دراسات سياسية

عندما تسير السياسة خلف الاقتصاد: دور الشركات الامريكية في انفصال جنوب السودان

اعداد : أ. محمد عادل عثمان – باحث في العلوم السياسة

  • المركز الديمقراطي العربي

تقوم السياسة الأمريكية والغربية تجاه دول الشرق الأوسط وافريقيا، على إعادة صياغته فكاً وتركيباً بما يخدم مصالحهم وأهدافهم العليا، والتي تعبر عن محورية التمركز الغربي حول الذات ، فقد برزت أهمية جنوب السودان ومنطقة شرق إفريقيا عموماً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، حيث أضحت تحتل مكانة بارزة في الاستراتيجية الأمريكية الكبرى، وفي إطار الرؤية الأمريكية للحرب على الإرهاب واستغلال هذه المناطق الغنية بالكثير من الموارد الطبيعية، وفي هذه الحالة فأن جنوب السودان المستقل جزءاً من هذا المشروع، حيث توجد معظم آبار النفطِ السودانية في الجنوب، ولهذا نجحت الشركات الامريكية في التأثير علي صناع القرار الأمريكيين منذ أن اتخذ القرار بانفصال الجنوب على تشجيع هذه الفكرة أملا من هذه الشركات في الحصول على مواردها واغتنام الفرص في دولة يعج باطن أرضها بثروات كثيرة. فجنوب السودان يحتفظ بأكبر احتياطيات غير مستغلة من النفط في إفريقيا، والولايات المتحدة تهدف إلى إحكام السيطرة على تلك الموارد الهائلة دون منازع إن أمكن.

صدام الشركات:

إن الصراع حول النفط في جنوب السودان هو صراع بين شركات النفط الأمريكية والشركات الشرق آسيوية، ومن أجل كسب الدفة دفع الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص باتجاه انفصال الجنوب لفرض أجندته الخارجية على السودان بغرض إضعاف الدور الصيني به خاصة فيما يتعلق بالنفط، ومن أجل ذلك صعدت جوبا من خلافاتها مع شركة «Petrodar» لتحجيم نشاط الصين في الجنوب لتزيد من الوجود الأمريكي داخل أراضيها، ولذلك فأن الاهتمام الأمريكي بنفط السودان لا يعود إلى أن اكتشافه تم علي يد شركة شيفرون الأمريكية التي انفقت ما قيمته أكثر من مليار دولار على أنشطتها النفطية في السودان عام 1992 بل أن الأمر أكبر من ذلك بكثير فهو يعود إلى الأولوية الامريكية تجاه استغلال نفط القارة الافريقية لضرب كل الشركات الأخرى العاملة في مجال استخراج النفط الافريقي وذلك في إطار رغبة الولايات المتحدة في السيطرة على أسواق النفط حول العالم

وتحتل أفريقيا مكانة مرموقة في هذه الاستراتيجية التي كانت تعتزم زيادة الإمدادات النفطية الأفريقية إلى السوق الأميركية من 15% حاليا إلى 25% بحلول العام 2015، ولذلك تضع الشركات الأميركية خططا متعددة بهدف إنفاق عشرة مليارات دولار سنويا في صناعة النفط الأفريقية.

استراتيجية الموارد مقابل الانفصال:

كانت شركة دين كورب واحدة من شركات كثيرة تقوم الحكومة الأمريكية بالتعاقد معها مقابل القيام بمهام خارجية محددة، وقد فازت من قبل الشركة بعقود من حكومة الولايات المتحدة في عدد من مناطق العالم المضطربة، من ضمنها العراق وأفغانستان وليبيريا وكولومبيا، وجنوب السودان، أيضا قدمت شركة بلاووتر “Black Water” ، طبقا لتقارير أمريكية، حماية أمنية لكبار مسئولي حكومة جنوب السودان، ولتدريب جيش الجنوب، في مقابل حق الانتفاع بما قيمته 50% مما تحتويه مناجم معادن حديد وذهب في الجنوب.

كما أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما ” قد اتجهت في بداية توليها زمام الأمور في الإدارة الامريكية نحو العمل علي خفض الانفاق العسكري كوسيلة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية التي ضربت البلاد بسبب أزمة العقارات عام 2008 ،حيث أن الادارة الأمريكية قد اتجهت إلى سوق السلاح كبديل متاح لتحريك الركود الاقتصادي، وبالتالي توجهت نحو المنطقة الافريقية التي تشهد اضطرابات أمنية في عدة مناطق، لذلك عملت الحكومة على دعم شركات السلاح الامريكية للعمل في جنوب السودان بالتعاون مع الحكومة في تدريب الجيش الشعبي وتقييم احتياجاته، لكن من الملاحظ أن هذه الشركات عملت على ترويج دعاية الحرب القادمة وسط الجنوبيين في مقابل الاحتفاظ بحصة وفيرة من موارد جنوب السودان النفطية في باطن، كما أن هذه الشركات عملت علي تصوير الوضع في جنوب السودان علي أنه وضع كارثي ، فكان لا يمر عام حتى يحدث زيارة بعثة من جيش الحركة الشعبية بجنوب السودان لطلب الدعم سواء من وزارة الدفاع الامريكية أو من شركات المرتزقة التي قامت بدور مشبوه في الجنوب لتدريب قوات الحركة الجنوبية ولتوفير العتاد والسلاح اللازم لهذه الدولة تحسبا لحرب قد تشتعل بين شمال وجنوب السودان عقب استفتاء انفصال الجنوب.

ومنحت وزارة الخارجية الأمريكية إحدى الشركات الأمريكية الخاصة عقدا للقيام بتأهيل قوات الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان وتحويلهم لقوة عسكرية محترفة، واختارت شركة دين كورب DynCorp التي فازت بقيمة العقد المبدئي البالغة 40 مليون دولار في ذلك الوقت للقيام بهذه المهمة، أما الهدف من هذا فيتمثل في تعزيز القدرات العسكرية للجيش الشعبي لتحرير السودان بغية إضعاف موقف الخرطوم.

وأفاد تقرير نشرته صحيفة (ميركوري نيوز) الأمريكية في 11 يونيو 2010 إلى أن الرئيس الأمريكي السابق” باراك أوباما” دعم من وجود الشركات الامريكية في جنوب السودان وبخاصة شركة (بلاك ووتر) إذ حصلت على ترخيصًا مفتوحًا بالعمل في جنوب السودان حيث قامت الإدارة الأمريكية بمكافأتها بمنحها عقود عمل بمبلغ (220) مليون دولار. منها عقود عمل بمائة وعشرين مليون دولار لوزارة الخارجية الأمريكية، وعقود بمائة مليون دولار لوكالة الاستخبارات المركزيةCIA وذلك بعد الانفصال مباشرة.

كما نجحت هذه الدعاية لشركات النفط والسلاح الامريكية في إجبار القادة الجنوبيين على استلام اموال تمويل الاستفتاء وتوقيعهم على تعهدات تعطي لهذه الشركات حق كامل التصرف في نفط الجنوب مقابل تحقيق الانفصال وحماية الدولة الوليدة دبلوماسياً وعسكرياً من خلال توفير السلاح.

ومن هنا يمكن القول أنه لولا الولايات المتحدة الأمريكية والدور الخبيث الذي لعبته في السودان لما تصاعدت أزمة جنوب السودان كانت لن تصل إلى حد الانفصال.

قائمة المصادر:

– Christian Knox, the Secession of South Sudan: A Case Study in African Sovereignty and International Recognition, https://bit.ly/I6aO9U

– Jill Shankleman, Oil and State Building in South Sudan, https://bit.ly/2JQkOcZ

-أحمد عز الدين: ملف علاقات أمريكا وجنوب السودان -دعم جيش الجنوب، https://bit.ly/2ytpLmU

– محد إبراهيم: النفط والتكالب الأمريكي على السودان، https://bit.ly/2K4mqfg

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى