يحرم قرار الجزائر غلق المجال الجوي أمام الطيران العسكري الفرنسي المشارك في عملية “برخان”، يحرم الجيش الفرنسي من استعمال أي طائرات تكتيكية أو الانطلاق من المطارات العسكرية الفرنسية، إلا في حالة واحدة هي الاضطرار للتزود بالوقود في الجو، ويفرض على قيادة الجيش الفرنسي تعديلا كليا لمخططات عملياتها العسكرية، بما فيها مخطط سحب القوات العاملة في إطار “برخان”.
قرار الجزائر الأخير غلق المجال الجوي أمام الطيران الفرنسي المشارك في العملية العسكرية “برخان” لمكافحة الإرهاب في الساحل، يكشف تفاصيل مهمة حول الأهمية الحيوية التي لعبها قرار فتح المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات الفرنسية في عام 2013 لتنفيذ عملية “سرفال” (القط البري) العسكرية، وفي تسهيل تحقيق الانتصارات الكبيرة على الجماعات الإرهابية.
في الأشهر الثلاثة الأولى من بداية العملية العسكرية ضد الإرهاب في الساحل والصحراء، كان الطريق الجوي بين مسرح عمليات الحرب على الإرهاب في الساحل والصحراء في شمال مالي، ومناطق بشمال النيجر، وبين القواعد الجوية الفرنسية الكبيرة، مرورا بالأجواء الجزائرية، يسمح باستعمال الطائرات المقاتلة القاذفة التكتيكية بشكل خاص من فئة رافال التي يصل مداها الأقصى إلى 3700 كلم، وطائرات المراقبة.
وبينما كان من الممكن للطائرات الموجودة في الخدمة للقوات الجوية الفرنسية التي يمكن أن يصل مداها الأقصى إلى 3500 كلم، أن تنطلق من فرنسا، باتت الطائرات هذه الآن خارج الخدمة إلا في حالة المرافقة مع طائرات التزود بالجو.
المسار الجديد للطائرات العسكرية الفرنسية يمر عبر اسبانيا ثم المملكة المغربية، ثم أجواء الصحراء الغربية أو المحيط الأطلسي، ثم موريتانيا، وصولا إلى مالي، وهذا يرفع المسافة الواجب قطعها من ما بين 3300 و3500 كلم إلى ما يفوق 4100 كلم، بزيادة تتراوح بين 600 و800 كلم. وحتى تتضح الصورة أكثر؛ فإن القوات الفرنسية العاملة في الصحراء الكبرى تعتمد طبقا للمعلومات المنشورة في وسائل إعلام فرنسية في 100 بالمائة على النقل الجوي للتزود بالمؤن والذخائر، وفي إجلاء الجرحى، وكل هذا بات الآن أكثر كلفة للجيش الفرنسي من حيث عدد ساعات الطيران للطائرات المتخصصة في النقل، فضلا عن الكلفة المالية الإضافية.
وبينما فرضت الأعباء المالية الكبيرة على الدولة الفرنسية إلى اتخاذ قرار سحب قواتها من الساحل والصحراء، تضاف الآن أعباء مالية إضافية مفاجئة للعملية العسكرية المتواصلة الآن لمكافحة الإرهاب.
قرار الجزائر يفرض على الفرنسيين الآن توقيف استعمال أغلب طائرات ترسانة قواتهم الجوية واستعمال طائرات النقل فقط بين فرنسا ومالي، القرار يضع مخططات الجيش الفرنسي لسحب أغلب قواته العاملة في إطار عملية برخان تدريجيا أمام تحديات كبيرة، بل إن وزارة الدفاع الفرنسية ستضطر لإعادة طائرات كانت قد سحبتها من مالي على أساس إمكانية استغلالها مباشرة من مطارات فرنسية، وإعادة وحدات تعمل في خدمة الأطقم الجوية.
لأن القوات العاملة الآن في مالي تعتمد في 90 بالمائة من عملياتها على التغطية الجوية، وعلى تحليق شبه دائم للطائرات المتخصصة في الاستطلاع والطائرات المقاتلة، وبالمحصلة، فإن قرار القيادة السياسية الجزائرية الذي كشفت عنه صحف فرنسية عقب تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المثيرة للجدل، دفع بالتأكيد وزارة الدفاع وقيادة الجيش الفرنسي لتعديل جذري في كل مخططاتها، وهذا يفسر تنقل وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إلى باماكو قبل أيام على الأغلب لتوضيح الوضع للحكومة المالية التي ما تزال رهينة للوجود العسكري الفرنسي.
وتكشف مسارات الطائرات الحربية الفرنسية بعد غلق المجال الجوي الجزائري، أنها تضطر الآن للسير لمسافات تتراوح بين 3900 و4100 كلم بدل من الطيران حوالي 3300 إلى 3500 كلم في الرحلة بين القواعد الجوية الفرنسية والمطارات المالية، وهذا يعني أن غلق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات الحربية الفرنسية المشاركة في حرب مالي يزيد الضغوط على الطيران والطيارين الفرنسيين، ويزيد أيضا من مخاطر الطيران بشكل خاص، وأن المسار الثاني الجديد أو البديل، غير مألوف في الوقت الحالي لطيران النقل العسكري الفرنسي.