة(14) بدلاً عنه. ففي المذهب النسبيّ جميع الآراء المخالفة للحقيقة, وبسبب تكوِّنها ضمن الظروف الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة الخاصّة يُنظر إليها كمعارف تبتعد بشكلٍ أو آخر عن الحقيقة ولهذا السبب لا تكون ذات قيمة. وفي نفس الوقت, لا يوجد أيُّ معيارٍ يُمكن على أساسه مقارنة هذه الآراء المختلفة مع بعضها وتقييمها بلحاظ الاعتبار والصحَّة. وهذه مشكلة موجودة في المذهب النسبيّ والمذهب العلاقيّ أيضاً على حدٍّ سواء.

وعلى الرغم من تأكيد مانهايم على مصطلح العلاقة فإنّ الاختلاف هو في شكل التعبير عن الموضوع فقط. ففي المذهب النسبيّ يُصار إلى التأكيد على الحقيقة التالية: إنَّ أيَّ رأي صادرٍ هو ناجم من زاوية رؤيةٍ خاصّةٍ تجاه حقيقةٍ معيَّنةٍ. كما أنَّ هذه النظريَّة تتضمَّن الأمر التالي: لا وجود لأيِّ مفهومٍ مستقلٍ عن الواقع بل هي «أنماط من التفكير، فلا يُمكن أن نتصوّر الحقيقية المطلقة فيها مستقلِّةً عن القِيَم ومكانة الفرد ودون أن تكون مرتبطةً بالظرف الاجتماعيّ»(15) . ومن الواضح أنّ مشكلة إمكانيّة المقارنة بين وجهات النَّظر المختلفة مازالت قائمة. والواقع أنَّ مانهايم قام بتغيير المصطلح فقط لإثبات براءته من النسبيَّة ولم يكن ذلك منه استنادا لرأي منطقيّ، ولهذا السبب لم يكتب له النجاح في ردَّ الاتِّهام الموجّه إليه.

توضيح العلاقة بين الحقيقة والمعرفة

ويَسعى علم اجتماع المعرفة لمانهايم لتوضيح وجود هكذا علاقة بين الحقيقة والمعرفة أو بين الوجود والعلم ومن ناحيةٍ أُخرى العمل على جعل نطاق اعتبارها خاصَّاً. ومراد مانهايم من (المذهب الخاص)(16) هو أن تُؤخَذ مساحة كلِّ وجهة نظرٍ خاصَّة بخصوص حقيقة معيَّنةٍ بعين الاعتبار. فهو يقول إنَّ السعي للهروب من الانحرافات الأيديولوجيَّة والطوبائيّة يتمثَّل في النهاية في البحث عن الحقيقة(17) . والدليل على أنَّ الحقيقة الواحدة تظهر لكلِّ فئة من الفئات أو الطبقات المختلفة في المجتمع بأنماط متباينة هو أنَّ التباين في الظروف الاجتماعيَّة الخاصّة للفئات يؤدِّي إلى تباينها في أنظمتها الفكريّة، «وهذا يعني أنَّ الحقيقة الواحدة يُمكن تطبيقها بأنماط مختلفة»(18).

بين الابستيمولوجيا وعلم اجتماع المعرفة

وبعد الكشف عن هذه العلاقة بين الحقيقة والمعرفة أو العلم الذي يتمُّ من قِبَل علم اجتماع المعرفة, تأتي مسألة تحديد وتعيين دائرة اعتبار أيّ فكرةٍ معيَّنةٍ.

هذا الجزء من الدِّراسة لا يرتبط بالأسلوب العمليّ البحت لدراسة علاقة الوجود أو ظروف الحياة الحيويَّة مع الفكر، بل يجب أن يتمّ توضيحها عن طريق الابستيمولوجيا أو نظريَّة المعرفة. يرى مانهايم أنَّه يُمكن تحديد الاعتبار الجزئيّ لتطلّع معيَّنٍ بشكلٍ دقيق نسبياً عن طريق الاستعانة بنظريَّة المعرفة(19) . نظريَّة المعرفة التي يراها مانهايم تختلف عن نظريَّة المعرفة القائمة على أساس القواعد البديهيَّة. فهو يوضِح قائلاً كيف أنّ الشكل الأقدم لنظريّة المعرفة نفسها هي صنيعة نوعٍ خاصٍ من النظريَّات التي تقول باختلاف نظريّة المعرفة عن العلوم العمليّة الخاصّة.

في حين أنَّ مانهايم يُصرّ على الأمر التالي: إنَّه بالرغم من أنَّ نظريَّة المعرفة «تدَّعي القول بأنَّها أساس وعماد جميع العلوم إلا أنَّها في الواقع اكتسبت وجودها بواسطة الظروف المحيطة بالعلم في كلِّ زمانٍ خاص»(20) . وبناء على ذلك, يرى مانهايم أنَّ نظريَّة المعرفة ليست هي التي حدَّدت شكلاً جديداً للعلم ومنحته المشروعيّة, بل إنَّ العلم الجديد الحاصل من المعلومات العمليّة والحيويّة هو الذي يؤدِّي إلى بلورة نوع من نظريّة المعرفة المنسجِم معه. ويَخلص مانهايم إلى النتيجة التالية: «عن طريق تخصيص سياق علم اجتماع المعرفة أصبح معلوماً أنَّ نظريَّة المعرفة السابقة كانت مترادفةً مع نمطٍ خاصٍ من التفكير… وبناء على ذلك, فقد دُعينا نحن بشكلٍ تلويحيّ لكي نؤسِّسَ لنظريَّة معرفةٍ تتلائم مع هذه الأنماط الأكثر تنوعاً للتفكير»(21) .

ويرى مانهايم, أنَّ بناء هكذا نظريَّة معرفيَّة نموذجيَّة وشاملة أمر ممكن فقط بعد أن نَضع الأشكال المختلفة للمعرفة ونظريَّة المعرفة المرتبطة بكلٍّ منها إلى جوار بعضها البعض.
بناء على ذلك, فإنَّ الحلَّ الذي تقدَّم به مانهايم لمشكلة الاعتبار الجزئيّ عبارة عن الوصول إلى المعرفة أو الاعتبار التامِّ والكليّ عن طريق الوصول إلى مكانةٍ أشمل. السؤال الأساسيّ هو: من هم القادرون على الوصول إلى تركيبٍ كهذا؟ وإذا كان جميع الأفراد كما يقول مانهايم يواجِهون على أساس انتمائهم لفئةٍ أو طبقةٍ خاصَّة نظاماً فكريَّاً معداً لهم مسبَقاً, إذن كيف يُمكِن تصوّر القيام بتركيبٍ كهذا من رؤية محايدة؟

استدلال مانهايم في إجابته على هذا السؤال على النحو التالي: «في مجتمعٍ منقسِمٍ بشدَّة إلى عدَّة أجزاء بواسطة الانشطار الطبقيّ, تنتصب طبقةٌ معيَّنة بقامتها إلا أنَّها لا تشكِّل طبقةً متوسِّطةٍ وإن كانت تقع في الحدِّ الفاصل بين الفئات الاجتماعيّة»(22) . ويسمِّي هذه الطبقة الاجتماعيَّة بـ «المثقَّفين المستقلِّين»(23) .

الميزة الأهمّ لهذه الطبقة الاجتماعيَّة المستقلَّة, عبارة عن مستوى التحصيل الدراسيّ الذي يَجمع هؤلاء الأفراد في تصنيفٍ طبقيٍّ متشابهٍ, على الرغم من سائر اختلافاتهم الفرديَّة في الولادة والموقِع الاجتماعيّ ونوع العمل والثروة. إلا أنَّ مانهايم يؤكِّد على أنَّ جميع الأفراد المتعلِّمين برأيه لا يصنَّفون ضمن طبقةِ المثقَّفين والمفكِّرين بل إنَّ عدداً قليلاً من بينهم هم الذين يمثِّلون مصداقاً لمفهوم المثقَّف. وهذا العدد المحدود ليس معنياً فقط في التَّنافس من أجل إحداث التغيير والتبديل في النِّظام السائد, بل إنَّهم مهتمَّون بشيءٍ آخر من حيث يعلمون أو لا يعلمون. ولكن ما هو هذا الشيء الآخر, هذا الأمر لم يتمّ توضيحه طبعاً من قبل مانهايم , وقد ترك هذا المفهوم على وجه الخصوص مفتوحاً لكي يتَّخِذَ القارئ قراراً بشأنه, وجملته التالية شاهدٌ على هذا الأمر إذ يقول: «مهما نظرنا وبعين التَّسامح أيضاً لهذا الموضوع فليس بوسع أحدٍ أن يُنكِرَ أنَّ هذه الفئة الصغيرة كانت موجودة دائم»(24) . وبناء على ذلك, فإنَّ «المثقَّفين المستقلِّين» يشكِّلون شريحةً أو طبقة اجتماعيّة على أساس التحصيل الدراسيّ وليس الاقتصاديّ. ولهذا السبب أسموهم بالمستقلّين أو غير المنتسبين إلى طبقةٍ. وقد مكَّنهم تحصيلهم الدراسيّ من الوقوف على تأثير الاقتصاد على تفكير الناس ويملكون القدرة على صون أنفسهم من هذه التأثير. والمثقَّفون وحدهم القادرون على أن يَنسِبوا أنفسهم للطبقات التي لم ينبثقوا منها أو أن يجعلوا أنفسهم منسجِمين مع أيِّ رؤيةٍ يرغبونها و«المثقَّفون وحدهم الذين في وضع يمكِّنهم من أن يختاروا انتمائهم وارتباطهم لأي شريحة أو طبقة بكلِّ وعي»(25) .

ويدّعي مانهايم أنّ المثقَّفين عندما يَعرفون مدى أهميّة مكانتهم الاستثنائيّة والممتازة فإنَّهم يُدرِكون كذلك الواجب المستَتِر والكامن فيها أيضاً, ذلك الواجب الذي هو عبارة عن القيام بتركيب وجهات النَّظر المتباينة والوصول بالتالي إلى فهمٍ شاملٍ تامٍ ومعتَبرٍ للحقيقة. على الرغم من أنَّ الشموليَّة المستحصَلة عن هذا الطريق تعبّر برأي مانهايم عن المحدوديّة وليس عن مناخ الحقيقة المطلقة, كما هو موجود في نظريَّة المعرفة المثاليَّة, بل يَنظر إلى هذه الشموليَّة على أنّها تُمثِّل فهماً جيّداً للحقيقة. رؤية مانهايم مخالفة لنظريّة المعرفة الهيجليّة وهي بشكلٍ عام مثاليَّة تخلق إلى جانب عالم الحقيقة الذي تُدرِكه حواس الإنسان والعلم, عالماً آخر يَشمل فضاء الحقيقة المحضَة أو الحقيقة المعتبَرة بحدِّ ذاتها وليس بناءً على الرؤى المختلفة بشأنها. وهذا فضاءٌ كامل مطلقاً، إذ أنَّ أيَّ شيءٍ آخر يحتوي على النقص والعيب بالمقارنة معه. ويدَّعي مانهايم أنَّه لا وجود لعالمٍ كهذا؛ لأنَّه لا يُمكن فصل المعرفة عن عمل المعرفة الذي يَحصل في محيطٍ اجتماعيّ ويتأثَّر به. فهو يرى أنَّه عندما نتمسَّك بالمعلومات والإحصاءات الناجمة عن التفكير العينيّ الواقعيّ بشأن هذا العالم بدقّة وكذلك إذا قبلنا بأنّ ظاهرة المعرفة هي عبارة عن عمل موجودٍ حيّ, فإنَّ مسألة العلم تكتسب مشروعيَّةً أكبر(26) .

وبناء على ذلك النوع الذي يتَّخذه مانهايم من نظريَّة المعرفة فيما يتعلَّق بمواضيع علم اجتماع المعرفة، فالمعرفة عبارة عن نوع من المعرفة غير المطلقة وهي التي تأتي مقابل نظريَّة المعرفة المثاليَّة المطلقة. وفي نفس الوقت يدَّعي مانهايم أن موقفه هذا لا يمكن تسميته بالنسبيَّة أيضاً ولكي ينفي هذا الاتِّهام سمَّى نظريته بنظريَّة ( النسبة أو العلاقة) وليس (النسبيَّة), إذ كما سبق وأن قلنا أنَّ عمليَّة تغيير المصطلح هذه لم تحلّ عقدة من المشكلة، بل حاله حال النظريّة النسبيّة؛ لأنَّ مشكلة عدم إمكانيَّة مقارنة الظروف الاجتماعيَّة المختلفة ومرادفاتها في نظريَّة المعرفة لإيجاد تفسيرٍ للقِيَم الكونية مازالت قائمةً. النظريَّة النسبيَّة تنكر من جهةٍ وجود أيّ معيارٍ منطقيّ يُمكن بواسطته القيام بفحص المعلومات المختلفة عن الحقيقة والوقوف على مدى صحَّتها أو سقمها. وبناء على ذلك , فإنَّ إصدار أي حكمٍ هو في صالح جميع الأحكام أيّ في الواقع لا يُمكِن التمييز والفصل بين الأحكام الجيَّدة والسلبيَّة.

طبقة المفكّرين ومقترح مانهايم

يسعى مانهايم من خلال نظريَّة ( النسبة أو العلاقة) إلى رفض مفهوم القِيَم الكونيَّة والتقدَّم بمقترحِ القِيَم المرتبطة بأيِّ ظرفٍ خاص بدلاً عنها. وهناك جملة من الانتقادات أوردَت على نظريَّة علم اجتماع المعرفة لمانهايم وتشمل الأبعاد النظريَّة والعمليَّة. ففي البعد العمليّ, ترتبط نظريّة المفكّرين المتحرّرين أو المستقلِّين بشكلٍ مباشرٍ بالحلِّ الذي تقدَّم به مانهايم بخصوص مسألة النسبيَّة, ذلك أنَّ المفكّرين وحدهم هم القادرون على الحصول على فهمٍ تامٍ ومعتبَرٍ للواقع الاجتماعيّ.
وفي نفس الوقت, انطلاقاً من عدم تقديم أيِّ معيارٍ عمليّ لتمييز المفكّرين عن سائر الأفراد المتعلِّمين في المجتمع, فإنَّ هذا المفهوم بحدِّ ذاته يُثير التساؤل. والسؤال هو: من الذي بإمكانه أن يقرِّر أنَّ فرداً أو مجموعةً اجتماعيَّة خاصّة تعود لفئة المفكّرين أم لا؟ يهاجم (آدورنو) في مقالةٍ له تحت عنوان (علم اجتماع المعرفة ووعيها الذّاتيّ) عقليَّة مفكّري مانهايم باعتبارها أمراً خياليّاً غير حقيقيّ. فيقول: «إنَّ خياليَّة هذه العقليَّة تنطوي على الحقيقة التالية وهي أنَّه جاء في تبيين الغاية من اختيار المتميِّزين في هذه المجموعات الخاصّة على أنَّه جاء كحصيلةٍ لنوعٍ من منهج الانتخاب العينيّ في حين أنَّه لم يَنتخب هذه النخبة أيُّ شخصٍ على الإطلاق سوى هم أنفسهم»(27) .

ويستنتج (آدورنو) أنَّ مانهايم بطرحه لمفهوم كهذا يكون قد تجاهل (السلطة الاجتماعيَّة).

ويعترف مانهايم في كتابه الأيديولوجيا والطوباويّة بأنّ أكثر المثقَّفين والمفكِّرين في المجتمعات الغربيَّة منبثقين من أصحاب الأملاك (المؤجّرين) من ذوي الثروة والاموال. ولهذا السبب فهم غير مجبَرين على ممارسة العمل لمواصلة حياتهم وبوسعهم أن يَقضوا جلَّ وقتهم في تطوير المفاهيم الانتزاعيّة للعلم. ويُغفِل مانهايم في نظريّته تأثير هكذا وضع اقتصادي. والمسألة الأساس هنا أن المسائل الاجتماعية هل يجب أن يتمّ تشخيصها من قِبَل مجموعات من المثقَّفين الذين توفِّر لهم مكانتهم وأوضاعهم الاقتصاديَّة فرصةً أكبر لمواصلة تحصيلهم العلميّ, أم أنَّ ذلك يُعدُّ واجباً ملقىً على عاتق المفكِّرين المنبثقين من الطبقات الاجتماعيّة المختلفة والذين حرَّروا أنفسهم من الانتماءات الطبقيّة؟

وإذا كان المفكِّرون في المجتمعات الغربيَّة منبثقين من طبقةٍ اقتصاديَّة غنيّةٍ كما يَعترف بذلك مانهايم, إذن كيف يتمكَّن هؤلاء من تشكيل فئةٍ بمفردهم تسعى بكلِّ إخلاصٍ إلى حلِّ المشاكل الاجتماعيَّة, تلك المشاكل التي لا يقتصر الأمر على واقع أنّهم لا يعرفون عنها شيئاً فحسب, بل من الممكن أن يكونوا أحياناً هم جزءاً منها. فهل يكفي التأكيد على المستوى العلميّ للمفكِّرين ومن ثمَّ انعتاقهم وتحرَّرهم من القيود الناجمة عن الظروف الاجتماعيَّة كميزةٍ أساسيَّة لهذه الشريحة الاجتماعيَّة؟
بالتأكيد ليس الأمر كذلك, وبناء على ذلك فإنَّ فكرة مفكِّري مانهايم هي فكرة مبهَمةٌ. هذا المصطلح لم يتم توضيحه في التفاصيل بشكلٍ كافٍ، كما لم يتمّ الغوض في سائر خصائص المفكّرين طبقا لما تقتضيه الحاجة. وبالتالي فإنَّ المفهوم إمَّا أنَّه بقي غير عمليّ أو تمَّ وضعه في ظلِّ الاستنتاجات المتباينة.

وعلى سبيل المثال, وبملاحظة ما يظهر من أقوال مانهايم يُمكن الاستنتاج بأنَّ مراده من مصطلح المفكّرين هو المفكّرين السياسيين أو رجال السياسة. فهو يرى أنَّ عمليَّة تركيب وجهَات النظر الجزئيَّة والوصول إلى مرحلة الفهم التامّ للحقائق المحدّدة هي من مسؤوليَّة المفكّرين. والمشكلة التي تواجهنا هنا تتمثَّل في أنَّه وبهدف إنجاز عمليَّة التركيب هذه يجب على الفرد ابتداءً أن يمتلك معرفةً واسعةً بكلِّ واحدةٍ من الظروف الخاصّة. مع أنّ العلوم الاجتماعيَّة توسّعت بالقدر الذي تمَّ تقسيم كلِّ واحدة منها إلى مختلف الفروع الاختصاصيَّة. وعلى سبيل المثال يتألَّف علم الاجتماع من علم اجتماع القانون, والفنّ, والمعرفة, ووسائل الاتِّصال العامَّة, والثقافة وأنواع علوم الاجتماع المدنيَّة, والقرويَّة, والسياسيَّة, وفروع علم النفس الاجتماعيّ, والتاريخ الاجتماعيّ, وعلم الإناسة الاجتماعيّ والكثير من الفروع الأخرى والتي تشتمل كلُّ واحدةٍ منها بدورها وجهات نظر مختلفة تجاه الموضوع الذي يتصدون لدراسته. وإذا كان بإمكان الفرد أن يكون لديه فهم عام عن علم الاجتماع ولكنّه لن يكون قادراً أبداً على أن يتخصَّص في جميع مجالاته وفروعه المختلفة وما يتشعَّب من فروعه. علماً بأنَّ كلَّ ما تقدَّم هو بخصوص علم الاجتماع فقط. وبما أنَّ سائر العلوم الاجتماعيَّة والعلوم الإنسانيَّة طوت هي الأخرى سياقاً مشابهاً, يُلاحظ أنَّ الحديث عن المفكّرين القادرين على فهم جميع هذه التطلُّعات المتباينة, وتركيبها مع بعضها البعض والوصول إلى فهمٍ تامٍ للواقع سوف لن يكون أمراً يَسيراً.

ولكي نُصبح قادرين على تصوّر هذا النمط من المثقَّفين فإنَّ الاحتمال الوحيد المتبقِّي لدينا هو أن ننسب هذا المفهوم للمفكِّرين السياسيِّين. فالسياسيِّون هم القادرون على الاستفادة من نتائج مختلف فروع العلوم الاجتماعيَّة والإنسانيَّة دون أن يكونوا متخصِّصين فيها، ويتوصَّلوا إلى رؤيةٍ عامَّةٍ تجاه حقيقةٍ محدَّدة. والمُلفِت هنا أنَّ هذه الرؤية العامَّة المستحصَلة على يد أحد السياسيِّين (والتي تتضمَّن بذاتها موقفاً اجتماعيَّاً خاصَّاً) يمكن أن تكون معتبرةً وغير خاطئة برأي مانهايم. فهو يقول: «حتَّى عندما يُصبح المثقَّفون تابعين لفئةٍ معيَّنة تماماً فإنَّهم سيبقون قادرين على التوصَّل إلى تحيّز تام للحقيقة»(28) . وقد وقع علم اجتماع المعرفة لمانهايم تحت تأثير تأكيده على مفهوم المعرفة السياسيَّة. واستخدَم هذا المفهوم بصورةٍ عامَّة كبديلٍ لمفهوم المعرفة في أكثر استدلالاته. وأمّا بعض المفاهيم من قَبيل الايديولوجيا والطوباويَّة التي تشكِّل أساس كتابه علم اجتماع المعرفة فهي تُعدُّ مفاهيماً ذات طابعٍ سياسيّ.

وبهذا الشكل يتمَّ تعريف الايديولوجيا على أنَّها معرفة منحرِفة تهدف الدِّفاع عن الوضع الموجود, والطوباويَّة على أنَّها المعرفة المنحرفة لغرض معارضة النِّظام السياسيِّ الموجود. والأمثلة المستخدَمة لتوضيح أبحاثه أكثرها ذات طابع سياسيّ؛ فعلى سبيل المثال, وبغرض تبيين كيفيَّة إلحاق المعاني المختلفة التي تتكوَّن تحت تأثير الظروف الاجتماعيَّة والحالات الخاصَّة بمفهومٍ واحدٍ فإنَّه يستشهد بالحريَّة. فيذكر أنَّ هذا المفهوم كانت له ـ وما تزال ـ معاني متباينة في المراحل التاريخيَّة المختلفة وفي الأنظمة السياسيَّة المختلفة. بل يسعى للتأكيد على أهميّة المذهب السياسيّ فيما يرتبط بتركيب النظريَّات المختلفة التي تتمُّ على يد المثقَّفين وذلك عندما يقول:

«أيُّ مذهبٍ سياسيّ سيتصدَّى لأداء عمليَّة التركيب كواجبٍ ومن سيسعى لتحقيق هذا الأمر في المجتمع؟»(29) . وبناءً على ذلك, يُمكِن الاستدلال على أنَّ الحلَّ الذي تقدَّم به مانهايم لقضيَّة تركيب وجهات النظر المختلفة لم يكن (للمثقَّفين) بل (للمفكِّرين السياسيِّين) أو (للسياسيِّين).

البحث أعلاه يُعدُّ نموذجاً لاستدلال منطقيّ يُمكن من خلاله إطلاق مفهوم المثقَّفين المستقلِّين على السياسيِّين. وبسبب عدم قيام مانهايم شخصيَّاً بطرح بحثٍ منطقيٍّ كهذا حيث لم يقم بشرح جزئيَّات خصوصيَّات المثقَّفين الذين يَعنيهم, فقد تَرَك الطريق مفتوحاً أمام الاستنتاجات المتباينة عن طريق الاستدلالات المختلفة. وبهذا الأسلوب يُمكن مواصلة البحث بنحو يُمكن فيه إطلاق مفردات أخرى من قبيل الفلاسفة, وعلماء الاجتماع, والمؤرِّخين وغيرها على مفهوم مثقفي مانهايم.

والملاحظة الأخرى هي عدم بيانه للظروف التي يكون من الممكن فيها القِيَام بتركيب وجهات النَّظر المختلفة في ظلِّها، وطريقة التوصل إلى هذه النتيجة طبقاً لرأي مانهايم بل هذا بقي مبهَماً. ويَنتقد (ماركوزيه) مانهايم لسببٍ مشابه لذلك. فهو يقول: «لا يُمكن تحقيق آمال مانهايم في التوصُّل إلى تركيب عمليّ فاعل من وجهات النَّظر الجزئيَّة والوصول إلى حقيقةٍ تامَّة يُمكن أن تكون مفيدة لمرحلةٍ خاصَّة من التاريخ؛ لأنَّه لم يتمّ في الظروف الحقيقيّة السابقة شرح هكذا تجديد في نظريّة المثقَّفين المستقلّين وبقيت مبهمة»( (30) . إنَّ تركيباً كهذا مضافاً إلى ما يظهر من كونه عملاً لا يتَّصف باليسر، فإنّ تحقَّقه منطقيَّاً أمرٌ مشكوك فيه هو الآخر أيضاً. وبعد أن يَشرح هاملتون في كتاب المعرفة والبناء الاجتماعيّ(31) الآراء الكلاسيكيَّة في علم اجتماع المعرفة ويَشمل ذلك آراء (هيجل)، (ماركس)، (لوكاج)، (شلر)، (مانهايم), (وبر), (دوركيم), مكتب فرانكفورت والآراء الفنومنولوجيَّة , يَعترف أنَّ هدفه ليس إدغام هذه النظريَّات في نظريَّة واحدة.

فهو يؤكِّد أنَّ هذا الأمر غير ممكنٍ لأنَّ هذه النظريَّات نادرة ويمتنع جمعها. وفي نفس الوقت نراه ينتقد برگر ولوكمان(32) لأنَّهما سعيا إلى إدغام النظريَّات المختلفة لـ (دوركيم) , (وبر) , (ماركس) و (ميد) مع بعضها , ويقول إنَّ سعياً كهذا سابقٌ لعلم الاجتماع وغير عملي. ويَعتقد أنَّ أسلوب الإدغام لدى (برگر) و (لوكمان) يمثِّل واحدا من الأسباب الرئيسيَّة لمحدوديَّة وجهات نظرهم كنظريَّة.

ويرى أنَّ إدغاماً كهذا, يُفقد جميع النظريَّات العمليَّة لهؤلاء الاجتماعيين قيمتها، وتحلُّ محلَّها العوامل النظريَّة لهذه النظريَّات بصورة انتزاعيَّة إلى جانب بعضها البعض. ويرى هاملتون أنَّ السبب وراء كون علم اجتماع المعرفة المقدَّم من قِبَل برگر ولوكمان غير عملي إنَّما يعود لهذا السبب ولا يعود للنظريَّة الاجتماعيَّة بل لنطاق الفلسفة الاجتماعيَّة. هذا النمط من علم اجتماع المعرفة يُلغي «جميع العوامل التي تجعل النظريَّات الخاصَّة لماركس, ودوركيم وميدرا (علميَّة), أي المصدر الذي يَشتمل على مجموعة من الأمثلة العمليَّة والموضحة للقضايا الأساسيَّة لهذه النظريّات»(33) .

جديرٌ بالذكر أنَّ المراد هنا ليس توجيه النقد لِمَا قام به برگر و لوكمان, بل المراد توضيح أنَّ عمليَّة تركيب وجهات النَّظر المختلفة التي يَقترحها مانهايم لا تحلُّ المشكلة بل إنَّها تزيدها تعقيداً.
والملاحظة الأخرى المتعلِّقة بنظريَّة (المثقَّفين المستقلّين) لمانهايم ويَطرحها آدورنو بصراحة هي إغفال مسألة التَّعارض الاجتماعي في هذه النظريَّة بشكل تام. ويُلاحَظ في هذه النظريَّة الانحياز نحو الإجماع الاجتماعيّ، حيث إنَّها لا تكترث لأيِّ تضاد أو نشاط ثوريّ بالقوَّة أو أنها تمرُّ عليها مرور الكرام. وتبيِّن هذه الرؤية نوعاً من الميل نحو افتراض التَّعاون والتنسيق المسبَق بين الفرد والمجتمع. ويدَّعي مانهايم بشكلٍ ضمنيِّ أنَّ السبب الوحيد وراء جميع الآراء المختلِفة هو أنَّ المكوّنات الاجتماعيَّة تنظر من زوايا مختلفة لحقيقة معيَّنة.

هذا التعبير الخاصّ يَتعارض في نفس الوقت مع نسبيَّة مانهايم أو نظريَّة النِّسبة على حدِّ تعبيره، ذلك أنَّ الحقيقة في هذه النظريَّة لا يُنظر إليها كموضوعٍ واحد فيما يتعلَّق بالفئات الاجتماعية المختلفة, بل المدّعى فيها يعتمد على أساس أنَّ الحقيقة تُصاغ عن طريق الرغبَات والتمنِّيات الخاصَّة بكلِّ فصيلٍ اجتماعيّ. وبناء على ذلك, يَنقُض مانهايم استدلاله عندما يذهب للقول بأنَّ الحقيقة ليست عينيَّة بل هي صناعةُ رغبات المجموعة, ومن ناحيةٍ أُخرى القول بنسبة نوع من العينيَّة للحقيقة من خلال الحديث حول الأشكال المختلفة لتجربة الحقيقة الواحدة. أي إنَّ مفهوم صناعة الحقيقة من قِبَل الفصائل المختلفة ومفهوم الحقيقة الواحدة التي تدلُّ على عينيَّتها لا يُمكن جمعهما مع بعضهما البعض.

على أيَّة حال, فقد تمَّ افتراض أنَّ جميع الفئات الاجتماعيَّة هم فعلاً بصدد معرفة الحقيقة، ولهذا السبب فإنَّ الاعتبار الجزئيّ لتفكيرهم وسلوكهم متساويان مع بعضهما، ومن مسؤوليَّة المثقَّفين تركيب هذه الآراء الجزئيَّة مع بعضها ليتوصَّلوا بالتالي إلى فهمٍ تامٍ للحقيقة. والسؤال هنا ما هو حال هذه النظريَّة لو لاحظنا أنَّ المكوّنات المتعارِضة موجودة في المجتمع، وأنَّ التباين بينها لا يَقتصر على نظرتهم المتباينة للحقيقة فقط, بل إنَّ هذه المكوّنات تفسِّر الحقيقة طبقا لرغباتها وميولها المختلفة كالسعي للسلطة والشهرة أو حتَّى الربح المادي ؟ وبناء على ذلك, فإنّ الحقيقة لا تتجلَّى دائماً بشكلٍ لا شعوري وتحت تأثير الظروف الخاصَّة المتقلِّبة, كلا فالأمر ليس كذلك, بل إنَّ الحقيقة تُزيَّف أحياناً بشكل إراديّ وبناء على أساس الرغبات الخاصَّة للأفراد, والشرائح أو المجتمعات. يقول مانهايم: «إنَّ سعي الإنسان للتخلّص من الانحرافات الأيديولوجيَّة والطوبائيّة تعدُّ في نهاية الأمر محاولة للفهم الصحيح للحقيقة»(34) . ثمَّ يقول متفائلاً: «جميع الشرائح والطَّبقات المتعارضة في المجتمع تبحث عن هذه الحقيقة»(35) . وهذا في الواقع هو السؤال بعينه وليس جواباً للسؤال التالي: هل أنَّ جميع الشرائح والطَّبقات المتعارضة هي فعلاً بصدد البحث عن الحقيقة؟ أم أنَّ بعضاً منها بصدد البحث عن طرق تتمكَّن من خلالها الانتفاع بالحقيقة من خلال تحويرها وإظهارها بشكلٍ مغاير؟ إذا كانت الحالة الثانية موجودة, وهي موجودة فعلاً, ففي هذه الحالة سوف لن يتمكَّن حتَّى مثقَّفو مانهايم أيضاً من التوصّل إلى فهمٍ تامٍ للحقيقة عن طريق التركيب, ولعلَّ تركيباً كهذا يزيد من تعقيد المشكلة ويضاعفها.

تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الجدل لا يدور حول التَّساؤل عن مفهوم المثقَّفين ودورهم في تثقيف المجتمع, بل إنَّ مشكلة نظريَّة مانهايم هي في إبهام هذا المفهوم. فحين يرى مانهايم أنَّ الشخص الوحيد القادر على أن يَحمل المعرفة الأصيلة ويمثِّلها بدون أيِّ تحيَّز هو المثقَّف, كان لا بدّ لهذا المفهوم المهمّ للغاية من أن يَحظى بقدرٍ أكثر من الاهتمام، وبمزيدٍ من التفاصيل الجزئيَّة. مضافاً إلى ذلك, فبناء على ما ادَّعاه مانهايم من أنَّه قدَّم أسلوباً عمليَّاً وفاعلاً لعلم اجتماع المعرفة, كان يحب أن يُصار إلى إعطاء تعريف دقيق وعمليّ لهذا المفهوم يُمكن القيام على أساسه بتمييز (المثقَّفين المستقلّين) عن سائر المثقَّفين والأفراد المتعلِّمين في المجتمع.

ويمكن إيجاز القضايا والمشاكل النظريَّة لعلم اجتماع المعرفة لمانهايم في الأمور التالية:
أولاً إنَّه يؤيَّد وجود علاقة مصيريَّة بين الوجود والمعرفة, أي إنَّه يَعتقد أنَّ الوضع المعيشي للفرد والمجتمع هو الذي يحدِّد نمط التفكير ومحتواه أو المعرفة المرادفة له.
ثانياً, إنَّه يقلِّل شأن نظريَّة المعرفة من معرفة مؤثِّرة بالعلم إلى معرفة متأثِّرة بالعلم والمنبَثِقَة من المعلومات العلميَّة، وأخيراً يَنفي مانهايم وجود أجواء الحقيقة المطلقة.

إنّ جميع هذه الحالات ترتبط بشكلٍ مباشَر بفكرة مانهايم عن (الحقيقة الجزئيَّة)(36) . وبالإضافة لذلك فإنَّها ترتبط بنظريَّة المعرفة لمانهايم التي تقوم على إنكاره للحقيقة المطلقة. وبشكلٍ عام هناك نوعين من نظريَّة المعرفة يُمكن تشخيصهما ولا يُمكن إحالة أحدهما على الآخر, وهما عبارة عن نظريَّة المعرفة النسبيَّة ونظريَّة المعرفة المطلَقة. وهذان النوعان يَتركان تأثيراتهما على جميع الأنواع الأخرى للعلم التي ترتبط بالإنسان. فنظريّة المعرفة تمثِّل ركائز العلم وأُسسه وتوفِّر إمكانيَّة تفسير المعلومات العمليَّة. نظريَّات المعرفة هذه تشمل أكثر المعلومات عمقاً عن العالم وهي الممثِّلة لنمط التفكير في عصرها. ولا يُمكن اعتبار أيٍّ منها خطأ؛ لأنَّ كلَّ واحدةٍ منها هي الممثِّلة الحقيقيَّة لعصرها الفكريّ. والمعرفة العلميَّة للوقت الحاضر تكوَّنت على أساس نظريَّة المعرفة النسبيَّة في حين أنَّ انبثاق المعرفة سابقاً كان يتمُّ على أساس نظريَّة المعرفة المطلَقة. نظريَّات المعرفة هذه كانت مستقلَّة عن الإحصاءات والمعلومات العمليَّة, ونقطة الشروع بالنسبة لها هي المواضيع الفلسفيَّة ذات الجنبة النظريَّة الصرفة. هذان النوعان من نظريَّات المعرفة كانا موجودين على الدَّوام بشكل موازٍ لبعضهما البعض, وفي كلِّ زمان يُصار إلى تفضيل أحدهما على الآخر، وتتبنَّى دور التفكير السائد في ذلك الزمان.

وتتفرَّع من هذين النوعين الأساسيِّين لنظريَّة المعرفة الموجودين على المستوى الفلسفيّ, نظريَّات معرفة فرعيَّة ترتبط من الناحية الاجتماعيَّة بالظروف الخاصّة ولها علاقة مباشِرة بالمعلومات والإحصاءات. نظريَّات المعرفة الجزئيَّة هذه موجودة في كلِّ فرعٍ من فروع العلم المشابِهة لها وتتأثَّر بالنتائج العمليَّة للعلوم المختلفة. وبناء على ذلك فقد صحَّ ما يقوله مانهايم أنَّه على أثر ظهور أيِّ علمٍ جديد, ستظهر نظريَّة معرفة جديدة أيضاً؛ وفي نفس الوقت طالما أنَّ النوعين الأساسيِّين للمعرفة هما محطَّ الاهتمام, فإنَّ مانهايم يُخطئ عندما يتبنّى أنَّ نظريَّات المعرفة تَظهر عن طريق الإحصاءات والمعلومات العمليَّة. ومع ذلك, ففي كلِّ حالة منها ترتبط نظريَّات المعرفة الفرعيَّة المتأثِّرة بالعلوم المختلفة بشكلٍ مباشر بأحد نوعي نظريَّات المعرفة الأساسيّ والفلسفي ولن تذهب نتائجها إلى أبعد من نطاق هذه النظريَّات في المعرفة التي تكون إمَّا نسبيَّة أو مطلقة. إنَّ ما تناوله هيغل في منهجه الفلسفيّ بشأن المعرفة يقوم على نوع نظريَّته المعرفيَّة القائلة بالإطلاق بنفس القدر من قيام علم اجتماع المعرفة لمانهايم على نظريَّة المعرفة النسبيّة.

وحتَّى في العلوم الدقيقة كالفيزياء فإنَّ إجراء مقارنة بين الفيزياء النيوتنيَّة القائمة على نظريَّة المعرفة المطلَقة والفيزياء الأينشتاينيَّة القائمة على نظريَّة المعرفة النسبيَّة, توضح لنا كيف أن نظريَّات المعرفة بدلاً من أن تقع تحت تأثير العلم أو المعلومات العملية فإنِّها تؤثِّر فيهما.

وكما يُشير مانهايم بوضوح فإنَّ أتْبَاع مذهب الإطلاق يقولون إنَّه يوجد عالمٌ آخر إلى جانب العالم الذي نعيش فيه نحن ونستطيع أن نتلمَّسه وندركه بحواسنا الخمسة أو من خلال المعرفة العلميَّة. هذا العالم عبارة عن وجودٍ مطلَق لا يُمكن إدراكه وفهمه من خلال المعرفة البشريَّة مباشرةً. إنَّه عالم متكوِّن من معرفة الماضي, والحاضر والمستقبل. عالمٌ كاملٌ لا يوجد فيه أيُّ شيءٍ لم يُكتَشف بعد ولأنَّه كاملٌ يَنطوي في داخله على الحقيقة المطلَقة والواقع أنَّه ذات الحقيقة المطلقة بعينها. والافتراض مسبَقاً بوجود عالمٍ كهذا يُمثِّل الأساس الحقيقيِّ لنظريَّة المعرفة المطلَقة. ومن ناحيةٍ أُخرى يَنفي أتْبَاع النظريَّة النسبيَّة وجود العالم المطلَق كما هو شأن مانهايم, ويَدَّعون أنَّ عالم الأمور هو الموجود فقط وهو الحقيقيّ فقط وهو الذي يُمكن قبوله ويستحقُّ أن تتمّ دراسته والاطِّلاع عليه ولا وجود لشيءٍ يُدعَى بالمطلق في عالمٍ كهذا.
وإذا كان مانهايم قد ساقَ كلامه في نفي العالم المطلَق, إلا أنَّه لم يتمكَّن على الإطلاق من أن يُثبِتَ ما يدّعيه من زاوية علميَّة بحتةٍ أو بطريقةٍ من طرق علم الاجتماع. وحسب اعتقاده فإنَّ العالم المطلَق أمرٌ خطير لأنَّه يرى أنَّ جميع الذين يقولون بالحقيقة المطلَقة, هم أولئك الذين يدّعون بأنَّهم قادرون على أن يُصبِحوا ممثِّلين للحقيقة المطلَقة, وبناء على ذلك فهم من الذين لا يَملكون القدرة على أن يُدرِكوا الحقيقة إدراكاً جزئيَّاً وغير قادرين على أن يتحمَّلوا العقائد والرؤى المتباينة تجاه الحقيقة والحياة.

يُضاف إلى ذلك «فإنَّ الرّاضون على النظام القائم من المحتمل جداً أن يعتبروا الشيء الذي هو في الواقع يُعدُّ نتاجاً لحالة تعود للصدفة مطلقاً وخالداً لتكون لهم الذريعة القوية التي يتشبَّثون بها ويعملوا بالتالي على أن يجعلوا مشاكل الحياة أقلُّ درجةٍ ممكنة بالنسبة لهم»(37) . ومن خلال استدلالات مانهايم نفسه يُمكِن القيام بنقد مقولته هذه. هذا التعبير يمثِّل بحدِّ ذاته مضمون جزءٍ من الحقيقة التي هي عبارة عن خطورة الاعتقاد والقول بالحقيقة المطلقة التي تقترن بنفي جميع الحقائق الجزئيَّة الأخرى. إلا أنَّ الجزء الخاطئ في هذا التعبير هو فيما يلي:

أولاً, إنَّ خطر حقيقةٍ ما لا يُناقض وجودها بمعنى أنَّ خطر القول بالإطلاق لا يَتساوى مع إنكار الوجود المطلق.
ثانياً, الخطر يَكمن في إنكار الحقائق الجزئيَّة وليس في الإيمان بالحقيقة المطلقة.
ثالثاً, ليس من الصحيح القول بأنَّ المؤيِّدين للحقيقة المطلقة هم دائماً من الموافقين على النِّظام القائم، بل من الممكن أي يكون الأمر خلافاً لذلك تماماً. فأتْبَاع المذهب المطلق من الممكن أن يَنبثقوا من الفئات الغالبة والفئات المغلوبة في المجتمع أيضاً. الفئة الغالبة تسعى لتقديم الوضع الموجود على أنَّه مطلَق, في حين أنَّ الفئة المغلوبة تسعى لتقديم آرائها المخالفة لها على أنَّها مطلقة؛ الايديولوجيا المطلقة أو الطوبائيَّة المطلقة.
وبنقاشٍ كهذا لا يَستطيع مانهايم أن يَنفي فكرة الحقيقة المطلقة ذلك أنَّ هذا الإجراء ليس عمليَّاً برأي علم الاجتماع وأسلوبه الخاصّ.، كما أنَّ الحقيقة المطلقة لا يُمكن إثباتها من خلال علم الاجتماع.
ولعلم الاجتماع الكثير من المشترَكات مع الفلسفة على المستوى النظريّ, في حين أنَّه يَختلف عنها على المستوى العمليّ والدِّراسات العمليَّة. فدراسة المفاهيم الأصيلة من قبيل الحقيقة المطلَقة أو العلم المطلق كنظريَّة أمر ممكن على

الهوامش

كارل مانهايم (Karl Mannheim) (1893-1947) عالم اجتماع يهودي، مجري الأصل من مؤسسي علم الاجتماع الكلاسيكي ويعد مؤسس علم اجتماع المعرفة.الهدف الخاص لعلم اجتماع المعرفة هو تحليل العلاقات بين التمثيلات العامة للواقع وخلفيتها المكونة من الظروف التاريخية والاجتماعية. التعارض بعد ذلك بين الأيديولوجيا واليوتوبيا يأتي من حقيقة أن الاولى تميل إلى إضفاء الشرعية على الوضع الراهن في حين أن الآخرى هي أكثر ابتكارا ونقدا وتهدف إلى التغيير والتغلب على ما هو قائم.

(*) باحثة متخصصة في علم الاجتماع، من إيران، ترجمة صالح البدراوي.
(1) Mannheim, (1991), Ideology and utopia, London : Routledge, p 237.

(2) المصدر نفسه.
(3) المصدر نفسه.
(4) المصدر نفسه.

(5) المصدر نفسه.
(6) المصدر نفسه.
(7) المصدر نفسه.

(8) المصدر نفسه.
(9) المصدر نفسه.
(10) المصدر نفسه.

(11) المصدر نفسه.
(12) للمزيد من الاطلاع على نظرية هيجل راجع : Hegl G. w.F ( 1971 ), The Phenomenology of mind , London : George Allen Sunwin.
(13) Relativism.
(14) Relationism.

(15) Mannheim, (1991), Ideology and utopia, p. 70.
(16) Particularism.
(17) Mannheim, (1991), Ideology and utopia, p. 89
(18) المصدر نفسه

(19) المصدر نفسه، .257
(20) المصدر نفسه، .259
(21) المصدر نفسه، .260(22) المصدر نفسه، 139.
(23) Unattached Intelligentsia.
(24) المصدر نفسه، 232 .

(25) المصدر نفسه، 141 .
(26) المصدر نفسه، 268.

(27) Adorno , T. W ( 1967 ), The sociology of Knowledge and its consciousness, In Adorno , T.W. Prisms, London: Neville Spearman, P.38 .

(28) Ideology and utopia , p. 144.
(29) المصدر نفسه.

(30) Jay, M.( 1974 ), The Frankfurt school , scritique of Karl Mannheims sociology of Knowledge, Tebs, 20:72- 89, P.69.
(31) Hamilton, P. ( 1974 ), Knowledge and Social Structure, London: Routledge ot Kegan paul , p. 150.
(32) راجع : Berger , p. and luckmann,T. ( 1979 ), The Social construction of Reality, Great Britain: penguin.

(33) Knowledge and Social Structure, p

(34) Ideology and Utopia, p. 87.
(35) المصدر نفسه، 88 .

(36) Partial truth.

(37) المصدر نفسه، 78.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى