تهدف هذه الورقة لمسح الخريطة المعرفية والمفاهيمية لعلماء السياسة العرب – بالترکيز على الحالة المصرية – في الفترة من 2000 إلى 2014. وتحاول الورقة اکتشاف کل من المفاهيم الأساسية التي دارت حولها الأجندة البحثية بالإضافة إلى أهم المناهج المستخدمة في تلک الفترة. وتنطلق الورقة من افتراض أن الألفية الجديدة حملت توقعات بخصوص عالم جديد يتشکل على مستوى الواقع والاکاديميا خاصة بعد ما بدا من استقرار انتصار الليبرالية بشقيها السياسي والاقتصادي على الفکر الاشتراکي، وهو الأمر الذي يحتاج منا تلمس ملامح الاستمرار والتغير في أجندة العلوم السياسية. وتقف الورقة عند عام 2014 (مع الإشارة لبعض الکتابات التي ظهرت بعد ذلک والتي لها دلالة في التحليل) على اعتبار أن هذا العام شهد استقرارًا نسبيًّا للنظام والدولة المصرية بعد فترة التوتر السياسي منذ ثورة يناير 2011 وما صاحبها وتزامن معها على مستوى العديد من الدول العربية.
وقد توصلت الورقة إلى أن الدولة کانت وما زالت هي المفهوم المرکزي الأهم في تلک الخريطة بالإضافة إلى عدد آخر من المفاهيم کالعولمة والديمقراطية والتحول الديمقراطي وأسلمة المعرفة والحرکات الإسلامية بالإضافة إلى المرأة. لا تحاول الورقة في هذا السياق تقديم رؤية نقدية لهذه الکتابات ولکن تقديم مسح للملامح العامة للخريطة بما يسمح للباحثين والباحثات إدراک تموضع علم السياسة وتطوره في الوطن العربي بشکل عام ومصر بشکل خاص بالنسبة لتطوره في العالم.
مقدمـــة:
ترکز هذه الورقة على الإنتاج العلمي لعلماء السياسة العرب في الفترة من ٢٠٠٠ وحتى ٢٠١٤ وبالترکيز على علماء السياسة في مصر بغرض رسم خريطة معرفية ومفاهيمية حول هذا الإنتاج، ورسم صورة معقولة للرصيد العلمي الذي تراکم منذ بداية الألفية الجديدة لتحديد أهم القضايا التي شکلت الأجندة البحثية في تلک الفترة والعلاقات بينها وکذلک تحليل أهم المناهج المستخدمة في هذه الدراسات.
وتنطلق الدراسة من فرضية تتعلق بالعلاقة بين تطور العلوم السياسية في العالم العربي وحالة تطوره في الغرب، فکثيرًا ما تُثار النقاشات حول انعزال علم السياسة في العالم العربي عن حالة التطور الدولي على مستوى القضايا والمناهج والاهتمامات. ولکن لا يمکن لنا اکتشاف صحة هذه الافتراضات والنقاشات من عدمها دون التعرف على خريطة شبه متکاملة للرصيد العلمي. وتبدأ الورقة منذ العام ٢٠٠٠ وتنتهي في عام ٢٠١٤ (مع الإشارة لبعض الکتابات التي ظهرت بعد ذلک والتي لها دلالة في التحليل). وتنطلق الورقة من افتراض أن الألفية الجديدة حملت توقعات بخصوص عالم جديد يتشکل على مستوى الواقع والأکاديميا خاصة بعد ما بدا من استقرار انتصار الليبرالية بشقيها السياسي والاقتصادي على الفکر الاشتراکي. ورواج مقولات فوکوياما وهنتجتون حول نهاية التاريخ وصراع الحضارات التي ظهرت في بداية التسعينيات من القرن العشرين. وتميزت الکتابات التي ظهرت في تلک الفترة بقبول هذا الانتصار وسيادة فکرة حتمية التحول الديمقراطي على شاکلة النموذج الغربي مع القبول بخصوصية الحالة العربية. وتقف الورقة عند عام ٢٠١٤ (مع الإشارة لبعض الکتابات التي ظهرت بعد ذلک والتي لها دلالة في التحليل) على اعتبار أن هذا العام شهد استقرارًا نسبيًّا للنظام والدولة المصرية بعد فترة التوتر السياسي منذ ثورة يناير ٢٠١١ وما صاحبها وتزامن معها على مستوى العديد من الدول العربية. فقد جاءت الموجة الأولى للربيع العربي في نهايات عام ٢٠١٠ بتحدٍّ ليس فقط للأنظمة السياسية العربية ولکن لعلم السياسة، وفرضت نفسها على الأجندة البحثية بما کان من الضروري أن يستتبع مراجعة للمقولات والمناهج وأدوات تحليل الواقع السياسي الاجتماعي. ولذلک يبدو من الهام محاولة فهم ملامح الخريطة البحثية في تلک الفترة. ولا تحاول الدراسة تقييم هذه الکتابات، فهو أمر يتجاوز قدرة الباحثة في هذه الورقة، ولکنها تحاول اکتشاف الکيفية التي تمت بها مناقشة أهم القضايا على الأجندة البحثية في تلک الفترة.
وتنبع أهمية الدراسة من غياب مثل هذا الجزء المسحي رغم غزارة إنتاج علماء السياسة العرب والمصريين (کما سيتضح على سبيل المثال من إصدارات مرکز الوحدة العربية أو البحث في أي من قواعد البيانات الموجودة على شبکة المعلومات الدولية). فباستثناء مقالة الدکتور محمد صفار في دورية جدلية الإلکترونية حول تاريخ علم السياسة والتي ناقش فيها الاتجاهات النظرية الأساسية التي تحکم کتابات هذا العلم، فلا نجد أي محاولة لهذا المسح.[i]
تنقسم الدراسة إلى الأقسام التالية:
أولًا: منهج الدراسة واختيار العينة.
ثانيًا: تحديد القضايا الرئيسة في خريطة الأجندة البحثية.
ثالثًا: خريطة أهم القضايا والمفاهيم التي کتب فيها علماء السياسة في مصر.
رابعًا: ملاحظات ختامية.
أولًا: منهج الدراسة واختيار العينة:
استخدمت الدراسة مسحًا لأهم الکتابات التي صدرت في تلک الفترة، بالإضافة إلى التقارير التي أصدرها عدد من المراکز البحثية المصرية والعربية لتحديد أهم القضايا التي تشکل الاهتمامات البحثية والعملية للجماعة العلمية. واعتمدت الدراسة على تحديد عدد من القضايا التي تشکل المحاور الأساسية في الإنتاج العلمي وتمت مناقشة أهم الکتابات المتعلقة بها. وتم اختيار قضايا العولمة والديمقراطية والتحول الديمقراطي والإسلام السياسي، والدولة، والمرأة کقضايا ومفاهيم مرکزية في هذه الکتابات. وتم الرجوع إلى عدد 46 کتابًا بالإضافة إلى أعداد تقارير أمتي في العالم (١٤ تقريرًا) وحال الأمة العربية (١٠ تقارير) وکذلک عدد من المواقع الإلکترونية.
– تم الاعتماد في هذه الدراسة على نوعين من المصادر:
المصدر الأول الذي تم الاعتماد عليه في تحديد خريطة بأهم القضايا التي يکتب عنها علماء السياسة العرب والمصريين، هو قائمة المنشورات الخاصة بمرکز دراسات الوحدة العربية خلال فترة الدراسة من عام 2000 حتى عام 2016 والتى صدرت تحت فئة “سياسة” کخطوة أولى لاکتشاف الخريطة العامة للقضايا. وقد بلغ عدد إصدارات المرکز 1048 إصدار خلال الفترة من 2000 إلى 2016. وتنوعت بين مجالات الفلسفة، والثقافة، والاجتماع، والتاريخ والاقتصاد والسياسة، والجغرافيا والبيئة، والتربية والتعليم، والإعلام والاتصال، والعلوم والتکنولوجيا والفکر القومي، والقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى الترجمة.
وبلغ عدد الإصدارت تحت فئة “سياسة” 267 إصدارًا تضم الکتب، والندوات، وسلاسل الأوراق والتقارير. والجدول (1) يوضح توزيع الإصدارت في موضوع “السياسة” من مجمل إصدارت المرکز خلال فترة الدراسة.
الجدول (1) توزيع الإصدارات فئة” السياسة” خلال فترة الدراسة:
السنة |
عدد الإصدارات |
2016 |
16 |
2015 |
17 |
2014 |
20 |
2013 |
20 |
2012 |
18 |
2011 |
24 |
2010 |
23 |
2009 |
13 |
2008 |
18 |
2007 |
18 |
2006 |
17 |
2005 |
15 |
2004 |
19 |
2003 |
3 |
2002 |
8 |
2001 |
12 |
2000 |
6 |
إجمالي الإصدارات |
267 |
ومن خلال الجدول يتضح أن متوسط الإصدارت السياسية في السنة يبلغ نحو 16 إصدارًا. وکذلک خلال فترة الدراسة تم تزايد في عدد الإصدارات من 6 إصدارت في عام 2000 ، إلى أعلى عدد من الإصدارت في عام 2011 بواقع 24 إصدارًا ثم انخفض هذا العدد ليصل إلى 16 إصدارًا في عام 2016.
بالنسبة إلى الموضوعات والقضايا التي تناولتها الإصدارت فيمکن تقسيمها إلى قضايا التحول الديمقراطي والديمقراطية والموضوعات المتعلقة بهما کالحکم الصالح والمحاسبة والشفافية والتي تصدرت اهتمام المرکز خلال فترة الدراسة. ثم تأتي بعد ذلک القضايا الخاصة بالنظم السياسية العربية سواء بالترکيز على دراسة النظم منفردة أو الدراسة بشکل مقارن، وتجدر الإشارة إلى أن الإصدارت التي تناولت الوضع في العراق خلال فترة الدراسة تمثل نحو الربع (1\4) من موضوعات النظم وهو أمر مفهوم في ضوء توجه المرکز القومي وأهمية مسألة الغزو الأمريکي للعراق. ثم قضايا العلاقات الدولية والتي رکزت على العلاقات العربية-العربية، وکذلک العلاقات بين الدول العربية والقوى الکبرى في النظام الدولي ودول الجوار بالإضافة إلى الموضوعات التقليدية کقضايا الأمن والتسلح وبرامج الأسلحة النووية ودور المنظمات الدولية. بالإضافة إلى قضايا الإسلام السياسي، والدولة وإعادة بناء الدولة، والعولمة، والمرأة (إصداران فقط في هذه الفئة رکزت على قضايا المرأة، الأول بعنوان “المرأة والمشارکة السياسية في الوطن العربي”. ضمن سلسلة أوراق عربية، لهيفاء زنکنة عام 2011، والثاني بعنوان “سياسة الأحزاب، والدين، والمرأة في القيادة: لبنان من منظور مقارن”. لفاطمة سبيتي قاسم في عام 2015).
الجدول (2) خريطة بأهم القضايا التي تناولتها الإصدارات:
القضايا |
عدد الإصدارت |
الديمقراطية والتحول الديمقراطي |
62 |
العلاقات الدولية |
55 |
النظم السياسية |
57 |
العراق |
19 |
الإسلام السياسي |
22 |
الدولة وإعادة بناء الدولة |
12 |
العولمة |
11 |
المرأة |
2 |
أخرى |
27 |
کما سبق القول فهذه الورقة ليست ورقة مسحية بمعنى مسح کل الأدبيات التي أنتجها علماء السياسة العرب في الفترة محل الدراسة، کما أنها ليست ورقة نقدية لمجمل الکتابات، فلا تحاول الورقة تقديم قراءة نقدية تقييمية لمضمون هذه الکتابات، ولکنها ترکز على تلمس ملامح الأجندة البحثية في تلک الفترة. وتم الترکيز على علماء السياسة في مصر بشکل أساسي مع الإشارة لعدد من علماء السياسة في الوطن العربي والذين يتجاوز تأثير أفکارهم حدود دولهم القطرية. وتم اختيار قضايا العولمة والديمقراطية والتحول الديمقراطي والإسلام السياسي، والدولة، والمرأة. وتم الرجوع إلى عدد 46 کتابًا بالإضافة إلى أعداد تقارير أمتي في العالم (١٤ تقرير) وحال الأمة العربية (١٠ تقارير) وکذلک عدد من المواقع الإلکترونية. والجدول (3) يوضح توزيع الکتب تبعًا لقضايا محل الدراسة.
الجدول (3)الکتب التي تم الرجوع إليها في الدراسة حسب القضايا:
القضايا |
عدد الکتب |
العولمة |
٣ |
التحول الديمقراطي |
١٤ |
الإسلام السياسي |
٩ |
المرأة |
٧ |
الدولة |
٣ |
أما المصدر الثاني لتحديد أهم القضايا والتيمات التي تمت مناقشتها في الإنتاج العلمي لعلماء السياسة في مصر فقد اعتمدنا على تقريرين ذوي طبيعة إقليمية؛ وتعتمد تلک التقارير على منطق المسح لعدد من القضايا التي يرى کتاب التقرير أنها تشکل محور التطورات والتفاعلات والتحديات التي واجهت العالم العربي في الفترة محل البحث. التقرير الأول حال الأمة العربية (الصادر عن مرکز دراسات الوحدة العربية، بيروت)[ii]، والتقرير الثاني أمتي في العالم (الصادر عن مرکز الحضارة للدراسات والبحوث، القاهرة). [iii] وسوف نناقش في الصفحات التالية بعض الملاحظات على التقريرين.
– تحديد المکتبات وقواعد البيانات:
تم اختيار قسم العلوم السياسية بکلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة باعتباره القسم الأم لأقسام العلوم السياسية في الجامعات المصرية. بالإضافة إلى عدد من المکتبات ودور النشر في داخل مصر:
– مکتبة کلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.
– المکتبة المرکزية، جامعة القاهرة.
– مکتبة الجامعة الأمريکية بالقاهرة.
– مکتبة مرکز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام.
– مرکز الحضارة للدراسات السياسية.
– مؤسسة المرأة والذاکرة.
– المجلس الأعلى للثقافة.
– مدارات للأبحاث والنشر.
– معرض القاهرة الدولي للکتاب.
– مکتبة الإسکندرية.
بالإضافة لبعض المراکز والمکتبات في الدول العربية والتي تقوم بنشر کتابات علمية في مجال العلوم السياسية:
– مرکز دراسات الوحدة العربية (بيروت).
– الشبکة العربية للأبحاث والنشر (بيروت).
– مکتبة الجامعة الأمريکية (بيروت).
– المرکز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (الدوحة).
– معهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية (القاهرة).
– کما تم أيضًا الاعتماد على البيبلوجرافيا التي تنشرها دورية المستقبل العربي بداية من ٢٠٠٥ لأهم العناوين حول الوطن العربي.
– اللغة:
ورُوعيَ في اختيار الکتابات أن تکون باللغة العربية سواء کانت مکتوبة من الأساس باللغة العربية أو مترجمة للعربية؛ فالمعيار الأساسي أن يکون الکاتب /ة عربيًّا/ة (وبشکل خاص مصري/ة). وإن کان هذا لا يعني بالتأکيد أن الکتابة باللغة العربية تعني إنتاج معرفة عربية، وهو ما سنناقشه في خاتمة الورقة.
– الموضوعات:
رُوعيَ أيضًا أن تغطي الکتابات موضوعات ذات طبيعة مختلفة لکي تغطي الأقسام الرئيسة للعلوم السياسية (الفکر السياسي، ونظم الحکم، والعلاقات الدولية)، وأن تغطي الفترة الزمنية محل الدراسة بمحطاتها الرئيسة. وبالرغم أن الترکيز الأساسي کان على حالة علماء السياسة في مصر؛ فإنه رؤي أن يتم الاستعانة في بعض الأحيان بکتابات تأسيسية لبعض الکتاب العرب خاصة في مفاهيم الديمقراطية والمرأة.
– البعد الجيلي والخريطة الأيديولوجية:
حاولت العينة أيضًا تغطية أجيال مختلفة من علماء السياسة في مصر. فقد کان هناک تساؤل يتعلق بدوران نخبة علماء السياسة. هل هناک فرصة لأجيال جديدة من المهتمين بقضايا الشأن العام أم أن الأسماء التي تکتب وتنشر وتؤثر في تطور علم السياسة هي نفسها وليس هناک أسماء جديدة؟ في حال التأکد من هذا فما هي البدائل التي تطورها الأجيال الجديدة من علماء السياسة العرب؟ هل النشر على شبکة الإنترنت؟ أم النشر الدولي بلغات أجنبية؟ أم التدريس بدلًا من النشر؟ أم المشارکة في أعمال مؤتمرات لا تنشر؟ أم المشارکة في مشروعات بحثية تنشر بالخارج؟ تظل هذه الأسئلة مشروعة وإن کانت الإجابة عنها تخرج عن نطاق هذه الورقة وربما تفتح الباب لبحوث مستقبلية.
کما حاولت العينة أن تغطي التيارات الفکرية المختلفة في داخل الجماعة العلمية بغرض تلمس شبکة العلاقات الأيديولوجية والتأثيرات المختلفة بين المنتمين لهذه التيارات، وما إذا کان الانتماء لتيار فکري معين يؤثر على القضايا والمناهج التي يتم الاهتمام بها في الکتابة والإنتاج العلمي.
ثانيًا: تحديد القضايا الرئيسة في خريطة الأجندة البحثية:
تساعدنا تقارير کل من أمتي في العالم وحال الأمة العربية في تحديد أهم القضايا التي دار حولها نقاش الجماعة العلمية في مجال العلوم السياسية في العالم العربي بشکل عام والحالة المصرية بشکل خاص. ولذا سنتناول بقدر من التفصيل محتويات تقرير حال الأمة العربية الصادر عن مرکز دراسات الوحدة العربية في بيروت[iv] وتقرير “أمتي في العالم” الصادر عن مرکز الحضارة للدراسات السياسية.[v] وتعتمد فلسفة تقرير “حال الأمة العربية” على تکليف عدد من الباحثين من أقطار عربية مختلفة بدراسة عدد من الموضوعات المحددة وتقديم دراسات عنها يتم مناقشتها في لقاء فکري بين عدد من الخبراء والباحثين ثم يحرر التقرير ويکتب له مقدمة تنفيذية تحدد السمات العامة له[vi].
إن نظرة مدققة على التقارير التي صدرت في الفترة محل الدراسة تکشف لنا عددًا من الملاحظات:
الملاحظة الأولى هي محورية الدولة في کل التقارير[vii]، الفترة التي تغطيها الدراسة ٢٠٠٠-٢٠١٤ کان الوطن العربي محل تطورات دراماتيکية سواء على المستوى القطري أو الإقليمي أو الدولي. وحاول التقرير في مختلف أعداده تلمس تأثير هذه التحولات على مجمل حال الأمة العربية في ذلک العام. ولکن القضية الأهم التي کانت حاضرة في التقرير هي الدولة القطرية کفاعل رئيس وأول في المنطقة العربية، وکمرکز للتفاعلات سواء القطرية أو الإقليمية أو الدولية، وکهدف وقيمة يجب الحفاظ عليها والتعامل مع کل التحولات والتطورات والقوى باعتبار علاقتها تهديدًا أو تقوية للدولة. فباستثناء تقرير ٢٠١٤ و٢٠١٥ اللذين تضمنا فصلًا عن الشباب وفصلًا عن المجتمع المدني العربي (على التوالي) فإن کل التقارير اهتمت ورکزت على دور الدولة والفواعل الرسميين والتحديات التي تواجهها.
وحتى تقرير ٢٠١٠-٢٠١١ والذي صدر في خضم حالة الحراک العربي المعروفة إعلاميًّا بالربيع العربي والذي صدر بعنوان “رياح التغيير” والذي احتفى في مقدمته “بالروح الثورية التي تبعث الأمل في مستقبل عربي أفضل” (خلاصة تنفيذية، ص ٧) رکز في ثلاثة فصول فقط من إحدى عشر فصلًا على التالي: النظام العربي: رياح التغيير، ثورة الديمقراطية في الوطن العربي: المسار والمآل وأخيرًا الفصل الثامن بعنوان حال اليمن.
الملاحظة الثانية أن منهج کتابة التقرير اقتصر على الوصف دون التحليل، فاکتفت الورقات التي أعدها مختلف الباحثين برصد التطورات الکبرى في المناطق أو القضايا محل البحث؛ دون محاولة تجاوز هذا الوصف لتحليل الأسباب أو المآلات أو حتى رسم سيناريوهات مختلفة لمستقبل القضايا محل الدراسة. وباستثناء تقرير ٢٠١٥ والذي اعتبر محرره أن الفکرة الناظمة له هي “مجتمع المخاطر” فإن التقارير السابقة کانت تکتفي في مقدماتها بالنص على “يتناول هذا التقرير حال الأمة العربية في عام (کذا) من خلال الترکيز على (عدد) من الموضوعات التي رؤي أنها تغطي التطورات الرئيسة التي مرت بالأمة في هذا العام”. هذا الأمر وإن کان محمودًا في مجمله باعتبار التقرير مصدرًا أوليًّا للباحثين والباحثات المنشغلين والمنشغلات بالتعرف على التطورات في شکلها الرصدي قبل التحليل، ولکن يؤخذ عليه في الوقت نفسه غياب الفکرة الناظمة التي تحکم اختيار دول دون غيرها أو قضايا دون غيرها لتکون “التطورات الرئيسة” التي مرت بالأمة. فتقرير ٢٠١٥ والذي صرح فيه محرره أن الفکرة الناظمة للتقرير کانت تدور حول مجتمع المخاطر وتأثير هذه الفکرة على المجتمعات والدول العربية، مکنه هذا التحديد من قراءة وضع الأمة العربية على أنه “استمرار لحالة الأزمة في الداخل وعلاقات الانکشاف والتبعية في الخارج” (تقرير ٢٠١٥-١٦، ص ١٥) وبالتالي قدم هذا مبررًا منطقيًّا لتقسيم التقرير فيما بعد، وهو الأمر الذي غاب عن باقي التقارير محل التحليل.
الملاحظة الثالثة تتعلق بغياب المجتمعات العربية أو حتى الفواعل المجتمعية عن التحليل وهو ما يؤکد أن العلوم السياسية والمشتغلين بها والمهتمين بالکتابة فيها وعنها ما زالوا يرکزون في القرن الواحد والعشرين على الجانب الرسمي التقليدي في تعريف علم السياسة باعتباره علم دراسة الدولة. فتقرير ٢٠١٤-١٥ هو الوحيد الذي أفرد فصلًا للشباب بعنوان “الشباب: قوة مؤثرة في المستقبل العربي” انطلق الفصل من أهمية دراسة دور الشباب خاصة في ضوء تزايد الجماعات الإرهابية والراديکالية والتي تحاول تجنيد الشباب لتنفيذ مخططاتها ضد الدول. ورکز على خمس قضايا فرعية: موقع الشباب على الخريطة الديمغرافية العربية، أوضاع البنية الدستورية والمؤسسية لتمکين الشباب، کيفية تعامل النظم الحاکمة مع الشباب بعد ثورات الربيع العربي، ونشاط الحرکات الشبابية في بلدان الربيع العربي وعرض لکيفية قيام النظم الحاکمة بتحجيم نشاطهم وأخيرًا أوضاع الشباب في مؤسسات النظام العربي الرسمية والأهلية (تقرير حال الأمة العربية، 2014-15، ص ص 333-389). کما يتضح من العناوين السابقة فإن الترکيز على الشباب انطلق من زاوية علاقتهم بالدولة والفرص والمخاطر أمام الدول العربية المختلفة في التعامل مع الشباب خاصة بعد تزايد تحدي جماعات الإرهاب والمخاطر التي تعرضت لها الدول بعد الربيع العربي في 2011.
يطرح مرکز الحضارة للدراسات السياسية خبرة مختلفة نسبيًّا في مجال إصدار التقارير السنوية فقد اعتمد المرکز مطبوعة سنوية بعنوان “حولية أمتي في العالم”[viii] والتي تحاول تتبع تقسيم المفکر المغربي مالک بن نبي لعالم الأفکار وعالم الأشخاص وعالم الأشياء والنظم والرموز وعالم الأحداث. بدأ نشر الحولية منذ عام ١٩٩٩ واستمر حتى عام ٢٠١٢ العدد الحادي عشر وما زال العدد الثاني عشر تحت الطبع. تعنون حولية أمتي في العالم لعام ٢٠٠٢ بعنوان “الأمة في قرن” وتحاول خلال هذا العدد تلمس حال الأمة الإسلامية خلال قرن من خلال “کتب” ستة تغطي مجمل التطورات في عوالم مالک بن نبي السابق الإشارة إليها. بطبيعة الحال تختلف أمتي في العالم عن حال الأمة العربية في الحدود المرسومة للأمة؛ ففي الحالة الأولى الأمة هي الأمة الإسلامية بغض النظر عن أماکن تواجدها ضمن حدود دول إسلامية أو غير ذلک. وفي الحالة الثانية فالأمة هي الأمة العربية التي تتطابق حدودها مع الحدود التي تعرفها جامعة الدول العربية باعتبارها التعبير المؤسسي عن المشروع القومي العربي. ومن ثم ترى الحولية واجبًا في تتبع أحوال المسلمين في نيجيريا وألمانيا وشمال القوقاز بنفس الأهمية التي تتبع بها تطورات القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل.
ترکز الحولية في أعدادها المختلفة على السياق الدولي والإقليمي الذي تعمل فيه الأمة وتتفاعل فيه عوالمها فتخصص عددًا بکامله لمناقشة تداعيات هجمات الحادي عشر من سبتمبر على العالم بشکل عام والعالم الإسلامي بشکل خاص، وعدد آخر للحرب على العراق وتداعياتها. قضية النهضة والإصلاح تعتبران من القضايا الکامنة في کل أعداد الحولية انطلاقًا من إدراک الباحثين المختلفين لجوهر أزمة العالم العربي/ الإسلامي بالإضافة إلى محورية هذه القضايا في فکر مالک بن نبي وهو ما سنقوم بمناقشته في موضع آخر من هذه الورقة. اللافت للنظر أن الحولية تخصص عددها الحادي عشر بالکامل للثورة المصرية دون غيرها من حالات الحراک العربي ودون ربطها مع سياقات تحول في العالم الإسلامي في نفس الفترة، وتعنون العدد “الثورة المصرية والتغيير الحضاري والمجتمعي”. وتحاول الحولية في هذا العدد بالذات تقديم رؤية توثيقية لجميع ولکامل القوى والأفکار والأشخاص والمسارات التي مرت بها الثورة المصرية في عامها الأول وتعتبرها مقدمة لتحول حضاري ومجتمعي.
هناك درجات من التشابه بين تقرير حال الأمة العربية وحولية أمتي في العالم؛ فالاثنان يغلب عليها الطابع الوصفي التقريري، والاثنان يرکزان على الهياکل الرسمية في التحليل وإن تميزت الحولية بإدماج بُعد الأفکار والرموز بالإضافة إلى بُعد النظم والسياسات. وتشکل الدولة (المدنية القومية في تقرير حال الأمة العربية، والدولة/ الخلافة التي تجمع الأمة في تقرير الحولية) الجزء الأکبر في مخيال کتاب التقريرين ومحرريه والمؤسسات القائمة عليه. الفارق الأساسي بين التقريرين يترکز في نقطتين أساسيتين؛ الأولى تتعلق بالمنطلق الفکري الحاکم لکتابة کل منهما. فتقرير مرکز الوحدة العربية يقوم على أساس فکري قومي عروبي وحولية مرکز الحضارة تنبني على مرکزية الأمة الإسلامية ومحوريتها. المسألة الثانية تتعلق بخريطة کتاب کل من التقريرين. فتقرير مرکز دراسات الوحدة العربية يعني بأن يکون کتابه من مختلف الأقطار العربية المهتمين بالموضوعات محل التقرير، ورغم ثبات محرريه من مصر؛ فهناک عدد لا بأس به من الباحثين من لبنان والعراق وليبيا وتونس والسودان وغيرهم من الدول العربية. على صعيد آخر فحولية أمتي في العالم رغم أنها بدأت بتوجه أممي إسلامي واستکتبت عددًا من الباحثين العرب والإسلاميين، فإنها تحولت لحولية مصرية وإن استمرت في الکتابة عن الأمة الإسلامية في مختلف بقاع الأرض إلى أن جاء عددها الحادي عشر (آخر عدد طبع) ليکون مصري الموضوع والباحثين وإن اعتبره القائمون على التقرير حضاريّ الدلالة.
– تعريف علم السياسة وحدوده:
في البداية يثور تساؤل مهم حول تعريف العلوم السياسية وحدوده. وعلاقة علم السياسة بغيره من العلوم الاجتماعية. وهل هناک إمکانية للحديث عن علم للسياسة عربي أم أن علم السياسة هو علم عالمي بأدواته ومنهجه وقضاياه وعلاقاته مع صناع القرار وغير ذلک من القضايا؟ متى نشأ علم السياسة في العالم العربي؟ هل يمکن تتبع نشأته إلى الکتابات الفقهية الأولى في الحسبة والحکم والخلافة والعمران؟ ام أن علم السياسة حديث في العالم العربي بحداثة نشأة دولة ما بعد الاستقلال؟ أم أن حداثته مرتبطة بإنشاء أقسام العلوم السياسية في الجامعات والمعاهد العربية؟
هذا السؤال في حقيقة الأمر ليس سؤالًا في التحقيب الزمني فقط ولکنه يعکس فهمًا معينًا للعلاقة مع العالم في مجال تطور العلوم الاجتماعية بشکل عام وعلم السياسة بشکل خاص. فهل نقصد بعلم السياسة هو علم اجتماع البشر وإدارة شؤونهم في داخل الوحدة السياسية؛ سواء سميت قبيلة أو إمارة أو إمبراطورية أو دولة حديثة؟ ومن ثم فعلم السياسة في العالم العربي هو قديم قدم الوحدات السياسية بأشکالها المختلفة. أم نقصد بعلم السياسة هو الدراسة الممنهجة لتوزيع القوة في المجتمع باستخدام أدوات علمية وکمية معينة، وهو في هذه الحالة علم حديث يعود في الغرب إلى ما يزيد على قرن بقليل، وإن سبقه في ذلک تراث طويل من البحث في الفکر السياسي والفلسفة السياسية.
يرتبط بسؤال تعريف العلوم السياسية سؤال آخر يتعلق بتعريف من هو عالم السياسة؟ وما هي المؤثرات التي شکلت تکوينه العلمي (المحلية والدولية) وما هي علاقته بکل من الأکاديميا؟ وصنع القرار؟ والرأي العام؟ والمؤسسات الدولية؟ واقع الأمر واعتمادًا على الإحصاءات التي وردت في التقرير الأول للمجلس العربي للعلوم الاجتماعية[ix] فإن معظم علماء ودارسي السياسة في الوطن العربي قد تشکل جزءًا من وعيهم في داخل المؤسسات التعليمية الغربية، أو المؤسسات التعليمية الموجودة في بلدانهم على النسق الغربي. وهو أمر مهم، فمن ناحية لا يمکن الحديث عن تطور للعلم في منطقة معينة دون احتکاک مع العالم الخارجي على مستوى الأفراد والمناهج والأدوات وغيرها. ومن ناحية أخرى لا يمکن إنکار تأثير هذا المکون على توجه علماء السياسة العرب وتکوينهم الذي قد يؤثر على أدواتهم ومناهجهم ومقولاتهم الفکرية في تعاملهم مع واقعهم المحلي ومن ثم يؤثر في التحليل الأخير على ما يمکن أن نسميه بعلم سياسة “عربي”. يرى محمد السيد سعيد أن علماء السياسة في الوطن العربي قد فشلوا في فهم مجتمعاتهم لأن “عدته (هم) في البحث والمعرفة ذاتها غير مناسبة للحالة التي يبحثها (ثونها)”. ولم يشکل علماء السياسة والمجتمع في العالم العربي قيادة “لتيار جديد من الوعي والنضال من أجل الإصلاح، بل وقع استيعاب (بعض) هؤلاء في النظم القائمة وتم ضمان تواطئهم لقاء امتيازات أحيانًا ودون مقابل سوى ترکهم لحال سبيلهم أحيانًا أخرى”[x]
أثارت العينة أيضًا سؤالًا يتعلق بالعلاقات البينية بين أساتذة العلوم السياسية أو بعبارة أخرى من يقرأ من وأين؟ هل نقرأ الإنتاج العلمي بعضنا لبعض أم أننا نقرأ الإنتاج العلمي الصادر في الغرب وبالتالي الباحث العربي يحتاج للاعتراف الدولي مسبقًا قبل أن يعترف به محليًّا، وهو ما يتعلق بمسألة التمويل والنشر باللغة العربية ومقارنته بالتمويل والنشر باللغات الأجنبية.
ثالثًا: خريطة أهم القضايا والمفاهيم التي کتب فيها علماء السياسة في مصر:
بدأت الألفية الجديدة مع تغلغل العولمة کأفکار وسياسات ونظم معرفية ومؤسسات کونية؛ ولذا کان من الطبيعي أن تکون قضية العولمة من أولى القضايا التي اهتم بدراستها وتعقب آثارها على دراسة العلوم السياسية[xi]. وقد قدم قسم العلوم السياسية بکلية الاقتصاد والعلوم السياسيةـ جامعة القاهرة [xii]في بداية الألفية الجديدة وبالتعاون مع مرکز البحوث والدراسات السياسية بالکلية مجموعة من الکتب التي رکزت على المسائل النظرية في تدريس العلوم السياسية ودراستها بالإضافة إلى القضايا الهامة التي شکلت تحديات جديدة أمام الدارسين والمهتمين بهذا الفرع. [xiii]
رکز کتاب “العولمة والعلوم السياسية” على استکشاف المعاني المختلفة للعولمة کظاهرة وکمفهوم قبل أن يفرد فصولًا کاملة لدراسة تأثيرها على الفکر السياسي، ونظم الحکم والعلاقات الدولية والقانون الدولي باعتبارهم المجالات الرئيسة لعلم السياسة. وأفرد السيد ياسين فصلًا کاملًا لمناقشة العولمة من خلال قراءة معرفية للعولمة على اعتبارها مرحلة تاريخية، وتجليات لبعض الظواهر الاقتصادية، وانتصارًا وتکريسًا للقيم الأمريکية، وتعبيرًا عن الثورات التقنية والاتصالية.
وأکد على ضرورة التمييز بين عملية العولمة globalization والعولمة کمذهب أو أيديولوجيًّا globalism. في الوقت نفسه ميز الدکتور سليم العوا بين العولمة والعالمية باعتبار الأولى خطاب هيمنة وسيطرة والثانية تعني بشکل أکبر الوعي بالتنوع والتعددية والتعارف والاختلاف. ثم رکزت باقي الفصول على التأثيرات المختلفة للعولمة کظاهرة ومفهوم على أفرع العلوم السياسية کما سبقت الإشارة. طرح هذا الکتاب مسألة في غاية الأهمية ظلت واحدة من المفاهيم الکامنة والمسيطرة على تطور حقل العلوم السياسية في العقود التالية؛ وهي مسألة “عولمة المفاهيم”.
فکثيرًا ما ثار الجدل في کتابات علماء السياسة العرب بشکل عام والمصريين بشکل خاص حول مفاهيم معينة وعلاقتها بالخصوصية الثقافية والجغرافية والسياسية للمنطقة. فهل الديمقراطية مفهوم غربي لا يمکن استيراده من بيئته الأم وتطويعه للسياق العربي\ الإسلامي\ الشرق أوسطي؟ وهل المجتمع المدني مجموعة من المؤسسات التي لا يمکن أن يتم تجذيرها في الواقع المحلي دون أن يعني ذلک انسحاقًا أمام الغرب. وهل الحديث عن حقوق الأقليات والنساء هو جزء من أجندة دولية لا تهتم بالأولويات الحياتية لملايين العرب في منطقتنا الذين يعانون الفقر والجهل والمرض؟ يعکس هذا الجدل حالة من عدم الاتفاق على علاقة المفاهيم ببيئتها الأولى وإمکانية تحولها لمفاهيم إنسانية تخص البشرية بشکل کبير وإن احتاجت لأشکال مختلفة من التوطين في بيئات محلية لأسباب مختلفة.
ظل هاجس عولمة المفاهيم حاضرًا في منشورات قسم العلوم السياسية ومرکز البحوث والدراسات السياسية خلال الأعوام التالية، وصاحب هذا الهاجس إحساس متعمق بتزايد الفجوة المعرفية بين المشتغلين بالعلوم السياسية في الغرب ونظرائهم في داخل الدول العربية. وشکل عام ٢٠١١ فرصة تاريخية للتوقف عند حال العلوم السياسية بشکل عام وقدرته التفسيرية (أو بمعنى أدق غياب قدرته التفسيرية) على التنبؤ والتفسير للحراک العربي الذي بدأ في تونس في نهايات ٢٠١٠ وانتقل إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا في ٢٠١١.
ومن ثم عقد القسم مؤتمره الأول لشباب أعضاء هيئة التدريس لدراسة حال المناهج المختلفة في العلوم السياسية وقدرتها على تفسير ظواهر الحراک السياسي بشکل عام والثورة المصرية بشکل خاص. تميز هذا المؤتمر بترکيزه على المراجعة النقدية لحالة العلم في الأفرع المختلفة لعلم السياسة من حيث صلتها بالمفهوم الأساسي “الثورة”. وشکل محاولة للتواصل على أکثر من مستوى؛ التواصل الجيلي حيث کلف شباب أعضاء هيئة التدريس بکتابة الأوراق البحثية الرئيسة وکلف أساتذة من جيل الرواد بالتعليق ومراجعة الأوراق بالإضافة إلى قيادة النقاش الأکاديمي المعمق حول الأفکار المطروحة في هذه الأوراق.
إن جدية الأوراق المقدمة في هذا الکتاب لم تکن مقدمة لمراجعة المفاهيم والمصطلحات الثابتة في علم السياسة عن ظاهرة الثورة، فالبحوث المختلفة رکزت على القراءة النقدية لهذه المفاهيم والمصطلحات ولقدرتها على تقديم أطر تفسيرية للحراک الشعبي، ولکنها لم تحاول تطوير ذلک إلى محاولة خلق مصطلحات جديدة تکون أکثر قدرة على التعبير والتفسير عما يحدث في الشارع العربي والمصري. في الوقت نفسه لا يمکن إنکار ضغط اللحظة التاريخية على الجماعة العلمية المصرية والعربية؛ فالقدرة على صک مصطلحات جديدة هي مرحلة لا بدَّ أن تنتج من أزمة عجز المصطلحات عن التفسير والتبرير والتنبؤ ولکنها تحتاج في الوقت نفسه لدرجة من الثبات والاستقرار في الظاهرة محل الدراسة بما يسمح بالتفکير والتطوير وهو الأمر الذي لم يکن متوافرًا في تلک اللحظة التاريخية.
لم تتوقف العولمة عن کونها واحدة من القضايا التي ظلت حاضرة في مخيال الأکاديميا العربية والمصرية بشکل خاص. ويظهر کتاب جلال أمين بعنوان “العولمة” کمثال جيد في هذا السياق. نشر هذا الکتاب لأول مرة عام ١٩٩٩ وأعيد نشره أکثر من مرة إلى أن قامت دار الشروق المصرية بإعادة طباعته في عام ٢٠٠٩ کطبعة مزيدة ومنقحة[xiv]. السؤال الحاکم للکتاب سواء في طبعاته الأولى أو في طبعته المحدثة هو “ما الذي تتم عولمته بالضبط؟” هل هي الأفکار هل هي السلع هل هي وظائف الدولة القومية هل هي الأسواق؟ أم ماذا بالضبط؟ ويرى جلال أمين أن الحديث المتواتر والرائج عن انتهاء الحدود وسيادة الأفکار العالمية المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من المفاهيم البراقة، هذا الحديث يخفي جوهر العولمة الذي يعني في الأساس مزيدًا من تسلط الدول الکبرى من خلال الشرکات متعدية الجنسية على مقدرات الدول الأضعف في المنظومة الاقتصادية العالمية، أو کما يقول في کتابه “عولمة نمط معين من الحياة، أداتها الأساسية الآن هي الشرکات العملاقة متعدية الجنسية” (جلال أمين، ص ٣٤) ويظهر في الکتاب نقاش نقدي لمفهوم العقلانية وارتباطها بالقبول غير المشروط لمنتجات وقيم ومؤسسات العولمة في عالمنا العربي، فيرى أمين أن التعامل مع العولمة على أنها ظاهرة وتوجه لا فکاك منه يقدم على أنه خيار عقلاني بينما هو في جوهر الأمر خيار بائس ويائس ويعکس غياب القدرة على المقاومة. الوجه الحقيقي للعولمة کما يراها امين ليست في العقلانية بل في تزايد قدرة الشرکات الکبرى والدول الکبري على ممارسة القهر من خلال التقدم التکنولوجي (جلال أمين، ص ٥١) بل ويصل إلى نتيجة مؤداها أن التقدم التکنولوجي ومنتجه الرئيس (المجتمع التکنولوجي الجديد) هو المنتصر الحقيقي والمسيطر الوحيد على مجتمعات العالم (ص ٦٣).
يشترک المهدي المنجرة مع منطق جلال أمين حول العولمة [xv] فيرى أنها محاولة من الدول الکبرى لممارسة السيطرة على الدول الصغرى من خلال التنسيق والتحالف مع النخب الوطنية سواء من داخل رجال السياسة والاقتصاد أو حتى الأکاديميا. فالعولمة تشير إلى “اللا تنظيم.. (بمعنى) تنظيم نزع ملکية الشعوب بمبارکة الزعامة المحلية التي لا يفوتها الاغتناء بالمناسبة” (ص ١٣). ويرى أن هذه العملية في حقيقة الأمر من شأنها أن تنزع أي مضمون لتحول ديمقراطي حقيقي في دول العالم الثالث، فيجب أن تظل الأنظمة السياسية خاضعة وتمارس ديمقراطية صورية (ص ١٥). جوهر العولمة عند المنجرة ليست فقط في سيادة قيم السوق وسياساته کما يرى جلال أمين، بل والأهم في التنميط الثقافي لصالح نموذج بذاته هو النموذج الأمريکي، وهو الأمر الذي انعکس على ممارسات الأمم المتحدة التي فقدت صفتها الأممية لصالح کونها جهازًا يعبر عن مصالح وقيم وثقافة القوة الکبرى. ويرى المنجرة أن السبيل الوحيد لإنقاذ العولمة هو في “إعادة عولمة العولمة” بمعنى استعادة التعددية الثقافية والقيمية في داخل النظام الدولي بما يسمح لکل مکوناته بالتعبير عن نفسها بشکل متوازن (ص ٣٤).
الدولة:
إن نظرة عامة على عناوين إصدارات قسم العلوم السياسية أو مرکز البحوث والدراسات السياسية بکلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، ونظرة أکثر تدقيقًا على مضمون هذه الکتابات في الفترة محل الدراسة يکشف لنا عن المفهوم الرئيس في علم السياسة؛ الدولة. فقد ظلت الدولة حاضرة بأشکال مختلفة سواء في دراسة تفاعلاتها الداخلية أو الخارجية أو حتى علاقة المفهوم بغيره من المفاهيم الهامة في العلوم الاجتماعية کالمجتمع والهوية واللغة وغيرها. وبالتالي نستطيع القول إن تعريف المدرسة المصرية لعلم السياسة هو أنه “علم دراسة الدولة”. هذا الأمر يشکل نوعًا من الحاجز المعرفي بين الأجيال المختلفة في داخل الکلية وخارجها. فمن خلال عدد من اللقاءات التي عقدتها الباحثة مع أجيال أصغر من دارسي العلوم السياسية في مصر، أکد معظمهم على الاتجاهات الجديدة في دراسة العلوم السياسية والتي ترکز على الأبعاد البينية في الدراسة والتي ترکز على تفاعلات القوة بشکل أساسي باعتبارها جوهر دراسة علم السياسة. وترکز هذه الاتجاهات الجديدة على تمظهرات القوة بأشکال مختلفة في داخل الدولة کمفهوم وکمؤسسات وسياسات وعلاقات. وکذلک وجودها أيضًا -أي القوة- بأشکال مختلفة في داخل المجتمع وتفاعلاته المختلفة. وعلى مستوى آخر فإن الترکيز على الدولة بشکل رئيس -خاصة في ضوء التحولات الإقليمية والدولية الحالية- يغفل قوى أخرى مجتمعية من الممکن أن يؤدي فهمها إلى فهم أفضل لتطورات السياسة بالمعنى الواسع.
وتتعدد الکتابات التي رکزت على دراسة الدولة باعتبارها الوحدة الأساسية الفاعلة في العلوم السياسية، وقد تم اختيار کتاب الدکتور عليّ الدين هلال ٢٠١٤“عودة الدولة المصرية: تطور النظام السياسي في مصر بعد ٣٠ يونيو” [xvi]وکتاب نزيه الأيوبي “تضخيم الدولة العربية” الذي ترجم في عام ٢٠١٠ وکذلک ستتم الإشارة إلى کتابه عن الدولة المرکزية في مصر.
يظهر من عناوين الطبعات الثلاث لکتاب الدکتور علي الدين هلال مرکزية الدولة کمؤسسة وکفاعل في الحياة السياسية المصرية. وتختلف الطبعات الثلاث بعضها عن بعض في بعض النقاط مع اختلاف الظرف السياسي؛ لکن المنطق العام الحاکم هو التعامل مع التطورات التي أعقبت ٢٠١١ على أساس أنها تحدٍّ للدولة وتهديد لها، وبالتالي يظهر منطق عنوان طبعة ٢٠١٥ “عودة الدولة” والتي يرى المؤلف أنها لم تغب مطلقًا عن المسرح السياسي وإن کان يعني بالأساس عودتها لتصدر المشهد السياسي بعد التحديات التي مرت بها في الأعوام ما بين ٢٠١١ و٢٠١٤.
يتبع هلال المنطق الرسمي في دراسة الدولة فيبدأ بجزء عن تطور النظام السياسي المصري منذ عهد محمد علي وحتى الفترة التي يغطيها الکتاب، في الطبعة التي سبقت الثورة ٢٠١١ رکز الکتاب على المحاور الرئيسة للنظام السياسي ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية بالإضافة إلى دراسة عناصر التغيير والاستمرار في العلاقات بين وحداته. وتضمن الکتاب جزءًا عن الحرکات الاجتماعية الجديدة والأدوات الجديدة التي يتم توظيفها من قبل هذه الحرکات.
أما في الطبعة التي تلت ٢٠١١ فقد أفرد الکاتب (ومعه الباحثين الآخرين) فصلًا لبحث ومناقشة أسباب قيام الثورة في ٢٠١١ وانتقل بعدها لدراسة الإطار الدستوري والتشريعي الذي حکم مصر خلال المرحلة الانتقالية وکذلک خلال مرحلة حکم الإخوان والشهور الأولى من عهد الرئيس الانتقالي (عدلي منصور) وأفرد فصولًا لدراسة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. ورکز الکتاب أيضًا على دراسة النظام الحزبي الجديد ودور المجتمع المدني في الحراک المجتمعي والسياسي وانتهى بدراسة حول أهم تحديات الانتقال إلى الديمقراطية في مصر.
ويرکز هلال في الطبعة الأخيرة للکتاب على التحديات التي واجهت الدولة المصرية خاصة في فترة صعود الإخوان المسلمين للحکم سواء في داخل السلطة التشريعية أو على رأس السلطة التنفيذية والتوتر الذي ساد بين أجهزة الدولة المختلفة. ويناقش تصاعد الصراع السياسي والذي انتهى بنزول الجماهير في ٣٠ يونيو وإزاحة الرئيس مرسي وبداية مرحلة انتقالية جديدة. ناقش الکتاب في أحد فصوله النقاش حول ٣٠ يونيو وما إذا کانت تمثل ثورة جديدة أم أنها انقلاب عسکري؟ ويرى أن هذا الجدل يعکس النقاش الجدلي حول الديمقراطية وما إذا کانت مجرد ترتيبات مؤسسية لاتخاذ القرارات والسياسيات أم أنها بالإضافة إلى المؤسسية فلا بد أن تتضمن قيمًا وممارسات ديمقراطية تعلو على مجرد التصويت. ويرى هلال أن الدولة المصرية تتميز بدور مرکزي لرئيس الجمهورية، وضعف الحياة الحزبية وضعف مشارکة المرأة والأقباط واستمرارية إشکالية العلاقات المدنية العسکرية. وينتهي بأن الدولة المصرية لم ينتهِ دورها في أي لحظة ولکن المقصود بعنوان الکتاب هو أن الدولة استعادت قدرتها على تصدر المشهد السياسي وتحقيق حالة من الاصطفاف الشعبي حولها وتصاعد قدرتها على تنظيم العلاقات السياسية والاجتماعية.
بالرغم من صدور الکتاب في أکثر من طبعة (هناک طبعة اقتصادية صدرت عن مکتبة الأسرة في عام ٢٠١٥) ومحاولته مواکبة التطورات السياسية في الحياة المصرية ولکن غاب عنه کثير من النقاط في النقاش حول الدولة المصرية. أول هذه النقاط هو غياب النقاش حول أسس تحالفات الدولة الطبقية والاجتماعية. فبالرغم من تتبع نشأة الدولة منذ عهد محمد علي، فهناک غياب کامل لمناقشة أسس التحالف الاجتماعي والطبقي التي قامت على أساسه الدولة الحديثة أو التطورات التالية. ثانيًا: فهناک غياب للنقاش الفلسفي حول مفهوم الدولة نفسها أو علاقة نشأتها بالاستعمار على سبيل المثال. ثالثًا: يغيب في الکتاب الفصل بين مفهوم الدولة ومفهوم النظام السياسي، بل على العکس فهناک تطابق في المفهومين ويستعمل الکاتب کلًّا منهما للدلالة على نفس الظاهرة والتي هي في حقيقة الأمر لا تعني الدولة بل تعني النظام السياسي.
يختلف هذا الکتاب -بطبعاته المختلفة- عن المحاولة المبکرة لنزيه الأيوبي لدراسة الدولة المرکزية في مصر والذي يخرج عن النطاق الزمني للدراسة (صدر عام ١٩٨٩)[xvii]. فکتاب الأيوبي حاول فيه الترکيز على علاقات المجتمع والدولة والتأثر والتأثير بين الاثنين والسياسات الناتجة عن هذا التفاعل، ولکن هذه المقارنة والنقاش لهم مجال آخر. على صعيد آخر نجد کتاب نزيه الأيوبي الموسوعي “تضخيم الدولة العربية” والذي صدر في النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين بالإنجليزية وصدرت ترجمته العربية في عام ٢٠١٠. [xviii] يبدأ هذا العمل الموسوعي بافتراض مقتضاه أنه بالرغم من أن معظم الدول العربية هي دول صلبة وضارية، فإن قلة قليلة منها هي التي يمکن أن نعتبرها دولًا قوية حقيقة. فمعظم هذه الدول تمتلک جيوشًا وبيروقراطيات وسجونًا متعددة ولکنها تفتقر إلى القدرة فيما يتعلق بجباية الضرائب أو کسب الحروب أو حتى في تشکيل إطار أيديولجي لقيادة مجتمعاتها بشکل يتجاوز استعمال القوة القهرية. ويتبنى الکتاب منهج الاقتصاد السياسي لتحليل اثنتي عشرة دولة عربية (مصر وسوريا والعراق والأردن والمملکة العربية السعودية والکويت والإمارات العربية المتحدة ولبنان واليمن وتونس والمغرب) بشکل أساسي مع الإشارة إلى حالة ترکيا وإيران کلما لزم الأمر، لاختبار الفرضية السابق الإشارة إليها. حاول الأيوبي من خلال الکتاب تحقيق هدفين رئيسين؛ الأول يتعلق باختبار صحة فرضية خصوصية المنطقة العربية بشکل يستدعي تفسيرات خاصة وفردية لتحليل کل ظواهرها. والثاني يتعلق بقراءة العلاقة بين الاقتصاد السياسي والثقافة السياسية لهذه الدول -والمنطقة العربية بشکل أکبر- من خلال استقراء کتابات الباحثين العرب أنفسهم.
وناقش الأيوبي بقدر کبير من التفصيل الکتابات النظرية حول فکرة ومفهوم الدولة خاصة من وجهة نظر المارکسيين القدامى والجدد وإن کان أولى اهتمامًا خاصًّا لتحليل جرامشي عن نظرية الدولة وخاصة مفهومي الهيمنة والتشارکية، کما ناقش بقدر من الاستفاضة تأثر علماء السياسة العرب في نظرتهم للدولة بالمدرسة السلوکية الأمريکية ومقولاتها الرئيسة بالرغم من التباعد بين بيئة مفاهيم هذه المدرسة وبيئة الدول العربية التي يراها الأقرب لتحليل جرامشي ومدرسته. فالدولة في المنطقة العربية وغيرها من مناطق العالم غير الأوربي قد تطورت بشکل قانوني رسمي (من حيث علاقتها بالتراث الاستعماري) وإن لم تتطور بنفس الدرجة بالمعنى السوسيولوجي (بمعنى علاقتها بالمجتمع). کما عانت من النمو غير المتوازن في قطاعات الاقتصاد والتنمية لصالح النمو في قطاع البيروقراطية وأجهزة القمع. وقدم الأيوبي قراءة نقدية تفصيلية لعلاقة العرب بالدولة وخاصة تطور نظرتهم من المجال الإسلامي (الأمة) للمجال الدولتي (الدولة بمعناها الحديث)، وما ارتبط بها من مفاهيم العدل أو الحرية أو غيرها. ويستقرئ الأيوبي أفکار کل من حامد ربيع حول الوظيفة السياسية والدعوية للدولة في التراث الإسلامي مقارنة بالدولة في الفکر الأوربي وتأثير ذلک على تطور الدولة وغربتها عن السياق العربي، وأفکار عبد الله العروي حول علاقة الفرد بالدولة في مسيرتها التاريخية والتي يمکن القول إن الدولة ظلت جهازًا غريبًا عن المجتمع؛ يتحکم في حياته وإن کان لا يعبر عنه. وينهي الفصل الأول بمناقشة مطولة نسبيًّا حول مفهوم الدولة والمفاهيم المتصلة به من وجهة نظره والتي يمکن تلخيصها في ثلاث مفاهيم: التشارکية في المصالح بين مجموعة ضيقة من النخب والهيمنة واللاتوازن في السيطرة.
ينتقل الأيوبي بعد ذلک لمناقشة العلاقة بين أنماط الإنتاج وأصول الدولة العربية الإسلامية وتشکل الدولة في العصر الحديث وتأثير الاستعمار عليها. ويرکز في فصل خاص على دراسة فکرة الوحدة العربية وعلاقتها بالدولة القطرية ويختبر فرضياته المنطلقة من الاقتصاد السياسي واقتراب الثقافة السياسية في دراسة ما أسماهم بالجمهوريات الراديکالية الشعبوية والملکيات المحافظة القائمة على أساس القرابة. ينتقل بعد هذا إلى دراسة تفاصيل علاقات القوى في داخل الدول العربية وانعکاسات مفهوم الهيمنة کما قدمه في البداية وذلک من خلال دراسة العلاقات المدنية العسکرية والنمو البيروقراطي بالإضافة إلى ظاهرة الخصخصة ومستقبل الديمقراطية وخاصة دور المجتمع المدني. وينتهي بفصل خاص عن الدولة القوية والصلبة والضارية. والذي يعيد فيه مناقشة الفروق بين الدول القوية القادرة على التغلغل في مجتمعاتها من خلال شبکة علاقات ومصالح معبرة عن المجتمع. ويقارن هذا المفهوم بالدولة الصلبة والتي يميزها من خلال قدرتها على السيطرة الأمنية على مجتمعاتها دون أن تکون هناک قدرة على السيطرة بنفس الشکل في مسائل إنفاذ القانون أو القدرة التوزيعية. وتتميز الدولة الضارية باستبدادها بمجتمعها على جميع الأصعدة. ويؤکد الأيوبي على ضرورة التفرقة بين الدولة القوية وقوة الدولة على مستوى مؤسسات الأمن والبيروقراطية. فالدولة العربية في وجهة نظره هي دول ضعيفة في مجتمعات قوية، ويحاول الاستدلال على هذه النتيجة من خلال تحليل مفصل للنظم الضرائبية في الدول العربية وکيف أن فلسفتها وطريقة تطبيقها والتداعيات السياسية والاقتصادية المترتبة عليها تؤکد ضعف الدولة. وينتهي باستنتاج يراه واضحًا؛ إذ إنه ليس من الضرورة أن تنمو الدولة بشکل استبدادي على حساب المجتمع فمن الممکن للاثنين أن يزدهرا معًا.
إن الميزة الأساسية التي قدمها هذا العمل الموسوعي هي فيما يمکن أن نطلق عليه بالتزامه المنهجي؛ فالخط الحاکم لتحليل الأيوبي للدولة العربية وتضخيمها هو الاقتصاد السياسي وعنصر الثقافة السياسية اللذان يقدمان في نظره تفسيرًا للخصوصية العربية دون الإغراق في الحديث عن فردية التجربة. على مستوى آخر فهناک تساؤل مشروع عن قدرة هذا العمل على تقديم تفسير لظاهرة الدولة الحديثة ومشکلاتها خارج الدول الاثنتي عشرة التي درسها في السياق العربي؛ فمحاولة الإجابة عن کل شيء قد تصل بنا إلى عدم القدرة على الإجابة عن أي شيء.
ولکن في کل الأحوال تظل الدولة/ السلطة هي المفهوم والظاهرة الأهم في المخيال السياسي لعلماء السياسة العرب بشکل عام والمصريين بشکل خاص، کما سيظهر في تحليل مفاهيم الديمقراطية أو الإسلام السياسي.
– الديمقراطية والتحول الديمقراطي:
شغلت قضية الديمقراطية والتحول الديمقراطي أذهان المفکرين العرب والمصريين منذ ما قبل الألفية الجديدة؛ فعلى سبيل المثال يمکننا رصد کتاب التحولات السياسية الحديثة في الوطن العربي الصادر عام ١٩٨٩، وکتاب التحولات الديمقراطية في الوطن العربي الصادر عام ١٩٩٣، وکتاب أحمد ثابت عن التحول الديمقراطي في المغرب والصادر عام ١٩٩٤ وغيرهم من الکتابات التي اهتمت بمناقشة فکرة الديمقراطية والشروط الموضوعية اللازمة لتوفرها، أو التي انشغلت بمناقشة عوائق التحقق الديمقراطي في الوطن العربي ومنها الدولة نفسها.[xix]
واستمر هذا الاهتمام بمسألة الديمقراطية وشروط تحققها وعوائقه في الفترة محل الدراسة، کذلک ساد الاهتمام بالکتابة عن المجتمع المدني ومسألة المشارکة السياسية باعتبارهما من أهم شروط تحقق الديمقراطية.
ففي کتاب علي خليفة الکواري المحرر عن “المسألة الديمقراطية في الوطن العربي“الصادر في بداية الألفية الجديدة[xx]؛ يناقش الباحثون ثلاث مسائل أساسية؛ الأولى تتعلق بتطور مفهوم الديمقراطية وتعدد أشکالها، والثانية تتعلق بدراسة ظاهرة التحول الديمقراطي في الوطن العربي. والثالثة تتعلق باستشراف مستقبل الديمقراطية في المنطقة. ينتهي القسم الأول من الکتاب بعد استعراض مفهوم الديمقراطية الليبرالية الغربية بمناقشة أزمة الديمقراطية في العالم الثالث. ويرکز الکتاب على ما يسميه تحديات تطبيق الديمقراطية والتي تتمثل في الفجوات الاقتصادية بين قلة تتحکم في وسائل الإنتاج وأغلبية تعاني الفقر والتهميش، ويرى الکتاب أن هناک عدة معوقات في وجه الديمقراطية من أهمها البعد عن نمط التصنيع والانقسامات الإقليمية والطائفية وتهميش دور المرأة بالإضافة إلى مشکلات أخرى. المفهوم الحاکم في هذا العمل هو المجتمع المدني ودوره إيجابًا (بدعم حرکة التحول الديمقراطي) أو سلبًا (حال غياب المجتمع المدني فتنقضي واحدة من أهم شروط التحول الديمقراطي). ويرتبط بمفهوم المجتمع المدني مفهوم الثقافة السياسية لدى کل من صناع القرار في الدول العربية ولدى الجماهير؛ فأحد أهم شروط التحول الديمقراطي هي توفر ثقافة سياسية داعمة له على مستوى الأنظمة السياسية والجماهير. ويختتم الکتاب بالقول بأن النجاح في معرکة الديمقراطية يستلزم العمل على ثلاث جبهات مترابطة: إنهاء النفوذ الخارجي، وإصلاح الدولة کمؤسسة عامة وأخيرًا العمل على جبهة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وقد زاد الاهتمام بقضية الانتقال الديمقراطي في العالم العربي بشکل عام وفي مصر بشکل خاص على خلفية تطورات إقليمية ودولية رکزت على مسألة الديمقراطية والحکم الرشيد. ففي الجانب الشرقي من أوربا والذي کان خاضعًا للاتحاد السوفيتي حتى بداية التسعينيات من القرن العشرين، حدثت سلسلة من الاحتجاجات الشعبية الراغبة في دفع ودعم حالة التحول الديمقراطي في تلک الدول بداية من ٢٠٠٤ وحتى ٢٠٠٧. مما رفع الآمال أن تکون هذه الحرکات الشعبية مقدمة للتحول الديمقراطي المؤسسي في هذه الدول، وداعمة لمثل ذلک التحول في دول العالم العربي والتي کانت تعاني من الاستبداد بأشکال مختلفة (دينية، سياسية، اقتصادية، عسکرية). على المستوى الإقليمي کان واحد من القضايا التي أثيرت کتبعات للغزو الأمريکي للعراق في ٢٠٠٣ مسألة الدعم الغربي بشکل عام والأمريکي بشکل خاص للتحول الديمقراطي في العالم العربي.[xxi]
يمکن اعتبار کتاب محمد السيد سعيد عن أزمة الانتقال الديمقراطي في مصر نموذجًا جيدًا في هذا السياق [xxii]، فقد ظهر الکتاب في طبعته الأولى في عام ٢٠٠٦ وسط ما بدا أنه مزاج عام لدى بعض الحکومات العربية والضغوط الدولية لتحقيق تحول ديمقراطي بشکل ما، خاصة في ضوء ما طرحه جورج بوش حول “مبادرة الشرق الأوسط الکبير” عقب الغزو الأمريکي للعراق في ٢٠٠٣. فقد شکل العقد الأول من الألفية الجديدة ما بدا أنه استجابة من النظم السياسية العربية للضغوط الشعبية تجاه مزيد من الانفتاح الديمقراطي. ويحاول سعيد في کتابه دحض هذه المقولة على اعتبار أن السعي للديمقراطية من جانب الشعوب العربية والحالة المصرية على وجه الخصوص هو أمر قديم يعود إلى نهاية الستينيات من القرن العشرين.
هذا التراث من الحراک الشعبي قوبل بالرفض والمواجهة من جانب النظم السياسية، إلى جانب جهود هذه الأنظمة في إجهاض هذه الحرکات من خلال تقديم إصلاحات دستورية وقانونية فارغة من المضمون، وإن نجحت في کسب مزيد من الوقت لصالح استقرار واستمرار الأنظمة الحاکمة. تظهر مفاهيم الإصلاح الدستوري والمجتمعي بشکل مترابط مع مفاهيم اإصلاح الاقتصادي والسياسي وکشروط ضامنة لبدء تحول ديمقراطي حقيقي واستمرار هذه التحول. فيرى الکاتب أن مشروعات الإصلاح الدستوري والقانوني التي تطرحها النظم الحاکمة في غياب حوار مجتمعي حقيقي حول مضمون هذه الإصلاحات وعلاقتها بالمنظومة الإصلاحية الکبرى في المجتمع، هو أمر يفرغ هذه الإصلاحات من جوهرها ومضمونها.
في الوقت نفسه يرصد الکاتب شعورًا متزايدًا بميلاد رغبة متزايدة في المجتمع تجاه إحداث إصلاح حقيقي وإن کانت هذه الرغبة لا تزال في تلک الفترة بمثابة الرماد غير الظاهر للعين. يحاول سعيد أيضًا من خلال الکتاب تقديم قراءة نقدية لعدد من المفاهيم التي سادت کثيرًا في أدبيات دراسة المنطقة لتبرير الاستبداد وتراثه. فيرى أن استبداد النظم العربية لم يُبنَ على نظرية سياسية للاستبداد الشرقي أو الفرعونية السياسية، ولکن بُني على تطورات ومعطيات تاريخية ارتبطت بمراحل بناء الدولة الحديثة في العالم العربي.
في مقابل هذا يطرح سعيد رؤيته لما أسماه “التحلل السلطوي” في الدولة المصرية على سبيل المثال؛ فالنظام السياسي لم يعد قادرًا على استيعاب المجتمع داخل حقله الأيديولوجي وغير قادر على إحداث طفرات اقتصادية ولا إصلاحات اجتماعية”. ومن ثم فالبناء السياسي والاقتصادي الذي أسس على معادلة الأمن والسياسة والخدمات الاجتماعية فقد واحدة من أهم أسس شرعيته، وبدأ في مرحلة التحلل السياسي. يطرح سعيد معادلة جديدة وجديرة بالاهتمام في مسألة الانتقال الديمقراطي، فبعد أن يقدم رؤيته الناقدة للتطور الديمقراطي في أوربا ومسألة ربطه بفکر التنوير والفکر الدستوري.
فيرى أن تطورات الديمقراطية حدثت حينما تکاتفت ثلاثة عوامل بالأساس؛ التعددية السياسية الحقيقية، والتوازن الحرج بين مختلف القوى السياسية والثالثة هي إدراک وممارسة الحلول السلمية للصراع السياسي بناء على مبدأ الأغلبية؛ أي بعبارة أخرى ما أسماه التعلم الديمقراطي. وينتقل في جزء تالٍ لمناقشة ما أسماه بالمعطيات الذاتية والموضوعية للديمقراطية في المجتمعات العربية، على اعتبار أنها (أي الديمقراطية) وسيط تاريخي للانتقال للعصر الحديث، وتتحول الديمقراطية وفق رؤية سعيد لأداة وليست لغاية في حد ذاتها.
وکان قد سبق کتاب سعيد ظهور کتاب إسلاميون وديمقراطيون في عام ٢٠٠٤ الذي حاول قراءة وتشريح الحرکة الإسلامية انطلاقُا من کونها ظاهرة اجتماعية ذات سياق ثقافي ومجتمعي ويمکن أن تندمج في العملية السياسية والديمقراطية.[xxiii] ضم الکتاب عددًا من الدراسات عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحزب العدالة والتنمية في ترکيا وکذلک دراسة عن إيران بالإضافة إلى دراسة عن الخيال السياسي للإسلاميين (وسيتم تناولها بتفصيل أکبر في صفحات تالية). رصد الکتاب دور هذه الحرکات السياسية الإسلامية في مجتمعاتها وعلاقة تطور هذا الدور بمسألة التحول الديمقراطي. وتوصل في النهاية إلى أن تحدي إصلاح هذه الدول على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا بد أن يرتبط بإصلاح هذه الحرکات الإسلامية لهياکلها الداخلية ولمنطلقاتها الفکرية، بالإضافة إلى ضرورة اندماجها في مجمل الحرکة الوطنية.
وقدمت سارة بن نفيسة وعلاء الدين عرفات دراستهما القيمة عن الانتخابات البرلمانية لعام ٢٠٠٠ والتي ظهرت في عام ٢٠٠٥ بعنوان “الانتخابات والزبائنية السياسية في مصر: تجديد الوسطاء وعودة الناخب”.[xxiv] طرح الکاتبان سؤالًا مرکزيًّا للدراسة “هل يمکن اعتبار الانتخابات التشريعية في عام ٢٠٠٠ بداية لانتخابات ديمقراطية أم أنها نهاية للسياسي؟”. فقد لفت نظر الباحثين -وغيرهم من المراقبين- کثرة عدد المرشحين لهذه الانتخابات وخاصة من قدموا نفسهم على أنهم مرشحون مستقلون. وکان السؤال المنطقي ما الدافع وراء کثرة عدد المرشحين إذا کانت العملية السياسية مغلقة بالکامل؟ وحاول الکتاب من خلال دراسة دائرة انتخابية بعينها في ريف مصر مناقشة العلاقة بين الدولة والنواب وأصحاب المصالح المختلفة في المجتمع. وتوصل إلى أن الدولة تحاول في کل الأحوال الدفع بمرشحين ينتمون لها -أو بمعنى أدق ينتمون لدوائرها ومصالحها وحزبها الحاکم- ولکن في الوقت نفسه فهناک أصحاب مصالح آخرين (منهم الإسلاميين على سبيل المثال) الذين يمتلکون شبکة مصالح مع مجتمعاتهم المحلية وبالتالي يتم التصويت لصالحهم على غير رغبة الحکومة کتعبير عن هذه المصالح. وانطلقت الدراسة من مفهوم الزبائنية السياسية کما هو مطروح في الأدبيات الفرنسية وانتقلا منه إلى دراسة تمظهرات المفهوم في الحالة المصرية.
ويعني المفهوم علاقة المصالح المتبادلة التي تنشأ بين المرشح والناخب؛ فالمرشح يهدف من تقدمه للعملية السياسية تأمين عدد من المصالح الشخصية والعائلية والفئوية. يقبل الناخب في المقابل بدعم المرشح مقابل الوعد بتقديم خدمات في المقابل، هذه الخدمات قد تکون شخصية أو عائلية أو للمنطقة کلها. وفي ظل تحولات الاقتصاد المصري تجاه مزيد من الخصخصة وتصاعد دور رجال الأعمال، وتصاعد دور جماعات الإسلام السياسي، کان لا بد من حدوث تحولات في مفهوم الزبونية السياسية وتجلياته في الواقع المعاش. فالتصويت -وفقًا للباحثين- هو تصويت بهدف المقايضة وليس تصويتًا للتمثيل السياسي. في الوقت نفسه أکد الباحثان أن التصويت في هذه الانتخابات هو تصويت “سياسي” ضد الحزب الحاکم إذا تم لصالح المستقلين، أو في حالة التصويت للإسلاميين القادرين على تقديم خدمات اجتماعية واقتصادية للجماهير.
وظل عصيان الدول العربية على التحول الديمقراطي مسألة تشغل الباحثين، وصدر في عام ٢٠٠٩ کتاب بعنوان “لماذا انتقل الآخرون إلى الديمقراطية وتأخر العرب: دراسة مقارنة لدول عربية مع دول أخرى” ليحاول تقديم إجابة عن هذا السؤال.[xxv] في هذا الکتاب حاول عدد من الباحثين تقديم رؤى مقارنة حول عملية الانتقال إلى الديمقراطية في عدد من الدول، لاستکشاف ما هي صعوبات التحول الديمقراطي في الوطن العربي.
ورکز الباحثون على دراسة خبرات بعض الدول العربية مثل مصر واليمن والبحرين والکويت ولبنان والسودان والمغرب لاستکشاف کل من ملامح التحول الديمقراطي وصعوباته، بالإضافة إلى المقارنة مع بعض تجارب التحول الدولية لاکتشاف نواحي القصور والعجز. الإسهام الهام الذي قدمه هذا الکتاب تمثل في النقاش في الفصل الخامس بعنوان “هل من سبيل لبناء کتلة تاريخية على قاعدة الديمقراطية؟”. فقد توصل الباحثون والمناقشون إلى أنه من أهم معوقات التحول الديمقراطي في الوطن العربي هو غياب توافق القوى التي تنشد التغيير وبناء نظام ديمقراطي.
فالتجارب الدولية المختلفة وتجارب الدول العربية في سبيل التحول الديمقراطي تثبت أن العنصر الحاسم في هذا التحول هو وجود أو غياب هذه الکتلة الوطنية التوافقية حول معنى الديمقراطية ومدلولها والمؤسسات المرتبطة بها. السؤال التالي في الأهمية في هذا السياق هو کيف يمکن بناء هذه الکتلة والحفاظ على تماسکها؟ وما هي الأدوار المختلفة للمؤسسات والمثقفين والقوى السياسية في هذه المسألة؟ وما هي أهمية الأبعاد الثقافية والحقوقية في بناء هذه الکتلة وعملها. الواقع أن الاطلاع على المناقشات في هذا الشأن يکشف لنا غياب إدراک المثقفين العرب بشکل عام وعلماء السياسة بشکل خاص لديناميکات مجتمعاتهم وضعف قدرتهم على التأثير في مجريات السياسة. فالمجتمعات العربية في نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين کانت تمور بقوى التغيير وفي داخلها کتلة داعمة للتغيير لا يمکن إنکارها، غير أن هذه الأفکار لم تحظَ بالاهتمام والتقدير اللازمين من جانب المثقفين أو علماء السياسة، ومن ثم فحينما جاءت لحظات التغيير في ٢٠١١ فشلت هذه القوى في أن تحظى بدعم وتأييد القوى السياسية والفکرية الأخرى، أو في بناء تحالفات سياسية قادرة على الضغط السياسي، وتطور الربيع العربي بشکل انحرف به عن مقصده الأصلي.
وقدم عمرو حمزاوي وناثان براون کتابهما في ٢٠١١ لتحليل دور الإسلاميين في الأجهزة التشريعية بعنوان “بين الدين والسياسة: الإسلاميون في البرلمانات العربية“[xxvi]. حاول حمزاوي وبراون تحليل أداء الإسلاميين في داخل المؤسسة البرلمانية في عدد من الدول العربية (مصر والأردن والمغرب والکويت واليمن وفلسطين)، وقد ظهر الکتاب قبيل الحراک العربي في ٢٠١١ وبالتالي يمکن اعتباره محاولة لتشريح دور الإسلاميين في داخل “العملية السياسية السلمية”. يفرق الباحثان بين ثلاثة أنماط رئيسة لمشارکة الإسلاميين في العملية السياسية بشکل عام والانتخابية بشکل خاص. الأول مثل المغرب والکويت والجزائر والبحرين والتي تعتبر النمط الأکثر استقرارًا لمشارکة الإسلاميين، فقد اعتمدت التيارات الإسلامية في هذه الدول المشارکة السياسية باعتبارها الخيار الاستراتيجي الوحيد، حيث تعترف هذه الجماعات بشرعية دولهم ومؤسساتها.
النمط الثاني هو نمط مشارکة الإخوان المسلمين في مصر والتي حاولت تحقيق المصالحة بين مرجعيتهم الدينية ومقتضيات الواقعية السياسية؛ فعلى سبيل المثال تم استبدال الإشارة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بعبارة فضفاضة عن المبادئ التوجيهية العامة للإسلام. النمط الثالث هو مشارکة الإسلاميين في الحياة السياسية على نمط العراق ولبنان وفلسطين حيث تعمل الأحزاب الإسلامية بحرية تنظيمية نسبية في سياق التعددية وفي ظل فوضى نسبية تعاني منها هذه الدول. قام الباحثان من خلال هذا الکتاب بدراسة الحرکات الإسلامية في صيغتها التنظيمية کحرکات سياسية تعمل في داخل أنظمة سياسية مختلفة وبالتالي من الضروري فهم الأنماط المختلفة لعلاقة هذه الحرکات بالنظام السياسي وبغيرها من القوى السياسية، وفهم برامجها السياسية وتحالفاتها بالإضافة إلى تأثير مفاهيم الديمقراطية على الحرکة داخليًّا وعلى علاقتها بالحراک السياسي بشکل عام.
وخلص الباحثان إلى أن المشارکة السياسية لهذه الجماعات -بالرغم من محدودية نتائجها على التحول الديمقراطي بشکل عام- قد أتاحت لهم عددًا من الفرص. فقد مکنتهم من استخدام المنصات الانتخابية لتوصيل رسالتهم الدينية إلى جمهور أوسع، وسمحت لهم بالمباهاة بالقواعد الاجتماعية الواسعة التي يمتلکونها، کما أن المشارکة أتاحت فرصًا لتطوير مهارات جديدة لديهم تتعلق بالتنظيم والتعبئة والخطاب السياسي.
وفي نفس سياق الکتابة عن التحول الديمقراطي؛ قدم الدکتور عزمي بشارة محاضرة هامة في بداية مؤتمر شباب أعضاء هيئة التدريس بقسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة في صيف ٢٠١١.[xxvii] ففي هذه المحاضرة والتي وضع لها عنوان “التوق إلى الحرية” والتي طور أفکارها فيما بعد في عدد من الکتب على رأسها کتابه “في الثورة والقابلية للثورة“٢٠١٢ وکتابه الأخير “مقالة في الحرية” ٢٠١٦. [xxviii] يفرق بشارة بين ما أسماه “التوق إلى الحرية” و” التحول الديمقراطي” فاعتبر أن موجة الثورات التي اجتاحت العالم العربي بداية من نهاية ٢٠١٠ في تونس کانت تعبر عن حالة شعبية من التوق إلى الحرية ولکنها لا تضمن بالضرورة إحداث تحول ديمقراطي حقيقي.
فالواقع أن هناک درجة من التشابه بين مطالب الشعوب العربية ومشکلاتهم الناتجة عن البنية الاستبدادية للأنظمة بدرجات مختلفة، وقد شکلت هذه الضغوط مصادر لانفجار الثورات العفوية والتي افتقرت إلى قيادة واضحة، وبرنامج واضح المعالم لقيادة مرحلة التحول وبناء الدولة ما بعد إزاحة الأنظمة القديمة. ويناقش بشارة في کتابه عن الثورة والقابلية للثورة مفهوم الثورة من حيث التطور التاريخي والفلسفي للمفهوم ويبحث في العلاقة بين مفهومي الثورة والإصلاح؛ حيث لا يرى تناقضًا بين الاثنين. فالثورة التي يراها مفارقة للشرعية القائمة ومخالفة لها، لکنها في لحظة ما لا بد أن تتضمن برنامجًا “إصلاحيًّا” لبعض القطاعات أو المؤسسات أو السياسات التي کانت سائدة في النظام السياسي السابق عليها. أما في کتابه “مقالة في الحرية” فيحاول استکمال نقاشه حول مسألة التوق إلى الحرية التي طرحها بعيد الثورات العربية في ٢٠١١ من خلال مناقشة نظرية فلسفية لمفهوم الحرية والمعاني المختلفة المرتبطة به کالحريات الدينية والمدنية والحريات السياسية والاقتصادية وغيرها من المفاهيم التي ارتبطت بالمفهوم الأصلي. ويرى بشارة في نهاية الکتاب أنه لا يمکن الفصل بين المفهوم المرکب للحرية والعدالة التي تعتبر بمثابة نتيجة الحرية ومستلزم أساسي لها.
حمل الحراک العربي في ٢٠١١ آمالًا عريضة بإحداث تحول نوعي في حالة الديمقراطية في الدول التي قادت حالة الحراک کتونس ومصر أو الدول التي لحقت به کليبيا واليمن وسوريا والبحرين أو تلک التي أحدثت تغييرات سياسية دون أن تواجه ضغوطًا شعبية مؤثرة. ولکن السنوات التالية جاءت محملة بکثير من التشاؤم حول مسار التحول الديمقراطي في الدول المختلفة. وفي هذا السياق ظهر کتابان عن مرکز دراسات الوحدة العربية بعنوان “الديمقراطية المتعثرة: مسار التحرکات العربية الراهنة من أجل الديمقراطية ٢٠١٤[xxix] ومستقبل التغيير في الوطن العربي ٢٠١٦.[xxx]
فبعد مرور أربعة أعوام على بداية الحراک العربي، ظهر أن التحول الديمقراطي ليس مسألة سهلة -أو مطلوبة في ذاتها- واهتم کتاب الديمقراطية المتعثرة بدراسة المسار المقلق للتحول الديمقراطي في هذه الدول. فرکز على رصد التحولات على مستوى الدساتير والمؤسسات والعلاقات بين القوى السياسية المختلفة وعلاقة هذا کله بالتحول الديمقراطي. ووصل إلى خلاصة تتعلق بأسباب تعثر التحول الديمقراطي والتي يمکن تلخيصها في ثلاثة عوامل؛ الأول يتعلق بتشبث نظم حکم الاستبداد وشبکات الفساد بامتيازاتها حتى بعد سقوط رأس النظام. وقد نجحت هذه الشبکات بالتعاون مع أنظمة عربية استبدادية لم تواجه خطر التحول، نجحت في الحفاظ على الشبکات القديمة ومراکز الثروة والنفوذ.
العامل الثاني يتعلق بموقف بعض القوى الدولية الکبرى من نظم الحکم والتي حاولت بأساليب کثيرة الحفاظ على النظام حتى لا تفقد امتيازاتها أو على تقليل الخسائر حال سقوط رأس النظام. والعنصر الثالث والأهم هو فشل التوافق بين القوى التي قادت حالة الحراک العربي على شکل البديل المطلوب وعلى موقع الديمقراطية من النظام الجديد. هذا العامل الأخير يتوافق في حقيقة الأمر مع الاستنتاج الذي توصل إليه کتاب “لماذا انتقل الآخرون إلى الديمقراطية وتأخر العرب” السابق الإشارة إليه. فيتفق الکتابان على أهمية الکتلة الوطنية المتوافقة على الديمقراطية وشکل التغيير کواحد من أهم العوامل الدافعة للتحول الديمقراطي في الوطن العربي.
واستکمل النقاش حول مستقبل ما بعد ٢٠١١، من خلال الندوة التي عقدت حول مستقبل التغيير في العالم العربي بين مرکز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي بالإسکندرية واستند منطقها (ومنطق الکتاب فيما بعد) إلى ضرورة بحث کل من القضايا الجزئية والکلية في واقع الأمة العربية بعد أعوام خمسة من بدء الحراک العربي. وأشار الکتاب في أکثر من موضع لأهمية الدور الخارجي في تفتيت النظام العربي وتفکيک الدول العربية التي تواجه تحديات هيکلية اقتصادية وسياسية واجتماعية. وأشار الکتاب إلى التحول في شکل ونمط الصراعات في الوطن العربي عما قبل ٢٠١١. فقد سادت الصراعات البينية (بين الدول والأنظمة المختلفة) في الفترة ما قبل ٢٠١١. بينما تحول هذا النمط لصالح تصاعد الصراعات الداخلية والتي وصلت إلى حد الحروب الأهلية کما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن. هذا التصاعد في الصراع قابله عجز الإطار المؤسسي الإقليمي – أي الجامعة العربية- عن التعامل مع هذه التهديدات أو تقديم الدعم لبناء الأنظمة السياسية في دول الحراک العربي.
– أسلمة المعرفة والإسلام السياسي:
بدأت جهود أسلمة المعرفة في ثمانينيات القرن العشرين مع جهود الدکتور إسماعيل راجي الفاروقي (مدير المعهد العالمي للفکر الإسلامي بالولايات المتحدة الامريکية) والذي انتقد فلسفة العلوم الغربية والتي انتقلت إلى العالم الإسلامي مع حرکة الاستعمار واستمرت فيه حتى بعد رحيل قواته. ويرى الفاروقي أن أسلمة المعرفة تقوم على التوحيد والذي ينبني في حقيقة الأمر على ثلاثة أسس؛ وحدة المعرفة، ووحدة الحياة، ووحدة التاريخ ويهدف في النهاية إلى ربط العلوم بفلسفة التوحيد والاستخلاف في الأرض وهو ما سينهي حالة الاغتراب واعتلال الأمة حسب تعبيره.[xxxi]
بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع مفهوم إسلامية المعرفة وما إذا کان قادرًا على تقديم “معرفة جديدة” أم هو مجرد محاولة لتلبيس مفاهيم مستقرة في مجال العلوم السياسية تتوافق مع مفردات العلوم الشرعية وفهمها لحياة البشر، لا يمکن إنکار أن هناک محاولة من جانب عدد من علماء السياسة والباحثين في مصر لتقديم إسهامات متعددة في هذا السياق سواء على مستوى تعريف علم السياسة نفسه أو على مستوى تقديم إسهامات نظرية في فهم العلاقات الدولية أو غيرها من القضايا کعلاقة الدين بالدولة.
فقد حاول سيف الدين عبد الفتاح تقديم إسهام فيما يتعلق بتعريف الاتجاهات الحديثة في دراسة الفکر السياسي الإسلامي.[xxxii] فقد اعتبر أنه لتحليل هذه الاتجاهات لا بد لنا أن نشتمل على عناصر خمسة “الرؤية للوجود أو العالم، والعنصر المفاهيمي، والعنصر النظري والتحليلي والمنهجي، والإطار التفسيري، والأجندة البحثية“. فيما يتعلق بالرؤية للعالم يرى عبد الفتاح أن الفکر السياسي الإسلامي اهتم بالرؤية التوحيدية للکون، وهو الأمر الذي يهمنا في هذا السياق حيث إن هذه الرؤية التوحيدية للعالم، أو وحدة المعرفة ووحدة الحياة ووحدة التاريخ هي رمانة ميزان تيار إسلامية المعرفة والفلسفة الحاکمة وراء الأبعاد الحرکية للإسلام السياسي.
واستکمل عبد الفتاح مشروعه الفکري في تقديم رؤية مختلفة لقضايا البحث في العلوم السياسية في کتابه “الزحف غير المقدس: تأميم الدولة للدين” [xxxiii] الذي حاول فيه دراسة العلاقة بين الدين والدولة والمواطنة في مصر. وقدم عبد الفتاح محاولته من خلال تطوير قراءة للمجتمع کنص يحمل في داخله نصوصًا فرعية (المفاهيم، والخطابات، والمؤسسات، والسياسات والعلاقة) واعتمد في هذا العمل على مفهومين رئيسين قدمهما کل من تيموثي ميتشل (المعرض) وجيمس سکوت (التمثيل والمقاومة بالحيلة) لتحليل العلاقة بين الدولة کمؤسسة والدين کممارسات والمواطنة کمظهر. يرى عبد الفتاح أن الدولة بشکلها الحديث (الدولة المصرية بشکل خاص) إنما تمارس تغولًا، لا تغلغلًا بغرض الإنجاز، في حياة مواطنيها. واحتکرت الدولة وفق هذا التغول القدرة على تعريف وتحديد “المواطن الصالح” الذي هو بالتأکيد المواطن المنقاد والمطيع لسياسات الدولة دون معارضة لسياسات أو مطالبة بحقوق.
ومارست الدولة في الوقت نفسه زحفًا مقدسًا على الدين بغرض تأميمه. فهذه الدولة المتغولة لا يمکن أن تقبل أن تکون هناک مجالات خارج نطاق سيطرتها، ومنها الدين. وبالتالي کان من الطبيعي وفق هذه الدولة أن تحاول مد سيطرتها على الدين وأن تقدم نفسها کقوة محتکرة الحديث عن الدين وبأسمه أمام المواطنين. ينطلق عبد الفتاح بعد ذلک لمناقشة الأشکال المختلفة التي تستخدمها الدولة للسيطرة على مواطنيها من خلال الخدمات المختلفة (الکهرباء والمياه على سبيل المثال) أو الأمن (فکرة المراقبة المستمرة) أو حتى سياسات إدارة الموارد المالية (الإفقار المستمر). ويستعرض عددًا من المشاهد التي تحضر فيها الدولة بشکل طاغٍ ومتغول وقاهر للمواطن کاستخراج رخصة قيادة أو ترکيب عداد کهرباء أو غيرها من الخدمات التي يحتاجها المواطنون في دول العالم قاطبة. ويرى أن الدولة الحديثة عملت “على تصفية مؤسسات المجتمع التقليدية، ليس لإحلال المؤسسات المرکزية الجديدة محلها ولکن لإحلال السيطرة المرکزية للدولة الحديثة محلها، وقضت تباعًا على التکوينات الأهلية….. لتنهي الوجود الذاتي لمؤسسات تعتمد على فکر وأعراف وصلات اجتماعية راسخة، ولتنشئ واجهات….. تعمل تحت الهيمنة السيادية لجهاز الدولة”.
يرصد عبد الفتاح المظاهر المختلفة التي قامت من خلالها الدولة – السلطة بتأميم الفعاليات المجتمعية بشکل أفقد المجتمع أي استقلالية في الحرکة وحولته إلى أفراد متفرقين وليس إلى جماعة مترابطة. المشکلة في هذا التحليل هو أن العلاقة بين الدولة والمجتمع من وجهة نظر الکاتب تظل علاقة ملتبسة؛ فالدولة تظل الفاعل الرئيس في المخيال السياسي حتى وإن انتقد أداءها وتغولها على المجتمع. من ناحية أخرى فلا تظهر في الکتاب ما هي المفاهيم والسياسات والمؤسسات التي تضمن للمجتمع استقلاله وما إذا کانت توافرت في سوابق تاريخية، أم أن جوهر علاقة الدولة بالمجتمع کان قائمًا دائمًا على تغول الأولى على الأخير ولکن باختلاف الدرجة حسب الأدوات المتاحة في يد الدولة والتي لا يمکن إنکار أنها تطورت بشکل کبير في القرن الأخير.
في هذا السياق تظهر أهمية کتاب هبة رؤوف عزت عن الخيال السياسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وما بعدها.[xxxiv] الفکرة المرکزية لدى الکاتبة والتي تحاول مناقشتها بقدر من التفصيل هو “تماهي تصور الدولة عند التيار الإسلامي بدرجة کبيرة مع تصورات الدولة القومية الحديثة”. ترى هبة رؤوف ضرورة إعادة التفکير في الدولة الحديثة التي ورثها العالم (وليس المنطقة العربية أو الإسلامية فقط) من منتصف القرن السابع عشر. هذه الدولة تقوم على أضلاع ثلاثة (القومية والقطرية والحداثة) ولا يمکن فهم علاقتها بالمجتمع دون إدراک الأسس النظرية التي اعتمدت عليها في نشأتها وعلاقتها بالأضلاع الثلاثة. وترى الباحثة أن أساس الدولة في المنظومة العقدية والتشريعية الإسلامية مختلف فهو يقوم على استقلال القضاء والعلماء والأوقاف، والفصل الرأسي والأفقي بين سلطان الملک ومؤسسات العلم ودائرة العدل وکفالة الاستقلال المادي لهذه المؤسسات من ثم فإن محاولات أسلمة الدولة القطرية الحديثة هي مسألة محکوم عليها بالفشل بسبب اختلاف المنطلقات الفکرية والفلسفية وآراء کل منهما.
لا تحاول الباحثة في الکتاب تحسين العلاقة بين مفاهيم الدولة القطرية والمنظور الإسلامي؛ بل ترى أن المشکلة أصلًا في محاولة إيجاد هذه العلاقة فضلًا عن تحسينها. الخطاب الإسلامي الرائج (حسب وجهة نظر الباحثة) هو خطاب غارق في الرأسمالية الليبرالية وإن ألبسها خطابًا دينيًّا. فهو بمثابة تعبئة النبيذ القديم في أوانٍ جديدة دون إدراک ضرورة الاشتباک مع النبيذ القديم اصلًا وأهمية إنتاج شيء جديد بالکلية. تشتبک هبة رؤوف مع النقد “الإسلامي” لمفهوم العلمانية وتقدم رؤية مختلفة لضرورة تحرير المفاهيم ومنها العلمانية وإمکانيات الحديث عن علاقة مع الإسلام. وفي هذا السياق تقدم قراءة لمجلة المنار على اعتبار أنها منصة قدم من خلالها عدد من المفکرين والمشتغلين بالعمل الإسلامي رؤاهم حول “القضايا الإسلامية”. وترى من خلال هذه القراءة أن المجلة انشغلت بثلاث قضايا رئيسة: هموم الداخل الحرکي، وملامح المشروع السياسي للإسلاميين (وضع المرأة والأقليات وتصوراتهم عن السياسة)، وأخيرًا العلاقة مع العالم الخارجي.
وترى أن تحليل الخيال السياسي للإسلاميين من خلال نصوصهم المکتوبة في مجلة المنار، يکشف لنا عن عدم انشغال بتطوير فقه جديد للدولة وللسلطة يستجيب للتحديات الجديدة، ولکنه يکتفي برد المشکلات التي تعاني منها الحرکة الإسلامية إلى التضييق السياسي من الحکومات أو حتى بغلبة السياسي على الدَّعَوي في داخل الحرکة نفسها. ويتبنى في رؤيته للعلاقة مع الآخر تقسيم العالم إلى دار کفر ودار سلام دون أي محاولة للاشتباک مع هذه المفاهيم من حيث المبدأ وتطويرها.
وتختلف هبة رؤوف في هذا الطرح عن أمجد جبرون الذي قدم فهمًا للدولة الإسلامية يقوم على أساس مبادئ ثلاثة؛ البيعة (التعاقد) والعدل والمعروف، حيث تزيد إسلامية الدولة بتزايد منسوب المبادئ الثلاثة وفي غيابها يضعف منسوب الإسلامية.[xxxv] بعبارة أخرى يمکننا اعتبار دراسة أمجد جبرون عن الدولة الإسلامية من الأمثلة التي اشتبکت معها هبة رؤوف في نقاشها عن المخيال السياسي للإسلاميين عن الدولة.
فهذه الدراسة حاولت حل أزمة الإسلامية أو أزمة الشرعية الأخلاقية للدولة العربية عن طريق مواجهة الخلل في تصور إسلامية الدولة لدى أصحاب التيار الإسلامي. فالخلل مرده منهجي ويکمن أساسًا في مناهج قراءتهم للنص الشرعي والتي “تعطي أولوية للأحکام بدل الحکم، ويثير الجزئيات على الکليات”. وطرح منهجًا آخر يسعي لتحرير النص الشرعي من التاريخ وآثار الثقافة العالقة بالفهم الموروث، والحوار المباشر بين النص والتاريخ. ويسعى جبرون لإعادة النظر في الخبرة النبوية والخلافة الراشدة من منطلق النظر في کليات أحکام نشأتهم وإدارتهم والخروج بالدروس المستفادة منهم وليس تقديسهم واعتبارهم “نصوصًا ضاغطة على الفکر السياسي الإسلامي، ومرجعية معيارية، ترد إليها التجارب السياسية کلها إلى المسلمين، ويفتي فيها انطلاقًا منه”. بعبارة أخرى يحاول جبرون حل المفارقة بين الدولة الحداثية والدولة الإسلامية عن طريق استکشاف المعايير الأساسية للحکم على الدولة بإسلاميتها وهو ما من شأنه أن ينفي المفارقة مع الدولة الحداثية (الدولة القطرية) وهو جوهر ما انتقدته هبة رؤوف في دراستها السابق الإشارة إليها.
يعتبر مشروع العلاقات الدولية في الإسلام واحدًا من أهم منتجات مدرسة إسلامية المعرفة والمنظور الحضاري في دراسة العلوم الإنسانية. أنجز هذا المشروع في الفترة ١٩٨٦-١٩٩٦ من خلال المعهد العالمي للفکر الإسلامي وبمشارکة عدد کبير من أساتذة العلوم السياسية من داخل کلية الاقتصاد والعلوم السياسية تحت إشراف الأستاذة الدکتورة نادية مصطفى أستاذ العلاقات الدولية. هذا العمل، الذي يخرج بطبيعة الحال عن نطاق الفترة الزمنية محل الدراسة، ظل بمثابة المظلة المرجعية التي اعتمد عليها کتاب العلاقات الدولية في التاريخ الإسلامي الصادر في ٢٠١٥[xxxvi] ليضم أبحاث نادية مصطفى في المشروع الأصلي بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الأبحاث التي قدمتها في مناسبات متعددة خلال الألفية الجديدة. ينقسم الکتاب في جزأيه إلى أربعة أقسام؛ الأول تحت عنوان التاريخ الإسلامي ومصادر بناء منظور حضاري.
القسم الثاني بعنوان في أنماط علاقات أرکان الأمة الإسلامية الدولية، والقسم الثالث بعنوان المسلمون المنسيون: الجذور التاريخية لصراعات ما بعد الحرب الباردة ذات الأبعاد الدينية والقومية. يرکز القسم الرابع على تاريخ نماذج من قضايا مجتمعية کالمرأة وغيرها. حاولت الکاتبة من خلال الأقسام المختلفة تقديم رؤية نقدية للإطار المرجعي الغربي الذي اعتمد عليه في تطور علم العلاقات الدولية وطرح منظور حضاري من خلال قراءة تاريخ التاريخ الإسلامي بهدف تحقيق تکامل للعلم من خلال منظورات مختلفة غير المنظور الغربي المعتمد بشکل أساسي على المرکزية الأوربية.
قدمت نادية مصطفى قراءة شاملة للأطر النظرية الناظمة لدراسة العلاقة بين التاريخ والعلاقات الدولية أکدت فيها على منطق المرکزية الأوربية في التعامل مع الوحدات الدولية المختلفة فحسب تعبيرها “فوضع الإمبراطورية العثمانية… قد تم تناوله… باعتبارها، ليست دولة خلافة إسلامية لها دوافع وأهداف تميزها ولکن واحدة من عدة قوى کبرى مثل أطراف توازن القوى المتعدد التقليدي” ورصدت تصاعدًا في الاهتمام بالأبعاد القيمية values في دراسة العلاقات الدولية مما يفتح الباب أمام إسهام المنظور الإسلامي القيمي بالتعريف.
وحاولت بالمقابل تقديم قراءة مختلفة للعلاقات الإسلامية – الإسلامية ضمن سياق التدخلات الخارجية، رکزت فيها على الدور الذي لعبه العامل الخارجي في تشکيل والتأثير على العلاقات الإسلامية- الإسلامية (العلاقة بين العرب وإيران على سبيل المثال). هذا العامل الخارجي کان له تأثير تغليب عامل المصالح القومية (التعريف التقليدي للسياسة الدولية) على حساب البعد القيمي الثقافي (وهو جوهر المنظور القيمي النابع من الإسلام).
إن موسوعية الکتاب الذي يصل إلى ما يزيد على تسعمئة صفحة هي مسألة تستدعي ملاحظات هامة: بطبيعة الحال فإن الدراسات التي جمعها الکتاب هي خلاصة تراکم علمي وبحثي للکاتبة عبر أکثر من عشر سنوات أعقبت انتهاء أعمال مشروع العلاقات الدولية في الإسلام. السؤال الهام هنا هو ما هو الخيط الفکري الناظم لهذه الدراسات وما هي المشکلة البحثية التي حاولت الباحثة الانشغال بها طوال هذه الفترة؟ الخيط الناظم هو محاولة تقديم قراءة لموضوعات ومناهج ومنطلقات حقل العلاقات الدولية من خلال الطرح الإسلامي أو المنظور الحضاري الإسلامي الذي يقوم، وفق تعريف أصحاب المدرسة، على منطق التوحيد ومن ثم يرى في العلاقات الدولية مجالًا للتدافع (سلمًا وحربًا) في مقابل المنظور الغربي الذي يدرس العلاقات الدولية من منطلق الصراع ومن أرضية المرکزية الأوربية. ويمکن تلمس المشکلة البحثية التي انشغلت بها الباحثة في افتراضها أن القراءة البديلة التي تقترحها لفهم التاريخ البشري بشکل عام والتاريخ الإسلامي بشکل خاص إنما تکشف عن دور کبير للتدخلات الأجنبية في واقع التفاعلات الإسلامية، کما أنها تحاول تجسير الفجوة التي استقرت في العلوم السياسية حول الفصل بين ما هو قيمي وما هو واقعي. ويظل السؤال معلقًا هل کان يمکن إنجاز نفس المهمة من خلال الترکيز على عدد أقل من الموضوعات بدلًا من محاولة تقديم قراءة شاملة لتراث الدولة الإسلامية في مراحلها المختلفة، ومحاولة تطوير إطار نظري جديد، ومناقشة واقع المسلمين في دول شرق أاوربا بالإضافة إلى وضع المرأة في العالم الإسلامي وهو الأمر الذي وضع تساؤلات حقيقية حول استنتاجات الباحثة.
أما الکتابة عن الإسلام السياسي فقد بدأت مع نجاح الثورة الإسلامية في إيران في نهاية سبعينيات القرن العشرين، وتصاعدت الکتابات مع تزايد تأثير جماعات الإسلام السياسي على التفاعلات السياسية في دول مختلفة کمصر والأردن وتونس والمغرب أو الدور الذي لعبته هذه الجماعات في تزايد العنف في الجزائر ومصر والسودان وغيرها من الدولة. تزامنت الألفية الجديدة مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي انتمى المتهمون بتخطيطها وتنفيذها إلى دول إسلامية/ عربية مما شکل عنصرًا إضافيًّا في توجيه اهتمام إلى حرکات الإسلام السياسي وعلاقتها بکثير من القضايا السياسية والمجتمعية.
رکز نزيه الأيوبي في دراسته بعنوان “أشکال الإسلام الحديث بين التعبير الثقافي والدور السياسي” على مسألة کون الإسلام شکل “رأسمال ثقافي رمزي” تم توظيفه من جانب کل من الحکومات لإسباغ الشرعية على سياساتها ومواقفها وکذلک من جانب قوى المعارضة والإسلام الحرکي. هذا الطابع يمکننا من الحديث عن أنواع متعددة للإسلام وليس إسلامًا واحدًا؛ فهناک إسلام المسلمين العاديين، والمصلحين الإسلاميين، والسلفيين، والأصوليين، والأصوليين الجدد بالإضافة إلى ما يمکن أن نطلق عليه الإسلام الحضاري والذي انشغل بتقديم فهم جديد للإسلام يرکز على أبعاده التفاعلية على حساب أبعاد الجهاد العسکري التي يعليها التيارات السلفية والأصولية.
على مستوى آخر قدم سعد الدين إبراهيم أطروحته في مقالة “الإسلام السياسي: ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا” والتي تنبأ فيها بأن “الإسلاميين الراديکاليين سيجنحون للاعتدال حالما تسوّى الخلافات ويندمجون في تيار الحياة السوسيو سياسية، وإذا لم يجنح الراديکاليون للاعتدال بمضي الزمن، فإنهم يضعفون أو يتحولون إلى طوائف لا تمت للمجتمع بصلة“(ص ٩٨). واقع الأمر أن کلًّا من الفکرتين يمکن اعتبارهما بمثابة محاولة استشرافية لفهم الدور الذي يمکن أن تلعبه قوى الإسلام السياسي في الواقع العربي عمومًا والمصري خصوصًا، في الوقت نفسه قدمت خبرة العقدين الأولين من القرن الواحد والعشرين ترجمات مختلفة لهاتين الفکرتين يمکن تتبعها من خلال عدد من الکتابات.
وقد شهد الإسلام السياسي تصاعدًا في الفترة التالية على ٢٠١١، فقد استطاعت جماعة الإخوان المسلمين الوصول للحکم في مصر (المؤسسة البرلمانية ومؤسسة الرئاسة) واستطاع حزب النهضة في تونس أن يؤکد على دوره کلاعب أساسي في بناء نظام ما بعد بن علي، وتزايد دور جماعات الإسلام السياسي المسلحة في ليبيا. وعلى عکس حزب النهضة في تونس، لم يستطع ممثلو “الإسلام السياسي” في مصر الحفاظ على موقعهم في داخل منظومة الحکم، وما زال العنف السياسي هو السمة السائدة للمشهد السياسي الليبي أو اليمني، وبطبيعة الحال فإن تعقيدات المشهد السوري وتزايد دور تنظيم الدولة الإسلامية هو أمر لا يمکن التقليل من شأنه. اللافت للنظر أن الکتابات التي تناولت إسلامية المعرفة قد تراجعت لصالح الکتابة والاهتمام بتحليل ما يمکن أن نسميه بالإسلام الحرکي.
في هذا السياق تبدو أهمية النظر وتحليل الکتابات عن جماعة الإخوان المسلمين باعتبارهم أهم وأکبر الکيانات التنظيمية الإسلامية بالمجال السياسي، وتظهر کتابات حسام تمام بشکل متميز في هذا المجال؛ فقد استطاع هذا الباحث وبسبب قربه من الجماعة تقديم تشريح للجماعة والتحولات الهيکلية التي طالتها عبر العقود المختلفة، دون أن تکون کتابته محملة بأيديولجيا کارهة لحرکة الإخوان أو مدافعة عنهم دون فهم.[xxxviii] نقف بالأساس عند کتابين لحسام تمام؛ الأول “الإخوان المسلمون: سنوات ما قبل الثورة” ودراسته الهامة الأخرى بعنوان “تسلف الإخوان: تآکل الأطروحة الإخوانية وصعود السلفية في جماعة الإخوان المسلمين”.[xxxix] قدم تمام في الدراستين قراءة وتشريحًا لمفهومين هامين يفسران التحولات في داخل جماعة الإخوان وما ترتب على ذلک من تحولات في الخطاب والتوجهات والسياسات الخاصة بالجماعة. المفهوم الأول هو ترييف الإخوان والثاني هو تسلفهم.
ويعني بترييف الإخوان غلبة القواعد الريفية في العقدين الأخيرين من القرن العشرين على حساب القواعد المدينية بما کان له من تداعيات أنهت أسطورة عصيان الريف على حرکات التجديد الديني، وأثر هذا بدوره على “الطبيعة المدينية للجماعة في نمط عضويتها وسياسات تجنيدها والقواعد واللوائح المنظمة لها”. جماعة الإخوان المسلمين في نشأتها الأولى في عشرينيات القرن العشرين لم تختلف عن غيرها من الحرکات الاجتماعية ذات الطابع المديني وإن اختلفت في توجهاتها الطبقية عن الحرکات السياسية الليبرالية السائدة في مصر في تلک الفترة والتي کانت تتوجه بالأساس للطبقات العليا. بينما استهدفت الجماعة المنتمين للطبقة الوسطى من الأفندية.
ووجد هؤلاء في الجماعة ملاذًا هوياتيًّا في مواجهة تحديث سريع دفع بسؤال الهوية إلى الصدارة. ومع اتساع نطاق سياسات التحديث في الدولة، زادت استراتيجية توجه الجماعة إلى الطبقة الوسطى وضمت بين صفوفها أکبر عدد من أساتذة الجامعة وأعضاء هيئة التدريس وأعضاء النقابات المهنية. لا يمکن فصل ظاهرة ترييف المدن والحضر عن ظاهرة ترييف الإخوان. هذه الظاهرة التي بدأت في الظهور مع تزايد هجرة أبناء الريف إلى المدن الکبرى بحثًا عن فرص حياة أو عمل أفضل في ظل تزايد أزمة التوزيع، کان لا بد لها أن تلقي بظلالها على حرکة بحجم الإخوان المسلمين.
ويرى تمام أن سنوات التسعينيات وما بعدها حملت تغيرًا في قدرة الإخوان على استيعاب الشباب المديني لاعتبارات سياسية وأمنية متعددة، مما جعل خيار الترکيز على التعبئة في الريف أکثر ملاءمة مع تصاعد المواجهة مع نظام مبارک. ما يعنينا في هذا السياق هو تأثير الأعضاء ذوي الخلفية الريفية والتعليم العالي على تزايد درجات محافظة الجماعة وانغلاقها داخليًّا وانعزالها بشکل جزئي عن الثقافة المصرية للطبقة الوسطى المدينية. هذا الأمر ارتبط بالظاهرة الأخرى التي قام بتحليلها تمام وکان لها أثر کبير على توجهات الجماعة؛ تسلف الإخوان.
فيرصد تمام المکون السلفي في داخل جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها الأولى في عهد الإمام حسن البنا، ويرى أن تأثير التيار السلفي في المواد التعليمية في داخل الجماعة، أو في علاقة أعضاء الجماعة بغيرهم من خارج الجماعة، أو على توجهات الجماعة تجاه مسائل مثل الزي والفن والعلاقة مع الأقباط، هذا التأثير کان في حده الأدنى في سنوات التکوين والنشأة. ولکن تطورات الجماعة من حيث العضوية ومن حيث علاقتها بالنظام المصري في العهد الناصري وهجرة أعضائها إلى دول الخليج وزيادة تأثير السلفية الوهابية نتيجة قدرتها التمويلية والرمزية، کل هذه التطورات أسهمت في تقوية التيار السلفي داخل الإخوان ـبالإضافة إلى عنصر الترييف- وأظهرت الجماعة بشکل أکثر محافظة وفي بعض الأحيان أکثر تشددًا عن السنوات الأولى للإخوان.
هذا التأثير السلفي المتزايد أثر على التماسک الداخلي للجماعة، حيث قوى جناح المحافظين المتشددين (القطبيين) على حساب الجناح الإصلاحي المنفتح على الآخر وعلى العالم السياسي. ورغم أن دراسة تمام تعود زمنيًّا لفترة ما قبل الثورة، لکن نعتقد أن المفهومين اللذين قدمهما لديهما قدرة على أ) تفسير مواقف الجماعة في السنوات الأخيرة سواء من التطورات السياسية العامة أو من النظام السياسي الحالي. ب) تفسير الصراعات الداخلية في الجماعة والتي تظهر في بعض الأحيان على السطح ووسط دوائر المهتمين بالإسلام الحرکي في نسخته الإخوانية أو السلفية.
ويشکل المکون السلفي بشقيه السلمي والجهادي شقًّا هامًّا في داخل ظاهرة الإسلام الحرکي، وقد ظهر خلال الأعوام الخمسة الأخيرة تزايد في قدرة الجماعات السلفية على المنافسة سواء الحزبية (في الانتخابات) أو المنافسة وسط القواعد الجماهيرية (توسيع قواعدهم الجماهيرية)، هذه القدرة تتم خصمًا من قدرة الإخوان المسلمين -الجماعة الأقدم تاريخيًّا- في أکثر من دولة من دول الربيع العربي.
يطرح أحمد زغلول شلاطة في دراسته “الدعوة السلفية السکندرية: مسارات التنظيم ومآلات السياسة“٢٠١٦، محاولة لدراسة الدعوة السلفية في الإسکندرية وتجليها الحزبي (حزب النور) منذ نشأتها وحتى الفترة الأخيرة. لاحظ الکاتب أن الدعوة السلفية بشکل عام قد لاقت مناخًا مختلفًا سمح لها بالتوسع والامتداد في المجال العام بدءًا من ٢٠١١، في الوقت نفسه فهذا التمدد والقدرة على حسم استحقاقات انتخابية برلمانية بشکل لافت للنظر، صاحبه في الوقت نفسه تشرذم في داخل الحرکة وعجز عن الاحتفاظ بنسبة المشارکة في البرلمان المصري في الانتخابات التالية. وطرح الکاتب ثلاث تحديات أساسية أمام الحرکة السلفية تضع قيودًا على حرکتها؛ الأول يتعلق بالتحديات التنظيمية وضرورة الفصل بين الديني والدعوي. أما التحدي الثاني فيتعلق بضرورة القيام بمراجعات فکرية وسياسية حول شکل الدولة وطبيعتها والعلاقة مع الآخر وغيرها من القضايا ذات الطبيعة الشائکة بالنسبة للحرکات الإسلامية.
التحدي الثالث يتعلق بملف العلاقة مع المجتمع وضرورة مواجهة الآثار السلبية لأعوام ما بعد ٢٠١١ على صورة الحرکة السلفية عمومًا وحزب النور خاصة. ويتضمن هذا التحدي في الوقت نفسه قدرة الحرکة على إعادة ضبط علاقتها بالکتلة الإسلامية الأکبر (والإخوان في قلبهم) وبالقاعدة الانتخابية التي تکونت عبر سنوات طويلة.
– المرأة:
يعود الاهتمام بقضايا النساء بشکل عام والکتابة النسوية بشکل خاص إلى ما قبل الفترة محل الدراسة في هذه الورقة، وتعددت المنطلقات الفکرية للباحثات والباحثين في هذا المجال ما بين المدارس الفکرية المختلفة فنوال السعداوي ذات الخلفية العلمانية اليسارية التي تأتي من خلفية دراسة الطب والاهتمام بالأدب وتثير کتاباتها کثيرًا من الجدل، تختلف عن أميمة أبو بکر ذات الخلفية الإسلامية الليبرالية والتي تأتي من خلفية دراسات الأدب الإنجليزي وتعتبر من رائدات الحرکة النسوية الإسلامية في المنطقة، وتختلف الاثنتان عن فاطمة المرنيسي عالمة الاجتماع المغربية والتي اهتمت بتحليل التراث الإسلامي فيما يتعلق بالنساء ونقد المنطلقات الذکورية التي تقصر النساء على المساحات الخاصة وتقصيهم عن المساحات العامة. وقد طرحت الخبرة العربية/ الإسلامية على الخطاب النسوي العالمي مفهومًا جديدًا يحاول فک التناقض بين الدين بشکل عام والدين الإسلامي بشکل خاص والمنظورات النسوية. فظهر مصطلح النسوية الإسلامية التي تجسد محاولة “فک عرى التبعية بين حرکة النساء عمومًا والعالم الإسلامي على وجه الخصوص وبين الاتجاهات النسوية الأسبق حرکة وتقدمًا في الغرب”.[xl]
تمتلک النسوية الإسلامية خمس خصائص رئيسة تجعلها متمايزة عن مثيلتها في الغرب؛ أصالة المکون الميتافيزيقي جنبًا إلى جنب مع المصادر المادية للمعرفة. کما تميز هذه المدرسة بين الثابت (النص) والمتغير (السياق التاريخي) وترى في الأخير المجال الذي تم بناء ودعم قراءات منحازة ضد النساء أو غيرهن. الخصيصة الثالثة للنسوية الإسلامية أنها معرفة نقدية في جوهرها وإصلاحية في هدفها. ولا تسعى للانعزال عن باقي المعارف أو باقي أجزاء المجتمع وإنما تهدف إلى دمج النساء في مجتمعاتهن وإن کانت في سعيها هذا محکومة بالضوابط الموضوعية والمنهجية الإسلامية. [xli]
لا يمکن القول إن هذا التعريف للنسوية الإسلامية قد أنهى خلافها مع المدرسة النسوية ما بعد الحداثية التي لا ترى إمکانية في التوفيق بين الدين وحقوق النساء، فقد استمر هذا الخلاف، وسجل کتاب “المرأة والدين والأخلاق” واحدة من أشکاله ومحطاته.[xlii] يعد هذا الکتاب واحدًا من أهم إصدارات دار الفکر بدمشق، والذي صدر کواحد من سلسلة من الکتب تحت عنوان “حوارات لقرن جديد” قام منطقها الحاکم على دعوة کاتبين ينتميان لمعسکرين فکريين مختلفين لکتابة رؤيتهم حول قضية معينة ثم تبادل التعقيبات بينهما بغرض تدعيم حجج کل منهما وبحثًا عن إمکانية الوقوف على أرضية مشترکة بين التيارات الفکرية المختلفة في الوطن العربي.
اعتمدت نوال السعداوي في أأطروحتها على مناقشة اللحظة التاريخية التي بدأ فيها التمييز ضد المرأة وتربط هذه اللحظة بظهور الدين والذي عمق سيطرة النظام الطبقي الأأبوي. وترى أن أي نقاش يهدف لتحرير المرأة لا بد أن يبدأ من مناقشة الدور الذي لعبه النص الديني في التمييز ضد النساء ومأسسة خضوعهن لتراتبية ذکورية مجتمعية تم تعميقها من خلال الثقافة المجتمعية، والقانون والعلاقات الاقتصادية. وقدمت هبة رؤوف عزت طرحًا مخالفًا بدأ بنقاش حول جذور التحول في الأسس المعرفية للفلسفة الغربية ومرکزية الإنسان في هذا النسق المعرفي، وتربط عزت بين هذا التحول وظهور الفکر النسوي الذي لم ينتج فکرًا تحريريًّا للمرأة وإنما انتهى بمرکزية الأنثى في مقابل مرکزية الرجل المرفوضة وصراع دائم بين الاثنين على المساحات العامة والخاصة. وتحاول عزت قراءة العلاقة بين الدين والأخلاق والمرأة انطلاقًا من سؤال “هل الإسلام هيکليًّا ضد المرأة؟ وهل يفرض عليها نسقًا خاصًّا من القيم والأخلاق يحرر منه الرجل؟” .
وتميز بين قراءة فقهية تمارس تهميشًا للأسرة کوحدة هامة في البناء الإسلامي وبالتالي تحمل المرأة مسؤوليات جمة وبين قراءة مخالفة تطرحها ترى أن هذه المسؤوليات هي مسؤوليات الأسرة کاملة (رجلًا وامرأة) وأن القيود الأخلاقية هي شروط لتحقق أخلاقيات الإيمان وليست شروطًا خاصة بعفة المرأة. بل وتطرح رؤية للقوامة لا تجعلها قدرة على التسلط في داخل الأسرة ولکنها تکليف بالخدمة والحماية. الجدير بالذکر أن رؤوف لا تنکر في نهاية بحثها إمکانية توظيف النص لصالح السلطة وضد المرأة ولکنها في الوقت نفسه لم تقدم آليات لمنع هذه الإمکانية وضمان انفتاح النص على عالم أکثر عدالة للجميع رجالًا ونساء.
تتحدث المرنيسي في کتابها (سلطانات منسيات) [xliii]، أو بمعنى أدق، تتساءل عن الدور السياسي الذي لعبته النساء في التاريخ السياسي الإسلامي. وترفع المرنيسي في هذا الکتاب النقاب عن عدد من السيدات اللاتي تولين السلطة السياسية عبر التاريخ الإسلامي سواء في المنطقة العربية، أو آسيا أو حتى في الأندلس. وتحاول الکاتبة في البداية تحديد الفروق بين السلطة الدينية/ السياسية والتي احتفظت بلقب الخليفة معبرًا عنها، والسلطة السياسية/ الدنيوية والتي اتخذت ألقابًا مختلفة کالملک والسلطان وغيرها. وتکشف النقاب عن أن لفظ الخليفة والسلطة المرتبطة به جعلت منه لقبًا حصريًّا لا يطمع إليه الکثيرون من الرجال وبالتأکيد لا يمکن للنساء أن يحلمن بالحصول عليه. بينما السلطة السياسية والتي تعنى بتسيير أمور الناس وسياسة أمورهم فقد کانت مجالًا للتنافس والصراع والحکم سواء بين الرجال وبالتأکيد بين النساء اللاتي ذکرتهن المرنيسي في معرض عرضها للسلطانات المنسيات. تنهي المرنيسي عرضها ونقاشها لعدد من خبرات النساء في الحکم بالتساؤل المشروع عن متى حدث هذا الانقطاع وکيف ولماذا تم إقصاء هذه الحکايات عن الذاکرة الجمعية في التاريخ الإسلامي. لا تقدم لنا إجابة شافية في هذا السياق وإن کان التساؤل مشروعًا ومفتوحًا لغيرها من الباحثين والباحثات لتقديم أطروحاتهم فيه.
تستکمل هدى الصدة والمشروع الفکري لمؤسسة المرأة والذاکرة الحديث عن دور النساء في التاريخ من خلال مقدمتها لکتاب “عائشة تيمور وتحديات الثابت والمتغير في النصف الثاني من القرن التاسع عشر” والذي ضم مجموعة من الأبحاث القيمة التي قدمت في مؤتمر بنفس عنوان الکتاب في ٢٠٠٢. [xliv] وطرح الباحثون والباحثات في هذا الإصدار – بالإضافة لغيره من إصدارات المؤسسة- تساؤلات حول الأدوار المنسية للنساء في صياغة المفاهيم الثقافية وکيف أثرت بعضهن في تقديم فهم للقضايا التي شغلت المفکرين في تلک الفترة الهامة من التاريخ الحديث. وترى هدى الصدة أن خطاب الحداثة حاول نفي أي دور للنساء في مجتمعات ما قبل الحداثة، بل وربط التحسن في أوضاع النساء التعليمية ومساهماتهن في الاقتصاد بالعصر الحديث، وهو الأمر الذي يحمل مغالطات تاريخية ساهمت في حقيقة الأمر في تهميش أدوار النساء التاريخية. وتتبنى الصدة إدراکًا للارتباط بين الأدوار الاجتماعية للنساء ومفهوم الطبقة الاقتصادية والاجتماعية.
فنساء القرى والفقراء بشکل عام لم توجد فروق جوهرية في المستويات الاقتصادية أو التعليمية بين الزوج والزوجة أو المرأة والرجل بشکل عام. بينما وجد التمييز بين العام والخاص والفجوة بين سلطة الرجل والمرأة في داخل أسر الطبقة الوسطى المدينية. وترى أن بناء تعميمات تتعلق بأدوار النساء في مجتمعاتهن تنطلق من واقع الطبقة الوسطى المدينية وتعمم على النساء بشکل عام هو أمر يختزل السياق ويهمل التمايزات.
في مقابل الکتابة عن النساء وأدوراهن في التاريخ الإسلامي، نجد کتاب إيمان ضياء الدين بيبرس بعنوان “بطلات وضحايا: المرأة والسياسات الاجتماعية والدولة في مصر” [xlv] لتسلط الضوء على نساء الدولة الوطنية الحداثية. وتقوم هذه الدراسة حسب تقديم مؤلفتها “ببحث ودراسة في أثر السياسات والبرامج الاجتماعية التي تطبقها الدولة المصرية على النساء المعيلات لأسرهن، وتفترض أن تلک السياسات الاجتماعية تميز ضد هؤلاء النساء المعيلات لأسرهن نتيجة انحياز مرتبط بقضية النوع الاجتماعي، وآخر مرتبط بتصور الدولة لما يجب أن يکون عليه هيکل الأسرة، بالإضافة إلى انحياز ضد ما يفترض أنه سلوک جنسي متحرر وغير محکوم لبعض النساء المعيلات لأسرهن”. تقوم الدراسة على مفهوم النوع الاجتماعي کمفهوم رئيس يحکم المنطلقات الفکرية للکاتبة وتقسيم الدراسة والنتائج التي تخلص إليها.
وتقف الدولة في صدارة المشهد کواحد من أهم القوى المجتمعية/ الرسمية المسؤولة عن خلق مفهوم الدور الاجتماعي وتدويره وحمايته وسن قوانين مختلفة بغرض الحفاظ عليه وعلى توزيع باقي الأدوار الاجتماعية بشکل جندري. تتضافر مع مفهوم الدولة مفاهيم مساندة تتعلق بالرفاهة والتنمية وعلاقة الدولة بکل منهما. وترى الباحثة أن الدولة من خلال برامج الرعاية الاجتماعية وسياسات التنمية تمارس تنميطًا وتمييزًا ضد النساء بشکل عام، وضد النساء المعيلات لأسرهن بشکل خاص. وبالرغم من أن الدراسة لم تتعرض لمفهوم المقاومة بشکل واضح، فقد کان هذا المفهوم حاضرًا من خلال الترکيز على الآليات التي تطورها النساء في المناطق منخفضة الدخل لمقاومة تهميشهن من جانب الدولة أو لتجاوز الآثار السلبية المرتبطة بسياسات الهيکلة والتي تبنتها الدولة المصرية في العقود الأخيرة من القرن الماضي.
وحول نفس الموضوع يمکن قراءة الکتاب الذي حررته أميمة أبو بکر “طبيعة المرأة: مقاربات” والصادر عن مؤسسة المرأة والذاکرة عام ٢٠٠٧ [xlvi]. يلخص هذا الکتاب مجمل حلقة نقاشية عقدت عام ٢٠٠١ في داخل المؤسسة لمحاولة الإجابة عن سؤال يتعلق بطبيعة المرأة وتشابهها أو اختلافها عن طبيعة الرجل، وهل هناک مصادر دينية أو فقهية أو ثقافية لهذا التشابه أو الاختلاف؟ وترى أبو بکر أن هناک حديثًا متصاعدًا في المجتمع ووسائل الإعلام المصرية يرى أن هناک اختلافًا جوهريًّا (بيولوجيًّا وعاطفيًّا بالأساس) بين الرجل والمرأة ومن ثم يبرر ممارسات تمييزية ضد المرأة کمنعها من وظائف معينة أو حقوق بعينها انطلاقًا من هذا التمييز. ويظهر مفهوم البناء الاجتماعي social construct کمفهوم حاکم للنقاش بين الخبراء الذي دعوا لمناقشة موضوع طبيعة المرأة. فسواء درس الموضوع من مقاربة تاريخية أو أنثروبولوجية أو سياسية أو اقتصادية أکد الباحثون أن الحديث عن طبيعة بعينها للمرأة هو أمر تم بناؤه مجتمعيًّا وتعضيد هذا البناء من خلال قراءات منحازة لنصوص دينية أو ممارسات تاريخية بعينها.
شکلت الفترة ما بعد الحراک العربي في ٢٠١١ تحولًا کميًّا في کتابات النساء أو في الکتابة عن النساء ودورهن في التحول الديمقراطي على اعتبار أن تلک المرحلة جاءت مؤذنة بهذا التحول. وبالإضافة إلى الجمعيات والمؤسسات التي کانت تاريخية مهتمة بتطوير الحوار حول قضايا النوع الاجتماعي وتقاطعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ظهرت مجموعات جديدة من الباحثين والباحثات المهتمين بنفس القضايا وإن کانوا أکثر جرأة في تطوير خطابات جديدة وفتح ملفات کانت من المسکوت عنها لاعتبارات دينية أأو اجتماعية. ويمکن القول إن هناک تيارين رئيسين حکما الخطاب حول المرأة في الفترة ما بعد ٢٠١١؛ الأول الخطاب الذي ناقش دور النساء في رسم الأنظمة الجديدة ما بعد انهيار الأنظمة القديمة. والثاني تيار أخذ على عاتقه مهمة تطوير خطاب ومفاهيم جديدة حول المرأة وعلاقات القوة في المجتمع. بطبيعة الحال تتقاطع التيارات في بعض القضايا؛ فلا يمکن الحديث مثلًا عن أدوار للنساء في المجال العام دون فتح ملفات تتعلق بالخطاب الديني والحدود التي يقرها لوجود النساء في المجال العام.
يمکن مناقشة أدبيات مؤسسة نظرة للدراسات النسوية کنموذج على کتابات التيار الأأول وتقاطعه مع التيار الثاني. نشأت المؤسسة في نهاية عام ٢٠٠٧ بهدف دمج قضايا النوع الاجتماعي في المجالين العام والخاص. وعملت من خلال تقديم ورش وحلقات نقاش ونشر دراسات وأأوراق سياسات إلى تدعيم الجماعة العلمية المهتمة بمثل هذه القضايا. إن نظرة مدققة على الموقع الإلکتروني الذي تتواصل من خلاله المؤسسة مع جمهور الباحثين والباحثات المهتمين بقضايا النوع الاجتماعي، تکشف عن اهتمام موسوعي بکل القضايا ذات الصلة بالنساء على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعنف والقوانين وغيرها.
اهتمت مؤسسة نظرة بإصدار أکثر من تقرير وورقة بحثية بخصوص التحولات السياسية ما بعد ٢٠١١ ودور المرأة في رسم حدود المؤسسات الحاکمة للدولة. فأصدرت تقريرًا عن عضوية النساء في اللجنة التأسيسية لدستور ٢٠١٢، وکذلک أوراقًا ناقشت فيها عددًا من قرارات المجلس العسکري أو الرئيس مرسي أو الرئيس عدلي منصور فيما يتعلق بالمرأة ووضعها القانوني. انطلقت هذه التقارير والأوراق البحثية وأوراق السياسات من مفهوم المساواة الجندرية وضرورة تضمين بعد النوع الاجتماعي في الوثائق القانونية الحاکمة للنظام الجديد فيما بعد ٢٠١١، وعبرت في وثائق متعددة عن قلقها من سيادة ما رأته “قوى رجعية” على الخطاب الرسمي والذي هدد مکتسبات المرأة المصرية على المستوى التشريعي والقانوني (قانون الخلع والرؤية) أو على مستوى التواجد في المناصب العامة (القضاء) أو الحق في حماية الجسد (قانون تجريم الختان). [xlvii]
وتشارکت مؤسسات مختلفة وباحثات عديدات في القلق على مستقبل النساء في “التحول الديمقراطي” في دول الربيع العربي بالرغم من الدور الذي لعبته النساء في الإطاحة بالنظم القديمة. ففي العديد من الکتابات العربية والأجنبية التي صدرت في الفترة ما بعد ٢٠١١ والتي احتفت بتواجد النساء في الساحات والميادين والتظاهرات التي عمت المدن العربية المختلفة، هذه الکتابات لم تخف قلقًا من أن يکون هذا التواجد مؤقتًا وأن تتم إزاحة قضايا النساء وتواجدهن في مرکز الأحداث لصالح توازنات بين قوى سياسية مختلفة. فعلى سبيل المثال طرحت إحدى الباحثات من خلال مقالتها “المرأة العربية والتحول الديمقراطي: التحديات وآفاق تحقيق المساواة والمواطنة” المنشورة على موقع جدلية في ٢٠١١.
استعرضت الباحثة مظاهر مشارکة النساء في المظاهرات في کل من مصر وتونس على اعتبار أنهما الدولتان اللتات قادتا حالة الحراک العربي، ورصدت الباحثة ردود فعل مقلقة تجاه تواجد النساء ومشارکتهن؛ کممارسة العنف ضدهن في الميادين العامة من قبل السلطة الانتقالية أو بعض المنتمين لقوى سياسية “دينية رجعية” أو حتى تحول الخطاب السياسي ضد مکتسبات حصلت عليها المرأة التونسية في ظل نظام بن علي بحيث أصبح نضال المرأة “لا يهدف لتحقيق مزيد من الحقوق للمرأة بل للحفاظ على مکتسباتها القديمة في تونس ما بعد الثورة”.[xlviii]
في ورقة نشرت في عام ٢٠١٧ على موقع مؤسسة نظرة، ويمکن تحليلها کمثال على الدراسات والتحليلات التي تجمع بين التيار الأول والثاني، “القاهرة للنساء أيضًا” نوقشت مسألة التخطيط العمراني لمدينة القاهرة وعلاقته بالنساء وحاولت الإجابة عن سؤال ما إذا کانت المدينة تعتبر فضاء آمنًا للنساء للحرکة في المجال العام أم لا؟ وحاولت الورقة الکشف عن التحيزات المختلفة في المجال الحضري العام ضد النساء وکيف يتفاعل هذا التحيز مع التحيزات في المساحات الخاصة ضد النساء بشکل عام ويقيد عليهم في إمکانيات الحرکة والسعي الاقتصادي أو الحياتي بشکل خاص. [xlix] يفتح هذا النوع من الدراسات مجالات للنقاش عن علاقة المرأة بالمجال العام، فتأمين فرص للنساء في المجال العام لا تتعلق فقط بفرص التعليم والعمل والحرکة. لکن لا بد من الاهتمام بکيفية صياغة الفراغات الحضرية والريفية بشکل يمکن المرأة في المساحات العامة. فکما تذکر الدراسة فإن وجود شوارع غير مضيئة أو مناطق مهجورة على طريق الوصول للعمل قد يکون سببًا في امتناع المرأة عن الخروج خوفًا من تعرضها لمخاطر غير معلومة وغير محسوبة بشکل يومي ودائم.
تنطلق الدراسة من مفهوم أساسي هو “الحق في المدينة” وهو المفهوم الذي يرى المدينة باعتبارها مرکز الأنشطة المختلفة وموطن الحرکات الاجتماعية وحرکات التغيير في العالم. هذه المدينة “الحديثة/ الحداثية” تتجاهل في تصميمها العمراني المهمشين والفقراء بينما ترکز على تلبية احتياجات الدولة والطبقات الأقوى. ومن ثم يعني مفهوم الحق في المدينة بالمطالبة بإدماج کل القاطنين في المدينة في خطط العمران وإعادة التشکيل بشکل يحترم خصوصيتهم واحتياجاتهم ويدعم وجودهم في المجال العام.
من هذا المنطلق يمکن فهم السياق الذي يتم فيه مناقشة حق النساء في المساحات العامة والمفهوم الآخر المرتبط به وهو مفهوم “الأمان” الذي ترى الدراسة أن هناک اهتمامًا حکوميًّا بالنص على مفهوم الأمان في الدستور (المادة ٧٨ الخاصة بالسکن) أو معايير الأمان في المنشآت والمساکن العامة والخاصة. في الوقت نفسه ترصد الدراسة أن هذه المعايير لا تراعي النوع الاجتماعي في التعريف؛ فالحديث عن التخطيط واستخدام مواد آمنة في البناء لا يعني بشکل تلقائي أن هذه الأماکن المخططة والآمنة هي بالتعريف آمنة بالنسبة للنساء أو تراعي احتياجاتهم اليومية. فشبکة المواصلات الرديئة في مناطق “مخططة حضريًّا” قد تکون من مصادر الخطر على النساء ومن العوامل التي تعوق تواجدهم وتفاعلهم في المساحات العامة. وتنتهي الدراسة بعدد من التوصيات بهدف التأکد من إدماج بعد النوع الاجتماعي سواء في تخطيط المناطق الحضارية أو تعريف معايير الأمان أو إيجاد آليات مراقبة لهذه المساحات والمناطق تضمن إشراک کل أأصحاب المصلحة وفي النهاية تمکين النساء من التواجد في قاهرة أکثر أمانًا لهن.
يتقاطع مع هذا النوع من الدراسات “مؤسسة اختيار” والتي ظهرت في النصف الثاني من العقد الثاني للقرن الواحد والعشرين کنموذج على التيار الثاني. حاولت المؤسسة من خلال حلقات النقاش والدورات التدريبية والترجمات بالإضافة إلى دوريتها اختيار (التي صدر منها أربعة أعداد فقط) فتح ملفات حول مفهوم النسوية وطبيعة الخطاب السياسي والاجتماعي حولها، بالإضافة إلى محاولة فهم علاقة الحرکة النسوية في مصر بالحرکة النسوية التحررية في العالم، بالإضافة إلى قضايا العلاقات مع التيارات الأيديولوجية المختلفة في داخل الحرکة النسوية. ويظهر من استعراض عناوين الموضوعات التي شملتها الأعداد الأربعة خريطة اهتمامات متمايزة؛ فالعدد الأول ضم موضوعات عن التضامن النسوي والنسوية کخطاب اجتماعي- تاريخي والنسوية الإسلامية والربيع العربي بالإضافة إلى موضوع عن النسوية الإسلامية والحوکمة الإسلامية. وضم العدد الثاني عددًا من الموضوعات التي رکزت على فکرة النضال الاجتماعي والسياسي في تجارب سياسية مختلفة، بينما رکز العدد الثالث على مجموعة من الکتابات الشخصية حول معاني النسوية والأنوثة وتقاطعاتها مع الدين والطبقة وعلاقتها بالنص المقدس الإسلامي والمسيحي.
أما العدد الرابع فقد عنون أصوات النساء وضم عددًا من الدراسات التي قدمت فرصة للحکي من وجهة نظر النساء[l] الملاحظة الرئيسة في هذا السياق أن کتابات الأعداد الأربعة والترجمات المنشورة على الموقع الإلکتروني قدمت فرصة جديدة على ثلاثة مستويات رئيسة؛ الأول يتعلق بتمکين باحثات وباحثين جدد من الکتابة في مسألة النوع الاجتماعي وتمظهراته الفکرية والقيمية بشکل يختلف نسبيًّا عن السائد في الکتابات النسوية أو الکتابة عن النساء والتي کانت تهتم بشکل أکبر بسياسات الحقوق والمواطنة والخطاب الديني. المستوى الثاني هو ظهور کتاب رجال مهتمون بتطوير خطاب نسوي/ جندري ومناقشة قضاياه، فالمعتاد في المؤسسات المهتمة بقضايا الجندر أن يکون المجال حصرًا للنساء اللاتي يکتبن عن النساء وغياب يکاد يکون تام للرجال في هذا السياق. المستوى الثالث يتعلق بسيادة خطاب الحکي والانطلاق من الخبرات الشخصية (بدلًا من مناهج البحث التقليدية) کأساس للبحث عن أنماط معاناة النساء وتفاعلاتهن المختلفة مع المجال العام أو القوى الاجتماعية/ الاقتصادية/ السياسية المختلفة في المجتمع.
العرض السابق يکشف لنا عن مسألة هامة حکمت الکتابة في وعن قضايا المرأة، فالکتابة عن النساء تکاد تکون مجالًا محتکرًا من النساء، فقليل هم الباحثون المهتمون برصد التحولات في وضع المرأة في داخل النظم السياسية العربية، خاصة إذا کان مجال البحث والکتابة يتجاوز مسألة المشارکة في الانتخابات أو تولي مناصب أو الحديث عن العلاقة بين الإسلام وتکريم المرأة. على مستوى آخر فهناک بعض الجدة في المناهج التي تستخدم لتحليل أوضاع المرأة في العالم العربي وخاصة إدماج أساليب الحکي والروايات الشخصية في سياق نفس التطور في دراسات ومناهج دراسات الجندر في العالم، کما أنه هناک قدر من الاشتباک مع الحرکة النسوية العالمية خاصة فيما يتعلق بعلاقة الدين والخطاب الديني وأوضاع النساء.
ويمکن تلمس درجات مختلفة من التشبيک على مستوى القضايا والأجندات البحثية مع النسوية اليسارية وکذلک نسويات العالم الثالث، لکن يغيب عن هذه الکتابات أي محاولة لتوليد مفاهيم جديدة أو مناهج جديدة تعکس خصوصية أو رؤية الحرکة النسوية المصرية للخطاب العام حول النساء. الملاحظ أيضًا أن المقاربات الجندرية تکاد لا تستخدم في خارج دراسة قضايا الجندر ومشکلاته. فهناک غياب تام لأي رؤى جندرية فيما يتعلق بالدولة أو التحول الديمقراطي أو الصراع السياسي والاقتصادي. فدراسة هذه القضايا وغيرها تتم من خلال المقاربات المستقرة في علم السياسة والتي يغيب عنها عنصر النسوية في التحليل. وهو ما يزيد في التحليل الأخير من عزلة قضايا النساء عن جمهور باحثي وعلماء السياسة، فتظل قضاياهن محلًّا حصريًّا لاهتمامهن، ولا يتم تبني رؤاهن في فهم الظواهر الأکثر عمومية وشمولًا واتصالًا بقطاعات المجتمع ککل.
رابعًا: ملاحظات ختامية
في ضوء العرض السابق يمکن لنا استخلاص مجموعة من الملاحظات الختامية حول المضمون العلمي لکتابة علماء السياسة في مصر خلال فترة الدراسة.
فقد کشفت العينة التي استخدمت في التحليل، استمرارية قضايا بعينها على أجندة البحث منذ فترة ما قبل الدراسة، بعبارة أخرى لا يمکن القول إن الألفية الجديدة شکلت انقطاعًا معرفيًّا في کتابات علماء السياسة. فقضايا مثل الدولة والتحول الديمقراطي والإسلام السياسي والمرأة وغيرها من القضايا کانت مطروحة على أجندة البحث العلمي والأکاديمي ومحط اهتمام صناع القرار قبل الألفية الجديدة. بطبيعة الحال فإن أولوية بعض من هذه القضايا قد تغيرت مع تغير التحديات التي ظهرت في الأألفية الجديدة، وهو أمر مفهوم ومبرر، فالدولة التي کتب عنها نزيه الأيوبي في التسعينيات وحظيت باهتمام شديد في العقود السابقة على التسعينيات توارت في الألفية الجديدة لصالح الکتابة عن التحول الديمقراطي. وهو الأمر الذي ارتبط بأجندة بحثية غربية وأمريکية بالأساس تطورت بالأساس کرد فعل على هجمات الحادي عشر من سبتمبر وتداعيات الحرب على الإرهاب. وتکثفت الکتابات عن دور الإسلام الحرکي في التحول الديمقراطي بعد الربيع العربي وتصاعد دور حزب النهضة في تونس والإخوان المسلمين في مصر وغيرهم في الدول العربية التي شهدت حالة الحراک الشعبي.
هذا التراجع في الکتابة عن الدولة والسلطة لم يعنِ تراجعًا لأهمية المفهومين في مخيال الأکاديميين والساسة. فالکتابة عن العولمة أو الديمقراطية أو المرأة أو غيرها من القضايا کان دائمًا يستبطن الدولة کمتغير أساسي في التحليل. فالتعامل مع السلطة، أو السيطرة عليها، أو ترشيدها، کان دائمًا هاجس الباحثين والباحثات. هذا الأمر جاء في حقيقة الأمر على حساب الاهتمام بالکتابة عن المجتمع وقواه وتفاعلاته.
على مستوى المناهج والاقترابات المستخدمة في التحليل فهناک أکثر من ملاحظة؛ الأولى تتعلق بسيطرة المناهج الوصفية على معظم الکتابات. فغالبية الکتابات اکتفت بوصف الظواهر محل الدراسة ومحاولة تحليل أسبابها ودراسة تطورها، ولکن لم تنتقل لمحاولة تقديم فهم نظري للظاهرة في أطوارها المختلفة والتنبؤ بمستقبلها. ولم تقدم دراسات إسلامية المعرفة أکثر من نقد الأطر المعرفية السائدة والتي وصفتها بالغربية. ولم تستطع تقديم أطر بديلة واضحة على المستوى المعرفي والأداتي لدراسة الظواهر السياسية المختلفة. الملاحظة الثانية تتعلق بما بدا أنه عجز کتابات علماء السياسة في مصر عن تطوير أدوات منهجية جديدة أو تقديم إضافات علمية فيما يتعلق بفلسفة العلم ومناهجه. فقد اقتصر الأمر على استخدام المناهج الموجودة أو انتقادها في أحسن الأحوال دون محاولة تطويرها أو البحث عن مناهج بديلة جديدة. فمعظم الکتابات في حقيقة الأمر کانت تتعلق بمناقشة الشأن السياسي أکثر من کونها تناقش قضايا العلوم السياسية.
ويرتبط بمسألة المناهج مسألة المفاهيم المستخدمة في تحليل الظواهر المختلفة. فعلم السياسة بمفاهيمه وأدواته ومنطلقاته المفاهيمية الحديثة هو علم نشأ في الغرب وتطور مع تطور مفهوم الدولة القومية. وکثيرًا ما تثار مسألة مواءمة بعض المفاهيم للبيئة المحلية، وما إذا کان من المناسب استعارتها من بيئتها الأصلية وقدرتها على تقديم تفسير في سياق اجتماعي متمايز بشکل کبير. فمفهوم الديمقراطية على سبيل المثال – کما ينتشر في الکتابات العربية يعني به مجموع القيم والأفکار والسياسات والإجراءات التي طبقت في التجربة الليبرالية الغربية خلال القرن العشرين. ومفهوم الأصولية الدينية على مستوى آخر هو مفهوم استخدمه الغرب لوصف ظواهر في مجتمعاتهم تتعلق بشکل معين للعلاقة بين الدين والدولة، وتم استعارة هذا المفهوم واستخدامه في دراسة حرکات الإسلام السياسي بغض النظر عن اختلاف السياق واختلاف معنى المفهوم في کل من السياقين.
إن نظرة على الکتابات الواردة في العينة، وغيرها من الکتابات، تکشف ضعفًا في مسألة مناقشة العلاقة بين البيئة والمفهوم. فکثير من الکتابات لا تبدأ من مناقشة المفهوم وعلاقة تطوره ببيئته، بل تتجاوز عن هذا کله وتحاول اختبار المفهوم في البيئة العربية/ المصرية. لا يعني هذا أننا نؤيد توجهًا انعزاليًّا عن حرکة العلم وتطوره في العالم، ولکن ضرورة أن يتم تطوير خطاب نقدي اشتباکي يستطيع التفرقة بين الجوانب العالمية للمفهوم وخبرة وسيرة المفهوم في بيئته المحلية. فإذا کنا نتحدث عن علم سياسة عربي، فلا بد أن تبذل جهودًا في سبيل تجذير المفاهيم ومناقشة العلاقة بين هذه المفاهيم وبيئة الظواهر محل التحليل.
طرحت العينة أيضًا تساؤلًا هامًّا عن العلاقات الجيلية داخل علماء السياسة، فقد طرحنا في بداية هذه الورقة تساؤلًا عن دوران نخبة علماء السياسة، ومن يقرأ لمن وعلاقة عالم السياسة بالأکاديميا الدولية وتأثير هذا على الأکاديميا المحلية والإقليمية. بالرجوع إلى قاعدة بيانات مرکز دراسات الوحدة العربية وقاعدة بيانات جامعة القاهرة والجامعة الأمريکية نلاحظ استئثار عدد من الأسماء بالکتابة والنشر وانتماءهم إلى مجموعة عمرية معينة، ونقص -وأحيانًا- غياب کتابات لمن يمکن أن نطلق عليهم شباب الأکاديميين. إن التواصل الجيلي بين علماء السياسة هو أأمر في غاية الأهمية لتحقيق التراکم والاستمرار العلمي، في الوقت نفسه فإن غياب کتابات بأقلام شباب الأکاديميين من شأنه أن يضع علامات استفهام على استدامة العلم وإمکانية تجديده بأفکار وأدوات ومناهج وقضايا جديدة.
من ناحية أخرى فلا بد من التساؤل عن القنوات التي تستخدمها الأجيال الجديدة من الأکاديميين في النشر، وتأثير هذا على حالة التراکم العلمي باللغة العربية. فالکتابة بلغات غير العربية، والنشر في دور نشر ومراکز أبحاث خارج الوطن العربي هي مسألة ستعود بآآثار سلبية على تراکم المعرفة وانتشارها في الوطن العربي وستؤثر أيضًا على مسألة المفاهيم والمناهج السابق الإشارة إليها. وفي التحليل الأخير تزيد في غربة علم السياسة عن واقعه العربي، وفي غربة علماء السياسة عن مجتمعاتهم الأکاديمية المحلية.
الملاحظة الأخيرة تتعلق بوجود درجات من التداخل بين القضايا والتيمات؛ فالفصل بين التيمات الخمس التي تم تحديدها في العينة هو أأمر لتسهيل الدراسة والرصد والتعليق، لکن واقع الأمر أنه لا يمکن فهم کتابات الإسلام السياسي دون فهم موقع الدولة والکتابة عنها والتحول الديمقراطي ومراحله. کما أن الکتابة عن المرأة والسياقات المختلفة المحيطة بأدوار المرأة المختلفة في المجتمع تتقاطع مع خطابات جماعات الإسلام السياسي، ومع عملية التحول الديمقراطي وبالأساس مع الدولة ومفهوم المواطنة. هذا التداخل قد يصعب من إمکانية الدراسة في بعض الأحيان ولکنه في النهاية هام لفهم شبکة علاقات المفاهيم في داخل العلوم السياسية بشکل عام وفي الحالة المصرية بشکل خاص. فهذه التيمات لا توجد بشکل متوازٍ مع بعضها البعض، ولکنها تؤثر في بعضها البعض. کما أنه يمکن رسم أکثر من خريطة للمفهوم المرکزي وعلاقته بالمفاهيم الأأخرى حسب رؤية الباحث ونظرته.
وتدرک کاتبة الورقة أنه لا يمکن التعميم على حال العلوم السياسية في الوطن العربي انطلاقًا من الخبرة المصرية التي لها ما لها وعليها ما عليها، ولکنها تصلح کنقطة بداية لرصد الملامح الرئيسة لحال علم السياسة. وقد سمحت قاعدة بيانات مرکز دراسات الوحدة العربية ومکتبة الجامعة الأأمريکية بالقاهرة ومکتبة الجامعة الأمريکية ببيروت بالإضافة إلى قاعدة بيانات جامعة القاهرة بتلمس بعض نقاط التشابه والتمايز بين الخبرة المصرية والخبرة العربية. هذا لا ينفي أهمية القيام بدراسات إضافية لاستکشاف حال مناطق أخرى في العالم العربي، بالإضافة إلى أهمية دراسة الدوريات والتي يمکن أن تقدم ميزة إضافية عن دراسة الکتب، فالدوريات بحکم حداثتها وطبيعتها المواکبة لتطورات متسارعة في المشهد السياسي العربي من الممکن أن تکمل الصورة على مستوى القضايا محل البحث والمفاهيم والمناهج المستخدمة.
المراجع | |
[1]محمد صفار (٢٠١٤)، علم السياسة في مصر: التاريخ والتوجهات، موجودة على الرابط التالي: https://www.jadaliyya.com/Details/30546 [1]ظهرهذاالتقريرفيمنتصفالعقدالأولمنالألفيةالجديدة،ومنذبدايةالتسعينياتمنالقرنالعشرينحتىتلکالفترةکانتأعمالالمؤتمرالقوميالعربيتنشربشکلدوريعلىاعتبارأنهاتعبرعنمجملالقضاياالتيتشغلالأمةالعربيةفيذاکالعام. [1] http://www.hadaracenter.com ظهر هذا التقرير منذ بداية الألفية الجديدة وتوقف عند
[1]أنشئالمرکزفي١٩٧٥فيبيروتوتمتعفيعام٢٠٠٠بوضعمنظمةدوليةمستقلةوهومنضمنمراکزعالميةتهتمبدراساتالمستقبل. [1]أنشئمرکزالحضارةللدراساتالسياسيةفيعام١٩٩٧فيالقاهرة. [1]اتخذالتقريرطابعًاأکاديميًّامختلفًابدايةمنعام٢٠٠٤عننشرأعمالالمؤتمرالقوميالتيکانتمعنيةفقطبرصدأهمالقراراتوالبياناتوالوثائقالتيتتعلقبالمؤتمروبالوطنالعربي،فرکزالتقريرعلىتحديدأهمالقضاياالتييتمحولهاالبحثفيالفترةمحلالدراسةوکذلکمناقشةخلاصاتالأوراق. [1]علىمستوىآخرلوحظتحولفياهتماماتمرکزدراساتالوحدةالعربيةبشکلعامتجاهمزيدمنالترکيزعلىقضاياالعلومالاجتماعيةبشکلعامعلىحسابالقضاياالسياسيةبشکلخاص. ففيإحصائيةنشرهاالمرکزفقدنشرفيعام٢٠١٦تسعةکتبتحتعناوينسياسيةفيمقابل١٦١فيعام٢٠٠٢. بينمانشرفيالاجتماعوالفلسفة١٥و١٦عنوانًاولمتنشر أايکتبتحتنفسالقسمينفيعام٢٠٠٢. انظر: قائمةمنشورات١٩٧٩–٢٠١٦،بيروت: مرکزدراساتالوحدةالعربية. [1]کانتهناکمفاضلةبيناختيارالتقريرالاستراتيجيالعربيوالصادرعنمرکزالبحوثوالدراساتالسياسيةبالأهراموتقريرأمتيفيالعالمالصادرعنمرکزالحضارةللدراساتالسياسية. ولکنتماختيارالتقريرالأخيرعلىاعتبارأنهيقدممنطلقًافکريًّامختلفًافيالوقتالذييتشابهفيهالتقريرالاستراتيجيبشکلکبيرمعتقريرحالالأمةالعربيةوهوماتمتغطيتهسابقًا. [1]محمد بامية، العلوم الاجتماعية في العالم العربي: أشکال الحضور، التقرير الأول للمرصد العربي للعلوم الاجتماعية، بيروت: المجلس العربي للعلوم الاجتماعية، ٢٠١٥. [1]محمدالسيدسعيد (٢٠٠٦) الانتقالالديمقراطيالمحتجزفيمصر،القاهرة: دارميريت. ص١٩٤. [1]حسننافعةوسيفالدينعبدالفتاح (محرران)،العولمةوالعلومالسياسية: محاضراتالموسمالثقافيلقسمالعلومالسياسيةللعامالجامعي١٩٩٨–١٩٩٩. [1]تعدکليةالاقتصادوالعلومالسياسيةهيالکليةالأقدمفيالعالمالعربيالمتخصصةفيدراسةالعلومالسياسيةوالاقتصادوالإحصاء، فقدأنشئتبقرارجمهوريفي١٩٥٩ لتضم هذهالأقسامالثلاثة. [1]حسننافعةوسيفالدينعبدالفتاح (محرران) ٢٠٠٠،العولمةوالعلومالسياسية. مصطفيمنجود (محرر) ٢٠٠١،نماذجعالميةفيتدريسالعلومالسياسية (دروسمستفادة). حسننافعةوآخرون (٢٠٠١–٢٠٠٢) مقدمةفيعلمالسياسة (جزآن). حسننافعةومحمدشوقيعبدالعال، (٢٠٠٢) التنظيمالدولي،مکتبةالشروقالدولية. محمدالسيدسليم٢٠٠٢،تطورالسياسةالدوليةفيالقرنينالتاسععشروالعشرين. علاأبوزيد (محررة) ٢٠٠٣،الفکرالسياسيالمصريالمعاصر،أعمالالمؤتمرالسنويالخامسعشرللبحوثالسياسية. أحمدالرشيدي (محرر)، ٢٠٠٣،تدريسالعلومالسياسيةفيالجامعاتالمصرية: الواقعالراهنومقترحاتالتطوير، أعمالالمؤتمرالعلميلقسمالعلومالسياسية. حسننافعةوناديةمصطفى (محرران) ٢٠٠٣،العدوانعلىالعراق: خريطةأزمةومستقبلأمة. مصطفىعلوي (محرر) ٢٠٠٣،المدرسةالمصريةفيالسياسةالخارجية، أعمالالمؤتمرالسنويالرابععشرللبحوثالسياسية. ناديةمصطفىوأملحمادة (محررتان) ٢٠١٢،الثورةالمصريةودراسةالعلومالسياسية،أعمالالمؤتمرالسنويالأوللشبابأعضاءهيئةالتدريس. [1]جلالأمين (٢٠٠٩)،العولمة،الطبعةالرابعة،القاهرة: دارالشروق٢٠٠٩. [1]المهديالمنجرة (٢٠١١)،عولمةالعولمة،الدارالبيضاء: مطبعةالنجاحالجديدة. هذاالکتابهومجموعةمنالمداخلاتوالمقابلاتالتيأجراهاالدکتورالمهديالمنجرةحولموضوعالعولمةفيسنواتمتعددةفيبدايةالألفيةالجديدة. [1]يلاحظأنهذاالکتابقررعلىطلابالصفالثانيفيکليةالاقتصادوالعلومالسياسيةفيمادةتطورالنظامالسياسيالمصريفيالفترةبعد٢٠١٤. هذاالکتابهونسخةمنقحةومزيدةمنکتابسابقللدکتورعليّالدينهلالکانيتمتدريسهلنفسالمادةبعنوانتطورالنظامالسياسيفيمصر١٨٠٥–٢٠٠٥وتمالتوقفعنتدريسهبعدعام٢٠١١، وهناکطبعةوسيطةللکتابظهرتعام٢٠١٣بعنوانالصراعمنأجلنظامسياسيجديد: مصربعدالثورة،القاهرة: الدارالمصريةاللبنانية. عليّالدينهلالوميمجيبومازنحسن٢٠١٥،عودةالدولة: تطورالنظامالسياسيفيمصربعد٣٠يونيو،القاهرة: الدارالمصريةاللبنانية. عليّالدينهلال٢٠٠٦،تطورالنظامالسياسيفيمصر١٨٠٥–٢٠٠٥. [1]نزيهالأيوبي١٩٨٩،الدولةالمرکزيةفيمصر،مشروعاستشرافمستقبلالوطنالعربي،محورالمجتمعوالدولة،بيروت: مرکزدراساتالوحدةالعربية. [1]نزيهالأيوبي٢٠١٠،تضخيمالدولةالعربية: السياسةوالمجتمعفيالشرقالأوسط،ترجمةأمجدحسين،بيروت: المنظمةالعربيةللترجمة،توزيعمرکزدراساتالوحدةالعربية. [1]مصطفىکاملالسيد (تقديموتحرير) ١٩٨٩،التحولاتالسياسيةفيالوطنالعربي: أبحاثالندوةالمصرية – الفرنسيةالمشترکةالأولى،القاهرة: مرکزالبحوثوالدراساتالسياسية. نيفينمسعد (محرر) ١٩٩٣،التحولاتالديمقراطيةفيالوطنالعربي: أعمالالندوةالمصرية –الفرنسيةالثالثة،القاهرة: مرکزالبحوثوالدراساتالسياسية. أحمدثابت١٩٩٤،التحولالديمقراطيفيالمغرب: القاهرة: مرکزالبحوثوالدراساتالسياسية. نزيهالأيوبي٢٠١٠،تضخيمالدولةالعربية: السياسةوالمجتمعفيالشرقالأوسط،ترجمةأمجدحسين،بيروت: مرکزدراساتالوحدةالعربية،الطبعةالأولى. [1]عليخليفةالکواري (وآخرون) ٢٠٠٢،المسألةالديمقراطيةفيالوطنالعربي،بيروت: مرکزدراساتالوحدةالعربية. هناکالعديدمنالکتاباتللدکتورعلىخليفةالکواريفيمسألةالديمقراطيةوالتحولالديمقراطيعلىسبيلالمثالانظرمقالتهحولعوائقالانتقالالديمقراطيفيبلدانمجلسالتعاونالخليجيعلىالرابطالتالي: http://www.caus.org.lb/PDF/EmagazineArticles/mustaqbal_415_alialkawari.pdf والمحاضرةالتيألقاهالمنتدىالفکرالعربي: المؤتمرالشبابيالخامس: المستقبلالعربيفيضوءالحراکالعربي٢٠١٢،موجودةعلىالرابطالتالي: http://dr-alkuwari.net/sites/akak/files/mnqhh-_lntql_lldymqrty_2012.pdf
[1]أنشأالاتحادالأوربيمشروعهالشراکةالأوربيةلدعمالديمقراطيةفيالنصفالثانيمنالعقدالأولمنالألفيةالجديدةبهدفدعمالمنظماتوالقوىالمختلفةالساعيةللديمقراطيةفيالدولالشريکةللاتحادالأوربي. لمزيدمنالتفاصيلحولالمشروعومهامهوأنشطتهانظر: http://www.epd.eu/mission-statement/
انظرأيضًاعلىسبيلالمثالنموذجللدراساتوالمقالاتالتينشرتلتحليلضرورةأنتلعبالولاياتالمتحدةدورًافيتدعيمالتحولالديمقراطيفيالعالمالعربي:
Rashid Khalidi (2004), The Past and Future of Democracy in the Middle East”, in Macalester International, Vol.14 Complex Contradictions: African, American and Middle Eastern Perspectives.
کذلکانظرتقاريرومنشوراتمرکزالسلامالأمريکيعلىسبيلالمثال http://www.usip.org
[1]محمدالسيدسعيد (٢٠٠٦)،الانتقالالديمقراطيالمحتجزفيمصر،القاهرة : دارميريتللنشر. وأعيدتطباعةالکتابعنطريقالهيئةالمصريةالعامةللکتابفي٢٠١٥. [1]عمروالشوبکي (محرر)٢٠٠٤،إسلاميونوديمقراطيون: إشکالياتبناءتيارإسلاميديمقراطي،القاهرة: مرکزالبحوثوالدراساتالسياسيةوالاستراتيجيةبالأهرام. [1]سارةبننفيسةوعلاءالدينعرفات٢٠٠٥،الانتخاباتوالزبائنيةالسياسيةفيمصر: تجديدالوسطاءوعودةالناخب،تقديمالسيديسونبيلعبدالفتاح،القاهرة: مرکزالقاهرةلدراساتحقوقالإنسان. [1]عبدالفتاحماضيوعليخليفة الکواري (محرران)٢٠٠٩،لماذاانتقلالآخرونإلىالديمقراطيةوتأخرالعرب: دراسةمقارنةلدولعربيةمعدولأخرى،بيروت: مرکزدراساتالوحدةالعربية. [1]عمروحمزاويوناثانبراون٢٠١١،بينالدينوالسياسة: الإسلاميونفيالبرلماناتالعربية،بيروت: الشبکةالعربيةللأبحاثوالنشرومرکزکارنيجيللشرقالأوسط. [1]نشرتهذهالمحاضرةفيمقدمةکتابالثورةوالعلومالسياسية،مرجعسابق. [1]عزميبشارة (٢٠١٢)،فيالثورةوالقابليةللثورة،بيروت: المرکزالعربيللأبحاثودراسةالسياسات. عزميبشارة (٢٠١٦)،مقالةفيالحرية،بيروت: المرکزالعربيللأبحاثودراسةالسياسات. [1]علىخليفةالکواريوعبدالفتاحماضي (محرران)٢٠١٤ ،الديمقراطيةالمتعثرة: مسارالتحرکاتالعربيةالراهنةمنأجلالديمقراطية،بيروت: مرکزدراساتالوحدةالعربية. [1]أحمديوسفأحمدوآخرون٢٠١٦،مستقبلالتغييرفيالوطنالعربي: بحوثومناقشاتالندوةالفکريةالتينظمهامرکزدراساتالوحدةالعربيةبالتعاونمعالمعهدالسويديبالإسکندرية،بيروت: مرکزدراساتالوحدةالعربية. [1]إسماعيلراجيالفاروقي١٩٨٣، أسلمةالمعرفة: المبادئالعامةوخطةالعمل،ترجمةعبدالوارثسعيد،الکويت: دارالبحوثالعلميةبالکويت. [1]سيفالدينعبدالفتاح،الاتجاهاتالحديثةفيدراسةالفکرالسياسيالإسلامي،فيعليالدينهلالومحمودإسماعيل١٩٩٩،اتجاهاتحديثةفيعلمالسياسة،القاهرة: المجلسالأعلىللجامعات،اللجنةالعلميةللعلومالسياسيةوالإدارةالعامة. [1]سيفالدينعبدالفتاح٢٠١٦،الزحفغيرالمقدس: تأميمالدولةللدين،بيروت: الشبکةالعربيةللأبحاثوالنشر. يذکرأنهذاالکتابکانقدسبقنشرهفيبدايةالألفيةالجديدةتحتنفسالعنوان. [1]هبةرؤوفعزت٢٠١٥،الخيالالسياسيللإسلاميين: ماقبلالدولةومابعدها،بيروت: الشبکةالعربيةللأبحاثوالنشر. هذهالطبعةهياستکمالوتطويرلأفکارطرحتهاالکاتبةفي٢٠٠٤فيکتابإسلاميونوديمقراطيونالصادرعنمرکزالأهرامللدراساتالاستراتيجيةبالقاهرة. [1]أمجدجبرون٢٠١٤،مفهومالدولةالإسلامية: أزمةالأسسوحتميةالحداثة (مساهمةفيتأصيلالحداثةالسياسية)،قطر: المرکزالعربيللأبحاثودراسةالسياسات. [1]ناديةمصطفي٢٠١٥،العلاقاتالدوليةفيالتاريخالإسلامي،جزآن،القاهرة: مرکز الحضارةللدراساتالسياسيةودارالبشيرللثقافةوالعلوم،تقديمالمستشارطارقالبشري. [1]مجموعةباحثين٢٠٠٠،الإسلامالسياسيوآفاقالديمقراطيةفيالعالمالاسلامي،مرکزطارقبنزيادللدراساتوالأبحاث. [1]توفيحسامتمامفيعام٢٠١١بعدصراعقصيرمعمرضالسرطان،وهناکالعديدمنالتخميناتحولحدودعلاقتهبالإخوانالمسلمينوهلکانعضوًاتنظيميًّا أو کانقريبًامندوائرهم. بغضالنظرعنقربهالتنظيمي أو بعدهولکنهامتلکمعرفةدقيقةبالأدبياتوالأشخاصوالمستوياتالتنظيميةوبالتفاعلاتبشکلسمحلهبالکتابةالمتوازنةفيهذاالموضوع. [1]حسامتمام٢٠١٠،تسلفالإخوان: تآکلالأطروحةالإخوانيةوصعودالسلفيةفيجماعةالإخوانالمسلمين،سلسلةمراصد،مکتبةالإسکندرية،العددالأول. حسامتمام٢٠١١،الإخوانالمسلمون: سنواتماقبلالثورة،القاهرة: دارالشروق. [1]أمانيصالح،نحومنظورإسلاميللمعرفةالنسوية،دوريةالمرأةوالحضارة،العددالأول،٢٠٠٠. [1]المرجعالسابق،مقدمةالعدد. [1]نوالالسعداويوهبةرؤوفعزت (٢٠٠٤)،المرأةوالدينوالأخلاق،حواراتلقرنجديد،دمشق: دارالفکر. [1]الکتاب ألفته المرنيسي في عام ١٩٨٩ مما يجعله يخرج عن النطاق الزمني للدراسة، ولکن الترجمة العربية والتي وافقت عليها المرنيسي صدرت في عام ٢٠٠٠ وهو ما يدخله بهذا المعيار في نطاق الدراسة. فاطمة المرنيسي، سلطانات منسيات، ترجمة فاطمة الزهراء أزرويل، المرکز الثقافي العربي ٢٠٠٠. [1]هدىالصدة (محررة) ٢٠٠٤،عائشةتيموروتحدياتالثابتوالمتغيرفيالنصفالثانيمنالقرنالتاسععشر،القاهرة: مؤسسةالمرأةوالذاکرة. [1]إيمان ضياء الدين بيبرس (٢٠٠٢)، بطلات وضحايا: المرأة والسياسات الاجتماعية والدولة في مصر، ترجمة عايدة سيف الدولة، المجلس الأعلى للثقافة، العدد ٤٣٨. [1]أميمةأبوبکر (محررة )٢٠٠٧ “طبيعةالمرأة: مقاربات” القاهرة:مؤسسةالمرأةوالذاکرة. [1]لمزيدمنالمعلوماتحولهذهالوثائقانظرموقعالمؤسسةوالروابطالتاليةعلىسبيلالمثال: http://nazra.org/2016/08/%D8%B3%D8%A4%D8%A7%D9%84-%D9%88%D8%AC%D9%88%D8%A7%D8%A8-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A5%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D9%88%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9
[1]حنانعبدالرحمنرباني (٢٠١١)،المرأةالعربيةوالتحولالديمقراطي: التحدياتوآفاقتحقيقالمساواةوالمواطنة،موجودةعلىالرابطالتالي: [1]القاهرةللنساءأيضًا: العنفالجنسيفيالمجالالعاموعلاقتهبالحقفيالمدينة،مؤسسةنظرةللدراساتالنسوية،يناير٢٠١٧. موجودعلىالرابطالتالي:http://nazra.org/2017/01/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%86%D8%B3%D8%A7%D8%A1-%D8%A3%D9%8A%D8%B6%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%B3%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%88%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D9%87-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%8A
%D9%86%D8%A9
[1]يمکناستعراضکلالأعدادمنموقعالمؤسسةعلىالرابطالتالي: |